الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر –
كتاب الزكاة (4)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
اللهم اغفر لنا، ولشيخنا، وللحاضرين والمستمعين يا رب العالمين.
قال المؤلف رحمه الله:
باب: في الحلي والعروض إذا كانت للتجارة
عن ثابت بن عجلان عن عطاء عن أم سلمة رضي الله عنها أنها كانت تلبس أوضاحًا من ذهب، فسألت عن ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: أكنز هو؟ فقال: ((إذا أديت زكاته فليس بكنز)) رواه أبو داود والدارقطني، وهذا لفظه، والحاكم، وقال: صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه، وقال البيهقي: يتفرد به ثابت بن عجلان، وهذا لا يضر، فإن ثابتاً وثقه ابن معين، وروى له البخاري، والله أعلم.
وعن سمرة بن جندب قال: أما بعد: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعد للبيع" رواه أبو داود.
وروى البيهقي بإسناده عن أحمد بن حنبل حدثنا حفص بن غياث حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما
…
عمرَ، ابن عمرَ.
عن ابن عمرَ رضي الله عنهما قال: "ليس في العروض زكاة إلا ما كان للتجارة".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: في الحلي والعروض إذا كانت للتجارة
عندنا أمران، ترجمة لأمرين، للحلي وهو ما تتحلى به النساء {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ} [(18) سورة الزخرف] فالمرأة تحتاج إلى أن تتحلى وتتزين، فماذا عما تتزين به وتتحلى به؟ والعروض هي الأموال المعدة للتكسب والبيع والشراء.
"إذا كانت للتجارة" هذا قيد، ومؤثر، ومر بنا مراراً أنه إذا تعقب القيد المؤثر أو الاستثناء أو الوصف المؤثر أكثر من شيء هل يعود إليها جميعها، أو يعود إلى الأخير منها؟ لأن كلام أهل العلم ينبغي أن يكون دقيقاً مضبوطاً بضوابط العلم، الآن الترجمة عندنا "باب: في الحلي والعروض إذا كانت للتجارة" وعلى الخلاف الذي ذكرناه سابقاً، كونه يعود على الأخير، هذا أمر متفق عليه، العروض لا بد أن تكون معدة للتجارة، لكن الحلي هل يشترط أن يكون للتجارة أو لا؟
لا خلاف بين أهل العلم أن الحلي إذا أعد للتجارة أن فيه الزكاة، هذا محل إجماع، لكن إذا لم يعد للتجارة أعد للبس والاستعمال، القيد في الترجمة يخرجه، إذا قلنا: إنه يعود إلى الجملتين معاً، إلى الحلي، يعود إلى اللفظين، إلى الحلي والعروض، شريطة أن تكون للتجارة، مفهوم ذلك أنه إذا لم يكن الحلي ولم تكن العروض للتجارة أنه لا زكاة فيه، مع أن المؤلف في الترجمة لم يصرح لا بوجوب الزكاة، ولا بعدم وجوبها، إنما الأحاديث التي ذكرها تبين مراده من ذلك، فحديث أم سلمة في الحلي المعد للاستعمال، ومع ذلك فيه الزكاة، وأما بالنسبة للعروض فسيأتي الكلام فيها، وهو طويل لأهل العلم.
والكلام في المسألتين لا يسلم من إشكال؛ لأن الأدلة في المسألة الأولى وهي مسألة الحلي متعارضة، وتكاد أن تكون متعادلة، وهي في نظر الشنقيطي -رحمة الله تعالى عليه-، وهو أفضل من بحث المسألة في أضواء البيان من حيث الأثر والنظر، وفي الأخير قال: هي متساوية، وإخراج الزكاة في الحلي إنما هو من باب الاحتياط، يعني لا من باب الوجوب والإلزام؛ لأن الأصل براءة الذمة، والقاعدة أن ما أعد للقنية والاستعمال ولو علت قيمته أنه لا زكاة فيه ((ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة)) ولا أحد من أهل العلم يقول: إن البيت الذي يسكنه، أو السيارة التي يركبها، ولو كانت غالية الثمن أن فيها زكاة، فكل ما يعد للاستعمال والقنية هذا لا زكاة فيه.
على كل حال الأحاديث ذكر منها المؤلف حديث أم سلمة، وفي الباب أيضاً عن عائشة وعبد الله بن عمرو، والأحاديث الثلاثة كلها يستدل بها من يقول بوجوب الزكاة، زكاة الحلي، وهو قول الحنفية.
وعامة أهل العلم أنه لا زكاة في الحلي كسائر المقتنيات للاستعمال.
والأحاديث الثلاثة كلها فيها كلام، وحديث جابر:((ليس في الحلي زكاة)) أيضاً ضعيف، وإذا ضعفت الأحاديث والأخبار رجع إلى الأصل.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "عن ثابت بن عجلان عن عطاء عن أم سلمة رضي الله عنها أنها كانت تلبس أوضاحًا من ذهب" أوضاح من ذهب تلبسها، أسورة في ذراعيها، وقد تلبس المرأة في رجليها، وقد تلبس القروط في أذنيها، وقد تعلق القلادة في عنقها إلى غير ذلك من أنواع ما يتحلى به النساء.
"أنها كانت تلبس أوضاحاً من ذهب" والذهب حلال للإناث، حرام على الذكور، كالحرير.
"فسألت، أو قالت: فسألتُ" كأن الكلام عاد إليها، أنها كانت تلبس فسألتُ، أو "فسألت عن ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم" يعني مضبوطة فسألتُ، على كل حال الالتفات معروف في النصوص، وفي الأسلوب العربي "فسألت عن ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم فقالت: أكنز هو؟ " هي تسأل، يعني هل هذا الذي في يدي يدخل في الوعيد الشديد في: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ} [(34) سورة التوبة] "أكنز هو؟ فقال: ((إذا أديت زكاته فليس بكنز)) " فالمال الذي تؤدى زكاته ولو كان مطموراً تحت الأرض فليس بكنز، والمال الذي لا تؤدى زكاته ولو كان ظاهراً على وجه الأرض فإنه في العرف الشرعي والاصطلاح الشرعي كنز، يعذب به يوم القيامة.
" ((إذا أديت زكاته فليس بكنز)) رواه أبو داود والدارقطني، وهذا لفظه، والحاكم، وقال: صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه، وقال البيهقي: يتفرد به ثابت بن عجلان، وهذا لا يضر، فإن ثابتاً وثقه ابن معين، وروى له البخاري، والله أعلم" على كلٍ الحديث من حيث الصناعة قد يثبت، وقد يقال: إنه يصل إلى درجة الحسن، ويشهد له ما جاء من حديث عائشة وعبد الله بن عمرو، وهذه من أقوى الأدلة على وجوب الزكاة في الحلي، لكن الخصوم يعني في باب المناظرة يسمونهم خصوم، وإلا ليس هناك خصومة بين أهل العلم، إنما هي مناقشات من أجل الوصول إلى الحق، والشافعي رحمه الله يقول: والله لا يهمني أن يكون الحق معي أو مع غيري، المقصود أنه يبين الحق، هذه طريقته.
غيرهم يقول: إن هذه الأحاديث على خلاف الأصل، طيب من يقول بوجوب زكاة الحلي -من خلال هذا الحديث- هل يلغي النصاب أو لا يلغيه؟ يقول بالوجوب إذا بلغت نصاباً أو بالوجوب مطلقاً؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني يقيده بالأدلة الأخرى، فإذا لم يبلغ النصاب هل فيه زكاة وهو حلي؟ وحديث الباب نصاب أو غير نصاب؟ هو ما يدرى في الحقيقة، لكن ليس فيها بيان أنها بلغت، والغالب أنها لا تبلغ النصاب، لا سيما إذا كان المستعمل يسير، فعموم الأحاديث القائلة بوجوب الزكاة زكاة الحلي معناها أنه بلغ نصاب أو لم يبلغ.
على كل حال المسألة من عضل المسائل، والأدلة فيها متكافئة، والاحتياط إخراج الزكاة، والأصل براءة الذمة، والأصل أيضاً أن المستعمل لا زكاة فيه، وأن ما يقتنيه الإنسان للاستعمال فلا زكاة فيه.
وجاء ما يدل في بعض الأحاديث أن الزكاة بالنسبة للحلي هو الإعارة، كما جاء في قوله:{وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [(7) سورة الماعون] يعني توعد على منع الماعون من إعارته، فقد يؤاخذ الإنسان إذا حبس ما يحتاج إليه، وطلب منه، وهو في حال غنى عنه، فمن أهل العلم من يحمل الزكاة المذكورة في هذا الحديث، وما جاء في معناه على الزكاة اللغوية التي تشمل المال والمنفعة، فإذا أعير هذا الحلي فهذه زكاته، وهذا جواب عن هذه الأحاديث، والأحاديث لا شك أن فيها قوة، والقول بموجبها قول له حظ من النظر، ويُفتى به الآن، يعني بعد أن انتشرت هذه الأحاديث، وعرفت في أوساط الناس، ووجد من يتحرر من المذاهب من أهل العلم، قالوا بوجوب زكاة الحلي، وإلا فما كانت الفتوى على هذا، وعلى كل حال الرجال يعرفون بالحق والدليل، والحق لا يعرف بالرجال، فما دام هذه الأدلة فيها قوة فإخراج الزكاة من الحلي له وجه، والإلزام يحتاج إلى أمر أوضح وأصرح من هذه الأدلة مع وجود المعارض.
وعلى كل حال من أخرج الزكاة احتياطاً فله حظ من النظر، ومن قال بوجوبها مستنداً على هذه الأحاديث أيضاً عنده ما يعتمد عليه، ومن عمل بالأصل وأن جميع ما يقتنى ورأى أن هذه الأدلة لا يمكن أن تقاوم الأصل، فله أيضاً نصيبه من النظر، ولا شك أن الاحتياط في إخراج زكاة الحلي.
قال رحمه الله: "وعن سمرة بن جندب قال: أما بعد" كأنه خطب خطبة كما هو شأن الخطب أن تبتدئ بالحمد والثناء والصلاة، ثم قال: أما بعد، كسائر الخطب، أو كتب كتاباً ثم قال فيه بعد ذلك: أما بعد، وأما بعد سنة مأثورة عن النبي عليه الصلاة والسلام، رواها عنه أكثر من ثلاثين صحابياً في خطبه ومكاتباته.
يقول: "أما بعد: فإن" عرفنا في كتاب الجمعة أن (أما) حرف شرط وتفصيل، و (بعد) قائم مقام الشرط، وجواب الشرط ما بعد الفاء "فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم" وذكرنا في ذلك الباب الأقوال الثمانية في أول من قالها لأهل العلم.
جرى الخلف (أما بعد) من كان بادئاً
…
بها عُد أقوال وداود أقربُ
ويعقوب أيوب الصبور وآدم
…
وقس وسحبان وكعب ويعربُ
فقال بعضهم: إنها فصل الخطاب الذي أوتيه داود عليه السلام، ولا تتأدى السنة إلا بهذا اللفظ، ولا تتأدى السنة بإبدال (أما) بالواو كما يتداوله كثير من الناس الآن، ولا تحتاج إلى (ثم) كما يقوله بعض الناس اليوم، تجده يحدث ثم يقول:(ثم أما بعد) ما نحتاج إلى (ثم) إلا إذا احتجت إليها مرة ثانية لتنتقل من أسلوب إلى آخر.
"أما بعد: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعد للبيع" رواه أبو داود" لكنه حديث ضعيف، فيه أكثر من مجهول.
زكاة عروض التجارة نقل عليها الإجماع، إجماع أهل العلم، ولم يخالف في ذلك إلا الظاهرية، والظاهرية يختلف أهل العلم بالاعتداد في أقوالهم وفاقاً وخلافاً، هل يمكن أن ينقل الإجماع مع خلافهم أو لا ينقل؟ يقول النووي: ولا عبرة بقول داود؛ لأنه لا يرى القياس الذي هو أحد أركان الاجتهاد، الظاهرية لا يرون الزكاة في عروض التجارة؛ لأن أدلتها -ومنها حديث الباب- قد لا تثبت، يعني بالتصريح بها، وأما من العمومات الأخرى من نصوص الكتاب، وصحيح السنة، والقياس، وأيضاً الإجماع الذي ذكره ابن المنذر وغيره تدل على وجوب الزكاة في عروض التجارة، فثبوت الزكاة في عروض التجارة بالكتاب، يقول الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-:"باب صدقة الكسب والتجارة"؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [(267) سورة البقرة] قال ابن جرير: أي بتجارة أو صناعة.
ويقول الله -جل وعلا-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [(103) سورة التوبة]{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [(103) سورة التوبة] عروض التجارة أموال وإلا ليست أموال؟ أموال بلا خلاف، {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [(103) سورة التوبة] فعروض التجارة أموال، فيجب أن يؤخذ منها هذه الصدقة، والمراد بها الزكاة.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [(267) سورة البقرة] يعني من تجارة أو صناعة أو غيرهما.