المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الوصية بكتاب الله عز وجل - شرح المنظومة الميمية في الآداب الشرعية - جـ ٤

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌الوصية بكتاب الله عز وجل

قال النبي عليه الصلاة والسلام لعلي: ((لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)) واحد، ومعلم الناس الخير كم يهتدي على يديه، لا سيما إذا كان علمه وعمله وتوجيهه وتعليمه نابع من إخلاص لله -جل وعلا-، وإلا فكم ترون وتسمعون ممن يعلم ومن يفتي ومن يوجه وينصح، تجد الكلام لا أثر له، وهذا مرده إلى الإخلاص، والقبول من الله -جل وعلا-.

لواحد بك يهديه الإله لذا

خير غدا لك من حمر من النعمِ

((لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)) والدال على الخير كفاعله، ومن دل على هدى فله مثل أجر فاعله.

واسلك سواء الصراط المستقيم ولا

تعدل. . . . . . . . .

عليك بالصراط المستقيم، واسأل الله -جل وعلا- حيث أمرك في كل ركعة من ركعات الصلاة أن يهديك الصراط المستقيم، وأنت على الصراط المستقيم اسأل الله -جل وعلا- أن يثبتك على الصراط المستقيم، ولا تعدل عنه، لا يميناً ولا شمالاً، لا تعدل عن الصراط المستقيم "ولا تعدل" لا تميل عن هذا الصراط المستقيم.

"وقل ربي الرحمن واستقمِ"((قل آمنت بالله ثم استقم)) "قل ربي الرحمن واستقمِ" يعني على دينه وعلى صراطه المستقيم.

نعم.

‌الوصية بكتاب الله عز وجل

-

وبالتدبر والترتيل فاتلُ كتا

ب الله لا سيما في حندس الظلمِ

حكم براهينه واعمل بمحكمه

حلا وحظراً وما قد حده أقم

واطلب معانيه بالنقل الصريح ولا

تخض برأيك واحذر بطش منتقم

فما علمت بمحض النقل منه فقل

وكل إلى الله معنى كل منبهم

ثم المرا فيه كفر فاحذرنه ولا

يستهوينك أقوام بزيغهم

وعن مناهيه كن يا صاح منزجراً

والأمر منه بلا ترداد فالتزم

وما تشابه فوض للإله ولا

تخض فخوضك فيه موجب النقم

ولا تطع قول ذي زيغ يزخرفه

من كل مبتدع في الدين متهم

حيران ضل عن الحق المبين فلا

ينفك منحرفاً معوج لم يقم

هو الكتاب الذي من قام يقرؤه

كأنما خاطب الرحمن بالكلم

هو الصراط هو الحبل المتين هو الـ

ميزان والعروة الوثقى لمعتصم

هو البيان هو الذكر الحكيم هو التـ

تفصيل فاقنع به في كل منبهم

هو البصائر والذكرى لمدكر

هو المواعظ والبشرى لغير عمي

ص: 11

هو المنزل نوراً بيناً وهدىً

وهو الشفاء لما في القلب من سقم

لكنه لأولي الإيمان إذ عملوا

بما أتى فيه من علم ومن حكم

أما على من تولى عنه فهو عمى

لكونه عن هداه المستنير عمي

فمن يقمه يكن يوم المعاد له

خير الإمام إلى الفردوس والنعم

كما يسوق أولي الإعراض عنه إلى

دار المقامع والأنكال والألم

وقد أتى النص في الطولين أنهما

ظل لتاليهما في موقف الغمم

وأنه في غد يأتي لصاحبه

مبشراً وحجيجاً عنه إن يقم

والملك والخلد يعطيه ويلبسه

تاج الوقار الإله الحق ذو الكرم

يقال: اقرأ ورتل وارق في غرف الـ

جنات كي تنتهي للمنزل النعم

وحلتان من الفردوس قد كسيت

لوالديه لها الأكوان لم تقم

قالا: بماذا كسيناها؟ فقيل: بما

أقرأتما ابنكما فاشكر لذي النعم

لما انتهى الناظم -رحمه الله تعالى- من الوصايا العامة لطالب العلم أوصى بكتاب الله -جل وعلا-، ثم أردف ذلك بالوصية بالسنة، فقال -رحمه الله تعالى-:

الوصية بكتاب الله عز وجل

وبالتدبر والترتيل فاتلُ كتا

الله لا سيما في حندس الظلمِ

جاء الترغيب في قراءة القرآن، وأن لقارئه بكل حرف عشر حسنات ((لا أقول: آلم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)) فـ (آلم) ثلاثة حروف، فيها ثلاثون حسنة، وهذا على أقل تقدير، والمضاعفة من الله -جل وعلا- بكرمه الواسع الذي لا يحد تصل إلى سبعمائة ضعف، وجاء في حديث تكلم فيه أهل العلم في المسند:((إن الله ليضاعف لبعض عباده إلى ألفي ألف حسنة)) الحسنة إلى مليونين حسنة، إذا قرأت القرآن على الوجه المأمور به بالتدبر والترتيل حصل لك من الأجور الشيء الذي لا يخطر على بالك، ولا على بال غيرك، يعني أقل تقدير الختمة الواحدة فيها ثلاثة ملايين حسنة، وعند جمع من أهل العلم أن أجر الحروف يثبت بمجرد القراءة، ولذا يرجح بعضهم السرعة في القراءة كسباً لأجر الحروف، وهذا قول معروف عند الشافعية، ومنهم من يقول: لا، القراءة على الوجه المأمور به أعظم أجراً من السرعة، ولو قلت الحروف، الناظم -رحمه الله تعالى- يقول:

وبالتدبر والترتيل فاتلُ كتا

ب الله لا سيما في حندس الظلمِ

ص: 12

إذا قرأت في ساعة جزءاً واحداً بالتدبر والترتيل، وقرأ غيرك في الساعة خمسة أجزاء بالهذ أيهما أفضل؟ الخلاف معروف بين أهل العلم، الجمهور على أنك بالتدبر والترتيل تنال من الأجر أعظم مما يقرأه غيرك هذاً، ولو كان أكثر منك حروفاً، هذا قول الجمهور، وعند الشافعية أن تحصيل أجر الحروف أعظم، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

كيف؟

طالب:. . . . . . . . .

إيه معروف هذا، يعني افترض أن شخصاً يختم في الشهر عشر مرات، وآخر يختم في الشهر مرة واحدة، هذا الذي يختم عشر مرات أجره مضروبة الواحدة في ثلاثة ملايين، ثلاثين مليون حسنة في الشهر، والثاني الذي يتدبر ويرتل هذا أجر ختمة واحدة، لكنه أعظم في الكيفية وإن قلت الكمية.

فتدبر القرآن إن رمت الهدى

فالعلم تحت تدبر القرآنِ

شيخ الإسلام رحمه الله يقول: قراءة القرآن على الوجه المأمور به تورث القلب من العلم والإيمان والطمأنينة ما لا يدركه من لا يفعل هذا الفعل، فهذا أمر فائدته .. ، كثيراً ما يذكر ابن القيم رحمه الله مواقف حصلت له بسبب هذا، وفي أول فائدة من كتاب الفوائد ذكر أنموذج للتدبر وفهم القرآن، كتاب الفوائد لابن القيم أول فائدة ذكر أنموذجاً للتدبر، لتدبر كلام الله -جل وعلا- من خلال سورة (ق) ابن القيم رحمه الله في الهدي يقول: هذا الذي يختم عشر مرات في الشهر، وذاك الذي يختم مرة واحدة في الشهر مثاله كمن أهدى درة واحدة، وهذا أهدى عشر درر، أهدى عشر، وهذا أهدى درة واحدة، أو هذا حصل له عشر، وهذا حصل له درة واحدة، فذهبا إلى السوق وعرضا ما معهما من هذه الجواهر الثمينة، هذه العشر الواحدة بألف، المجموع عشرة آلاف، وهذه الواحدة بمائة ألف، هذه باع العشر بعشرة آلاف، وهذا باع الواحدة بمائة ألف، هذا تنظير لمن يقرأ بالتدبر والترتيل مع قلة الحروف، والثاني مع كثرة الحروف.

ص: 13

بعضهم يقول: إن الذي يقرأ ولا يفقه ولا يعقل هذا مذموم، وجاء عن ابن مسعود وغيره ذم هذه الطريقة، لا شك أنها في مقابل التدبر والترتيل المأمور به، يعني التدبر جاء في أربعة مواضع من القرآن، جاء في سورة النساء، وجاء في سورة المؤمنون، وجاء في (ص) وجاء في (محمد) القتال، والترتيل جاء في المزمل، وجاء في أيضاً نصوص أخرى من السنة.

المقصود أن الوجه المأمور به لقراءة القرآن بالتدبر والترتيل، لكن ماذا عن شخص اعتاد السرعة والهذ وحاول مراراً أن يتدبر ويرتل وعجز؟ لأن العادة لا شك أنها تملك الإنسان، يعني هؤلاء الذين يسرعون في السيارات إذا ركب السيارة صار يمشي على ما يقولون: طبلون السيارة يمشي مائتين مائة وثمانين، ثم بعد ذلك يرى حادث ويتأثر، ثم يرفق قليلاً قليلاً ثم يرجع إلى ما تعود، هذا نظير من تعود السرعة في القرآن، تجده يسرع، ثم إذا مر عليه:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [(24) سورة محمد] هدأ، وصار يرتل إلى أن يكمل السورة بعد يمكن يكمل أو لا يكمل ثم يعود إلى طريقته، وهذا الذي يسرع في السيارة يسرع يمشي مائة وثمانين مائتين، فإذا رأى حادث هدأ، صار يمشي سبعين ثمانين، ثم ينسى يزيد إلى المائة مائة وعشرين وخمس عشر دقائق ورجع إلى طريقته، فالمسألة مسألة تعود، فالذي لا يستطيع أن يقرأ القرآن على الوجه المأمور به بالتدبر والترتيل خير علاج له أن يسمع، يسمع القراءات المؤثرة من القراء المعروفين بصلاحهم، ويجاهد نفسه في التدبر والترتيل، وعرف من المتقدمين من تختلف عنده القراءة، فعنده القراءات لتحصيل الحروف، وكان يختم في كل يوم، وقراءة للتدبر مكث فيها أكثر من عشرين سنة، يمكن كل يوم آية، يتدبر كل يوم آية، ويمكن يراجع عليها كل التفاسير، فلا شك أن الوجه المأمور به هو التدبر والترتيل كما قال الناظم -رحمه الله تعالى-:

وبالتدبر والترتيل فاتلُ كتا

ب الله لا سيما في حندس الظلمِ

ص: 14

في الليل؛ لأنه أبعد عن المشاغل، وأفرغ للقلب، والمشاغل أكثر ما تكون في النهار، وإن كان ظرفنا الذي نعيشه قد يكون انعكس، يعني عندك من الساعة الثامنة إلى أذان الظهر هذا في الظرف الذي نعيشه مثل حندس الظلم في السابق، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

نعم تخلو الشوارع ولا أحد يتصل، ولا أحد يعترض على أحد، نعم.

ص: 15

على كل حال المستمع ما هو بالسامع، المستمع أجره عظيم، ويشتركان في الأجر إلا أن معاناة القراءة يختص بها القارئ، لا سيما في حندس الظلم لأنه أخفى، وأفرغ إلى القلب والبال، وأحضر للقلب، لكن ماذا عن حديث:((الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة))؟ لأن بعض الناس طريقته في القراءة سراً، لا يسمع منه ولا حرف، وبعض الناس يجهر، أيهما أفضل؟ يعني ما جاء في قول الله -جل وعلا-:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} [(110) سورة الإسراء] يدل على أن التوسط هو المطلوب، لكن هذا الحديث يدل على أن المسر بالقراءة أفضل، لكن هل المسر بالقراءة والجاهر بها في الحديث يعني في كيفية الأداء أو في الاستخفاء عن الناس؟ نعم الاستخفاء عن الناس، المقصود أن يقرأ في مكان يستخفي به عن الناس، كما أنه يتصدق بصدقة لا يعلمها أحد، كما جاء في حديث السبعة:((رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)) فالمسر بالقرآن الذي يتخذ مكاناً بعيداً عن نظر الناس لا شك أنه أقرب إلى الإخلاص، وأدعى إلى حضور القلب، بخلاف من كانت قراءته في مجامع الناس، لكن إذا كان ممن يقتدى به، وطلاب العلم يرون أهل العلم ليس هناك وقت لقراءة القرآن عندهم، يعني يخيل لطلاب العلم الآن أن المشايخ ما يقرؤون قرآن، أول النهار في الدوام، ثم بعد ذلك يرتاحون، ثم دروس، ثم اجتماعات، ثم نوم وهكذا، هم لهم نصيب من التعبد من قيام ومن تلاوة ما في إشكال، لكن أين هذا من عمل المتقدمين الذين ديدنهم النظر في عهد الله والنظر في كتابه؟ يوجد من شيوخنا المعاصرين الآن من يضاهي المتقدمين في تلاوة القرآن، مع أنه قائم بأعمال كبيرة جداً، يداوم دوام كامل، وله أيضاً دروس، وله ارتباطات واجتماعات، ومع ذلك يقرأ القرآن في ثلاث، لكن ما يلزم أن يكون على مرأى من طلاب العلم، نعم طلاب العلم يحتاجون إلى قدوات، ولذلك نجد كثير من الحفاظ قراءة القرآن ليس لها نصيب عندهم، يقرؤون في العلوم الأخرى أضعاف أضعاف ما يقرؤون القرآن، بل يتعجب بعضهم إذا جاء إلى المسجد ووجد الشيخ يقرأ فقال له: أنا أريد معي كتاب اقرأ عليك،

ص: 16

فيقول الشيخ: والله أنا مشغول، ثم يتعجب هذا الطالب يقول: مشغول وهو جالس يقرأ قرآن! يعني سمعت هذه بالحرف، سمعت ما هي افتراضيه، كأن القرآن لا نصيب له من عمر الإنسان، فإذا كانت قراءة القرآن في المجامع في المساجد في المواضع الذي يجتمع فيها الناس من قبل القارئ ليقتدى به، يقتدي به طلاب العلم، يقتدي به عامة الناس، يقتدي به أهل الغفلة، فلا شك أن له من الأجر مثل أجورهم، وهذا قد يعرض للأمر المفوق ما يجعله فائقاً.

لعلنا نستأنف الوصية بكتاب الله غداً -إن شاء الله تعالى-.

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد

ص: 17