المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ كتاب البيوع (2) - شرح الموطأ - عبد الكريم الخضير - جـ ١٠٥

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌ كتاب البيوع (2)

بسم الله الرحمن الرحيم

شرح: الموطأ -‌

‌ كتاب البيوع (2)

تابع باب: العينة وما يشبهها

الشيخ: عبد الكريم الخضير

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لكي يرتبط الكلام الدليل السادس.

طالب: أحسن الله إليك.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا حي يا قيوم.

قال الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى-:

الدليل السادس: ما رواه أبو داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا)) وللعلماء في تفسيره قولان، أحدهما أن يقول: بعتك بعشرة نقداً وعشرين نسيئة، وهذا هو الذي رواه أحمد عن سماك، ففسره في حديث ابن مسعود قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ....

ويفترقان مع ذلك قبل أن يحسم البيع، لكن خيره قال: خذه بعشرة نقداً أو بعشرين نسيئة خيره فاختار أحدهما، ما فيه إشكال، تفرقا قبل حسم السعر الثمن صارت العشرة في مقابل العشرين فهو الربا، فلا يجوز له أن يأخذ الزيادة على العشرة، نعم.

طالب: أحسن الله إليك.

وهذا هو الذي رواه أحمد عن سماك ففسره في حديث ابن مسعود قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة.

قال سماك: الرجل يبيع البيع فيقول: هو علي نسئ بكذا وبنقد بكذا، وهذا التفسير ضعيف فإنه لا يدخل الربا في هذه الصورة.

يدخل إذا تفرقا من غير حسم؛ لأن العشرة تكون في مقابل العشرين، العشرة إذا كانت في مقابل العشرين دخل الربا، أما إذا حسم العقد قبل التفرق لا يدخل الربا، نعم.

ص: 1

ولا صفقتين هنا، وإنما هي صفقة واحدة بأحد الثمنين، التفسير الثاني أن يقول: أبيعكها بمائة إلى سنة، على أن أشتريها منك بثمانين حالة، وهذا معنى الحديث الذي لا معنى له غيره، وهو مطابق لقوله:((فله أوكسهما أو الربا)) فإنه إما أن يأخذ الثمن الزائد فيربي، أو الثمن الأول فيكون هو أوكسهما، وهو مطابق لصفقتين في صفقة، فإنه قد جمع صفقتي النقد والنسيئة في صفقة واحدة ومبيع واحد، وهو قصد بيع دراهم عاجلة بدراهم مؤجلة أكثر منها، ولا يستحق إلا رأس ماله، وهو أوكس الصفقتين، فإن أبى إلا الأكثر كان قد أخذ الربا فتدبر مطابقة هذا التفسير لألفاظه صلى الله عليه وسلم وانطباقه عليها، ومما يشهد لهذا التفسير ما رواه الإمام أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيعتين في بيعة، وعن سلف وبيع، فجمعه بين هذين العقدين في النهي لأن كل منهما يؤول إلى الربا؛ لأنهما في الظاهر بيع، وفي الحقيقة ربا، ومما يدل على تحريم العينة حديث ابن مسعود يرفعه:((لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه والمحل والمحلل له)) ومعلوم أن الشاهدين والكاتب إنما يكتب ويشهد على عقد صورته جائزة الكتابة والشهادة لا يشهد بمجرد الربا ولا يكتب، ولهذا قرنه بالمحلِل والمحلَل له حيث أظهرا صورة النكاح ولا نكاح، كما أظهر الكاتب والشاهدان صورة البيع ولا بيع، وتأمل كيف لعن في الحديث الشاهدين والكاتب والآكل والموكل، فلعن المعقود له والمعين له على ذلك العقد، ولعن المحلِل والمحلَل له، فالمحلل له هو الذي يقعد التحليل لأجله، والمحلل هو المعيّن

هو المُعين.

طالب: أحسن الله إليك.

هو المعين له بإظهار صورة العقد، كما أن المرابي هو المعان على أكل الربا بإظهار صورة العقد المكتوب المشهود به، فصلوات الله على من أوتي جوامع الكلم.

ص: 2

الدليل السابع: ما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إذا استقمت بنقد فبعت بنقد فلا بأس، وإذا استقمت بنقد فبعت بنسيئة فلا خير فيه، تلك ورق بورق، رواه سعيد وغيره، ومعنى كلامه أنك إذا قومت السلعة بنقد ثم بعتها بنسيئة كان مقصود المشتري شراء دراهم معجلة بدراهم مؤجلة، وإذا قومتها بنقد ثم بعتها به فلا بأس، فإن ذلك بيع المقصود منه السلعة لا الربا.

الدليل الثامن: ما رواه ابن بطة عن الأوزاعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يأتي على الناس زمان يستحلون الربا بالبيع)) يعني العينة، وهذا وإن كان مرسلاً فهو صالح للاعتضاد به، لا سيما وقد تقدم من المرفوع ما يؤكده، ويشهد له أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم:((ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها)) وقوله أيضاً فيما رواه إبراهيم الحربي من حديث أبي ثعلبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أول دينكم نبوة ورحمة، ثم خلافة ورحمة، ثم ملك ورحمة، ثم ملك وجبرية، ثم ملك عضوض، يستحل فيه الحر والحرير)) والحر بكسر الحاء وتخفيف الراء هو الفرج، فهذا إخبار عن استحلال المحارم، ولكنه بتغيير أسمائها وإظهارها في صور تجعل وسيلة إلى استباحتها، وهي الربا والخمر والزنا فيسمى كل منها بغير اسمها، ويستباح الاسم الذي سمي به، وقد وقعت الثلاثة، وفي قول عائشة -رضي الله تعالى عنها-: بئس ما شريت وبئس ما اشتريت دليل على بطلان العقدين معاً، وهذا هو الصحيح من المذهب؛ لأن الثاني عقد ربا، والأول وسيلة إليه، وفي قول آخر في المذهب أن العقد الأول صحيح؛ لأنه تم بأركانه وشروطه، فطريان الثاني عليه لا يبطله، وهذا ضعيف فإنه لم يكن مقصوداً لذاته وإنما جعله وسيلة إلى الربا.

إذا كانت النية مبيتة عند العقد الأول فهو باطل، إذا كانت نية بيع العينة عند العقد الأول فهو باطل، لكن إن طرأت بعد تمامه فلا أثر لها على العقد الأول، إذا اشترى من صاحب السلعة سلعته بأجل بثمن مرتفع على أن يشتريه منه فالعقدان كلاهما باطل، لكن إن اشترى ثم بعد ذلك طرأ له أن يبيع عليه العقد الأول صحيح، نعم.

طالب: أحسن الله إليك.

ص: 3

فهو طريق إلى المحرم فكيف يحكم بصحته؟ وهذا القول لا يليق بقواعد المذهب، فإن قيل: فما تقولون فيمن باع سلعة بنقد ثم اشتراها بأكثر منه نسيئة؟ قلنا: قد نص أحمد رحمه الله في رواية حرب على أنه لا يجوز إلا أن تتغير السلعة؛ لأن هذا يتخذ وسيلة إلى الربا.

يعني عكس مسألة العينة، يبيع السلعة بثمن نقد، ثم يشتريها من الذي اشتراها منه بثمن أكثر، عكس مسألة العينة، والقصد من ذلك كله التحايل.

طالب: أحسن الله إليك.

فهو كمسألة العينة سواء، وهي عكسها ....

إلا أن منعها بالإلحاق لا بالنص، نعم.

طالب: أحسن الله إليك.

وهي عكسها صورة، وفي الصورتين قد ترتب في ذمته دراهم مؤجلة بأقل منها نقداً، لكن في إحدى الصورتين البائع هو الذي اشتغلت ذمته، وفي الصور الأخرى المشتري هو الذي اشتغلت ذمته، فلا فرق بينهما، وقال بعض أصحابنا: يحتمل أن تجوز الصورة الثانية إذا لم يكن ذلك حيلة ولا مواطأة بل وقع اتفاقاً، وفرق بينهما وبين الصورة الأولى بفرقين.

فهو وقع اتفاقاً يعني من غير تبييت ومن غير قصد من الطرفين؛ لأن هذه اللفظة ملبسة، بعض الناس يفهم هذه الكلمة على أنه اتفاق بين الطرفين، وليس المقصود إنما وقعت عفواً صدفة من غير اتفاق، ومن غير مواطأة، يعني اتفق وقوعها لا أنه اتفق عليها، نعم.

طالب: أحسن الله إليك.

وفرق بينهما وبين الصورة الأولى بفرقين أحدهما أن النص ورد فيها.

يعني في الأولى لا في الثانية، نعم.

طالب: أحسن الله إليك.

فيبقى ما عداها على أصل الجواز، والثاني: أن التوسل إلى الربا بتلك الصورة أكثر من التوسل بهذه، والفرقان ضعيفان، أما الأول: فليس في النص ما يدل على اختصاص العينة بالصورة الأولى حتى تتقيد به نصوص مطلقة على تحريم العينة، والعينة فعلة من العين النقد، قال ....

عينة فعيلة.

طالب: أحسن الله إليك، مكتوب فعلة

وزنها؟ زنتها؟ كم حروفها؟

طالب: رباعية.

لا، على ما ذكرت لك صحح.

طالب: أحسن الله إليك.

قال الشاعر:

أندان أم نعتان أم ينبري لنا فتى

مثل نصل السيف ميزت مضاربه

ص: 4

قال الجوزجاني: أنا أظن أن العينة إنما اشتقت من حاجة الرجل إلى العين من الذهب والورق، فيشتري السلعة ويبيعها بالعين الذي احتاج إليها وليست به إلى السلعة حاجة، وأما الفرق الثاني فكذلك

يعني هل الصورة الثانية يشملها عموم الحديث وهي صورة من صوره، أو أنه صورة واحدة؟ العينة صورة واحدة وما يشاركها في العلة يكون منعه بالإلحاق؟ يعني هل ورد تفسير العلة مرفوع بالصورة الأولى؟ ما هو مرفوع، ولذا الإمام مالك أدخل في العينة ما ليس منها، عند جمهور أهل العلم، لكن كل ما يتصور فيه التحايل على الربا، وترجع فيه عين السلعة إلى صاحبها تكون عينة.

طالب: أحسن الله إليك.

وأما الفرق الثاني فكذلك ....

نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

لا لا، لا يلحق بها، نعم.

طالب: أحسن الله إليك.

وأما الفرق الثاني فكذلك؛ لأن المعتبر في هذا الباب هو الذريعة، ولو اعتبر فيه الفرق من الاتفاق القصد لزم طرد ذلك في الصورة الأولى، وأنتم لا تعتبرونه.

وإن قيل: فما تقولون إذا لم تعد السلعة إليه، بل رجعت إلى ثالث، هل تسمون ذلك عينة؟ قيل: هذه ....

هذه مسألة التورق المعروفة عند أهل العلم، نعم.

طالب: أحسن الله إليك.

قيل: هذه مسألة التورق؛ لأن المقصود منها الورق، وقد نص ....

ابن القيم يجيزها، وشيخ الإسلام يمنعها، ويقول: إنه راجع شيخه مراراً فلم يرجع عن رأيه، نعم.

طالب: أحسن الله إليك.

لأن المقصود منها الورق، وقد نص أحمد -رحمه الله تعالى- في رواية أبي داود على أنها من العينة، وأطلق عليها اسمها، وقد اختلف السلف في كراهيتها، فكان عمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى- يكرهها، وكان يقول: التورق آخية الربا ورخص ....

يعني أصله ومداره، نعم.

طالب: أحسن الله إليك.

ص: 5

ورخص فيها إياس بن معاوية وعن أحمد فيها روايتان منصوصتان، وعلل الكراهة في إحداهما بأنه بيع مضطر، وقد روى أبو داود عن علي -رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المضطر، وفي المسند عن علي قال: سيأتي على الناس زمان يعظ المؤمن على ما في يده ولم يؤمر بذلك، قال تعالى:{وَلَا تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [(237) سورة البقرة] ويبايع المضطرون، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر، وذكر الحديث، فأحمد -رحمه الله تعالى- أشار إلى أن العينة إنما تقع من رجل مضطر إلى نقد؛ لأن الموسر يظن عليه بالقرض فيضطر إلى أن يشتري منه سلعة، ثم يبيعها، فإن اشتراها منه بائعها كانت عينة، وإن باعها من غيره فهي التورق، ومقصوده في الموضعين في الثمن فقد حصل في ذمته ثمن مؤجل مقابل لثمن حال أنقص منه، ولا معنى للربا إلا هذا، لكنه رباً بسلم لم يحصل له مقصوده إلا بمشقة ولو لم يقصده كان رباً بسهولة، وللعينة صورة رابعة وهي أخت صورها، وهي أن يكون عند الرجل المتاع فلا يبيعه إلا نسيئة، ونص أحمد على كراهية ذلك، فقال: العينة أن يكن عنده المتاع فلا يبيعه إلا بنسيئة، فإن باع بنسيئة ونقد فلا بأس، وقال أيضاً: أكره للرجل أن لا يكون له تجارة غير العينة فلا يبيع بنقد، قال ابن عقيل: إنما كره ذلك

إنما قصده الزيادة في الثمن، ولو لم ترجع إليه سلعته، ولو باعه من محتاج إليه، لكن يقول: أنا لا أبيع بالنقد؛ لأن النقد ما فيه ربح، ربح واحد بالمائة اثنين بالمائة ما تكفي، لكن إذا باعه بنسيئة كسب عشرة عشرين بالمائة، وليس بحاجة إلى الأموال عنده أموال، فهذه من صور العينة عند الإمام أحمد، وهو يكرهها، نعم.

طالب: أحسن الله إليك.

طالب:. . . . . . . . .

يطلق الكراهة يريد بها كراهة التحريم، لكن في مثل هذا ما يمكن يحمل على التحريم، نعم.

طالب: أحسن الله إليك.

ص: 6