الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: الموطأ -
كتاب البيوع (21)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
أحسن الله إليك.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الله اغفر لشيخنا، واجزيه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا حي يا قيوم.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
كتاب: المساقاة
باب: ما جاء في المساقاة
حدثنا يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليهود خيبر يوم افتتح خيبر: ((أقركم فيها ما أقركم الله عز وجل على أن الثمر بيننا وبينكم)) قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحه فيخرّص
فيخرُص.
أحسن الله إليك.
فيخرص بينه وبينهم، ثم يقول: إن شئتم فلكم، وإن شئتم فلي، فكانوا يأخذونه.
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث عبد الله بن رواحة إلى خيبر فيخرص بينه وبين يهود خيبر، قال: فجمعوا له حلياً من حلي نسائهم، فقالوا له: هذا لك، وخفف عنا وتجاوز في القسم، فقال عبد الله بن رواحة: يا معشر اليهود والله إنكم لمن أبغض خلق الله إلي، وما ذاك بحاملي على أن أحيف عليكم، وأما ما عرضتم من الرشوة فإنها سحت، وإنا لا نأكلها، فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض.
قال مالك رحمه الله: إذا سقى الرجل النخل وفيها البياض
…
ساقى.
أحسن الله إليك.
إذا ساقى الرجل النخل وفيها البياض فما ازدرع الرجل الداخل في البياض فهو له، قال: وإن اشترط صاحب الأرض أنه يزرع في البياض لنفسه فذلك لا يصلح؛ لأن الرجل الداخل في المال يسقي لرب الأرض فذلك زيادة ازدادها عليه، قال: وإن اشترط الزرع بينهما فلا بأس بذلك، إذا كانت المئونة كلها على الداخل في المال، البذر والسقي والعلاج كله، فإن اشترط الداخل في المال على رب المال أن البذر عليك كان ذلك غير جائز؛ لأنه قد اشترط على رب المال زيادة ازدادها عليه، وإنما تكون المساقاة على أن على الداخل في المال المئونة كلها والنفقة، ولا يكون على رب المال منها شيء، فهذا وجه المساقاة المعروف.
قال مالك رحمه الله في العين تكون بين رجلين فينقطع ماؤها، فيريد أحدهما أن يعمل في العين، ويقول الآخر: لا أجد ما أعمل به، إنه يقال للذي يريد أن يعمل في العين: اعمل وانفق، ويكون لك الماء كله تسقي به حتى يأتي صاحبك بنصف ما أنفقت، فإذا جاء بنصف ما أنفقت أخذ حصته من المال
…
من الماء.
أحسن الله إليك.
سم.
أخذ حصته من الماء.
أحسن الله إليك.
أخذ حصته من الماء، وإنما أعطي الأول الماء كله لأنه أنفق ولو لم يدرك شيئاً بعمله لم يعلق الآخر من النفقة شيء.
قال مالك: وإذا كانت النفقة كلها والمئونة على رب الحائط، ولم يكن على الداخل في الماء شيء إلا أنه يعمل بيده، إنما هو أجير ببعض الثمر، فإن ذلك لا يصلح؛ لأنه لا يدري كم إجارته، إذ لم يسم له شيئاً يعرفه ويعمل عليه، لا يدري أيقل ذلك أم يكثر؟
قال مالك: وكل مقارض أو مساق فلا ينبغي له أن يستثني من المال ولا من النخل شيئاً دون صاحبه، وذلك أنه يصير له أجيراً بذلك يقول: أساقيك على أن تعمل لي في كذا وكذا نخلة تسقيها وتأبرها، وأقارضك في كذا وكذا من المال على أن تعمل لي بعشرة دنانير، ليست مما أقارضك عليه، فإن ذلك لا ينبغي ولا يصلح، وذلك الأمر عندنا.
قال مالك: والسنة في المساقاة التي يجوز لرب الحائط أن يشترطها على المساقي: شد الحظار، وخم العين، وسرو الشرب، وآبار النخل، وقطع الجريد، وجذ الثمر، فهذا وأشباهه على أن للمساقي شطر الثمر، أو أقل من ذلك أو أكثر، إذا تراضيا عليه، غير أن صاحب المال لا يشترط ابتداء عمل جديد يحدثه العامل فيها من بئر يحتفرها، أو عين يرفع رأسها، أو غراس يغرسه فيها، يأتي بأصل ذلك من عنده، أو ضفيرة يبينها
…
يبنيها.
أحسن الله إليك.
أو ضفيرة يبنيها، تعظم فيها نفقته، وإنما ذلك بمنزلة أن يقول رب الحائط لرجل من الناس: ابن لي ها هنا بيتاً، أو احفر لي بئراً، أو أجر لي عيناً، أو اعمل لي عملاً بنصف ثمر حائطها، هذا قبل أن يطيب ثمر الحائط، ويحل بيعه، فهذا بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها.
قال مالك: فأما إذا طاب الثمر وبدا صلاحه، وحل بيعه، ثم قال رجل لرجل: اعمل لي بعض هذه الأعمال -لعمل يسميه له- بنصف ثمر حائطي هذا، فلا بأس بذلك، إنما استأجره بشيء معروف معلوم، وقد رآه ورضيه، فأما المساقاة فإنه إن لم يكن للحائط ثمر، أو قل ثمره، أو فسد فليس له إلا ذلك، وأن الأجير لا يستأجر إلا بشيء مسمى، لا تجوز الإجارة إلا بذلك، وإنما الإجارة بيع من البيوع، إنما يشتري منه عمله، ولا يصلح ذلك إذا دخله الغرر؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر.
قال مالك: السنة في المساقاة عندنا أنها تكون في أصل كل نخل أو كرم أو زيتون أو رمان أو فرسك أو ما أشبه ذلك من الأصول جائز لا بأس به، على أن لرب المال نصف الثمر من ذلك، أو ثلثه أو ربعه أو أكثر من ذلك أو أقل.
قال مالك: والمساقاة أيضاً تجوز في الزرع إذا خرج واستقل فعجز صاحبه عن سقيه وعمله وعلاجه فالمساقاة في ذلك أيضاً جائزة.
قال مالك: لا تصلح المساقاة في شيء من الأصول مما تحل به المساقاة إذا كان فيه ثمر قد طاب، وبدا صلاحه وحل بيعه، وإنما ينبغي أن يساقي من العام المقبل، وإنما مساقات ما حل بيعه من الثمار إجارة؛ لأنه إنما ساقها صاحب الأصل ثمر قد بدا صلاحه على أن يكفيه إياه ويجذه له بمنزلة الدنانير والدراهم يعطيه إياها، وليس ذلك بالمساقاة، إنما المساقاة ما بين أن يجذ النخل إلى أن يطيب الثمر ويحل بيعه.
قال مالك: ومن ساقى ثمر في أصل قبل أن يبدو صلاحه، ويحل بيعه فتلك المساقاة بعينها جائزة.
قال مالك: ولا ينبغي أن تساقى الأرض البيضاء، وذلك أنه يحل لصاحبها كرائها بالدنانير والدراهم، وما أشبه ذلك من الأثمان المعلومة، قال: فأما الرجل الذي يعطي أرضه البيضاء بالثلث أو الربع مما يخرج منها فذلك مما يدخله الغرر؛ لأن الزرع يقل مرة، ويكثر مرة، وربما هلك رأساً، فيكون صاحب الأرض قد ترك كراء معلوماً يصلح له أن يكاري أرضه به، وأخذ أمراً غرراً، لا يدري أيتم أم لا يتم، فهذا مكروه، وإنما ذلك مثل رجل استأجر أجيراً بسفر بشيء معلوم، ثم قال الذي استأجر الأجير: هل لك أن أعطيك عشر ما أربح في سفري هذا إجارة لك؟ فهذا لا يحل، ولا ينبغي.
قال مالك: ولا ينبغي لرجل أن يؤاجر نفسه ولا أرضه ولا سفينته إلا بشيء معلوم لا يزول إلى غيره.
قال مالك: وإنما فرق بين المساقاة في النخل والأرض البيضاء أن صاحب النخل لا يقدر على أن يبيع ثمرها حتى يبدو صلاحها، وصاحب الأرض يكريها، وهي أرض بيضاء لا شيء فيها.
قال مالك: والأمر عندنا في النخل أيضاً أنها تساقى السنين الثلاث أو الأربع أو أقل من ذلك أو أكثر، قال: وذلك الذي سمعت، وكل شيء مثل ذلك من الأصول بمنزلة النخل يجوز فيه لمن ساقه من السنين مثل ما يجوز في النخل.
قال مالك: في المساقي أنه لا يأخذ من صاحبه الذي ساقه شيئاً من ذهب ولا ورق يزداده، ولا طعام ولا شيء من الأشياء لا يصلح ذلك، ولا ينبغي أن يأخذ المساقي من رب الحائط شيئاً يزيده إياه من ذهب، ولا ورق، ولا طعام ولا شيء من الأشياء، والزيادة فيما بينهما لا تصلح.
قال مالك: والمقارض أيضاً بهذه المنزلة لا يصلح إذا دخلت الزيادة في المساقاة أو المقارضة صارت إجارة، وما دخلته الإجارة فإنه لا يصلح، ولا ينبغي أن تقع الإجارة بأمر غرر، لا يدري أيكون أم لا يكون؟ أو يقل أو يكثر؟.
قال مالك في الرجل يساقي الرجل الأرض فيها النخل والكرم، وما أشبه ذلك من الأصول، فيكون فيها الأرض البيضاء، قال مالك: إذا كان البياض تبعاً للأصل، وكان الأصل أعظم ذلك أو أكثره، فلا بأس بمساقاته، وذلك أن يكون النخل الثلثين أو أكثر، ويكون البياض الثلث أو أقل من ذلك، وذلك أن البياض حينئذٍ تبع للأصل، وإذا كانت الأرض البيضاء فيها نخل أو كرم، أو ما يشبه ذلك من الأصول، فكان الأصل الثلث أو أقل، والبياض الثلثين أو أكثر، جاز في ذلك الكراء، وحرمت فيه المساقاة، وذلك أن من أمر الناس أن يساقوا الأصل وفيه البياض، وتكرى الأرض وفيها الشيء اليسير من الأصل، أو يباع المصحف أو السيف، وفيهما الحلية من الورق بالورق، أو القلادة أو الخاتم، وفيهما الفصوص والذهب بالدنانير، ولم تزل هذه البيوع جائزة، يتبايعوها الناس ويبتاعونها، ولم يأتِ في ذلك شيء موصوف موقوف عليه، إذا هو بلغه كان حراماً أو قصر عنه كان حلالاً، والأمر في ذلك عندنا الذي عمل به الناس، وأجازوه بينهم أنه إذا كان الشيء من ذلك الورق أو الذهب تبعاً لما هو فيه جاز بيعه، وذلك أن يكون النصل أو المصحف أو الفصوص قيمتها الثلثان أو أكثر، والحلية قيمتها الثلث أو أقل.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب: المساقاة
باب: ما جاء في المساقاة