الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: "وحدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يمنع فضل الماء)) "((لا يمنعُ)) (لا) هذه نافية، ولو كانت ناهية لجزمت، لا يمنعْ، وهذه النافية المراد منها النهي، وأهل العلم يقولون: إن النفي أبلغ من النهي؛ لأنه على هذا يكون الأصل أن المسلم لا يَمنع، ما يحتاج إلى نهي؛ لأن هذا الأصل في المسلم أنه لا يمنع، لكن إن منع نهي عن ذلك.
قال: ((لا يمنع فضل الماء)) يعني القدر الزائد عن الحاجة ((ليمنع به الكلأ)) فضل الماء الزائد عن حاجة الأعلى إلى ما دونه، الناس يبعلون في البراري لهم بعل أو بعول، فلا يمنع فضل الماء الزائد عن حاجته لبعله، مثل ما جاء في الزراعة؛ ليتضرر، يمنع به الكلأ الذي يليه، تأخذ حاجتك وترسله إلى من بعدك، وتتركه ينساب في الصحاري ليخرج الكلأ.
والقصد من هذه الأمور أن الناس يتعاملون بالانتفاع، كل واحد ينتفع بالآخر، وكل واحد يسدي إلى الآخر، ما ينفعه من غير مشاحة ولا مشاحنة، وتسري روح الأخوة بين المسلمين، لكن إن حصل ما حصل من المشاحة والمشاحنة فلا بد من القضاء؛ ليحسم هذه المشاحنات، ويكون بالحد الشرعي، وهو إلى الجدر أو الكعبين، وبعد ذلك يرسل.
"وحدثني مالك عن أبي الرجال" محمد بن عبد الرحمن، أبو الرجال هذه كنية، محمد بن عبد الرحمن؛ لأنه له كم ولد؟ نعم عشرة، كلهم بلغوا مبلغ الرجال، وصار يشار إليهم بالبنان "عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((لا يمنع نقع بئر)) " يعني بحيث لا يتضرر صاحبه، أو بئر ليست مملوكة لأحد، فإن هذا لا يجوز أن يمنعه أحد، وإن كانت مملوكة لشخص فإن ما فضل عن حاجته ينبغي أن يجود به على غيره، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: القضاء في المرفق
حدثني يحيى عن مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا ضرر ولا ضرار)).
وحدثني مالك عن ابن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يمنع أحدكم جاره خشبة يغرزها في جداره)) ثم يقول أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه-: "ما لي أراكم عنها معرضين، والله لأرمين بها بين أكتافكم".
وحدثني مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن الضحاك بن خليفة ساق خليجاً له من العريض، فأراد أن يمر به في أرض محمد بن مسلمة فأبى محمد فقال له الضحاك: لم تمنعني وهو لك منفعة تشرب به أولاً وآخراً، ولا يضرك؟ فأبى محمد، فكلم فيه الضحاك عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه-، فدعا عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- محمد بن مسلمة -رضي الله تعالى عنه-، فأمره أن يخلي سبيله، فقال محمد: لا، فقال عمر: لم تمنع أخاك ما ينفعه وهو لك نافع تسقي به أولاً وآخراً، وهو لا يضرك؟ فقال محمد: لا والله، فقال عمر: والله ليمرن به ولو على بطنك، فأمره عمر أن يمر به، ففعل الضحاك.
وحدثني مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أنه قال: كان في حائط جده ربيع لعبد الرحمن بن عوف، فأراد عبد الرحمن بن عوف -رضي الله تعالى عنه- أن يحوله إلى ناحية من الحائط، هي أقرب إلى أرضه، فمنعه صاحب الحائط، فكلم عبد الرحمن بن عوف -رضي الله تعالى عنه- عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- في ذلك فقضى لعبد الرحمن بن عوف بتحويله.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: القضاء في المرفق
كمجلس، أو المرفَق كمنبر، ضبط بالوجهين، وهو كل ما استفيد منه، وارتفق به، وحصل به الرفق لعامة الناس، والارتفاق هو الانتفاع.
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا ضرر ولا ضرار)) " هذا الحديث له طرق كثيرة، وإن كانت مفرداتها لا تسلم من كلام، إلا أنه بمجموع طرقه يثبت، وهو قاعدة من قواعد الشريعة ((لا ضرر ولا ضرار)) يعني لا تضر ابتداءً ولا معاقبة، فلا تضر غيرك ابتداءً بأن توصل إليه الضرر، ولا تزيد في الاقتصاص منه إذا ضرك، لا في البداية ولا في النهاية، الضرر ممنوع، فالضرر هو الابتداء بما يضر، والضرار هو معاقبة من أوصل إليك الضرر بأكثر من ضرره الذي وصلك، وجاء النهي عن الضرر {لَا تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ} [(233) سورة البقرة]{وَلَا يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ} [(282) سورة البقرة] المقصود أن المضارة لا تجوز من الطرفين، واللفظ في القرآن يحتمل أن الإنسان لا يضارر ولا يضارر؛ لأن الحرف المضعف يحتمل {لَا تُضَآرَّ وَالِدَةٌ} لو فكينا الحرف المضاعف المشدد لاحتمل أن تكون: لا تضارر والدة بولدها، فتضر أباه، أو تضر الولد، تضره بولده، أو لا تضارر هذه الأم بولدها فيضرها أبوه، حيث تتضرر، المقصود أنه خطاب للطرفين فلا ضرر ولا ضرار.
ومناسبة هذا للأقضية والمرافق لا شك أنها ظاهرة، فالأقضية كلها مبنية على هذا، على انتفاء الضرر، ورفع الضرر عن المسلمين، وما شرع إقامة الحاكم بدءاً من الإمام الأعظم إلى آخر من ينيبه إلا من أجل رفع الضرر عن المسلمين، وكذلك المرافق العامة يحصل فيها مضارة، يحصل فيها منافسة، مع ذلك بعض الناس إذا جاء إلى مكان مما يرتفق به أخذ منه أكثر من قدر حاجته، حبس منه أكثر من قدر حاجته، وضيق على الناس، ويكون الأمر أشد إذا كان مما يتعبد به، يعني مواطن عبادة، مثل مسجد مثلاً، أو المشاعر، تجد الإنسان يأخذ أكثر من حاجته، والناس يتضايقون، لا شك أنه ضرر هذا، هذا ضرر، لا بد من رفعه؛ لأنه يتضرر به الناس.
قال: "وحدثني مالك عن ابن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يمنع)) " لا ناهية أو لا يمنعُ فتكون نافية والمرد منه النهي؟ ((أحدكم جاره خشبة يغرزها في جداره)) لا شك أن كل جار محتاج إلى جاره؛ لأن الإنسان لا يستطيع أن يستقل بنفسه ((لا يمنع أحدكم جاره خشبة يغرزها في جداره)) لأن الجدار الذي يسقف بواسطته البيوت، يوضع عليه خشبة لصاحبه، وخشبة لجاره، ولا يلزم أن يبنى جدار هذا وجدار لهذا، لكن يبقى أنه يحصل الاتفاق، والبيان على أن هذا الجدار لفلان؛ لئلا يحصل نزاع فيما بعد، الورثة إذا انتهى انقرض هذا الجيل، وجاء الجيل الذي يليهم، أولاد الجار يقولون: الجدار لنا، فلا بد أن يكون الكلام مبيناً، وأن الجدار لفلان؛ لئلا يحصل نزاع ولا شقاق، لكن ليس لمن بنى الجدار أن يمنع جاره من أن يضع عليه الخشب، يغرزها في جداره.
وقل مثل هذا في الوتد، احتاج الناس وتد، معروف الوتد وإلا ما هو معروف؟ نعم خشبة تغرز في جدار يعلق عليها ما يحتاج إلى تعليقه، يغرزها في جداره، وبعض الناس يكون عنده شيء من الدقة والحرص على أمواله وعلى حقوقه بحيث لو استأجر منه شخص بيت وإلا شقة ثم بعد ذلك خرج منه يأتي يناقشه ليش هذا المسمار هنا؟ وليش كذا كذا؟ هذا ما هو بأشد من الخشب من غرز الخشبة في الجدار، أنت محتاج لأن تعلق حاجاتك في هذا الجدار، لكن في أيضاً بالمقابل على المستأجر ألا يضر بصاحب المحل، فيحتاج المحل إلى ترميم بقدر الأجرة، أو قريب منها، ((لا ضرر ولا ضرار)) أنت مطالب بالانتفاع، أنت لك أن تنتفع من هذا المحل المستأجر، ولا يجوز لك أن تضر بصاحبه.
((يغرزها في جداره)) ثم يقول أبو هريرة: "ما لي أراكم عنها معرضين" أي: عن هذه السنة التي حدثتكم بها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "والله لأرمين بها بين أكتافكم" لأرمين بها يعني السنة، أو بالخشبة على ما قال أهل العلم، المقصود أن هذه السنة ملزمة لأصحاب الجوار، كل واحد يترك صاحبه ينتفع بجداره، وينتفع بما لا يضره.
قال: "وحدثني مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن الضحاك بن خليفة ساق خليجاً له من العريض، فأراد أن يمر به" العريض معروف جهة من جهات المدينة معروفة الآن، فأراد أن يمر به في أرض محمد بن مسلمة، خليج نهر صغير، ومثله أو قريب منه الربيع الذي سيأتي في الخبر الذي يليه "فأراد أن يمر به في أرض محمد بن مسلمة" لا يمكن أن يصل إلى مزرعته إلا بواسطة أرض محمد بن مسلمة "فأبى محمد، فقال له الضحاك: لم تمنعني، وهو لك منفعة، تشرب به أولاً وآخراً" الآن إذا مر هذا الخليج في أرضه انتفع، والتكاليف على الضحاك، ما عليك نقص، أنت تنتفع من دون ضرر عليك "تشرب به أولاً وآخراً، ولا يضرك، فأبى محمد، فكلم فيه الضحاك عمر بن الخطاب، فدعا عمر بن الخطاب محمد بن مسلمة، فأمره أن يخلي سبيله، فقال محمد: لا" إن كانت الأرض أرضي فلا أترك، يعني بعض الناس يريد أن يستقصي كل ما يمكن أن يستقصيه من حقه "فقال محمد: لا، فقال عمر: لم تمنع أخاك ما ينفعه، وهو لك نافع؟ " يعني أنت ما تتضرر "تسقي به أولاً وآخراً، وهو لا يضرك فقال محمد: لا والله" النفع اللي يجيني من وراءه لا أريده، لا والله لا يمر، ما أنا بحاجته؛ لأن بعض الناس يتصور أن أخاه ينتفع وهو لا ينتفع إذاً ويش الفائدة؟ الناس، صحيح صحابة وأجلاء وكذا لكنهم بشر، يعتريهم ما يعتري البشر، ومثل هذا الأمر نادر فيهم، لكنه مع ذلك يوجد؛ لأنهم بشر "فقال محمد: لا والله، فقال عمر: والله ليمرن به ولو على بطنك" أطر على الحق "فأمره عمر أن يمر به ففعل الضحاك" هذا قضاء من عمر -رضي الله تعالى عنه-، وهذا في كل ما ينتفع به من جهة، بحيث لا يتضرر به الطرف الآخر بوجه من الوجوه.
قال: "وحدثني مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أنه قال: كان في حائط جده ربيع" نهر صغير، "ربيع لعبد الرحمن بن عوف" يعني يمر وهو لعبد الرحمن بن عوف يمر بحائطه "فأراد عبد الرحمن بن عوف أن يحوله إلى ناحية من الحائط، وهي أقرب إلى أرضه، فمنعه صاحب الحائط" يعني لو تصورنا أن الربيع في هذه الجهة، وهذه أرض الجد، نعم وفي أرض ثانية هو يمر الآن من طول الأرض كلها، من أولها إلى آخرها، وفيه أرض في تلك الجهة لعبد الرحمن بن عوف، فأراد عبد الرحمن أن يحوله من أن يمر من هنا إلى جهة تكون أقرب إلى أرضه التي في هذه الجهة، فبدلاً من أن يمشي في أرضه مائتين ثلاثمائة متر يكفيه خمسين متر، يعني لو أن عبد الرحمن بن عوف مشاه على الأرض من طولها، من أولها إلى آخرها مائتين متر، ثم بعد ذلك جعله ينعطف إلى أرضه، لا شك أنه يتضرر بهذا، وكونه يمر بأرض الجد هذه يستفيدون منها، ويسقي أرضه الثانية من غير ضرر، نعم؟
طالب: تنقص قوة الماء.
مع طول المشي ما في شك أنه الدفع يضعف.
"فأراد عبد الرحمن بن عوف أن يحوله إلى ناحية من الحائط، وهي أقرب إلى أرضه، فمنعه صاحب الحائط، فكلم عبد الرحمن بن عوف عمر بن الخطاب في ذلك، فقضى لعبد الرحمن بن عوف بتحويله" لأنه ما دام يتضرر فلا ضرر ولا ضرار، وأخوه أيضاً ينتفع، وإن كان نفعه أقل من النفع السابق، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ونقف على هذا، وهذا آخر الدروس بالنسبة للموطأ في هذا الفصل.
اللهم صل على محمد ....