المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ما جاء في صبغ الشعر: - شرح الموطأ - عبد الكريم الخضير - جـ ١٧٤

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌باب ما جاء في صبغ الشعر:

قال: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم أن عطاء بن يسار أخبره، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد" يعني على عادته، أكثر مقامه عليه الصلاة والسلام في المسجد "فدخل رجل ثائر الرأس واللحية" شعث، كل شيء منتفش "فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده أن اخرج" إشارة مفهمة للمراد، كأنه يعني إصلاح، كأنه أشار إلى شيء من الشعر، أما مجرد الإخراج لأنه دخل هذا ما يكفي، يعني لو دخل ثائر الرأس، ويطرد من المسجد ما يطرد، إلا لإصلاح حاله، فكأنه يعني إصلاح شعر رأسه ولحيته "ففعل الرجل" يعني فهم المراد "ثم رجع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أليس هذا)) " يعني بعدما أصلح نفسه " ((أليس هذا خيراً من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان؟ )) " يعني يمثل بالشيطان ولو لم يرَ، {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} [(65) سورة الصافات] يمثل بها القبيح ولو لم تر، كما أن الجميل المستحسن يمثل بالملك ولو لم ير.

سم.

أحسن الله إليك.

‌باب ما جاء في صبغ الشعر:

حدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد قال: أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث قال وكان جليساً لهم، وكان أبيض اللحية والرأس، قال: فغدا عليهم ذات يوم وقد حمرهما، قال: فقال له القوم: هذا أحسن، فقال: إن أمي عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أرسلت إلي البارحة جاريتها نخيلة فأقسمت علي لأصبغن، وأخبرتني أن أبا بكر الصديق كان يصبغ".

قال يحيى: سمعت مالكاً يقول في صبغ الشعر بالسواد: لم أسمع في ذلك شيئاً معلوماً، وغير ذلك من الصبغ أحب إلي.

قال: وترك الصبغ كله واسع -إن شاء الله-، ليس على الناس في ذلك ضيق.

قال يحيى: وسمعت مالكاً يقول: في هذا الحديث بيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصبغ، ولو صبغ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأرسلت بذلك عائشة إلى عبد الرحمن بن الأسود.

قال -رحمه الله تعالى-:

باب ما جاء في صبغ الشعر:

الشعر كما هو معلوم في أول الأمر يخرج أسود، ثم بعد ذلك يتغير إلى البياض شيئاً فشيئاً حتى يكون أبيض خالص.

ص: 14

النبي عليه الصلاة والسلام لما رأى أبا قحافة وشعره كالثغامة شجر شديد البياض نبته شديد البياض كالثغامة، فقال:((غيروا هذا الشعر، وجنبوه السواد)) فالصبغ جاء فيه هذا الأمر، وثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام شاب فيه شعرات يسيرة، يعني أكثر ما قيل: عشرين شعرة، مثل هذا العدد لا يبين فيه الشيب، فلم يحتج إلى الصبغ، مع هذا الأمر ((غيروا))، والجمهور على أن هذا الأمر للاستحباب ومنهم من قال بوجوبه، لكن المرجح عند أهل العلم أنه مستحب استحباباً متأكداً.

((وجنبوه السواد)) هذه الجملة من جملة المرفوع إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وقال بعضهم: هي مدرجة، ولذا يختلفون في حكم الصبغ بالسواد، فمن قال: إنها من جملة المرفوع حرم الصبغ بالسواد ((جنبوه))، ومن قال: إنها مدرجة تسامح وتساهل، وهذا قول معروف عند الفقهاء، وذكر عن بعض الصحابة أنهم صبغوا بالسواد.

ص: 15

عندنا الأمر بتغيير الشيب، أمر بالتغيير، وهو متردد بين كونه للوجوب، وبين كونه للاستحباب، شخص يعلم العلم الشرعي حالق للحيته، فقال له شيخ من المشايخ: حلق اللحية حرام، الشيخ هذا لا يغير الشيب، لحيته بيضاء، فقال: إن كنت عاصٍ بحلق اللحية، فأنت عاص بترك التغيير، إذاً أنت عاصي وأنا عاصي، ومعصيتك يقول له: أشد من معصيتي، قال: لماذا؟ قال: لأن معصيتك بترك المأمور، ومعصيتي بارتكاب المحظور، والشيخ الذي ينهاه عن .. ، أو يذكر له بيان تحريم حلق اللحية، يرى رأي شيخ الإسلام أن ترك المأمور أعظم من ارتكاب المحظور، فهل مثل هذا الاستدلال يعني تدفع به النصوص؟ يعني أن الأصل أن الإنسان إذا أمر بمعروف أو نهي عن المنكر الذي دل عليه الدليل ما يدفع بصدر الآمر والناهي، يقول: سمع وطاعة، ثم بعد ذلك يناقش في المسألة الأخرى، يعني بعض الناس إذا أمر بشيء قال للآمر وأنت تفعل كذا، هذا ما هو بصحيح هذا، هذا الكلام ليس بصحيح، ولا يجوز مثل هذا، هذا رد الحق، أنت اقبل الحق إذا جاءك الحق بدليله عليك أن تقبل، ثم بعد ذلك بدورك وجه، قال: أنا عاصي وأنت عاصي، ومعصيتك أعظم من معصيتي ليش؟ قال: هذا أمر أنت تقرره، أن المعصية بترك المأمور أعظم من المعصية بارتكاب المحظور، وأنت معصيتك بترك مأمور، وهو تغيير الشيب، وأنا معصيتي .. ، هذه لا شك أنها حجة شيطانية، كل هذا من أجل ألا يمتثل الأمر.

قال: "حدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد قال: أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث قال وكان جليساً لهم، وكان أبيض اللحية والرأس، قال: فغدا عليهم ذات يوم وقد حمرهما" يعني صبغهما بالحمرة، بالحناء أو بغيره، أو بنحوه، بعض الناس يمتثل مثل الأمر ((غيروا)) لكنه يصبغ اللحية ولا يصبغ الرأس، يقول: الرأس يغطى، واللحية ما تغطى، الأمر الثاني: أن الرأس يحلق باستمرار في النسك وفي غيره، واللحية ما تحلق، فهل يكون من صنع هذا قد امتثل ((غيروا))، وفي حديث أبي قحافة: فإذا رأسه، يعني الأمر نص في الرأس، لا يتم الامتثال إلا بتغيير الرأس واللحية.

ص: 16