المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ما يكره من الكلام بغير ذكر الله: - شرح الموطأ - عبد الكريم الخضير - جـ ١٨٠

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌باب ما يكره من الكلام بغير ذكر الله:

لا، هذا بيان الواقع وإلا السخط صفة ثابتة لله -جل وعلا-، ومثله الغضب.

"وإن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالاً يرفعه الله بها في الجنة" يعني ما يدري ويش الكلمة؟ صحيح أنها من رضوان الله، ويعرف أنها نافعة، لكن مع ذلك ما يقدر قدرها، ثم بعد ذلك تيسر له هذه الكلمة، وتلقى على لسانه فيفوز بسببها، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

كيف؟

طالب:. . . . . . . . .

ما يخفى على هذا، إن هذا الكلب قد بلغ به مثل ما بلغ بي، تعرف أن هذا في الجملة، تعرف إجمالاً أن هذا المسقي يستفيد، نعم.

أحسن الله إليك.

‌باب ما يكره من الكلام بغير ذكر الله:

حدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قدم رجلان من المشرق فخطبا، فعجب الناس لبيانهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إن من البيان لسحراً)) أو قال: ((إن بعض البيان لسحر)).

وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عيسى ابن مريم كان يقول: "لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسو قلوبكم، فإن القلب القاسي بعيد من الله، ولكن لا تعلمون، ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب، وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد، فإنما الناس مبتلى ومعافى، فارحموا أهل البلاء، واحمدوا الله على العافية".

وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت ترسل إلى بعض أهلها بعد العتمة فتقول: "ألا تريحون الكُتاب".

نعم يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب ما يكره من الكلام بغير ذكر الله:

والكراهية أعم من أن تكون للتنزيه أو للتحريم، في عرف المتقدمين تتناول التحريم.

قال: "حدثني مالك عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر أنه قال: قدم رجلان من أهل المشرق فخطبا، فعجب الناس لبيانهما" لا شك أن الخطيب البليغ الفصيح يعجب الناس، ويأخذ بعقولهم وألبابهم، فيتعجب الناس من بلاغته وفصاحته، لكن العبرة باستخدام هذا البيان، وهذه البلاغة، وهذه الفصاحة في نصر الحق، ودحض الباطل، إن استعملت في هذا فهي ممدوحة، وإن استعمل البيان في نصر الباطل، وغمط الحق، فهو مذموم.

ص: 15

الإمام -رحمه الله تعالى- جعل هذا الحديث تحت هذه الترجمة فيما يكره من الكلام، وحمله على هذا المحمل، وإن كان العلماء اختلفوا في المراد به، هل هو مدح وإلا ذم؟

"فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من البيان لسحراً)) " يعني بعض البيان سحر، لا سيما إذا استخدم في نصر الباطل، والبيان مشابه للسحر، باعتبار أنه يؤثر في الناس تأثير السحر، كم من خطيب أقنع الناس ببيانه، وغير قناعات الناس ببلاغته وفصاحته، كما يخيل الساحر على الرائي وعلى السامع ما يخيله، فتأثير الكلام نظير تأثير السحر، فهذا الكلام ليس على .. ، لا يذم مطلقاً، ولا يمدح مطلقاً، والتفصيل مثلما سمعتم، إن استعمل هذا البيان في نصر الحق وقمع الباطل فإنه حينئذٍ يكون ممدوحاً، وإن استعمل بالعكس فبالضد يكون مذموماً.

((إن من البيان)) هذه تبعيضية، ما يدل على أن منه ما هو ممدوح، يعني تشبيهه بالسحر يعني هل يقتضي التشبيه من كل وجه؟ لا، التشبيه لا يقتضي مطابقة المشبه مع المشبه به من كل وجه، قد يكون التشبيه من وجه دون وجه، كما شبه الوحي بصلصلة الجرس، الجرس مذموم، والوحي ممدوح؛ لأن صلصلة الجرس لها جهتان: جهة ممدوحة، وجهة مذمومة فهو يشبه به من الجهة الممدوحة لا المذمومة.

وهنا البيان له جهة مذمومة يشبه فيها بالسحر، وله جهة ممدوحة يمدح بها ويثنى على من نصر الحق ببيانه، ولذا قال:((إن من البيان)) وفي الرواية الأخرى: ((إن بعض البيان لسحر)).

قال: "وحدثني مالك أنه بلغه أن عيسى ابن مريم كان يقول: "لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسو قلوبكم".

لا شك أن فضول الكلام من أخطر الأمور على القلب، إضافة إلى فضول الطعام، فضول السمع، فضول البصر، فضول النوم، فضول الخلطة بالناس، كل هذه مما يحجب القلب ويغطيه، كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين، فعلى الإنسان أن يقلل من الخلطة بقدر الإمكان، ويخلو بما ينفعه، وما يقربه إلى الله -جل وعلا-.

ص: 16

"لا تكثروا الكلام" لأنه إذا كان بمفرده لن يكثر الكلام، بغير ذكر الله، تجده يذكر الله إذا كان منفرداً، أو يقرأ ما ينفعه، وقد يوجد منه ما يضره، لكن الغالب أن القيل والقال إنما يكون في الخلطة، ولا يكون في العزلة.

"لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسو قلوبكم" تقسو: فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد فاء السببية الواقعة في جواب النهي "فإن القلب القاسي بعيد من الله، ولكن لا تعلمون" كم من شخص تجده طالب للعلم، ملازم للعلم، وتظن به خيراً، وهو من هذا النوع، وأحياناً تذرف الدمعة من عينيه وهو من هذا النوع قلبه قاسي، إذا كان الحسن يقول:"ابحث عن قلبك في ثلاثة مواطن: في الصلاة، وعند قراءة القرآن، والذكر، فإن وجدته وإلا فاعلم بأن الباب مغلق" ومسخ القلوب لا شك أنه كما يقرر أهل العلم أعظم من مسخ الأبدان، كثير من الناس قلبه ممسوخ وهو لا يشعر، وإذا راجع الإنسان نفسه مع الأسف يجد أنه مع طول الوقت مع ملازمته للتعلم والتعليم والقراءة يجده مع طول الوقت لا يستفيد قلبه شيء، لماذا؟ للأسباب بعضها موجود، وبعضها مفقود، لكن الموانع أيضاً موجودة، {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم} [(14) سورة المطففين] نعم الكسب له شأن عظيم في هذا الباب، إضافة إلى ما ابتلي به الناس بعد انفتاح الدنيا من الفضول، كان الناس منشغلين بالمعيشة، وإذا فضل من الوقت شيء يطلب فيه العلم، لكن الآن ما في انشغال بالمعيشة، العلم له وقت يسير، والباقي قيل وقال، وخلطة، ونظر، وإرسال للبصر، وأكل كثير، ونوم كثير، هذه كلها مما يقسي القلب، فعلى الإنسان أن يحرص على علاج قلبه قبل علاج بدنه.

ص: 17

يعني لو أن الإنسان تحسس نفسه، وراجع نفسه، ونظر في وضعه قبل عشرين سنة، ووضعه اليوم وجد الفرق كبير، كل بحسبه اللي ما وصل الأربعين ينظر إلى نفسه قبل عشر سنوات يجد الفرق كبير، ولسنا نتقدم إلى ما ينفعنا، الإشكال أننا نتأخر، يعني وإن كان الظاهر ملازمة علم وتعليم وقراءة وتذكير، لكن المدار على القلب؛ لأنه هو الذي إذا صلح صلح الجسد كله، قد يكون الظاهر على السنة، لكن الكلام على الباطن، ((إن الله لا ينظر إلى صوركم وأبدانكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)) فالعبرة بالقلب.

"فإن القلب القاسي بعيد من الله، ولكن لا تعلمون" نعم قد يكون الإنسان ممن مسخ قلبه وهو لا يشعر.

"ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب" لا تنظروا في ذنوب الناس، يعني عليك بنفسك، وانشغل بعيبك عن عيوب الناس، ولست برب تحاسب الناس على أعمالهم.

"وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد" نعم أنت عبد مربوب لله -جل وعلا- حاسب نفسك.

"فإنما الناس -اثنان- مبتلى ومعافى، فارحموا أهل البلاء" ارحموهم، فإن كان البلاء في البدن ساعدوهم على ما يخفف عنهم هذا البلاء، وإن كان البلاء في القلب، أو في العمل، أو في الشكل فعليك أن تسعى إلى رفع هذا البلاء.

"فارحموا أهل البلاء" مو معناه ترحمه تشفق عليه، وتنظر إليه نظرة رحمة وإشفاق من دون أن تقدم له شيء، وأنت تستطيع مما يخفف عنه هذا البلاء.

"فارحموا أهل البلاء، واحمدوا الله على العافية" قد جاء الأمر بسؤال الله -جل وعلا- العافية.

قال: "وحدثني مالك أنه بلغه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت ترسل إلى بعض أهلها بعد العتمة" يعني بعد صلاة العشاء، جاء النهي عن تسمية العشاء بالعتمة، لكنه إذا صار ديدناً لهذا المسمى بمعنى أنه لا يعرف بين الناس إلا بالعتمة، ولذلك قال:((لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم العشاء)) يعني إذا كان لا يسميها إلا العتمة وإلا تسميته مرة أو مرات مع حفظ اسمها العشاء هذا لا يضر، وجاء ما يدل عليه.

"فتقول: "ألا تريحون الكتاب؟ " ويكون إراحة الكتاب بأي شيء؟ بالنوم؛ لأن المستيقظ لا سيما إذا كان عنده أحد هذا هو الذي يشغل الكتاب بالقيل والقال.

ص: 18