المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ما تجب فيه الزكاة: - شرح الموطأ - عبد الكريم الخضير - جـ ٤٩

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌باب ما تجب فيه الزكاة:

والزكاة طهرة للمال، وتطهير للمزكي {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [(103) سورة التوبة] فهي طهرة للمال، بمعنى أنها تنقيه، وتكفر بعض ما يحصل فيه من دخل، وتنقيه من ذلك، وهي أيضاً تطهر صاحبها من وصف البخل والشح، وهي تطهره أيضاً من أدران الذنوب والمعاصي، ويطلق عليها أيضاًَ الصدقة، الصدقة تشمل الواجب والمندوب، وإن خصها بعضهم بالصدقة المندوبة، لكن جاءت في النصوص الصحيحة الصريحة التي منها أحاديث الباب، ومنها حديث معاذ لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال:((فإن هم أطاعوا لك بذلك أو أجابوا لك بذلك)) بعد فرض الصلاة ((فأعلمهم أن الله قد فرض عليهم صدقة)) فرض صدقة، والمراد بذلك الزكاة ((تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم)) وهنا في الحديث الذي معنا ((ليس فيما دون خمس ذود صدقة)).

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

‌باب ما تجب فيه الزكاة:

يعني من الأموال.

ص: 2

"حدثني عن مالك" القائل راوي الرواية التي بأيدينا عبيد الله بن يحيى عن أبيه يحيى بن يحيى الليثي أنه حدثه عن مالك، حدثني عن مالك، وبالمناسبة في ذكر الروايات خرج أخيراً طبعة للموطأ برواياته، برواية يحيى والقعنبي وأبي مصعب سويد الحدثاني وابن بكير، وابن القاسم، وابن زياد، ومحمد بن الحسن بزياداتها وزوائدها، واختلاف ألفاظها، حققه وضبط نصوصه، وخرج أحاديثه وآثاره، وشرح غريبه، ووضع فهارسه أبو أسامة سليم بن عيد الهلالي، طبعة معتنىً بها، طبعة نفيسة، والمحقق معروف يعني بجودة تحقيقاته، واهتمامه وعنايته، لكن مثل هذا العمل والتلفيق بين الروايات مع إبقاء اسم الكتاب الأصلي الموطأ، تصنيف إمام دار الهجرة مالك بن أنس، كما قال المحقق -وفقه الله-، التلفيق بين الروايات في الصلب هذا يأباه أهل الحديث على طريقتهم، بل يوصون بأن تكون قراءة طالب العلم وعنايته برواية واحدة، تكون قراءته على رواية واحدة، إن احتاج إلى ما عداها يشير إليها في الحاشية، أما التلفيق بين الروايات في صلب الكتاب فله آثاره، ولو لم يقل هذا أهل الحديث، لو لم يكن فيه إلا تشتيت القارئ، القارئ في هذه الطبعة مع أنها بذل فيها جهد موفق بلا شك، يعني الطالب يكون على تصور من الروايات كلها، لكن هذه الطريقة التي أخرج فيها هذا الكتاب تعوق القارئ، وتشوه ذهنه، فلو اعتمد رواية من الروايات، وجعل اختلاف الروايات برموزها في الحاشية، كما صنع بصحيح البخاري بعناية اليونيني -رحمه الله تعالى-، الذي قارن بين الروايات، وأشار إلى الروايات في الحاشية، وعن نسخته طبعت الطبعة السلطانية، التي هي أصح نسخ الصحيح، أشير إلى جميع الروايات في الحاشية، هذا عمل طيب جداً، أما أن يقول مثلاً -وفقه الله- في كتاب الزكاة مثلاً: حدثني عن مالك بين قوسين يفتح قوس (ابن أنس) قاف عين، وحاء دال، هذه الرموز ثم سكر القوس "عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أنه قال" أحياناً يأتي هذا في المتن، "وحدثني عن مالك عن" في رواية ميم حاء: أخبرنا، لو كانت هذه في الحاشية، واعتمد رواية واحدة كما أوصى بذلك أهل الحديث، ترك هذه الرموز مع هذه الاختلافات في الحاشية لكان عمله جيد إلى الغاية، يعني ما عليه

ص: 3

استدراك، لكن مثل هذا شوف الآن ((ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة، وليس

)) وبعدين فتح قوس، في رواية حاء:((ولا فيما دون خمسة أواق)) وفي رواية ميم صاد وميم حاء وقاف عين، وفي وقاف سين، وحاء دال:((أواق)) طيب القارئ كيف يتصرف؟

فأهل العلم يوصون بأن تكون عناية طالب العلم برواية واحدة، إن احتاج إلى ما عداها يشير إليها في الحاشية، تكون روايته وعنايته بالكتاب على رواية واحدة، ومعروف أن روايات الصحيح تتفاوت، بعضها يزيد في الأحاديث، وبعضها ينقص، وبعضها الخلاف بينها مجرد حروف، وبعضها كلمات، فما جمعت روايات الصحيح.

لو أراد أن يؤلف هو كتاباً جامعاً بين روايات الموطأ وصاغه بطريقة مناسبة ملتئمة بحيث لا يقطع تسلسل فكر القارئ له ذلك، على أن ينسبه لنفسه، لو سماه الجامع لروايات الموطأ جمع فلان لا بأس، أما الموطأ وينسب إلى الإمام مالك، ويلفق بين الروايات كلها بهذه الرموز، وعلى هذه الطريقة، وليس معنى هذا أننا نتنقص المحقق، المحقق من مشاهير المحققين الآن، بل من أعظمهم عناية ودراية، لكن مع ذلك هذه لفتة يمكن تستدرك في كتب أخرى، أنا أخشى أن يمتد الأمر إلى كل الكتب بهذه الطريقة.

يعني لو نظرنا على الطبعة السلطانية من صحيح البخاري، اعتمدوا رواية واحدة، وأشاروا إلى ما عداها في الحاشية، هذا لا يقطع تسلسل القارئ، ولا يدخل في الكتاب شيء، والشراح كلهم على هذا، يجرون على رواية واحدة، ويشيرون إلى ما عداها، بعضهم يشير إلى كل شيء، وبعضهم يشير إلى ما يحتاج إليه فقط.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"حدثني عن مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه" يحيى بن عمارة بن أبي حسن "أنه قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس فيما دون خمس ذود صدقة)) " خمسِ ذود، أو خمسٍ ذود، أكثر الروايات على الإضافة، خمس ذودٍ، وقطعها عن الإضافة بعضهم خمسٍ ذودٍ، وتكون ذود بدل خمس، وعلى الإضافة والذود ما بين الثلاث إلى العشر من الإبل، أو بين ثلاث إلى تسع، أو بين اثنتين إلى سبع، أقوال لأهل العلم، ومنهم من يطلق الذود على الواحدة.

ص: 4

((ليس فيما دون خمس ذود صدقة)) الآن الخمس إذا أضيفت إلى مثل هذا في المفرد مثلاً، خمسِ ذودٍ، لو أراد الذود بمعناه عند الأكثر، وهو يطلق على ما هو أكثر من واحد، من اثنين إلى عشرة، من ثلاثة على تسعة

إلى آخره، لاحتجنا إلى أن نقول: خمسة أذواد، إذا قلنا: خمسة أذواد كم يطلع عندنا العدد؟ يعني أقل تقدير عشرة، خمسة في اثنين عشرة، خمسة في ثلاثة خمسة عشر، خمسة في عشرة خمسين، خمسة في تسعة خمسة وأربعين، إذاً ما يطلع حد لنصاب الإبل، والروايات كلها على هذا، إذا قلنا: خمس ذود والمراد خمسة أذواد، لكن كأن الإضافة هنا من إضافة الموصوف إلى صفته، من إضافة الموصوف وهو الخمس إلى صفته الذود، فالخمس المقصود بها عدد خمس فقط، والذود إن شئت فقل: يطلق على الواحد، يعني خمسة أفراد من الإبل، أو قل: إن الخمس هي الذود، الخمس هي الذود من إضافة الشيء إلى وصفه، وإن شئت فقل: من إضافة الشيء إلى نفسه، وهذا وإن كان ممنوعاً عندهم، يمنعون إضافة الشيء إلى نفسه، لكن يوجهونه، المسجد الجامع، قالوا: إن المسجد هو الجامع، والخمس هي الذود، والذود يطلق على الخمس أنها ذود، فيكون من إضافة الشيء إلى نفسه لا سيما وأن الإضافة هي رواية الأكثر، أما إذا قلنا: ليس فيما دون خمسٍ ذودٍ تكون بدل ولا فيه أدنى إشكال، وهذه رواية البعض.

((صدقة)) فالذي عنده أربع من الإبل يجب عليه شيء وإلا ما يجب؟ لا يجب عليه شيء، طيب عنده ثلاث من الإبل قيمتها ثلاثمائة ألف، ويعدها للتجارة، اشتراها بنية التجارة، ثلاث، فيها صدقة وإلا ما فيها؟ نعم؟ ليس فيها زكاة بهيمة الأنعام، فهي جارية على هذا الحديث، لكنها تدخل في باب آخر من أبواب الزكاة، وهو زكاة عروض التجارة، يعني الواحدة فيها زكاة.

ص: 5

((ليس فيما دون خمس ذود صدقة)) أما زكاة بهيمة الأنعام فليس فيما دون الخمس، ويشترط فيها أن تكون سائمة، أن تكون سائمة، بمعنى أنها غير معلوفة، ترعى الحول أو غالب الحول، والسوم هو الرعي، يعني راعية، بهذا جاء وصفها، وصح بذلك الخبر بالنسبة للإبل والغنم، وقاس أهل العلم البقر عليها، وما جاء في تقييدها بالسوم عمل به جمهور أهل العلم فاشترطوا السوم لوجوب الزكاة في بهيمة الأنعام، والإمام مالك يوجب الزكاة في بهيمة الأنعام، ولو لم تكن سائمة، الذي جاء من وصفها أو تقييدها بكونها سائمة مما صحت به النصوص، يقول الإمام مالك: إن هذا جرى على الغالب من مواشي العرب أنها سائمة، فجاء بناءً على ما جرت به العادة أن مواشيهم سائمة، وهو وصف كاشف لا مفهوم له، وعند الجمهور له مفهوم، معناه أنه إذا لم تكن سائمة فإنها لا زكاة فيها.

((ليس فيما دون خمس ذود صدقة)) سميت الإبل بذلك بالذود؛ لأن الراعي يذود بعضها إلى بعض، يذودها، بمعنى أنه يدفعها إلى مكان الرعي، وإلى مكان الشرب، ويدفع بعضها عن بعض إذا خشي شيئاً يضرها.

((وليس فيما دون خمس أواق صدقة)) خمس أواق من الفضة كما جاء في الرواية التي تليها من الورق، والأواقي جمع أوقية، والأوقية أربعون درهماً، فعلى هذا يكون النصاب مائتي درهم من الفضة، والمراد بذلك الخالص من الفضة، سواءً كان مضروباً أو غير مضروب، فالخمس الأواقي والأوقية أربعون درهماً، إذن النصاب مائتا درهم، وجاء بذلك النص الصحيح الصريح مائتا درهم، المائتا درهم قدرت بالريال، بالريالات السعودية الفضة الريال العربي السعودي الفضة قدروها بستة وخمسين ريالاً، إذا كان الريال الفضة مثلاً قيمته خمسة عشر ريال، يزيد وينقص تبعاً لزيادة المعدن هذا ونقصه، اثنا عشر ريال، خمسة عشر ريال، عشرين ريال، تضرب في ستة وخمسين، عدد الريالات في ستة وخمسين، وتخرج النتيجة، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

ص: 6

إلا قدّر بالغرامات، كان في واحد جاء لي بخطاب مفصل فيه .. ، لكن هذا قبل سنتين، ويقول: إنه حسبه، اليوم مع تجار الذهب والفضة، هذا قبل سنتين، في ورقة عندي خطاب موجود، على كل حال هذه طريقتها يذهب الإنسان إذا كان عنده فضة إلى أماكن المجوهرات، ويقول: كم يسوى؟ كم وزنها بالريال مثلاً؟ أو بالجرام؟ وكم يسوى جرام؟ ويزكيها.

((وليس فيما دون خمس أواق صدقة)) أوسق: جمع وسق، بفتح الواو، ويجوز كسرها، ويجمع على أوساق، كحمل وأحمال، والوسق: ستون صاعاً، فيكون النصاب ثلاثمائة صاع، فعلى هذا بداية النصاب بالنسبة للإبل خمس، وبالنسبة للفضة مائتا درهم، وبالنسبة للحبوب والثمار خمسة أوسق، ثلاثمائة صاع، الحديث الذي يليه يقو:"وحدثني" يأتي هذا كله بالتفصيل في زكاة كل مال بعينه -إن شاء الله تعالى-.

يقول: "وحدثني عن مالك عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري ثم المازني عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة)) " هنا تنصيص على التمر باعتباره فرد من أفراد العام الذي سبق ذكره في الحديث السابق، والتنصيص على فرد من أفراد العام بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص، فنص على التمر، والتنصيص عليه لا يقتضي إخراج غيره.

((وليس فيما دون خمس أواقٍ من الورق صدقة)) من الورق هذا أيضاً التنصيص هنا، هناك يقول:((ليس فيما دون خمس أواق صدقة)) قلنا: إن التنصيص على التمر لا يخرج ما يتناوله اللفظ العام من الحبوب والثمار في الحديث السابق، لكن ماذا عن الجملة الأخرى:((وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة))؟ هل نقول: إن الحديث السابق يشمل الورق وغير الورق، وهذا تنصيص على بعض أفراد العام

؟ مثلما قلنا من التمر؟ أو نقول: إن المقصود بالأول الورق وبالثاني الورق نفس الشيء؟ نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

ص: 7

الورق هي الفضة، قلنا فيما سبق أن المراد بالأواقي من الفضة، وهذا نصاب الفضة بخصوصها، أما الخمسة الأوسق التي تقدمت نصاب الحبوب والثمار التي تجب فيها الزكاة، فهل نقول في هذه الجملة مثلما قلنا في التي قبلها؟ تنصيص على بعض أفراد العام؟ أو نقول: إنه ليس بعام، الأول ليس بعام، بل لا يتناول إلا فرداً واحداً وهو الفضة؟ نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

ولا يتناول إلا فرد واحد؛ لأنه ليس بعام، الأصل وإن كان اللفظ صيغته صيغة العموم ((ليس فيما دون خمس أواق صدقة)) لفظه لفظ العموم، لكنه مما أريد به الخصوص، الأول يراد به العموم؛ لأن اللفظ العام يأتي ويراد به العموم، ويكون محفوظاً لا يدخله تخصيص، ويأتي ويراد به العموم، ثم يأتي ما يخصصه، ويأتي مراداً به الخصوص، فهو خاص من الأصل {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} [(173) سورة آل عمران] الذين قال لهم الناس، الناس كلهم على من وجه الأرض من الناس جاءوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقالوا له: إن الناس كلهم جمعوا لكم {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} [(173) سورة آل عمران] كم هؤلاء الناس؟ كم عددهم؟ كل من على وجه الأرض؟ واحد، شخص واحد، عام أريد به الخصوص، نعيم بن مسعود، إن الناس يعني قد جمعوا لكم، الذين تحزبوا على النبي عليه الصلاة والسلام وعلى أصحابه، فهذا عام أريد به الخصوص، ومنه ((وليس فيما دون خمس أواقٍ صدقة)) المراد به الخصوص وهو الفضة،

((وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة، وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة)) من التمر، من الورق، من الإبل، (من) هذه ها؟ تبعيضية وإلا ويش تصير؟

طالب:. . . . . . . . .

بيانية، {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} [(30) سورة الحج] فـ (من) هذه بيانية.

((وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة)) وهذا تقدم.

والحديثان خرجهما الإمام البخاري في صحيحه من طريق عبد الله بن يوسف التنيسي، وأكثر روايات البخاري، أكثر ما يرويه البخاري عن مالك من أحاديث الموطأ يكون من طريق عبد الله بن يوسف.

هل هذا ما مضى حديث واحد أو حديثان؟ نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

ص: 8