المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب ما جاء في الرخصة في القبلة للصائم): - شرح الموطأ - عبد الكريم الخضير - جـ ٦١

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌(باب ما جاء في الرخصة في القبلة للصائم):

هذا مؤلف كتاب يقول: ما رأيكم في هذا الكلام الآتي في اعتبار اختلاف المطالع في الرؤيا، قال مؤلف كتاب (الزلال): أعلم يقيناً أن القول الصحيح الذي انفصل عليه المحققون من علماء الأثر، وأهل النظر، وعلماء الهيئة هو أن ينظر بين بلد الرؤية وغيرها، فإن كان بينهما ألفين ومائتين وستة وعشرين كيلاً فأقل صار الحكم واحداً في الصوم والفطر لاتحاد المطالع، وإن كان أكثر من ذلك فلا يصح، وصار لكل بلد حكمه لاختلاف مطالعها، سواءً كان البعد شرقاً أو غرباً أو شمالاً أو جنوباً تحت ولاية واحدة أم لا في إقليم واحد أو لا، وهذا هو المطابق للنصوص الشرعية والفلكية، وبهذا تنتفي جميع الإشكالات، ألفين ومائتين وستة وعشرين؟

يعني ما بين تبوك ونجران كم؟

طالب:. . . . . . . . .

أكثر، يعني كم بين تبوك والرياض بوسط الجزيرة؟

يعني كم بينها وبين نجران أكثر.

فعلى هذا لا يصوم أهل نجران برؤية أهل تبوك، ولا العكس، يقول: هذا هو المطابق للنصوص الشرعية.

ما أدري كيف طابق النصوص الشرعية، النصوص الشرعية فيها أكثر من ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) وخبر ابن عباس في رؤية معاوية والناس مع اختلافه عن رؤية أهل المدينة ما في أكثر من هذا، كأن يقصد أن بين الشام وبين المدينة هذه المسافة، وبنى هذا الحكم على هذا.

طالب:. . . . . . . . .

ألفين ومائتين؟ يعني ألف، على كل حال ما أدري إيش بنى عليه، هل هذا هو مطابق للنصوص الشرعية؟ تحتاج إلى ....

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا ذا الجلال والإكرام.

قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:

(باب ما جاء في الرخصة في القبلة للصائم):

ص: 3

حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رجلاً قبل امرأته وهو صائم في رمضان فوجد من ذلك وجداً شديداً، فأرسل امرأته تسأل له عن ذلك، فدخلت على أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك لها فأخبرتها أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم، فرجعت فأخبرت زوجها بذلك فزاده ذلك شراً، وقال: لسنا مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم، الله يحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء، ثم رجعت امرأته إلى أم سلمة رضي الله عنها فوجدت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:((ما لهذه المرأة؟ )) فأخبرته أم سلمة رضي الله عنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبرتيها أني أفعل ذلك)) فقالت: "قد أخبرتها" فذهبت إلى زوجها فأخبرته فزاده ذلك شراً، وقال: لسنا مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم، الله يحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:((والله إني لأتقاكم لله، وأعلمكم بحدوده)).

وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: "إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقبل بعض أزواجه وهو صائم، ثم ضحكت".

وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عاتكة ابنة زيد بن عمرو بن نفيل امرأة عمر بن الخطاب كانت تقبل رأس عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو صائم فلا ينهاها.

وحدثني عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله أن عائشة بنت طلحة أخبرته أنها كانت عند عائشة-رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم فدخل عليها زوجها هنالك، وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وهو صائم، فقالت له عائشة:"ما منعك أن تدنو من أهلك فتقبلها وتلاعبها؟ " فقال: "أقبلها وأنا صائم؟ قالت: "نعم".

وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم أن أبا هريرة وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما كانا يرخصان في القبلة للصائم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 4

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: (باب ما جاء في الرخصة في القبلة للصائم) حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رجلاً قبل امرأته وهو صائم في رمضان، هذا الخبر عطاء بن يسار يحكي قصة شهدها أو لم يشهدها؟ لم يشهدها، فالخبر إيش؟ مرسل عند جميع الرواة، كما يقول ابن عبد البر، لكنه هو موصول عند عبد الرزاق بإسناد صحيح عن عطاء عن رجل من الأنصار، هذا في المصنف في الجزء الرابع (صفحة 184) الخبر صحيح على هذا، رجل من الأنصار صحابي، يحكي عطاء القصة عن صاحبها، أن رجلاً قبل امرأته وهو من الأنصار، ففرق بين أن يحكي التابعي قصة لم يشهدها، كما في سياق مالك عن عطاء بن يسار أن رجل قبل امرأته وهو صائم، عطاء يحكي قصة لم يشهدها.

وعند عبد الرزاق في المصنف عن عطاء بن يسار عن رجل من الأنصار، يحكي القصة عن من؟ عن صاحب القصة، فسياق مالك مرسل عند جميع رواة الموطأ، وسياق عبد الرزاق في مصنفه متصل أو مرسل؟ متصل، يروي القصة عن صاحبها، وهل مرد الاختلاف في الحكم على الخبرين اختلاف الصيغة لأن هذه مأنن، وذاك معنعن، هل هذا هو السبب؟ ذكرنا مراراً الخبر الذي حكم عليه الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة باختلاف الحكم لاختلاف الصيغة، فيما يراه ابن الصلاح عن محمد بن الحنفية أن عماراً مر به النبي صلى الله عليه وسلم قال: منقطع، لماذا؟ لأن محمد بن الحنفية يحكي القصة التي لم يشهدها، حصلت في عهد النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنه لو شهدها كان صحابياً، والسياق الآخر عن محمد بن الحنفية عن عمار أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به، متصل، ابن الصلاح جعل اختلاف الحكم على السياقين مرده اختلاف الصيغة، قال: لأن هذا معنعن وهذا مأنن، والسند المأنن منقطع والمعنعن متصل؛ لكن كما قال الحافظ العراقي لما ذكر هذا الكلام قال:

. . . . . . . . .

كذا له ولم يصوب صوبه

كذا له (يعني لابن الصلاح) يعني ما أدرك السبب الحقيقي في الحكم بالاتصال والانقطاع، حكم على القصة بالانقطاع لأن التابعي يحكي قصة لم يشهدها.

ص: 5

وفي السياق الآخر الذي حكم عليه بالاتصال حكى القصة، حكى التابعي القصة عن صاحبها، فهي متصلة، ونضيره ما عندنا، عن عطاء بن يسار أن رجلاً قبل امرأته وهو صائم، هل حضر؟ شهد القصة؟ ما شهد القصة، إذاً الخبر منقطع.

لكن في سياق عبد الرزاق حينما قال: عن عطاء عن رجل من الأنصار أنه قبل، حكى القصة عن صاحبها فهي متصلة، يعني لو حصل مثلاً قصة قبل ولادة أحدكم لشخص معمر وموجود لما تحكي هذه القصة أن فلاناً حصل له قبل خمسين سنة مثلاً كذا، متصلة وإلا منقطعة؟ أنت تحكي قصة لا تسندها إلى صاحبها، ولم تحضرها، إذاً هي منقطعة؛ لكن لما تقول: عن فلان الموجود الآن المعاصر لك، عن فلان أنه حصل له كذا قبل خمسين سنة متصلة وإلا منقطعة؟ متصلة، إذاً الخبر عند عبد الرزاق متصل بإسناد صحيح.

"عن عطاء بن يسار أن رجلاً قبل امرأته وهو صائم في رمضان، فوجد من ذلك وجداً شديداً" يعني غضب غضباً شديداً، يقول الباجي:" لعله قبل غافلاً -يعني أو ناسياً صيامه- ثم تذكر" نعم فأشفق على نفسه فغضب، أو لعله غلبته شهوته، فهش إلى امرأته فقبلها، ثم بعد ذلك ندم، وهذا يحصل من الناس كلهم، مثل هذا، تغلبه نفسه وشهوته فيقع منه ما يقع، قد يقع في أمر عظيم، وقد يقع في أمر دونه، وقد يقع في أمر يسير.

"فوجد من ذلك وجداً شديداً -خوفاً من الإثم- فأرسل امرأته تسأل عن ذلك، فدخلت على أم سلمة" أرسل امرأته لأن المرأة في هذا الباب أدخل من الرجال، يعني بإمكانه هو أن يسأل صحابياً آخر، أو يسأل النبي عليه الصلاة والسلام لكن هو يخجل من النبي عليه الصلاة والسلام أن يقابله بمثل هذا السؤال، والمرأة طرف في الموضوع في موضوع التقبيل، سواءً كان بالنسبة له أو بالنسبة لأزواج النبي عليه الصلاة والسلام، فأرسلها إلى أم سلمة زوج النبي عليه الصلاة والسلام لتقول له: ما رأيك هذا الحاصل؟

فدخلت على أم سلمة هند بنت أمية زوج النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت لها ذلك، فأخبرتها أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم، وقد ثبت ذلك بالنسبة لها أن النبي عليه الصلاة والسلام قبلها، وثبت أنه قبل عائشة، كما سيأتي، وثبت أنه قبل حفصة.

ص: 6

فالمقصود أن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قبل وهو صائم فرجعت المرأة إلى زوجها فأخبرت زوجها بذلك فزاده ذلك شراً، ازداد غضباً؛ لأنها لم تأت له بما يقنعه؛ لأنه تصور أن هذا من خصائص النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله -جل وعلا- يبيح لنبيه عليه الصلاة والسلام ما لا يبيح لغيره، كالزواج من أكثر من أربع، فظن أن هذا من خصائصه، وهذا مثل ما تقدم كونه يجاب به السائل، كونه يجاب السائل بمثله فهل هذا يعني أنه من خصائصه أو يتطرق الاحتمال إلى أنه من الخصائص؟ لو كان من الخصائص ما أجيب به السائل، وقال: لسنا مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم الله يحل، يعني يبيح لرسوله صلى الله عليه وسلم ما شاء، فاعتقد أن ذلك من الخصائص.

ثم رجعت امرأته إلى أم سلمة فوجدت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((ما لهذه المرأة؟ )) ماذا تريد هذه المرأة؟ فأخبرته أم سلمة بأنها تسأل عن القبلة للصائم، أخبرته عليه الصلاة والسلام بمرادها، وأنها تسأل عن القبلة للصائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((ألا أخبرتيها أني أفعل ذلك)) يعني مثل هذه الأمور التي تجري بين الزوج وزوجته، وقد جاء النهي عن أن يبوح أحد الزوجين بما يحصل بينهما، وهذا مما يحصل بين الزوجين، فهل يتناوله النهي؟ أو أن نقول: هذا يقدر بقدر الحاجة، عند الحاجة إليه يباح، وإلا لو جاء شخص في مجلس بدون حاجة داعية، وقال: إنه يقبل زوجته، أو المرأة بمجالس النساء تقول: أن زوجها يقبلها، هل هذا مما يستحسن ويستساغ من غير حاجة؟ الآن الحاجة داعية أو نقول: هذا لا يشمله النهي، ويحمل النهي على ما هو أشد من ذلك؟

فهذا الجواب فيه جواز مثل ذلك لبيان الحكم، وأنه لا يدخل في المنهي عنه، لا سيما عند الحاجة إليه.

ص: 7

فقالت: قد أخبرتها، فذهبت إلى زوجها فأخبرته فزاده ذلك شراً، وقال: لسنا مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم الله يحل لرسوله صلى الله عليه وسلم، يعني يبيح لنبيه عليه الصلاة والسلام ما شاء، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعتقاد هذا الرجل التخصيص بدون مخصص بدون علم، وقال عياض:"غضبه لذلك ظاهر؛ لأن السائل جوز وقوع المنهي عنه من النبي عليه الصلاة والسلام" يعني صيانة العبادة أكمل عن مثل هذا، صيانة العبادة أكمل من عدمها، فإذا نهي عنه الناس فالنبي عليه الصلاة والسلام أولى به؛ لأن هذا أكمل، وإذا أبيح للنبي عليه الصلاة والسلام فغيره من باب أولى، اللهم إلا أن النبي عليه الصلاة والسلام له ما يخصه؛ لأنه عليه الصلاة والسلام يملك نفسه، بينما غيره إذا بدأ بالمقدمات لا يأمن مع وجود هذه المقدمات أن يحوم حول الحمى، ثم بد ذلك يقع في المحظور، فهو من هذه الحيثية عليه أن يحتاط أكثر.

فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ((إني والله لأتقاكم لله)) وهناك قال: ((إني لأرجو)) والرجاء هناك محقق، وهنا مجزوم به ((والله إني لأتقاكم لله)) قسم وتأكيد بإن واللام، اجتمعت فيه مؤكدات ((إني والله لأتقاكم لله، وأعلمكم بحدوده)) ومن كان بالله أعرف كان منه أخوف.

فلا يمكن أن يرتكب ما نهي عنه عليه الصلاة والسلام، وهو أعلم وأخشى وأتقى وأعرف بالله -جل وعلا-، يعني فكيف يجوز وقوع ما نهي عنه منه عليه الصلاة والسلام، وعلى كل حال هذا الخبر، وما يأتي بعده فيه جواز القبلة للصائم، سواءً كان شاباً أو شيخاً؛ لأنه لم يقل للمرأة هل زوجك شيخ أم شاب؟ ما استفصل، فلو كان بينهما فرق لسألها؛ لأنه مبين عن الله -جل وعلا-، وهذا محل ووقت البيان، وعدم الاستفصال في مثل هذا المجال لا شك أنه يقتضي العموم.

وأجمعوا على أن من قبل وسلم من ما تقتضيه القبلة، يعني لم يخرج منه شيء، أجمعوا أنه لا شيء عليه، فإن أمذى بسبب القبلة فكذلك عند الحنفية والشافعية، لا شيء عليه إن أمذى، مالك يرى عليه القضاء احتياطاً، وعند أحمد يفطر جزماً، هذا إذا أمذى.

طالب: على المذهب؟

ص: 8

المذهب يفطر، فإن أمذى بأن كرر النظر أو أمنى أو أمذى هذا معتبرة، هذه هي المذهب.

طالب: لكن هل في رواية ثانية؟

معروف الروايات؛ لكن هذا هو المذهب.

طالب: في رواية ثانية؟

فيه رواية؛ لكن هذه هي المذهب المعتمد عندهم، لا يفرقون بين أن يمني أو يمذي، أما إذا أمنى فقد أفسد صومه اتفاقاً، إذا أمنى وفرق بينهما لأن المذي لا شهوة معه ولا لذة، بينما المني يحصل معه اللذة، المذي ما يؤثر، لكنه وسيلة إلى ما فوقه.

طالب:. . . . . . . . .

لكن كونه يجاب به سائل، كون الفعل يجاب به سائل، كون أننا نعرف أن هذا عمل النبي عليه الصلاة والسلام وذاك قوله، القول أبلغ؛ لأن الفعل يحتمل الخصوصية، الفعل لا عموم له عند أهل العلم، بينما القول لا شك يتناوله العموم؛ لكن إذا أجيب السائل بفعل هل يحتمل الخصوصية انتفى المُضعّف، فتوافرت دلالة القول والفعل، فيكون أقوى من هذه الحيثية؛ لكن لو عرفنا أنه يفعل عليه الصلاة والسلام ولم يجب به سائل، قلنا احتمالاً أن يكون من خوصه، لكن إذا أجيب به السائل توافرت عليه دلالة القول والفعل، فرق بين هذا وهذا.

يقول: وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: "إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن) مخففة من الثقيلة- ليقبل بعض أزواجه" وهي عائشة التي روت الخبر، كما أنه في الخبر الأول أم سلمة، ما الداعي إلى هذا؟ لماذا لا نقول: أنه في الخبر الأول عائشة وفي الخبر الثاني أم سلمة؟ لأنه يبعد أن يقبل النبي عليه الصلاة والسلام واحدة بحضرة الأخرى، وكل واحدة منهما تحكي ما حصل لها.

"وهو صائم ثم ضحكت" الآن ضحكت تنبيهاً على أنها هي صاحبة القصة، فالفعل حصل معها، كما أنه حصل لأم سلمة، وحصل لحفصة، وفيه ما فيه فيما تقدم من الأحكام أن القبلة للصائم لا شيء فيها؛ لكن يبقى أنه من خشي أن يخرج منه شيء لا شك أنه يحتاط لصيامه.

وإذا غلب على ظنه بالعادة المطردة من حاله إذا غلب على ظنه أنه يفسد صيامه يخرج منه مني بسبب التقبيل حرم عليه التقبيل، لماذا؟ لذاته أو لما يفضي إليه؟ من باب سد الذريعة، وحفظ الصيام واجب وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

ص: 9

يقول: وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري أن عاتكة ابنة زيد بن عمرو بن نفيل القرشية العدوية صحابية من المهاجرات أخت سعيد بن زيد، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، امرأة عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، كانت تقبل رأس عمر بن الخطاب، وهو صائم، فلا ينهاها، يعني هي تقبل رأسه، تقبيل الزوج لزوجته تقدم ما فيه، فماذا عن تقبيل المرأة لزوجها؟

الآن إذا قبلت رأسه تباشر جسده بالتقبيل أو تباشر الشعر؟ الشعر، والشعر في حكم المتصل أو المنفصل عند أهل العلم؟ الشعر والظفر في حكم المتصل أو المنفصل؟ يعني عند من يقول: بأن لمس المرأة ينقض الوضوء، إذا مس شعرها ينتقض وضوؤه وإلا ما ينتقض؟ هذا على القول بأنه حكمه حكم المنفصل، أما على القول بأنه متصل حقيقة وحكماً ينقض الوضوء عند من يقول بذلك.

الإمام مالك لما ساق ما يحصل من الرجل لزوجته أراد أن يثبت أن العكس أيضاً صحيح، وإذا جاز هذا من الرجل لزوجته فمن باب أولى أن يجوز من المرأة لزوجها، والنساء شقائق الرجال، فلا مانع من أن تقبل زوجها، كما أن له أن يقبلها ما لم يفضِ ذلك إلى إفساد الصوم من الطرفين.

طالب:. . . . . . . . .

إي معروف؛ لكن قد مع الإفضاء قد يحصل شيء من هذا بين الزوجين، يحصل.

يقول: أين نجد الكلام على اختلاف المطالع في كلام شيخ الإسلام؟

له رسالة خاصة بالهلال، شيخ الإسلام له رسالة خاصة بالهلال.

يقول: وحدثني عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله أن عائشة بنت طلحة بن عبيد الله أخبرته أنها كانت عند عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فدخل عليها زوجها هنالك، وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ابن أخي عائشة عبد الرحمن بن أبي بكر، وهو صائم، فقالت له عمته عائشة:"ما يمنعك أن تدنو من أهلك زوجتك فتقبلها وتلاعبها؟ " فقال: "أقبلها وأنا صائم؟ قالت: "نعم".

ص: 10

نقول: لعلها أرادت بيان الحكم، لا أن ذلك الطلب تريد أن يحققه بحضورها، هل يجدر بعائشة أن تقول: تعال قبل زوجتك ولاعبها عندي؟ هي أرادت أن تبين الحكم، وعائشة بنت طلحة هذه مشهورة شهرة الشمس في رابعة النهار، يعني الكلام عليها في الكتب كثير جداً، من أجمل النساء، مضرب المثل، يعني عندهم، وتتابع عليها الأزواج، كما هو الغالب في مثلها حتى كانت عند مصعب بن الزبير الذي أصدقها ألف ألف، وهو الخامس، وقتل عنها، ثم خطبها الوليد بن عبد الملك فرفضت.

مثل هذه تطلب عائشة أم المؤمنين من ابن أخيها أن يقبلها ويلاعبها بحضرتها؟ لا يظن بها ذلك، بل هي أرادت أن تبين له الحكم الشرعي، فقال: أقبلها وأنا صائم؟ قالت: نعم، الآن عرف الحكم، في هذا دليل على جواز ذلك، وأنه لا فرق بين شيخ ولا شاب؛ لأن عبد الله بن عبد الرحمن كان شاباً وقتئذ.

يقول: وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم أن أبا هريرة وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما كانا يرخصان في القبلة للصائم.

المؤلف -رحمه الله تعالى- يحشد النصوص والأدلة على المسألة من الأخبار المرفوعة والموقوفة والمقطوعة، فهو يحشد الأدلة المتنوعة، وكذلك عائشة كما مر، وعمر وغيرهم؛ لكن قال ابن عبد البر:"لا أعلم أحداً رخص فيها إلا وهو يشترط السلامة مما يتولد منها".

يعني إذا كان يغلب على ظنه أنه لا يحصل منه ما يفسد صومه جاز، وإذا غلب على ظنه أنه يحصل منه ما يفسد صومه لم يجز التقبيل، في هذه المسألة ما جاء عن عمر بن الخطاب عند أبي داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم جاء عن عمر -رضي الله تعالى عنه- قال:"هششت فقبلت وأنا صائم، فقلت: يا رسول الله، صنعت اليوم أمراً عظيماً، قبلت وأنا صائم" قال: ((أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم؟ )) قلت: "فلا بأس به"، قال:((فمه؟! )) الحكم واحد.

ص: 11

هذه مقدمة للمفطر والمضمضة أيضاً مقدمة للمفطر؛ لأن المضمضة مقدمة للشرب، والقبلة مقدمة للجماع، المقدمات لا تضر إذا لم يترتب عليها المحظور، وهو الفطر، ولذا جاء بالنسبة للاستنشاق ((بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)) فدل على أن أصل الفعل لا يمنع منه لا المضمضة ولا الاستنشاق؛ لكن يمنع من المبالغة التي يغلب على الظن حصول الفطر بسببها، كما أنه أيضاً يمنع من المبالغة في التقبيل، وما هو أعظم من التقبيل مما يغلب على الظن معه أنه يحصل منه شيء يخدش الصيام فضلاً عن المفطر.

سياق الخبر منكر، خبر عمر هذا؛ لكن صححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وهو لا بأس به، يعني من قبيل الحسن -إن شاء الله تعالى-، وفيه استعمال القياس، قياس القبلة على المضمضة بجامع أن كلاً منهما مقدمة للمفطر، وليس بمفطر لذاته، أحياناً المقدمات تمنع.

يقول: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل إحدى نسائه بحضرة بناته حيث سمعت ممن ينتسب إلى العلم يقول ذلك، ويدعو إلى أن الأب يقبل زوجته أمام أولاده، ويقول: إن ذلك من أساليب التربية والنبوية؟

نقول: مثل هذا التصرف ينبغي أن لا يكون بمحضر من تثور شهوته بسببه، فهذا مما يخفى عن مثل هؤلاء.

ص: 12