الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى-:
باب: الشفعة
عن جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنهما- قال: "قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة" متفق عليه، واللفظ للبخاري.
وفي رواية مسلم: ((الشفعة في كل شرك أرض أو ربع أو حائط لا يصلح أن يبيع حتى يعرض على شريكه)) وفي رواية الطحاوي: "قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شيء" ورجاله ثقات.
وعن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((جار الدار أحق بالدار)) رواه النسائي، وصححه ابن حبان، وله علة.
وعن أبي رافع -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الجار أحق بصقبه)) أخرجه البخاري، وفيه قصة.
وعن جابر -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الجار أحق بشفعة جاره، ينتظر بها وإن كان غائباً، إذا كان طريقهما واحداً)) رواه أحمد والأربعة، ورجاله ثقات.
وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الشفعة كحل العقال)) رواه ابن ماجه والبزار، وزاد:((ولا شفعة لغائب)) وإسناده ضعيف.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الشفعة
والشفعة مأخوذة من الشفع ضد الفرد؛ لأن صاحب الشفعة يضم نصيب شريكه إلى نصيبه ليكون بذلك شفعاً، بعد أن كان نصيباً واحداً يكون له نصيبان، فنصيبه فرد، فإذا انضم إليه نصيب شريكه بالشفعة صار له شفع من الأنصبة، ويعرفونها في الاصطلاح: أنها انتقال حصة الشريك إلى شريكه بعد أن انتقلت إلى غيره، يشترك زيد وعمرو في أرض، أو في دار، ثم يبيع زيد على بكر نظراً لأن عمراً مظنه لئن يتضرر بشراكة بكر، أو هو بحاجة إلى هذا النصيب ليتوسع به فهو أولى به من غيره، أولى من الأجنبي، ولذا جاء تشريع هذا الحكم وهو أن لعمرو أن ينتزع حصة شريكه من بكر بقيمتها، بعضهم يقول: إن الشفعة جاءت على خلاف القياس؛ لأن القياس أن الإنسان حر يبيع نصيبه ممن شاء، فكونه يمنع من بيع نصيبه فهذا فيه تدخل في ماله الذي من مقتضى تمام ملكه أن يتصرف به التصرف التام، فجاءت الشفعة على خلاف القياس، لكن إذا نظر إليها من جهة أخرى، وهي أن صاحب النصيب الذي يريد البيع لا يتضرر بحال، لا يقال لزيد: أنت بعت نصيبك على بكر بمائة ألف، وصاحبك عمرو لا يملك مائة ألف، إنما يملك خمسين، وهو يستحق هذا النصيب بالخمسين نقول: نعم يتضرر، لكن إذا كان بنفس المبلغ يتضرر وإلا ما يتضرر؟ لا يتضرر، فالمائة إذا أخذها من عمرو أو من بكر لا تفرق، وفيها دفع لضرر الشريك، فهي جارية على القياس، إلا أن الضرر يزال من غير ضرر، لو كانت إزالة ضرر عمرو يترتب عليها ضرر على زيد قلنا: الضرر لا يزال بالضرر، وإنما تجب إزالته بغير ضرر.
"عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم" قضى بمعنى حكم عليه الصلاة والسلام "بالشفعة في كل ما لم يقسم" في كل شيء لم يقسم، يعني من الأراضي والدور والرباع، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة.
قضى: حكم وألزم عليه الصلاة والسلام، وحكمه من حكم الله -جل وعلا-؛ لأنه مبلغ عنه عز وجل، "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم" يعني في كل شيء لم يقسم، ويؤيد هذا العموم رواية الطحاوي:"قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شيء" هذا اللفظ العام يدخل فيه العقار وغير العقار، اشترك اثنان في سيارة وأراد أحدهما أن يبيع نصيبه على ثالث فهل تثبت الشفعة للشريك أو لا تثبت؟ المسألة خلافية بين أهل العلم، منهم من يرى إجراء هذا اللفظ على عمومه، (كل) من صيغ العموم، و (ما) أيضاً كذلك، ورواية للطحاوي صريحة:"قضى بالشفعة في كل شيء" يعني من العقار والمنقول، لو اشترك اثنان في ثوب، وأراد أحد الشريكين أن يبيع على ثالث فالشريك الأولى أولى به من هذا الثالث، تبعاً أو أخذاً من عموم "في كل شيء" فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة، فإذا وقعت الحدود هل يمكن أن تقع الحدود في المنقول؟ حدود في ثوب؟ حدود في سيارة؟ حدود في دابة؟ لا، إذاً العموم الموجود يراد به الخصوص، بدليل قوله:((إذا وقعت الحدود)) يعني مما يمكن أن تقع فيه الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة، اللفظ الأول يدخل فيه كل شيء، سواء كان مما يحد ومما لا يحد، لكن ما يليه مما رتب عليه بالفاء، وفرع عليه؛ لأن الفاء تربط الجملة الثانية بالأولى، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة، إذاً قضى بالشفعة في كل ما لم يقسم مما يصح أن تقع فيه الحدود، وتصرف فيه الطرق.
"متفق عليه واللفظ للبخاري، وفي رواية مسلم: ((الشفعة في كل شرك)) " وهذا أيضاً عام، يعني لو قال: في كل شرك وسكت لقلنا: إنها تشمل المنقول ولا تختص بالعقار، ((الشفعة في كل شرك)) ثم بين المراد بالشرك ((في أرض أو ربع أو حائط)) الأرض معروفة، وهي الأرض البيضاء التي لم تعمر ولم تزرع، ((أو ربع)) المراد بهذا الدار، وقد تطلق على الأرض، ((أو حائط)) وهو البستان الذي سور عليه بحائط ((لا يصلح)) وفي لفظ:"لا يحل" يعني إحداهما اللفظ النبوي، والثانية رواية بالمعنى ((لا يصلح)) وفي رواية:"لا يحل" وهذه مسألة ننتبه لها، إحداهما اللفظ النبوي، والثانية رواية بالمعنى، ويمكن أن يقال: إن النبي عليه الصلاة والسلام حدث بالحديث مرتين، مرة قال:((لا يصلح)) ومرة قال: ((لا يحل)) وعلى الاحتمالين: معنى لا يصلح إيش؟ لا يحل، وهذا لفظ مستعمل كثيراً، من أهل العلم من يتورع لأن معنى "لا يحل" يحرم، يعني قولنا: لا يحل هذا الأمر، أو ليس بحلال، أو غير حلال يعني حرام؛ لأن الذي يقابل الحلال هو الحرام، هو المقابل للحلال، فهل قولنا: لا يصلح كقولنا: لا يحل يعني حرام، بعض أهل العلم يتورع من إطلاق الحرام، فيخفف، بدلاً من أن يقول: حرام يقول: لا يجوز، وقد لا يبين له الحكم بياناً قاطعاً، فيقول: لا يصلح، هذا ما يصلح يا أخي، يُسأل عن مسألة ليس مرتاحاً للفتوى بها، أو يرى أن فيها نوع شبهة، ويريد أن يصرف السائل عنها من غير أن يتحمل مسئولية التحريم، فيقول: لا يصلح، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ فهل نقول: إن من هذا الحديث أن مثل هذا الورع غير وارد، وأنه إذا عدل عن لا يحل أو يحرم إلى لا يصلح هل نقول: إنه ما تورع، وقع في نفس ما فر منه؟ أو على حسب فهمه هو وفهم السامع؟ يعني ما تلاحظون بعض من يفتي إذا لم يجزم بالتحريم يقول: هذا ما يصلح، أو هذا ما هو بزين؟ أو اترك هذا الأمر؟ أو ابحث عن أفضل منه؟ يتورعون عن إطلاق التحريم إذا لم يجزموا به، وكثيراً ما يقولون: هذا الأمر لا يصلح من باب الورع عن الجزم بالتحريم، وهنا في الحديث: لا يصلح، وفي لفظ: لا يحل، النبي عليه الصلاة والسلام قال إحداهما إن لم يكن قال الكلمتين، مرة هذه ومرة هذه، أو يكون قال
إحداهما والثانية تصرف فيها بعض الرواة فرووها بالمعنى، وهم أهل لغة يعرفون أن هذه معناها هذا، فإذا قال المفتي:"لا يصلح" يعني الإمام أحمد أثر عنه كلمات تدل على ورعه، يطلق بإزاء التحريم: لا يعجبني، لا يعجبني كذا، أو أكره كذا، كل هذا من باب التحري.
هذا يقول: نرجو التنبيه على درس الخميس.
نعم من باب ضع وتعجل، وغداً الشيخ انتهى ما عنده درس، والمغرب ما عندكم شيء، فيعجل درس الخميس إلى مغرب الغد، ونجمع جمع تقديم فيكون غداً -إن شاء الله تعالى- درس بالمغرب ودرس بعد العشاء، أما ضع وتعجل وتضعون لنا من الوقت نصف ساعة لننتهي في التاسعة -إن شاء الله تعالى-.
استعمال مثل هذه النصوص في مواطنها هذه ألفاظ شرعية ينبغي أن يكون الاصطلاح مطابق للألفاظ الشرعية، فكون المفتي يقول: هذا ما يصلح، وجاءت بإزاء ما يحل في لفظ شرعي في حديث نبوي، عليه أن يحتاط، وإن كان في قرارة نفسه أن كلمة: لا يصلح أقل وأخف من "لا يحل"، فضلاً عن "يحرم"، والسائل قد يفهم هذا، لكن ينبغي أن تقيد الاصطلاحات بالألفاظ الشرعية، "لا يصلح" وفي لفظ:"لا يحل" وإذا كان الأمر لا يحل فهو حرام؛ لأن الذي يقابل الحلال هو الحرام {وَلَا تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [(116) سورة النحل]{وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف] فالذي يقابل الحلال هو الحرام، لا يحل أن يبيع حتى يعرض على شريكه، يقول لشريكه: أنا أريد البيع، فهل لك رغبة أو لا؟ فإن كانت له رغبة باع عليه وهو أولى الناس بهذه الحصة، لكن إذا قال: ما لي رغبة، عرض عليه أولاً فقال: لا رغبة لي بهذه الحصة، ثم وضع عند مكتب عقاري .. ، قال: لا رغبة لي لأنه توقع أن تباع أو يطلب فيها مبلغ كبير، أو بالفعل يطلب، تريد أن تشتري نصيبي قال: نعم، بكم؟ قال: بمائة ألف، فلما وضعه بالمكتب العقاري ما جاب إلا خمسين، وقال للمكتب: بع على طرف ثالث، حينئذٍ يعرض عليه بالخمسين؛ لأن له رغبة، له رغبة يعرض عليه بالخمسين إن أعجبه وإلا باعها لغيره، يكون حينئذٍ في حل، لكن إذا قال: والله ما دام ما له رغبة في الأول أنا ما لي رغبة في الثاني، ما دام ما هو بشارٍ بحدي أبيع على غيره، يسقط حق الشريك في قوله: لا رغبة لي، يعني لا رغبة لي مشروطة بهذه القيمة المطلوبة، ما هو بهذا مراده؟ لا رغبة لي يعني بهذه القيمة المطلوبة، فيعرض عليه بالقيمة الأخرى، فإن كانت له رغبة فهو أولى الناس، لا يحل أن يبيعها حتى يعرض على شريكه.
"وفي رواية الطحاوي في شرح معاني الآثار: "قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شيء" وعرفنا أن هذا العموم يراد به الخصوص، بدليل ما جاء من قوله:((فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق)) ((في كل شرك أو أرض أو ربع أو حائط)) لكن هل ما أشير إليه من الأمثلة أرض أو ربع أو حائط أمثلة حاصرة بمعنى أن الشرك لا يتعدى إلى غيرها أو أن هذا مجرد تمثيل؟ هذا مجرد تمثيل أو نقول: هذه قسمة حاصرة وما في شيء في الشرك غير الثلاثة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو في هذا قد يفهم من التمثيل، لكن ((فإذا وقعت الحدود، صرفت الطرق فلا شفعة)) يدل على أن في كل ما لم يقسم يراد به ما يمكن أن يحد، وتصرف طرقه، واللفظ الذي رواه الطحاوي:((في كل شيء)) يحمله بعض أهل العلم على عمومه، فيجعل الشفعة في كل شيء، حتى في المكيل والموزون، الذي لا ضرر في قسمته، بينك وبين شخص أخر مائة صاع من البر أو من التمر كل واحد له خمسين، فإذا أراد أن يبيع قلت له: أنا أحق به، أنت والأجنبي واحد ما تتضرر إذا قسمت، الشفعة لا شك أنها من باب الرفق بالشريك، فهل تختص بالمسلم؟ إذا كان له شريك ذمي وأراد أن يبيع على مسلم وقال: المسلم أحق بنصيبي من هذا الذمي، ولا يمكن أن يعطى الذمي مثلما للمسلم، وأن يساويه في كل شيء؛ لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، فإذا كان الطرف الآخر مسلم قدم عليه، من أهل العلم من يرى أن مثل هذه الحقوق خاصة بالمسلمين، ومنهم من يرى أنه إذا جاز أن يملك الذمي جاز أن يشفع، يعني في البلاد التي يملك فيها الذمي تجوز له الشفعة، إذا أراد الشريك أن يبيع على أخيه الأكبر، يبيع نصيبه على أخيه الأكبر، وله عليه حق، يعني لو كان مريد الشراء الأب، الأب له أن يتملك من مال ولده، ومال ولده ماله، فإذا أراد أن يبيع على أخيه، يقول: والله أنا نصيبي يبيه أخي، هل هو أحق من الشريك أو ليس بأحق؟ يعني هل النص يشمل جميع من يريد الشراء حتى الأخ والعم والخال؟ لأن لو قلنا: الأب الأب له أن يتملك نصيب ولده من دون مقابل، هذا حق شرعي للشريك، فيقدم على كل أحد.
يقول في الحديث الذي يليه:
"وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((جار الدار أحق بالدار)) رواه النسائي، وصححه ابن حبان، وله علة" عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((جار الدر أحق بالدار)) رواه النسائي، وصححه ابن حبان، وله علة، رواه النسائي في السنن الكبرى، وخرجه ابن حبان مصححاً له، وله علة، وهي أنه اختلف فيه هل هو من حديث أنس أو من حديث سمرة؟ هل هو عن قتادة عن أنس أو عن الحسن عن سمرة؟ ولا شك أن مثل هذا اختلاف مؤثر، وقالوا: المحفوظ أنه من حديث الحسن عن سمرة، ومعروف الكلام في حديث الحسن عن سمرة، وإن كان من الحفاظ من قال: إنه صحيح من الطريقين، يعني هو مروي عن قتادة عن أنس، ومروي أيضاً عن الحسن عن سمرة، وعلى كل حال الحديث لا بأس به، وله ما يشهد له.
حديث أبي رافع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الجار أحق بصقبه)) ومخرج في البخاري ((الجار أحق بصقبه)) جار الدار أحق بالدار، والجار أحق بصقبه، والصقب سئل عنه الأصمعي، فقيل له: ما الصقب؟ فقال: أنا لا أفسر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما العرب تزعم أن الصقب هو اللصيق، يعني الجار الملاصق، لماذا يقول الأصمعي: أنا لا أفسر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما العرب تزعم كذا؟ والرسول عليه الصلاة والسلام عربي يتكلم العربية، لماذا؟ لأن هناك حقائق شرعية، وحقائق لغوية، فإذا أدرك الأصمعي الحقيقة اللغوية قد لا يدرك الحقيقة الشرعية، ولذا يؤكد أهل العلم على أنه يجب على طالب العلم أن يتحرى في تفسير الكتاب والسنة؛ لأنه في تفسير الكتاب والسنة إذا جزم بذلك يكون جزماً بأن هذا مراد الله -جل وعلا-، وهذا مراد رسوله، وإذا لم يكن لديه علم يكون قد قال على الله بغير علم، وقال على رسوله عليه الصلاة والسلام بغير علم، لكن إذا أورد ذلك على سبيل الترجي، وقال: لعل المراد كذا بغير جزم فالأمر فيه سعة، لكن يبقى أن تفسير النصوص من الكتاب والسنة هو لأهل العلم الذين يجمعون بين العناية بالكتاب والسنة مع العلم باللغة، فيقولون: غريب الحديث لا يتكلم فيه كل أحد، ولو كان محدث ما يتكلم فيه، ولو كان لغوياً ما يتكلم في غريب الحديث إلا إذا كان جامعاً بين الأمرين، لا بد أن يجمع بين الحديث واللغة، لماذا؟ أنت تأتي إلى الصقب مثلاً وتذهب إلى لسان العرب فتجد أن العرب أطلقت الصقب بإزاء كذا وكذا وكذا، عشرة معاني، فإذا كان ما لك عناية بالحديث لتعرف تنزيل هذه الكلمة في هذا السياق على هذا المعنى من هذه المعاني، يمكن تضل تختار معنى ليس هو المراد من المعاني التي ذكرت في كتب اللغة، فلا بد أن يكون الذي يتكلم في غريب الحديث أن يكون جامعاً بين علم السنة وعلم اللغة، وأهل العلم يؤكدون على هذا، ولذا الأصمعي من ورعه قال: أنا لا أتكلم أو أنا لا أفسر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن العرب تزعم أن الصقب اللصيق، يعني الملاصق.
((الجار أحق بصقبه)) والحديث لا كلام فيه، وفيه قصة، القصة قال أبو رافع للمسور بن مخرمة: ألا تأمر هذا -يشير إلى سعد- أن يشتري مني بيتي اللذين في داره، فقال له سعد: والله لا أزيدك على أربعمائة دينار مقطعة أو منجمة، فقال أبو رافع: سبحان الله، والله لقد منعتهما من خمسمائة نقداً، فلولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((الجار أحق بصقبه)) ما بعتك، الآن نازل بمائة، مائة دينار ذهب، ومنجمة ليست نقداً، خمسمائة نقد أو أربعمائة مقسطة، يعني العكس مقبول، لكن كل هذا من باب إتباع الصحابة -رضوان الله عليهم- لما جاء عن الأسوة والقدوة عليه الصلاة والسلام، ليس لأحد خيرة من أمره، ونحن نقدم على الشيء الذي لا ضرر فيه علينا، ولا نقول: فيه شبهة، أحياناً يكون فيه محرم واضح، ويقدم عليه المسلم ويقول: الله غفور رحيم، ويتذرع ويعتذر بأعذار وأن فلان قال، وفلان سهل بكذا، فلان يسر بكذا، لا يا أخي، أمر الدنيا أهون من أمر الآخرة، فأبو رافع قال للمسور بن مخرمة ليتوسط له عند سعد أن يشتري منه بيتين اللذين في داره، البيت ما هو؟ والدار ما هي؟ هل نقول: إن البيتين يعني غرفتين في دار واسعة فيها غرف كثيرة؟ أو نقول: البيتين منزلين في حي؟ يعني جاء في الحديث الصحيح: ((خير دور الأنصار)) يعني أحياء الأنصار، وأمر بالمساجد في الدور أن تبنى وتطيب، يعني في الأحياء، فهل هما بيتان؟ يعني مسكنان في حي لسعد؟ أو هما جزاءن من بيته وإن كان له نوع استقلال إلا أنه يشملهما الاسم الأعم وهي دار سعد؟ ماذا نستفيد من هذا الكلام؟ لأنه إذا قلنا: الدار الحي قلنا: إنها بيوت منفصلة منها هاتان الداران في حي لسعد، يعني مشروع سكني فيه لأبي رافع داران، إذاً فهم الحديث، أولاً قصة الحديث وسبب الحديث؛ لأن عندنا سبب ورود وسبب إيراد، الذي عندنا في قصة أبي رافع مع سعد سبب لإيراد الحديث، سبب لإيراد الحديث يعني سبق أن أشرنا إليه، وأما سبب ورود الحديث وهو السبب الباعث للنبي عليه الصلاة والسلام أن يقول الحديث، هذا سبب الورود، وهذا سبب إيراد، فهل نقول: إن أبا رافع له بيتان مستقلان في حي سعد؟ أو نقول: له داران يعني غرفتان بمنافعها في دار سعد
الكبيرة المشتملة على أجنحة مثلاً، في حكم الأجنحة، ومثل هذا يحدد لنا الأحقية هنا، يعني لو مشروع سكني بعض الناس يعمر مشروع سكني فيه عشرين مسكن، ويجعل سور وبوابة ثم يرى أن العشرين ليس بحاجة إليها كلها، فيبيع منها على فلان وعلى فلان خمس عشر ويترك ما يحتاجه لأولاده بعد ذلك يكبر الأولاد الصغار ويحتاجون إلى هذه الدور، ثم يريد البيع واحد من هؤلاء، فيأتي صاحب المشروع لمن يريد البيع فيقول: أنا أحق به من غيري، وهي أمور منفصلة، الطرق منفصلة، ومصرفة، ولا فيها أدنى اشتراك بينها، هل نقول: إنك أحق من غيرك؟ صاحب المشروع المسور الذي فيه بوابة وباع على فلان وعلان ناس ليسوا من أقاربه ولا من معارفه، واحتاج هذا البيت لواحد من أولاده، كبر وتزوج وأراد أن يخرج عن بيت والده هل نقول: له أن يشفع أو ليس له ذلك؟ كل هذا مبني على فهم معنى البيت والدار، ولا شك أن الدار تطلق على الغرفة، كما أنها تطلق على ما هو أعم من ذلك، أو نحتاج إلى النصوص الأخرى؟ مثل ما تقدم، ((فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة)) الآن الجار الذي لا يشترك مع جاره في شيء إلا مجرد الجوار، وعندك جار يشترك مع جاره الممر واحد، يعني الشارع، الممر كان أحياناً يقل عن متر بين البيتين، فمثل هذا يتأذى صاحب الدار بوجود جار أجنبي له، ألا يتأذى؟ إذا خرجت المرأة لا بد أن يرجع الرجال حتى تنتهي من هذا الممر، أو تدخل في بيتها حتى يدخل في بيته، هذا فيه اشتراك في ممر، هنا أنواع من الاشتراك حدثت الآن، اشتراك في عداد كهرباء، اشتراك في بيارة مثلاً، أنواع الاشتراك كثرت، فمثل هذا يوجد الضرر بين الجيران، فهذا مبرر لإثبات الشفعة، أما إذا لا يوجد مبرر لإثبات الشفعة، يعني وجود هذا الجار أو زيد أو عبيد أو أخر صرفت الطرق، وعرفت الحدود، ولا ارتباط لأحدهما بالآخر فيطبق الحديث الأول ((فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة)) وإذا وجد الاشتراك في الممر أو أي شيء يمكن أن يحصل فيه إشكال يتضرر به الجار مع جاره فمثل هذا ينزل الحديث ((الجار أحق بصقبه)) ولذا جاء في الحديث الذي يليه يقول: وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الجار أحق بشفعة
جاره ينتظر بها وإن كان غائباً إذا كان طريقهما واحداً)) رواه أحمد والأربعة، ورجاله ثقات، صحيح الحديث، والقيد مفيد إذا كان طريقهما واحداً؛ لأن ((الجار أحق بصقبه)) عمومه يقتضي كل جار أولى من غيره، والحديث الأول ((فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة)) يقتضي أن لا شفعة للجار، والثاني: يقتضي الشفعة لعموم الجيران، والثالث: إذا كان طريقهما واحد، يعني إذا وجد الاشتراك يتضرر به أحد الجارين، فإذا وجد هذا الاشتراك لا سيما الممر والذي أدرك المنازل قبل هذا التوسع العمراني، وقبل التخطيط يعرف مثل هذه الأمور، الأزقة قد لا تزيد على متر واحد، فمثل هذا إذا كان هذا الممر فيه دار وجار واحد يمين وواحد يسار لا شك أن كل واحد يتضرر، يعني إذا فتح الباب أمام هذا الباب وليس بينهما إلا متر واحد بإمكان الجار ينظر إلى أقصى الدار فيتضرر، وهو مار يريد الدخول إلى بيته إذا التفت يمين أو شمال كشف البيوت؛ لأنه ما في مسافة، والبيوت ما فيها فرصة لئن تصرف تصريف يحجب البصر، يعني أدركنا البيوت إلى الآن موجودة قائمة بيوت مساحة البيت خمسين متر، وكان فيه أسرة عائلة، وموجود هذا، ما أدري الأحياء القديمة هنا فيها من هذا النوع أو لا؟ وإلا في نجد موجود بكثرة، وفي الحجاز أيضاً بيوت من خمسين متر، وبعض القرى التي تهدمت من السيول البيوت القديمة يعني تجزم بأنها ما .. ، يعني بعض الناس الآن البيت هذا كله ما يكفيه غرفة نوم؛ لأن بعض القرى شوف ما في شيء قائم من السيول سوتها بالأرض ما يقوم إلا مكان كنز التمر، الذي يسمونه الجصة، نعم هذه بمقدار متر ارتفاع بنصف متر عرض من الجهات تجد بين هذه الجصة والتي تليها خمسة أمتار، هذه في بيت وهذه في بيت، الدنيا ما كانت تستولي على قلوب الناس، المسألة مسألة ممر ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) كان إلى وقت قريب وهذا معمول به وبالإمكان أن يقف عند باب المسجد ويقول: أعان الله من يعين ويجتمعون ويبنون البيت بثلاثة أيام، أربعة، أو في أسبوع ويسكن، ولا يكلفه شيء، ابن عمر في أسبوع بنى بيته بنفسه، فمثل هذه البيوت التي تتضرر بالجيران بالفعل، يعني السطح يحتاجونه في الصيف، وما بين السطح والسطح إلا
شيء يسير، فيتضرر هذا الجار فيستحق شفعة، وهو أولى من غيره إذا أراد شراءه، فهو أولى به من غيره، ولذا قال في الحديث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائباً إذا كان طريقهما واحداً)) طيب هذا غائب ولا اتصالات ولا يمكن ما يدرى متى يجي، وهذا محتاج إلى قيمة البيت، يريد أن يبيع ينتظر جاره كم شهر؟ إلى متى ينتظر جاره؟ الضرر لا يزال بضرر، إذا كان مضطراً إلى قيمته فالضرر لا يزال بالضرر، وإن كان الحديث فيه النص على الانتظار لكن لا بد أن يكون إلى أمد لا يتضرر به صاحب البيت، وإن انتظره إلى أن يحضر امتثالاً لتطبيق هذا الحديث فلا شك أنه أولى، يعني كما يضرب مدة للخصم، يضرب مدة للزوج للغائب، يضرب مدة لكذا، الحاكم يضرب مدة لهذا الجار الغائب؛ لئلا يتضرر جاره، وعلى كل حال الإشكالات في الأحاديث المتداخلة بعضها يحل بعض.
الحديث الذي يليه وهو "عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الشفعة كحل العقال)) رواه ابن ماجه والبزار وزاد: ((ولا شفعة لغائب)) " وإسناده ضعيف، بل ضعيف جداً ((الشفعة كحل العقال)) يعني أنها يبادر بها، العقال الذي يربط به يد البعير لئلا يشرد، والغالب أنه يجعل أنشوطة، إيش معنى أنشوطة؟ يعني بمعنى أنه يربط بطريقة -وكلكم تعرفونها- بحيث إذا نشطت إذا جرت انحلت، فمجرد حل هذا العقال الشفعة تشبه به، بمعنى أنه مجرد ما يسمع أن فلان باع لا بد أن يشفع هذا، وإلا يضيع حقه، لكن هذا الحديث ضعيف جداً، والشفعة حق من الحقوق لا تسقط إلا بما يدل على عدول الشافع عنها، من أهل العلم أنها على الفور أخذاً بهذا الحديث، ولهم تقادير في المدة التي يسقط بها، لكن إذا ضعف الحديث فلا داعي للارتباط به.