المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله - شرح بلوغ المرام - عبد الكريم الخضير - جـ ٩٣

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله

عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)) رواه مسلم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

‌باب: الوقف

ص: 3

الوقف: هو الحبس؛ لأن العين الموقوفة تكون محبوسة عن التصرف يحبس عنها صاحبها، ويمنع من التصرف بها، وهو في الاصطلاح: تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة، بمعنى أن الأصل لا يتصرف فيه بعد إجراء هذا العقد وهو إيقافه، فعدم التصرف فيه من لوازمه، وسيأتي في حديث عمر -رضي الله تعالى عنه- أن هذا مقتضى الوقف أنه لا يباع ولا يوهب، ولا يتصرف في أصله إلا بما يصلحه، وأما المنفعة والغلة فمصرفها محدد أيضاً في حديث وقف عمر الذي سيأتي الحديث فيه بعد الحديث الأول، والوقف إسلامي يعني مما جاء في الإسلام مما لا يعرف قبل الإسلام، وأول وقف عرف بالإسلام هو وقف عمر، وهو أصل أصيل في هذا الباب، والوقف له هدف شرعي ومصرف لا بد أن يتحقق فيه، وإلا انتفى عنه الاسم، وعلى هذا الوقف إذا لم يحقق الهدف الشرعي فإنه ليس بوقف حقيقةً، وإن حبس ومنع صاحبه من التصرف فيه، فتحقيق الهدف الشرعي من الوقف أمر لا بد منه؛ ليكون الوقف شرعياً، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يرى أنه لا يستحق أن يسمى وقف إذا كان لا يحقق الهدف، أو كان فيه مخالفة للشرع بوجهٍ من الوجوه، فسواء كان في بدايته أو في نهايته، في أصله أو في غلته، فالأموال التي تجتمع من غير الوجوه الشرعية لا يصح الإيقاف منها؛ لأن الله -جل وعلا- طيب لا يقبل إلا طيباً، وإذا جمعت الأموال من وجوهها الشرعية ثم اشتري به وقف بعقدٍ فيه خلل أيضاً لا يتحقق الهدف الشرعي من الوقف؛ لأنه قربة فكيف يتقرب بمثل هذا؟ إذا عقد عليه عقد صحيح بمالٍ طيب، ثم بعد ذلك استغل الوقف فيما فيه مخالفة شرعية مثلاً، بيت أوقف أو دكان محل تجاري أوقف، ثم صار يزاول في هذا المحال ما لا يرضي الله -جل وعلا-، هذا لا يحقق الهدف الشرعي منه، وإذا كان بيت مثلاً وأجر على من يستعمله في المعاصي مثل هذا لا يحقق الهدف الشرعي، فلا بد أن يكون الوقف طيباً في جميع ما يتعلق به، تكون قيمته طيبة، ويكون استعماله في الوجوه الشرعية ومصاريفه شرعية، وإلا فماذا يستفيد الواقف من بيتٍ يستعمل في المعصية؟ أو في محلٍ تباع فيه مواد محرمة شرعاً، أو يزاول فيه عقود محرمة، أو بيت يؤجر على من يزاول فيه محرمات كالبدع ويعرف صاحبه أنه يؤجره على مبتدع

ص: 4

يفعل فيه ما لا يرضي الله -جل وعلا-، ويتقرب فيه بما يغضب الرب سبحانه وتعالى، مثل هذا وإن كان ممنوعاً بالإطلاق لكنه يتأكد إذا قصد به وجه الله؛ لأن هذه مضادة لأمر الله -جل وعلا-، وبعض الناس لا يهتم من هذا الأمر، توجد أوقاف كبيرة، وغلاتها كثيرة في محلات تجارية، وفي مواقع إستراتيجية على ما يقولون ومع ذلك تباع فيها المحرمات وغلتها وقف، هذا واقع كثير لا سيما إذا كانت الأوقاف كبيرة وكثيرة، يعني تصعب على حد قولهم: السيطرة عليها، مجمع تجاري فيه عشرات المحلات لا بد من التحري في مثل هذه الأمور، أن كونك تتقرب إلى الله -جل وعلا- بما لا يرضيه هذه محادّة، ومع الأسف أنه يوجد في أوقاف بعض الأثرياء من هذا النوع، ووقف مؤجر على بنك ممن يزاول الأعمال المحرمة، والأدوار العليا منه تؤجر على طوائف مبتدعة في أوقات المواسم، هل هذا يحقق الهدف الشرعي من الوقف؟ إذا كان الهدف جمع الأموال ثم صرفها هذا ما حققنا شيء؛ لأن المال النافع هو الطيب؛ لأن الله -جل وعلا- طيب لا يقبل إلا طيباً، فكوني أجمع الأموال من حلها ومن غير حلها ثم بعد ذلك أتقرب إلى الله -جل وعلا- لا يمكن أن يكون هذا، ولذا يفتي أهل العلم إذا ورد على الإنسان مال فيه دخل إما شبهة، أو محرم من غير قصد فإنه حينئذٍ يتخلص منه في المصارف المناسبة له، ولا يكون في المصارف الطيبة، والرسول عليه الصلاة والسلام قال:((كسب الحجام خبيث، أطعمه ناضحك)) يعني لا تأكل منه أنت، ولا تتصدق به، فمثل هذه المكاسب الرديئة الخبيثة تصرف في المصارف غير الطيبة، لا مانع أن تجعل في مصارف صحية، في دورات مياه، وما أشبه ذلك مصارف تكون لائقة بها على سبيل التخلص، هذا في التصرفات العادية بالنسبة للناس، أما ما يتقرب به إلى الله -جل وعلا- فشرطه أن يكون طيباً؛ ليتم قبوله.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

ص: 5

"عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا مات ابن آدم)) " بعض الروايات: ((إذا مات الإنسان)) كما سمعتم من القارئ ((إذا مات ابن آدم)) وهو الإنسان، فالرواية بالمعنى بالنسبة لمثل هذا سائغة؛ لأن الإنسان مساوي تماماً لابن آدم ((انقطع عمله إلا من ثلاث)) ابن آدم والإنسان يشمل جميع ما يطلق عليه اللفظ، فيدخل فيه الذكر والأنثى، وإن كان الإناث بنات آدم ((فهذا شيء كتبه الله على بنات آدم)) لكن إذا وجه الخطاب للذكور دخل فيه النساء، ما لم يمنع من ذلك مانع ((إذا مات ابن آدم)) الذكر والأنثى، والمقصود به من ينتفع، الجهة القابلة للانتفاع، وهو المسلم أما غير المسلم فإنه لا ينتفع بما عمله قبل موته؛ لأن شرط القبول منتفي ((إذا مات ابن آدم انقطع عنه عمله)) عمله الصالح، وكذلك غير الصالح، ما لم يكن قد سنّ فيه سنة إما حسنة وإما سيئة ((فمن سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة)) لا ينقطع أجرها، وبالمقابل ((من سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)) فلنتصور أن هناك أناس ماتوا من مئات السنين وأعمالهم الصالحة تكتب لهم قرون؛ لأنهم سنوا هذه السنة، وبالمقابل أناس ماتوا من قرون تكتب عليهم الأوزار كرؤوس المبتدعة الذين ابتدعوا في الدين، وسنوا فيه ما لم يسبق له شرعية من كتابٍ أو سنة، وما زال الناس يعملون بها، هؤلاء عليهم أوزار وأوزار من عمل بها إلى يوم القيامة، وقد تموت هذه السنن في وقت سواء كانت صالحة أو طالحة فاسدة ثم يحييها من يحييها، وحينئذٍ يكون عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، فإذا مات ابن آدم انقطع علمه، انتهى التكليف، وجف القلم إلا ما استثني من الخصال الثلاث المذكورة في الحديث وبقية العشر التي ذكرت في أحاديث أخرى.

ص: 6

((إذا مات ابن آدم انقطع عنه عمله)) إذا جنّ ابن آدم أو خرف واختلط قبل موته بعشر سنين، توقف عن العمل، فماذا عن هذه المدة من خرفه إلى وفاته؟ هل ينقطع عمله أو يستمر؟ لأن الانقطاع معلّق بالموت، فهذا شخص خرف لا يعي ما يقول، ولا يدري من حوله، وتسمع من بعضهم التسبيح والذكر وهو لا يعي ما حوله، وتسمع من بعضهم السب والشتم واللعن، وسمع هذا وسمع هذا، في المستشفيات في العناية المركزة التي لا يعي فيها الإنسان شيء ويعيش على الأجهزة تسمع هذا يكثر من التسبيح والتحميد والتهليل، وذاك يكثر من السب والشتم، وسمع من يقرأ القرآن وهو لا يسمع، ولا يرى، ولا يبصر، ولا يتحرك، وهذا سمعنا وسمع غيرنا، سب وشتم ولعن صريح وقذف وهو لا يعي، في هذه المدة التي بين انقطاع التكليف؛ لأن مناط التكليف العقل وقد فقد إلى الوفاة؛ لأنه في الحديث عندنا:((إذا مات انقطع)) فالانقطاع معلق بالموت، فهل يؤاخذ بما يفعله في هذه المدة؟ يقرأ القرآن ليل نهار، وهو في غيبوبة، ومنهم من كان مؤذناً مدةً طويلة في صحته فحصل له ما حصل من المرض والإغماء ثم إذا جاء وقت الأذان أذن هذا موجود، شخص معلق قلبه بالصلاة إذا حان وقت الصلاة كبّر، يعجب الحاضر المشاهد ويعجب الأطباء كيف يتحرك في هذا الوقت وهو محكوم عليه أحياناً بالموت الدماغي؟ هذه الوقائع موجودة، ولا يماري فيها أحد ترى استفاضت يعني عرفت سمعناها وسمعها غيرنا، لكن المسألة في انقطاع العمل، فالحديث معلق على الموت، وهذه المدة التي ارتفع فيها التكليف لأن مناط التكليف العقل، هذه المدة التي قد تكون عشر سنوات أو أكثر أو أقل يؤاخذ عليها بما يصنعه ويؤجر على ما يفعله أو لا؟

طالب:. . . . . . . . .

يؤجر ولا يؤاخذ! كيف؟

طالب:. . . . . . . . .

ص: 7

لكن أهل العلم يتفقون على أن غير العاقل مرفوع عنه القلم، وهذا عقله قد زال، هذه المدة مدة ما بين ارتفاع التكليف بزوال العقل إلى الموت مقتضى الحديث أنه العمل جاري، العمل يجري له، لا سيما وأنه امتداد لعمله وقت التكليف، فمن لزم القرآن صار ديدنه ليل نهار، أو الذكر ثم بعد ذلك زال عنه التكليف فصار يسمع منه القرآن والذكر على ما كان يعمله في حال الصحة، مثل هذا واضح في كونه يثاب على هذا؛ لأنه امتداد لعمله، كمن سنّ سنة حسنة أو سيئة يؤجر على الحسنة ويوزر على السيئة وإن مات، وإن انقطع عمله فهذا من آثار عمله، لكن المؤاخذة -مؤاخذة الإنسان- وقد زال عقله، يعني أقرب ما يقال في مثل هذا مثل الصغير غير المكلف الذي رفع عنه قلم التكليف منهم من يرى أنه مرفوع رفع تام، بمعنى أنه لا له ولا عليه قبل التكليف، ومنهم من يرى أنه يكتب له الحسنات، ولا تكتب عليه السيئات، على كل حال هذه محل نظر وتحتاج إلى تحرير في هذه المدة.

((انقطع عنه عمله)) والمراد بعمله الصالح الذي يكتب له ((إلا من ثلاث)) لأن الاستثناء هنا إن قلنا: إنه متصل قلنا: انقطع عمله الصالح، وإذا قلنا: إنه أعم من أن يكون متصلاً أو منقطعاً قلنا: يشمل العمل الصالح وغير الصالح، كله ينقطع ((إلا من ثلاث: صدقة جارية)) وهذا هو الشاهد من الحديث للباب؛ لأن أهل العلم حملوه على الوقف الذي يستمر؛ لأن الصدقة التي يدفعها الإنسان إلى فقير فيأكلها هذا الفقير وتنتهي هي ليست جارية هي صدقة، لكن ليست جارية، أما الجارية هي التي تستمر ويدوم نفعها كالوقف.

ص: 8

((صدقة جارية، أو علمٍ ينتفع به)) بأن يكون معلماً لغيره، معلماً لطلاب ينشرون عنه العلم، ويؤخذ عنهم العلم، ويتسلسل هذا العلم لطلابهم وطلاب طلابهم .. الخ، هذا لا شك أنه علم ينتفع به، ويستمر نفعه، مثل هذا التأليف وهو أضمن في الاستمرار بإذن الله، وإن كان الطلاب فيهم خير، وفيهم نفع ينتفع بهم شيخهم الذي اقتدوا به، وأخذوا عنه، وينتفعون بمن يعلمونهم، ومن دل على خير كان له مثل أجر فاعله، التأليف لا شك أنه يستمر إذا كتب الله له الاستمرار، وإلا هناك مؤلفات كثيرة جداً تذكر بالتراجم، لكن لا أثر لها ولا وجود لها، هذه ما استمرت، والتأليف شأنه ونفعه عظيم، ولذلك تجدون في تراجم أهل العلم من يشاد به، ويوصف بأعظم الأوصاف لكنه لم يؤلف، ينتهي خبره، ولا يذكر، ومن لازم الذكر الترحّم عليه، فبعض الكتب تكون مباركة، تقرأ في كل درس، وفي كل مسجد، وفي كل مناسبة، وفي كل يوم يقال ألوف المرات: قال فلان -رحمه الله تعالى-، هذا لا شك أنه علم ينتفع به، وهو باقٍ والبركة كما تكون في الأشخاص تكون في آثارهم من مؤلفاتهم، فتجد هذا الشخص في علمه بركة بحيث يؤخذ عنه العلم من قبل عددٍ كبير، وينتشر هذا العلم في الأقطار والأمصار هذه بركة، وكذلك يكون له مؤلف يرزق القبول من الله -جل وعلا-، بينما يوجد من هو أعلم منه فيما يبدو للناس، لكن لا تجد هذا الأثر الذي لغيره ممن هو دونه في الظاهر، فالله -جل وعلا- إذا رضي بارك، يعني ما بركة كتب شيخ الإسلام وابن القيم وأئمة الدعوة وكتب أهل العلم المعروفين بالتحقيق الذي سار في مؤلفاتهم الركبان، وانتشر طلابهم والآخذون عنهم في الأمصار، وما زال التسلسل إلى الآن، فلان عن فلان، وفلان قرأ عن فلان، وأخذ عن فلان .. الخ، هذا لا شك أنها أبواب من أبواب الخير، المقصود أن العلم أشمل من أن يكون بالتعليم أو بالتأليف، المقصود أن الإنسان يبذل هذا العلم لينتفع به

ص: 9

فيجرى عليه أجره بعد وفاته، كذلك طبع الكتب لا يجب أن يكون الشخص عالماً لو كان ليس من أهل العلم وإنما ساهم في طبع الكتاب أو أشار على من يطبع كتاب لو كانت ليست لديه القدرة في التعليم والتأليف ولا الطبع من ماله فإذا أشار على شخص يستطيع طبع الكتاب النافع لا شك أن الله -جل وعلا- يدخله في السهم الواحد ثلاثة، فمنهم هذا، فلا يحقر الإنسان نفسه في مثل هذه الأمور له من الأجر قريب مما للمؤلف أو للطابع أو للناشر أو ما أشبه ذلك؛ لأنه على يديه انتشر الكتاب.

((أو علمٍ ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)) فعلى هذا يحرص الإنسان على تربية أولاده على الصلاح بأن يكون صالحاً في نفسه مصلحاً لأولاده ولغيره؛ لأن الولد الصالح حريّ بإجابة الدعوة، وهذا الصلاح يدعوه إلى الدعاء لوالديه بحيث يستشعر النصوص الشرعية الواردة في حقوق الوالدين، فيدعو لهما، والدعاء ينفع بلا شك، ونفعه للمتسبب ظاهر في التربية على الخير والصلاح، ولذا يقول الرب -جل وعلا-:{رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [(24) سورة الإسراء] فالتربية لها شأنها، فإذا فرّط الوالد في تربية الولد يحرم من هذا الدعاء؛ لأنه مربوط بالتربية – كما ربياني- يعني من أجل تربيتهما لي، فإذا رباه على الصلاح، ودعا له صار حرياً بالإجابة، استفاد من دعائه، والله المستعان.

هناك أمور جاءت بها النصوص، خصال أوصلها السيوطي إلى عشر خصال، ونضمها في قوله:

إذا مات ابن آدم ليس يجري

عليه من فعالٍ غير عشرِ

علوم بثّها ودعاء نجلٍ

. . . . . . . . .

هذا الوارد في الحديث.

. . . . . . . . .

وغرس النخل والصدقات تجري

وراثة مصحفٍ. . . . . . . . .

. . . . . . . . .

الإنسان إذا ورث مصحف وصار يقرأ فيه لا شك أن له من الأجر مثل أجر من يقرأ فيه، وقل مثل هذا لو اشترى مصاحف ووزع، لا سيما في البلدان التي لا يتيسر فيها الحصول على المصاحف، أجر وخير عظيم أن يسر القراءة لمثل هؤلاء.

وراثة مصحف ورباط ثغرٍ

وحفر البئر أو إجراء نهرِ

وبيت للغريب بناه يأوي

إليه أو بناء محل ذكر

ص: 10

وبيت للغريب، بيوت للغرباء، فنادق يسكّن فيها الغرباء من غير مقابل، هذه أجرها عظيم، ويستمر نفعها، وهي داخلة في الوقف، إذا بنى بيتاً أوقفه على الغرباء الذين لا سكن لهم، فهذا لا شك أنه داخل في الوقف، بعد هذا حديث ابن عمر.

وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: أصاب عمر -رضي الله تعالى عنه- أرضاً بخيبر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله إني أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي منه، قال:((إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها)) قال: فتصدق بها عمر أنه لا يباع أصلها، ولا يورث، ولا يوهب، فتصدق بها في الفقراء، وفي القربى، وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، ويطعم صديقاً غير متوّل مالاً. متفق عليه، واللفظ لمسلم.

وفي رواية للبخاري: تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب، ولكن ينفق ثمره.

ص: 11

حديث ابن عمر في وقف عمر وهو أصل في هذا الباب، ونقل الإجماع على مشروعية الوقف، ولم يخالف في ذلك إلا ما يذكر عن شريح القاضي أنه منع الحبس الذي هو الوقف، منعه؛ لأنه يحرم صاحبه من التصرف فيه، وأجاز أبو حنيفة رحمه الله البيع –بيع الوقف- ومنعه مطلقاً مالك والشافعي، انتهى، لزم، خرج من يده لا يتصرف فيه البتة، والمذهب عند الحنابلة أنه لا يجوز بيعه إلا إذا تعطلت منافعه، مزرعة اندثرت ولا تصلح لئن تكون سكن، أو كانت مصارفها من غلتها بالتعيين بأن قال: هذه المزرعة وقف مائة صاع منها من غلتها للإمام، وخمسون صاعاً للمؤذن، ومائة صاع للمدرس في المسجد، وزعها من غلتها؛ لأنهم الآن إذا تعطلت منافعها باعتبارها مزرعة أحياناً غلتها لا تفي بإصلاحها، يعني يصرف عليها من الأموال أكثر من غلتها، فيتفق الناظر مع الورثة فبدلاً من أن تكون مزرعة تكون مخطط سكني، أو محلات تجارية، أو ورش صناعية، أو ما أشبه ذلك، وتؤجر بمبالغ طائلة، فالحنابلة يقولون: إذا تعطلت المنافع تنقل، تباع وينقل، والمالكية والشافعية يقولون: لا لزمت، في حكم التعطّل ضعف الدخل الشديد، يعني بهذه الصورة مزرعة غلتها بعشرة آلاف وخمسة آلاف ريال، وإذا أجرت مستودع أو محل تجاري أو شيء من هذا بمائة ألف، هل نقول: خلاص هي كما تركها صاحبها؟ أو نقول: إنها تعطلت المنافع، وهجرت هجر الحي فلا مانع من بيعها، والانتقال إلى حيٍ يستفاد منها، معروف إن الأحياء تتفاوت في الدخل، فبدلاً من أن تكون غلتها خمسة آلاف وعشرة آلاف تنقل إلى حيٍ تكون غلتها مائة ألف، هي ما تعطلت منافعها، لكنها في حكم المتعطل؛ لأن الغلة بالنسبة لما هو أعظم منها كلا شيء، الضعف شديد، فالذي يقول بالتصرف فيها في مثل هذه الحالة هو مخرج على قول الحنابلة في التعطل؛ لأن هذا شبه تعطل، وأما بالنسبة للمالكية والشافعية لا يرون أنها تنقل لزمت ولو تعطلت منافعها، والحنفية يجيزون بيع الوقف.

ص: 12

يقول: "وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أصاب عمر أرضاً بخيبر" يعني المنقول عن شريح أنه لا يرى الحبس، هل يتصور أن شريحاً يرى يريد في كلامه هنا بالحبس هنا السجن ولا يرى سجن الجاني؟ لأنه قاضي؟ لأن أحياناً بعض الألفاظ على حسب ما يفهمه القارئ، فإذا قيل: إن عمر رضي الله عنه منع المتعة مثلاً، هل يريد بها متعة الحج أو متعة النساء؟ متعة الحج، لكن لو قيل: بالنسبة لشخصٍ يرى متعة الحج ومنع المتعة لا شك أنه يوجه على أن المراد متعة النساء؛ ليتحد قوله، فشريح قاضي، وكان لا يرى الحبس، هل المراد به أنه لا يرى الوقف أو لا يرى سجن الجاني؟ إنما يحكم عليه مباشرة وينفذ ولا يحبس؛ لأنه نقل عنه هذا أنه لا يرى الحبس، وفي هذا الموضع يعني في كتاب الوقف، من نقل عنه فهم من أنه يريد الوقف، وأنه لا يرى مشروعية الوقف، واللفظ محتمل، يحتمل وإلا ما يحتمل؟ فالذي يحدد هو السياق الذي جاء فيه هذا الكلام، وأيضاً مقارنة أقواله بعضها ببعض، وإلا ما عرف عن أحدٍ من علماء المسلمين أنه لا يرى مشروعية الوقف.

ص: 13

"عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أصاب عمر -رضي الله تعالى عنه- أرضاً بخيبر" نعم، كان عنده مائة رأس فاشترى بها مائة سهم من خيبر، هذه خيبر لما فتحت هل وزعت على الغانمين؟ أو بقيت وعامل النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر عليها بالشطر؟ وكان عبد الله بن رواحة يخلص عليهم، وأعطوه من الرشوة ما أعطوه؛ ليخفف عنهم، في قصص وأحاديث معروفة مشهورة، النبي عليه الصلاة والسلام ما قسم خيبر بين الغانمين، وإنما عامل عليها أهلها بشطر ما يخرج منها، فعمر حينما أصاب هذه الأرض بخيبر يعني اشتراها بمائة رأس، اشترى مائة سهم بمائة رأس "فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها" يطلب أمره فيها، ويستشيره فيها "فقال: يا رسول الله إني أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي منه" الأرض مؤنثة "أصبت أرضاً بخيبر، لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي منه" يعني منها من الأرض، أنفس من هذه الأرض، والأصل أن يعود الضمير عليها بالتأنيث، لكن لما نزلت منزلة المال عاد الضمير عليها بالتذكير "فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم" من باب المشورة ((إن شئت -ترك الأمر إليه- حبست أصلها وتصدقت بها)) حبست أصلها يعني أوقفتها، وتصدقت بها يعني بغلتها، والمعنى العام للصدقة يشمل الوقف "قال: فتصدق بها عمر، وأنه لا يباع أصلها" يعني مقتضى اللفظ أنه تصدق بها أنه أخرجها من يده، ووزعها على الفقراء والمساكين وابن السبيل وفي سبيل الله على ما سيأتي، لكنها صدقة مقيّدة بكونها لا يباع أصلها، وهذه حقيقة الوقف "ولا يورث" يعني خرجت عن ملكة بالتوقيف، فلا يستطيع بيعها ولا تورث منه إذا مات، ولا يستطيع أن يهبها إلى أحد، لا هو ولا أحد من ورثته "لا يباع أصلها، ولا يورث، ولا يوهب فتصدق بها في الفقراء" تكون غلتها مصروفة في هذا المصرف، لا أنها توزع الأرض على الفقراء، وإلا كان المراد بذلك فتصدق بها على أو للفقراء التي تقتضي التمليك، إنما تصدق بها بمعنى أنه أوقفها، وجعل غلتها مصروفةً في الفقراء وفي القربى، الفقراء ويشمل المساكين، وإن كان الفقر أشد عند الجمهور، والمسكنة أشد عند الحنفية، وهذا معروف في باب الزكاة.

ص: 14

"في الفقراء، وفي القربى" من باب الصلة يقدم ذوو القربى، لا سيما من انطبق عليه الوصف وهو الفقر، فهو أحق من غيره ممن بعد عنه في النسب "وفي القربى" جمع قريب "وفي الرقاب" بأن يعتق منها الأرقاء، ويؤدى منها عن المكاتبين، ويفك منها الأسرى "وفي سبيل الله" والمراد به في قول الجمهور الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، المراد في سبيل الله الجهاد عند الجمهور، ومنهم من يتوسع في مفهوم سبيل الله، سواء كان في هذا الحديث، أو في آية مصارف الزكاة، فيجعلها في كل ما ينفع، يعني في الجهاد، وفي الحج، وجاء ما يدل على كونه من سبيل الله، وفي الدعوة، وفي التعليم، فيتوسع في مفهوم في سبيل الله بحيث يشمل أبواب الخير من جهادٍ وحجٍ ودعوة وتعليم، وأيضاً يدخل في التعليم دخولاً أولياً تعليم القرآن، فيتوسعون في هذا ويجعلون من مصارف الزكاة هذا بهذا المفهوم، والأكثر على أن المراد في سبيل الله الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، وهو المتجه؛ لأنه قول عامة أهل العلم.

"وفي سبيل الله وابن السبيل" من انقطعت به الأسباب، انتقل من بلده إلى بلدٍ آخر مسافراً، فنفذت نفقته أو ضاعت يعطى من الزكاة، ويعطى من الأوقاف حتى يرجع إلى بلده، ولو كان غنياً في بلده، وهذا الحاجة ماسّة إليه في أوقاتٍ مضت، أما الآن فتكاد تكون معدومة، أعني مسألة الانقطاع ابن السبيل، ففي كل بلد مصرف وصراف، وإن كان غنياً في بلده فبطاقته معه، يسحب من أي بلد يحل فيه كأنه في بلده، فخفت هذه المسألة، يبقى أنه شخص ما له حساب في البنوك وفي المصارف ولا بطاقته عنده، أو بطاقة الصرف منتهية، هذا منقطع يعطى حتى يعود إلى بلده وإن اقترض بنية الوفاء لا شك أنه أفضل من السؤال والتكفف، وإن كان يجوز له أن يسأل حتى يعود إلى بلده، وليس معنى هذا أن الإنسان يقصد هذا الأمر يقصد الانقطاع فلا يأخذ من النفقة ما يكفيه ليكون ابن سبيل!

ص: 15

"وابن السبيل والضيف" الضيف ولو كان غنياً، ولو كان واجداً، إذا حل بالمسلم ضيف فعليه إكرامه، أقل الأحوال يومه وليلته، وما عدا ذلك ففضل إلى الثلاث ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)) فمن مصارف الوقف الضيف، لو أن شخصاً أوقف بيتاً وجعل غلته فيما جاء في حديث عمر، وصار كل من جاءه من ضيف أكرمه وبالغ في إكرامه، حتى ضاق الصرف عن المصارف، أو ضاق المصروف عن المصارف، صار يا الله يكفيه ها الوقت الضيوف الذي يحلون عليه، هل نقول: إن هذا يقي ماله بهذا الوقف؟ أو نقول: إن الضيف داخل في المصارف المنصوص عليها ولا تثريب عليه؟ ماذا نقول؟ يعني أوقف داراً تؤجر بعشرين ألف مثلاً، هذه الدار أجرتها عشرون ألفاً، وهو رجل مضياف في كل أسبوع يحل به ضيف، ويكلّفه خمسمائة ستمائة إلى ألف أحياناً، فما تنتهي السنة إلا والعشرون ألف منتهية للضيوف، يكون هذا وقف وإلا لا؟

طالب:. . . . . . . . .

لا هو الضيف منصوص عليه، يعني شرط الواقف كنص الشارع.

طالب:. . . . . . . . .

ص: 16

إيه هذا يطلقه الفقهاء، لكن عندنا الضيف منصوص عليه أنه من المصارف، لكن لا يعني هذا أنه يأتي على جميع المصرف، وإن كانت مصارف الزكاة يجوز صرفها في وجهٍ واحد، يعني لو شخص عنده مليون زكاة وصرفها كلها في الفقراء، وترك السبعة من المصارف يلام وإلا ما يلام؟ ما يلام، لكن هذا عنده المصارف الفقراء، وذوي القربى، والرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والضيف، ستة، فخصص الغلة للضيوف، ولا شك أنه إذا كان إكرامه للضيوف من باب امتثال قول الرسول صلى الله عليه وسلم:((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)) هذا لا شك أنه مأجور على هذا، لكن يبقى أنه إن كان ليقال: كريم أو يدفع بذلك عن ماله، لا يود أن يخرج من ماله شيء للضيوف، ولا يخسر عليهم شيء، وقال: فرصة الضيف مصرف من مصارف الأوقاف، وعندنا هذا الوقف، لماذا لا نكرم الضيوف؟ وهل يلزم إخبار الضيف أن هذه الوليمة من الوقف أو لا يلزم؟ الضيف حينما حل به الأصل أن يكرمه من ماله، فهل يلزم أن يقول للضيف: هذا الإكرام من الوقف؟ ترى لها نظائر يا إخوان، بعض الناس لا يعق عن ولده إلا إن حل به ضيف، يستغل هذا الضيف ويذبح هذه الشاة، أو هذا الكبش وينويه عقيقة لولده، والثانية إذا جاء ثاني، والبنت إذا جاء ثالث وهكذا، هل تجزئ عقيقة وقد قدمت على أنها إكرام لضيف أو لا بد أن يقول لضيفه: هذه عقيقة فلان؟ يعني إذا قال: هذه عقيقة فلان انتهى الإشكال صحت ما في إشكال عقيقة، لكن إذا قدمها على أنها إكرام لهذا الضيف؟ وقل مثل هذا في الوقف إذا قدمه على أنه إكرام لهذا الضيف، وتناقل الناس أنه يكرم الضيوف، وهو في الحقيقة من الأوقاف ومن العقائق، لا بد من البيان، لا بد أن يقول: هذه عقيقة فلان، حياكم الله على عقيقة فلان وهكذا، وإن كان في الأصل يجوز له أن يأكل ويهدي ويتصدق، ويعزم عليها الأقارب، يعزم عليها الجيران، لكن لا يظهر نفسه بخلاف الواقع، لا يظهر بخلاف الواقع، فإذا توقّع منه خلاف الواقع لا بد من البيان، وإذا جاء ذم من يهاجر لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها، هاجر شخص من الدمام إلى مكة، والذي يظهر للناس إنما ترك هذه المنطقة إلى مكة من أجل المضاعفات، ومن أجل البلد الحرام، من أجل

ص: 17

البيت، للطواف، للتعبد هناك، مجاورة، وهو في الحقيقة إنما بحث عن زوجةٍ مناسبة في بلده فما وجد، فانتقل إلى بلد آخر ليجد زوجة أو غلب على ظنه وجود زوجة، أو وعد، أو حدث عنها، فانتقل وهاجر، وظهر للناس أو أظهر للناس أنه إنما هاجر لله ورسوله، فمثل هذا يذم، وقل مثل هذا إذا هاجر لدنيا يصيبها، يسأل لماذا سكنت في مكة؟ والله سكنت في مكة ما يخفى فضل مكة، والصلاة بمائة ألف صلاة، الكلام صحيح، لكن هل هذه نيته؟ فإذا ظهر للناس على خلاف الواقع لا بد من البيان، فإذا كان يظهر للناس أنه كريم من جاء إلى البلد من غريب أقام له وليمة، ودعا إليها أعيان الناس، واستفاض بين الناس أنه كريم، لا بد أنه يقول: هذه عقيقة أو هذا وقف لبيان الواقع، وإلا فالأصل أن الهجرة للدنيا أو الهجرة لامرأة يتزوجها لا إشكال فيها، ما فيه شيء إلا إذا ظهر على خلاف واقعه، أو أظهر للناس بقوله أو بفعله إنه إنما هاجر من أجل كذا، وسواء كان ذلك بلسان المقال أو بلسان الحال.

ص: 18

"لا جناح على من وليها" لا إثم ولا تثريب على من وليها من ناظرٍ ذكراً كان أو أنثى "أن يأكل منها بالمعروف" النص هنا على الأكل يحتاج نفقة، يأخذ نفقة "أو يطعم صديقاً غير متمولٍ مالاً" يأكل بالمعروف، لكن لو قال الناظر: أنا ما عند استعداد أقبل النضارة، وهي تأخذ علي وقت إلا بأجرة المثل، ما يكفيني آكل نعم الأوقات تتفاوت، قد يكون في عهده صلى الله عليه وسلم أن الأكل في مقابل العمل الدائم مناسب، وإلى وقتٍ قريب والأجير يستأجر بطعامه، يعمل في الأعمال الشاقة من طلوع الشمس إلى غروبها، بوجبتي الغداء والعشاء فقط، وهذا مناسب لوقت من الأوقات؟ لكن الآن؟! لو تبي تقول لواحد من طلاب العلم: عندي عمل ليس بشاق تكون في المكتبة، وتحضر لي بعض المسائل، وترتب الكتب، عمل مريح، وفي مكان بارد، وفي محل تهواه، لكن ما عندي لك إلا الغداء والعشاء في أحد بيقبل؟ فكيف إذا كان مثل هذا الوقف أرض وبعيدة عن المدينة، وتحتاج إلى رعاية، وتحتاج إلى متابعة، وتحتاج إلى نظر، وفي عمال، وفي غلة، وفي بيع وشراء، ويكفي أن يأكل؟ إذا لم يوجد من يتبرع بحث عمن يأكل، إذا لم يوجد من يكفيه الأكل بحث عن من يعمل فيه بأجرة المثل، وامرأة تسأل قالت: إنها أوقفت محلات تجارية، وعيّنت عليها ناظر، وكان الناظر منصوص عليه في ورقة الوقف أن له خمسة بالمائة، قالت: إنها لم تجد أحد يمسك الخمسة، فتريد أن ترفع النسبة إلى عشرة في المائة، لها ذلك أو ليس لها ذلك؟ نعم، إذا لم تجد يترتب على عدم وجوده ضياع الوقف ترفع النسبة؛ لأنه من مصلحة الوقف، ومثل هذا يقال في الأكل بالمعروف، يعني قد لا نجد من يعمل في مثل هذه الأعمال بمجرد أن يأكل منه، أو يطعم صديقاً، ولو كان غنياً يطعمه غير متمولٍ مالاً، يعني يطعمه الشيء الذي لا يضر بالمصرف.

ص: 19

"غير متمول مالاً" متفق عليه واللفظ لمسلم، وفي رواية للبخاري: تصدق بأصلها لا يباع ولا يوهب" الضبط إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها، قال: فتصدق بها عمر، وهنا في رواية البخاري: تصدق يعني بدل قوله: فتصدق بها عمر، يعني تصدق عمر بأصلها لا يباع ولا يوهب، ولكن ينفق ثمره الغلة المنفعة تنفق في المصارف المذكورة في الفقراء، وفي القربى، وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والضيف.

وكان الناظر عمر -رضي الله تعالى عنه- في وقته، ثم بعد ذلك بعده آلت النظارة إلى حفصة أم المؤمنين، فدل على أن المرأة تلي مثل هذه الأعمال، بما لا يقتضي مخالطةً منها للرجال.

وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة الحديث، وفيه:((فأما خالد فقد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله)) متفق عليه.

حديث أبي هريرة تقدم ذكره، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام بعث عمر -رضي الله تعالى عنه- على الصدقة يجبي الصدقة، بعثه جابياً للصدقة، عاملاً عليها، والحديث فيه أنه منع ابن جميل وخالد والعباس، امتنعوا من دفع الصدقة، فقال:((أما العباس فهي عليّ ومثلها، وأما خالد فقد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله)) وهذا هو الشاهد ((وأما ابن جميل فما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيراً فأغناه الله)) يعني بدلاً من أن يشكر النعمة يمنع حق الله في المال، فدل على أن الناس ينزلون منازلهم، هذا شخص فقير أغناه الله وليست له ما لغيره من هؤلاء من عطاء، ومن إفادة للإسلام والمسلمين، فمثل هذا يقال في حقه مثل هذا الكلام، يعني أقل الأحوال أن يدفع إليه يؤدي الواجب، كان فقير فأغناه الله فعليه أن يؤدي هذه الصدقة، وأما العباس فهي علي ومثلها، ومنهم من يقول: إنه دفع زكاة سنتين، وعلي عندي معناها عندي أنها مدفوعة، ويستدلون بذلك على جواز تعجيل الزكاة، ومنهم من يقول: إن النبي عليه الصلاة والسلام ضمن عنه أو أدى عنه ما وجب عليه.

ص: 20