المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

((وأما خالد -وهو الشاهد هنا- فقد احتبس)) يعني أوقف أدراعه - شرح بلوغ المرام - عبد الكريم الخضير - جـ ٩٣

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ((وأما خالد -وهو الشاهد هنا- فقد احتبس)) يعني أوقف أدراعه

((وأما خالد -وهو الشاهد هنا- فقد احتبس)) يعني أوقف أدراعه جمع درع، وهو الذي يقي البدن من السهام، يلبس على البدن ليقيه من السهام، وهو في الغالب من الحديد، ((وأعتاده)) جمع عتد، وهو أيضاً مما يعتد به ويستعان به في القتال من سلاحٍ وخيلٍ ومركوب أياً كان، فهو يعتد به، ويستعان به في القتال، منهم من فسره بالخيل، ويستدل بالحديث على جواز وقف المنقول، وأنه لا يختص بالعقار والأراضي، المنقول يوقف، أما المنقول الذي يدوم أصله كالدرع مثلاً والسيف الأمور التي يستمر نفعها، فهذا لا إشكال في إيقافها، لكن ما تتلف عينه هل ينطبق عليه أنه وقف؟ ما تتلف عينه؟ يعني يستهلك، المستهلك يصح إيقافه وإلا ما يصح؟ يعني إيقاف النخل الأصل إيقاف الأصل والمنفعة توزع على المصارف هذا ما فيه إشكال، لكن لو أقف الثمرة التي على رؤوس النخل دون النخل يسمى وقف وإلا لا؟ ما يسمى وقف؛ لأنه مستهلك، والوقف من شأنه أن يثبت ويدوم؛ لأن هذا معنى الوقف، وهذا معنى التحبيس، فكونه أوقف الأدراع هذا ما فيه إشكال لأنها تدوم من حديد وتنتقل من شخص إلى شخص في سبيل الله، يعني كما توقف مصحف، المصحف في الغالب يدوم، ومن يد فلان إلى فلان، وإذا استغنى عنه فلان دفعه إلى فلان، وقل مثل هذا في كتب العلم وإن كانت منقولة، خلافاً لمن يقول: إنه لا يصح وقف المنقول، فالصحيح صحة وقف المنقول كالكتب والمصاحف والأدراع وما أشبه ذلك، أما بالنسبة للفرس الذي يموت مثلاً فتوقيفه محل خلاف بين أهل العلم، والحديث حجة على صحة وقف الحيوان لمن يستفيد منه، شخص ربط خيل في بيته أو عند بابه من احتاجه يركبه ويعيده إلى مكانه، شخص وقف سيارة وجعل المفتاح عليها قال للمحتاج من المسلمين له مشوار يركب ويمشي، فإيقاف مثل هذا صحيح بناءً على تفسير العتاد بالخيل، نعم.

‌باب: الهبة

ص: 21

عن النعمان بن بشير -رضي الله تعالى عنهما- أن أباه أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نحلت ابني هذا غلاماً كان لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أكل ولدك نحلته مثل هذا؟ )) فقال لا: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فأرجعه)) وفي لفظٍ: فانطلق أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على صدقتي، فقال:((أفعلت هذا بولدك كلهم؟ )) قال: لا، قال:((اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)) فرجع أبي فرد تلك الصدقة. متفق عليه.

وفي رواية مسلم: قال: ((فأشهد على هذا غيري)) ثم قال: ((أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟ )) قال: بلى، قال:((فلا إذاً)).

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب: الهبة

ص: 22

الهبة والعطية والنحلة بمعنى واحد إلا أن الهبة تطلق على ما كان في حال الصحة وكذلك الهدية، وأما العطية فهي مختصة في العرف عند أهل العلم أنها ما كانت في حال المرض، والهبة عبارة عن تمليك عين دون مقابل، يقول -رحمه الله تعالى-:"عن النعمان بن بشير -رضي الله تعالى عنهما- قال: إن أباه أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نحلت ابني هذا غلاماً" يعني وهبه له، بشير بن سعد وهب ابنه النعمان ونحله غلام كان له "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أكل ولدك نحلتهم مثل هذا؟ )) " يعني جميع الأولاد أعطيتهم مثل هذا الغلام؟ "فقال: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((فأرجعه)) " وعلى هذا إذا استوت المطالب -مطالب الأولاد- لا بد من التعديل بينهم، فعنده خمسة من الأولاد كلهم يحتاج إلى سيارة، فأعطى واحد سيارة، أعطاه إياه، وهبها له، وترك الباقي وقال له: لا تنس إخوانك إن كان لهم مشاوير وإلا شيء توصلهم، ما يكفي، لا بد أن يهب لكل واحد سيارة، وإلا تكون السيارة باسمه هو، ثم يخوّل واحداً منهم لقيادتها لكونه أجدر بهذه القيادة من غيره، ومع ذلك لا يختص بها في مشاويره الخاصة، ومن احتاجها من إخوانه ينتفع بها؛ لأنها ليست له، وإنما هي لأبيه، وتعلقهم بها كتعلقه هو، أما إذا اختلفت المطالب، هذا يحتاج سيارة، والبنت تحتاج إلى ذهب، والصغير يحتاج إلى مصروف مدرسة ودروس وطعام يناسبه، ورابع أو خامس يحتاج إلى زواج، اختلفت هذه المطالب، هل نقول: إذا زوجت زيد الذي يبلغ من العمر خمسة وعشرين سنة لا بد أن تدفع لعمر الذي يبلغ من العمر خمس سنين مقدار المهر؟ يلزم وإلا ما يلزم؟ ما يلزم؛ لأن هذه حاجات أصلية تقدر بقدرها، وكل يعطى ما يحتاج، فإذا أعطى الولد سيارة ينتفع بها وينفع بها والده وأهله، وتعطى البنت من الذهب ما تحتاجه من الحلي، وما يناسب المرأة، ويعطى الصغير ما يناسبه هذا لا يلزمه فيه التعديل، الحوائج الأصلية لا يلزم فيها التعديل، لكن إذا وصل إلى ما وصل إليه أخوه الذي به أعطي ما أعطي لزم الأب التعديل، تزوج الولد الأول لما بلغ العشرين، يلزمه إذا كانت ظروفه تمسح له أن يزوج الثاني إلى وصل إلى العشرين ولا يجوز

ص: 23

له تأخيره إذا طلب ذلك وهذا تعديل، نعم قد ينظر في مصلحة الأول ومصلحة الثاني، الأول من مصلحته أن يزوج مبكر، والثاني ليس من مصلحته أن يتزوج مبكراً، فهذه النظر إليه، لكن يبقى أن التعديل لا بد منه والتسوية، وإذا زوج الولد الأول هل يلزمه أن يوصي بتزويج الثاني والثالث من رأس ماله أو لا؟ ((لا وصية لوارث)) هل من التسوية والتعديل بين الأولاد أن يزوج الثاني والثالث كما زوج الأول ولو بعد وفاة الأب؟ بالوفاة انتقل المال منه إلى ورثته فصار لا يملك إلا الوصية بالثلث فأقل، والنص المتلقى بالقبول ((لا وصية لوارث)) فعلى هذا يزوج من إرثه لا من رأس المال "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((فأرجعه)) وفي لفظ: فانطلق أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على صدقتي، فقال:((أفعلت هذا بولدك كلهم؟ )) قال: لا، قال:((اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)) " فعدم التسوية وإيثار بعض الأولاد دون بعض محرم، والتصرف باطل، فلا بد من إرجاع هذه العطية سواء قبضت أو لم تقبض في حياة المعطي وبعد وفاته، منهم من يقول: إنه إذا أعطى بعض أولاده وزاد بعضهم على بعض ثم مات عليه الإثم والعطية ثابتة، ولا ترد، وهذا قول كثير من أهل العلم، لكن المرجح أنه ما دام أمر بإرجاعها أنها لم تثبت ملكاً للولد، فعلى هذا ترد ولو بعد وفاة الأب، ((اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)) الأولاد يشمل الذكور والإناث {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [(11) سورة النساء] فالتعديل واجب بين الأولاد ذكوراً كانوا أو إناثاً، وأهل العلم يختلفون في مثل هذا هل مقتضى الحديث التسوية والتعديل بأن يكون ما يعطى للذكر والأنثى على حدٍ سواء؟ أو تكون القسمة على قسمة الله -جل وعلا- في المواريث للذكر مثل حظ الأنثيين؟ فلنتفرض أن شخصاً ثرياً عنده عشرة أولاد وخمس بنات، عشرة ذكور وخمس إناث، فأعطى العشرة من الذكور كل واحد مائة ألف، مليون، فماذا يعطي البنات؟ هل يعطي كل واحدة من البنات مائة ألف أو يعطيها خمسين ألف؟ هل نقول: مقتضى قوله: ((اتقوا الله واعدلوا)) مقتضى هذا أن يكون العدل بالتسوية، سووا بين أولادهم، فالتسوية تقتضي أن يعطى

ص: 24

البنات مثلما يعطى الذكور، لا على قسمة الميراث، ومن أهل العلم من يرى أن القسمة في العطية لا في النفقة والحوائج الأصلية تكون على قسمة الله بالميراث، فأعطى الذكور على مائة ألف يعطي الإناث على خمسين ألف، وهذا لا شك أنه قول له حظ من النظر، أما بالنسبة للحوائج الأصلية؛ لأن هذه مسائل عملية يحتاجها الناس باستمرار، يعني شخص عنده عشرين بين ذكر وأنثى، وفي نهاية كل شهر يعطيهم المصاريف التي يحتاجونها، ويحدد لهم، يجب عليه أن يعدل بين زوجاته، فإذا حدد لهن مبلغاً من المال لا يجوز أن يزيد واحدة على الأخرى، الزوجات نفترض أنه يعطي كل زوجة خمسمائة وكل واحد من الأولاد الذكور مائتين، فهل معنى هذا أنه يعطي الإناث مائة مصروف؟ أو نقول: إن المائة لا تكفي، أحياناً تكون البنات أشد مصروف من الأولاد؟ لأن الحاجة الأصلية لا بد من تأمينها، فهذه ليست العطية هذه من باب النفقة، إلا أنه من أجل تنضبط أموره يعطيهم دراهم، فإذا قلنا: إنه على الميراث لا بد أن يعطي البنت النصف، وحينئذٍ تتضرر، البنات يحتجن من المصاريف أكثر مما يحتاجه الأولاد؛ لأننا لو نظرنا إلى الثياب مثلاً، الولد يخاط ثوبه بمائة ريال، والبنت ما يخاط إلا بمائتين ثلاثمائة، وقل مثل ذلك في أمور أخرى مما يحتاجه الناس فكونه يقنن لهم مصاريف لا يعني أنهم يقسم بينهم هذه المصاريف على الميراث، مثاله: الأكل والشرب، يعني لو قدم طعام فهل يستطيع أن يقول للبنت: للذكر مثل حظ الأنثيين لا تأكلين إلا نصف ما يأكل الولد؟ يمكن أن يقال هذا؟ لا، فالحوائج الأصلية تؤمن من دون نظر إلى الميراث، وهذه مسألة عملية ويحتاجها الناس، هذا إذا أراد أن يعطيهم دراهم في مقابل المصروف ينفقون على أنفسهم، لكن لو تولى الشراء لهم، يكون هذا العمل فيه على حسب الحاجة، الكبير يحتاج إلى ثوب أربعة أمتار قيمته مائة وعشرين، الذي دونه إلى ثلاثة أمتار قيمته مائة، الذي دونه يحتاج إلى مترين بستين مثلاً، أو سبعين، البنت تحتاج إلى ثوب مائتين، الزوجة الكبرى تحتاج إلى ثوب مناسب بخمسمائة، الثانية تحتاج إلى ثوب مناسب بألف، فالناس لا شك أنهم منازل، فإذا كان الصرف بالحوائج نفسها فهي تتفاوت من شخص إلى آخر، فكل

ص: 25

إنسان يعطى ما يناسبه وما يعطاه مما يناسبه تعديل، لو اشترى للزوجتين وبينهما من العمر عشرين سنة مثلاً، الأولى عمرها أربعين والثانية عشرين، اشترى لهم من قماش واحد، وتفصيل واحد، يصلح وإلا ما يصلح؟ الكبيرة تقول: هذا لا يناسبني، هذا ثوب شهرة يصلح للصغار، والصغيرة تقول: لا يناسبني هذا دون مما أحتاجه، ولذلك في مثل هذه الأمور أفضل ما يكون أن يعطوا دراهم يتصرفون فيها كل على حسب حاجته، وبهذا يتم التعديل وينضبط، أما تأتي للكبرى وبينهما .. التي قد تكون بنت من بنات هذه الكبرى أكبر من هذه الزوجة، وتأتي لها بثوب مثل ثوب الصغرى ما هو مناسب، والعكس كذلك ليس بمناسب، فمثل هذه الأمور لا يحلها إلا الدراهم، هي التي يمكن فيها التعديل، فإذا أعطيت هذه خمسمائة وهذه خمسمائة انتهى الإشكال ولا كلام لأحد، وكل واحد منهما تشتري ما يناسبها يعني في حدود ما أباح الله -جل وعلا-، أما لو أرادات إحداهما أن تشتري شيئاً محرماً لذاته أو وصفه فإنها لا تمكّن من ذلك، قد يقول قائل: إن مثل هذا يسهّل لها الخروج لقضاء حوائجها، ولو تولى الأب أو الزوج تأمين هذه الأمور بنفسه وامتثل جعل النسوة يمتثلن القرار في البيوت، لا شك أن هذا أولى وأكمل لكن لا ينضبط، لا يمكن ضبطه، فالتعديل في مثل هذا يكون بالفلوس تبرأ الذمة بمثل هذا، يعني يحدد للزوجات مثلاً مصروف، وهذا تبعاً ليسار الزوج وعسره فيزيد إذا كانت أموره متيسرة، ويقل إذا كانت أموره أقل وهكذا، فالمتوسط لو أعطى الزوجات كل واحدة خمسمائة وأعطى كل واحد من الأولاد والبنات مائتين أو ثلاثمائة ماشي ما يكون ظلم أحد منهم.

" ((اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)) فرجع فرد تلك الصدقة" امتثالاً لقوله عليه الصلاة والسلام: ((فأرجعه)) فرد تلك الصدقة فدل على أن الجور والميل وعدم التسوية وعدم التعديل أمر ليس عليه أمر النبي عليه الصلاة والسلام، فهو رد، أي مردود، فلا بد من رده في حياة الواهب، وبعد مماته، خلافاً لمن يقول: إنه إذا مات ثبت الإثم في حقه، وثبتت العطية والهبة لمن وهبت له.

ص: 26

"وفي رواية لمسلم: قال: ((فأشهد على هذا غيري)) " هل معنى هذا أنه يأذن له في أن يستمر في هبته لكن يشهد على هذا غير النبي عليه الصلاة والسلام لأن منزلته أعظم على مثل هذا؟ فيكون فيه إذن وإباحة؟ أو أن السياق سياق تهديد: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [(40) سورة فصلت]؟ لأن منهم من يرى أن التسوية غير واجبة، التعديل بين الأولاد غير واجب، بل التفاضل مكروه، بدليل أنه قال:((أشهد عليه غيري)) ولو كان محرماً لما أمر بإشهاد غيره، لأنه لا يجوز لغيره أن يشهد على محرم، نقول: ليس الأمر هنا للإذن بل هو للتهديد، كقوله -جل وعلا-:{اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [(40) سورة فصلت]"ثم قال: ((أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟ )) قال: بلى قال: ((فلا إذاً)) " يعني فلا تفضل بعضهم على بعض ليتم البر منهم على حدٍ سواء، وما وجد العقوق والتمرد على الآباء إلا بعد أن وجد التفضيل لبعض الأولاد على بعض، فالتفضيل سبب للعقوق، كثير من الأولاد خله ينفعه فلان، هو الغالي عنده وهو اللي .. ، موجود هذا، إذا وجد التفضيل من بعضهم على بعض لا شك أن البشر كثير منهم لا يحتمل مثل هذا، وإلا فالأصل أن على الابن أن يؤدي ما عليه، وأن يسأل الله -جل وعلا- الذي له، ويطالب أباه بما له، ويخوفه بالله ويأمره بالعدل، ويضرب له مثل هذا النص، نعم.

وعن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه)) متفق عليه.

وفي رواية للبخاري: ((ليس لنا مثل السوء الذي يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه)).

ص: 27

يقول: "ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه)) متفق عليه" هذا دليل على تحريم الرجوع في الهبة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام شبهه في أمر شنيع، قبيح، وفي الرواية الأخرى:((ليس لنا مثل السوء الذي يعود في هبته كالكلب يقيء ثم يرجع في قيئه)) وأسلوب السياق دليل ظاهر على التحريم؛ لأن المكلف لا يجوز له أن يفعل هذا الفعل، لا يجوز له أن يعود في قيئه فلا يجوز له أن يعود في هبته كما مثلت الغيبة بأكل لحم أخيه ميتاً، كما أنه لا يجوز له أن يأكل لحم أخيه ميتاً كذلك لا يجوز له أن يأكل لحم أخيه حياً بالغيبة، وكذلك إذا كان لا يجوز له أن يعود في قيئه لا يجوز له أن يعود في هبته، هذا قول الجمهور، ومنهم من يقول: يجوز له أن يعود في هبته، طيب والمثل الذي ذكره النبي عليه الصلاة والسلام وهو مثل السوء؟ قال: إن الكلب غير مكلف ولا إثم عليه إذا عاد في قيئه وحينئذٍ يكون المشبه مثل المشبه به، فلا إثم على من عاد في هبته! ظاهر وإلا مو ظاهر؟ الجمهور أخذوا منه تحريم العود في الهبة وهو ظاهر، السياق يدل دلالة صريحة على التنفير من هذا العمل، ومنهم من يقول: يكره العود في الهبة ولا يحرم لماذا؟ لأن المشبه ينزل منزلة المشبهة به، فالعائد في هبته لا يأثم كما أن الكلب إذا عاد في قيئه لا إثم عليه؛ لأنه غير مكلف، ومثله المشبه به، لكن نهينا عن مشابهة الحيوانات، أقعاء الكلب، افتراش السبع، بروك البعير، هذا ليس للمسلم، وكذلك من أشنع التشبيه في السنة النبوية ما جاء معنا هنا، يقيء .. أولاً كلب، وهو من أخبث الحيوانات وأنجسها، ومع ذلك فعله شنيع، يقيء ثم يعود في قيئه، نعم منها ما يأكل الجيف، ومنها ما هو أخبث من ذلك، لكن هنا التمثيل والتنظير مطابق منه عليه الصلاة والسلام، وهذا في غاية البلاغة، وظاهر من الذي يعطي ثم يأخذ هذا لا شك أنه عمل سيء مشابه لعود الكلب في قيئه، وفي رواية للبخاري:((ليس لنا مثل السوء الذي يعود في هبته كالكلب يقيء ثم يرجع في قيئه)) يستثنى من ذلك

نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

ص: 28

نعم

لا، المهدي بالكلب، المهدي الذي يعود في هديته كالكلب، العائد في هبته كالكلب، نعم والهدية كالقيء، يعني لو كان المنظور إليه مثلما يقول من يبيح الرجوع ويفسر الحديث على هذا الفهم قلنا: إن الهدية هذه لا يجوز قبولها؛ لأنها كالقيء! صحيح، ما دام يشبه العائد في هبته كالكلب في عدم التكليف وعدم المؤاخذة؛ لأن الكلب غير مكلف، المقصود التشبيه إجمالاً لا تفصيلاً، وإلا لو قلنا: بالتفصيل لاتجه قولهم، لكن الصورة الإجمالية لا شك أنها تدل على منع الرجوع في الهبة، يستثنى من ذلك هبة الوالد لولده، وأيضاً الهبة مع عدم التعديل على ما سيأتي وما تقدم، والحديث الذي يليه حديث ابن عمر في المغرب -إن شاء الله تعالى-

ص: 29