المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ كتاب البيوع (25) - شرح بلوغ المرام - عبد الكريم الخضير - جـ ٩٨

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌ كتاب البيوع (25)

شرح: بلوغ المرام -‌

‌ كتاب البيوع (25)

باب: الوديعة

الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

وعن معاذ بن جبل -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادةً في حسناتكم)) يقول: رواه الدارقطني، وأخرجه أحمد والبزار من حديث أبي الدرداء، رواه الدارقطني يعني من حديث معاذ بن جبل، وأخرجه أحمد والبزار من حديث أبي الدرداء، فهو شاهد لحديث معاذ وابن ماجه، يعني ورواه ابن ماجه من حديث أبي هريرة شاهد ثاني لحديث معاذ، يقول الحافظ: وكلها ضعيفة، لكن قد يقوي بعضها بعضاً، والله أعلم.

هذه الأحاديث الثلاثة أو حديث معاذ وشاهديه لا شك أنها بالنظر إلى مفرداتها، لا تخلو من ضعف، لكنها باعتبار المجموع، فمن يحسن بالطرق، وهو المعروف عند أهل العلم إلا من ندر، يحكمون على هذا النوع من الحديث الذي مفرداته ضعيفة وبمجموعها تتقوى، يقولون: هو الحديث الحسن لغيره.

يقول الحافظ: "وكلها ضعيفة، ولكن قد يقوي بعضها بعضاً" لأن قد هذه للتقليل وليست للتحقيق؛ لأنها دخلت على المضارع، فالأصل فيها إذا دخلت على المضارع صارت للتقليل، فهل هذه قاعدة مطردة؟ يعني الأحاديث الضعيفة إذا كانت الأحاديث كلها بمفرداتها ضعيفة قد يتقوى بعضها ببعض؟ أو يتقوى بعضها ببعض؟ أما إذا كان الضعف ليس بشديد، وتعددت الطرق يتقوى بعضها ببعض، لكن إذا كان الضعف شديداً فإنها لا تتقوى وقد تتقوى، كما قرر ذلك بعض العلماء كالسيوطي ونحوه؛ لأنه لما ذكر شديد الضعف ومجيئه من طرق متعددة قال:

. . . . . . . . .

وربما يكون كالذي بُدِيْ

يعني أنه يكون كالحسن لغيره، المجتمع من أحاديث ضعيفة ضعفها ليس بشديد.

ص: 1

وهنا الضعف قابل للتقوية، فالحديث هنا حسن لغيره؛ لأنه له شواهد وله طرق يقوي بعضها بعضاً، أما قول الحافظ يفيد أنه يشك في وصوله إلى مرتبة الحسن لغيره؛ لأنه قال: قد يقوي بعضها بعضاً، والعادة أنه يحكم بمثل هذا، ويجزم به، لكن إذا كان الضعف غير شديد، أما إذا كان الضعف شديداً فإن الأكثر من أهل العلم أن وجود الطرق لمثله في الضعف في شدة الضعف فإنه لا يستفيد منها، وتبقى ضعيفة.

على كل حال الحديث هذا المتجه كونه حسناً لغيره ((إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم)) إن الله تصدق عليكم، الأصل في المال أنه لله {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [(33) سورة النور] وإنما المتصدق إنما هو سبب ووسيلة لوصول مال الله إلى هذا السائل أو هذا المعطى.

فأنت مجرد سبب ووسيط في هذا المال، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول:((إنما أنا قاسمٌ والله المعطي)) فهذا الغني الذي بيده الأموال هي مال الله، وليست من ماله، وتصدق الله على هذا الذي بيده المال بثلث ماله عند وفاته يوصي به، يوصي به زيادة في حسناته، مما ينفق من هذا المال من وجوه البر، أما الوصية والوقف الذي لا يتحقق منه الهدف الشرعي فإنه لا يكون فيه زيادة في الحسنات، بل قد يكون وبالاً على صاحبه، فبعض الناس يوقف، وتكون غلة الوقف على جهةٍ لا يتحقق فيها الهدف الشرعي، إما جهة مباحة، أو تزاول بعض المنكرات، كثيرٌ من الأثرياء يوقفون الأموال الطائلة، ومع ذلك لا يجنون من ورائها حسنات كما في هذا الحديث، بل يجنون من ورائها الآثام، نسأل الله السلامة والعافية.

ص: 2

فمن وقف سوقاً تجارياً، وجعل غلته في مصارف الخير، وهذا السوق يباع فيه ما حرم الله -جل وعلا-، ومع الأسف أنا وجدنا من هذا النوع شيء كثير؛ لأنه لما يكون المال كثيراً تكون الإحاطة به ومراقبته عسيرة، وإذا أراد الإنسان كما يقولون ويبررون ويعللون أن تكون التجارات صافية خالية مائة بالمائة فمعناه ينزوي في بيته ولا يعمل شيء، وهذا تيئيس من الأعمال المباحة، نعم وقف غلته ثلاثون مليون ريال في السنة وقف، هذه الثلاثون المليون تصرف في وجوه البر، لكن هي مجموعة من أسواق تجارية يباع فيها ما يباح وما يحرم، مثل هذا لا يحقق الهدف الشرعي، أو يكون وقف يبنى –يشيد- والعمال يشتغلون وقت الصلاة، الناس يصلون والعمال يشتغلون، هذا تناقض هذا، يعني هذا وقف يراد منه الثواب من الله -جل وعلا-، زيادة في الحسنات كما في الحديث، ومع ذلك تترك الصلاة، وتؤخر الصلاة من أجله.

ص: 3

فشيخ الإسلام -رحمة الله عليه- يقول: إذا كان الوقف لا يحقق الهدف الشرعي فإنه لا يصح أن يسمى وقف، فضلاً عن كونه يضاد ويناقض ويعارض الهدف الشرعي من الوقف، هناك أوقاف ووصايا تكون سبباً لقطيعة الرحم فهل من المصلحة أن تستمر مع استمرار هذا الوصف؟ أو من المصلحة أن تباع ويقطع دابرها، ويلتئم الناس حولها، وتقسم وتوزع وينتهي إشكالاتها، بعض القضاة يستروح لمثل هذا، لا سيما إذا عجز عن الإصلاح بين هؤلاء الورثة، فلا شك أن نية الواقف الخير -إن شاء الله تعالى-، لكن ما يدري ما وراء هذا الخير؟ فمن وقف وقفاً داراً أو عمارة تؤجر عليه أن يتحرى في المستأجرين، وأن لا يمكنهم من أن يزاولوا ما حرم الله -جل وعلا- في هذه الدار التي يرجو ثوابها، وثواب غلتها، أو الأسواق أو الدكاكين أو غير ذلك مما ينتفع به، لا بد أن تكون المنفعة مباحة؛ لأنه في الحديث يقول:((زيادةً في حسناتكم)) فالهدف الشرعي من الوقف والوصية التقرب إلى الله -جل وعلا-، وبهذا يستدل من يبطل الوقف الذري على الذرية، يوقف بيته على أولاده، ما الذي يحققه الوقف من الهدف؟ يحققه ألا يبيع الأولاد البيت، يضمن لهم بقاء البيت، أما كونه يأثم أو يؤجر هذا ليس قصداً له، لا يريد بذلك الثواب من الله -جل وعلا-، وإنما يريد أن يبقى أولاده في هذا البيت، لا يخرجون ولا يُخرجون، فمنهم من يصحح مثل هذا الوقف، ومنهم من يقول: هذا ليس بوقف، ولا يثبت الوقف بمثل هذا القصد.

ص: 4

في الوقف هناك وفي الفرائض ذكرنا أن الحقوق المتعلقة بالتركة خمسة: أولها: مؤونة التجهيز، تغسيل الميت وتكفينه، وحمله ودفنه إذا كانت هذه تحتاج إلى أموال فإنها تكون من أصل التركة قبل كل شيء، يلي ذلك الديون المتعلقة بالتركة، الديون على الميت المتعلقة بالتركة، كالدين الذي فيه رهن، يلي ذلك الديون التي لا تتعلق بعين التركة، وإنما تتعلق بذمة الميت، سواءً كانت الديون للخلق أو للخالق، الرابع من الحقوق: الوصايا، الخامس: الإرث، فالحقوق ترتيبها هكذا: مؤونة التركة، مؤونة التجهيز، الحقوق المتعلقة بعين التركة، الديون التي لا تتعلق بعين التركة، ثم الوصايا رقم أربعة، فتقدم الديون على الوصايا، وهذا لا شك أنه هو الجاري على قواعد الشريعة؛ لأن الديون بالنسبة للوصايا نفل، فهي دون الديون في المرتبة والاهتمام، وفي قول الله -جل وعلا-:{مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [(11) سورة النساء] هنا في الآية تقدمت الوصية على الدين فهل لهذا التقديم حظ في الأولوية؟ إذا قلنا: نبدأ بما بدأ الله به فنقدم الوصية على الدين، أو نقرر ما قرره أهل العلم من تقديم الدين على الوصية؛ لأنه أهم وأحق في التنفيذ، وأبرئ للذمة، يعني لا بد أن تكون الذمة قد برئت من عهدة الواجب لتلتفت إلى المستحب، هل نقول في مثل هذا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما رقي على الصفا قال:((أبدأ بما بدأ الله به)) وفي رواية: ((ابدؤوا بما بدأ الله به)) وذكره أهل العلم في الوضوء، ذكروه دليلاً على الترتيب، فهل نقول: نرتب هنا كما رتبنا هناك؟ أو نقول: نقدم الدين على الوصية ولو تقدمت الوصية على الدين في هذا الباب؟ نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

يقدم الدين على الوصية، وأما البداءة هنا؟

طالب:. . . . . . . . .

يعني تقديم الصفا على المروة ما هو بسبب أن الله -جل وعلا- قدمه في قوله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} [(158) سورة البقرة] وتقديم غسل الوجه على اليدين؛ لأن الله قدم غسل الوجه على اليدين؟ لماذا لا نقدم الوصية على الدين هنا؟ نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

نقدم على هذا الوصية نبدأ بما بدء الله تعالى به، وإلا نقدم الدين على الوصية؟

ص: 5