المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌21- باب التعاون على البر والتقوى - شرح رياض الصالحين لابن عثيمين - جـ ٢

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌21- باب التعاون على البر والتقوى

‌21- باب التعاون على البر والتقوى

قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى)(المائدة: 2)، وقال تعالى:(وَالْعَصْرِ)(إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ)(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)(العصر: 1-3)

قال الإمام الشافعي رحمه الله كلاماً معناه: إن الناس - أو أكثرهم - في غفلة عن تدبر هذه السورة.

[الشَّرْحُ]

قال المؤلف رحمه الله تعالى-: "باب التعاون على البر والتقوى" التعاون معناه: التساعد، وأن يعين الناس بعضهم بعضاً على البر والتقوى فالبر: فعل الخير، والتقوى: اتقاء الشر وذلك أن الناس يعملون على وجهين: على ما فيه الخير، وعلى ما فيه الشر، فأما ما فيه الخير فالتعاون عليه أن تساعد صاحبك على هذا الفعل وتيسر له الأمر؛ سواء كان هذا مما يتعلق بك أو مما يتعلق بغيرك، وأما الشر فالتعاون فيه بأن تحذر منه، وأن تمنع منه ما استطعت، وأن تشير على من أراد أن يفعله بتركه وهكذا، فالبر فعل الخير، والتعاون عليه والتساعد على فعله، وتيسيره للناس، والتقوى اتقاء الشر والتعاون عليه بأن تحول بين الناس وبين فعل الشر وأن تحذرهم منه؛ حتى تكون الأمة أمة واحدة.

والأمر في قوله (وتَعَاوَنُوا) أمر أيجاب فيما يجب، واستحباب فيما يستحب، وكذلك في التقوى أمر إيجاب فيما يحرم، وأمر استحباب فيما

ص: 371

يكره.

وأما الدليل الثاني في التعاون على البر والتقوى، فهو ما ذكره المؤلف رحمه الله من سياق سورة العصر، حيث قال الله تعالى: فأقسم الله (وَالْعَصْرِ)(إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ)(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر فأقسم الله - تعالى- بالعصر الذي هو الزمن، والناس فيه منهم من يملؤه خيراً ومنهم من يملؤه شراً، فاقسم بالعصر لمناسبة المقسم به للمقسم عليه، وهو من أعمال العباد فقال (إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ) الإنسان عام؛ يشمل كل إنسان، من مؤمن وكافر، وعدل وفاسق، وذكر وأنثى، كل الإنسان في خسر، خاسر كل عمله، خسران عليه، تعبٌ في الدنيا وعدم فائدة في الآخرة، إلا من جمع هذه الأوصاف الأربعة (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر) فأصلحوا أنفسهم بالإيمان والعمل الصالح، وأصلحوا غيرهم بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر.

فالإيمان: هو الإيمان بكل ما يجب الإيمان به، مما أخبر به الله ورسوله، وقد بينه الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله:" الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسلهن واليوم الآخر، والقدر خيره وشره" ستة أركان.

وأما عمل الصالحات، فهو كل ما يقرب إلى الله، ولا يكون العمل

ص: 372

صالحاً إلا بشرطين، هما: الإخلاص لله عز وجل والمتابعة لرسول صلى الله عليه وسلم.

الإخلاص لله: بمعنى ألا تقصد بعملك مراءاة عباد الله، لا تقصد إلا وجه الله والدار الآخرة.

وأما المتابعة: فهي المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم بحيث لا تأت ببدعة؛ لأن البدعة وإن أخلص الإنسان فيها مردودة " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"،، والعبادة التي فيها الاتباع ولكن فيها رياء مردودة ايضاً، لقوله تعالى:" أنا أغنى الشركاء عن الشرك، ومن عمل عملاً أشرك فيه معي غيري؛ تركته وشركه" وهو حديث قدسي.

وأما قوله: (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ) يعني أن بعضهم يوصي بعضهم بالحق، وهو ما جاءت به الرسل (وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر) لأن النفس تحتاج إلى صبر لفعل الطاعات وترك المحرمات، وأقدار الله المؤلمة.

قال الإمام الشافعي- رحمه الله: لو لم ينزل الله على عباده سورة غير هذه السورة لكفتهم؛ لأنها جامعة مانعة. نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المؤمنين العاملين الصالحين، المتواصين بالحق، المتواصين بالصبر. إنه سميع قريب.

* * *

ص: 373

177-

عن أبي عبد الرحمن زيد بن خالد الجهني- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازياً في أهله بخيرٍ فقد غزا " متفق عليه.

[الشَّرْحُ]

ذكر المؤلف رحمه الله في باب التعاون على البر والتقوى ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: " من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازياً في أهله بخير فقد غزا" وهذا من التعاون على البر والتقوى، فإذا جهز الإنسان غازياً، يعني براحلته ومتاعه وسلاحه، ثلاثة أشياء: الراحلة، والمتاع، والسلاح، إذا جهزه بذلك فقد غزا، أي كتب له أجر الغازي، لأنه أعانه على الخير.

وكذلك من خلفه في أهله بخير فقد غزا، يعني لو أن الغازي أراد أن يغزو ولكنه أشكل عليه أهله من يكون عند حاجاتهم، فانتدب رجلاً من المسلمين وقال: أخلفني في أهلي بخير، فإن هذا الذي خلفه يكون له أجر الغازي؛ لأنه أعانه.

إذن فإعانة الغازي تكون على وجهين:

الأول: أن يعينه في رحله، ومتاعه، وسلاحه.

والثاني: أن يعينه في كونه خلفاً عنه في أهله؛ لأن هذا من أكبر

ص: 374

العون، فإن كثيراً من الناس يشكل عليه من يكون عند أهله يقوم بحاجتهم، فإذا قام هذا الرجل بحاجة أهله وخلفه فيهم بخير فقد غزا.

ومن ذلك ما جرى لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه حين خلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهله في غزوة تبوك، فقال: يا رسول الله، اتدعني مع النساء والصبيان، فاق لله:" أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي" يعني أن أخلفك في أهلي، كما خلف موسى هارون في قومه، حينما ذهب إلى ميقات ربه.

ويؤخذ من مثال الغازي أن كل من أعان شخصاً في طاعة الله فله مثل أجره، فإذا أعنت طالب علم في شراء الكتب له، أو تأمين السكن، أو النفقة، أو ما أشبه ذلك، فإن لكل أجراً مثل أجره، من غير أن ينقص من أجره شيئاً، وهكذا - أيضاً لو أعنت مصلياً على تسهيل مهمته في صلاته في مكانه وثيابه، أو في وضوئه، أو في أي شيء فإنه يكتب لك في ذلك أجر.

فالقاعدة العامة: أن من أعان شخصاً في طاعة من طاعة الله كان له مثل أجره، من غير أن ينقص من أجره شيئاً، والله الموفق.

* * *

ص: 375

179-

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي ركباً بالروحاء فقال (من القوم)" قالوا: المسلمون، فقالوا: من أنت؟ قال: " رسول الله" فرفعت إليه امرأةٌ صبياً فقالت: ألهذا حجٌ! قال: " نعم ولك أجرٌ" رواه مسلم.

[الشَّرْحُ]

قال المؤلف - رحمه الله تعالى- فيما نقله عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم ملقي ركباً بالروحاء والروحاء مكان بين مكة والمدينة، وكان هذا في حجة الوداع، فقال لهم:" من القوم؟ " قالوا: المسلمون، فقالوا: فمن أنت؟ قال: " أنا رسول الله صلى الله عليه وسلم" فرفعت إليه امرأة صبياً فقالت: لهذا حج؟ قال " نعم ولك أجر" ففي هذا الحديث من الفوائد ما ساقه المؤلف من أجله، وهو أن من أعان شخصاً على طاعة فله أجر؛ لأن هذه المرأة سوف تقوم برعاية ولدها إذا أحرم، وفي الطواف، وفي السعي، وفي الوقوف، وكل شيء، قال: له حج ولك أجر.

وهذا كالذي سبق فيمن جهز غازياً أو خلفه في أهله فإنه يكون له أجر الغازي.

وفي هذا الحديث من الفوائد أن الإنسان ينبغي له أن يسأل عما يجهله إذا دعت الحاجة إلى ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم سأل: "من القوم؟ " يخشى أن يكونوا من العدو فيخونوا أو ويغدروا، أما إذا لم تدع الحاجة إلى ذلك فلا

ص: 376

حاجة أن تسأل عن الشخص، فتقول: من أنت؟ لأن هذا قد يكون داخلاً فيما لا يعنيك، و " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" لكن إذا دعت الحاجة فاسأل حتى تكون على بينة من الأمر وعلى بصيرة.

وفي هذا الحديث دليلٌ على أن وصف الإنسان نفسه بالصفات الحميدة إذا لم يقصد الفخر وإنما يقصد التعريف لا بأس به؛ لأن هؤلاء الصحابة لما سئلوا: من أنتم؟ قالوا: مسلمون، والإسلام لا شك أنه وصف مدح، لكن إذا أخبر الإنسان به عن نفسه، فقال: أنا مسلم، أنا مؤمن، وما أشبه ذلك لمجرد الخبر لا من أجل الافتخار فإن ذلك لا بأس به، وكذلك لو قاله على سبيل التحدث بنعمة الله فلو قال: الحمد لله الذي جعلني من المسلمين، وما أشبه ذلك فإنه لا بأس به، بل يكون محموداً إذا لم يحصل فيه محظور.

ومن فوائد هذا الحديث: أن الإنسان إذا وصف نفسه بصفة هي فيه بدون فخر، فإنه لا يعدُ هذا من باب مدح النفس وتزكية النفس الذي نهى عنه في قوله:(فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى)(لنجم: 32) .

وفيه دليلٌ أيضاً على أن الإنسان ينبغي له أن يغتنم وجود العالم؛ لأن هؤلاء القوم لما أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رسول الله، جعلوا يسألونه، فينبغي للإنسان أن يغتنم فرصة وجود العالم من أجل أن يسأله عما يشكل

ص: 377

عليه.

ومن فوائده أيضاً: أن الصبي إذا حج به وليه فله أجر، والحج يكون للصبي لا للولي، وقد اشتهر عند عامة الناس أن الصبي يكون حجة لوالديه، وهذا لا أصل له، بل حج الصبي له، لقول النبي صلى الله عليه وسلم، لما قالت المرأة؟ ألهذا حج؟ قال:" نعم ولك أجر"، فالحج له، وليعلم أن الصبي بل كل من دون البلوغ يكتب له الأجر ولا يكتب عليه الوزر.

واستدل بعض العلماء بقوله: " نعم له حج" أنه إذا أحرم الصبي لزمه جميع لوازم الحج؛ فيلزمه الطواف، والسعي، والوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة ومنى، ورمي الجمرات، فليعل ما يقدر عليه، وما لا يقدر عليه يُفعل عنه، إلا الطواف والسعى فإنه يطاف ويُسعي به.

وقال بعض أهل العلم: لا بأس أن يتحلل الصبي ولو بدون سبب؛ لأنه قد رفع عنه القلم، وليس بمكلف، ولا يُقال: إن نفل الحج كفرضه، لا يجوز الخروج منه، وهذا الصبي متنفل فلا يجوز له أن يخرج، لأن أصل الصبي من غير المكلفين، فلا نلزمه بشيء وهو غير مكلف، وهذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله أن الصبي لا يلزم بإتمام الحج، ولا بواجبات الحج، ولا باجتناب محظوراته، وأن ما جاء منه قُبل، وما تخلف لا يسأل عنه، وهذا يقع كثيراً من الناس الآن، حيث يحرمون بصبيانهم، ثم يتعب الصبي ويأبى أن يكمل ويخلع إحرامه، فعلى مذهب جمهور العلماء لا بد أن نلزمه بالإتمام، وعلى مذهب أبي حنيفة وهو الذي مال إليه صاحب الفروع رحمه الله، من أصحاب الإمام أحمد- رحمه الله ومن تلاميذ شيخ

ص: 378

الإسلام ابن تيميه- رحمه الله أنه لا يلزم لأنه ليس أهلاً للتكليف.

وفي هذا الحديث أيضاً ما يدل على أن الصبي وإن كان غير مميز فإنه يصح منه الحج، ولكن كيف تصح نيته وهو غير مميز، قال العلماء: ينوي عنه وليه بقلبه أنه أدخله في الإحرام، ويفعل وليه كل ما يعجز عنه.

وفي هذه المناسبة نودٌّ أن نبين هل يجب على من دخل في الحج أن ينوي الطواف بنية مستقلة، والسعي بنية مستقلة، والرمي كذلك، أو لا يشترك؟

هذا المسألة فيها خلاف بين العلماء، من العلماء من قال: إذا أحرم الإنسان بالحج وطاف وسعى على النية الأولى، يعني لم يجدد نيته عند الطواف ولا عند السعي، فإن حجه صحيح، قال تعليلاً لقوله: إن الطواف والسعي والوقوف والرمي والمبيت كلها أجزاء من عبادة فتكفي النية الأولى، كما أن الإنسان إذا صلى ونوى عند الدخول في الصلاة أنه دخل في الصلاة، فإنه لا يلزمه أن ينوي الركوع ولا السجود ولا القيام ولا القعود؛ لأنها أجزاء من العبادة، فكذلك الحج.

وهذا القول ينبغي أن يؤتى به عند الضرورة، يعني لو جاءك مُستفتٍ يقول: أنا دخلت المسجد الحرام وطفت، وفي تلك الساعة لم تكن عندي نية، فهنا ينبغي أن يفتي بأنه لا شيء عليه، وأن طوافه صحيح، أما عند السعة فينبغي أن يقال: إنك إذا نويت أحسن، وهو على كل حال لابد أن ينوي الطواف، ولكن أحياناً يغيب عن ذهنه أنه طواف الركن، أو طواف التطوع، وما أشبه ذلك، والله أعلم.

* * *

ص: 379

180-

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الخازن المسلم الأمينُ الذي ينفذ ما أمره به فيعطيه كاملاً موفرا، طيبة به نفسهُ فيدفعه إلى الذي أمر له به أحدُ المتصدقين" متفق عليه.

وفي رواية: " الذي يُعطي ما أمر به" وضبطوا " المتصدقين" بفتح القاف مع كسر النون على التثنية، وعكسه على الجمع، وكلاهما صحيحٌ.

[الشَّرْحُ]

قال المؤلف - رحمه الله تعالى - فما نقله عن أبي موسى الأشعري- رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الخازنُ المسلمُ الأمينُ الذي ينفذُ ما أمر به، فيعطيه كاملاً موفراً، طيبةً به نفسه فيدفعُه إلى الذي أُمر به أحدُ المتصدقين" متفق عليه.

الخازن مبتدأ، وأحد المتصدقين خبر، يعني أن الخازن الذي جمع هذه الأوصاف الأربعة: المسلم، الأمين، الذي ينفذ ما أمر به، طيبة بها نفسه.

فهو مسلم احترازاً من الكافر، فالخازن إذا كان كافراً وإن كان أميناً وينفذ ما أُمر به ليس له أجر؛ لأن الكفار لا أجر لهم في الآخرة فيما عملوا من الخير، قال الله تعالى:(وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً)(الفرقان: 23)، وقال تعالى: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ

ص: 380

وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة: 217) ، أما إذا عمل خيراً ثم أسلم فإنه يسلم على ما أسلف من خير ويعطى أجره.

الوصف الثاني: الأمين يعني الذي أدى ما ائتمن عليه، فحفظ المال، ولم يفسده، ولم يفرط فيه، ولم يعتد فيه.

الوصف الثالث: الذي ينفذ ما أمر به يعني يفعله؛ لأن من الناس من يكون أميناً لكنه متكاسل، فهذا أمين ومنفذ يفعل ما أمر به، فيجمع بين القوة والأمانة.

الوصف الرابع: أن تكون طيبة به نفسه، إذا نفذ وأعطى ما أمر به أعطاه وهو طيبة به نفسه، يعني لا يمن على المعطى، أو يظهر أن له فضلاً عليه بل يعطيه طيبة به نفسه، فهذا يكون أحد المتصدقين مع أنه لم يدفع من ماله فلساً واحداً.

مثال ذلك: رجل عنده مال، وكان - أمين صندوق للمال- مسلماً أميناً، ينفذ ما أمره به، ويعطيه صاحبه طيبة به نفسه، فإذا قال له صاحب الصندوق: يا فلان أعطِ هذا الفقير عشرة آلاف ريال، فأعطاه على الوصف الذي قال النبي صلي الله عليه وسلم فإنه يكون كالذي تصدق بعشرى آلاف ريال من غير أن ينقص من أجر المتصدق شيئاً، ولكنه فضل من الله عز وجل.

ففي هذا الحديث دليلٌ على فضل الأمانة، وعلى فضل التنفيذ فيما وُكل فيه وعدم التفريط فيه، ودليلٌ على أن التعاون على البر والتقوى يكتب لمن أعان مثل ما يكتب لمن فعل، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، والله الموفق.

ص: 381