المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌18 ـ باب النهي عن البدع ومحدثات الأمور - شرح رياض الصالحين لابن عثيمين - جـ ٢

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌18 ـ باب النهي عن البدع ومحدثات الأمور

‌18 ـ باب النهي عن البدع ومحدثات الأمور

قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ (باب النهي عن البدع ومحدثات الأمور) والبدع هي الأشياء التي يبتدعها الإنسان، هذا هو معناها في اللغة العربية، ومنه قوله تعالى:(بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(البقرة: 117) ، أي خالقها على غير مثال سبق، يعني لم يسبق لهما نظير، بل ابتدعهما وأنشأهما أولاً.

والبدعة في الشرع كل من تعبد لله سبحانه وتعالى بغير ما شرع عقيدة أو قولاً أو فعلاً، فمن تعبد لله بغير ما شرعه الله من عقيدة أو قول أو فعل فهو مبتدع.

فإذا أحدث الإنسان عقيدة في أسماء الله وصفاته مثلاً فهو مبتدع، أو قال قولاً لم يشرعه الله ورسوله فهو مبتدع، أو فعل لم يشرعه الله ورسوله فهو مبتدع.

وليعلم أن الإنسان المبتدع يقع في محاذير كثيرة:

أولاً: أن ما ابتدعه فهو ضلال بنص القرآن والسنة، وذلك أن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فهو الحق، وقد قال الله تعالى:(فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ)(يونس: 32)، هذا دليل القرآن. ودليل السنة قوله صلى الله عليه وسلم:(كل بدعة ضلالة) ، ومعلوم أن المؤمن لا يختار أن يتبع طريق الضالين الذين يتبرأ منهم المصلي في كل صلاة (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ

ص: 328

عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) (الفاتحة: 6، 7) .

ثانياً: أن في البدعة خروجاً عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى:(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)(آل عمران: 31) ، فمن ابتدع بدعة يتعبد لله بها فقد خرج عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرعها، فيكون خارجاً عن شرعة الله فيما ابتدعه.

ثالثاً: أن البدعة التي ابتدعها تنافي تحقيق شهادة أن محمد رسول الله؛ لأن من حقق شهادة أن محمداً رسول الله فإنه لا يخرج عن التعبد بما جاء به، بل يلتزم شريعته ولا يتجاوزها ولا يقصر عنها، فمن قصر في الشريعة أو زاد فيها قصر في ابتاعه، إما بنقص أو زيادة، وحينئذ لا يحقق شهادة أن محمداً رسول الله.

رابعاً: أن مضمون البدعة الطعن في الإسلام، فإن الذي يبتدع تتضمن بدعته أن الإسلام لم يكمل ، أنه كمل الإسلام بهذه البدعة، وقد قال الله تعالى:(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً)(المائدة: 3)، فيقال لهذا المبتدع: أنت الآن أتيت بشريعة غير التي كمل عليها الإسلام، وهذا يتضمن الطعن في الإسلام وإن لم يكن الطعن فيه باللسان، لكن الطعن فيه هنا بالفعل، أين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أين الصحابة عن هذه العبادة التي ابتدعها؟ أهم جهل منها؟ أم في تقصير عنها؟ إذاً فهذا يكون طعناً في الشريعة الإسلامية.

خامساً: أنه يتضمن الطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن هذه البدعة التي زعمت أنها عبادة أما أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعلم بها، وحينئذ يكون

ص: 329

جاهلاً، وإما أن يكون قد علم بها ولكنه كتمها، وحينئذ يكون كاتماً للرسالة أو بعضها، وهذا خطير جداً.

سادساً: أن البدعة تتضمن تفريق الأمة الإسلامية؛ لأن الأمة الإسلامية إذا فتح الباب لها في البدع صار هذا يبتدع شيئاً، وهذا يبتدع شيئاً، وهذا يبتدع شيئاً، كما هو الواقع الآن، فتكون الأمة الإسلامية كل حزب منها بما لديه فرح كما قال تعالى:(كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)(الروم: 32) ، كل حزب يقول الحق معي، والضلال مع الآخر، وقد قال الله تعالى لنبيه:(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُون َ)(الأنعام: 159، 160) .

فإذا صار الناس يبتدعون تفرقوا، وصار كل واحد يقول الحق معي، وفلان ضال مقصر، ويرميه بالكذب والبهتان وسوء القصد وما أشبه ذلك.

ونضرب لهذا مثلاً بأولئك الذين ابتدعوا عيد ميلاد الرسول عليه الصلاة والسلام، وصاروا يحتفلون بما يدعون أنه اليوم الذي ولد فيه، وهو اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول، أتدرون ماذا يقولون لمن لا يفعل هذه البدعة؟ يقولون هؤلاء يبغضون الرسول ويكرهونه، لهذا لم يفرحوا بمولده، ولم يقيموا له احتفالاً، وما أشبه ذلك، فتجدهم يرمون أهل الحق بما هم أحق به منهم.

والحقيقة أن المبتدع بدعته تتضمن أنه يبغض الرسول صلى الله عليه وسلم وإن كان يدعي أنه يحبه؛ لأنه إذا ابتدع هذه البدعة والرسول عليه الصلاة والسلام

ص: 330

لم يشرعها للأمة، فهو كما قلت سابقاً إما جاهل وإما كاتم.

سابعاً: أن البدعة إذا انتشرت في الأمة اضمحلت السنة، لأن الناس يعملون؛ فإما بخير وإما بشر، ولهذا قال بعض السلف: ما ابتدع قوم بدعة إلا أضاعوا من السنة مثلها، يعني أو أشد. فالبدع تؤدي إلى نسيان السنن واضمحلالها بين الأمة الإسلامية.

وقد يبتدع بعض الناس بدعة بنية حسنة، لكن يكون أحسن في قصده وأساء في فعله، ولا مانع أن يكون القصد حسناً والفعل سيئاً، ولكن يجب على من علم أنه فعله سيئ أن يرجع عن فعله، وأن يتبع السنة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثامناً: من المفاسد أيضاً: أن المبتدع لا يحكم الكتاب والسنة؛ لأنه يرجع إلى هواه، يحكم هواه، وقد قال الله تعالى:(فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)(النساء: 59)(إِلَى اللَّهِ) أي كتابه عز وجل، (وَالرَّسُولِ) أي إليه في حياته وإلى سنته بعد وفاته صلوات الله وسلامه عليه، والله الموفق.

169 ـ عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق عليه.

ص: 331

[الشَّرْحُ]

أما حديث عائشة هذا فهو نصف العلم؛ لأن الأعمال إما ظاهرة وإما باطنة، فالأعمال الباطنة ميزانها حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، وميزان الأعمال الظاهرة حديث عائشة هذا:(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) أي مردود على صاحبه غير مقبول منه.

وقول: (أمرنا) المراد به ديننا وشرعنا، قال الله تعالى:(وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا)(الشورى: 52) ، فأمر الله المراد به في هذا الحديث شرع الله، من أحدث فيه ما ليس منه فهو رد، وفي هذا دليل واضح على أن العبادة إذا لم نعلم أنها من دين الله فهي مردودة، ويستفاد من هذا أنه لابد من العلم؛ لأن العبادة مشتملة على الشروط والأركان، أو غلبة الظن إذا كان يكفي عن العلم، كما في بعض الأشياء، مثلاً الصلاة إذا شككت في عددها وغلب على ظنك عدد فابن على ما غلب على ظنك، الطواف بالبيت سبعة أشواط، وإذا غلب على ظنك عدد فابن على ما غلب على ظنك، كذلك الطهارة إذا غلب على ظنك أنك أسبغت الوضوء كفى.

فالمهم أنه لابد من العلم أو الظن إذا دلت النصوص على كفايته وإلا فالعبادة مردودة. وإذا كانت العبادة مردودة فإنه يحرم على الإنسان أن

ص: 332

يتعبد لله بها؛ لأنه إذا تعبد لله بعبادة لا يرضاها ولم يشرعها لعباده صار كالمستهزئ بالله والعياذ بالله.

حتى إن بعض العلماء قال: إن الإنسان إذا صلى محدثاً متعمداً خرج من الإسلام؛ لأنه مستهزئ، بخلاف الناسي فإنه لا إثم عليه ويعيد.

وفي اللفظ الثاني: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وهو أشد من الأول؛ لأنه قوله: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا) يعني لابد أن نعلم بأن كل عمل عملناه عليه أمر الله ورسوله وإلا فهو مردود، وهو يشمل العبادات ويشمل المعاملات، ولهذا لو باع الإنسان بيعاً فاسداً، أو رهن رهناً فاسداً، أو أوقف وقفاً فاسداً، فكله غير صحيح ومردود على صاحبه ولا ينفذ، والله أعلم.

* * *

170 ـ وعن جابر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول:(صبحكم ومساكم) ويقول: (بعثت أنا والساعة كهاتين) ويقرن بين إصبعيه؛ السبابة والوسطى، ويقول:(أما بعد؛ فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة) ثم يقول: أنا أولى بكل مؤمن من نفسه من ترك مالاً فلأهله، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فإلي وعلي) رواه مسلم.

ص: 333

[الشَّرْحُ]

نقل المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ فيما نقله عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في باب التحذير من البدع، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا خطب) يعني يوم الجمعة، (احمرت عيناه وعلا صوته، واشتد غضبه) وإنما كان يفعل هذا لأنه أقوى في التأثير على السامع، فكان صلى الله عليه وسلم يكون على هذه الحال للمصلحة، وإلا فإنه من المعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان أحسن الناس خلقاً وألينهم عريكة، لكن لكل مقام مقال، فالخطبة ينبغي أن تحرك القلوب، وتؤثر في النفوس، وذلك في موضوعها، وفي كيفية أدائها.

وكان صلى الله عليه وسلم يقول: (بعثت أنا والساعة كهاتين) ويقرن بين السبابة والوسطى، يعني بين الإصبعين، السبابة وهي التي بين الوسطى والإبهام، والوسطى، وأنت إذا قرنت بينهما وجدتهما متجاورين، ووجدت أنه ليس بينهما إلا فرق يسير، ليس بين الوسطى والسبابة إلا فرق يسير مقدار الظفر أو نصف الظفر، وتسمى السبابة لأن الإنسان إذا أراد أن يسب أحد أشار إليه بها، وتسمى السبابه أيضاً لأن الإنسان عند الإشارة إلى تعظيم الله عز وجل يرفعها، ويشير بها إلى السماء، والمعنى أن أجل الدنيا قريب وأنه ليس ببعيد، وهذا كما فعل صلى الله عليه وسلم ذات يوم حيث خطب الناس في آخر النهار، والشمس على رؤوس النخل، فقال:(إنه لم يبق من ديناكم إلا مثل ما بقي من هذا اليوم) .

ص: 334

فإذا كان الأمر كذلك والنبي صلى الله عليه وسلم الآن مات له ألف وأربعمائة سنة ولم تقم القيامة دل هذا على أن الدنيا طويلة الأمد، ولكن ما يقدره بعض الجيولوجيين من عمر الدنيا الماضي بملايين الملايين فهذا خرص، لا يصدق ولا يكذب، فهو كأخبار بني إسرائيل؛ لأنه ليس لدينا علم من كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم في مقدار ما مضى من الدنيا، ولا في مقدار ما بقى منها على وجه التحديد، وإنما هو كما ضرب النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأمثال، والشيء الذي ليس عليه دليل من كتاب ولا سنة وهو من أخبار ما مضى، فإنه ليس مقبولاً، وإنما ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: ما شهد الشرع بصدقه، فهذا يقبل لشهادة الشرع به.

القسم الثاني: ما شهد الشرع بكذبه، فهذا يرد لشهادة الشرع بكذبه.

القسم الثالث: ما ليس فيه هذا ولا هذا، فهذا يتوقف فيه، إما أن يكون حقاً، وإما أن يكون باطلاً، ويدل لهذا قوله تعالى:(أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ)(إبراهيم: 9) فإذا حصر الله جل وعلا العلم في نفسه فإنه لا يتلقى علم هؤلاء إلا من وحيه عز وجل، لا يعلمهم إلا الله، فأي أحد يدعي شيئاً فيما مضى مما يتعلق بالبشرية أو بطبيعة الأرض أو الأفلاك أو غيرها فإننا لا نصدقه ولا نكذبه، بل نقسم ما أخبره به إلى الأقسام الثلاثة السابقة.

ص: 335

أما المستقبل فالمستقبل ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: ما أخبر الشرع بوقوعه، فهذا لابد أن يقع مثل أخبار يأجوج ومأجوج، وأخبار الدجال، ونزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام أشبه ذلك، مما ثبت في الكتاب والسنة.

القسم الثاني: ما لم يرد به كتاب ولا سنة، فهذا القول فيه من التخمين والظن، بل لا يجوز لأحد أن يصدقه فيما يستقبل؛ لأنه من علم الغيب، ولا يعلم الغيب إلا الله عز وجل.

ثم يقول: (أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة) ، وقد سبق الكلام على هذه الجمل.

ثم يقول: (أنا أولى بكل مؤمن من نفسه) كما قال ربه عز وجل: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)(الأحزاب: 6) فهو أولى بك من نفسك، وهو بالمؤمنين رؤوف رحيم عليه الصلاة والسلام، ثم يقول:(من ترك مالاً فلأهله) يعني من ترك من الأموات مالاً فلأهله؛ يرثونه حسب ما جاء في كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم. (ومن ترك ديناً أو ضياعاً) ، يعني أولاداً صغاراً يضيعون (فإلي وعلي) ، يعني فأمرهم إلي، أنا وليهم، والدين علي أنا أقضيه، هكذا كان صلى الله عليه وسلم حين فتح الله عليه.

أما قبل ذلك فكان يؤتي بالرجل ليصلي عليه فيسأل: (هل عليه دين؟) إن قالوا: نعم وليس له وفاء ترك الصلاة عليه، فجيء إليه في يوم من الأيام برجل من الأنصار فتقدم ليصلي عليه، ثم سأل عليه دين؟ قالوا: نعم

ص: 336

ثلاثة دنانير، فتأخر وقال:(صلوا على صاحبكم) فعرف ذلك في وجوه القوم. ثم قام أبو قتادة رضي الله عنه وقال: (صل عليه يا رسول الله وعلي دينه، فالتزمهما أبو قتادة رضي الله عنه، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فصلى.

وفي هذا دليل على عظم الدين وأنه لا ينبغي للإنسان أن يستدين إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك، لا يستدين لا لزواج، ولا لبناء بيت، ولا لكماليات في البيت، كل هذا من السفه، يقول الله عز وجل (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) (النور: 33) ، هذا في النكاح فما بالك بما هو دونه بكثير.

وكثير من الجهال يستدين ليشتري مثلاً فراشاً للدرج، أو فراشاً للساحة، أو باباً ينفتح بالكهرباء أو ما أشبه ذلك، مع أنه فقير، ويأخذه بالدين فهو إن اشترى شيئاً بثمن مؤجل فهو دين؛ لأن الدين عند العلماء كل ما ثبت في الذمة من ثمن بيع أو قرض أو أجرة أو غير ذلك، فإياكم والديون احذروها فإنها تهلككم، إلا شيئاً ضرورياً فهذا شيء آخر، لكن ما دمت في غنى فلا تستدن.

وكثير من الناس يستدين مثلاً أربعين ألفاً، فإذا حل الأجل قال: ليس عندي شيء، فيستدين للأربعين ألفاً التي عليه ستين ألفاً، ثم يستدين السنة التالية، ثم تتراكم عليه الديون الكثيرة من حيث لا يشعر، والله الموفق.

ص: 337