الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرح حديث (لا تخيروني على موسى)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حجاج بن أبي يعقوب ومحمد بن يحيى بن فارس قالا: حدثنا يعقوب قال: حدثنا أبي عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة قال: (قال رجل من اليهود: والذي اصطفى موسى! فرفع المسلم يده فلطم وجه اليهودي، فذهب اليهودي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لا تخيروني على موسى، فإن الناس يصعقون، فأكون أول من يفيق، فإذا موسى باطش في جانب العرش، فلا أدري أكان ممن صعق فأفاق قبلي، أو كان ممن استثنى الله عز وجل].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً من اليهود قال: والذي اصطفى موسى، وفي بعض الروايات: على العالمين، فغضب المسلم الذي سمعه ولطمه؛ لأنه فضله على محمد؛ حيث قال: على العالمين، ومعناه: أنه فضله تفضيلاً مطلقاً، فلطمه المسلم، وجاء اليهودي واشتكى المسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعند ذلك قال:(لا تخيروني على موسى)، وقيل في الجواب عن هذا الذي ورد في الحديث من النهي عن تخييره على موسى وتفضيله على موسى وبين ما جاء من تفضيله على غيره مثل قوله صلى الله عليه وسلم:(أنا سيد ولد آدم)، وقوله:(أنا سيد الناس يوم القيامة)؛ أن النهي يحمل على أنه حصل قبل أن يعلم بمنزلته وبتفضيله على غيره، أو أن النهي محمول فيما إذا كان التخيير أو التفضيل مبنياً على التعصب والعصبية، وليس مبنياً على النصوص، فيوجد في التوفيق بين الحديثين هذان الجوابان.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن شيئاً حصل لموسى وهو أنه قال: (إن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق، فأجد موسى آخذاً بالعرش، فلا أدري أفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله)، وجاء في بعض الأحاديث أنه قال:(فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة يوم الطور)، وقيل: إن هذا الصعق الذي يحصل إنما هو يوم القيامة عندما يتجلى الله عز وجل لفصل القضاء بين الناس فإنهم يصعقون جميعاً، فيكون النبي صلى الله عليه وسلم أول من يفيق من هذه الصعقة، فيجد موسى آخذاً بقائمة العرش، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول:(لا أدري، هل أفاق قبلي) يعني صعق وأفاق قبلي، (أم جوزي بصعقة الطور) التي حصلت في الدنيا، كما قال الله:{فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الأعراف:143] فحصل له الصعق مرتين: مرة في الدنيا، ومرة في يوم القيامة، هذا إن حصل له الصعق في الآخرة، وإن لم يحصل له الصعق في الآخرة، بل سلم من ذلك الصعق، فيكون جوزي بصعقة يوم الطور التي حصلت له في الدنيا، والتي ذكرها الله عز وجل في القرآن:{فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ} [الأعراف:143]، فيكون شأن موسى بالنسبة لهذا الصعق الذي حصل للناس إما أنه حصل له ما حصل لهم، أو أنه لم يحصل له ذلك ولكن حصل له شيء في الدنيا مثله، فجوزي عن تلك الصعقة التي في الدنيا بأنه سلم من هذه الصعقة في الآخرة، وقد جاء في هذا رواية:(أو كان ممن استثنى الله)، فإما أن يكون المقصود به أنه استثني فلم يصعق؛ لأنه قد حصل له ذلك في الدنيا كما جاء في الحديث الآخر، أو يكون المقصود منه:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر:68]، لكن هذه الصعقة التي في هذه الآية المراد بها صعقة الموت لمن كان حياً في آخر الزمان، فهناك صعقة الموت، ثم صعقة البعث، {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر:68] أي: ممن لم يشأ الله أن يحصل له الموت، كالذين خلقوا في الجنة ولم يشأ الله موتهم كالحور العين، فإنهن خلقن للبقاء في الجنة، فلا يحصل لهن موت فيكن ممن استثني.
وهذا نقله شارح الطحاوية عن أبي الحجاج المزي، وقال به أيضاً ابن كثير، فذكروا أن الصعق إنما هو في الآخرة عندما يأتي الله لفصل القضاء، وأن موسى عليه الصلاة والسلام إما أن يكون صعق مرة أخرى يوم القيامة فيفيق قبل النبي صلى الله عليه وسلم، أو أنه لم يصعق ولكنه جوزي بصعقة الدنيا عندما تجلى الله عز وجل للجبل وخر موسى صعقاً، كما جاء ذلك مبيناً في سورة الأعراف.