المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كلام ابن القيم عن وجه النهي عن تسمية العنب كرما والمقارنة بين شجر العنب والنخل - شرح سنن أبي داود للعباد - جـ ٥٦٧

[عبد المحسن العباد]

فهرس الكتاب

- ‌[567]

- ‌ما جاء في صلاة العتمة

- ‌شرح حديث (لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم ألا وإنها العشاء)

- ‌تراجم رجال إسناد حديث (لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم ألا وإنها العشاء)

- ‌حكم إطلاق لفظ صلاة الأخير أو العشاء الأخير على صلاة العشاء

- ‌شرح حديث الرجل من خزاعة وفيه (يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها)

- ‌تراجم رجال إسناد حديث الرجل من خزاعة وفيه (يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها)

- ‌وجه تعلق الحديث بترجمة الباب

- ‌شرح حديث الرجل من الأنصار الذي فيه (قم يا بلال فأرحنا بالصلاة)

- ‌تراجم رجال إسناد حديث الرجل من الأنصار الذي فيه (قم يا بلال فأرحنا بالصلاة)

- ‌شرح حديث (ما سمعت رسول الله ينسب أحداً إلا إلى الدين)

- ‌تراجم رجال إسناد حديث (ما سمعت رسول الله ينسب أحداً إلا إلى الدين)

- ‌ما روي في الرخصة في تسمية العشاء بالعتمة

- ‌شرح حديث (كان فزع بالمدينة فركب رسول الله فرساً لأبي طلحة)

- ‌تراجم رجال إسناد حديث (كان فزع بالمدينة فركب رسول الله فرساً لأبي طلحة)

- ‌حكم استعمال حق الغير إذا علم رضاه

- ‌كلام ابن القيم عن وجه النهي عن تسمية العنب كرماً والمقارنة بين شجر العنب والنخل

- ‌ما جاء في التشديد في الكذب

- ‌شرح حديث (إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور)

- ‌تراجم رجال إسناد حديث (إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور)

- ‌شمول الصدق للقول والعمل

- ‌شرح حديث (ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم)

- ‌تراجم رجال إسناد حديث (ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم)

- ‌شرح حديث عبد الله بن عامر (أما إنك لو لم تعطيه شيئاً كتبت عليك كذبة)

- ‌تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عامر (أما إنك لو لم تعطيه شيئاً كتبت عليك كذبة)

- ‌دلالة الحديث على صحة تحمل الصغير حال صغره وتأديته في حال كبره

- ‌شرح حديث (كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع)

- ‌تراجم رجال إسناد حديث (كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع)

- ‌ما جاء في حسن الظن

- ‌شرح حديث (حسن الظن من حسن العبادة)

- ‌تراجم رجال إسناد حديث (حسن الظن من حسن العبادة)

- ‌شرح حديث صفية (كان رسول الله معتكفاً فأتيته أزوره ليلاً فحدثته)

- ‌تراجم رجال إسناد صفية (كان رسول الله معتكفاً فأتيته أزوره ليلاً فحدثته)

- ‌الأسئلة

- ‌حكم خروج المعتكف من معتكفه مع من جاء لزيارته من أهله

- ‌حكم التدخين في المدينة والمعصية في الحرم

- ‌حكم صلاة من فقد وعيه لكبر سنه أو عنده بعض الوعي

- ‌عدم اشتراط القبض عند معاوضة النوى بالعنب

الفصل: ‌كلام ابن القيم عن وجه النهي عن تسمية العنب كرما والمقارنة بين شجر العنب والنخل

‌كلام ابن القيم عن وجه النهي عن تسمية العنب كرماً والمقارنة بين شجر العنب والنخل

إن الأحاديث التي مرت كلها تتعلق بأدب الكلام والألفاظ، وبعد ذلك جاءت أبواب أخرى لا تتعلق بالموضوع الذي هو أدب الكلام وإنما تتعلق بعبارات ينبغي ألا تكون، وأنه يؤتى بألفاظ أخرى مكانها تكون أولى منها، وسبق أن مر فيما يتعلق بتسمية العنب كرماً كلام جيد وجميل لـ ابن القيم ذكره في عون المعبود، يقول فيه: العرب تسمي شجر العنب كرماً لكرمه، والكرم كثرة الخير والمنافع والفوائد؛ لسهولة تناولها من الكريم، ومنه قوله تعالى: (فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} [لقمان:10] وفي آية أخرى: {مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [ق:7] فهو كريم في مخبره بهيج في منظره، وشجر العنب قد جمع وجوهاً من ذلك: منها: تذليل ثمره لقاطفه.

ومنها: أنه ليس دونه شوك يؤذي مجتنيه.

ومنها: أنه ليس بممتنع على من أراده لعلو ساقه وصعوبته كغيره.

يعني: أنه ليس من الشجر التي لها ساق، وإنما يمتد على الأرض ويجعل له عريش وأعواد يمتد فوقها، ثم تتدلى من العريش عناقيد العنب.

ثم قال: ومنها: أن الشجرة الواحدة منه - مع ضعفها ودقة ساقها - تحمل أضعاف ما تحمله غيرها.

ومنها: أن الشجرة الواحدة منه إذا قطع أعلاها أخلفت من جوانبها وفروعها، والنخلة إذا قطع أعلاها ماتت ويبست جملة.

ومنها: أن ثمره يؤكل قبل نضجه، وبعد نضجه، وبعد يبسه.

ومنها: أنه يتخذ منه من أنواع الأشربة الحلوة والحامضة كالدبس والخل ما لا يتخذ من غيره، ثم يتخذ من شرابه من أنواع الحلاوة والأطعمة والأقوات ما لا يتخذ من غيره، وشرابه الحلال غذاء وقوت ومنفعة وقوة.

قوله: شرابه الحلال، مفهومه أن الحرام الذي هو الخمر الذي يتخذ منه شر وبلاء، ولكن هذه الأوصاف في الشراب الحلال.

ثم قال: ومنها: أنه يدخر يابسه قوتاً وطعاماً وأدماً.

ومنها: أن ثمره قد جمع نهاية المطلوب من الفاكهة من الاعتدال، فلم يفرط إلى البرودة كالخوخ وغيره، ولا إلى الحرارة كالتمر، بل هو في غاية الاعتدال، إلى غير ذلك من فوائده.

ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يجمع بين القثاء والرطب؛ لأن القثاء بارد والرطب حار، فيقابل بحرارة هذا برودة هذا.

ثم قال: فلما كان بهذه المنزلة سموه كرماً، فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن الفوائد والثمرات والمنافع التي أودعها الله قلب عبده المؤمن من البر وكثرة الخير أعظم من فوائد كرم العنب، فالمؤمن أولى بهذه التسمية منه.

فيكون معنى الحديث على هذا: النهي عن قصر اسم الكرم على شجر العنب، بل المسلم أحق بهذا الاسم منه.

وهذا نظير قوله صلى الله عليه وسلم: (ليس الشديد بالصرعة، ولكن الذي يملك نفسه عند الغضب) أي: مالك نفسه أولى أن يسمى شديداً من الذي يصرع الرجال.

وكقوله: (ليس المسكين بهذا الطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان، والأكلة والأكلتان، ولكنه الذي لا يسأل الناس ولا يفطن له فيتصدق عليه) أي: هذا أولى بأن يقال له مسكين من الطواف الذي تسمونه مسكيناً.

ونظيره في المفلس والرقوب وغيرهما.

ثم قال: ونظيره قوله: (ليس الواصل بالمكافئ، ولكنه الذي إذا قطعت رحمه وصلها) وإن كان هذا ألطف من الذي قبله.

وقيل في معناه وجه آخر، وهو قصد النبي صلى الله عليه وسلم سلب هذا الاسم المحبوب للنفوس، التي يلذ لها سماعه عن هذه الشجرة التي تتخذ منها أم الخبائث، فيسلبها الاسم الذي يدعو النفوس إليها، ولاسيما فإن العرب قد تكون سمتها كرماً؛ لأن الخمر المتخذة منها تحث على الكرم وبذل المال، فلما حرمها الشارع نفى اسم المدح عن أصلها، وهو الكرم، كما نفى اسم المدح عنها وهو الدواء، فقال:(إنها داء، وليست بدواء) ومن عرف سر تأثير الأسماء في مسمياتها نفرةً وميلاً عرف هذا، فسلبها النبي صلى الله عليه وسلم هذا الاسم الحسن، وأعطاه ما هو أحق به منها، وهو قلب المؤمن.

ويؤكد المعنى الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم شبه المسلم بالنخلة؛ لما فيها من المنافع والفوائد، حتى إنها كلها منفعة، لا يذهب منها شيء بلا منفعة، حتى شوكها.

يعني: شوكها توقد به النار.

ثم قال: ولا يسقط عنها لباسها وزينتها، كما لا يسقط عن المسلم زينته، فجذوعها للبيوت والمساكن والمساجد وغيرها، وسعفها للسقوف وغيرها، وخوصها للحصر والمكاتل والآنية وغيرها، ومسدها للحبال وآلات الشد والحل وغيرها.

ومن ذلك قوله تعالى: (فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} [المسد:5].

والمسد المقصود به الليف الذي يتخذ منه الحبال، وكذلك القنو الذي في الشماريخ يدق ثم تتخذ منه حبال، والليف يتخذ منه حبال.

ثم قال: وثمرها يؤكل رطباً ويابساً، ويتخذ قوتاً وأدماً، وهو أفضل المخرج في زكاة الفطر تقرباً إلى الله، وطهرة للصائم.

يعني: أن التمر لا يحتاج إلى تعب وإنما يؤكل رأساً، بخلاف البر فإنه يحتاج إلى طحن وخبز، وكذلك الزبيب يحتاج إلى معالجة حتى يصير زبيباً، وكذلك يحتاج إلى تجميد، أما التمر فإنه يؤكل رأساً.

ثم قال: ويتخذ منه ما يتخذ من شراب الأعناب، ويزيد عليه بأنه قوت وحده بخلاف الزبيب، ونواه علف للإبل التي تحمل الأثقال إلى بلد لا يبلغه الإنسان إلا بشق النفس، ويكفي فيه أن نواه يشترى به العنب، فحسبك بثمر نواه ثمن لغيره.

يعني: أن النوى يعاوض به العنب، والنوى هو المأخوذ من التمر، فنواها الذي بداخلها يحتاج إليه في علف الإبل، فيعاوض بالعنب، فصاحب العنب إذا أراد نوى من أجل علف إبله، فإنه يعطي عنباً مقابل النوى.

ثم قال: وقد اختلف الناس في العنب والنخل: أيهما أفضل وأنفع؟ واحتجت كل طائفة بما في أحدهما من المنافع.

والقرآن قد قدم النخيل على الأعناب في موضع، وقدم الأعناب عليها في موضع، وأفرد النخيل عن الأعناب، ولم يفرد العنب عن النخيل.

وهذا يريد به ترجيح النخل على العنب.

ثم قال: وفصل الخطاب في المسألة: أن كل واحد منهما في الموضع الذي يكثر فيه ويقل وجود الآخر أفضل وأنفع.

يعني: أنه تحصل الفائدة من كل واحد منهما من أجل كثرته، والشيء القليل لا يعول عليه، وإنما التعويل على ما هو كثير، فالمكان الذي يكثر فيه العنب تكون الفائدة فيه أكثر، والمكان الذي يكثر فيه النخل ويقل فيه العنب تكون الفائدة فيه أكثر.

ثم قال: فالنخيل بالمدينة والعراق وغيرهما أفضل وأنفع من الأعناب فيهما، والأعناب في الشام ونحوها أفضل وأنفع من النخيل بها، ولا يقال: فما تقولون إذا استويا في بلدة؟ فإن هذا لا يوجد، لأن الأرض التي يطيب النخيل فيها، ويكون سلطانه ووجوده غالباً لا يكون للعنب بها سلطان، ولا تقبله تلك الأرض، وكذلك أرض العنب لا تقبل النخيل، ولا يطيب فيها.

يعني: لأن النخيل يكون في البلاد الحارة، والعنب يكون في البلاد الباردة، وقد يوجد النخل في البلاد الباردة ولكن لا يطيب، وقد يوجد العنب في البلاد الحارة ولا يكون مثلما يكون في البلاد الباردة.

ثم قال: والله سبحانه قد خص كل أرض بخاصية من النبات والمعدن والفواكه وغيرها، فهذا في موضعه أفضل وأطيب وأنفع، وهذا في موضعه كذلك.

هذا كلام نفيس لـ ابن القيم رحمة الله عليه فيما يتعلق بالعنب وفوائد العنب وفوائد النخل، والمقارنة بينهما.

ص: 17