الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
ولا حول ولا قوة إلَّا باللَّه عليه توكلت
(1)
الحمدُ للَّهِ الأوَّلِ الآخِرِ، الباطنِ الظَّاهرِ، الذي هُو بكل شيءٍ عَليمٌ، الأوَّلُ فليس قَبْلَهُ شيءٌ، الآخِرُ فليس بَعْدهُ شيءٌ، الظَّاهر فليس فَوْقَهُ شيءٌ، الباطنُ فليس دونه شيء
(2)
، الأزليُّ القديم الذي لم يزل موجودًا موصوفًا
(3)
بصفاتِ الكمال، ولا يزال دائمًا مستمرًا باقيًا سرمديًا بلا انقضاء ولا انفصال ولا زوالٍ. يعلمُ دَبيبَ النملةِ [السوداءِ]
(4)
، على الصخرة [الصمَّاء]، في الليلة الظلماء، وَعَددَ الرِّمالِ، وهو العلي الكبير المتعال، العلي العظيم الذي خلق كل شيء فقدَّره تقديرًا.
فرفع السمواتِ بغير عمدٍ، وزيَّنها بالكواكب الزَّاهرات، وجعل فيها سِراجًا وقمرًا منيرًا، وسوَّى فوقَهُنَّ سَريرًا، شَرْجَعًا
(5)
عاليًا مُنيفًا، متَسعًا مقبّبًا مستديرًا، هو العرش العظيم، له قوائمُ عظامٌ، تحمله
(1)
سقطت هذه العبارة من المطبوع، وجاء بعد هذا في ب:"اللهم صل وسلم على أشرف الخلق سيدنا محمد" ولعله من إضافات النساخ، لأن المؤلف سيذكر ذلك بعد بتفصيل.
(2)
هو اقتباس من حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلم في صحيحه رقم (2713)، في الذكر والدعاء: باب ما يقول عند النوم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "اللهم ربَّ السمواتِ وربَّ الأرضِ وربَّ العرش العظيم، ربَّنا وربَّ كل شيء، فالق الحبِّ والنَّوى، ومُنْزلَ التوراةِ والإنجيل والفرقان، أعوذُ بكَ من شرِّ كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهمَّ أنت الأولُ فليس قبلك شيءٌ، وأنت الآخرُ فليس بعدك شيءٌ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء. اقض عنا الدَّيْنَ وأغننا من الفقر".
وهذا الحديث تفسير قوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد: 3].
ومعنى (الأول): السابق للأشياء. و (الآخر): الباقي بعد فناء الخلق. و (الظاهر) بحججه الباهرة وبراهينه النَّيِّرة وشواهده الدالّة على صحة وحدانيته، ويكون (الظاهر) فوق كل شيء بقدرته، ويكون الظهور بمعنى العلو وبمعنى الغلبة. و (الباطن): المحتجب عن أبصار الخلق الذي لا يستولي عليه توهُّم الكيفية، أو الباطن على كل شيء علمًا.
(3)
لفظة: موصوفًا؛ سقطت من المطبوع.
(4)
زيادة من المطبوع. تكتمل بها السجعة.
(5)
الشرجع: الطويل، وقد شرحه بقوله: هو العالي المنيف.
الملائكة الكرامُ تحفُّه الكُرْوبيُّوْن
(1)
-عليهم الصلاة والسلام- ولهم زَجلٌ
(2)
بالتقديس والتعظيم.
وكذا أرجاء السماوات مشحونة بالملائكة، ويفدُ منهم في كل يوم سبعون
(3)
ألفًا إلى البيت المعمور بالسماء السابعة
(4)
، لا يعودون إليه، آخِرَ ما عليهم في تهليل وتحميد وتكبير وصلاة وتسليم.
ووضع الأرض للأنام على تيار الماء، وجعل فيها رواسي من فوقها، وبارك [فيها]
(5)
وقدَّر فيها أقواتها في أربعة أيام قبْل خلق السماء، وأثبت فيها من كل زوجين اثنين، دلالة للألبَّاء، من جميع ما يحتاج العباد إليه في شتائهم وصيفهم، ولكل ما يحتاجون إليه ويملكون من حيوان بهيم.
وبدأ خلق الإنسان من طين، وجعل نسله من سلالة من ماءٍ مهينٍ، في قرارٍ مَكِيْن، فجعله سميعًا بصيرًا، بعد أن لم يكن شيئًا مذكورًا، وشرَّفه بالعلم والتعليم.
خلق بيده الكريمة آدمَ أبا البشر، فصوَّر جُثَّته، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وخلق منه زوجَه حواء أُمّ البشر، فآنس بها وحْدَتَه، وأسكنهما جنته، وأسبغ عليهما نعمته. ثم أهبطهما إلى الأرض، لما سبق في ذلك من حكمة الحكيم. وبثَّ منهما رجالًا كثيرًا ونساءً، وقسمهم بقدره العظيم ملوكًا ورعايا
(6)
، وفقراء وأغنياء، وأحرارًا وعبيدًا، وحرائر وإماءً. وأسكنهم أرجاء الأرض، طولها والعرض، وجعلهم خلائف فيها يخلف البعضُ البعض
(7)
، إلى يوم الحساب والعرض على الحكيم العليم
(8)
. وسخر لهم الأنهار من سائر
(9)
الأقطار، تشقُّ
(10)
الأقاليم إلى الأمصار، ما بين صغار وكبار، على مقدار الحاجات والأوطار، وأنبع لهم العيون والآبار، وأرسل عليهم السحاب
(11)
بالأمطار، فأنبت لهم سائر صنوف الزُّروع
(12)
والثمار. وآتاهم من كل ما ساْلوه بلسان حالهم وقالهم: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34] فسبحان الكريم العظيم الحليم.
(1)
الكروبيون: سادة الملائكة وهم المقربون. النهاية لابن الأثير (4/ 161) واللسان (كرب).
(2)
الزجل: رفع الصوت الطَّرِب. وقال ابن الأثير: صوت رفيع عالي. النهاية (2/ 297).
(3)
في ب: سبعين؛ وهو خطأ.
(4)
في المطبوع: الرابعة.
(5)
زيادة من ب.
(6)
في المطبوع: ورعاة.
(7)
في ب: "البعض منهم البعض"، والعبارة من غير "منهم" أجود.
(8)
في ب: على العليم الحكيم.
(9)
سائر، بمعنى الجميع، خطأ شائع، والصحيح استخدامها بمعنى البقية.
(10)
قوله: تشق. والأوطار؛ سقطت من "ب".
(11)
في المطبوع: السحاب.
(12)
في ب: الزرع.
وكان من أعظم نعمه عليهم، وإحسانه إليهم، بعد أن خلقهم ورزقهم ويسَّر لهم السبيل
(1)
، وأنطقهم، أن أرسل رُسُله إليهم، وأنزل كُتُبهُ عليهم، مبيِّنة حلاله وحرامه، وأخباره وأحكامه، وتفصيل كل شيءٍ في المبدأ والمعاد [إلى]
(2)
يوم القيامة؛ فالسعيد من قابل الأخبار بالتصديق والتسليم، والأوامر بالانقياد، والنواهي بالتعظيم، ففاز بالنعيم المقيم، وزُحْزح عن مقام المكذِّبين في الجحيم ذات الزقّوم والحميم، والعذاب الأليم.
أحمده حمدًا كثيرًا طيبًا
(3)
مباركًا فيه، يملأ أرجاء السماوات والأرضين، دائمًا أبد الآبدين، ودهرَ الداهرين، إلى يوم الدِّين، في كل ساعة وآنٍ ووقت وحين، كما ينبغي لجلاله العظيم، وسلطانه القديم ووجهه الكريم.
وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريكَ له، ولا ولد له، ولا والد له، ولا صاحبة له، ولا نظير له، ولا وزير ولا مشير له، ولا عديد ولا نديد
(4)
ولا قسيم. وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسوله، وحبيبه وخليله، المصطفى من خُلاصة العرب العَرْباء من الصميم، خاتم الأنبياء، وصاحب الحوض الأكبر الرَّواء، صاحب الشفاعة العظمى يوم القيامة، وحامل اللواء الذي يبعثه اللَّه تعالى المقامَ المحمود الذي يرغب إليه فيه الخلقُ كلُّهم؛ حتى الخليل إبراهيم صلى الله عليه وسلم وعلى سائر إخوانه من النبيين والمرسلين، وسلَّم وشرَّف وكرَّم أزكى صلاةٍ وتسليم، وأعلى تشريف وتكريم، ورضي اللَّه عن جميع أصحابه الغرِّ الكرام، السادة النجباء الأعلام، خلاصة العالم بعد الأنبياء، ما اختلط الظلام بالضياء، وما أعلن الداعي بالنداء، وما نسخ النهارُ ظلام الليل البهيم.
أما بعد:
فهذا كتابٌ أذكر فيه -بعون اللَّه وحسن توفيقه- ما يسَّرَه اللَّه تعالى بحوله وقوته من ذكر مبدأ المخلوقات: من خلق العرش والكرسي والسموات والأرضين وما فيهن، وما بينهنّ من الملائكة والجان والشياطين، وكيفيَّة خلق آدم عليه السلام، وقصص النبيين، وما جرى مجرى ذلك إلى أيام بني إسرائيل وأيام الجاهلية، حتى تنتهي النبوّة
(5)
إلى أيام نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم
(6)
، فنذكر سيرته كما ينبغي، فتشفي الصدور والغليل، وتزيح الداءَ عن العليل.
(1)
في أ: ويسرهم.
(2)
زيادة من المطبوع.
(3)
قوله: كثيرًا طيبًا. سقطت من ب.
(4)
في ب: ولا عديل ولا نديد له ولا قسيم. والعديد: النظير.
(5)
في أ: النوبة.
(6)
في ب: صلوات اللَّه وسلامه عليه.
ثمَّ نذكر ما بعد ذلك إلى زماننا، ونذكر الفِتن والملاحم وأشراطَ
(1)
الساعة، ثمَّ البعث والنشور وأهوال القيامة، ثمَّ صفة ذلك وما في ذلك اليوم، وما يقع فيه من الأمور الهائلة. ثمَّ صفة النَّار، ثمَّ صفة الجنان وما فيها من الخيرات الحسان، وغير ذلك وما يتعلق به، وما ورد في ذلك من الكتاب والسُّنَّة والآثار والأخبار المنقولة المقبولة عند العلماء وورثة الأنبياء، الآخذين من مشكاة النبوة المصطفوية المحمدية، على من جاء بها أفضل الصلاة والسلام.
ولسنا نذكر من الاسرائيليات إلا ما أذِن الشارع في نقله، مما لا يخالف كتابَ اللَّه تعالى وسنةَ رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو القسم الذي لا يُصدَّق ولا يكذب، مما فيه بسطٌ لمختصر عِنْدَنا، أو تسميةٌ لمبهم وَرَدَ به شرعُنا مما لا فائدة في تعيينه لنا، فنذكره على سبيل التحلِّي به لا على سبيل الاحتياج إليه والاعتماد عليه
(2)
. وإنما العمدة والاستناد على كتاب اللَّه تعالى وسنّة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ما صحَّ
(3)
نقلْه أو حَسُن، وما كان فيه ضعفٌ نبيِّنه، وباللَّه المستعان وعليه التُّكلان، ولا حولَ ولا قوَّة إلا باللَّه العزيز الحكيم العليّ العظيم.
فقد قال اللَّه تعالى في كتابه: {كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا} [طه: 99] وقد قصَّ اللَّه على نبيّه صلى الله عليه وسلم خبر ما مضى من خلق المخلوقات، وذِكْر الأممِ الماضين، وكيف فعل بأوليائه، وماذا أحل باعدائه. وبيَّن ذلك رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم لأمته بيانا شافيًا، سنورد عند كل فَصْلٍ ما وَصَلَ إلينا عنه، صلواتُ اللَّه وسلامُه عليه، في ذلك تِلْوَ الآيات الواردات في ذلك، فأخبرنا بما نحتَاج إليه من ذلك، وترك ما لا فائدة فيه مما قد يتزاحم على علمه ويَتَراجم
(4)
في فهمه طوائف من علماء أهل الكتاب فيما لا فائدة فيه لكثير من الناس إليه، وقد يستوعبُ
(5)
نقلَه طائفة من علمائنا أيضًا، ولسنا نحذو حذوَهم ولا ننحو نحوهم، ولا نذكر منها إلا القليل على سبيل الاختصار، ونبين ما فيه منها
(6)
حق مما وافق ما عندنا، وما خالفه فوقع فيه الإنكار.
فأما الحديث الذي رواه البخاري رحمه الله في "صحيحه"
(7)
عن [عبد اللَّه بن] عمرو بن العاص
(1)
أشراط: جمع شرط: هو العلامة. والشرط، بسكون الراء: هو إلزام الشيء والتزامه، ج: شروط وشرائط.
(2)
كذا في ب. وأ: والاعتماد إليه، يقال: اعتمد على الشيء: إذا اتكأ عليه واتَّكل.
(3)
في ب: مما صح.
(4)
الرجم: القذف بالغيب والظن.
(5)
في ب: استوعب.
(6)
لفظة: منها؛ سقطت من المطبوع، وفي ب: بياض مكانها قدر كتابتها.
(7)
رواه البخاري في صحيحه (3461) في الأنبياء، من حديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما بلفظ "بلِّغوا عني ولو آية، وحدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب على متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار". وجملة: "وحدِّثوا عني ولا تكذبوا عليَّ" التي ذكرها المؤلف رحمه الله في حديث البخاري ليست فيه. وإنما هي جملة من حديث رواه أحمد في المسند (3/ 46) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ولفظه بتمامه: =
رضي الله عنهما
(1)
- أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيةً، وَحدِّثُوا عَنْ بَني إسْرَائيلَ ولا حَرَجَ، وحدِّثُوا عَنِّي ولا تكْذِبُوا عليَّ، ومنْ كذب عليَّ مُتعمدًا فَلْيتبوأْ مَقْعَدَهُ منَ النَّارِ" فهو محمول على الإسرائيليات المسكوت
(2)
عنها عندنا. فليس عندنا ما يُصدِّقُها ولا [ما]
(3)
يُكذِّبُها، فيجوز روايتُها للاعتبار. وهذا هو الذي نستعمله في كتابنا هذا
(4)
.
[فأمَّا ما شهد له شرعُنا بالصدق؛ فلا حاجة بنا إليه استغناء بما عندنا]
(5)
، وما شهد له شرعُنا منها بالبطلان، فذاك مردود لا يجوز حكايته، إلا على سبيل الإنْكار والإبْطال.
فإذا كان اللَّهُ سبحانه ولهُ الحمدُ، قد أغنانا برسولنا محمد صلى الله عليه وسلم عن سائر الشرائع، وبكتابه عن سائر الكتب، فلسنا نترامى على ما بايديهم مما قد وَقَعَ فيه خَبْط وَخلْطٌ، وكَذِبٌ ووضْع، وتحريفٌ وتبديلٌ، وبعد ذلك كله نسخ وتغيير.
فالمحتاجُ إليه قد بيَّنه لنا رسولُنا، وشَرَحه ووضَّحه، عَرفه من عَرَفه، وجَهله [مَنْ جَهِلَهُ]. كما قال علي بن أبي طالب: كِتابُ اللَّه فِيْه خَبَرُ ما قَبْلَكُمْ، وَنَبأُ ما بَعْدكُم، وحُكْمُ ما بَيْنكُمْ، وَهُوَ الفَصْلُ لَيْسَ بالهزْلِ، منْ تَرَكهُ من جَبَّار قَصَمهُ اللَّهُ، ومَنِ ابْتَغَى الهُدَى في غَيْرِهِ أضَلَّه
(6)
اللَّه
(7)
.
= "وحدثوا عني ولا تكذبوا عليَّ، ومن كذب عليَّ متعمدًا فقد تبوَّأ مقعده من النار، وحدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج".
وحديثنا الذي ذكره المؤلف من رواية البخاري من حديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما رواه أيضًا أحمد في المسند (2/ 159 و 202 و 214) والدارمي في سننه، في المقدمة (1/ 136) باب: البلاغ عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وتعليم السنن، والترمذي في سننه (2669)، في العلم، باب: ما جاء في الحديث عن بني إسرائيل، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(1)
في الأصل: عنه؛ وعدلتها لتستقيم مع الزيادة التي أثبتُّها عن صحيح البخاري، وسقطت من النسخ.
(2)
في ب: والمسكوت.
(3)
زيادة من المطبوع.
(4)
في ب: هذا منها.
(5)
زيادة من ب. سقطت من أ بنقلة عين.
(6)
في أ: أخبله؛ وأثبت رواية ب، وهي موافقة لما ورد في كتب الحديث.
(7)
قطعة من حديث أورده ابن كثير موقوفًا على عليّ رضي الله عنه. وقد ورد مرفوعًا عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو عند الترمذي في سننه (2906) في فضائل القرآن، والدارمي في سننه (2/ 435) وأحمد في مسنده (1/ 91).
وقال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه وإسناده مجهول، وفي الحارث مقال.
والحارث هو الحارث بن عبد اللَّه الأعور الهمداني، وهو ضعيف الحديث، وخاصة فيما يرويه عن علي رضي الله عنه، ترجمته في ميزان الاعتدال؛ للذهبي (1/ 435 - 437).
وقال أبو ذر، رضي الله عنه: توفي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وما طائر يطير بجناحيه إلا أذكرنا
(1)
منه علمًا.
وقال البخاري في كتاب
(2)
بدء الخلق: وروي عن عيسى
(3)
بن موسى غُنْجار، عن رَقبة، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال: سمعتُ عمر بن الخطاب يقول: قام فينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مَقَامًا، فأخْبَرنا عن بدْء الخلق، حتَّى دخل أهلُ الجنَّة منازِلَهُمْ، وأهلُ النَّارِ مَنازِلَهم، حَفِظَ ذلكَ منْ حَفِظَهُ وَنسيهُ منْ نسيه
(4)
. قال أبو مسعود
(5)
الدمشقي ["في أطْرافه"]
(6)
: هكذا قال البخاري، وانما رواه عيسى غُنْجار عن أبي حمزة، عن رقبة.
وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في "مسنده"
(7)
: حدّثنا أبو عاصم، حدَّثنا عَزْرة بن
(1)
في ب: إلَّا ذكَّرنا.
(2)
في ب: كتابه.
(3)
هكذا بصيغة المبني للمجهول، وكذلك هو بخط المزي في تحفة الأشراف (7/ 208 حديث 10470)، والذي في البخاري: وروى عيسى عن رقبة. وقد وضّحه المؤلف فقال: عيسى بن موسى غُنجار. وغنجار لقب لعيسى، لقب به لحمرة لونه. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري:(6/ 207) قوله: وروى عيسى عن رقبة؛ كذا للأكثر، وسقط منه رجل، فقال ابن الفلكي: ينبغي أن يكون بين عيسى ورقبة أبو حمزة، وبذلك جزم أبو مسعود، وقال الطرقي: سقط أبو حمزة من كتاب الفربْري وثبت في رواية حماد بن شاكر، فعنده عن البخاري: روى عيسى عن أبي حمزة عن رقبة، قال، وكذا قال ابن رميح عن الفربري. قلت [القائل ابن حجر]: وبذلك جزم أبو نعيم في المستخرج، وهو يروي الصحيح عن الجرجاني عن الفربري، فالاختلاف فيه حينئذٍ عن الفربري، ثمّ رأيته سقط أيضًا من رواية النسفي، لكن جعل بين عيسى ورقبة: ضبة، ويغلب على الظن أن أبا حمزة ألحق في رواية الجرجاني، وقد وصفوه بقلّة الإتقان، وعيسى المذكور هو ابن موسى البخاري، ولقبه غنجار. . . وليس له في البخاري إلا هذا الموضع، وقد وصل الحديث المذكور من طريق عيسى المذكور عن أبي حمزة، وهو محمد بن ميمون السكري، عن رقبة، الطبراني في مسند رقبة المذكور وهو بفتح الراء والقاف والموحدة الخفيفة، ابن مصقلة بفتح الميم وسكون الصاد المهملة، وقد تبدل سينًا (مسقلة) ولم ينفرد به عيسى، فقد أخرجه أبو نعيم من طريق علي بن الحسن بن شقيق، عن أبي حمزة، نحوه، لكن بإسناد ضعيف.
(4)
رواه البخاري في صحيحه (3192)، باب: ما جاء في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ. .} [الروم: 27] وهو من رواية حذيفة، في مسند أحمد (5/ 385 و 389، 401) وأبي داود (4240) في الفتن: باب ذكر الفتن ودلائلها، ومن رواية أبي سعيد الخدري في الترمذي (2191) في الفتن: باب ما جاء ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بما هو كائن إلى يوم القيامة، وقال الترمذي: وهذا حديث حسن صحيح.
(5)
في ب: ابن مسعود؛ وهو سهو. وأبو مسعود الدمشقي: هو إبراهيم بن محمد بن عبيد الدمشقي حافظ صدوق ورع. توفي سنة (401 هـ). ترجمته في السير للذهبي (17/ 227) وكتابه: "أطراف الصحيحين" رتب فيه أحاديث كل صحابي على حدة. كشف الظنون (1/ 116)، وهو أحد الكتب الرئيسة التي أقام المزي عليها كتابه "تحفة الأشراف".
(6)
زيادة من ب.
(7)
مسند أحمد (5/ 341).
ثابت، حدَّثنا عِلْباء بن أحمر
(1)
اليشكري، حدَّثنا أبو زيد الأنصاري، قال: صلَّى بنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صلاةَ الصُّبْح، ثُمَّ صَعِدَ المِنْبَرَ، فَخَطبنا حَتَّى حَضَرَتِ الظُّهْرُ، ثُمَّ نَزلَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ صَعِدَ المِنْبَرَ، فَخَطبنا حَتَّى حَضَرتِ العصْرُ، ثُمَّ نَزلَ فَصَلَّى العَصْر، ثُمَّ صَعِدَ المِنْبر فَخطبنا حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ، فَحَدَّثَنا بما كانَ، وما هُوَ كائنٌ، فأعلمُنا أحْفَظُنا. انفرد بإخراجه مسلم، فرواه في كتاب الفتن من "صحيحه"
(2)
عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي وحجاج بن الشاعر، جميعًا
(3)
عن أبي عاصم الضحَّاك بن مخلد النبيل، عن عزرة، عن علباء، عن أبي زيد عمرو بن أخطب بن رفاعة الأنصاري رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم بنحوه.
وقال الإمام أحمد
(4)
: حدَّثنا يزيد بن هارون وعفَّان، قالا: حدَّثنا حمَّاد بن سلَمة، أخبرنا علي بن زيد، عن [أبي نضْرَة، عن] أبي سعيد قال: خطبنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خُطْبَةً بعد العصْر إلى مُغَيْرِبان الشَّمْسِ، حَفظها [منا] منْ حفظَها، ونسِيَها من نسيها. قال عَفَّان: قال حمَّاد: وأكثر حفظي أنَّه قالَ: ما هو كائنٌ إلى يوم القيامة، فَحَمِدَ اللَّه، وأثنى عليه، ثمَّ قال:"أمَّا بَعْدُ فإن الدُّنْيا خَضِرَةٌ حُلْوةٌ، وإنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فيْها فناظِرٌ كَيْفَ تَعْملونَ، ألا فَاتَّقُوا الدُّنْيا، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ. . " وذكر تمام الخُطبة
(5)
، إلى أن قال: فلما كان عند مغيربان الشمس قال: "ألا إنَّ مثْلَ ما بَقيَ منَ الدُّنْيَا مِثْلُ ما بَقِيَ منْ يَوْمِكُمْ هَذَا فِيْما مَضَى منْهُ".
ثم قال الإمام أحمد
(6)
: حدَّثنا عبدُ الرزَّاق، أخبرنا مَعْمَر، عن علي بن زيد بن جُدْعان، عن
(1)
في أ: أحمد؛ وهو تحريف.
(2)
صحيح مسلم (2892) باب إخبار النبي صلى الله عليه وسلم فيما يكون إلى قيام الساعة.
(3)
كذا في صحيح مسلم وط. وفي أ وب: كلاهما.
(4)
مسند أحمد (3/ 19) والزيادات منه. والكلام حتى نهاية الفصل سقط من المطبوع.
(5)
وتمام الخطبة فيه: "ألا إن بني آدم خُلقوا على طبقات شتَّى، منهم من يُولَد مؤمنًا ويحيا مؤمنًا ويموتُ مؤمنًا، ومنهم من يُولد كافرًا ويحيا كافرًا ويموت كافرًا، ومنهم من يُولد مؤمنًا ويحيا مؤمنًا ويموت كافرًا، ومنهم من يولد كافرًا ويحيا كافرًا ويموتُ مؤمنًا.
ألا إنَّ الغضب جَمْرةٌ توقد في جَوف ابن آدَمَ؛ ألا تَرَونَ إلى حُمْرة عينيه وانتفاخِ أوْدَاجِه، فإذا وَجدَ أحدُكم شَيئًا من ذلك فالأرض الأرضَ.
ألا إنَّ خَيْرَ الرجالِ من كان بَطيءَ الغضب سريعَ الرِّضى، وشَرّ الرِّجال من كانَ سَريعَ الغضب بطيءَ الرض، فإذا كان الرجلُ بطيءَ الغضب بطيء الفَيْء وسريعَ الغضب سريعَ الفيء فإنَّها بها.
ألا إنّ خيرَ التجّار من كان حسنَ القضاء، حسن الطلب، وشرَّ التجار من كان سيّء القضاء سيّء الطلب، فإذا كان الرجل حسنَ القضاء سيّء الطلب، أو كان سيّء القضاء حسن الطلب فإنها بها.
ألا إن لكل غادرٍ لواءً يوْم القيامة بقدْر غدرته، ألا وأكبر الغدْر غدرُ أمير عامة. ألا لا يمنَعنَّ رجُلًا مهابةُ الناسِ أن يتكلم بالحقّ إذا علمه. ألا إنَّ أفْضَل الجهادِ كلمةُ حق عند سُلطان جائر. . ".
أقول: وفي سنده علي بن زيد بن جُدعان، وهو ضعيف يطوله، ولكن أول الحديث الذي ذكره المؤلف صحيح، وآخره صحيح من قوله:"ألا إن لكل غادر لواءً" إلى آخره.
(6)
مسند أحمد (3/ 61).