الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على كل حال إذا دعت الحاجة إلى مثل هذا فالأمر يقبل، أما مع عدم الحاجة فلا، ولذا أردف المؤلف -رحمه الله تعالى- هذا الباب بقوله:"باب: ما جاء في كراهية الإسراف في الوضوء بالماء"
سم.
عفا الله عنك.
باب: كراهية الإسراف في الماء:
حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا أبو داود الطيالسي قال: حدثنا خارجة بن مصعب عن يونس بن عبيد عن الحسن عن عتي بن ضمرة السعدي عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن للوضوء شيطاناً يقال له: الولهان، فاتقوا وسواس الماء)).
وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وعبد الله بن مغفل، حديث أبي بن كعب حديثه غريب وليس إسناده بالقوي، والصحيح عند أهل الحديث لأنا لا نعلم أحداً أسنده غير خارجة، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن الحسن قوله: ولا يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، وخارجة ليس بالقوي عند أصحابنا وضعفه ابن المبارك.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في كراهية الإسراف في الوضوء بالماء"
وهذا الحكم مجمع عليه بين أهل العلم، ويطلقون الكراهة، وهي أعم من كراهة التنزيه أو التحريم، ففي بعض الصور تتجه كراهية التنزيه، إذا كان الإسراف يسير ومحتمل، أما إذا كان الإسراف كثيراً فالمبذرون هم إخوان الشياطين، كما قال الله -جل علا-:{إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [(27) سورة الإسراء]
قال رحمه الله: "حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا أبو داود" سليمان بن داود بن الجارود الطيالسي، أحد الأئمة الأعلام، صاحب المسند، توفي سنة أربع ومائتين، يعني مع الإمام الشافعي رحمه الله "قال: حدثنا خارجة بن مصعب" أبو الحجاج السَرَخْسي، أو السَرْخَسي، متروك كذبه ابن معين "عن يونس بن عبيد" العبدي مولاهم، أحد الأئمة "عن الحسن" البصري "عن عتي بن ضمرة -التميمي- السعدي" البصري، ثقة من الثالثة "عن أبي بن كعب" الصحابي الجليل "عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن للوضوء شيطاناً)) أي للوسوسة في الوضوء له شيطان ((يقال له: الولهان)) الولهان مأخوذ من الوله، وهو ذهاب العقل والتحير من شدة الوجد سمي شيطان الوضوء بذلك لشدة حرصه على طلب الوسوسة، وإذا اشتد الحرص على الشيء أصابه شيء من التحير والخفة والطيش خشية أن يفوت هذا الأمر، فالشيطان لحرصه هذا على وقوع المسلم في الوسواس وخشية أن يفوته هذا المسلم الذي يتوضأ لا شك أنه يصاب بشيء من الخفة والوله، أو لأن المتوضئ إذا ابتلي بهذا اتباعاً لهذا الشيطان أصيب بشيء من الحيرة فيحتار في أمره، ومن نظر في حال الموسوسين وجد الحيرة في تصرفاتهم، وجد الحيرة في تصرفاتهم، منهم من إذا خرج من الدورة ومس الباب عاد إليها، وقال: إن الباب نجس، واليد رطبة وتنجست فيعود ثانية وثالثة وعاشرة وأحوالهم مزرية، أحوالهم مزرية جداً.
((إن للوضوء شيطان يقال له: الولهان، فاتقوا وسواس الماء)) وسواس الماء: الوسوسة في الوضوء يعني هل وصل الماء إلى أعضاء الوضوء أو لم يصل؟ وهل غسل مرتين أو مرة؟ وهل الماء طاهر أو نجس؟ وهل الماء عند من يقول بالتفريق بين القليل والكثير هل بلغ القلتين أو لم يبلغ؟ وهل ما وقع فيه طاهر أو نجس؟ إلى كثير من الاحتمالات التي أوجدها هؤلاء ((فاتقوا وسواس الماء)).
قال: "وفي الباب عن عبد الله بن عمرو" عند النسائي وابن ماجه، وفي بعض النسخ: عبد الله بن عمر، وله حديث عند ابن ماجه أيضاً، "وعبد الله بن مغفل" عند أبي داود وابن ماجه "قال أبو عيسى: حديث أبي بن كعب حديثه غريب" وأخرجه ابن ماجه "وليس إسناده بالقوي"، "ليس إسناده بالقوي والصحيح" يعني ليس بالقوي وليس بالصحيح "عند أهل الحديث؛ لأنا لا نعلم أحداً أسنده -يعني رفعه إلى النبي عليه الصلاة والسلام "غير خارجة" بن مصعب، وعرفنا أنه متروك، وكذبه ابن معين، فمثله لا يعول عليه "لا نعلم أحداً أسنده غير خارجه، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن الحسن" يعني من قوله، موقوفاً عليه، ويسمى عند أهل العلم مقطوع، إذا وقف على التابعي هو المقطوع:"ولا يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، وخارجة ليس بالقوي عند أصحابنا" يعني أهل الحديث "ليس بالقوي عند أصحابنا" يعني أهل الحديث "وضعفه ابن المبارك".
قال الذهبي في الميزان: وهاه أحمد، وقال ابن معين: ليس بثقة، وقال أيضاً: كذاب، والحديث لا شك في ضعفه، لكن الوسواس موجود عند كثير من المسلمين، لا سيما في الوضوء وفي الطهارة عموماً، وفي الصلاة وما يتعلق بها، وبعضهم يكون الوسواس عنده في النكاح وفي الطلاق، ويصدر من بعض الناس أشياء لا تدري كيف حصلت من هؤلاء وهم عقلاء؟
شخص يسأل يقول: في آخر الفصل الدراسي -مدرس ومن سنين يدرس- في آخر الفصل الطلاب عندي ربع العدد، وفي الفصل الثاني الذي بجواري قريب النصف، فقال المدرس الذي في الفصل الثاني: ما دام طلابك عددهم قليل دعهم يحضروا عندي واخرج أنت، فقلت، يعني قال بلهجته: بصرك يعني ما يخالف، فلما خرجت من المدرسة وأنا في طريقي إلى البيت قلت: ما أدري هل قال: خل الطلاب يدخلون عندي، أو قال: تريد أن تطلق زوجتك، أو قال: ما أدري أنت طلقت زوجتك، شو اللي أدخل هذا بهذا؟ يعني الشيطان حريص على مثل هذه الأمور، ويجري من ابن آدم مجرى الدم، فعلى المسلم أن يحذره، ويقطع الطريق عليه من أوله، سواءً كان في عبادته، سواءً كان في معاملته، سواءً كان في معاشرته لأهله.
بعض الناس هذه الوسواس لا تزال تحوك وتدور في ذهنه حتى يجزم بيقين أنه طلق، يطلق زوجته التي يرغب فيها ويحبها وتحبه وليست بينهم أدنى مشكلة، لكن يقول: أنا والله ما أدري أنا مطلق وإلا ما طلقت؟ هل بلغت العدد؟ أو بانت أو ما بانت؟ خلي المسألة تصير متيقنة ونرتاح، هذا يحصل لكثير من الناس، وأما الوسواس في الطهارة وفي الصلاة فحدث ولا حرج، فعلى المسلم .. ، مع الأسف أن بعض طلاب العلم يسألون عن مثل هذه الأمور، وما ذلكم إلا لأنهم انقادوا للشيطان، وتبعوه في أول الأمر ثم استرسلوا في هذا فوافقوه فحصل لهم ما حصل.
فالنصيحة لطالب العلم على وجه الخصوص والمسلمين عموماً ألا يسترسلوا مع الشيطان، ويكون خطرهم على النقص أكثر من الزيادة، النقص في مثل هذه الأمور مع الاعتراف بالتقصير والاستغفار أفضل من أن يزاد على المشروع، كما يقرر بعض أهل العلم ويقول: إن البياض إذا زاد صار برصاً -نسأل الله العافية-، يعني ما في شك أن الحد الأعلى من البياض القريب من البرص يعني إذا نقص عنه فصار إلى الأدمة أقرب أفضل؛ لأنه إذا كان البياض الشديد لا تفرق بينه وبين الأبرص إلا بكل صعوبة فالسمرة أفضل منه، فعلى كل حال المبالغة في التكميل، الموسوس بزعمه أنه يكمل، إذا بالغ وزادت عنده هذه المبالغة لا شك أنه يقع في مثل هذا الوسواس الذي هو بمثابة البرص الذي يقذره الناس به، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.