المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: ما جاء في الرخصة في ذلك: - شرح سنن الترمذي - عبد الكريم الخضير - جـ ١٥

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌باب: ما جاء في الرخصة في ذلك:

"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن" قال ابن حجر: أخرجه أصحاب السنن وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان، والنووي -رحمه الله تعالى- يقول: اتفق الحفاظ على تضعيفه، والبيهقي يقول عن الطريق السابقة الأولى: مرسل، وهذه عادته فيما إذا لم يذكر الاسم، إنما ذكر على الإبهام؛ لأن منهم من ينعت ما فيه راوٍ مبهم بالإرسال، لكن إذا عرفنا أن سلسلة الإسناد لم يسقط منها شيء ما سقط من سلسلة الإسناد شيء فكيف يكون إرسال؟ والإرسال سقط حتى على أوسع معانيه سقط من أي موضع من مواضع الإسناد، فغاية ما فيه أنه متصل، فيه راوٍ لم يسم، وسمي في طريق أخرى فانتفى ما يقوله البيهقي -رحمه الله تعالى-، وأما قول النووي أنه اتفق الحفاظ على تضعيفه فهذا الاتفاق فيه ما فيه؛ لأنه صححه ابن حبان، وحسنه الترمذي، ولا وجه لنقل مثل هذا الاتفاق.

"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، وقال أبو حاجب، قال: وأبو حاجب اسمه سوادة بن عاصم" سبق أنه حكم عليه الحافظ في التقريب بأنه صدوق من الثالثة، وإذا كان ممن يستحق هذه المرتبة صدوق، فحديثه حسن، حديثه حسن لا يصل إلى الصحيح، وهو موجود في الطريقين، فمدار الخبر عليه، فالخبر يدور عليه، لذا الحكم عليه بالحسن هو المتجه.

"وقال محمد بن بشار في حديثه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة"، "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة،، ولم يشك فيه محمد بن بشار" يعني ما قال كما قال شعبة: أو بسؤرها، فجاء به على الجزم.

وعلى كل حال جمهور العلماء على أن الوضوء بفضل طهور المرأة لا إشكال فيه، لما سيأتي في الباب اللاحق، نعم.

عفا الله عنك.

‌باب: ما جاء في الرخصة في ذلك:

حدثنا قتيبة قال: حدثنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال: "اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنة، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ منه فقالت: يا رسول الله إني كنت جنباً، فقال:((إن الماء لا يجنب)) قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول سفيان الثوري ومالك والشافعي.

يقول المؤلف رحمه الله:

ص: 17

"باب: ما جاء في الرخصة في ذلك" وهذه عادته رحمه الله حينما يذكر الحكم السابق يتبعه بالحكم اللاحق، يتبعه بالحكم اللاحق، ولذا ينبغي أن يقرئ البابان في مجلس واحد، ولا يقتصر طالب العلم على قراءة باب ثم يترك الثاني؛ لئلا يعمل بما جاء في الباب السابق، كما صنع بعضهم في باب: ما جاء في قتل الكلاب والأمر به، قرأ هذا الباب وأخذ المسدس وخرج فإذا رأى كلباً قتله، وفي الباب الذي يليه باب: ما جاء في نسخ الأمر بقتل الكلاب، باب: ما جاء في نسخ الأمر بقتل الكلاب، وهو يليه مباشرة، بينهما صفحة، فماذا يصنع بما قتل؟ المقصود أن مثل هذا يجعل طالب العلم يأخذ العلم متكاملاً، ويكون تصوره للمسائل متكامل، ما يأخذ طرف المسألة ثم يعمل بها، فإذا بلغه الناسخ كأنه في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، لا يلزمه القول أو العمل بالناسخ حتى يبلغه، لا، الآن بلغك الناسخ، وليس هذا لك ولأمثالك من المبتدئين، نعم الأئمة قد يخفى عليهم الناسخ لا يبلغهم حديث فيعملون بالمنسوخ وهم في ذلك معذورون؛ لأنهم أهل للاجتهاد، أما أوساط الطلبة وعوام الناس إذا سمع خبر وهو لا يدري هل هو ناسخ أو منسوخ ذهب ليعمل به، هذا يضل ويُضل، كما قال علي -رضي الله تعالى عنه- لقاص من القصاص: أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا، قال: هلكت وأهلكت، فالذي ينادي صغار الطلاب بالاجتهاد والتفقه من الكتاب والسنة يرد عليه مثل هذا، يرد عليه مثل هذا، لكن لا تجد في كتب الفقه مثل هذا الكلام يأتيك المنسوخ في باب ثم الناسخ في باب آخر، أبداً، المسألة في موضع واحد، لكن من الفقهاء من يرى النسخ، فيثبت الناسخ وقد يشير إلى المنسوخ، ومنهم من لا يرى النسخ في هذه المسألة فيثبت الحكم الأول، على كل حال هذا يرد على من يطالب المبتدئين أو يطالب كل أحد بالتفقه من الكتاب والسنة، ولا شك أن الأصل في التفقه هو الكتاب والسنة، لكن يبقى أن ذلك للمتأهل، ولذلك يقول: باب: ما جاء في الرخصة في ذلك، وفي كثير من الأبواب يذكر الأمر على ما كان عليه أولاً ثم يتبعه بالرخصة.

"باب: ما جاء في الرخصة في ذلك"

ص: 18

قال: "حدثنا قتيبة" وهو ابن سعيد "قال: حدثنا أبو الأحوص" وهو سلام بن سليم ثقة متقن تقدم مراراً "عن سماك بن حرب" عن سماك بن حرب بن أوس بن خالد الذهلي الكوفي أبو المغيرة، صدوق في روايته عن عكرمة اضطراب، من الرابعة مات سنة ثلاث وعشرين يعني ومائة "عن عكرمة" بن عبد الله مولى ابن عباس، أصله بربري، ثقة ثبت، عالم بالتفسير، قالوا: لم يثبت تكذيبه من ابن عمر، ولا يثبت عنه بدعة، كذا في التقريب، ولا يثبت عنه بدعة؛ لأنه رمي ببدعة الخوارج، رمي ببدعة الخوارج، ودافع عنه الحافظ الذهبي في السير، وابن حجر في مقدمة الفتح، وقالوا: إن مثل هذا لا يثبت عنه، ولوجود بعض من تُكلم فيه في الصحيحين قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:

ففي البخاري احتجاجاً عكرمة

مع ابن مرزوق وغير ترجمة

"ففي البخاري احتجاجاً عكرمة" يعني احتج به البخاري، فلا ينظر إلى ما قيل فيه.

ففي البخاري احتجاجاً عكرمة

مع ابن مرزوق وغير ترجمة

"عن عكرمة" لكن يرد علينا ما قيل في ترجمة سماك، وأن في روايته عن عكرمة اضطراب، في روايته عن عكرمة اضطراب، لكن هل يلزم من هذا أن كل ما يرويه عن عكرمة مضطرب؟ أو أنه قد يضبط شيئاً ويحصل الاضطراب في أشياء؟ كما هي عادة من رمي بسوء الحفظ مثلاً قد يضبط، ولذا إذا خرج في الصحيح بهذه السلسلة لا شك أن هذا يكون على سبيل الانتقاء مما ضبطه سماك عن عكرمة.

"عن ابن عباس قال: "اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم" وهي ميمونة بنت الحارث خالة ابن عباس، كما بينت في الروايات الأخرى "اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنة" الجفنة: القصعة الكبيرة "فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم"، "اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنة" (في) هذه ظرفية وإلا إيش؟

طالب:. . . . . . . . .

اغتسل في جفنة؟

طالب:. . . . . . . . .

بمعنى من؟ طيب، وإلا لو كانت ظرفية لكان مقتضاها أنها انغمست في الجفنة، وقد جاء النهي عن الاغتسال في الماء الدائم، جاء النهي عن الاغتسال في الماء الدائم ولو كثر، فضلاً عن أن يكون جفنة، وحينئذٍ يكون معناها (من)(في) بمعنى (من) له شاهد وإلا ما له شاهد؟

ص: 19

طالب:. . . . . . . . .

إيش؟

طالب:. . . . . . . . .

ذا؟ الحديث اللي معنا؟ حديث إيش؟

طالب:. . . . . . . . .

لا، لا أنا أريد شاهد للتقارب بين (في) و (من) تأتي (في) بمعنى (من)؟ يحفظ شاهد وإلا ما يحفظ؟ نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

{فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [(71) سورة طه] يعني من جذوع وإلا على؟

طالب:. . . . . . . . .

إيه، على كل حال مسألة التقارب بين الحروف وأنه ينوب بعضها عن بعض هذه معروفة في لغة العرب وفي النصوص موجودة بكثرة، لكن هل الأولى القول بمثل هذا وأن هذا الحرف معناه الحرف الثاني يعني بمعنى الحرف الثاني أو الأولى تضمين الفعل بفعل يتعدى بالحرف المذكور؟ يعني هل الأولى أن نقول:(في) هنا بمعنى (من) وهذا له شواهده وله نظائره ويقول به جمع من أهل العلم أو نقول: لا (في) هي (في) الظرفية لكن لا بد أن نضمن اغتسل معنى فعل يتعدى بـ (في)؟ شيخ الإسلام يميل إلى الثاني، شيخ الإسلام في مقدمة تفسيره وفي مواضع من كتبه يميل إلى الثاني وهو أن تضمين الفعل أولى من تضمين الحرف، تضمين الفعل أولى من تضمين الحرف؛ لأن تضمين الحرف استغله بعض المبتدعة، وهل استغلال بعض المبتدعة للمعنى الصحيح أو لما له أصل في لغة العرب يجعلنا ننكر هذا الأصل؟ يعني كون بعض المبتدعة يستغل هذا الكلام، يستغله لنصر بدعته، هل معنى هذا أننا نقضي عليه بالكلية ونقول: هذا لا يجوز بل نضمن الفعل؟ وشيخ الإسلام إمام بلا شك، لكنه من غيرته على العقيدة الصحيحة ووجود من يستغل مثل هذا الكلام فإنه قال: إن تضمين الفعل أولى من تضمين الحرف، مع أن تضمين الحرف موجود يعني في لغة العرب وفي النصوص، ولا يمنع من أن يقال:(في) بمعنى (من) والداعي إلى هذا التوفيق بين النصوص، ولو حملت (في) على معناها لقلنا: إنها انغمست في هذه الجفنة وحينئذٍ يكون الحديث مخالفاً لحديث النهي عن الاغتسال في الماء الدائم.

ص: 20

"فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ منه" يعني من هذا الماء الذي بقي في هذه الجفنة "فقالت: يا رسول الله إني كنت جنباً" والجنب من أصابته الجنابة، يطلق على الذكر والأنثى والمفرد والمثنى والجمع جنب، بلفظ واحد وقد يطابق، فيقال: هذا جنب وهذه جنب، وهذان جنب، وهؤلاء جنب، وهن جنب، وقد يطابق تقول: هذا جنب، وهذه جنبة، وهذان جنبان إلى آخره، لكن الأكثر الأول.

"إني كنت جنباً" ما قالت: إني كنت جنبةً أو مجنبة "فقال: ((إن الماء لا يجنب)) " أي لا يصير جنباً، يعني لا تنتقل الجنابة منك إلى الماء ((إن الماء لا يجنب)) أي لا يصير جنباً، وفي رواية الدارقطني:((إن الماء ليس عليه جنابة)).

"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وهو مخرج عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه يعني عند الخمسة، وصححه ابن خزيمة والحاكم، قال ابن حجر: وقد أعله قوم بسماك بن حرب لأنه كان يقبل التلقين، لكن قد رواه عنه شعبة، وهو لا يحمل عن مشايخه إلا صحيح حديثهم، الذي عندنا من طريق أبي الأحوص عن سماك عن عكرمة، وهو أيضاً مروي في المستدرك من طريق الثوري وشعبة عن سماك، وعرفنا أن شعبة شديد التحري، وشديد الانتقاء من أحاديث الشيوخ فينتفي ما اتهم به سماك.

"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول سفيان الثوري ومالك والشافعي" وجمهور العلماء يقولون: إن خلوة المرأة ووضوءها من الماء لا أثر له في الماء، ويجمع بينه وبين ما تقدم بأن النهي محمول على ما تساقط من الأعضاء، على ما قاله بعضهم، والجواز على ما بقي في الإناء، وعرفنا أن الحديث السابق حمله على ما تساقط من الأعضاء بعيد مباعد للسياق، قاله الخطابي، وبأن النهي محمول على التنزيه بقرينة أحاديث الجواز وهذا أظهر، وقيل: إن قولها: إني كنت جنباً، يعني استنكارها استعمال النبي عليه الصلاة والسلام لها دليل على أنه كان ممنوعاً، نعم، وقيل: إن قولها: إني كنت جنباً دليل على أن النهي كان متقدم كان ممنوع، ولذلك قالت: إني كنت جنباً بناءً على ما تقدم، قال ذلك ابن العربي، وعلى هذا حديث الجواز ناسخ لحديث النهي.

ص: 21