المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: ما جاء في بول ما يؤكل لحمه: - شرح سنن الترمذي - عبد الكريم الخضير - جـ ١٧

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌باب: ما جاء في بول ما يؤكل لحمه:

يعني منهم من قاس الأنثى على الذكر الأنثى الصغيرة على الذكر الصغير، ومنهم من نظر إلى أن الوصف نظر هنا إلى أن الوصف المؤثر الصغر، والمؤثر لهذا البول وهو اللبن، فقاس الأنثى الصغيرة على الذكر الصغير، ومنهم من نظر إلى أن الوصف المؤثر الذكورة فقاس الكبير على الصغير دون الإناث، وهذا أيضاً لا حظ له من النظر من الأدلة الكثيرة المتظاهرة المتظافرة على أن بول الكبار نجس نجاسة مغلظة ليست مخففة، ومنها حديث الذي يعذب في قبره.

سم.

عفا الله عنك.

‌باب: ما جاء في بول ما يؤكل لحمه:

حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني قال: حدثنا عفان بن مسلم قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: حدثنا حميد وقتادة وثابت عن أنس أن ناساً من عرينة قدموا المدينة فاجتووها فبعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في إبل الصدقة، وقال:((اشربوا من ألبانها وأبوالها)) فقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستاقوا الإبل، وارتدوا عن الإسلام، فأتي بهم النبي صلى الله عليه وسلم فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وسمر أعينهم، وألقاهم بالحرة.

قال أنس: فكنت أرى أحدهم يكد الأرض بفيه حتى ماتوا، وربما قال حماد: يكدم الأرض بفيه حتى ماتوا.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وقد روي من غير وجه عن أنس، وهو قول أكثر أهل العلم قالوا: لا بأس ببول ما يؤكل لحمه.

حدثنا الفضل بن سهل الأعرج البغدادي قال: حدثنا يحيى بن غيلان قال: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا سليمان التيمي عن أنس بن مالك قال: إنما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعينهم؛ لأنهم سملوا أعين الرعاة.

قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعلم أحداً ذكره غير هذا الشيخ عن يزيد بن زريع، وهو معنى قوله:{وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [(45) سورة المائدة].

وقد روي عن محمد بن سيرين قال: إنما فعل بهم النبي صلى الله عليه وسلم هذا قبل أن تنزل الحدود.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في بول ما يؤكل لحمه".

ص: 18

بول ما يؤكل لحمه: يعني من بهيمة الأنعام وغيرها، ما حكمه؟ ثم أورد الحديث الدال على أنه طاهر، فقال -رحمه الله تعالى-:"حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني" أبو علي البغدادي صاحب الشافعي، ثقة من الثقات، مات سنة ستين ومائتين "قال: حدثنا عفان بن مسلم" بن عبد الله الباهلي، ثقة ثبت، مات سنة عشرين ومائتين "قال: حدثنا حماد بن سلمة" بن دينار البصري، ثقة عابد، أثبت الناس في ثابت، توفي سنة سبع وستين ومائة "حدثنا حماد بن سلمة قال: حدثنا حميد" بن أبي حميد الطويل، ثقة، مات سنة اثنتين وأربعين ومائة "وقتادة" وهو ابن دعامة السدوسي الأكمه الحافظ المعروف "وثابت" وهو ابن أسلم البناني، البصري، ثقة عابد، معروف "عن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه-" الصحابي الجليل، خادم النبي عليه الصلاة والسلام "أن ناساً من عرينة" عرينة حي من بجيلة، وحي أيضاً من قضاعة، والمراد هنا الحي الأول من بجيلة، كما قال ذلك موسى بن عقبة وغيره، وبجيلة بفتح الباء عند عامة أهل العلم، والنسبة إليها بجلي، وضبطه العيني في بعض المواضع من عمدة القاري بالضم بُجيلة، وضبطه هو بالفتح في مواضع أخرى، وقوله مخالف لقول عامة أهل العلم، بل المعروف في هذه القبيلة الفتح بَجيلة، والنسبة إليها بجلي، جرير بن عبد الله البجلي "أن ناساً من عرينة قدموا" يعني جاءوا إلى "المدينة فاجتووها" أي كرهوا هواءها وماءها لتضررهم به، وأصابهم الجوى بسبب الهواء والماء الذي تضرروا به، وهو داء في الجوف، يصيب جوف الإنسان، "فاجتووها، فبعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم" في رواية:"استوخموا" استوخموها، في رواية:"فعظمت بطونهم"، "فبعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في إبل الصدقة فقال:((اشربوا من ألبانها وأبوالها)) " وفي ذلك من العلاج والطب النبوي الذي يدركه من عاناه، فأهل الإبل يستعملونه، وكثير من الناس يستعمله لعلاج أمراض البطن، وفيه شفاء -بإذن الله-، فيه شفاء، وثبت في الصحيح أنهم صحوا، لما صحوا قتلوا راعي النبي عليه الصلاة والسلام، برئوا من مرضهم فهذا علاج نبوي، علاج وطب نبوي، من أصابه مثل هذا فليتداوى بمثل هذا.

ص: 19

"وقال: ((اشربوا من ألبانها وأبوالها)) فقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستاقوا الإبل" أي ساروا بها سيراً حثيثاً "وارتدوا عن الإسلام، فأتي بهم النبي صلى الله عليه وسلم فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف" يعني أمر بذلك، أمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، يعني قطعت اليد اليمنى مع الرجل اليسرى.

ومنهم من يقول: إنه قطع أيديهم وأرجلهم، قطع اليدين والرجلين، وتركهم في الحر يستسقون فلا يسقون، ولكن النص صريح في أنه قطع يداً واحدة ورجلاً واحدة من خلاف، وهو الذي يدل عليه لفظ: من خلاف؛ لأنه لو كان القطع لليدين والرجلين ما صار لقوله من خلاف فائدة، إنما يقال: من خلاف يعني مع المخالفة بين اليد والرجل، فتقطع اليمنى من الأيدي، واليسرى من الأرجل "فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وسمر أعينهم" سمر أعينهم: وقع التصريح بالمعنى في رواية البخاري بلفظ: "ثم أمر بمسامير فأحميت فكحلهم بها" سمر أعينهم، في نسخة:"سمل" بعض الروايات: "سمل" والسمل: فقأ العين بأي شيء كان قاله الخطابي، فإحماء المسامير وكحلهم بها فقءٌ لأعينهم فيصح أن يقال عنه: سمل وسمر؛ لأن السمر يقع بأي شيء، إذا كان فقأ العين بأي شيء يقال له: سمل فهل يخالف ما جاء من أنه أحمى مسامير فكحلهم بها؟ لا يخالف؛ لأن من لازم كحلهم بهذه المسامير المحماة فقأ أعينهم.

"وألقاهم بالحرة" الحرة أرض معروفة بالمدينة في شرقها وغربها حرتان، وهما اللابتان، وهما عبارة عن أرض تكسوهما الحجارة السود "وألقاهم بالحرة" فكانوا يستسقون فلا يسقون، "قال أنس: فكنت أرى أحدهم يكد الأرض بفيه" يعني يحكها "فكنت أكد الأرض بفيه" يعني يحكها "حتى ماتوا، وربما قال حماد: يكدم الأرض" أي يعضها، "بفيه حتى ماتوا".

"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وقد روي من غير وجه عن أنس، وهو قول أكثر أهل العلم.

اللهم صلِ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 20

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وهو قول أكثر أهل العلم" وهو الضمير يعود على ما يدل عليه الحديث من طهارة أبوال وأرواث ما يؤكل لحمه "وهو قول أكثر أهل العلم قالوا: لا بأس ببول ما يؤكل لحمه" وبه قال مالك وأحمد، وطائفة من السلف وكثير من الشافعية، وذهب الشافعي والجمهور إلى القول بنجاسة الأبوال والأرواث كلها، قاله الحافظ.

الآن لا بأس ببول ما يؤكل لحمه وبه قال مالك وأحمد وطائفة من السلف وكثير من الشافعية، وذهب الشافعي والجمهور عندنا مالك وأحمد وطائفة من السلف وكثير من الشافعية، ثم قال الحافظ: وذهب الشافعي والجمهور إلى القول بنجاسة الأبوال والأرواث كلها، كيف يقول والجمهور مع أنه قال بطهارتها مالك وأحمد وطائفة من السلف وكثير من الشافعية الذين ينتسبون للمذهب الشافعي؟ يمكن أن يقال الجمهور في مقابل هؤلاء؟ لا، يعني إذا نظرنا إلى الأئمة المتبوعين فإمامان في مقابل إمامين، فلا يمكن أن يقال الجمهور، ولذا وجد في بعض من نقل عن الحافظ ابن حجر أنه قال: وذهب الشافعي والجمهور من أصحابه، يعني الجمهور من الشافعية، يعني كثير من الشافعية قالوا بطهارتها، لكن جمهور أصحابه جمهور الشافعية وافقوه على قوله، وهذا قيد لا بد منه، أي لا يمكن أن يقال: الجمهور مع أنه في الطرف الآخر أحمد ومالك وطائفة من السلف وكثير من الشافعية، فالجمهور من أصحاب الشافعي لا من جمهور أهل العلم.

القائلون بطهارتها عمدتهم حديث الباب، حديث الباب:((اشربوا من ألبانها وأبوالها)) ومن أدلتهم الإذن بالصلاة في مرابض الغنم، أنصلي في مرابض الغنم؟ قال:((نعم)) ولا تسلم من أبوالها وأرواثها، ومن أدلتهم أيضاً طوافه صلى الله عليه وسلم على الدابة وهي لا يؤمن أن تبول أو تروث في المسجد، فدل على أن بولها وروثها طاهر، وهذه الأدلة لا شك أنها صحيحة وصريحة في المطلوب.

ص: 21

يستدل من يقول بالنجاسة بأدلة مجملة تشمل الأبوال النجسة والطاهرة، بأدلة عامة ((أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول)) قالوا: هذا عام بوله وبول غيره، بول ما يؤكل لحمه وبول ما لا يؤكل، لكن الرواية المفسرة تقول:((فكان لا يستتر من بوله)) فيراد به بول الإنسان لا مطلق البول، لا عموم البول إنما يراد به بول الإنسان.

قالوا في حديث الباب: أن الأمر بشرب ألبانها وأبوالها للضرورة للعلاج، وما كان في مثل هذا لا يؤخذ على أنه حكم مطرد عام، يقتصر على مورده، من أراده للعلاج لا بأس.

نقول: النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها)) وأيضاً العلاج ليس بواجب، ولذا يقول شيخ الإسلام رحمه الله: لا أعلم سالفاً أوجب العلاج، فكيف يرتكب المحرم من أجله؟ وأيضاً الخمرة إنها داء وليست بدواء، ولم يجعل الله -جل وعلا- شفاء الأمة فيما حرم عليها، هذه مما يجاب بها عن قولهم: إنه خاص بالدواء، والمضطر يباح له مثل ذلك.

يقال لهم: إن المحرم لا يمكن أن يرتكب إلا لدفع ما هو أعظم منه، يعني لضرورة، والضرورة تبيح المحظورات، لكن بما أجابوا عن هذا القول؟ كيف يجيبون عن هذا القول؟ يعني كيف نرتكب محرم من أجل أمر غير واجب وهو العلاج؟ فنرتكب من أجله محرم؟

طالب: مضطر.

ما هو مضطر، قد لا يكون مضطر، وهذا غير واجب، نعم المضطر يأكل الميتة، لكن هذا علاج، والعلاج ليس بواجب، فكيف يرتكب محرم من أجل أمر غير واجب أصلاً؟ قالوا: الفطر في رمضان محرم ويرتكب من أجل السفر وهو غير واجب، صح وإلا لا؟ كلامهم صحيح، لكن يبقى أن هذا نظر في مقابل نظر، لكن يبقى لنا الأثر، ومعولنا عليه:((اشربوا من ألبانها وأبوالها)) أيضاً الإذن بالصلاة في مرابض الغنم دليل على طهارة أبوالها وأرواثها، وطوافه عليه الصلاة والسلام على الدابة وهي لا تؤمن أن تبول أو تروث في المطاف، وكل هذه أدلة ترجح القول بطهارتها.

قال رحمه الله: "حدثنا الفضل بن سهل الأعرج البغدادي" صدوق من الحادية عشرة، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

ما في إشكال، يتبع، كل فضلاته طاهرة.

ص: 22

"حدثنا الفضل بن سهل الأعرج البغدادي" وهو صدوق من الحادية عشرة "قال: حدثنا يحيى بن غيلان" يحيى بن غيلان بن عبد الله بن أسماء الخزاعي أو الأسلمي ثقة من العاشرة "قال: حدثنا يزيد بن زريع" البصري، ثقة ثابت، ثقة ثبت من الثامنة "قال: حدثنا سليمان" وهو ابن طرخان التيمي ثقة عابد "عن أنس بن مالك قال: إنما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعينهم لأنهم سملوا أعين الرعاة" يعني فعل ذلك على سبيل القصاص والمماثلة في القصاص، لا على سبيل المثلة "إنما سمل النبي عليه الصلاة والسلام أعينهم لأنهم سملوا أعين الرعاة".

"قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعلم أحداً ذكره غير هذا الشيخ" الشيخ الذي ذكره عن يزيد بن زريع إنما هو يحيى بن غيلان، وكونه تفرد به وهو ثقة ما فيه إشكال كونه يتفرد بمثل هذا لا يمنع من قبوله؛ لأنه ممن يحتمل تفرده، أما لو نقص عن درجة الثقة قليلاً بحيث لا يحتمل تفرده، يمكن يحكم بشذوذه، لكن مثل هذا ممن يحتمل تفرده فهو صحيح، ولو كان غريباً.

"لا نعلم أحداً ذكره غير هذا الشيخ عن يزيد بن زريع، وهو معنى قوله:{وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [(45) سورة المائدة] أي يقتص فيها، ما دام فعلوا بالراعي كذا يفعل بهم كذا، هذا قصاص، سملوا أعين الراعي تسمل أعينهم، أي يقتص فيها إذا أمكن، وهذا وإن كان مكتوباً في التوراة على بني إسرائيل إلا أنه مقرر في شرعنا، يعني ما جاء في شرعنا ما ينفيه إلا النهي عن المثلة، لا النهي عن المماثلة {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ} [(126) سورة النحل]{وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [(40) سورة الشورى] فهذه مماثلة لا وليست مثلة.

"وهو معنى قوله: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [(45) سورة المائدة] وقد روي عن محمد بن سيرين قال: إنما فعل بهم النبي صلى الله عليه وسلم هذا قبل أن تنزل الحدود".

وهذا ثابت عن ابن سيرين، صحيح عن ابن سيرين، فقول الإمام -رحمه الله تعالى- روي لا شك أنه خلاف الاصطلاح؛ لأن ما ثبت لا يقال فيه روي.

ص: 23

"عن محمد بن سيرين قال: إنما فعل بهم النبي صلى الله عليه وسلم هذا قبل أن تنزل الحدود" وآية المحاربة والنهي عن المثلة فعلى هذا هو منسوخ، ذكر ذلك ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ، فعلى هذا يكون منسوخاً فمن فعل مثل فعلهم لا يفعل به مثل ما فعل بهم، يكتفى بقتله؛ لأن الحدود كافية، وأيضاً النهي عن المثلة ثابت، وقيل: إنه من باب المماثلة لا من باب المثلة، من باب المماثلة في القصاص فليس بمنسوخ؛ لأنهم فعلوا ذلك بالرعاة .... قاله ابن الجوزي وغيره، فعلى هذا الحكم محكم، وللإمام أن يجتهد في مثل هذا، إذا رأى أن مثل هذا الفعل قد يفتح باب على الناس، وأنه مجرد أن يقتلوا إذا ظفر بهم لا ينكل بمن فعل مثل هذه الأفعال، ورأى أن يماثل ما فعلوه بهم، يفعل بهم مثل ما فعلوا، فالإمام له ذلك، لا سيما وأن القولين محتملان، يعني القولين القول بالنسخ محتمل، والقول أيضاً بالمماثلة محتمل، وعلى هذا يرجع إلى اجتهاد الإمام.

طالب:. . . . . . . . .

هم قالوا: رعاة، سملوا أعين الرعاة.

طالب:. . . . . . . . .

إيه قد يطلق الواحد ويراد به الجنس جنس الراعي، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

إذا ثبت نفعه، يعني إذا ثبتت باطراد لأنها سبب، والسبب لا بد أن يكون شرعياً أو عادياً مطرداً، نعم لو قيل لك: إن هذه الورقة إذا غسلتها وشربت ماءها شفيت، نقول: هل جاء في الشرع ما يدل على ذلك؟ لا، هل ثبت بالعادة والاطراد أن مثل هذا النوع من الورق فيه مادة يشفي من كذا؟ لا، نقول: هذا شرك، لا يجوز استعماله، لكن إذا ثبت أن أبوال الغنم أو أبوال البقر تنفع في مرض من الأمراض المسألة طب يعني كغيرها من الأدوية، أما ما ثبت عن الشرع فلا إشكال فيه.

ص: 24

وجاء في العسل: {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ} [(69) سورة النحل] هذا نص قرآني، العسل فيه شفاء، قد يقول قائل: إنه يضر بعض الناس، نقول: كل الأدوية فيها ما ينفع وفيها ما يضر، والأطعمة التي يبنى عليها الجسم فيها ما ينفع وفيها ما يضر، فلا شك أن مثل هذا العلاج يناسب هذا البدن، وذاك العلاج يناسب ذاك البدن، وإن كان الأصل فيه شفاء، وكان عند المنصور شخص والمنصور من آل البيت كما هو معروف عباسي، قال: لما تليت هذه الآية: {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ} [(69) سورة النحل] قال: يخرج من بطونها يعني بطون أهل البيت، يخرج من بطونها يعني بطون أهل البيت، فقال أحد الحاضرين: جعل الله شفاءك فيما يخرج من بطون أهل البيت، التزلف والتقرب والنفاق يصل إلى هذا الحد، يعني يحرف القرآن من أجل شخص، لكن وجد من يرد عليه، ما أدري هل قال: جعل الله شفاءك أو جعل طعامك، المقصود أنه يصل إلى مثل هذا الحد، والله المستعان.

ص: 25

مثل هذا الحديث -حديث العرنيين- وفيه مثل هذه القوة والصرامة في تنفيذ الحد لا شك أنه ثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام وليس لأحد كلام، إلا أنه عيب من حدث به على الحجاج، يعني ذكر قصة العرنيين للحجاج، والحجاج هل هو بحاجة إلى مزيد من الظلم؟ نعم؟ فمثل هذا الحديث يحجب عن مثل الحجاج، عيب من حدث به على الحجاج، لا شك أن مثل هذا الحديث يحجب عن مثل الحجاج في ظلمه وطغيانه؛ لأن هذا يزيده، يجد في هذا مستمسك، ولذلك يقال: إن النصوص علاج لأمراض الأفراد وأمراض المجتمعات، يعني إذا وجدت شخص متساهل ومتراخي مثل هذا تورد عليه من نصوص الوعيد ما يجعله يلزم الطريق الجادة، وإذا وجدت شخص متشدد تورد عليه من أحاديث الوعد ما يجعله يسلك الجادة، فالخوارج يعالجون بنصوص الوعد، والمرجئة يعالجون بنصوص الوعيد، قل مثل هذا فيما يغلب على المجتمعات من تشدد أو تساهل، ولذلك عابوا على من حدث الحجاج بهذا الحديث، وقلنا مراراً: إن النبي عليه الصلاة والسلام ذكر لعبد الله بن عمرو أن يقرأ القرآن في شهر مع أنه حث على قراءة القرآن والإكثار منها، وأن بكل حرف عشر حسنات، هل يقال هذا لكل الناس؟ اقرأ القرآن في شهر، شخص لا يقرأ القرآن إلا في رمضان، يقال له: اقرأ القرآن في شهر؟ نقول: عثمان يختم في ركعة، ولعله يقرأ القرآن في شهر، لكن شخص يقرأ القرآن باستمرار وعاقه قراءة القرآن عن بعض الواجبات وشغله عن بعض ما أوجب الله عليه من بعض المهمات نقول: النبي عليه الصلاة والسلام قال لعبد الله بن عمرو: ((اقرأ القرآن في شهر)) لأنه يخشى أن يعطل ما هو أوجب من ذلك، فالمسألة مسألة معالجة، قال لعبد الله بن عمرو في آخر الحديث:((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) ومع ذلك زاد عبد الله بن عمرو؛ لأنه نظر إلى هذا النص باعتبار أنه من باب الرفق به لا من باب الإلزام، ولذا لا يكره أهل العلم أن يقرأ القرآن في ثلاث، فمثل هذه النصوص نحتاج إليها في معالجة أوضاع الناس.

ص: 26