الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرح سنن الترمذي -
أبواب الطهارة (2)
شرح: باب: ما جاء لا تقبل صلاة بغير طهور، وباب: ما جاء في فضل الطهور، وباب: ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يسأل بعض الإخوان عن الشرب في مثل هذه هل هو شرب من في السقاء الذي جاء النهي عنه أو لا؟
لا شك أنه ورد النهي عن الشرب من في السقاء، ونهى عن اختناث الأسقية، يعني الشرب من أفواهها، وعلة النهي أن رجلاًَ شرب من فم السقاء فانساب في بطنه جان من الماء، فجاء النهي عن الشرب من فم السقاء، وإذا عرفنا العلة -علة النهي- وأنه قد يوجد في الماء ما يضر الإنسان مما لا يتمكن من رؤيته فمثل هذا الذي بين أيدينا في حكم الإناء؛ لأنه يرى ما في جوفه، يرى ما في بطنه فلا يتصور أن فيه ما يضر، لكن بالنسبة للعلب العلب الحديد التي لا يبين ما في جوفها مثل هذه يتجه النهي فيها، فلا بد أن يصب منها في إناء ويشرب، أما هذه يرى ما في جوفها كالإناء تماماً، فلا تظهر علة النهي في مثل هذا.
سم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر لنا والحاضرين والمستمعين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
بسم الله الرحمن الرحيم
قال: أخبرني أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن موسى الترمذي الحافظ، قال:
أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
-.
باب: ما جاء لا تقبل صلاة بغير طهور:
حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا أبو عوانة عن سماك بن حرب ح وحدثنا هناد قال: حدثنا وكيع عن إسرائيل عن سماك عن مصعب بن سعد عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول)) في حديثه: ((إلا بطهور)) قال أبو عيسى
…
قال هناد، قال هناد في حديثه.
قال هناد في حديثه: ((إلا بطهور)) قال أبو عيسى: وفي الباب عن أبي المليح
…
قال أبو عيسى: هذا الحديث ..
قال أبو عيسى: هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن، وفي الباب عن أبي المليح عن أبي هريرة وعن أبيه وأبي هريرة وأنس، وأبو المليح بن أسامة اسمه: عامر، ويقال: زيد بن أسامة بن عمير الهذلي.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- أبو عيسى محمد عيسى بن سورة الترمذي، المتوفى سنة تسع وسبعين ومائتين، في كتابه الجامع الذي هو أحد أصول الإسلام الخمسة المتفق عليها، والسادس اختلف فيه أهل العلم الخمسة: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، اختلف في السادس فمنهم من جعله موطأ الإمام مالك كرزين في تجريد الأصول، وابن الأثير في جامعه، ومنهم من جعله الدارمي، ومنهم من جعله السادس ابن ماجه كابن طاهر في شروط الأئمة وفي أطرافه.
أما جامع أبي عيسى فمتفق على كونه من الستة لم يختلف فيه أحد، يقول -رحمه الله تعالى-:"أبواب الطهارة" جرت عادة المؤلفين أن يترجموا بتراجم كبرى ويفرعوا عليها، فيقولون: كتاب هذه هي العادة المطردة عندهم، ويدرجون تحت الكتاب أبواب، وتحت الأبواب أحاديث، وفي غير الحديث فصول، أبو عيسى -رحمه الله تعالى- لم يذكر كتب في ثنايا كتابه، لم يذكر كتباً، وإنما ذكر أبواب جمع باب، والباب في الأصل ما يدخل ويخرج منه، هذه حقيقته اللغوية والعرفية العامة، أما حقيقته العرفية الخاصة عند أهل العلم فهو ما يضم مسائل وفصول، أو ما يستنبط منه المسائل كالأحاديث.
"أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" الأبواب جمع باب كما ذكرنا، والطهارة مصدر طهر يطهر طاهرة، وطهراً، والمصدر طهّر تطهيراً، ويراد بها النظافة والنزاهة، هذه حقيقتها اللغوية، وأما حقيقتها الشرعية: فهي رفع الحدث سواء كان الأكبر أو الأصغر.
"عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" لا عن غيره، هذا الأصل فيما بني عليه الكتاب، أنه ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في أبواب الدين التي منها أبواب الطهارة، وأما ما يذكره المؤلف من الآثار وأقوال فقهاء الأمصار فهي قليلة بالنسبة للأحاديث من جهة، ومن جهة أخرى هي مبنية على هذه الأحاديث، فالأصل في هذه الأبواب الأحاديث المرفوعة المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كتب السنة الستة كلها مترجمة بكتب، كتاب الإيمان، كتاب العلم، كتاب الطهارة، كتاب الوضوء، كتاب الصلاة .. إلى آخره، ما عدا صحيح مسلم فإنه لم يترجم، لم تذكر فيه تراجم، وإنما فيه أحاديث سرد هكذا، وإن كانت الأحاديث مرتبة على الكتب والأبواب، لكن مسلماً جرد كتابه من هذه التراجم لئلا يخلط كلامه بكلام النبي عليه الصلاة والسلام، وأبو عيسى الترمذي بدل من أن يقول: كتاب كما يقول البخاري، أو يقول أبو داود أو النسائي أو ابن ماجه يقول: أبواب.
يقول -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء لا تقبل صلاة بغير طهور" باب ما جاء يعني عن النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنه قال في الترجمة: "أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" فلا يحتاج أن يكرر هذا، يكفي في الترجمة الكبرى أن يذكر المصدر، ولا يحتاج إلى أن يشير إليه في التراجم الفرعية "ما جاء لا تقبل صلاة بغير طهور" هذه الترجمة نص حديث ابن عمر الآتي تحتها، وهنا قدم الطهور والطهارة على غيرها من شروط الصلاة كما جرت بذلك عادة جماهير المصنفين خلافاً للأمام مالك الذي قدم "باب وقوت الصلاة" وهذا له دلالته في الأهمية؛ لأن الأولية لها دخل في الأولوية، فلما قدم الطهارة عن بقية شروط الصلاة صارت الطهارة عنده أهم الشروط، وهي مفتاح الصلاة التي هي الركن الثاني من أركان الإسلام، والشرط يتقدم على المشروط، تقديم الطهارة للاهتمام بشأنها، والإمام مالك حينما قدم الوقوت دليل على أن اهتمامه بالوقت أعظم من اهتمامه بالطهارة، ولكلٍ وجهة، ويظهر مثل هذا الاختلاف فيما إذا استيقظ الإنسان من نومه أو تذكر صلاة نسيها وبقي من وقتها ما لا يستوعب فعلها مع الطهارة لها، فهل يتطهر ويصلي ولو بعد خروج الوقت أو يراعي الوقت ويترك الطهارة؟ يعني الطهارة الكاملة بالوضوء أو بالغسل مثلاً استيقظ قبل طلوع الشمس بخمس دقائق، وعليه غسل مثلاً، لو اغتسل خرج الوقت، وإن تيمم وصلى أدرك الصلاة في وقتها، على ترتيب الإمام مالك يدرك الوقت؛ لأنه أهم من الطهارة، وعلى قول جمهور أهل العلم يتوضأ ويغتسل ويأتي بالطهارة الكاملة ولو خرج الوقت فإنه وقتها ولو خرج ما دام ما فرط هو وقتها، على كل حال عامة أهل العلم على تقديم الطهارة، وأنها لا تصح الصلاة إلا بها مع القدرة عليها، أما مع العجز فلا، ولهذا قال:"باب: ما جاء لا تقبل صلاة بغير طُهور" بضم الطاء، والمراد به ما يعم الوضوء والغسل والتيمم عند عدم الماء، يقول -رحمه الله تعالى-:
"حدثنا قتيبة بن سعيد" أبو رجاء البغلاني، محدث خراسان، المتوفى سنة أربعين ومائتين "قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا أبو عوانة" جرت عادة أهل الحديث أن يحذفوا (قال) في الخط من الإسناد، ويتلفظوا بها، وصرح كثير منهم بأنه لا بد من الإتيان بها، وإن قال بعضهم: إن حذفها في اللفظ تبعاً للخط لا يؤثر في الإسناد، ولذا لا يلزم الإتيان بها، وعامة أهل العلم أنه يلفظ بها، وإن لم يتأثر الإسناد بتركها "قال: حدثنا أبو عوانة" وهو الوضاح بن عبد الله اليشكري، المتوفى سنة ست وسبعين ومائة، إمام ثقة حافظ، لم يتكلم فيه أحد بحجة، وإن قال بعض المعاصرين فيه ما قال اعتماداً على تصحيف وقع في كتاب، ورماه بالوضع، تصحيف قال: أبو عوانة وضاع، اسمه: وضاح هو، فقال: إنه وضاع تبعاً لهذا التصحيف، وذلك لهوى في نفسه؛ لأنه ورد عن طريقه حديث يهدم مذهبه، فقال: أبو عوانة وضاع، وهذا تصحيف جاء في كتاب من الكتب وإلا فاسمه وضاح، وتبادر إلى ذهنه أن المقصود الوصف لا الاسم، وصفه بكونه وضاعاً، لكن هذا رجل مفتون لا يلتفت إلى ما ذكر، والأئمة كلهم على توثيقه، وهو إمام متفق على إمامته، ومن رجال الكتب الستة، الوضاح بن عبد الله اليشكري قد يلتبس على من لا علم عنده ولا خبرة له بأبي عوانة صاحب المستخرج، أبو عوانة الإسفرايني صاحب المستخرج على صحيح مسلم، لكن من لديه أدنى معرفة بالتواريخ ومواليد الرواة ووفيات أهل العلم يعرف أن هذا غير هذا؛ لأن هذا متوفى سنة مائة وستة وسبعين، ولذلك له مستخرج على صحيح مسلم، يعني متأخر جداً عن الأئمة، في القرن الرابع، الالتباس بالكنية قد يظن بعض من لا خبرة له أنهما واحد وهما اثنان، ومثل هذا الالتباس لا يذكر في مثل كتاب:(الموضح لأوهام الجمع والتفريق) للخطيب الذي موضوعه التباس الرواة، حتى يجعل الواحد اثنين والاثنين واحد، قد يحصل الالتباس في الاسم يحصل الالتباس في الكنية، في النسبة، قد يحصل الالتباس في ذلك كله، وتتحد الطبقة فيجعل البخاري الراوي اثنين مثلاً أو العكس، ثم يُستدرك عليه، وغيره من الأئمة يحصل هذا كثير لوجود التشابه في الرواة، في أسمائهم، وأنسابهم، وكناهم، وطبقاتهم، وموضوع هذا أو هذا الموضوع
إنما محله مثل كتاب: (موضح أوهام الجمع والتفريق) لكن ما عندنا أبو عوانة مع أبي عوانة الإسفرايني لا يجعله الخطيب في كتابه؛ لأنه لا يلتبس بينهما بون شاسع ما يقرب من قرنين، فلا التباس بينهما.
واستخرجوا على الصحيح كأبي
…
عوانة ونحوه فاجتنبِ
إلى أخره.
"حدثنا أبو عوانة عن سماك بن حرب" بن أوس، أحد أعلام التابعين، متوفى سنة ثلاث وعشرين ومائة "ح وحدثنا هناد" ح هذه ح مفردة هكذا ترسم بصورتها، في أثناء الأسانيد يراد بها التحويل من إسناد إلى أخر، ويستفاد منها الاختصار هذا معناها عند عامة أهل المشرق "ح وحدثنا هناد" المغاربة يقولون: إن المراد بالحاء هذه رمز الحديث، ويلفظون إذا وصلوها بالحديث عن سماك بن حرب الحديث وحدثنا هناد، وهي في مثل هذا لا يترجح قول المغاربة، لكن في مثل ما يفعله الإمام البخاري كثيراً يذكر الإسناد كامل إلى النبي عليه الصلاة والسلام ثم يقول: ح وحدثنا فلان، هذا لا يقصد منها التحويل ولا يستفاد منها اختصار الإسناد، لأنه ذكره كاملاً، فمثل هذه يتجه فيها قول المغاربة، ومنهم من يقول: إن الحاء هذه أصلها خاء في صحيح البخاري، ويكون المراد أن الإسناد رجع إلى المؤلف الذي هو البخاري ورمزه خاء، لكن وجودها في أسانيد صحيح البخاري لا تترتب عليها الفائدة التي من أجلها اختصار الأسانيد كما هنا، على أن البخاري إنما يستعملها على قلة بالنسبة لاستعمال مسلم أو أبي داود أو غيرهما، مسلم مكثر من تحويل الأسانيد، والإمام البخاري مقل.
"ح وحدثنا هناد" بن السري، الزاهد، شيخ الكوفة، المتوفى سنة ثلاثة وأربعين ومائتين "قال: حدثنا وكيع" هو ابن الجراح الرؤاسي، محدث العراق، الإمام العلم المشهور، توفي سنة سبع وتسعين ومائة "قال: حدثنا وكيع عن إسرائيل" بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، المتوفى سنة أربع وستين ومائة "عن سماك" هو ابن حرب السابق، وهنا يلتقي الإسنادان "عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص" الزهري، المتوفى سنة ثلاث ومائة "عن ابن عمر" عبد الله، العابد، الناسك، الصحابي الجليل، المتوفى سنة ثلاث وسبعين "عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تقبل صلاة بغير طهور)) " هذا الحديث له مناسبة إيراد؛ لأن هناك مناسبة ورود ومناسبة إيراد، مناسبة الورود هي التي تبعث النبي عليه الصلاة والسلام على قول الحديث، مثل سبب النزول بالنسبة للآيات، هذا يقال له: سبب ورود، ومعرفته من الأهمية بمكان لطالب العلم؛ لأنه يعرف به الظرف الذي ورد فيه الحديث، وإذا عرف السبب زال الإشكال وبطل العجب، يعين على فهم الحديث السبب، وهنا سبب إيراد لا سبب ورود، سبب إيراد للراوي عبد الله بن عمر لهذا الخبر، أنه زار ابن عامر، ابن عامر هذا أمير على البصرة والي وهو في عرفهم يسمى عامل، كان عاملاً على البصرة، فقال له ابن عامر: ادع لي، عاده وهو مريض فقال له: ادع لي، يعني ابن عمر وجد الناس محيطين بابن عامر هذا، كما جرت بذلك العادة عند الكبار من أهل الدنيا كلهم يدعو له بالعافية والسلامة من هذا المرض، لكن ابن عمر لا يلتفت إلى هذه الأمور؛ لأنه لا مطمع له فيما عنده، فقال له ابن عامر: ادع لي، "فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول)) وكنتَ على البصرة" والمناسبة بين الجملتين ظاهرة، يعني فكما أن الصلاة لا تقبل بغير طهور، الصدقة أيضاً لا تقبل إذا لم تكن من حلال، وكنت على البصرة، والإمارة مظنة، الإنسان إذا لم يكن فوقه رقيب ولا حسيب مظنة لأن يتساهل في بعض الأمور، ثم يتصدق بشيء منه، ولا تقبل صدقة من غلول، والغلول أعم من الأخذ من الغنيمة قبل أن تقسم، هدايا العمال غلول، ومن استعملناه على شيء فليأتينا بقليله وكثيره، ابن عامر كان على
البصرة، مع أنه معروف بالفضل والخير والكرم والشجاعة، لكن مثل هذا لا يمشي عند ابن عمر، وإن مشى عند كثير من الناس.
((لا تقبل صلاة بغير طهور)) لا تقبل هنا نفي للقبول، ونفي القبول في النصوص يطلق ويراد به نفي الصحة، كما أنه يطلق ويراد به نفي الثواب المرتب على العبادة، نفي الصحة كما هنا ((لا تقبل صلاة بغير طهور)) يعني: لا تصح، ((لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ)) ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) هذه يراد به نفي الصحة، كما أنه يطلق نفي القبول ويراد به نفي الثواب المرتب على العبادة، كما في قوله -جل وعلا-:{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة]((لا يقبل الله صلاة من في جوفه خمر)) ((لا يقبل الله صلاة عبد آبق)) ((من أتى عرافاً أو كاهناً لم تقبل له صلاة أربعين يوماً)) والفرق بين القبولين الفرق بينهما متى يطلق القبول ويراد به نفي الصحة؟ ومتى يطلق القبول ويراد به نفي الثواب؟ إذا أطلق نفي القبول بسبب تخلف شرط من شروط الصلاة، أو ركن من أركانها، أو جزء لا تصح إلا به، يعني إذا ترتب على انتفاء شيء مؤثر في الصلاة، أم إذا أطلق بإزاء أمر خارج عن العبادة فإنه ينفى الثواب المرتب عليها وتصح ويسقط بها الطلب، وتجزأ عند أهل العلم، لكن لا ثواب له عليها، فالعبد الآبق، إباق العبد هل له ارتباط بالصلاة؟ هل من شروط الصلاة أن يبقى البعد عند سيده في خدمته؟ ما له علاقة بالصلاة لأمر خارج عن ذات العبادة وعن شرطها، أما إذا توجه نفي القبول إلى ذات العبادة أو إلى شرطها أو جزئها الذي لا تصح إلا به اتجه القول بالبطلان، {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] لم يقل أحد من أهل العلم: إن صلاة أو جميع عبادات الفساق مردودة، لا تصح، بمعنى أنه إذا تاب من فسقه يعيدها، لم يقل أحد من أهل العلم بهذا، إنما عباداتهم صحيحة مجزئة مسقطة للطلب، لكن الثواب المرتب عليها باعتبار أن الإنسان يتقرب إلى الله -جل وعلا-، وهو متلبس بمعصية مثل هذا كيف يرجو ما عند الله من ثواب وقد تلبس بما يغضب الله -جل وعلا-؟ أهل العلم يفرقون بين أن يعود النهي إلى شرط كالسترة مثلاً، وبين أن يعود إلى أمر خارج عن شرط الصلاة أو عن ذاتها، فلا يؤثر فيها إنما يؤثر في ثوابها، فمن صلى وهو مسبل، من صلى وبيده
خاتم ذهب، من صلى وعلى رأسه عمامة حرير صلاته صحيحة، لكنه آثم بمعصيته الثواب المرتب على العبادة لا يحصل له في قول عامة أهل العلم، وأما بالنسبة إذا عاد النهي إلى الشرط، لو صلى وعليه سترة حرير ما صحت صلاته؛ لأنه مطالب بهذا الشرط لهذه العبادة، فكيف يطالب أو يتقرب بأمر يطالب به وهو في الوقت نفسه محرم عليه ومنهي عنه؟ هذا من باب الجمع بين الضدين ((لا تقبل صلاة بغير طهور)) صلاة نكرة في سياق النفي، نكرة في سياق النفي فتعم جميع الصلوات، كل ما يطلق عليه صلاة في عرف الشرع لا تقبل إلا بطهور، لا تقبل إلا على طهارة، فالصلوات الخمس تدخل دخولاً أولياً، النوافل ذات الركوع والسجود تدخل دخولاً أولياً، الصلوات المعتادة داخلة بلا إشكال، الصلوات غير المعتادة مثل العيد والكسوف والجنازة أيضاً تدخل؛ لأنها صلاة يشملها لفظ صلاة؛ لأنها نكرة في سياق النفي، فلا تصح هذه الصلوات إلا بطهور، السجود المفرد سواء كان للشكر أو للتلاوة عند جمع من أهل العلم هو صلاة، يشترط له ما يشترط للصلاة، وقال بعضهم: إنه ليس للصلاة، ليس في صلاة فلا يشترط له ما يشترط للصلاة، وسجد ابن عمر على غير طهارة، وعلى غير استقبال، وهو الصحابي المؤتسي.
النبي عليه الصلاة والسلام سجد في سورة النجم، وسجد معه الناس كلهم من مسلمين ومشركين، يقول بعض أهل العلم: إنه لا يتصور أن جميع هذه الجموع كلهم على طهارة، ولا بين النبي عليه الصلاة والسلام أن سجودهم غير صحيح، لكن هل السجود المفرد يقال له: صلاة أو أن الصلاة أقل ما يقال فيها: ركعة بركوعها وسجدتيها؟ السجود المفرد، يعني لو إنسان سجد سجدة شكر يقال: صلى؟ وهل تتأدى تحية المسجد بسجود مفرد، يقول: صلى والعدد لا مفهوم له عند بعض أهل العلم أنه المقصود إيجاد صلاة، فنقول على هذا: يسجد سجدة شكر أو يسجد سجدة تلاوة ويكفيه يجلس، العلماء يختلفون في الركعة الكاملة هل تكفي أو لا بد أن يأتي بركعتين ليمتثل ما جاء في قوله عليه الصلاة والسلام:((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) وهذا هو المعتمد أنه لا يجلس حتى يصلي ركعتين، ولو أوتر بواحدة ما كفت، ما تجزئ عن تحية المسجد، على كل حال المسألة خلافية في سجود التلاوة، فمن يقول: هو صلاة يشترط له ما يشترط للصلاة من طهارة وستارة واستقبال وغيرها من .. ، ونية وتحليل وتسليم وتحريم وتحليل تكبير وتسليم، كل هذا يشترط لها إذا قلنا: صلاة، وإذا قلنا: إنه أمر بالسجود فسجد ولم يأمر بأكثر من ذلك، نقول: إنها ليست بصلاة، والسجدة المفردة ليست بصلاة، وأقل ما يطلق عليه صلاة ركعة بركوعها وسجودها، لكن الأحوط أن يتطهر لها، ويستقبل القبلة، ويستتر، ويأتي بها على ضوء ما يأتي به في صلاته.
((لا تقبل صلاة بغير طهور)) طُهور بضم الطاء وفتحها طَهور، وفرقوا بين الضم والفتح بأن الطهور مصدر والمراد به فعل المكلف الذي هو التطهر والتطهير، والطهور ما يتطهر به كالوضوء، الوضوء بالفتح يقال للماء الذي يتطهر به، وبالضم يقال للتوضؤ الذي هو فعل المكلف المصدر، وجمع من أهل اللغة لا يفرقون بين الضم والفتح.
((ولا صدقة من غلول)) الأصل في الغلول أنه الأخذ من الغنيمة قبل قسمتها، لكن يراد به ما هو أعم من ذلك، وأن جميع ما يؤخذ على غير وجهه، ومن غير حله، ومن غير بابه الشرعي فإنه غلول، وابن عمر لما ساق الخبر، يقصد هذه الجملة ويرد أن يعظ ابن عامر بهذه الجملة، وأن يتوب وأن يتخلص مما أخذه من غير وجهه "قال هناد في حديثه:((إلا بطهور)) " بدلاً من قول .. ، بدل من قول قتيبة، يعني هناد في روايته:((إلا بطهور)) وقتيبة في روايته: ((بغير طهور)) وهل هناك فرق بين الاستثناء بـ (إلا) والاستثناء بغير؟ لا فرق بينهما، لكن التنصيص على مثل هذا مما يدل على دقة أهل الحديث، وأنهم يذكرون فروقاً لا أثر لها في الحكم إلا أنه من باب الأمانة، لفظ هذا الراوي يختلف عن ذاك، والرواية بالمعنى جائزة عند أهل العلم، ولو اقتصر على رواية قتيبة ولم يشر إلى رواية هناد ما لحقه تبعة؛ لأن الرواية بالمعنى جائزة، وإذا رواه بلفظ قتيبة دخل فيه من حيث المعنى لفظ هناد، والإمام مسلم يعنى بهذا أشد العناية، ببيان اختلاف الرواة، ولو في حرف غير مؤثر، بينما الإمام البخاري لا يعنى بذلك كثيراً، ومن هنا رجح بعضهم صحيح مسلم من هذه الحيثية على صحيح البخاري؛ لأنه يعتني بألفاظ الرواة، يوجه بعض من يقوم على تحفيظ السنة إلى العناية بصحيح مسلم وحفظ ألفاظه، ثم ذكر زوائد البخاري، ثم بعد ذلك زوائد مسلم، يعنى بالمتفق عليه من خلال لفظ مسلم، ثم زوائد البخاري ثم زوائد مسلم، وأقول: إنه لا بد من العناية بالبخاري قبل مسلم، وكون الإمام مسلم يعنى بهذه الألفاظ اختلاف ألفاظ الشيوخ لا يعني أن الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- يمكن أن ينتقد من هذه الحيثية، الإمام مسلم يوافق الجمهور في جواز الرواية بالمعنى، وجواز الرواية بالمعنى شامل للصحابة فمن دونهم، وإذا كان هناد نص على أن الرواية:((إلا بطهور)) فمن الذي يضمن أن وكيعاً وهناد يروي عنه ما سمع الحديث بلفظ: ((بغير طهور)) ثم رواه بالمعنى؟ يعني كون الإمام مسلم يعنى بألفاظ الرواة الذين يجيزون الرواية بالمعنى، ما في شك أن هذا دقة وتحري للإمام مسلم، لكن هل نضمن أن دقة الإمام مسلم تؤدينا إلى الجزم بيقين أن هذا هو اللفظ
النبوي؟ هو يروي عن رواة بألفاظ، وهم يرون جواز الرواية بالمعنى، فإذا كان الراوي يستجيز وهذا قول جمهور أهل العلم جواز الراوية بالمعنى يستجيز أن يروي الخبر بالمعنى، وقد يكون رواه بالمعنى، يمكن هناد سمعه كما سمعه قتيبة ((بغير طهور)) ثم رواه بالمعنى، واعتنى الترمذي بذكر لفظ هناد وذكر لفظ قتيبة، هل نجزم بأن لفظ هناد هو اللفظ النبوي؟ لا نجزم بهذا، لكن هذا من باب الأمانة في النقل رواه عن شيخه بهذا اللفظ، وإلا فالرواية بالمعنى توسع الدائرة قليلاً وتجعلنا لا نجزم بأن هذا لفظ النبي عليه الصلاة والسلام أو ذلك تبعاً لما جاء عن أهل العلم في الرواية بالمعنى.
"قال أبو عيسى: هذا الحديث أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَحْسَنُ" أصح هذه أفعل تفضيل وكذلك أحسن، ومن مقتضى أفعل التفضيل أن يكون هناك شيئان اشتركا في وصف وهو هنا الصحة والحسن، وفاق أحدهما الآخر، فيكون هذا الحديث حديث ابن عمر أصح ما في الباب وأرجح من غيره، اشتركا في الوصف الذي هو الصحة وفاق أحدهما الآخر في هذا الوصف الذي هو الصحة، لكن من خلال الاستقراء لعمل أهل الحديث نجدهم لا يستعملون أفعل التفضيل على بابها، فقد يقولون في حديث ضعيف: هو أصح شيء في هذا الباب، يعني أقوى ما في هذا الباب وإن كان ضعيفاً، فهم لا يستعملونها على بابها، وقد جاءت في النصوص، نصوص الكتاب والسنة على غير بابها {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [(24) سورة الفرقان] يعني ممن؟ أصحاب الجنة خير ممن؟ من أصحاب النار، وأصحاب النار دلت النصوص أنه لا خير عندهم، لا خير لهم ولا عندهم ولا فيهم، ولا مقيل لهم، فضلاً أن يكون المقيل حسناً، فاستعمال أفعل هنا على غير بابها، هنا الترمذي يقصد الباب الذي يوافق فيه أهل اللغة، وأنه يرجح هذا الحديث على حديث أبي هريرة المخرج في الصحيحين ((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)) هذا حديث أبي هريرة في الصحيحين، ولا شك أن حديث أبي هريرة أرجح من حديث ابن عمر؛ لأنه متفق عليه "أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَحْسَنُ، وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ" وهو مخرج في سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه "وَأَبِي هُرَيْرَةَ" وهو متفق عليه، وقد أشرنا إليه "وَأَنَسٍ" عند ابن ماجه وأبي بكرة، وأبي بكر أيضاً، والزبير وأبي سعيد الخدري وغير هؤلاء، قاله الحافظ ابن حجر في التلخيص، وفي الباب أيضاً عن عمران بن حصين وأبي سبرة وأبي الدرداء، وابن مسعود ورباح بن حويطب عن جدته، وسعد بن عمارة، وذكر أحاديثهم الهيثمي في مجمع الزوائد، المقصود أن الحديث مروي من طرق كثيرة جداً فثبوته قطعي، ثبوته قطعي، ولذا أجمع الأئمة وجميع فقهاء الأمصار على أن الطهارة شرط لا تصح الصلاة إلا بها.