المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: ما جاء في فضل الطهور: - شرح سنن الترمذي - عبد الكريم الخضير - جـ ٢

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌باب: ما جاء في فضل الطهور:

قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وأبو المليح بن أسامة اسمه: عامر، ويقال: زيد بن أسامة بن عمير الهذلي" وقال الحافظ في التقريب: أبو المليح بن أسامة بن عمير أو عامر بن حنيف بن ناجية الهذلي، يقول: اسمه: عامر، وقيل: اسمه زيد، وقيل: زياد، وعلى كل حال فهو ثقة، وقد اشتهر بكنيته، وقد جرت العادة أن من يشتهر بالكنية يضيع الاسم، يضيع اسمه، كما أن من يشتهر بالاسم تضيع كنيته، ولذا الصحابي الجليل أبو هريرة -على ما سيأتي- اختلف في اسمه واسم أبيه على أقوال كثيرة جداً، تزيد على ثلاثين قولاً، لماذا؟ لأنه اشتهر بكنيته، وقتادة بن دعامة ضاعت كنيته واختلف فيها، لكن من طلاب العلم من يعرف كنية قتادة؟ لأنه اشتهر باسمه، وأن كنيته أبو الخطاب، وكثير من الرواة الذين شهروا بالاسم يختلف في كناهم، فيذكر له عشر كنى للاختلاف في كنيته، وكذلك من عرف بالكنية يضيع الاسم، أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود منهم من يقول: اسمه كنيته، واختلف في اسمه اختلافاً كبيراً، وهذا عند المتقدمين والمتأخرين، فمن شهر بشيء ضاع غيره.

سم.

عفا الله عنك.

‌باب: ما جاء في فضل الطهور:

حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري قال: حدثنا معن بن عيسى القزاز، قال: حدثنا مالك بن أنس ح وحدثنا قتيبة عن مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله

عن أبيه عن أبي هريرة.

عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء -أو نحو هذا-، وإذا غسل يديه خرجت من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقياً من الذنوب)) قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو حديث مالك عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة، وأبو صالح والد سهيل هو أبو صالح السمان، واسمه: ذكوان، وأبو هريرة اختلف في اسمه فقالوا: عبد شمس، وقالوا: عبد الله بن عمر، وهكذا قال محمد بن إسماعيل، وهو الأصح.

ص: 15

قال أبو عيسى: وفي الباب عن عثمان بن عفان وثوبان والصنابحي، وعمرو بن عبسة وسلمان وعبد الله بن عمرو، والصنابحي الذي روى عن أبي بكر ليس له سماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم واسمه: عبد الرحمن بن عسلية، ويكنى أبا عبد الله، رحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الطريق، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث، والصنابح بن الأعسر الأحمسي صاحب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له: الصنابحي أيضاً، وإنما حديثه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إني مكاثر بكم الأمم فلا تقتتلن بعدي)).

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"باب: ما جاء في فضل الطهور" في الباب السابق بين المؤلف -رحمه الله تعالى- أن الطهور شرط لصحة الصلاة، وأنها لا تقبل بدونه، ومع كونه شرط فقد رتب عليه الثواب العظيم، والطهور وإن كان في الأصل وسيلة إلى الصلاة إلا أنه باعتبار ما رتب عليه من ثواب وأجر هو غاية من هذه الحيثية، فقد يكون الشيء وسيلة إلى غيره من جهة وغاية من جهة أخرى، فباعتبار أنه لا يطلب إلا للصلاة وما لا يجوز فعله إلا به فهو وسيلة من هذه الحيثية، وباعتبار ما رتب عليه من ثواب وأجر صار غاية، ففيه فضل عظيم، وورد في مدح فاعله، ومن يصبر عليه، ومن يسبغه على المكاره، ومن يستوفيه، وأنه أمانة بين العبد وبين ربه الشيء الكثير الذي لا يحاط به من النصوص، وذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- من فضله أنه يكفر الذنوب.

"قال: حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري" الخطمي المديني المتوفى سنة أربعة وأربعين ومائتين "قال: حدثنا معن بن عيسى القزاز" المتوفى سنة ثمان وتسعين ومائة، أحد الرواة المكثرين عن مالك، بل هو من رواة الموطأ، معن بن عيسى القزاز وروايته للموطأ من أتقن الروايات "قال: حدثنا مالك بن أنس" بن أبي عامر الأصبحي، إمام دار الهجرة، نجم السنن، الإمام مالك -رحمه الله تعالى-، يقول فيه الإمام الشافعي: هو النجم.

وصححوا استغناء ذي الشهرة عن

تزكية كـ (مالك) نحم السنن

ص: 16

فلا يحتاج إلى أن يفاض في ذكره ومناقبه، وقد ألفت في مناقبه وشمائله كتب، فلسنا بحاجة إلى الإفاضة في هذا "ح وحدثنا قتيبة" تقدم الحديث على هذه الحاء المفردة وهكذا تنطق "حا" وحدثنا قتيبة هو ابن سعيد الذي سبق ذكره "عن مالك" بن أنس الإمام "عن سهيل بن أبي صالح" المدني صدوق بأخرة، مات في خلافة المنصور "عن أبيه" أبي صالح ذكوان السمان، المتوفى سنة إحدى ومائة عن الصحابي الجليل أبي هريرة حافظ الأمة، "قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .. إلى أخره.

ص: 17

أبو هريرة الصحابي الجليل، الفقيه القارئ المحدث المشهور، معدود من القراء ومن الفقهاء ومن المفتين المكثرين في عهد الصحابة مع توافرهم وكثرتهم، ورماه بعضهم بعدم الفقه، كما أن هذا أيضاً رمى ابن عمر بعدم الفقه، نظراً لميله إلى التنسك والعبادة، وبنى على ذلك أن أحاديث أبي هريرة وأحاديث ابن عمر لا تقبل في الأحكام وإنما تقبل في الفضائل، رتبوا على كون ابن عمر عابد وناسك أنه لا يعنى بالفقه، ورتبوا على كون أبي هريرة راوية للحفظ فقط، وأنه لا يعنى بالفهم، رتبوا عليه أنه غير فقيه، وفرعوا على ذلك أن الرواية في الفقه لا تقبل إلا عن الفقهاء، وهذا قول معروف في بعض المذاهب، لكن فقه ابن عمر لا يحتاج إلى استدلال، بل هو من فقهاء الصحابة، ومن العبادلة المشهورين بالفتيا، وأما أبو هريرة فأثبت شيخ الإسلام رحمه الله أنه من الفقهاء، وأستدل على ذلك بمسائل في الفتاوى رداً على من رماه بغير الفقه، منها: ما ذكره عن عمر -رضي الله تعالى عنه- أنه سأل أبا هريرة فقال: إذا طلقت الرجعية ثم نكحت زوجاً أخر هل ترجع بطلقاتها أو تعود صفر كالبائن؟ المطلقة ثلاثاً إذا بانت من زوجها ونكحها زوج آخر ثم طلقها ورجعت إلى الأول تكون صفر من جديد تبدأ، ماذا عن من طلقت مرة أو مرتين ثم تزوجت زوج آخر تعود بطلقاتها الأولى والثانية أو تعود صفراً كالبائن؟ عمر سأل أبا هريرة هذا السؤال، فماذا قال؟ أبو هريرة قال له: تعود بطلقاتها السابقة، تعود بطلقاتها السابقة، وأنه لا تمحى الطلقات إلا بالبينونة التي لا يرتب عليها ما بعدها، أما ما أمكن ترتيب ما بعده عليه فإنها تعود به، هكذا قال أبو هريرة لعمر -رضي الله تعالى عنه-، وحينئذٍ شهد له بالفقه، وهناك مسائل كثيرة نقلها شيخ الإسلام وابن القيم للاستدلال على أن أبا هريرة من فقهاء الصحابة، خلاف لمن يرميه بغير ذلك، نقل عنه فتاوى وعده ابن القيم من المفتين في الصحابة في أعلام الموقعين ذكر المكثرين من الفتوى ثم المتوسطين وعد منهم أبا هريرة، المقصود أنه من فقهاء الصحابة، وذكر ابن العربي أنه في بغداد لما زار المشرق اجتمع في مجلس فتكلم شخص فقال: حدثنا شيخنا فلان أنه اجتمع نفر في مجلس فطعن أحدهم في أبي

ص: 18

هريرة فنزل من السقف حية بعض الروايات تقول: إنها لدغته في وقته فمات، وبعضهم يقول: إنه ذعر صاحب الذعر والهلع إلى أن مات، المقصود أن الكلام في الخيار خطر، لا سيما إذا كان الكلام فيهم لما عندهم من خير، والذي يظهر من المتكلمين في أبي هريرة عموماً إنما مرادهم الطعن في الدين، وحملة الدين لا الطعن في الأشخاص، ولذلك لا تجد أحد من المستشرقين أو من أذنابهم من يتكلم في أبيض بن حمال ونحوه من الصحابة الذي لا يروي إلا الحديث أو الاثنين أو الثلاثة، إنما يطعنون في أبي هريرة لينتهون من نصف الدين، إذا طعنوا في أبي هريرة، فالذي يطعن في أبي هريرة لا شك أنه طعن في الدين، وطعن فيما حمله من دين، ولم يصلنا الدين إلا بواسطة أبي هريرة وأمثال أبي هريرة، فالطعن في الصحابة طعن في الدين، وإذا ذكر له اللازم والتزم به خرج من الدين بلا شك، إذا طعن في الشاهد فهو طاعن في المشهود به، إذا طعن في الحامل فهو طاعن في المحمول به، وإذا طعن في الدين خرج منه.

يقول: "عن أبي هريرة" أبو هريرة على ما سيأتي في كلام المؤلف رحمه الله اختلف في اسمه واسم أبيه على أقوال كثيرة جداً زادت على الثلاثين قولاً، والمرجح عند الإمام البخاري على ما سيأتي أنه عبد الله بن عمرو، وقيل: عبد شمس، والمرجح عند غيره -عند الأكثر- أنه عبد الرحمن بن صخر الدوسي، المتوفي سنة سبع أو ثمان أو تسع وخمسين.

ص: 19

"قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن)) هذا شك، هذا شك من الراوي هل قال النبي عليه الصلاة والسلام: المسلم أو المؤمن؟ ((فغسل وجهه)) هذا عطف تفسير، غسل وجهه معطوف على توضأ من باب عطف التفسير، أو يقال: إذا توضأ أراد الوضوء، إذا توضأ أراد الوضوء فغسل وجهه يعني باشر الوضوء؛ لأن الفعل الماضي يطلق ويراد به الفراغ من الشيء كما هو الأصل باعتبار أن الفعل يدل على الحدث في الزمن الماضي، الفعل الماضي، ويطلق ويراد به الشروع في الشيء، ويطلق ويراد به إرادة الشيء، ففي قوله عليه الصلاة والسلام:((إذا كبر فكبروا)) يعني إذا فرغ من التكبير فكبروا ((إذا ركع فركعوا)) يعني إذا شرع في الركوع اركعوا {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ} [(98) سورة النحل] يعني إذا أردت القراءة {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [(6) سورة المائدة] إذا أردتم القيام، وهنا إذا توضأ يعني أراد الوضوء.

((إذا توضأ -أراد الوضوء- العبد المسلم أو)) هذه للشك ((أو المؤمن فغسل)) الفاء عاطفة، وقلنا: إن هذا من باب عطف التفسير ((وجهه خرجت)) جواب (إذا) إذا توضأ فعل الشرط، وجوابه: خرجت، يعني: غفرت ((خرجت من وجهه كل خطيئة)) يعني كل ذنب ((نظر إليها بعينيه)) كل خطيئة، (كل) من ألفاظ العموم ((نظر إليها بعينيه مع الماء)) نظر إليها بعينيه، كل هذا "كل خطيئة" من ألفاظ العموم، وعلى هذا يدخل جنس الخطيئة، فيشمل الكبائر والصغائر، هذا من خلال هذا اللفظ الذي يفيد العموم، لكن الجمهور على أن العبادات إنما تكفر الصغائر، وإذا كانت الصلاة لا تفكر الكبائر فالوضوء من باب أولى الذي شرع من أجل الصلاة، إذا كانت الغاية لا تكفر الكبائر إذاً الوسيلة من باب أولى، فالجمهور على أن الذنوب المكفرة والخطايا الممحوة بهذه العبادات أعني الوضوء والصلاة والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان المراد بها الصغائر، وقد جاء ما يدل على ذلك بالنص ((ما اجتنت الكبائر)((ما لم تغش كبيرة)) وهذا قول الجمهور، وإن كان بعض أهل العلم يميل إلى أنها تكفر جميع الذنوب الكبائر والصغائر.

ص: 20

((خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه)) لكن ينبغي أن يعرف حقيقة هذه العبادات المكفرة، وهي أنها العبادات التي يؤتى بها على الوجه الشرعي، على الوجه الشرعي، يعني مثلما قال شيخ الإسلام: الصلاة التي لا يخرج صاحبها إلا بعشرها إن كفرت نفسها كفى فضلاً عن أن تكفر غيرها، كثير من الناس ومن طلاب العلم ومن ينتسب إلى العلم وممن اشتهر -نسأل الله العفو والمجاوزة- بطلب العلم قد يدخل في صلاته ويخرج منها وليس له من أجرها شيء، وغاية ما يهمه عند سلام الإمام ألا يقول له جاره: أعد صلاتك؛ لأنه قد يتصرف تصرفات لا يعيها، وهذه غفلة شديدة يحتاج الإنسان إلى مراجعة، مراجعة لنفسه، والإنسان طلاب العلم يقرؤون القرآن ولا يؤثر فيهم، يصلون الصلاة ولا أثر لها في سلوكهم، تجد الجهة منفكة يصلي، ويقرأ القرآن ويزاول ما يزاول من أموره العادية كآحاد الناس، فعلى الإنسان أن يراجع قلبه.

((خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع أخر قطر الماء)) لكن هل العين تغسل؟ لتخرج الخطايا مع الماء أو مع أخر قطر الماء؟ لماذا لا تخرج الخطايا من الأنف الذي يستنشق فيه الماء ويقطر منه الماء؟ لماذا لا تخرج الخطايا مع الفم الذي يتقاطر منه الماء؟ التنصيص على العينين، يقول أهل العلم: لأن العين طليعة القلب، العين طليعة القلب، فإذا خرجت الذنوب التي اقترفتها العين نظف القلب، والتنصيص على العين لا يخرج الفم وما يزاول به من معاصي وخطايا، ولا يخرج الأذن والسمع وما يزاول بها من استماع لما يحرم استماعه، لكن التنصيص على العين لأهميتها؛ لأنها البريد بريد القلب وهي طليعته، فالتنصيص عليها لأهميتها، وإلا فالفم واللسان وآفات اللسان تحتاج إلى ما يكفرها وكذلك الاستماع، وقد عم وانتشر استماع الخنا والفجور والكلام الذي كان يستحيا من الكناية عنه فضلاً عن التصريح به.

((خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه)) نظر إليها بعينيه النظر يكن بإيش؟ بالعين، النظر يكون بالعين، فذكر العينين بعد النظر لا شك أنه تأكيد وإلا فالنظر لا يكون إلا بالعينين.

ص: 21

((مع الماء)) يعني مع انفصال الماء ((أو مع أخر قطر الماء)) وهذا أيضاً شك من الراوي "أو نحو ذلك" ألا يحتمل أن يكون تقسيم وأن من الناس من تخرج خطاياه مع الماء يعني مع أوله أو في أثنائه، ومن الناس من لا تخرج خطاياه إلا مع أخر قطر الماء لعظمها بالنسبة للآخر يحتمل التقسيم وإن نص أهل العلم على أنها للشك.

((وإذا غسل يديه خرجت من يديه كل خطيئة)) وهذا كسابقه يحتمل الصغائر والكبائر، والجمهور على أنها الصغائر فقط ((بطشتها يداه)) يعني زاولت هذه الخطيئة يداه، سواء كان بالضرب أو بالأخذ ((مع الماء أو مع آخر قطر الماء)) الخروج هذا للخطايا والذنوب المراد به غفران هذه الذنوب، والتعبير عن الغفران بالخروج الذي هو في الأصل للمحسوسات ليبين أن هذه الذنوب وهذه المعاصي نظراً لتأثيرها في فاعلها مثل تأثير الأمور الحسية عبر عنها بما يعبر به عن الأمور الحسية، وإن كان بعضهم يرى أنه لا مانع من أن يكون الخروج حسياً، فتأثير الذنوب حسي، فالذنب يؤثر في القلب نكتة سوداء، نكتة سوداء لا بد من خروج هذه النكتة، وخروجها ما دام وجودها حسياً فخروجها حسي، حتى يخرج نقياً من الذنوب، يعني إذا انتهى من وضوئه انتهى من ذنوبه، والمراد بالوضوء الذي يؤتى به على وجه الشرعي.

ص: 22

"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وهو مخرج كسابقه في صحيح مسلم "وهو حديث مالك عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة، وأبو صالح والد سهيل هو أبو صالح السمان، واسمه: ذكوان" واسمه: ذكوان مولى جويرية الغطفانية، بعض الشراح مع تنصيص الترمذي على أبي صالح قال: هو أبو صالح واسمه: مينا، هذاك مضعف وهذا ثقة، وينص الترمذي ويخرج الحديث في مسلم صحيحه ويفسر بغير هذا؟ لا شك أن هذه غفلة من هذا الشارح؛ لأن الذي فسره به ضعيف، هذا حديث حسن صحيح، استشكل الجمع من قبل الإمام الترمذي بين الصحة والحسن، فالحسن حقيقة تختلف عن حقيقة الصحة، فالحديث الصحيح غير الحديث الحسن؛ لأن الحكم على الحديث بالصحة شهادة بأنه وصل إلى مرتبة عليا، وإرداف هذا الحكم بالحسن إنزال له عن بلوغ هذه المرتبة، ولا شك أن هذه التعبير مشكل، وأجيب عن هذا الإشكال بأجوبة كثيرة وصلت إلى بضعة عشر قولاً، جواب عن هذا الإشكال، يعني الإشكال متصور أو غير متصور؟ يعني لما يقال لك: ما تقديرك في الشهادة مثلاً؟ تقول: جيد جداً ممتاز، هذا ما في أحد ما يضحك عليك لما تقول هذا الكلام؛ لأنك بالامتياز أوصلت نفسك إلى الدرجة العليا ثم نزلتها بالجيد جداً، فجمعت بين وصفين مختلفين، لكن هذا مع اتحاد الجهة مشكل بلا شك، مشكل بلا شك، لكن مع انفكاك الجهة يزول الإشكال، فإذا كان تقديرك العام جيد جداً وتقديرك في مواد التخصص مثلاً ممتاز زال الإشكال، انفكت الجهة، وهنا يقول أهل العلم: إذا كان الحديث مروياً بأكثر من إسناد روي بإسناد صحيح وبإسناد حسن زال الإشكال، فغاية ما هنا لك أن يقال: هذا حديث حسن وصحيح، يعني حسن من طريق وصحيح من طريق آخر، أو يكون السبب في الجمع بينهما تردد الإمام الترمذي في الحكم على الخبر، هل يصل على درجة الصحة ويقصر دونها وتردد في حكمه فجمع بين الحكمين، وغاية ما في الأمر أن يكون الحكم عنده حسن أو صحيح، فحذف حرف التردد، منهم من يقول: إن حسن صحيح مرتبة بين الصحة والحسن فتكون صحة مشربة بحسن، أو حسن مشرب بصحة كما يقولون في ما إذا خلط الليمون مع السكر يقال: حامض حلو، يعني يشرب هذا بهذا، وهذا جواب استحسنه بعضهم، ومنهم من قال: إن الحسن لغوي، يعني حسن اللفظ،

ص: 23

والصحة ترجع إلى ثبوت الخبر، إلى غير ذلك من الأقوال، وعلى كل حال الحديث لا إشكال في صحته، فهو في صحيح مسلم.

قال: "وأبو صالح والد سهيل هو أبو صالح السمان واسمه: ذكوان، وأبو هريرة اختلف في اسمه فقالوا: عبد شمس -يعني هو عبد شمس- وقالوا هو: عبد الله بن عمرو وهكذا قال محمد بن إسماعيل" والمراد به الإمام البخاري، ويكثر الترمذي في النقل عن الإمام البخاري في جامعه في الكلام على الأحاديث والكلام على الرواة أيضاً، وفي العلل "وهو الأصح" عند الإمام البخاري، لكن الأكثر على أنه عبد الرحمن بن صخر.

"قال أبو عيسى" هذه كنية المؤلف الترمذي "وفي الباب عن عثمان بن عفان" يعني وهو حديث متفق عليه، حديث عثمان متفق عليه، وفيه بيان فضل الوضوء "وثوبان" وهو مخرج عند مالك وأحمد وابن ماجه والدارمي "والصنابحي" عند أحمد والنسائي وابن ماجه والحاكم "وعمرو بن عبسة" مخرج عند مسلم "وسلمان" عند البيهقي "وعبد الله بن عمرو" قال المبارك فوري: إنه لم يقف على من خرجه، وذكر المنذري في الترغيب عدة من الصحابة غير هؤلاء.

ص: 24

ويوجد في بعض النسخ زيادة هنا: "والصنابحي هذا الذي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الطهور هو عبد الله الصنابحي" هذه لا توجد في النسخ المطبوعة، لكن هي موجودة في بعض النسخ المخطوطة الصحيحة كما نص على ذلك صاحب التحفة قال -يعني في أصل الترمذي-:"والصنابحي هذا الذي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الطهور هو عبد الله الصنابحي"، "والصنابحي الذي روى عن أبي بكر الصديق ليس له سماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسمه عبد الرحمن بن عسيلة، ويكنى أبا عبد الله، رحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبض النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يصل- وهو في الطريق" قبل وصوله بخمس ليالٍ "وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث" قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: "والصنابح بن الأعسر الأحمسي صاحب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له: الصنابحي أيضاً" قال ابن حجر: وقد وهم من قال فيه الصنابحي: الصنابح بن الأعسر يقول ابن حجر: قال بعضهم: الصنابحي كما قال الترمذي هنا، لكن ابن حجر حكم على هذا القول بالوهم، والوهم يقابل الظن، يقابل الظن وبينهما الشك والعلم فوق الجميع؛ لأن المعلوم إما ألا يحتمل النقيض بوجه وهو ما يفيد العلم، أو يحتمله مع الرجحان وهو الظن، أو المساواة وهو الشك، أو المرجوحية وهي الوهم، فالاحتمال المرجوح يقال له: وهم.

ص: 25

"يقال له: صنابحي أيضاً، وإنما حديثه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إني مكاثر بكم الأمم، فلا تقتتلن بعدي)) " يعني مغالب ومباهي بكم الأمم ((فلا تقتتلن بعدي)) والاقتتال لا شك أنه يفضي إلى القلة، يفضي إلى القلة ضد الكثرة؛ لأن الاقتتال نتيجته القتل، من نتيجته ولازمه غالباً القتل، والقتل لا شك أنه قضاء على الإنسان الذي يرجى منه مع طول العمر النسل الذي يحصل به التكاثر، الذي يحصل به التكاثر، لكن قد يقول قائل: إن هذا المقتول قد علم الله -جل وعلا- أنه يقتل، وأن هذا حتفه وهذه مدته انتهت فهل للنهي عن الاقتتال أثر في المكاثرة وعدم المكاثرة؟ لا شك أنه من حيث الظاهر القتل قضاء على الإنسان الذي لو بقي هذا الإنسان لتزوج الزوجة والزوجتين والثلاث والأربع، وأنجب الأولاد، المكاثرة هذه هو لا شك أنه أكثر الناس تبعاً النبي عليه الصلاة والسلام، ومع الأسف أنه يوجد من يكتب ويسخر من كثرة النسل، يسخر من كثرة النسل، ومع الأسف إذا كان شيء من هذه الكتابة بيد كانت تكتب الشيء الكثير لنصر الدين وأهل الدين مع الأسف أن يوجد مثل هذه الكتابات التي تطالب بتحديد النسل، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:((إني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة)) ويكتب بأسلوب في غاية من السخرية، ويقرن المسلمين في تكاثرهم وامتثال أمر النبي عليه الصلاة والسلام بغيرهم من أمم الكفر الذين حددوا النسل وتفرغوا لتربية أولادهم مع الأسف ربوهم على إيش؟ ربوهم على الخنا والفجور، ويقول: تفرغ لتربية أولادهم، وأنتجوا وغلبوا المسلمين في مخترعاتهم وفي صناعاتهم، فإذا كانت هذه النظرة إلى الحياة وكان المنظور إليه والهدف من وجود الناس هو مسألة إقامة الحضارة وعمارة الدنيا فقط هذا إشكال كبير، هذا خلل في التصور، الجن والإنس إنما أوجدوا للهدف الأعظم والأسمى وهو تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول:((تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم)) وهنا في حديث الصنابحي يقول: ((إني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة)) ويأتي من يكتب ويسخر ممن يتزوج الزوجات، وينجب الأولاد البنين والبنات، ثم بعد ذلك يربط هذا بضياع الأولاد، ما

ص: 26