الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكأنه يعني البخاري لم يرَ هذا الحديث صحيحاً، يعني حديث أم حبيبة، لم يره صحيحاً، ونقل تصحيحه عن الإمام أحمد وأبي زرعة وغيرهم.
وعلى كل حال هو شاهد لحديث بسرة، شاهد لحديث بسرة، ويحتمل في الشواهد ما لا يحتمل في الأصول، وعلى تقدير ضعفه وعدم الاحتجاج به فحديث بسرة كافٍ في هذا الباب مع أنه ورد عن جمع غفير من الصحابة.
عفا الله عنك.
باب: ما جاء في ترك الوضوء من مس الذكر:
حدثنا هناد قال: حدثنا ملازم بن عمرو عن عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق بن علي هو الحنفي عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((وهل هو إلا مضغة منه أو بضعة منه؟! )).
قال: وفي الباب عن أبي أمامة.
قال أبو عيسى: وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبعض التابعين أنهم لم يروا الوضوء من مس الذكر، وهو قول أهل الكوفة وابن المبارك، وهذا الحديث أحسن شيء روي في هذا الباب، وقد روى هذا الحديث أيوب بن عتبة ومحمد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه، وقد تكلم بعض أهل الحديث في محمد بن جابر وأيوب بن عتبة، وحديث ملازم بن عمرو عن عبد الله بن بدر أصح وأحسن.
لما ذكر الإمام -رحمه الله تعالى- على عادته الحديث وما يخالفه ذكر الحديث الأول في النقض، ثم أتبعه بالحديث الثاني وهو عدم النقض، فقد يقول قائل: المناسب في الترتيب أن يذكر حديث طلق قبل، ثم يذكر حديث بسرة، يذكر ترك الوضوء، ثم يذكر الوضوء، ثم يذكر الوضوء من مس الذكر؛ لأن الوضوء هو المرجح وهو المتأخر وهو الناسخ، وما تقدم زمناً ينبغي أن يذكر قبل، ثم بعد ذلك يتبع بالناسخ، وهو أيضاً المناسب لكيفية التحمل، فيذكر الخبر الأول ثم يذكر ناسخه؛ لأن الطالب القارئ قد يقرأ الحديث الأول ثم إذا أتبع بما يخالفه إنما يقر في ذهنه المخالف الثاني، الثاني الذي هو إيش؟ المنسوخ، ولا شك أن التقدم الزمني يقتضي أن يذكر حديث طلق بن علي قبل حديث بسرة، يعني كما صنعوا على باب ما جاء في الأمر بقتل الكلاب، ثم بعد ذلك أردفوه وأتبعوه بباب ما جاء أو باب نسخ الأمر بقتل الكلام، أو ما جاء في نسخ الأمر بقتل الكلام، فالمنسوخ متقدم زمناً فيقدم لفظاً والناسخ يؤخر، لكن قد يرد على هذا أن الطالب قد يقرأ الباب الأول ولا يتسنى له قراءة الباب الثاني إلا بعد مدة فيعمل بالحديث الأول المنسوخ، ثم بعد ذلك إذا بلغه الناسخ فيما بعد يكون قد عمل بالحديث الأول وهو منسوخ، يعني كما صنع بعضهم في المثال الذي ذكرته: باب: ما جاء في قتل الكلاب، لما قرأ هذا الباب أخذ آلة مسدس أو نحوه فما رآه من كلب قتله، فلما جاء من الغد وقرأ في الباب الثاني باب: ما جاء في نسخ الأمر بقتل الكلاب، فلو قدم له الناسخ ما حصل له مثل هذا، ولا شك أن هذا إنما يقع لشخص مبتدئ، تفقه على النصوص، قبل أن يتدرج في العلم على الجادة المعروفة عند أهل العلم، الذي يتفقه على كتب الفقه ما يمكن أن يحصل له مثل هذا، لكن من يقال له وهو مبتدئ ويخاطب على أنه مبتدئ وفارغ الذهن من العلم يقال: تفقه من الكتاب والسنة يحصل له مثل هذا، سواءً قدمنا الناسخ أو قدمنا المنسوخ.
على كل حال الإمام رحمه الله يمكن أنه لحظ مثل هذا أن طالب علم قد يقرأ الباب الأول ولا يتسنى له قراءة الباب الثاني إلا بعد وقت فيمس ذكره فيتوضأ، فقدم له الناسخ ليعمل به، ثم بعد ذلك من باب العلم يستفيد الطالب من الباب الثاني.
"باب: ما جاء في ترك الوضوء من مس الذكر" يعني هل يقال في ترك الوضوء يعني ما تفيده هذه الجملة ترك الوضوء من مس الذكر هل يستفاد من هذه الترجمة أن الوضوء من مس الذكر كان مقرراً ثم ترك؟ لأن ترك الوضوء ليس معناها عدم الوضوء فقط، يعني لو قال: باب: ما جاء في عدم الوضوء من مس الذكر انتهى الإشكال، لكن ترك الوضوء من مس الذكر، يدل على أن مس الذكر كان ينقض الوضوء ثم ترك، العبارة تفهم هذا؛ لأن الترك لا يكون إلا بعد فعل، كما جاء في الحديث الصحيح:"كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار" كان يتوضأ مما مست النار ثم ترك، فهل كان يتوضأ من مس الذكر ثم ترك؟ يعني اللفظ هنا يفيد أنه كان الوضوء من مس الذكر ثم ترك، يعني هل ترك بمعنى عدم؟ عدم الوضوء من مس الذكر؟ عدم الوضوء ما يدل على أنه كان مأموراً به ثم ترك، يعني هل الكلمتين متوازيتين من كل وجه؟ لا، الترك إنما يكون بعد فعل، فهل نقول: إن الترمذي يرى أن حديث بسرة متقدم وحديث طلق متأخر فهو ناسخ له؟ لأنه صحح، صحح حديث بسرة، وترتيبه أيضاً وقوع المنسوخ قبل ثم الناسخ على حد ما فهمنا من ترك الوضوء من مس الذكر، جمهور أهل العلم على خلاف هذا، أنه كانت المسألة على البراءة الأصلية، استصحاب الأصل يقتضي عدم الوضوء من مس الذكر، والتعليل ظاهر، ((وهل هو إلا مضغة منك أو بضعة منك؟! )) التعليل ظاهر، يعني كما لو مسست أنفك أو أصبعك أو ما أشبه ذلك، ما هو إلا بضعة منك، يعني قطعة منك، وهذا على الأصل مما يدل على أن حديث بسرة ناقل عن هذا الأصل فهو متأخر عنه، والتاريخ يشهد بهذا، كلهم يتفقون على أن طلق بن علي إنما وفد على النبي عليه الصلاة والسلام وهو يبني المسجد، وله خبرة بالبناء، له خبرة ماهر في خلط الطين، فوكل إليه هذا الأمر، واستفيد منه في هذا الباب، ولدغته عقرب فرقاه النبي عليه الصلاة والسلام.
المقصود أن هذا الكلام يدل على أن قدومه في أول الهجرة، في أول الهجرة والنبي عليه الصلاة والسلام يبني المسجد مع أن حديثه فيه كلام لأهل العلم، يعني ما هو بمثل حديث بسرة في القوة لا، بينهما بون شاسع.
قال: "حدثنا هناد" وهو ابن السري، إمام ثقة "قال: حدثنا ملازم بن عمرو" صدوق، من الطبقة الثامنة "عن جده" عبد الله بن بدر، وهو ملازم بن عبد الله بن بدر السحيمي اليمامي، فهو يرويه عن جده لأبيه عن عبد الله بن بدر، جده عبد الله بن بدر ثقة "عن قيس بن طلق بن علي" صدوق، وبعضهم ضعفه، بعض أهل العلم ضعفه، لكن حديثه ليس بشديد الضعف إذا وجد ما يرفعه من متابع أو شاهد يرتقي "عن قيس بن طلق بن علي هو الحنفي" اليمامي "عن أبيه" طلق بن علي صحابي، قلنا: إنه حضر بناء المسجد مع النبي عليه الصلاة والسلام "عن النبي صلى الله عليه وسلم" سأل النبي عليه الصلاة والسلام هل ينتقض الوضوء بمس الذكر فأجاب قال: ((وهل هو إلا مضغة منه أو بضعة منه؟! )) يعني من الرجل، ومضغة وبضعة معناهما واحد، وهو القطعة، لكن يبقى أن المضغة بقدر ما يمضغ، بقدر ما يمضغه الإنسان من الطعام، والبضعة إما أن تكون أقل أو أكبر أو مساوية، فلا يتطابق اللفظان، ولذلك جيء بحرف الشك.
قال: "وفي الباب عن أبي أمامة" وهو عند ابن ماجه، لكن في سنده جعفر بن الزبير وهو متروك، وعلى كل حال الحديث ضعفه الزيلعي وغيره، في الباب عن أبي أمامة فقط يشهد لحديث طلق بن علي، ووجود حديث أبي أمامة مثل عدمه، لماذا؟ لأن ضعفه شديد فلا يستفاد منه، ما دام فيه راوي متروك لا يستفاد منه، فيبقى حديث طلق بن علي متفرد في الباب وحديث بسرة له ما يشهد له من أحاديث جمع غفير من الصحابة يبلغون العشرة من الصحابة.
"قال أبو عيسى: وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبعض التابعين أنهم لم يروا الوضوء من مس الذكر، وهو قول أهل الكوفة وابن المبارك" من الصحابة علي وعمار وابن مسعود وابن عباس وحذيفة وأبي الدرداء والنخعي وربيعة والثوري وأبو حنيفة كل هؤلاء يقولون: لا ينقض الوضوء، يعني في مقابل من تقدم من الصحابة والتابعين والأئمة، الجمهور على النقض، ولم يقل بهذا من الأئمة المتبوعين إلا أبو حنيفة.
من الصحابة علي وعمار، وهناك عمر وابنه وابن مسعود، قالوا: إذا اختلف عبد الله بن عمر وابن مسعود فيقدم ابن مسعود، لا شك أن ابن مسعود أفقه من ابن عمر، لكن يبقى أنه إذا قلنا: إن حديث طلق منسوخ، حديث طلق بن علي منسوخ فقد لا يطلع ابن مسعود على الناسخ، كما في التطبيق في الركوع منسوخ، ثبتت الأحاديث الصحيحة بنسخه، وأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يضع يديه على ركبتيه حال الركوع، التطبيق منسوخ بالاتفاق، لا قائل به من أهل العلم، ومع ذلك استمر ابن مسعود عليه؛ لأنه لم يبلغه الناسخ، فلا يبعد في هذا أن لا يبلغه الناسخ، وإن كان فقيهاً من جلة الصحابة في هذا الباب، يعني قوله إذا اختلف مع غيره قد يقدم على كثير من الصحابة، لكن ما دامت المسألة فيها ناسخ ومنسوخ فقد يخفى الناسخ على ابن مسعود، ولا يفترض أن يكون مثل ابن مسعود -مع جلالته وإمامته وفقهه- أن يطلع على كل شيء، فقد خفي على أبي بكر وعلى عمر ما وجد عند غيرهما من الصحابة من هو أقل شأناً منهما.
وقال الترمذي: "وهذا الحديث أحسن شيء روي في هذا الباب" يعني حديث طلق بن علي، وفي هذا الباب هل هو في باب الوضوء من مس الذكر أو في باب عدم الوضوء من مس الذكر؟ فرق بين الأمرين، إذا قلنا: في هذا الباب في السلب والإيجاب، في النقض وعدمه قلنا: إنه يرجح هذا على حديث بسرة، ومع ذلكم هو قال في حديث بسرة "قال أبو عيسى: حديث بسرة حديث حسن صحيح" وهنا قال: "وهذا الحديث أحسن شيء روي في هذا الباب" إذا قلنا: إنه في الباب الخاص لا في الباب العام في باب ترك الوضوء قلنا: إن حديث طلق بن علي أحسن من حديث إيش؟ أبي أمامة الذي هو ضعيف، وكلاهما في الباب في باب ترك الوضوء، وإذا نظرنا إلى المسألة بعمومها قلنا: إنه يرى أن حديث طلق أحسن من حديث بسرة، خليكم معنا يا الإخوان ترى المسألة خفية، إذا قال: وهذا الحديث أحسن شيء روي في هذا الباب، هل هو يرى أنه أحسن حديث روي في الباب بعمومه في الوضوء وعدمه، أو في ترك الوضوء فقط؟ فيكون أحسن من حديث أبي أمامة الذي أشار إليه؟ لا شك أنه أحسن، وإذا قارنا بين حديثين أحدهما ضعيف والثاني وإن كان ضعيفاً إلا أنه أقوى منه فلو قال الترمذي حديث طلق أصح من حديث أبي أمامة لا يلزم منه صحة الحديثين، فضلاً عن كونه يقول: أحسن، يعني ألفاظ أهل العلم لها دلالاتها، مسألة أحسن وأصح هذه أفعل تفضيل، كثيراً ما يستعملها أهل العلم على غير بابها، لا سيما أهل الحديث، فيقولون: أصح شيء في هذا الباب حديث كذا، والحديث ليس بصحيح، أحاديث الباب كلها ضعيفة، لكن أقواها هذا الحديث، وهي كلها ضعيفة، ولا يعني تصححه، فإذا قالوا: أحسن يعني هذا أفضلها وإن لم يكن صحيحاً؛ لأنه لو حاسبنا الترمذي على أفعل التفضيل على معناها عند أهل اللغة لقلنا: إنه يرى أن حديث أبي أمامة حسن؛ لأنه قال: أحسن، وحديث طلق أحسن من حديث أبي أمامة، ومقتضى أفعل التفضيل أن يوجد أمران يشتركان في وصف، يعني وهو هنا الحسن يفوق أحدهما الآخر فيه، يفوق أحدهما الآخر فيه، فكلاهما حسن، وهذا لا يقول به الترمذي ولا غير الترمذي إذا وجد في الإسناد مترك لا يمكن أن يرتقي، هذا إذا قلنا: إن قوله هذا منصب على الباب باب ترك الوضوء من مس الذكر، وإذا قلنا:
إنه يرى أن هذا الكلام أحسن شيء حديث طلق حتى من حديث بسرة فإنه لا يقول بهذا، فإنه أشاد بحديث بسرة وذكر له شواهد كثيرة من روايات الصحابة، وحكم عليه بأنه حديث حسن صحيح، ونقل عن البخاري: أصح شيء في هذا الباب حديث بسرة.
حديث طلق بن علي أخرجه أيضاً أبو داود والنسائي وابن ماجه على أنه موجود عند الترمذي، وصححه ابن حبان والطبراني وابن حزم، وقال ابن المديني: هو أحسن من حديث بسرة، هذا تصريح، وضعفه الشافعي وأبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني والبيهقي وابن الجوزي، وقال ابن حبان والطبراني وابن العربي والحازمي وآخرون: منسوخ؛ لأن قدوم طلق بن علي متقدم عن رواية من روى الحديث ممن تأخر إسلامه ممن أشار إليهم الترمذي، يعني بسرة كانت لها سابقة، كانت لها سابقة، وعلى كل حال لا نعتمد في القول بالنسخ على الموازنة بين بسرة وطلق، لكن من روى الحديث مثل أبي هريرة أسلم سنة سبع، وهذا جاء في السنة الأولى في أوائل أيام الهجرة فحديث أبي هريرة متأخر ومن معه، بعض الصحابة ممن ذكر معه متأخر الإسلام.
قال: "وقد روى هذا الحديث أيوب بن عتبة ومحمد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه" وأخرجه أبو داود وابن ماجه، وقد تكلم بعض أهل الحديث في محمد بن جابر، ضعفه ابن معين، وقال الفلاس: متروك، ورجحه أبو حاتم على ابن لهيعة، ولا يعني هذا التوثيق، وأيوب بن عتبة ضعفه أحمد، وقال ابن معين: ليس بالقوي، وحديث ملازم بن عمرو عن عبد الله بن بدر يعني عن جده حديث الباب الأصل في الباب أصح وأحسن.
الكلام في الحديثين لا شك من حيث العموم أن حديث بسرة أصح من حديث طلق، ومن صححه أكثر، ومن عمل به أكثر، وحديث طلق قابل للثبوت، قابل للتحسين أقل الأحوال، والحسن مما يجب العمل به فلا بد من التوفيق.
الجمهور الذين عملوا بحديث بسرة وقالوا: إن مس الذكر ينقض الوضوء، قالوا: إن حديث بسرة ناسخ لحديث طلق، حديث بسرة ناسخ لحديث طلق، هذا من حيث إذا أثبتنا حديث طلق، وإذا قلنا: إنه معارض بما هو أقوى منه مع ما في قيس من الكلام قلنا: حديث طلق أرجح، والعمل إنما هو بالراجح، لكن إذا أمكن الجمع ولو بالقول بالنسخ هو أولى، جمع بعضهم من وجه آخر قال: الأمر بالوضوء من مس الذكر في حديث بسرة محمول على الاستحباب، ((من مس ذكره فليتوضأ)) اللام لام الأمر والأصل في الأمر الوجوب، قال بعضهم -ولعل هذا مما يميل إليه شيخ الإسلام-: إن الأمر هنا للاستحباب، والصارف حديث طلق.
إذا تقرر هذا فعندنا أمور:
الأول: رجحان حديث بسرة على حديث طلق عند الجمهور.
الأمر الثاني: تقدُم حديث طلق على حديث بسرة.
الأمر الثالث: التقدم هذا يقتضي النسخ، ومن عمل بحديث بسرة من الصحابة والتابعين والأئمة أكثر ممن عمل بحديث طلق، وسبب ذلك مثل ما ذكرنا القول بالنسخ أو الترجيح أو الترجيح، بالمقابل أعل حديث بسرة بما ذكرناه سابقاً أن هذا الأمر .. ، وهذه من تعليلات بعض الحنفية، بعض الحنفية يصادمون النصوص بمثل هذه التعليلات العليلة، قالوا: إن الحديث مما يختص به الرجال فكيف لا ينقله إلا امرأة؟ نقول: نقله كثير من الرجال، وهو مروي عن جمع من الصحابة، فلم تستقل به هذه المرأة، ولو قدر أنه استقلت بروايته هذه المرأة فإنه لا يعني الطعن في الحديث؛ لأنها صحابية والصحابة كلهم عدول، والأمر بالتبليغ كما هو متجه إلى الرجال متجه أيضاً إلى النساء، فالرجال والنساء في باب التبليغ واحد، والمعول لذلك على الثقة والضبط.
قال: "وحديث ملازم بن عمرو عن عبد الله بن بدر أصح وأحسن" يعني من الحديث الذي ذكره وقد روى هذا الحديث أيوب بن عتبة ومحمد بن جابر عن قيس، حديث ملازم عن جده أصح من حديث أيوب بن عتبة ومحمد بن جابر، وكلاهما مضعفان.
العلة في الأمر بالوضوء من مس الذكر أنه قد يحرك الشهوة، وهو مظنة لتحريك الشهوة، والمظنة إذا غلبت على الظن نزلت منزلة المئنة، يعني كالنوم، النوم مظنة للحدث، وليس بحدث مظنة للحدث، لكنها مظنة غلبت على الظن، وغالب الأحكام مبنية على غلبة الظن، فنزلت هذه المظنة منزلة المئنة يعني الشيء المحقق.
إذا مس ذكره من غير شهوة نقول: ينقض الوضوء كما لو نام ولم يحدث، إذا مس ذكره وأفضى بيده يعني بباطن كفه فإنه ينتقض وضوءه، لكن لو مسه بظهر الكف، أو مسه من غير قصد، توضأ ثم اغتسل وأراد أن يلبس سراويله فمس ذكره من غير قصد، في هذه الصورة الاحتياط أن يتوضأ، إذا مس من بدنه ما يثير الشهوة بالنسبة للمرأة عندها ما يثير الشهوة في مواضع من بدنها ما يثير الشهوة غير الفرج، هل نقول: إن هذا مقيس على مس الذكر، وقبل ذلك نقول بالنسبة لفرج المرأة هل ينزل منزلة الذكر؟ جاء في بعض الروايات من حديث بسرة:((من مس فرجه فليتوضأ)) وهذا حينئذٍ يشمل الذكر والأنثى، يشمل الذكر والأنثى، وعلى هذا إذا مست المرأة فرجها تتوضأ، وقلنا: إن هذا يثير الشهوة فهل إذا مست المرأة من بدنها ما يثير الشهوة نقول: هو بمثابة مس الذكر؟ يلحق به أو لا يلحق؟
طالب:. . . . . . . . .
لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو جاري على قواعد الظاهرية ما يخالف، لكن أهل العلم الذي يجرون العلل في الأحكام فإذا وجدت العلة وجد الحكم وإذا انتفت انتفى الحكم، وهل يكون إلحاق ما يثير الشهوة بمس الذكر هو من باب القياس أو من باب عموم العلة؟ إذا قلنا: من باب عموم العلة دخل دخول مع الحديث مع الذكر مثله صار مثل الفرج، وإذا قلنا: من باب القياس على الفرج قلنا: العبادات لا يدخلها القياس، وإذا قلنا: إنه من باب عموم العلة قلنا: العلة ليست منصوصة من أجل أن تعم، إنما هي مستنبطة، والعلل القوية التي يقول أهل العلم أن الحكم يدور معها وجوداً وعدماً هي العلل المنصوصة لا المستنبطة، وعلى كل حال ما يثير الشهوة غير ما نص عليه لا يدخل، سواءً قلنا بالقياس فالقياس لا يدخل العبادات، أو قلنا: بعموم العلة فالعلة ليست منصوصة فهي أضعف من أن تعمم.
إذا مس ذكر غيره، وهذا يحصل كثير بالنسبة للأمهات مع الأطفال، يحصل كثير بالنسبة للأمهات مع الأطفال، في الحديث:((من مس ذكره)) يعني ذكر نفسه ((من مس فرجه)) يعني فرج نفسه، فماذا عما لو مس فرج غيره؟ إذا كانت العلة أن الفرج مظنة للنجاسة، قلنا: إن من مس فرج غيره العلة موجودة، لكن إذا قلنا: إن العلة تحريك الشهوة فمن مس ذكر غيره لا سيما الطفل الذي لا يتبعه شهوة، قلنا: لا ينقض الوضوء، المسألة معلقة أولاً: بذكر نفسه أو فرج نفسه، فإذا مس فرج غيره، فإذا قلنا: إن السب أو من العلل المركبة في الباب أن يكون الفرج مظنة للنجاسة، وعلى كل حال النجاسة لا تنقض الطهارة، لا تنقض الوضوء، حتى لو مس نجاسة محققة يغسل يده وينتهي الإشكال، ما انتقضت طهارته، فلا ينقض إذا قلنا بهذا، وإذا قلنا: العلة الشهوة فلا سيما ما يتعلق بالصبيان الأطفال فإنه لا شهوة بمس الفرج بالنسبة له، فعلى هذا لا نقض بمس فرج الطفل، لكن من أراد أن يحتاط، لا سيما وأنه قد يوجد من يفتي بأن مس الذكر ولو كان من صغير وهو مقتضى مذهب الظاهرية الذين لا يفرقون بين الكبير والصغير، مقتضى قولهم النقض، لا يفرقون بين الصغير والكبير، ولذلك قالوا في البول في التخفيف والتشديد، بول الصبي الذي لم يأكل الطعام بشهوة جاء في السنة أنه يرش وينضح بخلاف بول الجارية، قالوا: النظر في هذا إلى الذكورة والأنوثة، فالذكر يرش ولو كان كبيراً، والأنثى تغسل ولو كانت كبيرة، يغسل بولها ولو كانت كبيرة، فمقتضى مذهبهم عدم التفريق بين الكبير والصغير، ولكنه قول ضعيف، فمس ذكر الصغير لا يثير شهوة، وأيضاً الأصل متجه إلى من مس ذكره لا ذكر غيره.
أهل العلم في هذا الباب يبحثون مسألة فرج الخنثى، وهو من له آلة ذكر وآلة أنثى، الخنثى إذا مس فرجه المسألة مفترضة في المشكل، أما من تبين أمره فينتقض وضوؤه بما حكم له به، فإن كان الأصلي هو الذكر حكم عليه بأنه ذكر انتقض بمسه، وإن كان الأصل الفرج بالنسبة للمرأة فينتقض وضوءها بمسه ولا ينتقض بمس الآلة الأخرى، لكن إذا كان مشكل لا يدرى أذكر هو أم أنثى؟ فالطهارة وجدت بيقين فلا ترتفع بالشك، فلا ينتقض الوضوء، وإن قيل من باب الاحتياط وخشية أن يكون عموم الحديث يتناوله، فهو ذكر على كل حال، ويصح نسبته إليه، وإن لم يتبين أمره وقال بنقض الوضوء لم يبعد.
سم.
عفا الله عنك.
باب: ما جاء في ترك الوضوء من القبلة:
قال الترمذي -رحمه الله تعالى-:
حدثنا قتيبة وهناد وأبو كريب وأحمد بن منيع ومحمود بن غيلان وأبو عمار الحسين بن حريث قالوا: حدثنا وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ.
قال: قلت: من هي إلا أنت؟ قال: فضحكت.
قال أبو عيسى: وقد روي نحو هذا عن غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة قالوا: ليس في القبلة وضوء.
وقال مالك بن أنس والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق: في القبلة وضوء، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، وإنما ترك أصحابنا حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا لأنه لا يصح عندهم لحال الإسناد.
قال: وسمعت أبا بكر العطار البصري يذكر عن علي بن المديني قال: ضعف يحيى بن سعيد القطان هذا الحديث جداً، وقال: هو شبه لا شيء.
قال: وسمعت محمد بن إسماعيل يضعف هذا الحديث، وقال حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة، وقد روي عن إبراهيم التيمي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قبلها ولم يتوضأ، وهذا لا يصح أيضاً، ولا نعرف لإبراهيم التيمي سماعاً من عائشة رضي الله عنها وليس يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في ترك الوضوء من القبلة" ترك الوضوء من القبلة يرد عليه ما جاء في الترجمة السابقة، ترك الوضوء من مس الذكر، وأن لفظ الترك يشعر بالفعل قبله فهل كانت القبلة مما يتوضأ منها ثم ترك كما قلنا في الباب السابق؟ أو أن المراد بترك عدم فيكون باب: ما جاء في عدم الوضوء من القبلة؟
لم يذكر في هذا الشأن كما ذكر في الباب السابق، يعني ما جاء بباب الوضوء من القبلة ثم جاء بباب ترك الوضوء من القبلة لماذا؟ لأنه لم يرد في القبلة حديث يدل على الوضوء، وإنما ورد فيه قول الله -جل وعلا-:{أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاء} [(43) سورة النساء] وهذا ليس من شأنه، هو لا يتكلم في أحكام القرآن، هو الكتاب كتاب حديث، فيبين في هذا الباب ما جاء في السنة أما ما جاء في القرآن فله أهله، ظاهر وإلا مو بظاهر؟ يعني لو جاء حديث في القبلة في الوضوء من القبلة لصنع كما صنع في الباب السابق، الوضوء من مس الذكر ثم ترك الوضوء من مس الذكر، ويأتي بهذا وهذا كثيراً، إذا ورد في البابين النفي والإثبات أحاديث، لكن هنا ترك الوضوء من القبلة نعم جاءت به السنة، لكن هل جاءت السنة بالوضوء من القبلة التي هي محل عناية المؤلف ما جاء شيء، لكن من قال بالوضوء من القبلة عمدته ومعوله على الآية.
قال -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في ترك الوضوء من القبلة"
قال: "حدثنا قتيبة وهناد وأبو كريب وأحمد بن منيع ومحمود بن غيلان وأبو عمار الحسين بن حريث قالوا" خمسة من شيوخه "قالوا: حدثنا وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة" عن عروة عن عائشة عروة بن الزبير عن خالته عائشة رضي الله عنها "أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعض نسائه" يعني أزواجه، والأزواج أخص من النساء؛ لأن النساء يشمل بقية المحارم، لكن المراد هنا الأزواج "قبل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ" يعني لم يتوضأ وضوءاً جديداً بل صلى بالوضوء السابق مما يدل على أن التقبيل واللمس لا ينقض الوضوء.
"قلت: من هي إلا أنت؟ قال: فضحكت"
أولاً: عروة بن الزبير علاقته بعائشة؟ نعم خالته، يعني هو ابن أسماء، فإذا كانت خالته يمكن أن يقول لها: من هي إلا أنت؟ فتضحك ما في إشكال، لكن هو عروة يسمى في الاصطلاح إذا لم يقل الراوي عن عروة بن الزبير وإنما قال: عروة يعني لو كان عن هشام بن عروة عن عروة قلنا: هذا أبوه، هذا الذي يغلب على الظن، هذه الجادة، لكن قال: عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة قال بعضهم: المراد بعروة هذا عروة المزني، لكن يرد هذا أن عروة المزني أجنبي عن عائشة، لا يمكن أن يتبسط معها إلى هذا الحد، فيقول: قلت: من هي إلا أنت؟ قال: فضحكت، فالمرجح في هذا قول أكثر الرواة وأكثر أهل العلم على أن المراد به عروة بن الزبير وتكون خالته ويقول مثل هذا الكلام يتبسط معها.
"قال: قلت: من هي إلا أنت؟ قال: فضحكت" وهذا إقرار، يعني ما يحصل بين الرجل وزوجته لا شك أن الأصل فيه أنه يستر، وجاء النهي عن أن يفضي الرجل إلى امرأته بشيء أو العكس ثم ينشره، لكن هذا دين يتعلق به حكم شرعي، لا بد من ذكره، ولذلك الصحابة -رضوان الله عليهم- وعلى رأسهم أم المؤمنين في هذا الباب يعني ما تورعت أن تقول مثل هذا الحديث؛ لأن تبليغ العلم واجب، والكتمان في مثل هذا الباب محرم، وأخذ العهد والميثاق على البيان، وأمر بالتبليغ، على كل حال مثل هذا ليس مما يدخل في حديث النهي عن إفشاء ما أمر بكتمانه، وبعض الجفاة من البادية سمع هذا الحديث من إمام مسجد يسمعه يقرأ في الحديث على الجماعة قبل بعض نسائه وخرج ولم يتوضأ وضحكت ومدري إيش؟ قال هذا الأعرابي: ما بالهم فضحوا نبيهم، جاهل ما يدري، فضحوا نبيهم، هذا علم هذا دين لا بد من أن يبين، الأمور التي لا يحتاج إليها الأصل فيها أن يكنى عنها مما لا يحسن ذكرها، مما لا يحسن ذكرها لا بد من التكنية عنها، وديننا دين الأدب الرفيع، وأعظم الناس أدباً النبي عليه الصلاة والسلام، لكن إذا كان التصريح يترتب عليه حكم شرعي لا يمكن أن يؤدى بغيره لا بد من أن يؤدى باللفظ الصريح، وجاءت ألفاظ صريحة قد يتقزز منها السمع وينفر منها، لكن لا بد منها، يعني حينما يقول ماعز: إني زنيت، الأصل في هذا أن يقول: هو زنى، والرواة يقولون: هو زنى، كما قال: هو على ملة عبد المطلب، والأصل أنه يتحدث عن نفسه، هو على ملة عبد المطلب، لكن الكلام الشيء ينبغي أن يكنى عنه، لكن مثل هذا الذي يترتب عليه حكم لا بد من بيانه "قال: قلت: من هي إلا أنت؟ قال: فضحكت" رضي الله عنها وأرضاها.
"قال أبو عيسى: وقد روي نحو هذا عن غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين" أن القبلة والمس لا ينقض الوضوء، قال:"وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة قالوا: ليس في القبلة وضوء" وإليه ذهب علي وابن عباس وعطاء وطاووس وأبو حنيفة.
"وقال مالك بن أنس والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق" الأئمة الثلاثة ومعهم الأوزاعي وإسحاق، يعني نظير المسألة السابقة الذي يقول بنقض الوضوء من مس الذكر يقول بالوضوء من القبلة، والذي يقول بعدمه يقول بعدمه، فالأئمة الثلاثة ومعهم الأوزاعي وهو إمام متبوع وكذلك إسحاق في البابين قولهم واحد، وأبو حنيفة ومن معه قولهم واحد.
"وقال مالك بن أنس والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق: في القبلة وضوء، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين" يعني إليه ذهب ابن مسعود وابن عمر والزهري لقوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاء} [(43) سورة النساء] واللمس والملامسة حقيقة في لمس اليد، مجاز في الوطء، والأصل الحقيقة، ويؤيده قراءة حمزة والكسائي:"أو لمستم"، اللمس إنما يكون باليد، وإن جاءت المماسة والملامسة في الجماع لكن يؤيد المجاز قوله -جل وعلا-:{وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} [(237) سورة البقرة] لا يقول قائل من أهل العلم: إنه مسها بيده أبداً، لا يقول قائل: إن المجرد المس {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} [(237) سورة البقرة] هذا يؤيد أن المراد بلمستم أو لامستم الجماع.
قال رحمه الله: "وإنما ترك أصحابنا -يعني أهل الحديث- حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا لأنه لا يصح عندهم لحال الإسناد" فهو ضعيف لكنه منجبر بكثرة رواياته وشواهده، يعني من شواهده أن عائشة كان النبي عليه الصلاة والسلام يصلي وهي معترضة بين يديه، فإذا سجد غمزها، يعني فكفت رجليها، فإذا قام بسطتهما، فهذا فيه دليل وهذا الحديث متفق عليه فيه دليل على أن مجرد المس لا ينقض الطهارة، هذا يشهد لحديث الباب أن المس لا ينقض الطهارة، وإذا كان المس باليد لا ينقض والقبلة مثله بل أشد، القبلة أشد من مجرد المس فإذا كان المس لأنه مظنة الشهوة فالقبلة أشد منه، نعم قد يوجد في بعض الأحوال وبعض الظروف أن القبلة لا تعني شهوة في بعض الأحوال وفي بعض الأشخاص لكن الأصل أن الزوج إذا قبل زوجته أنه لشهوة، وعلى هذا يختلف أهل العلم في الناقض هل هو مجرد المس أو المس بشهوة؟ مالك وأحمد يقولون: لا بد من الشهوة إذا مسها بشهوة انتقض ضوءه، والشافعي يقول: مجرد المس ينقض الوضوء ولو لم يوجد شهوة، ولذا يحصل للشافعية حرج كبير في المطاف، يعني لو وقعت يده أو شيء من هذا على جسد امرأة انتقض وضوءه ولو لم يشعر، ولو كانت خلفه وهو يمشي أو بجانبه ولم يلتفت إليها، ولم يدرِ هل هي يد رجل أو يد امرأة حتى التفت يقول: ينتقض وضوءه، وجمهور من يقول بأن المس ينقض الوضوء يقولون: لا بد من قيد الشهوة.
الملموس: الملموس قالوا: لا ينتقض وضوءه ولو وجد منه شهوة؛ لأن المقصود من يمس لا من يُمس، مع أن مقتضى يعني قراءة:"لمستم" يدل على شيء من هذا، لكن {لَامَسْتُمُ} [(43) سورة النساء] وحملها على مجرد المس وقلنا: إن المفاعلة من الطرفين، الملامسة مفاعلة والمفاعلة من الطرفين، فإذا حصل من أحد الطرفين المس انتقض وضوءه، مع أن المعروف عند أكثر أهل العلم أن الملموس لا ينتقض وضوءه ولو وجد منه شهوة.
"قال: وسمعت أبا بكر -أحمد بن محمد- العطار البصري يذكر عن علي بن المديني قال: ضعَّف يحيى بن سعيد القطان هذا الحديث جداً، وقال: هو شبه لا شيء" يعني ضعيف، والحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه، ما سبب التضعيف؟ تضعيف الحديث؟ سببه كما قال الإمام البخاري رحمه الله فيما نقله الترمذي قال:"وسمعت محمد بن إسماعيل يضعف هذا الحديث، وقال حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة" قاله يحيى بن معين وأحمد إضافة إلى الإمام البخاري.
إذا ضعف هذا الحديث وبقيت الآية والآية تحتمل الأمرين فحقيقتها اللمس باليد، ومجازها الملامسة تعني الجماع، كناية عن الجماع، والأصل الحقيقة عند عامة أهل العلم، لكن إذا ضعفت الحقيقة أمام المجاز أحياناً يكون اللفظ وضع لشيء معين، هذا الأصل فيه، واستعمل في غيره، ثم غلب هذا الاستعمال على الحقيقة حمل عليه، مثل الغائط مثلاً الأصل في الكلمة أنها المكان المطمئن الذي يرتاده الناس لقضاء الحاجة، ثم استعمل في الخارج نفسه، من باب إطلاق المحل وإرادة الحال، ولا شك أن الإطلاق الحادث أو الاصطلاح الحادث الذي يسمونه مجاز غلب على الحقيقة الأصلية اللغوية، وإذا أردنا أن نعبر بأسلوب غير المجاز الذي يمنعه أهل العلم قلنا: إن هذه حقيقة لغوية، وإطلاقه على الخارج حقيقة عرفية، عندنا حقيقة لغوية وحقيقة عرفية، والحقيقة الثالثة حقيقة شرعية، الحقيقة الشرعية ما هي؟ في لفظ الغائط هل يطلق ويراد به الحقيقة الشرعية بمعنى الخارج أو يراد به المكان؟
طالب:. . . . . . . . .
بدليل؟
طالب:. . . . . . . . .
{أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ} [(6) سورة المائدة] هل المراد منه أو من مكانه؟ يعني اللي يتصور المجيء منه المكان، "إذا أتى أحدكم الغائط" المراد به المكان وإلا الخارج؟ نعم المكان، فجاء في الشرع ما يؤيد الحقيقة العرفية وما يؤيد الحقيقة الشرعية، في حديث صفوان بن عسال:"أمرنا أن لا ننزع خفافنا إلا من جنابة، لكن من بول أو غائط أو نوم" البول والغائط والنوم هذه أحداث، فأطلق على الحدث نفسه غائط، كما أنه أطلق عليه أيضاً أطلق اللفظ هذا على المكان "إذا أتى أحدكم الغائط" في قوله -جل وعلا-:{أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ} [(6) سورة المائدة] مثلاً المجيء هنا هل هو من المكان أو يراد به الحدث؟ لا شك أن الذي يؤتى ويؤتى منه هو المكان هذا الأصل في الاستعمال، لكن مجرد الإتيان من المكان هل يوجب وضوء؟ ما يوجب وضوء، إنما يراد به الخارج، فاستُعمل اللفظ في الشرع في حقيقتيه اللغوية والعرفية، ولا مانع أن يستعمل اللفظ في حقيقتين تكونان كلاهما شرعية، إذا جاء استعمال الشرعي النص جاء فيما يوافق اللغة وما يوافق العرف تكون الحقيقتان كلاهما شرعية، مثل المفلس: المفلس استعمل في الشرع بمن لا درهم له ولا متاع، أو كانت موجوداته أقل من ديونه ((إذا وجد أحدكم متاعه عند رجل قد أفلس)) فهذه حقيقة شرعية، وإذا قيل لك: ما المفلس؟ لا مانع أن تقول: من عليه ديون أكثر من أمواله، أو من ذهبت أمواله وهو مدين هذا مفلس، ولا مانع من أن تجيب بقوله عليه الصلاة والسلام لما سأل الصحابة عن المفلس؟ قالوا: المفلس من لا درهم له ولا متاع، قال:((لا، المفلس من يأتي بأعمال أمثال الجبال)) كلاهما مفلس، فهذه حقيقة شرعية وهذه حقيقة شرعية، وعلى هذا تطلق حقيقة شرعية على المكان وحقيقة شرعية على الخارج.
قال: "وقد روي عن إبراهيم التيمي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قبلها ولم يتوضأ" قلنا: إن اللمس له حقيقة شرعية وحقيقة لغوية، الحقيقة اللغوية اأنه مجرد المس، له حقيقة وله مجاز يعني استعمل أصل اللفظ في مجرد اللمس، واستعمل في مجازه في غير ما وضع له في الجماع كناية عن الجماع، وقلنا: أن الأصل الحقيقة وهو الذي دعانا إلى الكلام في الغائط، قلنا: إن الأصل الحقيقة إلا إذا كان استعمال اللفظ في مجازه أكثر وغلب عليه أكثر من غلبته على حقيقته فحينئذٍ يحمل عليه.
وفي تفسير الطبري أنه اختلف جماعة من العرب وجماعة من الموالي في {لَامَسْتُمُ} [(43) سورة النساء] فالموالي يقولون: الملامسة هي اللمس، وجمع من العرب قالوا: المراد به الجماع، فابن عباس حكم بينهم وقال: المراد به الجماع، وهذا تفسير من حبر الأمة وترجمان القرآن، دعي له بأن يعلم التأويل، فقوله أرجح من غيره.
وعلى هذا يحمل اللمس والملامسة على القراءتين على أنه يراد به الجماع، ويؤيده أن النبي عليه الصلاة والسلام قبل ولم يتوضأ.
قال: "وقد روي عن إبراهيم التيمي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قبلها ولم يتوضأ" وهذا أخرجه أبو داود والنسائي "وهذا لا يصح أيضاً، ولا نعرف لإبراهيم التيمي سماعاً من عائشة" أو أن حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عائشة في حديث الباب، وإبراهيم التيمي أيضاً لم يسمع من عائشة في هذا الحديث فكلاهما مرسل أو منقطع إن شئت فقل، الإشكال أن موضع الانقطاع في طبقة واحدة، في من يروي عن عائشة، وإلا لو كان الراوي عن عائشة مبين في هذا الحديث قلنا: إن ما ضعف بسبب الانقطاع يمكن انجباره، لكنه مع ذلك في طبقة واحدة، يعني مداره على هذا المجهول، قال:"وهذا لا يصح أيضاً، ولا نعرف لإبراهيم التيمي سماعاً من عائشة" قاله الدارقطني في سننه وغيره "وليس يصح عن النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الباب شيء" أي في باب ترك الوضوء من القبلة.
الخلاصة أن الحنفية قالوا: لا ينقض مطلقاً، وحملوا الملامسة في الآية على الجماع، واستدلوا بحديث الباب وما في معناه.
وأوجبه الجمهور بناءً على أن اللمس في الآية هو باليد، وضعفوا حديث الباب، واشترط الحنابلة والمالكية على ما ذكرنا أن يكون اللمس بشهوة ولم يشترط ذلك الشافعية.
في بداية المجتهد لابن رشد وهو كتاب في فقه الخلاف متين، يعني يبين منشأ الخلاف عند أهل العلم، يستفيد منه طالب العلم على أوهام في نسبته المذاهب أحياناً، لكنه كتاب جيد في الجملة.
يقول ابن رشد في بداية المجتهد: سبب اختلافهم في هذه المسألة اشتراك اللمس في كلام العرب، فإن العرب تطلقه مرة على اللمس الذي هو باليد، ومرة تكني به عن الجماع، فذهب قوم إلى أن اللمس الموجب للطهارة في آية الوضوء هو الجماع في قوله تعالى:{أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاء} [(43) سورة النساء] وذهب آخرون إلى أنه اللمس باليد، ثم قال: وقد احتج من أوجب الوضوء من اللمس باليد بأن اللمس ينطلق حقيقة على اللمس باليد، وينطلق مجازاً على الجماع، وأنه إذا تردد اللفظ بين الحقيقة والمجاز فالأولى أن يحمل على الحقيقة حتى يدل الدليل على المجاز؛ لأنه لا يعمل بالمجاز
…
، أو المجاز استعمال اللفظ في غير ما وضع له لا يمكن أن يعمل به كالتأويل إلا لدليل يصرفه عن إرادة الأصل الذي هو الحقيقة، وأنه إذا تردد اللفظ بين الحقيقة والمجاز فالأولى أن يحمل على الحقيقة حتى يدل الدليل على المجاز، ولأولئك أن يقولوا: إن المجاز إذا كثر استعماله كان أدل على المجاز منه على الحقيقة كالحال في اسم الغائط الذي هو أدل على الحدث الذي هو فيه مجاز منه على المطمئن من الأرض الذي هو فيه حقيقة.
يقول: والذي أعتقده أن اللمس وإن كانت دلالته على المعنيين بالسواء أو قريباً من السواء أنه أظهر عندي في الجماع، وإن كان مجازاً لأن الله تعالى قد كنى بالمباشرة والمس عن الجماع، وهما في معنى اللمس {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} [(49) سورة الأحزاب] نعم وهذا المراد به الجماع اتفاقاً، وعلى هذا التأويل في الآية يحتج بها في إجازة التيمم للجنب دون تقديم فيها ولا تأخير على ما سيأتي بعد، وترتفع المعارضة التي بين الآثار والآية على التأويل الآخر، يريد ابن رشد بالآثار هنا حديث عائشة في القبلة.
وأما من فهم من الآية اللمسين معاً فضعيف، فإن العرب إذا خاطبت بالاسم المشترك إنما تقصد به معنى واحداً من المعاني الذي يدل عليها الاسم، لا جميع المعاني التي يدل عليها وهذا بين بنفسه في كلامهم.
يعني استعمال اللفظ في معنييه الحقيقي والمجازي الجمهور يمنعونه، يعني الجمهور وإن قالوا بالمجاز فإن الجمهور يمنعون استعمال اللفظ في الحقيقتين في آن واحد، نقول: الملامسة واللمس في الآية ينطلق على الجماع، وعلى المس باليد، نقول: استعمال اللفظ في معنييه هذا ممنوع عند جمهور أهل العلم، والشافعية يقولون به، يعني نظير ذلك لو صوت وقلت: يا محمد فالتفت اثنان، أنت في الأصل لما تكلمت بالكلام لا تريد إلا واحد؛ لأنك لو أردت الاثنين لقلت: يا محمدان، أنت تريد واحد التفت الاثنين، وأنت في الأصل لا تريد إلا واحد منهما فقلت: ما دام التفتوا نوجه الكلام إليهما، قلت لهما: عندنا اليوم مناسبة لا تتركوننا، عندنا وليمة عرس لا تتركوننا، وهو في الأصل ما يريد إلا واحد منهما الثاني ما خطر على باله يصح وإلا ما يصح؟ يعني إرادة شيئين الأول غير مقصود لذاته، وهل التنظير بهذا مطابق أو غير مطابق؟ يعني هل إذا نودي شخص أو قصد شيء واحد ثم دخل معه ما يشركه في الاسم هل يلزم من هذا أن يكونا مقصودين في آن واحد للمنادي؟ ما يلزم، وهنا لا يلزم أن يكون المقصود منه الحقيقة والمجاز، وهذا شامل لجميع الألفاظ المشتركة بين شيئين، يعني لو قيل: وجدت عيناً قال واحد من الحاضرين: امنحني من هذا الذهب الذي وجدته، وقال الآخر: اسقني من هذا الماء الذي وجدته؛ لأن العين تطلق على هذا وتطلق على هذا، هل يكون من مقصود المتكلم أنه يريد الأمرين معاً أو يريد واحد منهما؟ يريد واحد، وعلى هذا القول باستعمال اللفظ الواحد في معنييه ضعيف، والجمهور على خلافه، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.