المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ كتاب الصلاة (3) - شرح سنن الترمذي - عبد الكريم الخضير - جـ ٣٠

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌ كتاب الصلاة (3)

جامع الترمذي -‌

‌ كتاب الصلاة (3)

شرح: باب: ما جاء في التعجيل بالظهر، وباب: ما جاء في تأخير الظهر في شدة الحر

الشيخ/ عبد الكريم الخضير

هذا يقول: كيف الجمع بين قول ابن تيمية: "وأما إحاطة واحد بجميع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا لا يمكن ادعاؤه قط، ومن انتقد ذلك فقد أخطأ خطأً بيناً فاحشاً" وبين قول بعض العلماء في ابن تيمية نفسه: "وكل حديث لا يعرفه شيخ الإسلام فليس بحديث" ثم أليست السنة كلها قد حفظت؟ فكيف الجمع بين هذا وهذا؟

قول شيخ الإسلام رحمه الله أنه لا يمكن لشخص واحد أن يحيط بجميع ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام فهذا كلام صحيح ودقيق أيضاً، لا يمكن يدعى لشخص أنه أحاط بجميع ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام بدليل قوله -جل وعلا-:{وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلَاّ قَلِيلاً} [(85) سورة الإسراء] هذا من جهة.

الأمر الثاني: أنه لا يزال يكتشف كتب فيها ما ليس في غيرها، خفيت على من حفظ الكتب التي قبلها، ولا يظن بذلك أن الدين قد ضاع منه شيء في عصر من العصور، كلا، هذه الأحاديث التي توجد في السنة ما يغني عنها، في السنة ما يغني عنها وإن كانت أحاديث على اصطلاح أهل العلم.

ص: 1

السيوطي وهو متأخر في أواخر القرن التاسع وأوائل العاشر يقول: إنه يحفظ أكثر من مائتي ألف حديث، وأنه لو وجد أكثر من ذلك لحفظه، هذا وهو متأخر، ويوجد أيضاً في المتأخرين في وقتنا من يحفظ الألوف من الأحاديث، لكن مع ذلك هل يساوى هؤلاء بمثل حفظ الإمام أحمد؟ الذي يحفظ سبعمائة ألف حديث، ومع ذلكم الإمام أحمد خفي عليه من الحديث الشيء الكثير، بدليل أنه أفتى بأقوال الصحابة في مسائل فيها أحاديث خفيت عليه، وبدليل أنه اجتهد في مسائل فيها نصوص، ولم يقل أحد أن هذا الاجتهاد صحيح؛ لأن النص لا يعرفه أحمد، بل قالوا: العبرة بالنص، وقد يخفى على الكبير ما يكون لدى الصغير، وقد خفي على أبي بكر أحاديث وجدت عند بعض صغار الصحابة، وكذلك على عمر، وحفظ عبد الله بن عمرو ما لم يحفظه أبو هريرة وإن كان أحفظ منه وهكذا، الدين لا يمكن أن يحيط به شخص، القرآن نعم قد يحيط بحروفه خلق كما هو الحاصل منذ نزوله إلى يومنا هذا؛ لأنه محصور بين الدفتين، أما السنة فهي منتشرة، وأصغر الكتب الأصلية من كتب السنة بحجم القرآن أو أكثر، مع أن حفظ القرآن ميسر {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [(17) سورة القمر] بينما حفظ السنة ليس تيسيره كتيسير حفظ القرآن، والحديث الواحد يروى من مائة طريق، وفي بعض الطرق ما يختلف في لفظه عما في بعض الطرق الأخرى فكيف يحاط بهذه المئات الألوف من الأحاديث من قبل شخص واحد؟! والناس يتفاوتون في حفظهم منهم المقل ومنهم المستكثر، لكن لا يمكن أن يدعى لشخص أنه يحفظ السنة كلها.

ص: 2

قول بعضهم في شيخ الإسلام ابن تيمية: كل حديث لا يعرفه شيخ الإسلام فليس بحديث هذا يراد منه أن شيخ الإسلام ممن له عناية بالسنة عناية فائقة، وأن حافظته قوية تسعفه في حفظ ما يقف عليه، لكن هناك من الأحاديث ما لم يقف عليه شيخ الإسلام، ومن الأحاديث ما وقف عليه فحفظه وحدث من حفظه، وأخطأ فيه رحمه الله وإن كان قليل نادر، لكن مع ذلك ليس حفظه على طريقة أهل الحديث، يعني يختلف حفظ ابن رجب للحديث عن حفظ شيخ الإسلام ابن تيمية، شيخ الإسلام يهمه حفظ المتون الصحيحة؛ لأن الفائدة العظمى من حفظ السنة هو الاستنباط، وذلك يتم بحفظ المتون مع أنه يحفظ من كتب السنة الأصلية المسندة الشيء الكثير، لكن لا يقال: إنه يحفظ كل ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام، وفي باب المبالغة في مدح الشخص في سعة علمه وإحاطته وتشبيهه بالبحر لا شك أنه يتجاوز عن مثل هذا.

السنة كلها قد دونت حفظت بلا شك، ولم يضع منها شيء، فكيف الجمع بين هذا وهذا؟ كون السنة قد حفظت يوجد من الحفاظ ما يفوته بعض الكتب، وقد قيل: إن صحيح البخاري على أهميته وعظمه ما دخل الأندلس إلا متأخر، ولذلك كانت عنايتهم بصحيح مسلم، جامع الترمذي ما رآه كثير من أهل الأندلس حتى قال ابن حزم وهو منهم -من أهل الأندلس- من محمد بن سورة؟ ما عرفوه، فهذا يدل على أن حفظ الحافظ وإن كان متميزاً متصفاً بالحافظة القوية إلا أنه لن يخرج عن قوله -جل وعلا-:{وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [(76) سورة يوسف].

يقول: صاحب أوجز المسالك شرح الموطأ: "قال الكرماني في الخميس" فما المراد بالخميس؟

المعروف أن كتاب الخميس كتاب سيرة نبوية، تاريخ الخميس من أحوال أنفس نفيس للبكري، وليس للكرماني، كتاب الكرماني الذي ينقل عنه في الشروح هو شرحه للبخاري واسمه:(الكواكب الدراري) فيتحقق من هذه الكلمة.

ص: 3