الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح" وقد رواه البخاري، ولما تقدمت الإشارة إليه قال الترمذي: "وهو أحسن حديث في هذا الباب" حديث أنس؛ لأنه أصح إسناد "وفي الباب عن جابر" وهي زيادة كما قال الشيخ أحمد شاكر لا لزوم لها؛ لأن الإشارة إلى حديث جابر تقدمت.
قال: وفي الباب عن جابر بن عبد الله تقدم، وإن كان مراده جابر بن سمرة فقد تقدم أيضاً حيث ذكره الترمذي فيما سبق.
هذا الحديث يدل على تعجيل الظهر، صلى حين زالت الشمس، يقول ابن الهمام وغيره من فقهاء الحنفية:"هو محمول عندنا على زمان الشتاء، أما في أيام الصيف فالمستحب الإبراد" وسيأتي حديث: ((إذا اشتد البحر فأبردوا)) في الباب الذي يليه، ويأتي بيان ما يراد بالخبر.
قال: "وهو محمول عندنا على زمان الشتاء" لا يلزم أن يكون في الشتاء في شدة البرد، في شدة البرد وفي اعتدال الجو وفي الحر المحتمل، بخلاف ما إذا اشتد الحر فالسنة التأخير، فقوله:"محمول على زمان الشتاء" ليس بدقيق، وإنما هو محمول على زمان الشتاء والربيع والخريف وأوائل الصيف، وأواخر الصيف إلا إذا اشتد الحر فالسنة الإبراد.
سم.
عفا الله عنك:
قال المؤلف:
باب: ما جاء في تأخير الظهر في شدة الحر:
حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم)).
وفي الباب عن أبي سعيد وأبي ذر وابن عمر والمغيرة والقاسم بن صفوان عن أبيه وأبي موسى وابن عباس وأنس رضي الله عنهم.
وروي عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا ولا يصح.
حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، وقد اختار قوم من أهل العلم تأخير صلاة الظهر في شدة الحر، وهو قول ابن المبارك وأحمد وإسحاق، وقال الشافعي: إنما الإبراد بصلاة الظهر إذا كان مسجداً ينتاب أهله من البعد، فأما المصلي وحده، والذي يصلي في مسجد قومه فالذي أحب له أن لا يؤخر الصلاة في شدة الحر.
ومعنى من ذهب إلى تأخير الظهر في شدة الحر هو أولى وأشبه بالاتباع، وأما ما ذهب إليه الشافعي أن الرخصة لمن ينتاب من البعد والمشقة على الناس فإن في حديث أبي ذر ما يدل على خلاف ما قال الشافعي.
قال أبو ذر: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأذن بلال بصلاة الظهر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((يا بلال أبرد ثم أبرد)) فلو كان الأمر على ما ذهب إليه الشافعي لم يكن للإبراد في ذلك الوقت معنى لاجتماعهم في السفر وكانوا لا يحتاجون أن ينتابوا من البعد.
قال رحمه الله: حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا أبو داود قال: أخبرنا شعبة عن مهاجر أبي الحسن عن زيد بن وهب عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في سفر ومعه بلال فأراد أن يقيم فقال: ((أبرد)) ثم أراد أن يقيم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أبرد في الظهر)) قال: حتى رأينا فيء التلول ثم أقام فصلى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن شدة الحر من فيح جهنم فأبردوا عن الصلاة)) هذا حديث حسن صحيح.
يقول الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في تأخير الظهر في شدة الحر"
. . . . . . . . .
حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم)).
. . . . . . . . .
الظهر ساعتين مثلاً هل يدخل البرد؟ هل يحصل البرد؟ هل يخف الحر؟ أو أخرنا ثلاث ساعات قبيل خروج وقتها؟ وهل صلاة العصر تقع في وقت بارد أو حار؟ حار، فهل ينحل الإشكال في تأخير الصلاة إلى آخر وقتها؟ الحديث في الصحيحين وغيرهما ليس لأحد كلام ((إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة)) وعند البخاري:((بالصلاة)) يقال: أبرد أي دخل في البرد، وأظلم إذا دخل في الظلام، وأنجد إذا دخل نجد، وأتهم إذا دخل تهامة وهكذا، فهل إذا أخرنا الصلاة إلى آخر وقتها هل نكون أبردنا يعني دخلنا في البرد في الوقت البارد؟ الليل ليس ببارد في الصيف فضلاً عن كوننا نؤخر الصلاة إلى آخر وقتها الحر لا يزول، لكن المراد دفع المشقة الحاصلة على المصلين إذا صليت الظهر في أول وقتها، لماذا إذا صليت في أول وقتها؟ لأنهم سوف يخرجون إلى الصلاة في الشمس، فالحيطان ليس لها ظل، لكن إذا أخرت الصلاة إلى آخر وقتها فإنه يكون للحيطان ظل، وأيضاً بالإمكان أن يكون الخروج للصلاتين مرة واحدة، إذا أخرت الظهر والسنة تعجيل العصر -على ما سيأتي- يكون المصلي يخرج إلى الصلاتين مرة واحدة، فتقل عليه المشقة علماً بأن العلة الأولى كافية، وهي أن يكون للحيطان ظل يستظل به من يخرج إلى صلاة الظهر يتحقق بذلك الإبراد؛ لأن المشي في الظل إبراد بالنسبة للمشي في الشمس ((إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة)) والمراد بها الظهر ((فإن شدة الحر من فيح جنهم))، ((اشتكت النار إلى ربها فأذن لها بنفسين نفس في الصيف ونفس في الشتاء فأشد ما تجدون من الحر هو من ذلك النفس، وأشد ما يوجد من البرد هو من ذلك النفس)) نفس الشتاء ((فإن شدة الحر من فيح جهنم)) يعني من سعة انتشارها وتنفسها، ومنه مكان أفيح أي متسع، وهذه كناية عن شدة استعارها في هذا الوقت، وإذا اشتد استعارها مع وجود النفس التي تتنفس فيه، لا شك أن الأثر يصل إلى الأرض فيتأذى بذلك أهلها.
قال رحمه الله: "وفي الباب عن أبي سعيد وأبي ذر" أبي سعيد عند البخاري، وأبي ذر عند البخاري ومسلم "وابن عمر" عند البخاري وابن ماجه "والمغيرة والقاسم بن صفوان" عند أحمد "عن أبيه" عند أحمد في المسند وعند الطبراني "وأبي موسى" عند النسائي "وابن عباس" عند البزار "وأنس" عند النسائي.
المقصود أنه جاء الأمر بالإبراد في أحاديث كثيرة مروية عن عدد من الصحابة، منها ما في الصحيحين ومنها ما هو خارج الصحيحين.
قال رحمه الله: "وروي عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا ولا يصح" رواه البزار وأبو يعلى، وفي إسناده محمد بن الحسن بن زبالة، وهو شديد الضعف، بل نسب إلى الوضع كوضع الأحاديث.
"قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح" وأخرجه الجماعة، إضافة إلى الترمذي: البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه "وقد اختار قوم من أهل العلم تأخير صلاة الظهر في شدة الحر" يعني الحديث صحيح وصريح في الأمر بالإبراد، والترمذي يقول: "اختار قوم من أهل العلم تأخير صلاة الظهر في شدة الحر، يعني من مزايا جامع الترمذي التي يمتاز بها عن كثير من كتب السنة الإشارة إلى أقوال أهل العلم وإلا فالعبرة والمعول على أمره عليه الصلاة والسلام.
قال: "وهو قول ابن المبارك وأحمد وإسحاق" وهو قول أبي حنيفة أيضاً "وقال الشافعي رحمه الله: إنما الإبراد بصلاة الظهر إذا كان مسجداً ينتاب أهله من البعد، فأما المصلي وحده والذي يصلي في مسجد قومه فالذي أحب له أن لا يؤخر الصلاة في شدة الحر".
هذه المسألة مسألة الرخص، الرخص عند وجود المشقة هل تختص بمن تتحقق فيه العلة وهي المشقة أو أن الرخصة إذا نزلت عمت؟ لو افترضنا أن شخصاً يسكن المسجد، وفي ليلة مطيرة جمع الناس الصلاة بين المغرب والعشاء، هذا الذي يسكن غرفته في المسجد، ولا يتضرر بالخروج إلى الصلاة، نقول: اجمع مع الناس وإلا انتظر؟ نعم؟
نقول: إن الرخصة إذا نزلت عمت، ولا يقتصر فيها من يشق عليه وإلا لم تنتظم الأمور؛ لأن الناس يتفاوتون في تقدير هذه المشقة، وذلك تابع لاهتمامهم وحرصهم على أمور دينهم من عدمه من جهة، وتابع أيضاً على قوة تحمل أجسامهم مع عدمه مع عدم هذه القوة من جهة أخرى، فالناس يتفاوتون، الحريص على إبراء ذمته ولو كان عليه خطر يقدم الصلاة في وقتها على هذه المشقة التي يحتملها وإن لم يحتملها غيره، الناس يتفاوتون في تقدير هذه الأمور، فمن الناس من هو حريص على إبراء ذمته فلا يجمع مهما كانت المشقة، ومن الناس من يتذرع بأدنى شيء، إذا رأى الغيم قال: اجمعوا، احتمال أن ينزل المطر في وقت صلاة العشاء، يعني قبل وجود السبب، فهم يتفاوتون، والمنظور إليه في هذه المسألة لا الأول ولا الثاني، المنظور إليه أوساط الناس، سواءً كان في اهتمامهم بأمر دينهم أو تحملهم تبعاً لقوة أجسادهم وضعفها، فالمنظور إليه الوسط.
هذه المشقة اللاحقة بسبب شدة حرارة الشمس قد يقول قائل: إنها الآن لا داعي لها، البيوت مكيفة والسيارات مكيفة والمكاتب في العمل مكيفة والمساجد مكيفة، ما له مبرر هذا، لكن ليس المنظور له المترف، وإن كان الترف صار صفة عامة بل غالبة لجل الناس، والترف جميع ما ورد فيه من النصوص جاءت على سبيل الذم له، فينبغي للإنسان أن يعود نفسه على شيء من المشقة.
هذا المترف إذا لم يجد السيارة في يوم من الأيام عند الباب يمكن ما يصلي في المسجد؛ لأنه عود نفسه على هذا الترف، فعليه أن يعود نفسه على شيء من المشقة فإن النعم لا تدوم، وانظر إلى حالك وحال نظرائك وأقرانك إذا تعطل الكهرباء، يستطيع أحد أن ينام في هذه الأيام بدون كهرباء؟ لا يستطيع، وكانوا ينامون، لكن لما تعودوا على هذا الترف صاروا لا يستطيعون، فعلى الإنسان أن يعود نفسه للظروف الطارئة؛ لأن النعم لا تدوم، وبعضهم يبالغ في استعمال هذه الآلات المريحة يبالغ فيه حتى تنقلب إلى الضد، إلى أن تكون ضارة، فتدخل بعض الأماكن ووجد هذا حتى في المساجد فيمرض بعض الناس بسببها، يعني المسألة مسألة تخفيف لهذا الحر الذي لا يطيقه كثير من الناس، ليس المراد أن يقلب الصيف شتاء، أن يقلب الصيف إلى شتاء.
قبل عشر سنوات جاء شخص من أبها إلى الشيخ ابن باز وهو في الطائف رحمه الله فقال له: لو جئت يا شيخ إلى أبها لكانت أفضل من الطائف، نسعر النيران في الظهر، ونلتحف البطاطين، قال الشيخ رحمه الله: إحنا نتأذى من الشتاء نفرح إذا خرج الشتاء فكيف نذهب إليه وفي مقدورنا أن نجلس هنا في الطائف والطائف جوه متوسط معتدل يعني ما هو مثل نجد وإلا الحجاز مكة فيه حرارة، وليس مثل أقاصي الجنوب وأعالي الجبال برودة شديدة، على أن الحرارة بدأت ترتفع تدريجياً حتى في أبها، أبها الآن تشغل المكيفات، وكثيراً ما يتحدثون عن الاحتباس الحراري، وتبحث المسألة على أعلى المستويات لإيجاد حلول لما يحصل على ما قالوا سنة خمسين، سنة (2050م) يقولون: إنه حر شديد لا يطاق، والله المستعان.
نعم ملاحظ أنه كل سنة أحر من التي قبلها، لا سيما في المصايف، لكن لا يعني هذا أننا نصل إلى هذا الحد في تصديق أعداء الله، سنة خمسين يقولون: السكنى على الأرض لا تطاق، لا بد من إيجاد حلول من الآن، وسئل بعض المهتمين بالإعجاز عن شدة البرد في الشتاء الماضي، في الشتاء الماضي حصل برد شديد أشد من العادة، قال: هذا سببه ما كسبت أيدي الناس، قلنا: هذا الكلام صحيح وطيب {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [(30) سورة الشورى] وبيان ذلك يقول وبيان ذلك: استنزاف خيرات الأرض التي تساهم في دفئها، يقصد استخراج البترول بكثرة، والله لما قال: بما كسبت أيدي الناس قلنا: هذا الكلام صحيح هذه عقوبات، لكن بيانه سيء، سببه استنزاف خيرات الأرض التي تساهم في دفئ الأرض، ويقصد بذلك البترول فيما بينه فيما بعد، يقول: يترك البتول في مكانه وتبقى الأرض دفئ، لكن إذا كان يدفئ في الشتاء ألا يزيد في حرارة الصيف، أو ينقلب تبريد في الصيف؟ كل هذا كلام لا أصل له ولا أساس له ولا يستند لا إلى عقل ولا إلى نقل، أما بما كسبت أيدي الناس فعلى العين والرأس هذا كلام رب العالمين، ويعفو عن كثير، ولا شك أن آثار الذنوب تأتي بمثل هذا وأشد.
يقول الإمام الشافعي: "إنما الإبراد بصلاة الظهر إذا كان مسجداً ينتاب أهله من البعد" يعني يأتي إليه أهله من أماكن بعيدة بحيث يتأثرون بحرارة الشمس حتى يصاب بعضهم بما يسمى بضربة الشمس أو ما أشبه ذلك، إذا كان يأتي من بعيد، أما إذا كان يأتي من مسافة قصيرة يخرج من بيته ويدخل المسجد هذا ما يضر، يقول الشافعي: مثل هذا لا يؤخر الصلاة، "إنما الإبراد بصلاة الظهر إذا كان مسجداً ينتاب أهله من البعد فأما المصلي وحده والذي يصلي في مسجد قومه فالذي أحب له أن لا يؤخر الصلاة في شدة الحر" يعني لعدم المشقة ولعدم تأذيه بالحر في الطريق، لكن عامة أهل العلم على أن الرخصة إذا نزلت نزلت للجميع، ولو كان بعضهم لا يتأذى بها، فإذا أخر الناس الصلاة أخر معهم ولو كنت ساكناً في المسجد.
"قال أبو عيسى: ومعنى من ذهب إلى تأخير الظهر" ....
"فأما المصلي وحده -يعني منفرداً- والذي يصلي في مسجد قومه -ولا يحضر من بعد- فالذي أحب له أن لا يؤخر الصلاة في شدة الحر" يعني لعدم المشقة هذا كلام الإمام الشافعي رحمه الله، "قال أبو عيسى: ومعنى من ذهب إلى تأخير الظهر في شدة الحر هو أولى وأشبه بالإتباع" لماذا؟ لموافقته ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير تفصيل ومن غير استفصال، ومذهب الشافعي رحمه الله الشافعي نفسه معروف عنه الجملة المشهورة: "ترك الاستفصال في مجال الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال" لم يستفصل النبي عليه الصلاة والسلام ولم يفصل النبي عليه الصلاة والسلام في الحر الموجود، ما قال هل هو لجميع الناس أو لبعض الناس أو من لم يتضرر به يفعل كذا، أو من تضرر به كذا، لم يقل هذا عليه الصلاة والسلام والاحتمال موجود حتى في عهده عليه الصلاة والسلام موجود، فالنبي عليه الصلاة والسلام داره الجدار بجدار المسجد، وله باب على المسجد، وأبو بكر له باب من بيته على المسجد، ما قال من كانت داره بعيدة عن المسجد فليؤخر الصلاة هذا ترك للاستفصال مع وجود الاحتمال الإمام الشافعي يقول: ينزل منزلة العموم في المقال، فيعم جميع المصلين، هذا كلام الشافعي نفسه.
"وأما ما ذهب إليه الشافعي أن الرخصة لمن ينتاب من البعد والمشقة على الناس" فإنه يرد عليه بالحديث السابق وعدم الاستفصال فيه، وأيضاً يرد عليه بحديث أبي ذر "فإن في حديث أبي ذر ما يدل على خلاف ما قال الشافعي".
"قال أبو ذر: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأذن بلال بصلاة الظهر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((يا بلال أبرد ثم أبرد)) فلو كان الأمر على ما ذهب إليه الشافعي لم يكن للإبراد في ذلك الوقت معنى لاجتماعهم في السفر، وكانوا لا يحتاجون أن ينتابوا من البعد.
يقول ابن حجر في فتح الباري: "جمهور أهل العلم يستحب تأخير الظهر في شدة الحر إلى أن يبرد الوقت وينكسر الوهج، وخصه بعضهم بالجماعة، فأما المنفرد فالتعجيل في حقه أفضل" يعني شخص معذور في بيته أو امرأة في بيتها تصلي الظهر، هل الأفضل في حقها التعجيل أو التأخير في شدة الحر؟ لا شك أن عموم الخبر يتناول الجميع، لكن العلة:((فإن شدة الحر من فيح جهنم)) العلة المنصوصة مفقودة بالنسبة للمنفرد من ذكر معذور أو أنثى تصلي في بيتها، ولذا للنظر في هذا مجال، ولو أخروا اتباعاً للأمر النبوي لما يلامون، لا يلامون في مثل هذا.
الإمام الترمذي يرد على الإمام الشافعي بحديث أبي ذر، وفي هذا فوائد فاعتراض الترمذي على الشافعي بحديث أبي ذر يدل على أن الترمذي ليس بشافعي المذهب كما ادعاه الشافعية وترجموا له في طبقاتهم، يدل على أنه ليس بشافعي المذهب، والمرجح في الأئمة كلهم أنهم مجتهدون، أصحاب الكتب الستة عدا أبي داود، فإنه من أصحاب الإمام أحمد، وأما من عداهم فالبخاري ترجم له في طبقات الحنفية مع أنه أشد مخالفة لهم من غيرهم، وترجم له في طبقات المالكية وترجم له في طبقات الفقهاء من سائر المذاهب، وكل يدعيه، ولا شك أن انتمائه لإمام من الأئمة شرف لهذا الإمام، لكن الحاصل والواقع أنه إمام مجتهد في مصاف الأئمة الأربعة، بل عنايته بصحيح السنة قد تكون أبلغ من عنايتهم بها.
قال رحمه الله: حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا أبو داود -يعني الطيالسي- قال: أنبأنا شعبة عن مهاجر أبي الحسن" وهذا وثقه الإمام أحمد وابن معين "عن زيد بن وهب" الجهني ثقة مخضرم "عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في سفر ومعه بلال فأراد أن يقيم" وفي رواية: أن يؤذن "فقال: ((أبرد)) ثم أراد أن يقيم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أبرد في الظهر)) قال -يعني فأبرد أكثر مما ذكر لبلال-: "حتى رأينا فيء التلول" جمع تل وهو ما اجتمع من تراب أو رمل كثيب من الرمل ومتى يكون له فيء؟ في وقت متأخر من وقت الظهر؛ لأنه ليس بمرتفع، ليس بشاخص مرتفع يكون له فيء واضح، إنما هو مستوي لكنه فيه ارتفاع؛ لأنه مجتمع بعضه فوق بعض، فإذا كان له فيء لا شك أن الوقت متأخر عن أول الوقت وعن أوسطه أيضاً "حتى رأينا فيء التلول، ثم أقام فصلى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم" والفيء هو الظل "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن شدة الحر من فيح جهنم فأبردوا عن الصلاة)) الكرماني في شرح البخاري وهو شافعي المذهب يرد على الترمذي، الترمذي يقول: هم مجتمعون، معه عليه الصلاة والسلام في مكان واحد لا يحتاج أن ينتابوا إلى موضع الصلاة من أماكن بعيدة، على هذا استدل الإمام الترمذي بحديث أبي ذر، لكن الكرماني يقول: العادة في العسكر الكثير تفرقهم في أطراف المنزل للتخفيف وطلب الرعي، يعني ما يجتمعون ويتضايقون في مكان واحد بل يتفرقون، للتخفيف يعني تخفيف الضغط على مكان واحد؛ لأن كثرة الناس في مكان واحد لا شك أن فيه شيء من المشقة والتعب، ولو لم يكن تعب جسدي، لكن الإنسان إذا أبعد الناس أحس بشيء من الراحة، للتخفيف وطلب الرعي فلا نسلم اجتماعهم في تلك الحالة، يقول ابن حجر: وأيضاً لم تجر عادتهم باتخاذ خباء كبير يجمعهم، يعني ما يضرب لهم خباء يجتمعون فيه، فيقال: هم مجتمعون، بل كانوا يتفرقون في ظلال الشجر، وليس هناك كِنٌ يمشون فيه، فليس في الحديث ما يخالف ما قاله الترمذي، يناقشون الترمذي في استدلاله بحديث أبي ذر على ضعف ما ذهب إليه الشافعي، ولا شك أن ما قاله الكرماني وابن حجر ظاهر، يعني الجيش إذا كان كبير يحتاجون
إلى أن يجتمع، يعني يعادلون حي من الأحياء، ويتفرقون تبعاً للبحث عن الظلال تحت الأشجار، وتبعاً لإبلهم ومواشيهم في تتبع الرعي، وأيضاً للتنفيس؛ لأن الاجتماع اجتماع العدد الكبير في مكان واحد لا شك أنه يوجد شيئاً من المشقة، فكلامهم ظاهر.
لكن يبقى أن الحديث باقٍ على عمومه لعدم الاستفصال وعدم التفصيل، وسواء كانوا ينتابونه من قرب أو من بعد فالمشقة حاصلة لبعضهم فتنزل الرخصة لجميعهم كما هو مقرر عند أهل العلم.
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود.
هذا بالنسبة لصلاة الظهر في شدة الحر فماذا عن الجمعة؟ الجمعة هي في وقت الظهر في شدة الحر، فهل نقول: يبرد بالجمعة كما يبرد بالظهر؟ أو نقول: إن الناس مأمورون بالتبكير لصلاة الجمعة؟ فيعانون بالتعجيل لا بالتأخير، إذا أمروا أن يأتوا في الساعة الأولى أو الثانية أو الثالثة هم مأمورون، وجاء الحث على التبكير، ((من بكر وابتكر)) إلى غير ذلك، هل يلغى هذا في الصيف، هذا الفضل يلغى في الصيف؟ أو هو باقٍ على عمومه في جميع أيام العام، وإذا كان استحباب التبكير باقياً في جميع العام فإنه لا يستحب تأخير الجمعة للمشقة على الموجودين الذين ينتظرون الصلاة، يعني نحن نعين بالتأخير الناس الذين لم يبكروا إلى الجمعة، هم في بيوتهم، نقول: لا تحضرون يعني بالإبراد كأننا نقول: لا تبكروا، لا تبكروا إلى الجمعة، اجلسوا في بيوتكم حتى يبرد الجو، ولذا قال ابن العربي: فرع إذا اشتد الحر فلا يبرد بالجمعة قاله سفيان، واختلف في ذلك أصحاب الشافعي والصحيح عندي مذهبنا؛ لأن الناس يبكرون إلى الجمعة والناس ينتابونها من بعد، فيخفف عنهم بالإسراع بها، قد يقول قائل: هؤلاء الذين بكروا إلى الجمعة جلسوا في المسجد والمسجد مظلل مسقوف، وهؤلاء الذين تأخروا إلى مجيء وقت شدة الحر الذي هو الزوال يقال لهم: تأخروا، فالذين في المسجد في ظل لا يتضررون بحر الشمس، والذين في بيوتهم عليهم أن يتأخروا حتى يُبرِدوا.
لكن المشقة في مثل هذا وإن دخل تخفيفها في حديث الباب إلا أن المشقة اللاحقة بمن حضر إلى صلاة الجمعة مبكراً أشد من المشقة اللاحقة بمن جاء إلى الجمعة متأخراً في وقت شدة الحر، والشارع لا يراعي طرف على حساب طرف، لا يمكن أن يراعي الشارع الذين تأخروا على حساب الذين تقدموا، وقد جاءوا بأمر من الشارع، كما أنه في الزكاة لا يراعي مصالح الفقراء على حساب الأغنياء، ولذا جاء في نصوص كثيرة مراعاة أحوال الأغنياء، ((وإياك وكرائم أموالهم)) فالجمعة لا تؤخر عن وقتها، بل تصلى في أول وقتها؛ ليعان أولئك الذين امتثلوا وجاءوا مبادرين مبكرين إلى الجمعة، ولا يؤخرون من أجل الذين تأخروا وخالفوا هذا الأمر، وهذا الحث على التبكير.
نقف على هذا؟