المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: في الاستتار عند الحاجة: - شرح سنن الترمذي - عبد الكريم الخضير - جـ ٥

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌باب: في الاستتار عند الحاجة:

ذكرتم أكثر من مرة طريقة الحفظ في الصحيحين وغيرهما، ولكن لم أستوعب تلك الطريقة؟ أرجو من فضيلتكم التوضيح في هذا الموضوع لأهميته؟

هذا -إن شاء الله- يصدر فيه كتابة بالأمثلة -إن شاء الله تعالى-، هذا مطلوب ومطروق، وجاءت الطلبات كثيرة أول ما ذكرناه في الجامعة الإسلامية، وبسطنا فيه الكلام، ثم فرغ من جهات من البحرين ومن ليبيا ومن جهات أخرى، وطلبوا المزيد فيه والتوضيح، ثم ينشر -إن شاء الله تعالى-.

ما هي الطريقة الجيدة لحفظ السند؟ وهل لحفظه كبير فائدة أم ما الفائدة؟

فأي فائدة أعظم من حفظ الأسانيد التي يتوقف عليها معرفة الصحيح من الضعيف؟ وأما طريقة الحفظ فمن خلال تحفة الأشراف، ينظر في الأسانيد للمكثرين فرب إسناد واحد تحفظه مرة واحدة ويروى به مئات الأحاديث، مثل هذا يعين، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه في الكثرة.

لمن أراد الحفظ في الصحيحين وغيرهما هل يحفظ من نفس المجلد أو يصوره على أجزاء ويحفظ؟ وأي الطبعات المناسبة لمن يريد أن يحفظ الصحيحين؟

بعض الناس يستطيع أن يستجمع الفكر ويقرأ الكتاب على ما هو عليه ويحفظ، وبعض الناس لا يستطيع حتى يجزئ الكتاب ويراه خفيفاً بيده ينشط له، وبعض الناس لا يستطيعون الحفظ إلا بعد كتابة ما يريد حفظه، والكتابة مجربة ونافعة وترسخ الحفظ، إذا أردت حديث تحفظه اقرأه وقابله على الأصل مرة مرتين حتى تظن أنك أتقنته ثم احفظه يسهل عليك هذا.

سم.

بسم الله.

والحمد الله، والصلاة والسلام على رسول الله، قال الإمام الترمذي رحمه الله:

‌باب: في الاستتار عند الحاجة:

حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد السلام بن حرب الملائي عن الأعمش عن أنس قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض"

هكذا روى محمد بن ربيعة عن الأعمش عن أنس هذا الحديث.

وروى وكيع والحماني عن الأعمش قال: قال ابن عمر: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض" وكلا الحديثين مرسل.

ص: 10

ويقال: لم يسمع الأعمش من أنس بن مالك ولا من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نظر إلى أنس بن مالك قال: رأيته يصلي فذكر عنه حكاية في الصلاة، والأعمش اسمه: سليمان بن مهران أبو محمد الكاهلي، وهو مولى لهم قال الأعمش: كان أبي حميلاً فورثه مسروق.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

فيقول الإمام المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الاستتار عند الحاجة" في الاستتار عند الحاجة يعني عند قضاء الحاجة لما يتطلبه ذلك من كشف للعورة فلا بد من الاستتار.

"قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا عبد السلام بن حرب الملائي" أبو بكر الكوفي، ثقة حافظ، توفي سنة سبع وثمانين ومائة "عن الأعمش عن أنس" الأعمش سليمان بن مهران عن أنس بن مالك الصحابي الجليل "قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد الحاجة" يعني إذا أراد قضاء الحاجة، فأراد القعود لها "لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض" يعني لا يترك مدة بين كشف العورة وبين قضاء الحاجة، بل يكون قضاء الحاجة مباشر لكشف العورة بعده مباشرة؛ لأن كشف العورة لا يتم قضاء الحاجة إلا به، فيكون كشف العورة للحاجة، والحاجة لا يتعدى بها موضعها، فقد جاء الأمر بالاستتار، ((احفظ عورتك)) وجاء الأمر بستر الفخذ ((غط فخذك)) فكيف بالعورة المغلظة؟ لا يجوز نظر أحد لا تنظر إليه ولا ينظر إليك، اللهم إلا ما كان بين الزوجين مما استثني.

"كان عليه الصلاة والسلام إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض" مبالغة في الاستتار "يدنو من الأرض" يعني يقرب منها، محافظة على التستر، واحترازاً عن كشف العورة.

"قال أبو عيسى: هكذا روى محمد بن ربيعة" الكلابي الرؤاسي، ابن عم وكيع الإمام ابن الجراح المعروف، محمد بن ربيعة رواه عن الأعمش، يعني موافقاً لمن؟ لعبد السلام بن حرب المذكور في أصل الحديث، عن الأعمش عن أنس فهذه متابعة لمحمد بن ربيعة يتابع فيها عبد السلام بن حرب.

ص: 11

"قال: وروى وكيع و -أبو يحيى- الحماني" عبد الحميد بن عبد الرحمن الكوفي، وثقه ابن معين، وضعفه أحمد وابن سعد، قال ابن حجر: صدوق يخطئ "عن الأعمش قال: قال ابن عمر: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض" الرواية الأولى والحديث الأول حديث أنس مخرج في الدارمي وهذا عند أبي داود والدارمي، يقول: "وكلا الحديثين مرسل" المرسل عند أهل العلم المعتمد في تعريفه أنه ما يرفعه التابعي إلى النبي عليه الصلاة والسلام، لكن الذي عندنا مما وصفه الإمام المؤلف بالإرسال يرفعه أنس إلى النبي عليه الصلاة والسلام، والثاني يرفعه ابن عمر إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فليس مرسلاً إرسال اصطلاحي، وإنما هو بالمعنى الأعم يعني منقطع، وما دام الإرسال انقطاع يشمله المعنى الأعم، ولذا يقول الحافظ العراقي في تعريف المرسل:

مرفوع تابع على المشهورِ

مرسل أو قيده بالكبيرِ

أو سقط راوي منه ذو أقوالِ

. . . . . . . . .

يعني هذا سقط منه راوي، في الحديثين سقط من كل منهما راوٍ وهو ما بين الأعمش والصحابي، فالحديث يرويه الأعمش عن أنس بواسطة، ويرويه عن ابن عمر بواسطة، ولذا قال الإمام المؤلف رحمه الله:"وكلا الحديثين مرسل" يعني منقطع على التعريف الثالث للمرسل، وهو المعنى الأعم "ويقال: لم يسمع الأعمش من أنس ولا من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم" يعني لم يسمع من أنس ولم يسمع من ابن عمر إذاً الحديث أو كلا الحديثين منقطع "وقد نظر إلى أنس بن مالك قال: رأيته يصلي، فذكر حكاية عنه في الصلاة" قال على بن المديني: الأعمش لم يسمع من أنس إنما رآه بمكة يصلي خلف المقام، وقال المنذري: ذكر أبو نعيم أن الأعمش رأى أنس وابن أبي أوفى وسمع منهما، والذي قاله الترمذي هو المشهور، يعني لم يثبت سماع الأعمش عن أحد من الصحابة، ولذا يقول المؤلف رحمه الله:"لم يسمع الأعمش من أنس ولا من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم" إنما له مجرد رؤية؛ ولذا عد من صغار التابعين، وإن لم يسمع من أحد منهم، وإنما رأى أنس بن مالك يصلي خلف المقام.

ص: 12

ثم قال المؤلف رحمه الله: "والأعمش اسمه: سليمان بن مهران أبو محمد الكاهلي" ثقة، حافظ، قارئ، معروف بالتدليس رحمه الله "وهو مولى لهم" مولى لبني كاهلة، وليس من أنفسهم "قال الأعمش: كان أبي حميلاً فورثه مسروق" حميل فعيل بمعنى محمول، مثل جريح وقتيل بمعنى مقتول ومجروح، والحميل هو الذي يحمل من بلده صغيراً ولم يولد في الإسلام، وهذا اختلف في توريثه "قال الأعمش: كان أبي حميلاً فورثه مسروق" يعني جاء مع أمه وادعته أمه وورثه مسروق منها، وهذا رأيه، ومسروق هو ابن الأجدع بن مالك الهمداني الكوفي، ثقة، فقيه، عابد، مخضرم، معروف مشهور، سيد من سادات التابعين، ورثه مسروق وهذا رأيه، والخلاف في توريث الحميل معروف، يعني جيء به محمول من بلد إلى بلد، ولا يعرف ما نسبه ولا من أبوه إنما يدعيه هذا الذي حمله، حملته امرأة جاءت به فقالت: هذا ولدي ولم تحضر بينه ورثه مسروق، وغيره من أهل العلم لا يورثونه، وأبا عمر رضي الله عنه توريث مثل هذا النوع، ولو يستثنوا من ذلك إلا إذا جاء به رجل وادعاه قال: هذا ابني وصدقه الولد.

ص: 13

يقول المحشي: الحميل بفتح الحاء المهملة الذي يحمل من بلده صغيراً ولم يولد في الإسلام، ومنه قول عمر -رضي الله تعالى عنه- في كتابه إلى شريح: الحميل لا يورث إلا ببينة، سمي حميلاً لأنه يحمل صغيراً من بلاد العدو ولم يولد من بلاد الإسلام قاله في اللسان، وقال الشارح: وفي توريثه من أمه التي جاءت معه وقالت: إنه هو ابنها خلاف، فعند مسروق أنه يرثها، فلذلك ورث والد الأعمش أي جعله وراثاً، وعند الحنفية أنه لا يرث من أمه، قال محمد بن الحسن في الموطأ: أخبرنا مالك قال: أخبرنا بكير بن عبد الله بن الأشج عن سعيد بن المسيب قال: أبى عمر بن الخطاب أن يورث أحد من الأعاجم إلا ما ولد في العرب، قال محمد: وبهذا نأخذ، لا يورث الحميل الذي يسبى وتسبى معه امرأة فتقول: هو ولدي، أو تقول: هو أخي، أو يقول: هي أختي، ولا نسب من الأنساب يورث إلا ببينة إلا الوالد والولد، يعني إذا ادعى الوالد أن هذا ولده، وادعى الولد أن هذا أبوه يورث كل منهما من الآخر، فإن ادعى الوالد أنه ابنه وصدقه فهو ابنه ولا يحتاج في هذا إلى بينة، ولا يحتاج في هذا إلا بينة، هذا ما نقله محمد بن الحسن في موطئه عن مالك، يقول: أخبرنا مالك عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سعيد بن المسيب قال: أبى عمر، وهذا صحيح إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإلا لو لم يثبت هذا عن عمر لقلنا: ما الفرق بين الوالد والوالدة؟ وقد تكون دعاوى الرجال أكثر من دعاوى النساء، يعني الرجل يدعيه أكثر مما تدعيه المرأة، لكن ما دام ثبت هذا عن هذا الخليفة الراشد عمر بن الخطاب لا كلام لأحد، والمسألة ليس فيها نص، وإلا فالأصل أن الدعاوى لا تقبل إلا ببينة، البينة على المدعي، فإذا ادعى يحضر البينة وإلا فالأصل العدم، لكن مثل هذه الأمور -أمور الأنساب- تختلف عن أمور الأموال، فأمور الأنساب يكتفى فيها بالاستفاضة، يكتفى فيها بالاستفاضة، إذا استفاض بين الناس أن هذا ولد فلان، وأن هذا أبوه فلان يكفي، ويشهد عليه وإلا ففيه إثبات كثير من هذه الأمور وهذه الدعاوى خرط القتاد، يعني لو جاء واحد بيروح إلى الأحوال يبي إثبات جنسية، يبي يستخرج بطاقة، لو استدعى أحد الجيران الذين يعرفونه منذ أن ولد إلى أن

ص: 14

طلب هذا الطلب لا يمكن أن يشهد أحد بشهادة حقيقة باطنة على حقيقة الأمر، ما هناك إلا الاستفاضة؛ لأنه ما الذي يترتب على الشهادة الحقيقة الباطنة التي على مثلها فشهد وإلا فدع؟ ماذا يترتب عليه؟ نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

ص: 15

لا، لا، أنا أقول: في مثل هذه الصورة، يأتيك ابن جيرانك مثلاً وقد أكمل السن القانونية النظامية ويريد استخراج بطاقة يقول: تشهد لي أني ولد فلان، تشهد بالاستفاضة أنه ولد فلان، لكن حقيقة الأمر ما تدري، نعم، لكن مثل هذا يكتفى فيه بالاستفاضة عند أهل العلم، ودون إثبات حقيقة الأمر خرط القتاد، ما الذي شهد العملية من بدايتها إلى نهايتها، فالاستفاضة في مثل هذا كافية، وعلى كل حال فالحديث رغم انقطاعه والإشكال فيه أنه يرويه راوي الحديث الأول، وإلا فالانقطاع في مثل هذه الصورة ينجبر لو لم يكن الراوي هو راوي الحديث الأول، يعني لو كان راوي الحديث الثاني عن ابن عمر غير الأعمش؛ ولو كان منقطعاً، إذا كان يرويه غير من يروي المنقطع الأول، كما قيل فيما يعتضد به المرسل، أن يروى من غير طريق رجال المرسل الأول ينجبر أما في هذه الحالة فقد يكون من اختلاف الرواة عن الأعمش، اختلاف الرواة عن الأعمش، هل هو من حديثه عن أنس وإن كان منقطعاً أو هو من حديثه عن ابن عمر؟ وهذا لا شك أنه اختلاف مؤثر، مع ما فيه من الانقطاع، وعلى كل حال جاءت النصوص بالأمر بستر العورات، وأنها لا تكشف إلا للزوجة أو ما ملكت اليمين، وما اضطر الإنسان إليه في حالة قضاء الحاجة، أو في حالة علاج يُحتاج إليه، حاجة بالفعل ما هو بأدنى حاجة تكشف العورة، والآن التساهل من كثير من المرضى، وكثير من الأطباء ولو بغير حاجة تجده يكشف، والثياب التي يلبسونها المرضى لا تستر، وليست الحجة داعية إلى ذلك، تكون مفتوحة من الخلف أو من الأمام، ما في حاجة داعية إلى هذا، فعليهم أن يتقوا الله -جل وعلا-، ويقتصروا في هذه الأمور التي هي على خلاف الأصل على قدر الحاجة، وما عدا ذلك يبقى على المنع، تجده سليم معافى ما في شيء يذهب يصلي في المسجد ويرجع وعليه الثوب هذا اللي شبه عاري، نعم يحتاط لنفسه ويربطه وقد يلبس تحته شيء لكن يبقى ما الداعي إلى مثل هذا الثوب؟ أيضاً تساهل كثير من الأطباء وكثير من المرضى في الكشف عن العورات مع أنه قد لا يحتاج إليها، أمور قد يستغنى بالكلام عن مباشرة النظر إلى العورات، ويتساهل الرجال في النظر إلى النساء، والنساء في النظر إلى الرجال، وقد يزيد

ص: 16