المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

والشرط العاشر: دخول وقت على من حدثه دائم لفرضه، والمعنى - شرح شروط الصلاة وأركانها وواجباتها لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب

[عبد المحسن العباد]

الفصل: والشرط العاشر: دخول وقت على من حدثه دائم لفرضه، والمعنى

والشرط العاشر: دخول وقت على من حدثه دائم لفرضه، والمعنى أن من كان به سلس بول أو تخرج منه الريح باستمرار وكذا المرأة المستحاضة، فإن هؤلاء يتوضؤون عند دخول الوقت لكل صلاة مفروضة، فلو توضأ أحدهم لصلاة الظهر بعد دخول وقتها وصلاها ثم دخل عليه وقت العصر، فلا يصلي العصر بوضوء الظهر، بل عليه أن يتوضأ بعد دخول العصر لصلاة العصر، ويدل لذلك أمره صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش - وكانت مستحاضة - أن تتوضأ لكلِّ صلاة، أخرجه البخاري (228) من حديث عائشة رضي الله عنها.

ص: 12

‌فروض الوضوء

قوله: [وأما فروضه فستة: غسل الوجه - ومنه المضمضة والاستنشاق - وحدّه طولاً: من منابت شعر الرأس إلى الذقن، وعرضاً: إلى فروع الأذنين،

ص: 12

وغسل اليدين إلى المرفقين، ومسح جميع الرأس - ومنه الأذنان - وغسل الرجلين إلى الكعبين والترتيب والموالاة، والدليل قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ (} [المائدة:6]، ودليل الترتيب حديث:"ابدؤا بما بدأ الله به"، ودليل الموالاة حديث صاحب اللمعة: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما رأى رجلاً في قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره بالإعادة] .

صفة الوضوء جاءت مبينة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ففي كتاب الله عز وجل جاءت في سورة المائدة في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ (} [المائدة:6]، ومعنى قوله:(إذا قمتم إلى الصلاة) أي: أردتم القيام لها وأنتم

ص: 13

على غير طهارة، مثل قوله تعالى:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل:98]، أي: إذا أردت القراءة، وأما سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فقد جاءت من قوله وفعله صلى الله عليه وسلم ومن ذلك: عن حمران مولى عثمان بن عفان أنه رأى عثمان دعا بوَضوء فأفرغ على يديه من إنائه فغسَلَهما ثلاث مرات، ثم أدخل يمينه في الوضوء، ثم تمضمض واستنشق واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ويديه إلى المرفقين ثلاثاً، ثم مسح برأسه، ثم غسل كل رجل ثلاثاً، ثم قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ نحو وضوئي هذا، وقال:"من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه، غفر الله له ما تقدّم من ذنبه". رواه البخاري (164) ومسلم (226) ، وغسل الأعضاء ثلاثاً هو الوضوء الكامل، ولا يجوز الزيادة على ذلك، وقد جاء الوضوء مرتين مرتين ومرة مرة، والوضوء الواجب مرة واحدة

ص: 14

مستوعبة جميع أعضاء الوضوء، وفروض الوضوء ستة:

الأول: غسل الوجه، وحدّه طولاً من منابت شعر الرأس إلى ما استرسل من اللحية، وعرضاً: ما دون الأذنين، والأذنان في الوضوء من الرأس فتمسحان، وليستا من الوجه فتغسلان، وتخليل اللحية مستحب، والواجب في غسل الوجه غسل ما به المواجهة، فلا يدخل في ذلك تخليل اللحية، ويدخل في غسل الوجه المضمضة والاستنشاق، كما جاء ذلك مبيناً في حديث عثمان رضي الله عنه وغيره.

الثاني: غسل اليدين إلى المرفقين: وذلك من أطراف الأصابع إلى نهاية المرفقين، والمرفقان داخلان في الغسل، ولا يكفي في غسل الكفين في الوضوء غسلهما قبل بدء الوضوء، لأن ذلك مستحب إلاّ عند القيام من النوم، فإنه واجب، وغسل اليدين يكون بعد غسل الوجه، فلا يكفي ما كان قبله.

ص: 15

الثالث: مسح الرأس: ويكون مرّة واحدة يبدأ فيها من مقدّم رأسه إلى مؤخره ثم يعود إلى المكان الذي بدأ منه، وما استرسل من شعر المرأة فإنه لا يمسح، بل يكتفى بالمسح إلى مؤخر الرأس ويمسح مع الرأس الأذنان.

الرابع: غسل الرجلين إلى الكعبين: والكعبان داخلان في الغسل، وفي كل رجل كعبان، وليس المراد بالكعبين العظمين الناتئين في ظهر القدم كما يزعمه بعض فرق الضلال، فيمسحون إليهما، فإن فرض الرجلين الغسل وليس المسح، وقد دلت قراءة {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} بفتح اللام، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم التي بينت صفة الوضوء على ذلك، وأما قراءة الكسر في {وَأَرْجُلَكُمْ} فهي محمولة على الغسل الخفيف جمعاً بين القراءتين، والاعتماد عليها وترك غسل الرجلين الذي دلت عليه قراءة النصب، ودلت

ص: 16

عليه السّنّة هو من اتباع المتشابه وترك المحكم، ويكفي في معرفة ضلال من ضل عن الحق في مسألة غسل الرجلين والاكتفاء بمسح ظهورهما، أنهم حرموا أنفسهم سيما التحجيل التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم:"إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء". أخرجه البخاري (136) ومسلم (580) عن أبي هريرة، وأنهم عرّضوا أنفسهم للوعيد الذي جاء في قوله صلى الله عليه وسلم:"ويل للأعقاب من النار". أخرجه البخاري (165) ومسلم (242) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

الخامس: الترتيب: فيجب غسل أعضاء الوضوء على الترتيب الذي جاء في الآية، وجاء في فعله صلى الله عليه وسلم في وضوئه فلا يجوز أن يقدم غسل اليدين على غسل الوجه، ولا مسح الرأس على غسل اليدين وهكذا، أما لو غسل اليد اليسرى قبل اليمنى أو الرجل اليسرى قبل اليمنى فإن الوضوء صحيح إجماعاً، وهو

ص: 17

خلاف الأولى، قال الحافظ ابن حجر في الفتح (1/270) : قال النووي: "قاعدة الشرع المستمرة استحباب البداءة باليمين في كل ما كان من باب التكريم والتزيين، وما كان بضدهما استحب فيه التياسر، قال: وأجمع العلماء على أن تقديم اليمين في الوضوء سنّة، من خالفها فاته الفضل وتمَّ وضوءه"، ثم نقل عن ابن قدامة في المغني أنه قال: لا نعلم في عدم الوجوب خلافاً.

وقد استدل الشيخ رحمه الله للترتيب بحديث: "ابدؤا بما بدأ الله به"، قال صلى الله عليه وسلم ذلك عندما بدأ بالصفا في سعيه، والحديث بلفظ الأمر جاء في سنن النسائي (2962) وهو في صحيح مسلم (2950) بلفظ الخبر وهو من حديث جابر الطويل في صفة حجه صلى الله عليه وسلم، وفيه:"فلما دنا من الصفا قرأ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} ، "أبدأ بما بدأ الله به"، فبدأ

ص: 18

بالصفا فرقي عليه حتى رأى البيت"، وانظر إرواء الغليل (1120) ، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: "أبدأ بما بدأ الله به" أن الله لما ذكر الصفا والمروة قدّم الصفا على المروة، فما بدأ الله به ذكراً بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسعي فعلاً.

السادس: الموالاة: وهو أن يوالي بين الأعضاء في الغسل فلا يغسل بعضها ثم ينشغل عن الاستمرار في الوضوء، إلاّ إذا كان الانشغال لعارض يسير كفتح باب قريب فإنه لا يؤثر، ويدل لوجوب الموالاة حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه:"أن رجلاً توضأ فترك موضع ظفر على قدمه، فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ارجع فأحسن وضوءك"، فرجع ثم صلّى". أخرجه مسلم (243)، وحديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: "أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي، وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء

ص: 19