المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أثر فتنة خلق القرآن وما أدت إليه - شرح صحيح مسلم - حسن أبو الأشبال - جـ ١

[حسن أبو الأشبال الزهيري]

فهرس الكتاب

- ‌ المقدمة - ترجمة الإمام مسلم بن الحجاج

- ‌سبب اختيار صحيح مسلم في هذا الدرس

- ‌ترجمة الإمام مسلم رحمه الله

- ‌نسبه

- ‌مولده

- ‌طلبه للعلم وشيوخه

- ‌أثر فتنة خلق القرآن وما أدت إليه

- ‌تلاميذه ومن رووا عنه

- ‌كلام أهل العلم في الإمام مسلم

- ‌وفاة الإمام مسلم رحمه الله

- ‌حول صحيح مسلم ومقدمته

- ‌دوافع مسلم لتصنيف صحيحه

- ‌جهود الإمام مسلم في تصنيف صحيحه

- ‌مقدمة الإمام مسلم على الصحيح

- ‌الحديث المعنعن بين البخاري ومسلم

- ‌منهج الإمام مسلم في ترتيبه لصحيحه

- ‌الدفاع عن الإمام مسلم في إخراجه أحاديث من هم محل نظر عند أهل العلم

- ‌مميزات صحيح مسلم على صحيح البخاري

- ‌اعتناء مسلم بالتمييز بين (حدثنا وأخبرنا) وتقييد ذلك على مسالكه

- ‌أهمية صحيح مسلم من حيث تتابع رواياته وطرقه في الباب الواحد

- ‌قلة المعلقات في صحيح مسلم

- ‌مميزات صحيح البخاري على صحيح مسلم

- ‌استفادة مسلم من البخاري واعترافه بأنه ليس له نظير في الحديث

- ‌سداد وقوة شرط البخاري في صحيحه على شرط مسلم

- ‌البخاري أكثر تمييزاً لرواياته من مسلم

- ‌تميز البخاري بتبويب صحيحه تبويباً يظهر فقهه

- ‌ذكر بعض الكتب الشارحة لصحيح مسلم

- ‌الأسئلة

- ‌حكم حديث الخاطب مع خطيبته

الفصل: ‌أثر فتنة خلق القرآن وما أدت إليه

‌أثر فتنة خلق القرآن وما أدت إليه

محمد بن يحيى الذهلي هو أول من سمع منه مسلم بنيسابور، وكان شيخاً جليلاً، وكان إمام نيسابور في الحديث، فالإمام مسلم تلميذه وخريجه كذلك، ولكنه لم يرو عنه في صحيحه، حتى قيل: إن الإمام مسلم أخذ عن محمد بن يحيى الذهلي مقدار حِمل بعير من الأحاديث والأسانيد، ولكن حدثت شحناء بين الإمام مسلم وبين شيخه محمد بن يحيى الذهلي، واختلف أهل العلم في سبب هذه الشحناء فقيل: إن علي بن داود حينما نزل نيسابور عقد مجلساً حضره مسلم كما حضره يحيى بن محمد بن يحيى الذهلي، فأُثيرت مسألة، فأراد يحيى الذهلي أن يتكلم في هذه المسألة؛ فقال علي بن داود: اسكت أنت، فغضب لهذا الإحراج، ثم انصرف من المجلس، فأتى إلى أبيه وقال: لقد حدث كذا وكذا.

قال: من حضر المسجد؟ قال: مسلم.

قال: أولم يذب عنك؟ قال: لا، فغضب محمد بن يحيى الذهلي، وتنكّر بعد ذلك للإمام مسلم، ثم عامله الإمام مسلم بمثل معاملته أيضاً، ولكن هذا سبب لا أظن أنه يؤثر على مثل الإمام الذهلي، كما أنه لا يؤثر على مثل الإمام مسلم.

ولعل الراجح في سبب الشحناء بين الإمامين هي الفتنة التي أُثيرت في ذلك الزمان وهي فتنة خلق القرآن الكريم.

وأنتم تعلمون أن أول من تعرّض لهذه الفتنة هو الإمام أحمد بن حنبل وصبر فيها، وأيد الله عز وجل الدين بثباته وقيامه على هذا الأمر، وذبّه عن حياض صفات الله عز وجل، فهذه الفتنة كانت هي بمثابة البلاء والاختبار لأهل العلم من المحدثين والفقهاء في صدر الدولة العباسية، حتى أتى بعد ذلك من خلفاء الدولة العباسية من أخمد هذه الفتنة، وعلى أية حال في حياة الإمام البخاري ومسلم كانت هذه الفتنة في أوجها، فتعرّض لها الإمام البخاري في بغداد وفي بخارى وفي نيسابور كذلك، وحينما دخل الإمام البخاري إلى نيسابور كان محمد بن يحيى الذهلي يحث الناس على الخروج لاستقبال الإمام البخاري على مشارف المدينة، حتى خرج الناس وسدوا الطرق احتفاء بالإمام البخاري، ولكن هذا أثّر بعد ذلك على مجلس الإمام محمد بن يحيى الذهلي، وأهل العلم يغار بعضهم من بعض كما تغار التيوس في زرائبها، فدخل في نفسه من الإمام البخاري، حيث أن الناس أقبلوا على البخاري حتى ملأ الناس الشوارع والبيت، وصعدوا السطح الذي كان يسكنه الإمام البخاري، في الوقت الذي انفضوا عن الإمام محمد بن يحيى الذهلي، فوشى به عند السلطان في أمر خلق القرآن، والحق أن كلام الإمام البخاري هو الذي يوافق أهل السنة والجماعة، وانتحل مسلم أيضاً مذهب البخاري في مسألة خلق الأفعال.

إن الإمام محمد بن يحيى الذهلي لم يدفعه إلى ذلك سوء اعتقاده في المسألة، إنما الذي دفعه إلى ذلك حنقه وحسده على الإمام البخاري، فلما حدث هذا وأُخرج البخاري من نيسابور بسبب هذه الفتنة أيضاً، كما أُخرج من بغداد وبخارى وغيرها، أقبل الطلاب بعد ذلك على مجلس الذهلي، ولكن الذهلي لم ينس انصراف مسلم عنه وإقباله على البخاري، فقال في المجلس: من قال باللفظ في القرآن فليعتزل مجلسنا، يقصد بذلك الإمام مسلم، ففهمها مسلم وكان معه كراريس وعباءة، فوضع العباءة على كتفه وأخذ كراريسه تحت إبطه وقام من المجلس وانصرف، وما هي إلا دقائق معدودة حتى أرسل له بكل مسموعاته، أي كل ما سمعه من الذهلي أرسله إليه مع حمّال أو قال جمّال، فكان ما أرسله حِمل بعير.

يقول الإمام الذهبي معلقاً على هذه الحادثة: فما ضر الذهلي عند الله عز وجل ما فعله مسلم، ولكنه ضر مسلماً، ثم إن الإمام مسلماً في المقابل -الذي لا يخطر على بال- أيضاً امتنع من الرواية عن الإمام البخاري.

أي: أن سبب الفتنة التي بينه وبين الذهلي هو الإمام البخاري، ومع هذا يمتنع من الرواية عن الذهلي وعن البخاري في الوقت نفسه.

ولذلك الخطيب البغدادي يقول: وإنما كان ذلك لحدة في خُلقه.

أي في خلق الإمام مسلم، والإمام البخاري كذلك هو من أجل شيوخ مسلم، ولكنه لم يرو عنه لا في الصحيح ولا في غيره.

ص: 7