المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: سجود السهو - شرح عمدة الأحكام - عبد الكريم الخضير - جـ ١٢

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌باب: سجود السهو

الحديث الضعيف غير شديد الضعف هل يرتقي إلى الحسن لغيره إذا أتى من حديث آخر مثله، وإن لم يوافقه الثقات؟ يقول: لأني قرأت بعض المؤلفات وهم لا يحسنون الحديث الضعيف بمثله إلا إذا وافق الثقات.

إيش معنى الموافقة؟ وإيش معنى المخالفة؟ إذا تضمن مخالفة لا يحتج به.

الطالب:. . . . . . . . .

يعني حديث تفرد به، وهو لا يحتمل تفرده، ووجد ما يشهد له، هو ما تفرد، الصدوق الآن يحسنون حديثه، يكون حسن لذاته، لكن يبقى أن الحديث إذا تفرد به من لا يحتمل تفرده يحكم عليه أهل العلم بالنكارة، لكن إن وافقه مثله عرف أن له أصل، لو جاءت كلها غير شديدة الضعف تدل على أن له أصلاً -إن شاء الله-.

الأسئلة كثيرة جداً، وتحتاج إلى وقت طويل، فنكتفي بهذا.

سم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المصنف -رحمه الله تعالى-:

‌باب: سجود السهو

عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي، قال ابن سيرين: وسماها أبو هريرة، ولكن نسيت أنا، قال: فصلى بنا ركعتين ثم سلم، فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان، ووضع يده اليمنى على اليسرى، وشبك بين أصابعه، وخرجت السرعان من أبواب المسجد، فقالوا: قصرت الصلاة، وفي القوم أبو بكر وعمر، فهابا أن يكلماه، وفي القوم رجل في يديه طول، يقال له: ذو اليدين، فقال: يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة؟ قال: ((لم أنسَ ولم تقصر)) فقال: ((أكما يقول ذو اليدين؟ )) فقالوا: نعم، فتقدم فصلى ما ترك، ثم سلم، ثم كبر، وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه فكبر ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر، فربما سألوه ثم سلم، فنبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم.

هذا يسأل عن كلام ابن القيم الذي أشرنا إليه قريباً في شرح حال المقربين.

ص: 23

هذا في طريق الهجرتين، رسم منهج وخطة يسير عليها المقربون من أول اليوم إلى آخره، وبعد أن رسمها بدقة أقسم أنه ما شم لهم رائحة، لكن عل الله -جل وعلا- أن يفيد منها بعض المسلمين، فيكتب له مثل أجره، وهي خطة مرسومة بدقة، تنبئ عن حال من يقوم بها، ويطبقها، والله المستعان.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب: سجود السهو

الباب مر بنا مراراً، والسجود معروف، الهيئة المعروفة المعهود في الصلاة، وإضافة السجود إلى السهو من إضافة المسبب إلى سببه، فالمسبب هو السجود، وسببه السهو في الصلاة، والسهو والغفلة والنسيان أمور متقاربة جداً، السهو والغفلة والنسيان كلها عزوب ذكر الشيء عن القلب.

ص: 24

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي" إما الظهر أو العصر، هاتان هما صلاتا العشي، وجاء في رواية عند مسلم الجزم بأنها العصر، يقول: وسماها "قال ابن سيرين: وسماها أبو هريرة، و

نسيت أنا، قال: فصلى بنا" هذا هو السبب في ذكره في السند وإلا فالأصل الاقتصار على الصحابي، قال: فصلى بنا ركعتين ثم سلم؛ لأنه لو قال: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي، ولم يذكر تعيينها أو الشك فيها نسب الإبهام إلى أبي هريرة، لكن أبا هريرة سمى الصلاة، لكن الذي نسيها ابن سيرين، قال: فصلى بنا ركعتين ثم سلم، صلاة الظهر أو العصر، قد يقول قائل: هذا النبي عليه الصلاة والسلام، فعلى أسلوب العامة: "إحنا ما علينا شرهة" لو نسلم من ركعة، إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام سلم من نصف الصلاة، والنبي عليه الصلاة والسلام بشر ينسى كما تنسون، لكن إنما ينسى ليسن، يعني لو لم يقع مثل هذا متى يتبين الحكم، من نعم الله -جل وعلا-، وفي هذا سلوة للمسلمين أن نسي النبي عليه الصلاة والسلام في صلاته، والمسلمون ينسون كغيرهم، وجاء الحث على أن يعقل المسلم صلاته، ويحرص على ذلك، لكن لا يمنع من وقوع السهو في الصلاة، والإشكال في السهو عن الصلاة، أما السهو في الصلاة، فهو حاصل من النبي عليه الصلاة والسلام، حتى ذكر بعض أهل العلم الخلاف في الشخص الذي يحصل منه ويقع منه السهو في صلاته، والذي لا يقع منه السهو ألبتة، أيهما أفضل؟ وإذا لحظنا أن بعض الناس إذا كان منفرد أو مأموم كثر السهو عنده والغفلة، وإذا صار إمام تمر السنين ما سها ولا غفل، هذا يوضح لنا مأخذ الخلاف، لماذا لا يسهو إذا كان إمام، وإذا كان مأموم أو منفرد لا يحضره قلبه؟

ص: 25

نعم مراعاة المأمومين، فيخشى من مرآتهم، أما مراعاتهم وتصحيح صلاتهم؛ لأنه ضامن من أجل أن تصح صلاة من خلفه، هذا مطلوب، لكن الإشكال في المرآة، بعضهم يقول: الذي يسهو في صلاته أفضل من الذي لا يسهو، لماذا؟ لأنه يقول: إنه منتبه إلى حقيقتها ولبها، غافلاً عن صورتها، والذي لا يسهو مهتم بالصورة غافل عن اللب؛ لأن العقل عند بعضهم لا يحتمل الالتفات إلى كل شيء، لكن ما يمنع، الناس يتفاوتون في هذا، بعض الناس يدرك كل ما يدور حوله، وبعض الناس يدرك خلقة ثلاثة أرباع ما يدور حوله، وبعض الناس ما يدرك الشيء الذي أمامه، الله -جل وعلا- وزع هذه المواهب، لكن يبقى أن على المسلم أن يهتم لصلاته، للبها الذي هو الخشوع، وأن يخرج منها بأكبر قدر ممكن من أجرها، قد يقول قائل: إنه لا يتصور إنسان لا يغفل ألبتة، لكن لا يكون مثل الذي خرج بعشرها بربعها، يحرص على أن يخرج بأكبر قدر ممكن، وبعض الناس لا يدري هل هو في المسجد أو لا؟ من الغفلة، وعدم حضور القلب، والمشاريع إنما تزاول في الصلوات، ويمهد لأمور الدنيا، ويخطط لبقية يومه إذا صف يصلي، برنامجه اليومي يرتبه إذا صف، هذا خذلان، هذه خسارة، فعلى الإنسان أن يهتم لهذا.

ص: 26

فالنبي عليه الصلاة والسلام صلى بهم ركعتين، ثم سلم "فقام إلى خشبة معروضة في المسجد" هو عنده إحساس بشيء، لكن لا يكاد يجزم به "فقام إلى خشبة معروضة في المسجد، فاتكأ عليها، كأنه غضبان" يعني وضعه وضع الغضبان، لكن هل يغضب النبي عليه الصلاة والسلام إلا إذا انتهكت محارم الله -جل وعلا-، لا، لكن الصحابة توقعوا للأمر الذي أهمه شيء يجول في نفسه، كأنه غضبان، يتوقون هذا "ووضع يده اليمنى على اليسرى، وشبك بين أصابعه" كيف وضع يده اليمنى على اليسرى، وشبك بين أصابعه؟ هذا وضع اليد اليمنى على اليسرى، معروف، لكن شبك بين أصابعه، يعني ما هو في آن واحد، أول الأمر وضع اليمنى على اليسرى، ثم شبك بين أصابعه، وشبك بين أصابعه، التشبيك بين الأصابع مكروه في الصلاة، وقبل الصلاة لقاصد الصلاة؛ لأنه في صلاة ما انتظر الصلاة، لكن بعد الانتهاء من الصلاة لا بأس، فعله النبي عليه الصلاة والسلام، شبك بين أصابعه؛ لأنه انتهى من الصلاة، أما داخل الصلاة، وقبل الصلاة حال انتظار الصلاة فلا، مكروه، طيب شخص انتهى من صلاته، وأراد أن ينتظر الصلاة التي تليها، انتهى من صلاة المغرب، ويبي يجلس إلى صلاة العشاء، يقول النبي عليه الصلاة والسلام لما فرغ من الصلاة شبك بين أصابعه، فهل نقول: أنت فرغت من الصلاة شبك، أو نقول: ما دمت تنتظر الصلاة فأنت في صلاة فلا تشبك؟ وهل في حكم التشبيك المكروهات الأخرى في الصلاة، الفرقعة بين الأصابع، وبعض الحركات المكروهة في الصلاة، يعني سلم وبدأ يطقطق أصابعه، نقول: ما دام شبك، وهذا مكروه، وفرغنا من الصلاة انتهينا، هل الحكم واحد؟ أما من ينتظر الصلاة فهو منهي عن التشبيك.

الطالب:. . . . . . . . .

ص: 27

نعم مكروه أن يشبك بين أصابعه، لا في الصلاة ولا في انتظار الصلاة، وأما ما بعد ذلك فالأمر فيه سعة، إلا لمن ينتظر الصلاة، فالنبي عليه الصلاة والسلام لما قام إلى الخشبة المعروضة، وشبك بين أصابعه، وخرجت السرعان، العطف بالواو لا يقتضي الترتيب، فقد يكون خروجهم قبل قيامه، كما يلاحظ على بعض الناس، كأنه طير في قفص، مجرد ما يسمع الإمام يقول: السلام عليكم ورحمة الله يقوم، ولا يدرى ما الذي أعجله؟ هل هناك حاجة لهذا القيام؟ لا بأس، لكن في الغالب أنه لا حاجة، وقل مثل هذا في الذين يمشون يجوبون الشوارع في سياراتهم بسرعة متناهية، طيب وواحد من الفضوليين يقول:"ودي بس أشوف ها اللي طاير شو بيزيين لو وصل بيته؟ " ما هذا الأمر الذي يفوت؟ وقل مثل هذا فيمن إذا سلم الإمام قام، هذا يوحي بعدم الرغبة في الخير، الملائكة تصلي على المصلي ما دام في مصلاه، هل أنت غني عن هذا الدعاء، اللهم اغفر له، اللهم أرحمه، أنت بأمس الحاجة لمثل هذا الدعاء، فما الذي يعجلك؟

"خرجت السرعان من أبواب المسجد، فقالوا: قصرت الصلاة" قَصُرت وضبطت، بـ (قُصِرت) إضافة القصر إلى الصلاة نفسها، قصرت الصلاة، وإضافة القصر إلى المجهول، إسناد القصر إلى المجهول، والذي قصرها هو النبي عليه الصلاة والسلام، فلما حذف قصرت الصلاة، على الرواية الثانية، يعني قصر النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، بل نزل أمر أو خبر جديد بمشروعية قصر الصلاة في الحضر، هذا التردد الذي حصل سببه ما حصل من النبي عليه الصلاة والسلام من صلاة رباعية ركعتين، هذه صفة الصلاة المقصورة.

"قصرت الصلاة، وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه" النبي عليه الصلاة والسلام له هيبة عظيمة، مع أنه من أحسن الناس وأطيبهم خلقاً، والهيبة ليس مردها إلى الخوف، بل مردها التعظيم، والتعظيم لا يلزم أن يقترن بقوة، كما يقول الشاعر:

أهابكِ إجلالاً وما بكِ قدرة

عليّ ولكن ملء عين حبيبها

ص: 28

فالهيبة سببها التعظيم، وتجد من أضعف الناس بنية وخلقة، بل قد تجد شخص معوق مشلول تهابه، تعلوك الرحضاء، ويتصبب العرق من رؤيته وهو لا يحرك أطرافه، تأتي وهو من أهل العلم لتسأله، عندك عشر مسائل ما تسأل إلا واحدة، وتنسى الباقي، هذا تعظيم، وهذا الهيبة بقدر الإرث من النبي عليه الصلاة والسلام في العلم والعمل، والنبي عليه الصلاة نصر بالرعب مسيرة شهر، وفي رواية: مسيرة شهرين، وبعض الناس يتطاول عليه السفهاء، وإن كان عنده شيء من العلم، لماذا؟ لأن الله -جل وعلا- نزع الهيبة في قلوب العباد له؛ لأن ما عنده من علم، وإن أدعاه علماً وهو في الحقيقة ليس بعلم؛ لأن العلم إنما هو ما نفع، فهذه الهيبة ليس مردها إلى القوة ولا إلى البطش، ولا إلى الخوف، لا، مردها إلى التعظيم، يعظمون النبي عليه الصلاة والسلام.

"فهابا أن يكلماه" طيب عطاء بن أبي رباح من يعرف أوصافه؟ تهابه الملوك، وهو رجل مصاب بعاهات كثيرة، الهيبة هذه مردها إيش؟ مردها الإرث من هذه الهيبة النبوية، وكل بحسبه.

ص: 29

"وفي القوم رجل في يديه طول، يقال له: ذو اليدين" واسمه الخرباق "يقال له: ذو اليدين، فقال: يا رسول الله" أين الهيبة يا ذا اليدين؟ لا بد أن يوجد في الأمة مثل ذي اليدين، لو هاب الناس كلهم، ما بان كثير من الأحكام، وهناك مسائل وقضايا يجب أن يكون هناك تبادل، تقدير واحترام وتعظيم بين الراعي والرعية، العالم والطلاب، وما أشبه ذلك، لكن لا بد أن يوجد شخص .. ، قد تستدعي الحال في بعض الأوقات أن تقول: عل الله -جل وعلا- أن يسوق لنا شخصاً ما يستحي ولا يهاب، ولذا الصحابة -رضوان الله عليهم- لما نهوا عن السؤال، كانوا يتمنون أن يأتي الرجل العاقل من أهل البادية ليسأل، هناك قضايا يتتابع عليها الناس، هيبة لمن يرتكب هذا الأمر، أو تقديراً وتعظيماً له، واستحياء منه، ثم يأتي شخص ما عليه من أحد، نعم الحياء لا يأتي إلا بخير، لكن الخجل الذي يمنع من إنكار بعض الأمور، تقول: لعل الله -جل وعلا- أن يبعث شخص في عرف الناس ممن لا يستحي يقول مثل هذا الكلام، فوجود مثل هؤلاء تجعل الإنسان يحسب لهم حساب، وإلا فقد يقول قائل: لماذا أبو بكر وعمر يهابون الرسول عليه الصلاة والسلام؟ الرسول عليه الصلاة والسلام مهيب هيبة شرعية ربانية، فكيف ذو اليدين لا يهابه؟ والله -جل وعلا- جعل من الأجر لهذا بسبب الهيبة، وجعل من الأجر لهذا بسبب ما ظهر من سؤاله من خير، بسببه من خير وعلم.

ص: 30

"فقال: يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة؟ فقال: ((لم أنسَ ولم تقصر)) " طيب ركعتين صليت، النبي –عليه الصلاة والسلام نفى النسيان ونفى حدوث أمر جديد بناء على غلبة ظنه، والأمور إنما تبنى على غلبة الظن، حتى أجاز العلماء أن يحلف على غلبة الظن، كيف تحلف على غلبة الظن؟ الذي أقسم بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام "والذي بعثك بالحق ما بين لابتيها أفقر مني" هل يجزم بأنه بحث عن البيوت، بيوت المدينة بيتاً بيتاً، وجزم وقطع أنه لا يوجد أحوج منه، هذا بناء على غلبة ظنه، كثير من الناس يتوقع أنه في حالة لا يوجد أسوأ منه حالاً، فيغلب على ظنه ذلك، وهنا النبي عليه الصلاة والسلام قال:((لم أنس ولم تقصر)) هذه غلبة ظن، مشى عليها النبي عليه الصلاة والسلام، وخرج من صلاته بسببها، عورضت غلبة الظن بقول واحد، معارضة غلبة الظن بقول الواحد توجد شك، يعني غلبة الظن عند الشخص، هل ينقض غلبة الظن الذي عنده بقول شخص، لا ينزل عنده مستوى الجزم إلى الشك، يتردد، ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام:((أكما يقول ذو اليدين؟ )) يبي مرجح، الآن غلبة ظنه عليه الصلاة والسلام قاومها كلام ذو اليدين؛ لأن عندنا المعلوم، ويقولون: ما عنه الذكر الحكمي، الذي هو المعلوم، إما أن لا يحتمل النقيض ألبتة، يعني نتيجته مائة بالمائة، هذا علم، هذا لا يمكن أن ينقض بأي خبر من الأخبار، إذا نزلت هذه النسبة أفاد الظن، الظن الغالب، وإذا تساوى الاحتمالان صار شك، إذا نزل عن النصف صار الاحتمال المرجوح يقال له: وهم، والاحتمال الراجح يقال له: ظن، والمساوي هو الشك، نزلت نسبة الاحتمال الراجح من الظن الغالب إلى الشك، الآن إذا وجد الشك وتساوت المرتبتان تساوى الاحتمالان، لا بد من إيش؟ لا من مرجح ((أكما يقول ذو اليدين؟ )) يعني لو قالوا: نعم ترجحت كفة ذو اليدين، لو قالوا: لا، ما هو صحيح كلامه، ترجحت كفة النبي عليه الصلاة والسلام، صار ما يقوله ذو اليدين لا قيمة له، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام طلب مرجحاً ((أكما يقول ذو اليدين؟ )) قالوا: نعم، خلاص انتهى، صار ما عند النبي عليه الصلاة والسلام بدل أن يكون غلبة ظن، سلّم بسبب غلبة الظن، ثم

ص: 31

أورث عنده كلام ذو اليدين شك، ثم بترجيحهم لكلام ذي اليدين صار كلامه وهم، احتمال مرجوح، فترجحت كفة ذي اليدين، وهذا كله من أجل التشريع، وإلا فالنبي عليه الصلاة والسلام المؤيد بالوحي في الظروف العادية، في الأمور البلاغية، التي يبلغ بها الدين، لا يمكن أن يقال مثل هذا الكلام، لا يعارض قوله بأحد كائناً من كان، لكن في مثل هذه الأمور التي فيها تشريع، يعني لو تصورنا أن النبي عليه الصلاة والسلام ما سها في صلاته أبداً، ولا نام عن صلاة الصبح، ويش تصير حالنا؟ هذه تسلية لنا، كونه وقع منه السهو، وقع منه النوم عن صلاة الصبح، لكن ليس في هذا حجة لا من قريب ولا من بعيد لمن يتساهل في صلاة الصبح، أو في غيرها من الصلوات؛ لأنها حصلت مرة واحدة في العمر، إذا حصل منك مرة أو مرتين في عمرك، أو مرات يسيره، هذا سهل، لك أسوة، أما أن يكون ديدنك، تركب الساعة على الدوام، تقول لي: والله النبي عليه الصلاة والسلام ما صلى الصبح إلى أن أيقظهم حر الشمس، ما هو بصحيح، وقد لا يركب الساعة على الدوام ينام بالسطح، ومعروف أنه إذا قرب الدوام احترت الشمس، يقول: ما يوقظنا إلا حر الشمس، نقول: لا يا أخي، لا بد من بذل الأسباب، ولا بد من انتفاء الموانع؛ لأنك بصدد ترك واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، النبي عليه الصلاة والسلام وكل إيقاظهم إلى بلال، فنام بلال، وأخذ بنفسه الذي أخذ بنفس النبي عليه الصلاة والسلام، وفي هذا مصلحة كبرى، مصلحة تشريعية.

" ((أكما يقول ذو اليدين؟ )) قالوا: نعم، فتقدم فصلى ما ترك ثم سلم" تقدم لأنه قام من مجلسه، ولو قدر أنه كان في مجلسه يستقبل القبلة، ثم يقوم إلى الركعة الثالثة، يقوم من غير تكبير؛ لأنه كبر في الانتقال من السجود أو ما كبر؟ لأنه في التشهد، المسألة مسألة تشهد أول، يعني لو كان سلم من ثلاث نقول: كبر من انتقاله من السجود، وفي مثل هذه الصورة يحتاج إلى تكبيرة انتقال من التشهد إلى الركعة الثالثة.

ص: 32

"فتقدم فصلى ما ترك، ثم سلم" صلى الركعتين الأخريين ثم سلم ثم كبر "وسجد مثل سجوده أو أطول" يعني على هيئة سجود الصلاة، ويقال فيه ما يقال في سجود الصلاة "ثم رفع رأسه فكبر، ثم كبر فسجد مثل سجودها أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر، فربما سألوه ثم سلم، قال: فنبئت" ربما للتقليل، ربما سألوا الراوي هل سلم النبي عليه الصلاة والسلام؟ هل قال:"ثم سلم" وجزم بها عمران بن حصين، لكن ابن سيرين لم يجزم بالنسبة إلى عمران، بل "قال: فنبئت -بواسطة- أن عمران بن حصين قال: "ثم سلم" ولا شك أن الخروج من الصلاة إنما يكون بالتسليم، وهذا السهو مشتمل على زيادة أو على نقص؟

هذا يقول: ما رأيكم في من يتعمد السهو حتى يرشد الناس بعد الصلاة إلى أحكام السهو؛ لأن ذلك أجدى مما لو شرح لهم دون حدوث السهو في الصلاة؟

لا يجوز التعمد، صار عمد هذا، ولا يشرع له سجود، فإن تعمد ترك واجب بطلت الصلاة، إن تعمد ترك سنة فلا سجود لها، والسجود إنما يكون للسهو زيادة ونقصاً، وللشك وأما العمد فلا سجود له.

ترجم الإمام البخاري في كتاب الصلاة: باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره، فهل هذا إيماء منه إلى أن الأحاديث الواردة في تشبيك الأصابع معلولة؟

التشبيك المطلق الذي لا ارتباط له بالصلاة لا يثبت، لكن التشبيك في الصلاة، وفي انتظار الصلاة، وفي الطريق إلى الصلاة هذا ثابت.

الطالب:. . . . . . . . .

يقول: ربما سألوا أبا هريرة، يعني هل سلم النبي عليه الصلاة والسلام في هذه الصلاة أو ما سلم؟

الطالب:. . . . . . . . .

ثم قال: ثم سلم، فربما سألوه، يعني هل قال: ثم سلم أو ما قال؟ هذا تردد؛ لأن ربما للتقليل الأصل فيها، لكن جزم بها عمران بن حصين، نعم.

عفا الله عنك.

وعن عبد الله بن بحينة، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر، فقام في الركعتين الأوليين، ولم يجلس، فقام الناس معه، حتى إذا قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس، فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم.

ص: 33

هذا حديث عبد الله بن بحينة، عبد الله بن مالك بن القشب، وبحينة أمه على ما تقدم، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر" هل نحن بحاجة إلى أن يقال: كان من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام وقد صلى خلفه الظهر؟ لا، لسنا حاجة، لكن هو تصريح بما هو مجرد توضيح "أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى بهم الظهر، فقام في الركعتين الأوليين ولم يجلس" يعني التشهد الأول، ما جلس في أثناء الصلاة في منتصفها، فترك الجلوس، وذكره الذي هو التشهد الأول "ولم يجلس، فقام الناس معه، حتى إذا قضى الصلاة، وانتظر الصلاة تسلميه، كبر وهو جالس، فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم" إذا ترك التشهد الأول، نسي التشهد الأول وقام أهل العلم يقولون: إذا لم يستتم قائماً يلزمه الرجوع، وإذا استتم قائماً كره الرجوع، وإذا شرع في القراءة حرم الرجوع، وهنا استتم قائماً عليه الصلاة والسلام فلم يرجع، أو شرع في القراءة والأمر آكد، على كل حال النبي عليه الصلاة والسلام لم يرجع، لم يجلس، وقام الناس معه، حتى إذا قضى الصلاة، وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس، فسجد سجدتين قبل أن يسلم، ثم سلم.

في حديث ذي اليدين السجود بعد السلام، وفي حديث عبد الله بن بحينة السجود قبل السلام، والعلماء يختلفون في موضع السجود على أنه نقل الاتفاق على الجواز، على أنه يجوز أن يسجد للسهو قبل السلام وبعده، نقل الإجماع على هذا، لكن الخلاف في الأفضل، فالحنفية عندهم السجود كله بعد السلام، فلا يُجمع إلى الخلل الذي حصل في الصلاة زيادة على ما شرعه الله فيها في الأصل، فهذه الزيادة ينبغي أن تكون جابرة لما حصل من خلل في الصلاة، كالنافلة التي بعد الصلاة، تجبر الخلل، فموضع السجود حينئذٍ يكون بعد السلام، وهذا رأي الحنفية، الشافعية يقولون: الأفضل في السجود كله أن يكون قبل السلام ....

ص: 34