المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ كتاب الطهارة (3) - شرح عمدة الأحكام - عبد الكريم الخضير - جـ ٣

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌ كتاب الطهارة (3)

عمدة الأحكام‌

‌ كتاب الطهارة (3)

باب السواك - باب المسح على الخفين - باب في المذي وغيره - باب الجنابة

الشيخ: عبد الكريم الخضير

فمن ينقل كلام الناس من أجل الضرر هذا نمام، نعم إن كان قصده الإصلاح، سمع كلام من شخص أو عرف من حال شخص أنه يريد أن يرتكب ما يضر بالآخرين هذا لا كرامة يخبر عنه، كم موقف قال الصحابة: لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا فيما يخشى منه ضرر متعدي، لكن شخص لا ضرر منه متعدي، ولا يخاف منه، ينقل الكلام من أجل أن توغر الصدور عليه، ويناله من الضرر ما يناله، هذا يدخل في الحديث دخولاً أولياً، فيتقي الله المسلم في أن يلحق الضرر بالآخرين، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

لا يجوز له النقل حتى. . . . . . . . .

طالب:. . . . . . . . .

نعم يدخل، إلا إذا ترتب على ذلك مصلحة راجحة فلا مانع؛ لأن المصالح تقدر بقدرها، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، لكن إذا كانت المفسدة مغمورة بالنسبة للمصلحة التي يحققها مثل هذا النقل هذا مطلوب، وعرفنا من المواقف قال الصحابة لبعضهم: لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . . . . . . .، إما أن ينقل كلام بعض الناس وقد تسلط بعض السفهاء حتى على خيار الناس ينقلون كلامهم من أجل أن يوغروا بهم صدور من بيده الأمر من الحكام وغيرهم، هذه جريمة نسأل الله العافية.

نعم إذا كان هناك ضرر متعدي يخشى من هذا الشخص لا كرامة له ينقل كلامه، ويحذر منه، لكن إذا كان ما هناك ضرر منه، فلا يجوز نقل كلامه، وهو داخل في النميمة، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن ينقل إليه الكلام ليخرج سالم الصدر لأصحابه، وهكذا ينبغي أن يتخذ موقف صارم من الذين يتكلمون في أعراض الناس، أو ينمون، ينقلون كلامهم من أجل الإفساد، الدفاع عن أعراض المسلمين فرض متحتم، فأعراض المسلمين حفرة من حفار النار كما يقول ابن دقيق العيد:"وقف على شفيرها العلماء والحكام" يعني لكثرة من يقع في أعراض العلماء، لكثرة من يقع في أعراض الحكام، وقفوا على شفير هذه الحفرة يدفعون من يقع في أعراضهم فيها، حفرة من حفر النار نسأل الله السلامة والعافية.

ص: 1

((وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة)) والنميمة عرفنا أنها نقل الكلام من أجل الإفساد، فأخذ النبي عليه الصلاة والسلام جريدة رطبة، وهذا نوع من أنواع الشفاعة منه عليه الصلاة والسلام، فشقها نصفين، رطبة، وكونها رطبة لما جاء في بعض الأخبار أن الرطب يسبح بخلاف اليابس، والتسبيح يخفف، فشقها نصفين فغرز في كل قبر واحدة، استغرب الصحابة فقالوا: يا رسول الله لما فعلت هذا؟ فقال: ((لعله))، لعله هذا رجاء منه عليه الصلاة والسلام ((يخفف عنهما ما لم ييبسا)) وهذا خاص به عليه الصلاة والسلام، ليس لأحد من بعده أن يأتي إلى قبور فيغرس فيها مثل ما فعل النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنه ما يدريك أنه يعذب؟ وما يدريك أنه يخفف عنه بسبب صنيعك؟ وقد يقترن هذا الفعل بتزكية النفس، لكن من يستحق أن يفعل هذا الفعل كالنبي عليه الصلاة والسلام؟ لا، هذا ما فعله خيار الأمة، نعم أثر عن بعض الصحابة، لكن ما فعله الكبار كأبي بكر وعمر والتابعين لهم بإحسان ما فعلوا هذا، اجتهد بعضهم وفعل لكن هو اجتهاد في غير محله، فهذا خاص بالنبي عليه الصلاة والسلام الذي أطلع على حقيقة ما في هذه القبور، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

الجريدة العسيب، عسيب النخل، العصا حق النخل هذا، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

((الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني)) وجاءت: ((غفرانك)) صحيح، إذا خرج من الخلاء قال:((غفرانك)) هذا صحيح في الصحيح، ((الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني)) كل هذا صحيح، يحمد الله -جل وعلا- أن يسر له إخراج هذا الأذى الذي لو بقي في جسده لتسمم وضره، ويستغفر من فعله خلاف الأولى، هو ما فعل محظور، لكن هو فعل خلاف الأولى حيث ترك الذكر في هذه المدة اليسيرة التي قضى فيها حاجته، فدل على أن الإنسان ينبغي له أن يلزم الذكر، إذا ترك الذكر في هذا الظرف يستغفر؛ لأنه ترك الذكر، ترك ما أمر به، فيستدرك ما فاته في هذه المدة، نعم.

باب السواك

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)).

ص: 2

نعم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)) وفي رواية علقها البخاري: ((عند كل وضوء))، فالسواك: هو استعمال ما يزيل الأوساخ التي على الأسنان من عود رطب ونحوه هذا سنة مؤكدة، ولولا ما خشيه النبي عليه الصلاة والسلام من المشقة على أمته، وهو بهم رؤوف رحيم عليه الصلاة والسلام، شفيق على أمته، بُعث ميسراً بالحنيفية السمحة، فلولا هذه المشقة المترتبة على الأمر الذي هو على جهة الوجوب لأمرهم أمر وجوب، فالأمر أمر استحباب موجود، ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم)) يعني أمر وجوب أما أمر الاستحباب فهو ثابت، فالسواك مستحب.

((لولا أن أشق)) (لولا) حرف امتناع لوجود، امتنع الأمر أمر إيجاد السواك لوجود المشقة، جاء الحث على السواك، والحض عليه، وبيان أنه مطهرة للفم، مرضاة للرب، أمر الاستحباب موجود، وفعله عليه الصلاة والسلام يدل على أنه مستحب، وسياق الحديث يدل على أنه مستحب، والأمر المنفي هو أمر الوجوب، وهذا الحديث من أقوى الأدلة على أن الأمر الأصل فيه الوجوب، فمثل هذا الحديث، ((لأمرتهم)) انتفى الأمر، والمراد به أمر الوجوب، إضافة إلى قوله -جل وعلا-:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} [(63) سورة النور] فرتب العقوبة على مخالفة الأمر فدل على أن الأمر الأصل فيه الوجوب.

((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك)) السواك يطلق على الآلة التي يستاك بها من عود ونحوه، ويطلق أيضاً على الفعل الذي هو التسوك، وجمع السواك؟ هاه؟ سُوُك، جمع السواك سُوُك، بعض الناس يقولون: مساويك، المساويك هذه .. ، مساويك تقابلك محاسنك، لا، جمع السواك سُوُك، كتاب: كتب، نعم كتاب جمعه: كتب، سواك جمعه سُوُك، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

كيف؟

طالب:. . . . . . . . .

أفعلة هذه جمع قلة.

ص: 3

((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)) ((عند كل صلاة)) العموم يقتضي استحباب السواك عند جميع الصلوات المفروضة والنوافل، الصلاة العادية ذات الركوع والسجود، صلاة الكسوف، صلاة الاستسقاء، صلاة العيد، صلاة الجنازة وغيرها يؤمر بالسواك.

وجاء في الحديث الذي صححه بعضهم وهو لا يصل إلى درجة الصحيح أن الصلاة بالسواك عن سبعين صلاة، الصلاة بالسواك عن سبعين صلاة، وكثير من الناس يفرط في هذا، أمر الاستحباب ثابت، ((عند كل صلاة)) يعني في جميع الأوقات، بما في ذلك صلاة الظهر والعصر بالنسبة للصائم، أما كراهية السواك للصائم بعد الزوال فالخبر فيه ضعيف جداً، وهذا الحديث وما جاء في معناه من كونه عليه الصلاة والسلام كان يستاك وهو صائم، يدل على أن السواك لا يمنع في أي وقت من الأوقات، وما يقوله من يمنع السواك للصائم بعد الزوال وأنه يذهب الخلوف الذي هو عند الله أطيب من ريح المسك لا قيمة له؛ لأن الخلوف لا ينبعث من الفم، ينبعث من المعدة، ولا ينبعث من الفم، فالسواك لا يزيل هذا الأثر الطيب المحمود شرعاً، وما جاء في ذلك من الخبر فهو ضعيف، فالسواك مستحب عند كل صلاة، وعند كل وضوء كما علقه البخاري رحمه الله بصيغة الجزم.

يستحب أيضاً السواك عند تغير الفم، وعند قراءة القرآن، وعند الاستيقاظ من النوم، وعند طول السكوت، في مواضع كثيرة ذكرها أهل العلم، بعضها لها ما يدل عليه بخصوصها، وبعضها بالقياس، نعم.

من نظر إلى العلة قال: يثبت فضل السواك بكل ما يزيل الأوساخ من خرقة أو منديل أو أصبع خشنة، والذي نظر إلى اللفظ قال: السواك لا ينصرف إلا إلى العود الذي يتسوك به، لكن من نظر إلى العلة ولم يكن في حضرته سواك في ذلك الوقت واحتاج أن يستعمل أصبعه للإزالة يحصل له -إن شاء الله- الأجر، نعم.

وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك".

يشوص معناه: يغسل، يقال: شاصه يشوصه، وماصه يموصه إذا غسله.

ص: 4

"عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم" وكان في الأصل تدل على الاستمرار هذا الأصل "إذا قام من الليل" يعني من نوم الليل، والنائم لا شك أنه يتغير الفم، تتغير رائحة الفم من طول السكوت وإطباق الشفتين، ولما يتصاعد من الأبخرة من المعدة، تتغير رائحته، ووتراكم الأوساخ على أسنانه من جراء ما ذُكر، فكان النبي عليه الصلاة والسلام إذا قام من الليل يشوص، يشوص يعني يدلك ويغسل، غسل كل شيء بحسبه، "يشوص فاه بالسواك" يعني يدلك فاه بالسواك، وغسل الفم يكون بدلكه بالسواك، وإذا كان مع الوضوء فهو أكمل، ولذا جاء الأمر بالسواك، أمر استحباب مع كل وضوء على ما ذكرناه، نعم.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "دخل عبد الرحمن بن أبي بكر على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا مسندته إلى صدري، ومع عبد الرحمن سواك رطب يستن به، فأبده رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره فأخذت السواك فقضمته فطيبته، ثم دفعته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستن به، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استن استناناً أحسن منه، فما عدا أن فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم: رفع يده أو إصبعه ثم قال: ((في الرفيق الأعلى)) ثلاثاً، ثم قضى، وكانت تقول: مات بين حاقنتي وذاقنتي.

وفي لفظ: "فرأيته ينظر إليه، وعرفت أنه يحب السواك فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه: أن نعم.

هذا لفظ البخاري ولمسلم نحوه.

عائشة رضي الله عنها تذكر أنه عليه الصلاة والسلام في آخر عمره عليه الصلاة والسلام، بل في آخر لحظاته يحرص على هذه السنة العظيمة التي هي الاستياك.

قالت: "دخل عبد الرحمن بن أبي بكر" تعني أخاها "على النبي عليه الصلاة والسلام وأنا مسندته إلى صدري" لأنه عليه الصلاة والسلام في آخر أيامه لا يثبت بنفسه لما فيه من مرض، كان عليه الصلاة والسلام يوعك ويشتد به الألم كما يوعك الرجلان منكم، يعني ضُعف عليه المرض والألم، يقول ابن مسعود رضي الله عنه: ذلك أن لك أجرين؟ قال: ((أجل)) اللهم صل على محمد.

ص: 5

وأنا مسندته إلى صدري، ومع عبد الرحمن سواك رطب يستن به، يعني يستاك به، سواك رطب يستاك به رضي الله عنه وأرضاه-، "فأبده رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره" حدد إليه النظر، وعرفت عائشة ماذا يريد؟ من اشتغل بخدمة إنسان عرف ما يحبه ذلك الإنسان وما يكرهه، وإلا الذي لم يشتغل بالخدمة، ولم يلتصق بالمرء لا يعرف ما يريد بمجرد نظر، فهي عرفت من خلال المعاشرة والمخالطة أن النبي عليه الصلاة والسلام يحب السواك، فأخذت السواك فقضمته ونفضته وطيبته، قضمته لينته للنبي عليه الصلاة والسلام، ويحتمل أنها قضمته لتقطع القسم الذي استاك به أخوها، المقصود أنه محتمل، ومعلوم أن سؤر الآدمي طاهر، نعم قد يستقذر، لكن يحتمل أنها قضمته يعني قطعت منه الجزء الذي استعمله أخوها.

ص: 6

فقضمته فطيبته، بما تطيب رائحته، ثم دفعته إلى النبي عليه الصلاة والسلام فاستن به، أعطته إياه، استن به يعني استاك به، "فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استن استناناً أحسن منه" عليه الصلاة والسلام، حرصاً على هذه السنة، والموفق لا يفرط بشيء من السنن حتى في أحلك الظروف والأحوال، وكثير من الناس يشاهدونه في الأوقات التي تضيق بالنسبة له، يهدر كثير من الواجبات فضلاً عن السنن، يتخفف من الواجبات لأدنى سبب، ويعذر نفسه بأدنى عذر عن الواجبات يتخفف، يقول: الله غفور رحيم، لأدنى عذر، يصاب بزكام فيترك الصلاة مع الجماعة، وعكة خفيفة يترك الصلاة، يؤخر الصلاة حتى يخرج وقتها، يقول: الله غفور رحيم، نعم الله غفور رحيم، رحمته وسعت كل شيء، كتبها لمن؟ {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا} [(156) سورة الأعراف] لمن؟ للمفرطين الذين يزاولون المنكرات؟! ويعتمدون على سعة رحمة الله؟! لا، هو غفور رحيم كما أخبر عن نفسه -جل وعلا-، لكنه مع ذلكم شديد العقاب، والله سبحانه وتعالى يغار، ولذا حدت الحدود، يزني الزاني ويقول: الله غفور رحيم، ويسرق السارق ويقول: الله غفور رحيم، رحمة الله -جل وعلا- لا تحد، وسعت كل شيء، لكن مع ذلكم هناك مع هذا الوعد وعيد، وعلى المسلم أن ينظر إلى النصوص مجتمعة، لا ينظر إلى الوعد فقط، فيصاب باليأس والقنوط، ويسلك مسالك الخوارج، ولا ينظر إلى نصوص الوعد معرضاً عن نصوص الوعيد فيسلك مسلك الإرجاء وينسلخ من الدين وهو لا يشعر، لا، على الإنسان أن يتوسط في أموره، كما هو مذهب أهل الحق، أهل السنة والجماعة، النبي صلى الله عليه وسلم ما فرط في هذه السنة، رغم ما يكابده من آلام وأوجاع، ومن عرف الله، وتعرف على الله في الرخاء عرفه في الشدة، من أراد أن ينظر الشاهد على ذلك -الشواهد الحية على ذلك- يزور المرضى في المستشفيات، لا سيما من كانت أمراضهم شديدة مقلقة، بل ينظر إلى أماكن العناية، وينظر الفروق، دخلنا المستشفى مرة فإذا بشخص أكثر من ثمانين عمره، في آخر لحظاته على لسانه اللعن والسب والشتم، لا يفتر عن ذلك، كبير السن في آخر لحظاته، أين أنت؟ الله يفعل ويترك، يلعن باللعن الصريح،

ص: 7

وخرجنا من عنده وهو على هذه الحالة؛ لأنه عاش أيام الرخاء على هذه الحالة، وشخص بل أشخاص في العناية لا يعرف الزائرين ويُسمع القرآن منه ظاهر، يرتل القرآن ترتيلاً، وهو لا يعرف من حوله، مغمىً عليه، وكم من شخص في حال إغماء فإذا جاء وقت الأذان أذن، أذان واضح وظاهر، يسمع منه، وكم من شخص يلازم الذكر وهو في العناية، وترى علامات الذكر على وجهه، وقدم تجد، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، أما لأدنى سبب تعذر نفسك وتترك الواجبات فضلاً عن المستحبات، هذا في النهاية ما تجد شيء، ما تعان، كثير من طلاب العلم مع الأسف الشديد ليس لهم نصيب كما ينبغي من كتاب الله عز وجل، فإذا ذهب إلى الأماكن الفاضلة في الأوقات المفضلة في العشر الأواخر من رمضان في مكة يتفرغ للعبادة فيجلس من صلاة العصر إلى أذان المغرب يتعرض لنفحات الله في ذلك الوقت، يفتح المصحف لكن ليس له رصيد سابق طول عمره، يريد أن يستغل هذه الأيام، هل يعان على قراءة القرآن؟ ما يعان، ما يعان أبداً، هذا شاهد وحاضر، يعني موجود الشواهد، تجد شخص من خيار الناس يفتح المصحف بعد صلاة العصر بخمس دقائق ثم يغلق المصحف يمل، يتلفت يمين شمال لعله يشوف أحداً يقضي معه بعض الوقت ينفس عنه، في كربة ينفس عنك؟! لكن رأينا من ينظر في الساعة كيف تمشي بسرعة قبل أن يكمل ما حدده من التلاوة، حزبه الذي اعتاده، بعض الناس يقول:((من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) الحج أربعة أيام، يقول: لو الإنسان يخيط الشفتين خياطة ما عليه. . . . . . . . . لو سكت أربعة أيام؟ لكن هل يعان على السكوت وهو طول أيامه أيام الرخاء قيل وقال، والله ما يعان الإنسان، فعلى الإنسان أن يتعرف على الله -جل وعلا- في الرخاء ليُعرف في مثل هذه اللحظات، كما قال الله -جل وعلا-:{إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [(4) سورة الليل] في العناية شخص يلعن ويسب ويشتم وشخص يقرأ القرآن، يعني الله -جل وعلا- ظلم هذا ولطف بهذا؟ هذا ما قدم، وهذا ما قدم، والنتيجة أمامك، النبي عليه الصلاة والسلام يكابد من المرض ما يكابد، ويحرص على تطبيق السنة عليه الصلاة والسلام.

ص: 8

"فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استن استناناً أحسن منه، فما عدا أن فرغ" مجرد ما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم "رفع يده أو إصبعه، ثم قال: ((في الرفيق الأعلى)) ثلاثاً، ثم قضى عليه الصلاة والسلام" مات، خرجت روحه الشريفة إلى باريها "وكانت تقول: مات بين حاقنتي وذاقنتي".

الوهدة المنخفضة بين الترقوتين، والذقن معروف مكان اللحية.

"مات بين سحري ونحري" وهذا من مناقبها رضي الله عنها.

وفي لفظ: "فرأيته ينظر إليه، وعرفت أنه يحب السواك فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه: أن نعم" عليه الصلاة والسلام، "هذا لفظ البخاري ولمسلم نحوه".

فعلينا أن نحرص أشد الحرص على الواجبات، وما تقرب أحد إلى الله بأفضل مما افترض عليه، ويحرص أيضاً على تطبيق السنن في الرخاء ليمكن منها في الشدة وليألفها وليتجاوز مرحلة الاختبار إلى مرحلة التلذذ بالطاعة والعبادة، يكون له نصيب من الذكر، من التلاوة، من الانكسار بين يدي الله عز وجل، ليعرف إذا احتاج فيما بعد، ليكتب له هذا العمل إذا مرض وعجز عنه، يستمر له هذا العمل، الحديث الأخير.

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يستاك بسواك رطب، قال: وطرف السواك على لسانه وهو يقول: أع، أع، والسواك في فيه كأنه يتهوع".

حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يستاك بسواك رطب" يعني في كيفية الاستياك، كان النبي عليه الصلاة والسلام يعجبه التيمن في سواكه، وعرفنا أن المراد به أنه يبدأ بشقه الأيمن وليس معناه أنه يستاك بيده اليمنى.

يستاك بسواك رطب، قال: وطرف السواك على لسانه، يستاك بالنسبة للأسنان عرضاً، العرض من اليمين إلى الشمال، وبالنسبة إلى اللسان طول من طرفه إلى آخره، وهو على لسانه وهو يقول: أع، أع، ولا يمكن أن يصدر مثل هذا إلا إذا وصل السواك إلى آخر اللسان، كأنه يتهوع، كأنه يريد أن يتقيأ، ولا يمكن أن يصل إلى مثل هذا المستوى إلا إذا كان السواك قد وصل إلى آخر اللسان، نعم.

باب المسح على الخفين:

ص: 9

عن المغيرة بن شعبة قال: "كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأهويت لأنزع خفيه، فقال: ((دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين)) فمسح عليهما".

وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: "كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فبال فتوضأ ومسح على خفيه" مختصَراً.

باب المسح على الخفين:

والمسح مقابل الغسل، ولذا شروط الوضوء والأعضاء المفروض تطهيرها ورفع الحدث عنها منها ما يجب غسله بحيث يتردد الماء على العضو، ومنها ما يكفي فيه المسح، مما يجب غسله الوجه واليدين والرجلين، ويكفي في الرأس المسح، والرجل إذا كانت مكشوفة يجب غسلها، وسبق حديث:((ويل للأعقاب من النار)) وجاء في الحديث: ((أسبغوا الوضوء)) وإسباغ الوضوء على المكاره، لكن من باب التخفيف يمسح ما يغطي القدم رفعاً للمشقة، وتيسيراً على الأمة، فإذا كان على القدم مما يستر المحل المفروض ما يغطيه من خف أو جورب فإنه يمسح، وقد ثبت المسح عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق سبعين صحابياً، فهو متواتر، المسح على الخفين متواتر، ولا ينكره إلا مبتدع، ولذا يدخل أهل العلم مسألة المسح على الخفين في كتب العقائد؛ لأنه متواتر، ومنكر المتواتر معلوم أمره على خطر عظيم؛ لأنه مفيد للعلم القطعي.

ص: 10

فثبت عن أكثر من سبعين صحابياً أن النبي عليه الصلاة والسلام مسح على خفه، من ذلكم حديث المغيرة، المغيرة بن شعبة قال:"كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر" سفر غزوة تبوك، "فأهويت لأنزع خفيه" أهوى وهوى إذا انحط من علو إلى سفل، ولذا جاء في الحديث الصحيح: وكان لا يرفع يديه إذا هوى للسجود، فأهوى المغيرة، نزل من علو إلى سفل، من أجل أن ينزع يخلع الخفين، خفي النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن المفروض غسل الرجلين، ولا يتم الغسل إلا بنزع ما عليهما مما يحول دون الغسل، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام:((دعهما)) يعني اتركهما، اترك الخفين على القدمين؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يريد المسح عليهما، وقد تحقق الشرط، ((فإني أدخلتهما طاهرتين)) فمسح عليهما عليه الصلاة والسلام، ((دعهما)) اتركهما فلا تنزعهما، لماذا؟ لأنه يريد المسح عليهما، والشرط متحقق، لا بد أن يلبس الخفين على طهارة، ((فإني أدخلتهما طاهرتين)) حال كونهما طاهرتين، الآن الخف تدخل وإلا يدخل القدم فيهما؟ وطاهرتين حال من الخف أو من القدم؟ دعهما دع الخفين اللذين أراد نزعهما، ((فإني أدخلتهما)) يعني الخفين أو القدمين؟ نعم، ((أدخلتهما)) أدخلتهما إيش؟ أدخلت الخفين وإلا القدمين؟ ((فإني أدخلتهما)) يعني القدمين، ((طاهرتين)) يعني حال كونهما طاهرتين، ومقتضى الحال أن تكونا طاهرتين معاً، وبهذا يعرف ضعف قول من يقول: إنه يغسل الرجل اليمنى فيدخلها في الخف، ثم يغسل اليسرى فيدخلها في الخف، بل لا بد أن يدخلهما حال كونهما طاهرتين معاً.

ص: 11

لو افترضنا أن شخصاً توضأ ثم غسل الرجل اليمنى فأدخلها في الخف، ثم غسل الرجل اليسرى فأدخلها في الخف، يصح أن يقال: أدخلتهما طاهرتين؟ يعني معاً، هذا ظاهر اللفظ، أدخل واحدة طاهرة ثم أدخل واحدة طاهرة، إذن لو فعل ذلك ماذا يصنع؟ لو غسل اليمنى ثم أدخلها الخف، ثم غسل اليسرى فأدخلها الخف، يعني أدخل اليمنى قبل تمام الطهارة، أدخل اليمنى قبل تمام الطهارة، يقول أهل العلم: يلزمه أن ينزع الخف اليمنى ثم يلبسها، والذي يقول بجواز أن تغسل اليمنى وتدخل الخف ثم تغسل اليسرى يقول: مجرد نزع اليمنى من غير إحداث عمل يتعلق بالطهارة عبث، إيش معنى اخلع خفك ثم البسه؟ يقول: عبث، كيف عبث؟ لكن إذا أدخل اليمنى قبل تمام الطهارة يصح أن يقال: إنه أدخلهما طاهرتين؟ ما يصح، ظاهر اللفظ يقتضي أن تكونا معاً حال الإدخال طاهرتين، هذا ظاهر اللفظ، أما كونه يخلع خفه اليمنى ثم يلبسها ويقول: عبث؟ ليس بعبث، تحقيقاً لطهارة القدمين معاً.

ص: 12

يشترطون في الخف إضافة إلى ما ذُكر في الحديث إدخالهما والقدمان طاهرتين، أن يكون الخف ساتر للمحل المفروض؛ لأن ما بدا من المحل المفروض وانكشف فرضه الغسل، فعلى هذا لا يجوز المسح على الخف المخرق ولا على الرقيق الذي يصف المحل المفروض؛ لأن ما ظهر مما افترض غسله فرضه الغسل، ولا يكفي فيه المسح، وجمع من أهل العلم يرون أنه لا مانع من أن يمسح على الخف المخرق الشفاف وما لا يثبت بنفسه إلا بشده، وأن غالب خفاف الصحابة لضيق الحال عندهم من هذا النوع، المقصود أن الأصل في الطهارة غسل القدم، وهو المنصوص عليه في كتاب الله عز وجل، كون النبي عليه الصلاة والسلام مسح على الخفين تخفيفاً على الأمة هذا شرع، شرع ملزم يجب العمل به، لكن هل معنى هذا أننا نتنازل عن الأصل؟ الأصل في القدم أن تغسل ظهر جزء من القدم يجب أن يغسل، فعلى هذا لا بد أن يكون الخف ساتر للمحل المفروض من غير شقوق ولا خروق، يسمى خف، حقيقته حقيقة الخف، لكن لو لم تكن حقيقته حقيقة الخف، من رآه ما قال عليه خف؟ شخص مشى في الطين إلى الكعبين ستر المحل المفروض بطين، ويبس هذا الطين، نقول: امسح عليه؟ وإلا اغسله؟ هذا ليس بخف، يغسل، لا بد أن يغسل هذا الطين، ويغسل المحل المفروض، لا بد أن يكون خف الممسوح عليه أو في حكمه مما يشق نزعه، وأن يكون ساتر، بمعنى أن يكون غير مخرق، ولا صفيق يستر المحل الفروض.

أنكر المسح على الخفين طوائف من المبتدعة، لكن لا عبرة بقولهم مع ثبوته عن سبعين صحابياً عن النبي عليه الصلاة والسلام.

وثبت من حديث جرير بن عبد الله البجلي، وإسلام جرير رضي الله عنه بعد نزول المائدة التي فيها التنصيص على غسل الرجلين، فهل المسح ناسخ أو مبين؟ نقول: هل المسح ناسخ لغسل الرجلين أو مبين؟ نعم؟ نعم قدر زائد على ما جاء في كتاب الله عز وجل، يبين أنه في حالة لبس الخف يكفي المسح، وفي حالة نزعه يجب غسل الرجلين إلى الكعبين.

ص: 13