الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يدخلون الجنة إلا من أبى قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى". وأي إباء ورفض للسنة أعظم من مخالفة أمره صلى الله عليه وسلم. وذلك بالإحداث والابتداع في الدين.
حكم الإحداث في الدين:
-
وبذا نعلم أن هذه النصوص دليل على أن كل من يقول باستحسان بدعة في الدين يكون له نصيب وافر، وجزاء كبير من الوعيد المذكور فيها، فإن من استحسن بدعة بعقله القاصر المحدود، وحث الناس على التعبد بها كان مشاقاً ومصادماً لهذه النصوص، وعليه تبعة ذلك في يوم القيامة، إذ أن من علم خيراً وتبعه الناس عليه ضوعف له الأجر بقدر أجر من يتبعه في هذا الخير، وعلى النقيض من ذلك فإن من عمل سوءا كالابتداع مثلا والإحداث في الدين فإنه لا يعاقب بوزر ارتكابه تلك البدعة فحسب بل يضاعف له العقاب حيث يتحمل وزر من تبعه في هذا الأمر، يدل لذلك ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من دعا إلى الهدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا".
وعلى هذا فإن أي إحداث في الدين مردود على من أحدثه وغير مقبول لما روى الشيخان وغيرهما من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، وفي رواية "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد".
وإنما كانت البدع مردودة على من عملها لأن إحداث مثل هذه البدع يفهم منه أن الله سبحانه لم يكمل الدين لهذه الأمة، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يبلغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به، حتى جاء هؤلاء المتأخرون المبتدعون فأحدثوا في شرع الله ما يأذن به، زاعمين أن ذلك مما يقربهم إلى الله، وهذا ولا شك فيه خطر عظيم، واعتراض على رب العالمين، واستدراك على رسوله صلى الله عليه وسلم، واتهام له بالخيانة والكتمان، وحاشه صلى الله عليه من ذلك. كيف يكون هذا وهو القائل:"من كتم علماً ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة" فهذا محال بالنسبة لسائر المؤمنين، فكيف بقدوتهم وأسوتهم صلوات الله عليه وسلامه.
ومعلوم أن الله سبحانه قد أكمل لعباده الدين، وأتم عليهم النعمة، والرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ البلاغ المبين، ولم يترك طريقا يوصل إلى الجنة ويباعد من النار إلا بينه
للأمة، كما ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم".
ومعلوم أن نبينا صلى الله عليه وسلم هو أفضل الأنبياء وخاتمهم، وأكملهم بلاغاً ونصحاً، فلو كانت هذه البدع التي أحدثها المخالفون من الدين الذي يرضاه الله سبحانه لبيّنه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة، أو فعله في حياته، أو فعله أصحابه رضي الله عنهم، فلما لم يقع شيء من ذلك علم أنه ليس من الإسلام في شيء، بل هي من المحدثات التي حذر الرسول صلى الله عليه وسلم منها أمته، كما جاء ذلك في أحاديث كثيرة، منها ما رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة، بسند صحيح، عن أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله عنه قال:"صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، ثم أقبل علينا بوجهه فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال رجل يا رسول الله، كأن هذه موعظة مودع فأوصنا، فقال: "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن كان عبداً حبشياً، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة".
وروى مسلم في صحيحه كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس على المنبر ويقول: "أما بعد- فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة". زاد النسائي "وكل ضلالة في النار".
وروى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال: "جاء ثلاثة رهط إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا بها كأنهم تقالُّوها، فقالوا: أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ فقال أحدهم- أما أنا فأصلي الليل أبداً. وقال الآخر: أنا أصوم النهار أبداً ولا أفطر، وقال الآخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إليهم فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني أخشاكم لله، وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني".
ولا ريب أن من أحدث عبادة من عند نفسه لم يشرعها الله قد رغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أعظم ما جاء من الوعيد في ذلك أن صاحب البدعة يحال بينه
وبين التوبة لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله احتجر التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته ".
ويخشى أن يكون أهل البدع والأهواء ممن يحال بينهم وبين الشرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، فقد جاء في الصحيحين عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا فرطكم على الحوض وليختلجن رجال دوني فأقول: يا رب أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم غيروا وبدلوا فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: سحقاً سحقاً لمن غير وبدل"، أي بعداً له فهذه براءة من النبي صلى الله عليه وسلم ممن أحدث في الدين، وغيَّر وبدَّل، ومما لا شك فيه أن هؤلاء الذين يذادون عن الحوض من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، أي من أمة الإجابة، يدل ذلك أنه قد جاء في بعض روايات هذا الحديث، بأن عليهم آثار الوضوء، وإنما حيل بينهم وبين الحوض، لما أحدثوه في الدين من عند أنفسهم، ولم ينزل الله به من سلطان، من تلك البدع والمنكرات والخرافات التي لا تعدو أن تكون من نسج خيالهم، وبنيات أفكارهم الضالة التي ظنوها حسنة وهي في الواقع من أقبح القبيح، وأي قبح أعظم من أن ينصب المرء نفسه مستدركاً على الله ورسوله ومشرعاً في دين الله بعد القرون المفضلة الأولى الذين هم خير الناس بعد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كما قال صلى الله عليه وسلم: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم". وقد مضت تلك القرون المفضلة وليس لهذه البدع وجود أو رواج وإن وجد شيء منها فهو محدود، وعلى نطاق ضيق، يختفي أصحابها ولا يستطيعون الظهور، لأنهم يشكلون أقلية بخلاف ما وصل إليه حال المسلمون اليوم، فقد طغت البدعة، ودرست السنة، وتغيرت مفاهيم المسلمين، وأصبح تصورهم للإسلام تصوراً خاطئًا، وجعلوه في إطار ضيق، فقد وصل مثلا في بعض البلاد إلى حد كونه لا يعدو أن يكون مجموعة من الطقوس والاحتفالات التي قلدوا فيها أعداء المسلمين والإسلام، ويوجهون سهامهم المسمومة إلى الإسلام بسبب ضلال في ضل من المسلمين عن الطريق السوي، وانحرف عن الجادة الصحيحة التي رسمها لهم الإسلام، وأمرهم أن يسيروا عليها ولا يحيدوا عنها يمينا أو شمالا، كما قال تعالى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} يوسف/ 108. إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة التي توضح هذا المنهج القويم.