الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* المطلق والمقيد
* الأمر والنهي.
الدرس السادس عشر
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد وقفنا عند مبحث المطلق والمقيد مبحث المطلق والمقيد هذا يُذكَر بعد مبحث العام والخاص لما بينهما من تشابه لأن العام مستغرق لكنه على جهة الشمول يعني فيه نوع استيعاب واستغراق أي أنه على جهة الشمل يعني يشمل الأفراد دفعة واحدة، وأما المطلق ففيه استيعاب وفيه شمول لكنه بدلي إذاً اشتركا في مطلق الشمول ولو كان الشمول العام دفعي وجملي لجميع الأفراد والشمول المطلق بدلي يعني يشمل الكل لكنه على جهة البدل لا على جهة كل الأفراد وكذلك المقيد يشمل الخاص من جهة الخاص أنه اللفظ الدال على معين بشخص أو بعدد كذلك المقيد ما دل على قيد ما جُعِل فيه قيد بعيد ونحوه كم هو معناه في لغة العرب إذاً هذا المبحث مبحث المطلق والمقيد يُردَف بمبحث العام والخاص وهو من المباحث المهمة التي ينبغي العناية بها كل أصول الفقه إذا اعتنى الطالب بهذه المباحث مباحث الألفاظ يمكن أن تغنيه عن القياس .. لأن القياس هذا للضرورة كما قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى القياس كالميتة بمعنى القياس كالميتة متى تحل الميتة؟ عند الضرورة ومتى يجوز الإقدام على القياس؟ إذا لم يكن دليل من كتاب وسنة أو إجماع حينئذ ينظر في مسألة الحكم الشرعي في مسألة ما جُهل حكمها هل لها إذاً تُبحَث أولاً هل لها بالكتاب دليل أم لا حكم أم لا ثم في السنة ثم هل هناك إجماع أم لا ثم بعد ذلك يُلجأ للقياس فهو كالميتة فإذا اعتنى وأشبع طالب العلم في مباحث العام والخاص والظاهر والمُجمَل والنص والمؤوَّل والمطلق والمقيد والأمر والنهي هذه سهلت عليه أمور كثيرة ولذلك كما سيأتي في الأمر والنهي أنهما أساس التكليف هذا يجعل الطالب يعتني بهذه أكثر ومبناها هذه المباحث كلها على اللغة العربية متلازمة يعني ليست ككثير من المباحث التي تكون مبناها على العقل القياس الكثير منه مباحثه عقلية لذلك هو دليل عقلي أو شرعي؟ في نزاع بينهما لماذا؟ لأنه مبناه على العقل والنظر والراجح أما مباحث الدلالات لا مبناه على السماع متى يُحكَم على اللفظ أنه عام؟ لابد أن يكون استخدمه العرب على أنه عام متى يكون مطلقاً مطلق النكرة سياناً مترادفان بينهما فرق كذلك المؤوَّل المجمل النص كلها مباحث لغوية.
قال رحمه الله تعالى ومنه المطلق منه أي من الكلام المفيد لأن عطفه كله على ألأول الأول قال إن دل على معين فهو النص ثم قال فإذن دل على أحد المعنيين إلى آخره ومنه أي من اللفظ من الكلام المفيد المُطلق هذا اسم مفعول من أُطلق يُطلق فهو مطلق والمطلق لغة الانفكاك من أي قيد حسياً كان أو معنوياً هذا فاصل مطلق هذا في الحسي وهذه أدلة مطلقة {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} هذا مطلق وهذا مطلق من قيد معنوي إذاً الانفكاك عن أي قيد حسي كان أو معنوياً هذا هو حقيقة المطلق في اللغة، قال في حده في الاصطلاح ومنه المطلق وهو أي المطلق ما تناول واحداً لا بعينه باعتبار حقيقة شاملة لجنسه وقيل لفظ يدل على معنى مبهم في جنسه ذكر حدين للمطلق الحد الأول وهو المقدم عنده لأنه قدمه وضعَّف الثاني بقوله وقيل قال ما تناول ما هذا جنس يشمل المفيد وغير المفيد تناول تناول إذاً لابد أن يكون له معنى فحينئذ أخرج غير المفيد ما تناول واحداً لا بعينه واحداً لا بعينه إذاً أخرج ما تناول أكثر من واحد كألفاظ الأعداد كعشرة ومائة وألف لأنها تناولت أكر من واحد لا بعينه أخرج الأعلام كزيد فإنه تناول واحداً بعينه نقول هذا مطلق له وجهان لماذا؟ لأن شرط المطلق أو حقيقته أنا ما تناول واحداً لا بعينه فحينئذ إذا تناول واحداً بعينه كالأعلام شخصية كزيد وعمرو نقول هذا ليس بمطلق أقول لك على حاجة ما مدلوله واحد معين خرج بقوله ما تناول واحداً لا بعينه الرجل الرجل ليس هو كزيد زيد هذا علم مدلوله الذات المشخصة الرجل هذا مدلوله واحد لماذا؟ لأنه نكرة معرفة بـ ال إذاً عُين والتعريف أو المعنى كما سبق ما وُضع ليستعمَل في معين إذاً الرجل وُضع ليُستعمَل في المعين إذاً دل على واحد لكن لا بعينه من هو هذا الرجل غير معلوم كذلك أخرج العام المستغرق لأنه يتناول أكثر من واحد بل هو مستغرق لما يشمله اللفظ ولذلك قيل العام هو اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له اللفظ لكل ما يصلح له الفظ نقول هذا مستغرق له إذاً ما تناول واحداً لا بعينه باعتبار حقيقة شاملة لجنسه يعني بالنظر إلى الحقيقة والحقيقة هذه التي يعبر عنها البعض بالماهية ومحل الماهية في الذهن ولذلك بعضهم حده بأنه اللفظ الدال على الماهية بلا قيد إذاً باعتبار حقيقة كأنه قيَّد لك التناول هنا ما تناول واحداً لا بعينه يعني مفهوم هذا اللفظ واحد يدل على واحد لكن لا بعينه غير معين يحتمل هذا أو ذاك أو إلى آخره كما في قوله {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} رقبة هذا يطلق على كل عبد هذا رقبة وهذا رقبة وهذا رقبة تناول واحداً لا بعينه بمفهوم أو بالمعنى السابق أن المطلق عام وشامل ومستغرق شامل لكل الأفراد فإذا قيل رقبة كل عبد يدخل تحت هذا اللفظ لكن هل يصدق على الجميع دفعة واحدة؟ لا، وإنما يصدق على الجميع بالبدل فإذا أُطلق على الأول انتفى أن يدخل الثاني تحته لماذا؟ لأن اللفظ وُضع ليدل على واحد فقط لا بعينه من حيث هو شامل للكل فكل لفظ كل ذكر عاقل من بنى آدم يدخل تحت كلمة رجل حينئذ نقول شمول هذا اللفظ لكل الأفراد شمول بدلي لا استغراقي بمعنى أن اللفظ إذا أُطلق لفظ رجل ولفظ رقبة نقول هذا لا يشمل كل الأفراد دفعة واحدة كما نقول
{فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ} المشركين هذا لفظ عام يدخل فيه كل ما اتصف بصفة الشرك دفعة واحد لو وُجد مليون مشرك دخل تحت قوله {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ} ولذلك اشترطنا هناك أن يكون الحكم متساوياً في الجميع فرق بين العموم اللفظي والعموم المعنوي أن شرط العموم أن كل الأفراد تكون مستوية في الحكم دفعة واحدة لا يُفضَل هذا على ذاك وإلا فانتفى العموم أما هنا ما تناول واحداً لا بعينه اللفظ من حيث هو يصدق على كل الأفراد هذا رجل وهذا رجل وهذا رجل وذاك رجل وذاك رجل إلى آخره لكن إذا قيل هذا رجل حينئذ اختص بواحد هل يدخل أذا أُطلق لفظ رجل وعُيِّن مسماه أو أُطلق على شخص معين على واحد وعُيِّن هل يشمل غيره ويدخل تحته؟ الجواب لا ليس هو كما إذا قيل {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ} فقُتل زيد فحينئذ عمر وبكر أيضاً داخلان تحت اللفظ لماذا؟ لأن النظر هنا باعتبار الحقيقة الشاملة للجنس كما ذكره باعتبار يعني التناول هنا لواحد لا بعينه باعتبار الحقيقة الذهنية وهي المعنى المراد من اللفظ الألفاظ لها معاني هذه المعاني لها حقائق في الذهن هذه الحقائق الذهنية كلية لا توجد في الخارج إلا في ضمن أفرادها فكلمة رقبة أو رجل نقول هذا له مفهوم وحقيقة ذهنية لا يوجد في الخارج إلا في ضمن أفراده هنا التناول باعتبار الفرد الخارج أو باعتبار الذهن؟ قال باعتبار حقيقة شاملة لجنسه يعني التناول للجميع والاستغراق الموجود المطلق ليس باعتبار خارج وإنما باعتبار الحقيقة هذه الحقيقة شاملة للجنس التي تكون صادقة عل جميع الأفراد ولكنها في الذهن لا تُدخَل لأن الاتفاق بين الأصوليين والنُحاة أن الفرد الخارج الذي يدل عليه المطلق أو النكرة على القول بالتفريق أنه خارجي وهو واحد وأما مدلول اللفظ ومعناه الحقيقة الذهنية فباتفاق أنها موجودة في الذهن لا في الخارج حينئذ التناول لكل الأفراد التي دل عليه اللفظ المطلق إنما هي موجودة في الذهن لو قيل رجل مثلاً مفهومه ذكر من بني ذكر بالغ وبعضهم يقول حيوان ناطق بالغ ذكر بالغ من بني آدم هل يوجد في الخارج ذكر بالغ من بني آدم ليس بزيد ولا بخالد؟ يعني شيء مُعين نقول هذا ذكر بالغ وليس في ضمن الأفراد تضع الذكور والرجال كلهم في جهة وتقول هاذ معنى قائم بنفسه في الخارج؟ لا يمكن أين يوجد هذا؟ يوجد في الذهن فقط أما في الخارج فيوجد في ضمن أفراده فتقول زيد رجل لأنه ذكر بالغ وتقول عمرو رجل لأنه ذكر بالغ إلى آخره فحينئذ المعنى الذهني الأصل وجوده في الذهن لذلك قال باعتبار التناول هذا باعتبار جار ومجرور متعلق بتناول ما تناول واحداً لا بعينه باعتبار حقيقة شاملة لجنسه والأصل في الجنس وجوده في الذهن حينئذ يُوجد في ضمن أفراده لكن على جهة البدل لا على جهة الشمول وهذا على القول بأن المطلق والنكرة سيان ولذلك بعضهم حده باللفظ أنه اللفظ الدال على الماهية بلا قيد وما على الذات بلا قيد يدل فمطلق وباسم جنس قد عقل وما على الذات بلا قيد يدل اللفظ الدال على الماهية الماهية ما هي؟ ما يُسأل عنه بما هي ما هي حقيقة الإنسان؟ حيوان ناطق ما هي حقيقة الفرس؟ حيوان صاعق ما هي حقيقة الرجل؟ ذكر عاقل بني آدم إذاً ما يصح الجواب أو
السؤال عنه بما هي هذا وجوده في الذهن، بلا قيد هذا أخرج النكرة والمعرفة لأن الحقائق الذهنية إذا وُجدت في الذهن إما أن يُلحَظ لها فرض في الخارج يعني يُوضع الباب ويُوضع له معنى في الذهن وهذا المعنى في الذهن يُلاحَظ بمعنى أنه لا يوضع مجرداً عن الأفراد وإنما يُلاحَظ الفرد الخارجي فإذا لوحِظ الفرد الخارجي حينئذ إما أن يكون معيناً أم لا إذا لوحظ الفرد الخارجي عند وضع الحقائق الذهنية إذا ولحظ الفرد الخارجي نقول هذا لا يخلو الفرد الخارجي إذا لوحظ اللفظ الخارجي مصدق اللفظ ماذا يكون إن كان معيناً فهو المعرفة وإن كان غير معين فهو النكرة وحينئذ فعلى هذا فثم فرق بين المطلق والنكرة وهذا هو الأصح من حيث الحقيقة فرق بين المطلق والنكرة لماذا؟ لأن المطلق وُضع بلا قيد اللفظ موضوع للماهية التي تكون في الذهن بلا ملاحظة فرد خارج ولكن النكرة وُضعت للمعنى الذهني مع ملاحظة فرد خارج غير معين والمعرفة وضعت للمعنى الذهني مع ملاحظة الفرد الخارج المعين فحينئذ يكون فرق بين النكرة النكرة والمطلق يبقى السؤال إذا كان المطلق كـ (تحرير رقبة) موضوع للمعنى الذهني فقط وليس له فرد في الخارج إذاً ما الفائدة كيف نبحث نحن في مباحث الألفاظ هنا؟ كيف نبحث؟ نقول الجواب أن الفرد الخارجي غير المعين يستوي فيه المطلق والنكرة لكن ثم فرق دقيق وهو أن دلالة النكرة على الفرد الخارجي من دلالة اللفظ على مسماه أو على فرده بالمفارقة لماذا؟ لأن اللفظ وُضع للمعنى الذهني مع ملاحظة الفرد الخارجي فحينئذ اللفظ يدل على الفرد الخارجي بالمطابقة وأما المطلق فوُضع للمعنى الذهني للماهية من حيث هي هي من غير اعتبار فرد خارجي فكيف نبحث في المعاني الذهنية نقول لا هذا المعنى الذهني لابد وأن يكون له وجود في الخارج لأنه لا يمكن أن يوجد كما ذكرت لا يوجد معنى ذهني لا في ضمن فرده فحينئذ إذا وُضع لفظ رجل مراداً به الذكر البالغ من بني آدم نقول هذا له وجود في الخارج إذاً لابد له من فرد فحينئذ استوي مع النكرة نقول لا لم يستوي مع النكرة لأن دلالة اللفظ المطلق على الفرد الخارج بالالتزام لاستحالة قيام المعنى الذهني لا في فرد يستحيل هذا لا يمكن أن يوجد المعنى الذهني لا في فرد فحينئذ استلزام المعنى الذهني للفرد الخارج هذا بدلالة الالتزام وأما النكرة فتدل على المعنى أو على الفرد الخارجي بدلالة المطابقة وهذا هو الذي عناه المصنف هنا بالحد السابق ولو قي اللفظ الدال على الماهية بلا قيد لكان أكثر مما ذكره لماذا؟ لأن قوله بلا قيد أخرج النكرة لأنها دلت على الماهية بقيد فرد شائع في جنسه وأخرج المعرفة لأنها دلت على الماهية بقيد وهو دلالته على الفرد المعين في الخارج وأما المطلق فهو دال على الماهية من حيث هي هي ولم يُقيَّد بفرد خارجي وإنما يستلزم وجوده وجود فرد خارجي.
قال وهو أي المطلق ما تناول واحداً لا بعينه باعتبار حقيقة شاملة لجنسه حقيقة شاملة لجنسه هذا احترز به على قول بعضهم عن المشترك لأن المشترك يدل على فرد لا بعينه لكن الحقيقة مختلفة إذا قيل القرء يدل على الطهر وعلى الحيض إذاً تناول واحداً لا بعينه وأيضاً باعتباره حقيقة لكنها ليت شاملة للجنس لماذا؟ ولكنها هي حقائق مختلفة فحقيقة الطهر مخالفة لحقيقة الحيض كذلك الواجب المُخيَّر ككفارة اليمين نقول هنا يصدق على الكل فالمراد به واحد لا بعينه وإذا قيل وجبت كفارة اليمين {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} إذاً دل على واحد لا بعينه وجب واحداً لا بعينه إذاً وجب المخير هل هو مطلق نقول لا نقو الحقائق مختلفة {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ} كسوة وتحرير رقبة هذه حقائق مختلفة أو متحدة؟ مختلفة وليست متحدة وأما رجل لو قيل اعتق رقبة رقبة يطلق على الكل والحقيقة متحدة وليست مختلفة ليس هو كالواجب المُخيَّر الواجب المُخيَّر فأنت مُخيَّر من واحد من ثلاث لكن لو نظرت في الثلاث كلها مختلفة الأجناس حقيقتها مختلفة وأما اعتق رقبة نقول هذا يصدق على هذا أو هذا أو هذا لكن الحقيقة متحدة لا مختلفة.
وقيل في حد المطلق لفظ يدل على معنى مبهم في جنسه يعني غير مقيد لفظاً بأي قيد يُحد من شيوعه وهذا الظاهر أنه أراد به على حده أو على قول أن من يرى المطلق والنكرة سيان كما هو مذهب كثير من النحاة عدم التفريق بين المطلق والنكرة يفرقون بين المسائل الفقهية لو قال رجل لزوجته إن ولدتِ ذكراً فأنت طالق فولدت اثنين ذكرين معاً على القول بالاتحاد المطلق والنكرة لا تطلق إذا قيل باتحاد المطلق والنكرة أنهما مترادفان كما هو مذهب كثير من النجاة وعلَّ الحكم إن ولدتِ ذكراً فأنت طالق وولدت اثنين نقول لا تطلق لماذا؟ لأن النكرة موضوع لواحد لا بعينه وقد ولدت اثنين لأن الشرط معلق على ذك واحد فالكلام يكون حينئذ إن ولدتِ ذكراً واحداً فأنتِ طالق وجاءت اثنين نقول لا تطلق لكن إذا قلنا بالتفرقة بين المطلق والنكرة إن قال ولدتِ ذكراً فأنت طالق وولدت اثنين أو ثلاث أو خمس نقول تطلق لماذا؟ لأن حقيقة المطلق هي الماهية من حيث هي كونه ذكراً يكفي فحينئذ كأن الحكم قد عُلق على الذكورية فوُجدت سواء كان في واحد أو اثنين أو في عشرة فحينئذ تطلق إذاً على القول بالتفرقة بين المطلق والنكرة على المثال ذكره الفقهاء تطلق المرأة وإذا قلنا بالاتحاد نقول لا لا تطلق لماذا؟ لأن الحكم معلق على واحد إن ولدت ذكراً واحداً على التقدير فإن جاءت باثنين نقول لا الشرط لم يستوفي الشرط معلق على واحد فقط فإذا ولدت اثنين أو ثلاث لم يتحقق الشرط لفظ يدل على معنى مبهم في جنسه يعني على فرد شائع في جنسه وهذه حقيقة النكرة ولذلك ذهب بعض الأصوليين كابن الحاجب والآمري إلى القول بالترادف أن النكرة والمطلق مترادفان وهذا من جهة التيسير لأن مبحث الأصوليين في الألفاظ يبحثون في العقليات فحينئذ اللفظ من حيث هو لفظ فهما متحدان رجل ورقبة وامرأة نقول هذه كلها نكرة وهي مطلقة كونها دلت على فرد في الخارج بالمطابقة أو بالالتزام هذا لا أثر له في أصول الفقه كونه المطلق دل على فرد في الخارج بالالتزام والنكرة دلت على فرد خارج بالمطابقة نقول هذا لا أثر له لماذا؟ لأن الأحكام مبناها على الألفاظ هنا والشرع يبحث في العقليات أم الألفاظ؟ في الألفاظ لا في العقليات لذلك قال ابن الحاجب أن النكرة والمفرد سيان والمقصود هنا بالمطلق عند الأكثرين النكرة في سياق الإثبات من باب التيسير قالوا المقصود بالمطلق الذي يبحث عنه الأصوليون هو النكرة في سياق الإثبات أما في سياق النفي فهذه من صيغ العموم كما مضى فحينئذ النكرة في سياق الإثبات التي لم يُرَد بها الامتنان بهذا القيد لم يُرَد بها الامتنان ولم تأتي في سياق الامتنان نقول هذه النكرة هي المطلق وأما إذا وقعت في حيز النفي فحينئذ صارت من صيغ العموم فحينئذ نقول النكرة في سياق الإثبات هذه لها شمول ولكن شمولها بدلي عرفت ايش معنى بدلي؟ بدلي يعني كل الأفراد يدخلون تحت اللفظ فإذا قال عنده مائة عبد فقال أعتق رقبة المائة كلها تدخل تحت اللفظ لكن ليس على جهة العموم بمعنى أن العتق يشمل المائة دفعة واحدة وإنما يُراد به احد لماذا واحد؟ لأن هذا هو حقيقة المطلق وأن هذا هو حقيقة النكرة يُراد به واحد اختر من شئت من المائة فقل أنت مُعتَق
لماذا؟ لأن كل واحد يصلح أن يكون داخلاً تحت مدلول اللفظ فله شمول لكنه بدلي والنكرة في سياق النفي لها شمول لكنه دفعي بمعنى أن كل الأفراد يدخلون تحت اللفظ وهذا معنى دقيق يحتاج إلى تأمل.
وقيل لفظ يدل على معنى مبهم يعني على فرد شائع يقصد بالمعنى هنا الفرد الشائع في جنسه غير مُقيد لفظاً بأي قيد يُحد من شيوعه كـ اعتق رقبة ويقابله أي يقابل المطلق المقيد، المقيد هذا اسم مفعول وهو في اللغة ما جُعِل فيه قيد من بعير ونحوه أو ما قُيد بشيء كالوصف والشرط والغاية، وهو أي في الاصطلاح المتناول لموصوف بأمر زائد على الحقيقة الشاملة وقيل ما زيد معنى على معناه لغير معناه، المتناول لموصوف هو الأصل أن المقيد يطلق على شيئين المتناول لمعين يعني ما أُطلق فيه المعرفة أعتق هذا الطالب أو هذا الرجل أو أعط هذا الرجل أو أعط هذا الطالب نقول الطالب هذا مقيد لماذا؟ كيف حكمنا أنه مقيد؟ اسم الإشارة ودخول (ال) هذا مقيد صار مقيداً ليس مطلقاً هل هو كقولك أكرم طالباً؟ لا، أكرم طالباً نقول هذا عام مطلق أكرم طالباً نقول طالباً هذا مطلق أكرم هذا الطالب هذا صار مقيداً، بماذا قُيد؟ بالتعيين، وهو المتناول لمعين أو لغير معين موصوف بأمر زائد على الحقيقة الشاملة يعني ما يكون موصوفاً بالصفة الاصطلاحية أو بالصفة التي يعنون بها الأصوليون في مقام التخصيص {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً} هذا فيه حصل تخصيص وتقييد للسابق الذي هو القتل، فحينئذ الصفة بمفهومها العام حصل بها قيد للمطلق أعتق رقبة هذه مطلق مؤمنة حصل بالصفة وقد يحصل بالشرط {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} حصل بالشرط قد يحصل بالغاية {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} هذا مُقيَّد قُيد بالغاية والأول قُيد بالشرط والآية {رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} قُيد بالصفة إذاً المقيد يتناول أمرين المتناول لمعين كأكرم هذا الطالب والمتناول لغير معين لكنه موصوف بأمر زائد عن الحقيقة الحقيقة رقبة هذه كما سبق أنها دالة على الحقيقة الذهنية موصوفة بصفة وهي الإيمان لذلك قال الموصوف بأمر زائد على الحقيقة الشاملة له ولغيره اعتق رقبة هذا يشمل الكافرة والمؤمنة حينئذ لما قال مؤمنة فخصص وتعين بمن اتصفت بصفة الإيمان، كـ (رقبة مؤمنة) وقيل في حد المقيد ما زيد معنى على معناه لغير معناه رقبة له معنى خاص زيد معنى وهو الإيمان لغير معناه الذي دل عليه اللفظ بل لمعنى آخر خارج عن معناه فمفهوم الإيمان مغاير لمفهوم الرقبة هل زيادة وصف الإيمان زيادة لمفهوم الرقبة أم زائد عليه؟ زائد عليه لغير معناه ما زيد معنى على معناه لغير معناه بل لأمر خارج عنه وهو كون الرقبة متصفة بصفة الإيمان.
ثم بعدها عرف لك المطلق والمقيد بيَّن لك أحوال المطلق والمقيد وهذا أهم ما يكون في هذا الباب وهو أنه إذا ورد لفظ مطلق ولفظ مقيد في الشرع إذا جاء لفظان أحدهما مطلق وأحدهما مقيد ماذا نصنع؟ ما الحكم وما هي هذه الأحوال؟ بين لك المصنف فقال رحمه الله تعالى فإن ورد مطلق ومقيد ورد في الشرع مطلق ومقيد فلا يخلو إما أن يتحد السبب والحكم يعني إما أن يتحدا المُطلق والمقيد في السبب والحكم الإحالة وإما أن يتحدا في الحكم ويختلفا في السبب وإما أن يختلفا في الحكم ولو اتحدا في السبب يختلفا في الحكم هذه ثلاثة أحوال والحالة الرابعة أنها باتفاق لا يُحمل المطلق على المقيد لا يذكرونها وإنما يدرجونها في الحالة الثالثة.
الحالة الأولى: قال فإن اتحدا في الحكم والسبب يعين السبب والحكم واحد في الموضعين في المطلق والمقيد الحكم واحد مثل ماذا؟ قال كقوله صلى الله عليه وسلم ((لا نكاح إلا بولي)) كـ ((لا نكاح إلا بولي)) مع قوله صلى الله عليه وسلم في رواية أخرى ((لا نكاح إلا بولي مرشد)) ما هو الحكم هنا من الحديثين؟ نريد السبب والحكم ما هو السبب أولاً؟ النكاح سبب الحديث الأول النكاح والسبب الثاني النكاح إذاً الكلام في أي شيء؟ في النكاح إذاً اتحد السبب، ما هو الحكم؟ نفي النكاح إذاً اتحدا حكماً وسبباً، أين اللفظ المطلق؟ ولي لا نكاح إلا بولي ولي هذا مطلق أين المقيد؟ مرشد، هل بينهما فرق؟ نعم الأول ((لا نكاح إلا بولي)) يشمل المرشد وغيره فيكون مطلقاً والثاني قيده بماذا بالمرشد إذاً أخرج غير المرشد فلا تصح ولايته هذا ينبني عليه حكم شرعي، هل نحمل المطلق على المقيد فنقيد قوله ((لا نكاح إلا بولي)) بكونه مرشداً في الحديث الآخر أو لا؟ نقول باتفاق أنه يُحمَل المطلق على المقيد فيُقيَد قوله صلى الله عليه وسلم ((لا نكاح إلا بولي)) وهو مطلق بقوله صلى الله عليه وسلم (مرشد) فحينئذ ((لا نكاح إلا بولي)) من كان غير مرشد من الولاة لا تصح ولايته في النكاح ولو تركنا المطلق على ما هو عليه لصحت ولايته بإطلاق هذا اللفظ، قال كـ ((لا نكاح إلا بولي)) مع قوله ((لا نكاح إلا بولي مرشد)) فالسبب مُتحد وفي الروايات وشاهدي عدل فالسبب متحد وهو النكاح وحكمهما نفيه إلا بوجود الولي والشاهدين في الزيادة الأخرى فيجب حمل المطلق على المقيد قولاً واحداً لماذا؟ جمعاً بين الدليلين لماذا؟ لأن قوه ((لا نكاح إلا بولي مرشد)) هذا نص على أن الولاية لابد أن تكون في حق المشد والأخرى أطلق فجوَّزت أن يكون الولي غير مرشد حينئذ وقع تعارض في جزئية بين الدليلين وإعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما. وقال أبو حنيفة زيادة فهي نسخ يعني زيادة على النص فهي نسخ وليست من باب التقييد تقييد المطلق ولكن ذكر قول أبي حنيفة في هذا الموضع قيل أنه من باب السهو وإنما أكثر الأحناف ينقلون عن أبي حنيفة الاتفاق مع الجمهور لأنه يرى وجوب حمل المطلق على المقيد فيما إذا اتحدا سبباً وحكماً ولذلك ......
المصنف هنا تبعاً لابن قدامة في ذكر قول أبي حنيفة في هذا الموضع بل هو في الموضع الذي يليه، وقال أبو حنيفة زيادة فهي نسخ يعني لو حُمل المطلق على المقيد لكان نسخاً للمطلق وإبطالاً للعمل به لماذا؟ لأنه دل على إجزاء ولاية غير المُرشد وهذا عينه بالمرشد فل حملناه لكان نسخاً، فزيادة اشتراط الرشد في الولي رفعت إجزاء الولي مطلقاً الذي دل عليه النص المطلق والإجزاء حكم شرعي والصواب قلنا أنها ليست بنسخ حتى لو سُلم بأن قول أبي حنيفة في هذا الموضع مراده به المطلق والمقيد إذا اتحدا حكماً وسبباً نقول الصواب أنه ليس بنسخ لماذا؟ لأن النسخ رفع حكم شرعي وهنا لم يرفع حكم شرعي بل هي زيادة سكت عنها النص الأول وجاء النص الثاني زائداً تلك الزيادة المسكوت عنها لأنه قوله ((لا نكاح إلا بولي)) ليس نصاً في أن ولاية غير المرشد مُجزأة وإنما هي محتلمة وإن شئت قل مسكوت عنها فجاء النص والأصل حمل أو إعمال الدليل فننظر في الأول المطلق فنقيده بما قُيد به النص الثاني ذ ليست بنسخ، ثم الناسخ والمنسوخ يشترط بينهما التنافي متى يُحكَم بالنسخ والمنسوخ متى نقول؟ إذا لم يمكن الجمع إذا تعذر الجميع بين الدليلين وعُلِم أحد التاريخين فنقول هنا وجب أن يكون الثاني ناسخاً للأول مع التراخي وهنا ليس بين النص الأول والنص الثاني منافاة نقول لا نكاح إلا بولي هذا مقيد بقوله مرشد ولا إشكال.
وإن اختلف السبب كالعتق في كفارة اليمين قُيد بالإيمان وأطلق في الظهار اختلف السبب يعني مع اتحاد الحكم إذاً لابد أن يكون الحكم في المطلق والمقيد واحداً وإنما السبب المطلق مغاير للسبب المقيد قال وإن اختلف السبب كالعتق في كفارة اليمين قُيد بالإيمان هذا صحيح؟ عبارة صحيحة هذه؟ يقول كالعتق في كفارة اليمين قُيد بالإيمان {َتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} أين ورد هذه؟ {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} هل قُيد بالإيمان؟ ما قُيد بالإيمان إذاً لعل سهواً أو خطئاً في النسخ، وإن اُختلف اختلف السبب كالعتق في كفارة القتل وليس اليمين وإنما في كفارة القتل هو الموضع الذي جاء مُقيداً وأُطلق في الظهار وفي اليمين لعله خطأ في النسخ، قال في كفارة الظهار {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا} وفي كفارة القتل {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ} الحكم متحد وهو وجوب عتق رقبة والسبب مختلف ظهار وقتل {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} سببه القتل {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا} سببه الظهار إذاً هما سببان مختلفان والحكم واحد وهو جوب الكفارة تجب الكفارة في القتل وتجب الكفارة في الظهار إذاً الحكم متحد وهو جوب عتق الرقبة والسبب مختلف ظهار وقتل فهل يُحمَل المطلق على المقيد في هذه الحالة أم لا؟ هذا محل نزاع بين أهل العلم، القول الأول لا يُحمَل المطلق على المقيد وهو المنصوص عن الإمام أحمد على ما ذكره المصنف هنا فالمنصوص لا يُحمَل فالمنصوص عن الإمام أحمد لا يُحمَل المطلق على المقيد، فالمنصوص لا يُحمَل يعني لا يُحمَل المطلق على المُقيد بل يبقى المطلق على إطلاقه والمُقيد على قيده، واختاره ابن شاقلا وهو قول أكثر الحنفية وهو مذهب كثير من الحنابلة وبعض الشافعية قالوا الحكم الحمل هنا تحكم محض لماذا؟ لأن اللغة تأبى ذلك ما أُطلق في موضع وقُيد في موضع إلا وأنه قيد أراد في موضع الإطلاق الإطلاق وفي موضع التقييد التقييد حينئذ حمل هذا على ذاك مع اختلاف السبب ولو اتحد الحكم من باب التحكم.
القول الثاني يُحمَل المطلق على المقيد عن طريق اللغة وقيل القياس لقوله {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ} وقال في المداينة {وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُم} جاء اشتراط العدالة في موضع مقيداً الشهود جاء مقيداً بالعدالة وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ} وقال في المداينة {وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ} ولم يقيده ويكاد يكون إجماع أن كل موضع أُطلق فيه الشهادة فهي مُقيدة بالعدل ومعنى هذا أنه قد حُمل المطلق على المقيد فحينئذ طرداً للباب وهو أنه إذا حُمل بالإجماع الشهادة في موضع الإطلاق على الشهادة في موضع التقييد فغيره محمول عليه وظاهره حمل المطلق على المُقيد ولأن العرب تُطلق في موضع وتُقيد في موضع آخر فيُحمَل أحدهما على الآخر، هنا قال فالمنصوص لا يحمل واختاره ابن شاقلا وهو قول أكثر الحنفية خلافاً للقاضي والمالكية وبعض الشافعية، مما ذُكر في التعليل للمنصوص عن الإمام قد يُفهَم من المنصوص عن الإمام أحمد أنه لم يكن ثم رواية أخرى أنه لا يرى الحمل بل هما روايتان رواية بأنه لا يُحمَل ورواية بأنه يُحمَل ولذلك جاء في رواية أبي طالب أحب إلى أن يُعتِق في الظهار مسلمة يعني رقبة مسلمة وهذا يدل على أنه حمل المطلق على المقيد لأنه الظهار لم يرد فيه التقييد {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا} فهو مطلق فيدل على أنه حمل المطلق على المقيد، وذكر بعضهم أن حجة المنع أن ظاهر المطلق يقتضي أن يُعمَل به على إطلاقه فلا يختص بالمقيد إلا أن يكون بينهما ارتباط لفظي أو معنوي وهنا ليسا بينهما ارتباط لا لفظي ولا معنوي فحينئذ يبقى المطلق على إطلاقه والمقيد على تقييده، خلافاً للقاضي والمالكية وبعض الشافعية القائلين بالحمل لما قال خلافاً هذا منصوب على أنه مفعول مطلق خلافاً هذا هو القول الثاني في المسألة لأنه قال المنصوص لا يُحمَل خلافاً للقاضي القائل بأنه يُحمَل إذاً ثم قولان فذكر لك في هذه الجملة قولين فهذا القول الثاني في المسألة وحجتهم أن كلام الله تعالى مُتحد كله مُتحد فإذا نص على اشتراط الإيمان في كفارة القتل كان ذلك تنصيصاً على اشتراطه في كفارة الظهار ولذلك جاء في الحديث الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم الجارية أين الله؟ فقالت في السماء قال اعتقها فإنها مؤمنة مع أنه سُئل معاوية ابن الحكم سأهل وقال علي كفارة وأطلق فقال النبي صلى الله عليه وسلم اعتقها فإنها مؤمنة اعتقها فإنها الفاء هذه للتعليل أي لأنها مؤمنة وهذا يدل على اشترط الإيمان لماذا؟ لأن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال يُنزَل منزلة العموم في المقام فلما قال له علي كفارة ومعلوم أن الكفارة من جهة التحرير بعضها مقيد بالإيمان وبعضها غير مُقيد بالإيمان فلما قال علي كفارة وهي محتملة ظهار أو قتل كفارة يمين فقال اعتقها فإنها مؤمنة علل بالإيمان الواقع جواب لقوله كفارة المطلق فحينئذ يدل على ماذا؟ لما لم يستفصل النبي صلى الله عليه وسلم عن نوع الكفارة وقد علل العتق فإنها مؤمنة دل على العموم ونزلن ترك الاستفصال منزلة العموم في المقال ونزلن ترك الاستفصال إذا سُئل النبي صلى الله عليه وسلم سؤال أو ذُكر
له قول أو حكاية وهي مُحتملة لعدة أوجه فأجاب تُحمَل على جميع الأوجه لماذا؟ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز كما سبق بيانه لأن الحكم لو كان منزل على حالة واحدة دون البقية لكان فيه عدم إجابة للسؤال وإن علي كفارة وعندي جارية فاختبرها النبي صلى الله عليه وسلم فقال اعتقها فإنها مؤمنة دل على العموم أن كل كفارة يشترط فيها في العتق الإيمان كذلك من ذكرناه من العدالة أنها جاءت في موضع مقيدة وفي مواضع أخر غير مقيدة الشهادة جاءت في موضع مقيدة وفي عدة مواضع غير مقيدة إجماع يكاد يكون إجماع على تقييد المطلق بالمُقيد.
وقال أبو الخطاب تقييد المطلق كتخصيص العموم وهو جائز بالقياس الخاص فها هنا مثله وقال أبو الخطاب هذا القول الثالث في المسألة إذا اتحد الحكم واختلف السبب هل يُحمل المطلق على المقيد فيه ثلاثة أقوال لا يُحمَل وذكر أنه منصوص عن أحمد، يُحمَل وهو قول القاضي والمالكية وبعض الشافعية، أبو الخطاب يقول لا يُحمَل المطلق على المقيد بنفس اللفظ بل لابد من دليل من قياس أو غيره كما أن القياس فيما سبق يعتبر من المخصصات للعموم كذلك هنا لا يُحمَل المطلق على المقيد فيما إذا اختلف السبب واتحد الحكم إلا بدليل خارجي إن وُجد دليل حُمل وإلا فلا يُحمَل، إذاً التفصيل يُحمَل مطلقاً لا يُحمَل مطلقاً التفصيل أن يكون بدليل خارجي وإلا فلا، تقييد المطلق كتخصيص العموم وهو جائز بالقياس الخاص فها هنا مثله إن وُجد دليل خارج على حمل المطلق على المقيد حُمل وإلا فلا، ثم قال بقي ماذا؟ سيأتي الحالة الثالثة، فإن كان ثم مقيدان حُمل على أقربهما شبهاً به فإن كان فإن وُجد ثم إذا قلنا بالتخصيص بالتقييد حمل المطلق على المقيد قد يكون المطلق وهناك مقيدات يعني أُطلق في موضع بقيد أو قُيد في موضع بقيد وجاء في موضع بقيد آخر جاء هذا المطلق إذاً عندنا مطلق وعندنا مقيد بقيد آخر على أيهما يُحمَل؟ يقول فإن كان ثم مقيدان عندنا مُقيَد ومُقيَد حُمل المطلق على أقربهما شبهاً به أي النوعين أقرب شبهاً فإن كان الأول حًمل عليه وإن كان الثاني حُمل عليه مثل ماذا؟ إطلاق صوم كفارة اليمين عن القيد {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} أطلقها في النص الشرعي نفس المثال وهي قراءة ابن مسعود {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} مطلق عن التتابع وعن التفريق وقيده في كفارة الظهار بالتتابع {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} قيده بالتتابع في كفارة الظهار وقيد صوم التمتع بالتفريق {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} وعندنا هنا كفارة اليمين مطلقة على أي نحمل؟ هل نقول بالتتابع أو نقوم بالتفريق؟ أيهما أقرب شبهاً؟ ما كان من جنسه وهو كفارة أو من خارج جنسه كالتمتع؟ ما كان من جنسه فيُحمَل حينئذ المطلق أو كفارة الصيام بالتتابع حملاً على كفارة الظهار لأن كلاً منهما كفارة وأما التفريق في الحج هذا أمر خارج عنه إذاً يكون الظهار أقرب لليمين من التمتع لأن كل منهما كفارة طيب جاء {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} يُحمَل على أي؟ على التتابع أو على التفريق؟ لا يُحمَل على واحد منهما لأنه ليس بينهما جامع هناك كفارة اليمين مع كفارة الظهار بينهما جامع أن كلاً منهما كفارة وأما {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} فهذا مطلق فيبقى على إطلاقه لا يُقيد بتتابع ولا بتفريق بل المكلف مُخير بين التتابع وبين التكليف مطلقاً ولذلك لا نُقيد حتى في صيام الست من شوال لأن هذا مطلق وذاك محمول على وقته، فإن كان ثم مقيدان حمل أقربهما شبها به، ثم بين الحالة الثالثة وإن اختلف الحكم فلا مانع وإن اختلف الحكم فلا مانع ما الذي عندكم فلا حمل وإن اختلف الحكم فلا حمل اتحد السبب أو اختلف كأنه المصنف هنا جرى ما جرى عليه الأصوليون أنه لا حمل مطلقاً على
مقيد إلا مع اتحاد الحكم أما إذا اختلف الحكم فلا حمل وهذا هو الأصح أنه إذا اتحد الحكم واتحد السبب أو اختلف فحينئذ الأصح أنه يُحمَل الأولى اتفاقاً والثاني على الصحيح أنه إذا اختلف السبب واتحد الحكم يحمل المطلق على المقيد وهذا قول الجماهير وأما إذا اختلفا في الحكم فلا يُحمَل المطلق على المقيد اتحد السبب أو اختلف اتحد السبب مثل آية التيمم {فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} أطلق وقال {فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} هنا ما السبب في الموضعين؟ السبب الحدث سبب الوضوء هو الحدث وسبب التيمم هو الحدث إذاً السبب متحد والحكم مختلف لأن هذا تيمم وهذا وضوء هل يُحمَل المطلق على المُقيد فنقول (فامسحوا بوجوهكم وأيدكم إلى المرافق) حملاً على المقيد في آية الوضوء نقول لا وإن قال به بعض الأصوليين لكن الجواب لا لماذا؟ لأن شرط الحمل اتحاد الحكم وهنا اختلف الحكم كذلك فيما اختلف الحكم والسبب كآية الوضاء أيضاً مع آية السرقة {{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} لو قيل بحمل المطلق على المقيد في آية الوضاء {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} من أين يُقطَع؟ من المرفق، نقول لا لا يحمل المطلق على المقيد وإن اختلف الحكم فلا حمل اتحد السبب أو اختلف إذاً أحوال المطلق والمقيد إذا ورد لفظ مطلق في الشرع في النصوص كتاب وسنة ورد لفظ مطلق نقول لا يُحمَل المطلق على المقيد إلا إذا اتحدا حكماً وسبباً وهذا محل وفاق يجب حمل المطلق على المقيد يجب إعمالاً للدليلين وإذا اتحدا حكما واختلفاً سبباً ففيه خلاف والصواب أنه يُحمَل وإذا اختلفاً حكماً سواء اتحد السبب أو اختلف السبب والصواب أنه لا يُحمَل إذا اختلف الحكم والسبب بالإجماع يكاد يكون إجماع أنه لا يُحمَل.
ثم قال والأمر هذا شروع منه في مبحث من مباحث الألفاظ وهو الأمر والأمر والنهي كالعام والخاص وكالمطلق والمقيد بل الأمر والنهي أشد لماذا؟ لأنهما أساس التكليف أسأل التكليف أمر ونهي ولذلك قيل التكليف هو الخطاب بأمر أو نهي أمر سواء كان أمر استحباب أو إيجاب ونهي سواء كان نهي تحريم أو نهي تنزيه حينئذ مبنى الشريعة ومعرفة الأحكام الشرعية وتمييز الحلال من الحرام مبناه على الأمر والنهي ولذلك ذكر السرخسي قال أحق ما يُبدَأ فيه بالبيان الأمر والنهي لأن معظم الابتلاء يقع بهما وبمعرفتهما تتم معرفة الأحكام ويتميز الحلال من الحرام ولذلك بعض الأصوليين يبدأ المباحث بالأمر والنهي يقدمه على العام والخاص والمطلق والمقيد إلى آخره لماذا؟ لعموم الابتلاء به ولا يحصل تمييز الحلال والحرام إلا بمعرفة الأمر والنهي، والأمر استدعاء الفعل بالقول على وجه الاستعلاء أَمَرَ هذه حقيقة القول الطالب والقول الطالب المراد به سواء كان على جهة الجزم أو لا فحينئذ أَمَرَ لذلك قلنا فيما سبق أن المندوب الصحيح أنه مأمور به إذا قيل مأمور به فإذا أطلق لفظ أَمَرَ فيحتمل الطلب سواء كان على جزم أو على جهة الاستحباب أما صيغة افعل فهذه حقيقة في الوجوب، فأمر مسماه افعل أَمَرَ مسماه افعل إذاً مسمى اللفظ لفظ لكن ما مدلول أَمَرَ من حيث هو نقول اللفظ الدال على الطلب سواء كان جازماً أو لا أما في الاصطلاح فعرفه بقوله استدعاء الفعل بالقول على وجه الاستعلاء، استدعاء السين والتاء هذه زائدة لماذا؟ لأن السين للطلب الدعاء وإذا قيل أنها للطلب صار طلب الدعاء أو دعاء الدعاء وهذا فاسد إذاً استدعاء السين والتاء هذه زائدة تأكيد استدعاء الفعل استدعاء هذا جنس يشمل استدعاء الفعل واستدعاء الترك ويشمل الاستدعاء من الأدنى إلى الأعلى ومن الأدنى إلى الأعلى ومن المساوي إلى المساوي ثلاثة أحوال لأن الداعي أو الطالب إما أن يطلب ممن هو أعلى منه أو ممن هو أدنى منه أو ممن هو مساوي له، استدعاء الفعل أي الإيجاد المراد بالفعل هنا الإيجاد ليشمل القول خرج به استدعاء الترك لأن استدعاء الترك نهي وليس بأمر واستدعاء الفعل الشامل للقول هذا هو الأمر ويُفسَر الفعل هنا بما فُسر به الفعل في حد الحكم لأنه ما يشمل القول والاعتقاد والنية والأفعال أفعال الجوارح الفعل عرفاً يعني في اصطلاح الشرع وفي اصطلاح الأصوليين يشمل أربعة أشياء القول والاعتقاد والنية وفعل الجوارح واختلفوا في الترك والصواب أنه فعل لكن لعل المصنف هنا لا يرى أن الترك فعل ولذلك قال استدعاء الفعل فاحترز به عن استدعاء الترك الذي هو النهي، بالقول هذا جار ومجرور متعلق بقوله استدعاء بالقول أي بالصيغة والمراد بها صيغة افعل وما جرى مجراها وبالقول احترز به الاستدعاء استدعاء الفعل بالفعل أو بالحركات أو الإشارات المُفهمة وكل ما ليس بقول وأفهم طلباً فليس بأمر في اصطلاح الأصوليين جرياً على معناه اللغوي لأن الأمر نوع من أنواع الكلام والكلام هو اللفظ المركب المفيد بالوضع إذاً نقول كل ما كان نوعاً من أنواع الكلام فيُشتَرط فيه أن يكون لفظاً فإن لم يكن بلفظ فحينئذ لا يُسمى أمراً فإذا أفهم فعل النبي - صلى الله
عليه وسلم - وجوب أمر ما لا يسمى أمراً ولو أُطلق عليه أمر فهو مجاز ولذلك اختلفوا في مسمى الأمر هل يصدق على الفعل أم لا المُرجَّح عند جمهور الأصوليين أنه يُطلق عليه مجازاً والأمر في الفعل مجاز واعتمى شريك ذين فيه بعض العلما يعني بعضهم رأى أنه مشترك بينهما لكن المشهور عندهم أن إطلاق الأمر على الفعل مجاز {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} يعني وما فعله قالوا هذا مجاز وليس بحقيقة، إذاً بالقول أخرج ما حصل الاستدعاء بالفعل أو بالإشارات المُفهمة أو بالحركات المُفهمة فكل ذلك لا يسمى أمراً عند الأصوليين، على وجه الاستعلاء يعني كون الآمر يأمر ويستدعي على وجه الترفع والقهر وهذه أو صفة الاستعلاء هذه صفة في الأمر في اللفظ إذا وقع اللفظ فيه ترفع وفيه قهر وفيه كبرياء هذا يسمى استعلاء وإذا كان الطالب أعلى رتبة من المطلوب يسمى علواً ولذلك اختلفوا هل يُشتَرط في حد الأمر الاستعلاء أو العلو الجمهور على أنه يشتَرك الاستعلاء لابد أن يكون على جهة الاستعلاء فإذا لم يكن على جهة الاستعلاء فلا يسمى أمراً، فإذا قال افعل اسقني ماءاً من باب التودد واللفظ قالوا هذا ليس بأمر لا يسمى أمراً لماذا؟ قالوا لأنه ليس على جهة استعلاء لأن الرجل العظيم الكبير الذي يأمر غيره إذا قال افعل على وجه اللين والتواضع قالوا لا يسمى هذا أمراً بدليل ماذا؟ قالوا بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى الأمر عن صيغة افعل الصادرة منه في حق بريرة لما قال ارجعي إلي زوجكِ قالت أتأمرني يا رسول الله؟ قال لا مع أنه قال ماذا؟ قال ارجعي هذا أمر قالت أتأمرني يا رسول الله قال لا وإنما أنا شافع إذاً ما الذي انتفى عن قوله ارجعي؟ الاستعلاء لأنه هو عالي رتبته عالية لا شك قالت أتأمرني قال لا إذاً نفى الأمر عن صيغة افعل ولذلك قالوا لو أمر الأدنى الأعلى بصيغة افعل سُمي أمراً ووُصف بكونه جاهلاً أحمق لأنه قد فعل ما ليس له والصواب أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم أو نفيه الأمر ليس على جهة أنه غير مستعلي – لا – وغنما أحوال النبي صلى الله عليه وسلم تختلف يعني قد يأمر من جهة كونه والياً قد يأمر من جهة كونه نبياً مشرعاً رسولاً وقد يأمر من جهة كونه قاضياً حاكماً أحوال النبي صلى الله عليه وسلم مع رعيته تختلف وكلامه وأوامره تختلف بهذه الاختلافات وهنا ليس مشرعاً إنما نفى التشريع أي أتأمرني أمراً شرعياً قال لا وإنما أنا شافع إذاً من باب التودد ومن باب التعاون على الخير إذاً نفي الأمر ليس لكونه نُفي عنه الاستعلاء وإنما باختلاف حال النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحال مع بريرة وعليه نقول الصواب ما حقق الكثير من المتأخرين أنه لا يشترط في الأمر لا علو ولا استعلاء أنه لا يشترط في الأمر أن يكون على هيئة الترفع والتقهر أو القهر والكبرياء ولا يشترط فيه كون الآمر أو الطلب أعلى مرتبة ودرجة من المأمور لماذا؟ لأنه إذا كانت المسألة لغوية وقد ذكرت أنه لابد من القول لكون الأمر في اللغة لا يكون إلا قولاً نقول من أين قيدتم الأمر في اللغة بأن يكون على وجه الاستعلاء ليس ثم دليل يدل لا لغة ولا شرعاً على أن صيغة افعل لا تسمى أمراً إلا من
جهة تعلقها بالمتكلم سواء كان مستعلياً أو عالياً وليس عند جل الأذكياء شرط علو فيه واستعلاء وخالف الباجي بشرط التالي وشرط ذاك رأي ذي اعتزال واعتُبرا معا على توهين لدى القشيريِّ وذي التلقين المذاهب أربعة قيل يشترط العلو فقط وقيل الاستعلاء فقط وقيل هما معاً وقيل لا يشترط علواً ولا استعلاء وهذا هو الصواب أنه لا يشترط علو ولا استعلاء ولذلك صح قول عمرو بن العاص لمعاوية وهو والي أمرتك أمراً جازماً فعصيتني وكان من التوفيق قتل ابن هاشم قال أمرتك وهو من الرعية فحينئذ العلو والاستعلاء منفيان في حق عمرو بن العاص كذلك قول فرعون وهو طاغية {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} وهو مستعلي لا شك وهو أعلى فثم مع شاروا به عليه بالأمر إذاً نقول لا يشترط فيه علو ولا استعلاء.
والأمر استدعاء الفعل بالقول على وجه الاستعلاء وهنا التصدير تصدير الأمر بالاستدعاء هذا فيه نوع إشكال وإنما ذكر الزركشي في تصنيف المسامع أن من عرَّف الأمر بالاستدعاء أو الاقتضاء أراد به الأمر النفسي ولذلك نقول الأمر هو اللفظ الدال على طلب الفعل .... لابد أن نصدره باللفظ وإذا قلنا قوله بقول ليس بشرط وإنما يسمى الفعل أمراً وتسمى الإشارة أمراً فحينئذ لا نصدره باللفظ وإنما نقول ما دلَّ على طلب فعل إلى آخره لأنه مذهب مثر من الأصوليين مذهبهم مذهب الأشاعرة في باب الكلام فعندهم الكلام هو النفسي والأمر والعام والخاص والمطلق والمقيد هذه كلها أنواع على اختلاف بينهم هل تتحد أم تختلف كلها أنواع للكلام النفسي وحينئذ كل تعريف وقد نص على ذلك المحلي في شرح الجمع أن كل من عرف الأمر في هذا المقام فإنما أراد به الأمر النفسي ولم يُرد به الأمر اللفظي ونقول ليس عندنا نفسي ولا لفظي كما سيذكره المصنف هنا، وله صيغة تدل بمجردها عليه إذاً عرفنا حقيقة الأمر سيذكر أهم المسائل التي تترتب على أو توجد في هذا الباب، وله صيغة تدل بمجردها عليه وله صيغة يعني هل له لفظ إذا أُطلق فُهم منه الاستدعاء السابق أم لا؟ نقول نعم وهذا بإجماع السلف لماذا؟ لأن القرآن وهو المراد هنا وأقوال النبي صلى الله عليه وسلم إنما هي الألفاظ فإذا كانت ألفاظ حينئذ ليس عندنا أمر غير اللفظ وإنما ينبني هذا القول هل للأمر صيغة أم لا هذا القول بالكلام النفسي ولذلك نقول دائماً إن السؤال المطروح في كتب الأصوليين قديماً وحديثاً هل للأمر صيغة تخصه؟ نقول هذا السؤال بدعة لماذا؟ لأن مبناه على بدعة هل للأمر صيغة تخصه لماذا؟ لأن الأمر عنده هو الأمر النفسي ثم يختلفون هل صيغة تدل عليه أو لا؟ بعضهم يرى أن ليس له صيغة فإذا قال افعل يحتمل النهي ويحتمل الأمر وإذا قال لا تفعل يحتمل الأمر ويحتمل النهي لماذا؟ لأن المراد بالأمر والنهي هما النفسيان فقط ثم هل له لفظ إذا أُطلق صرف إليه أم لا بينهما خلاف فنقول الصواب أن هذا السؤال ليس بوارد لماذا؟ لأن القرآن هو كلام الله بحروفه ومعانيه فالأمر لفظ ومعنى وليس هو معنى فقط ثم نختلف هل له لفظ يدل على ذلك المعنى أم لا؟ نقول مجموع الأمرين كما قال شيخ الإسلام مثل لذلك كالجسد للروح نقول الإنسان اسم للجسد مع روحه إذاً جسد وروح ظاهر وباطن كذلك اللفظ والمعنى هما مسمى للأمر فالأمر مركب من شيئين لا ينفك أحدهما عن الآخر ليس اللفظ دون المعنى ولا المعنى دون اللفظ ولا نقول اللفظ هو الأصل والمعنى يعبر عنه لا هما سيان كما نقول فلان هذا زيد أُطلق على الاسم وعلى الروح معاً فلا يُطلق اللفظ على العبد أو إنسان مثلاً إلا على مجموع الأمرين.
إذاً وله صيغة تدل بمجردها عليه على الاستدعاء بمعنى أنها إذا أُطلقت هذه الصيغة انصرفت إلى ماذا؟ استدعاء الطلب ونقول هذا بإجماع السلف الصحابة وبإجماع أهل اللغة لأنهم قسموا الكلام إلى أمر ونهي وخبر واستخبار جعلوا للأمر افعل وللنهي لا تفعل وللخبر قد فعلت وللاستخبار هل فعلت وهذا مُجمَع عليه ولا خلاف، ولذلك دائماً يُؤخذ في حد الاسم وفي الفعل وفي حد الحرف يُؤخذ مفهوم الكلمة والكلمة نوع من أنواع الكلام لأنها جزءه والكلام يُؤخذ بحده اللفظ بإطباق أهل اللغة أن الكلام هو اللفظ إذا انتفى اللفظ نقول ليس بكلام فحينئذ إذا قيل أن المعنى هو الأمر نقول ليس بكلام وهذا أمر فاسد، وله صيغة تدل بمجردها عليه على استدعاء، وهي افعل للحاضر وليفعل للغائب عند الجمهور أما افعل هذا متفق عليه عند أهل السنة أما عند الأشاعرة لا لأن الكثير منهم ينكرون الصيغة أصلاً لا صيغة للأمر وأما عند أهل السنة فصيغة افعل هي للأمر الحاضر يعني المخاطب يعني افعل قم صلي صم إلى آخره، ليفعل للغائب عند الجمهور {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ} هذه صيغة أمر كذلك اسم فعل الأمر {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُم} هذا أيضاً يعتبر من صيغ الأمر يُفهَم منها الأمر كذلك المصدر النائب عن فعله {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} نقول هذا يدل على أمر كذلك إذا عُبر عنه بالكَتب {كُتِبَ عَلَيْكُمُ} فرض صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر فرض وجب كل هذه تدل على الأمر. إذاً الصيغة التي تدل بمجردها عليه هي صيغة افعل وإنما يخصها كثير من الأصوليين بالبحث لأنها أكثر دوراناً من غيرها لذلك قال بصيغة افعل فالوجوب حُقق لماذا خص افعل وافعل لدى الأكثر للوجوب لأنها أكثر دوراناً من غيرها أكثر من ليفعل أو من اسم الفعل فعل الأمر أو المصدر النائب عن فعله.
ومن تخيل الكلام معنى قائماً بالنفس أنكر الصيغة هذا الذي ..... ومن تخيل إذاً سماه خيالاً لأنه ليس بعلم لأنه مخالف للإجماع وإذا كان مخالفاً للإجماع كما عبَّر ابن قدامة لا يعتد به فمثل هذه المسائل تؤخذ من أهلها مسائل العقيدة وكلام الرب جل وعلا، ومن تخيل الكلام معنى قائماً بالنفس ويُسمى الكلام النفسي عندهم إذا أطلق لفظ الكلام انصرف إليه أنكر الصيغة وهذا قول أكثر الأشاعرة ولذلك يُعبرون في حد الأمر بأنه اقتضاء فعل بذلك المعنى القائم بالنفس المجرد عن الصيغة وهم ينصون على هذا في كتبهم،
هو اقتضاء فعلِ غيرِ كَفِّ
…
دُل عليه لا بنحو كُفي
هذا الذي حُد به النفسي
…
وما عليه دل قل لفظي
إذاً الأمر أمران عندهم أمر النفس الذي يعرفونه بالاقتضاء والاستدعاء ونص على ذلك الزركشي بتصنيف المسائل من قال من أراد الأمر النفسي صدر الحد بالاقتضاء أو الاستدعاء ولذلك نُنكر مثل هذه التعاريف وإنما نصدره للفظ مباشرة لأنه ليس عندنا أمر أعم من اللفظ إلا إذا كان حقيقة الشرعية فيُطلق الأمر مراداً به القول ومارداً به الإشارة والفعل للنبي صلى الله عليه وسلم وأما ألأمر اللغوي فهو مرادف للفظ الدال على الطلب هذا الذي حُد به النفسي وما عليه دل قل لفظي الذي هو افعل، فافعل عندهم ليس أمراً وإنما هو دليل على الأمر وهذا باطل القول بأن الكلام هو الكلام النفسي الشيء القائم في النفس هذا باطل ولذلك الرب جل وعلا قال سبحانه وتعالى {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ} إذاً المسموع الذي يسمعه المستجير المشرك ما هو كلام الله لفظ ومعنى، {َقالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً {10} فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً} أوحى غليهم إذاً فيه معنى قائم في النفس مع أنه قال {أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً} دلَّ على ماذا؟ على أن المعنى القائم في النفس الذي أشار إليه ليس بكلام وإنما حديث نفس {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً} {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} يدل على ماذا؟ على أن المعنى القائم في النفس المقترن بالإشارة ليس بكلام {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً} ولذلك قال صلى الله عليه وسلم عُفي لأمتي الخطأ والنسيان وما حدثت بها نفسها أو أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل، إذاً ما لم تتكلم وصرح بحديث النفسي حينئذ نقول ماذا حديث النفس المعنى القائم بالنفس لا يسمى كلاماً ولذلك جرى العرف وأطلق أهل العرف على أن ما يقابل المتكلم إما ساكت أو أخرس الذي لم يتكلم إما ساكت أو أخرس أنتم الآن تستمعوا وأنا أتكلم وأنتم تستمعون إذاً لو كان كل من جرى في نفسه حديث نفس فالكل متكلم ولذلك لو حدث الإنسان نفسه بالصلاة على كلامه نقول قد تكلم فبطلت صلاته مع أن إجماع الفقهاء على أن حديث النفس لا يُبطل الصلاة كذلك لو حلف عليه يمين ألا يدخل بيت زيد وحدث نفسه بالدخول أو أنه لا يتكلم بكذا هذا أجود فحدث نفسه بأن يتكلم نقول لا يحنث بإجماع الفقهاء، على كل دل دليل الكتاب والسنة على أن حديث النفس لا يمسى كلاماً ومن تخيل الكلام معنى قائماً بالنفس أنكر الصيغة وليس بشيء يعني قوله هذا ليس بشيء لأنه مخالف للإجماع مخالف للكتاب والسنة والعرف.
والإرادة ليست شرطاً ليس ليست هنا وجب التأنيث والإرادة ليست شرطاً عند الأكثرين خلافاً للمعتزلة الإرادة يعني إرادة امتثال المأمور به ووقوعه هل هي شرط أم لا عند المعتزلة نعم شرط ولذلك عرَّفوا الأمر بأنه إرادة الفعل وليس باستدعاء الفعل قالوا وإرادة الفعل فيشتر فيه الإرادة أن يكون الأمر مقترناً بإرادة إيقاع الفعل من المأمور به نقول هذا باطل لماذا؟ لأن الإرادة إن أردتم بها الإرادة الشرعية التي تًرادف المحبة والرضا فكل ما أمر به من الشرع فهو مراد وإن أردتم به وهذا هو المراد عندهم وإن أردتم به الإرادة القدرية التي تكون بمعنى المشيئة فهذا ليس بواقع ليس بصحيح لماذا؟ لأن أمر الرب جل وعلا البعض وقد تخلف امتثاله وهل إذا أراده قدراً يتخلف؟ لا يتخلف وهذا من الفوارق بين الإرادتين قد يريد الرب جل وعلا أمراً شرعياً مرادفاً للمحبة والرضا كالأمر بالإيمان وقد لا يقع في زيد نقول تخلفت الإرادة لماذا؟ لأنها ليست هي الإرادة القدرية الشاملة لكل الموجودات {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} كل ما أراده لابد أن يقع ولذلك نقول الإيمان مراد شرعاً وإذا وقع من زيد فهو مراد شرعاً وقدراً وإذا وقع الكفر من زيد وقد طُلب منه نقول لم يقع الكافر إذا مات على كفره حينئذ نقول هل المراد منه الإيمان أم لا؟ المراد منه الإيمان مراده من أي جهة؟ شرعاً لا قدراً، لماذا؟ لأنه لو أراده قدراً لوقع لأن الإرادة لا تتخلف ومن هنا جاءت مشكلة الصوفية والحلولية أن الكفر هل هو مراد أو لا والمعاصي ووجود إبليس والفتن والمخالفات للشرع وقوة الكفارة وسيطرتهم إلى آخره هل هي مرادة أم لا؟ مرادة قدراً لا شرعاً لأن الابتلاء والصراع بين الحق والباطل لا يوجد إلا بوجود إبليس لو انتفى إبليس لكان الكل مؤمنين وهذا ليس مراد إنما المراد الابتلاء وهذا يحصل لوجود الشر والفساد وأهل الكتاب وحينئذ نقول الإرادة ليست شرطاً في الأمر بمعنى الإرادة الكونية المرادفة للمشيئة، والإرادة ليست شرطاً عند الأكثرين لإجماع أهل اللغة على عدم الاشتراك لأنهم ركَّبوا الذم والمدح على عدم مخالفة مجرد الصيغة أو موافقتها ولم يسألوا هل أراد الأمر امتثالاً المأمور أم لا إذا قال افعل قم هل أردت أنت مع أمرك هذا إرادة المفعول أن يفعل أم لا هذا ليس بشرط ولذلك اتفق أهل اللغة على أنه يسمى أمراً ولم يشترطوا الكشف عن الإرادة ولذلك سووا هنا بين صيغتين افعل كذا أردت منك فعل كذا قالوا بمعنى واحد وهذا فاسد فاسد لغة وشرعاً إذا ثبت لغة ثبت أنه فاسد شرعاً لماذا؟ لأن افعل كذا هذا إنشاء لا يُقال له صدقت ولا كذبت وأردت منك فعل كذا هذا خبر يُقال له صدقت وكذبت إذاً فرق بين الإنشائي والخبري فكيف يُسوى بينهما، الحاصل أنه لا يشترط إرادة امتثال المأمور بالأمر وليست شرطاً فيه بل يكون الأمر بالإطلاق سواء أراد أو لم يُرد.
وهو للوجوب بتجرده عند الفقهاء وبعض المتكلمين إذا أُطلق لفظ افعل على أي يدل؟ قال للوجوب ومراده افعل مطلقة عن القرائن لأن الأحوال إذا نظرنا لصيغة افعل الأحوال المحتملة ثلاثة إما أن يُقيَّد بقيد يدل على الوجوب وإما أن يُقيد بقيد على عدم الوجوب وإما ألا يقترن بقيد يدل على الوجوب أو على عدم الوجوب الأولى المقيد بما يدل على الوجوب بالإجماع أنها للوجوب والثانية المقيدة بقيد يدل على عدم الوجوب بالإجماع ليست للوجوب ماذا بقي؟ الثالثة وهي المجردة عن القرائن هذا مراده افعل إذا تجردت عن القرينة أي قرينة؟ قرينة دل على صرف اللفظ عن الوجوب إلى الندب أو على تأكيد الوجوب لا نقول صلي وإلا قتلتك هذا ماذا نفهم منها استحباب ماذا نفهم؟ الوجوب، لم؟ إلا قتلتك هذه قرينة تدل على أنه أراد وجوب الفعل لماذا؟ لأنه رتب العقاب على عدم الفعل وهذا معنى الوجوب صلي وإلا قتلتك صلي إن شئت صلوا قبل المغرب لمن شاء هذه صلوا للاستحباب بالإجماع لماذا؟ لأنه دلت قرينة على عدم إرادة الوجوب وهذه كل الحالتين مُجمع عليها بقي إذا لم يقيد بقيد لا يدل على الوجوب أو عدم الوجوب هي التي فيها النزاع والتي ذكرها الأصوليون، وهو أي صيغة فاعل للوجوب بتجرده عن القرينة الدالة عن الوجوب أو عدم الوجوب والأدلة كثيرة بل حُكي إجماع الصحابة على أن صيغة افعل إذا أُطلقت انصرفت للوجوب ولذلك ما كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم ماذا أردت بهذا لو قيل أنها ليست للوجوب أو أنها محتملة للوجوب وغيره لحسن السؤال أن يسأل الصحابة إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله ما قال أحد من الصحابة ماذا أردت بهذا يا رسول الله أمر إيجاب أو أمر ندب؟ وإنما حملوه على الوجوب مطلقاً سنوا بهم سنة أهل الكتاب حملوه على الوجوب مطلقاً وأجمعوا على ذلك هذا يُفهَم منه ماذا؟ يُفهَم أنه ما يسمعون أو منذ أن يسمعوا الأوامر من الشرع حُملت على الوجوب مباشرة ولا يسالون عنها هل هي للوجوب أو لغير الوجوب وهذا إجماع ويكفي حكا ابن قدامة الإجماع على ذلك إجماع الصحابة أن صيغة افعل المجردة عن القرائن تُحمَل على الوجوب ويدل عليها أيضاً نصوص ظاهرة من الكتاب والسنة ولذلك توبيخ الرب جل وعلا لإبليس قال {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَاّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} لأنه قال {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ} {اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلَاّ إِبْلِيسَ} يعني لم يسجد قال {اسْجُدُواْ} قال {مَا مَنَعَكَ} هذا استفهام إنكاري قُصد به التوبيخ والذم وهل يُذَم ويُوبَخ على ترك غير الواجب؟ الجواب لا فدل على أن قوله {اسْجُدُواْ} هذه محمولة على الوجوب وللفائدة أن الأصوليين هنا دائماً يركزون على قصة إبليس لماذا؟ لأنه لا يمكن إثبات قيد صارف عن الوجوب {اسْجُدُواْ لآدَمَ} لا يمكن أن يأتي بآت بقرينة يُفهَم منها عدم الوجوب وخاصة مع قوله ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك وبخه وعاتبه وأخرجه من الجنة إلى آخره وكتب عليه الشقاء ومد في عمره على شقاء ويموت على شقاء كل ذلك لكونه خالف {اسْجُدُواْ} يدل على ماذا؟ يدل على أن صيغة افعل إذا أُطلقت وجُردت من القرائن تُحمَل على الوجوب كذلك قوله جل وعلا
{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} رتب على مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم الفتنة أو العذاب أليم وهذا يدل على ماذا؟ على أن المخالفة ترك للواجب قال {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} يعني يخالفون أمره هذا أصله يخالفون أمره حينئذ رتب الفتنة أو العذاب الأليم على المخالفة فدل على ماذا على أن صيغة افعل أو أمر النبي يُحمَل على الوجوب {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} هذا يدل على أن صيغة افعل أيضاً للوجوب {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} الأحزاب36، إذاً إذا أمر الله وأمر النبي صلى الله عليه وسلم انتفت الخيرة ولا انتفاء للخيرة إلا مع الواجب لو كان ندب لوجدت فيه الخيرة لأن افعل التي للندب مُقدر معها إن شئت صلوا لمن شاء قبل المغرب لمن شاء فحينئذ إذا أُقترن بها التقيد بالمشيئة حُملت على الندب وقوله صلى الله عليه وسلم لولا أن اشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة لولا أن اشق على أمتي لأمرتهم لولا هذا حرف امتناع للوجوب لولا زيد لأكرمتك امتنع الإكرام لوجود زيد هنا ما الذي امتنع؟ الأمر أمر إيجاب لأي شيء؟ لوجود المشقة لأن الأصل في المشقة أنها ملازمة للوجوب فانتفى الإيجاب فلو أمر لوُجدت المشقة والإجماع منعقد على أن السواك مندوب إذاً دل على أنه لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أمر إيجاب وليس أمر استحباب أو مطلق هنا لأمرتهم أمر إيجاب فجعل المشقة من لوازم الأمر والمشقة ستكون مع الواجب هذا هو القول المُرجح وهذا هو القول الثاني وعليه الصحابة كلهم، يُتنَبَه لمسألة هذه الأدلة دلت على أن مطلق افعل للوجوب فكل صيغة افعل سواء كان في العبادات أو في المعاملات أو في الآداب أو في غيرها مطلقة كل صيغة افعل مجردة عن القرينة فتُحمَل للوجوب لعموم الأدلة {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} ما فصَّل هنا قال إذا كان الأمر في العبادات فهو للوجوب قال إن كان في العادات فه الاستحباب – لا – ليس هذا التفصيل، وما يذكره الكثير من الفقهاء أن صيغة افعل إذا كانت في الآداب فهي محمولة للندب فهذا يحتاج إلى دليل لأنه مخالف للنص فإذا وُجد دليل شعري فحينئذ نقبل وإلا فلا اجتهاد مع النص فالأدلة عامة شاملة لجميع الأوامر.
وقال بعضهم للإباحة يعين صيغة افعل للإباحة هذا غريب غريب جداً أن يُقال للإباحة إذاً ما بقي واجب هذا ما دار عنه الإباحيون الآن قالوا كل أمر في الشرع حُمل للإباحة لماذا؟ قالوا درجات الأمر بالفعل ثلاثة الوجوب والندب والإباحة وبينها قدر مشترك وهو جواز الإقدام على الفعل بين المراتب الثلاثة كلها جواز الإقدام على الفعل جواز الإقدام على الفعل هذا موجود في الواجب وجواز الإقدام على الفعل موجود في الندب وكذلك موجود في الإباحة لكن ترتب العقاب على ترك الفعل في الواجب وعدم ترتب العقاب على الترك في الندب واستواء الطرفين في الإباحة هذا مشكوك فيه زائد زائد على مجرد الإقدام قالوا إذاً اليقين أن يُحمَ صيغة افعل على الإباحة لأنها يقين مشتركة بين الثلاثة وما عدا ذلك فهو مشكوك فيه فإن دل دليل على الوجوب حينئذ حُمل عليه وإن دل دليل على الندب حُمل عليه وإلا الأصل الإباحة وهذا قول فاسد ضعيف، وبعض المعتزل للندب قالوا صيغة افعل المجردة عن القرينة الصارفة تدل على الندب ولا تحمَل على الوجوب إلا بقرينة لماذا؟ قولوا لأنه جاء مشترك في الشرع أمرتكم جاء للندب وللوجوب وجاء كذلك صيغة افعل جاء للندب وجاء للوجوب إذاً القدر المشترك ما هو اليقين؟ اليقين هو الندب لماذا؟ لأن الوجوب طلب طلب إيجاد فعل والندب طب إيجاد فعل لكن الوجوب فيه قدر زائد وهو ترتب العقب على الترك قالوا هذا القدر الزائد على الندب مشكوك فيه ولا نحمل صيغة افعل عليه إلا بدليل واليقين أنه لمجرد الطلب وهذا أيضاً فاسد قول ضعيف لأنهم مصادم للنصوص الواضحة البينة وخاصة إجماع الصحابة.
فإن ورد بعد الحظر فللإباحة جاء الأمر بعد الحظر للإباحة يعني جاء تحريم ثم جاءت الإباحة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} ، ثم قال {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} {فَانتَشِرُوا} هذا أمر أو لا؟ أمر هل يقتضي الوجوب؟ {فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} نقول هذا أمر هل يُحمَل على الوجوب أم نجعل كون الفعل قد نُهي عنه أولاً ثم بعد ذلك أُمر به نجعل تقدم الحظر قرينة صارفة على أنه المراد به الإباحة؟ هذا محل نزاع عند الأصوليين يعني ليست هذه المسألة كالمسألة السابقة صيغة افعل مجردة لا شك أنها للوجوب مطلقة بلا استثناء ولا تفصيل لإجماع الصحابة وما ذكرنا من الأدلة لكن ثم قرينة مُختَلف فيها هل هي قرينة صارفة أم لا كون الشرع ينهى عن أمر مُباح ثم بعد ذلك يأمر {فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} هي نحمل {فَانتَشِرُوا} للوجوب أو الإباحة؟ المشهود عند الأصوليين أنه للإباحة ولذلك قال فإن ورد يعني صيغة افعل بعد الحظر بعد التحريم يعني بعد المنع فللإباحة لماذا؟ قالوا للاستقراء والتتبع للأوامر الشرعية الواردة بعد النهي فلم يوجد أمر كذلك إلا ويُراد به الإباحة لا يوجد في الشرع أمر بصيغة افعل بعد نهي إلا والمراد به الإباحة كقوله تعالى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} ، {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} {فَأْتُوهُنَّ} هذا أمر يجب؟ نقول لا يجب مباحاً {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ} كذلك قوله صلى الله عليه وسلم كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها قالوا هذه كلها للإباحة وهذا محل نظر بل الصواب هو ما قاله أكثر الفقهاء بما ذكره في القول الثاني بقوله وقال أكثر الفقهاء والمتكلمين لما يفيده قبل الحظر فإذن كان قبل الحظر واجباً ثم مُنع ثم جاء الأمر به فالأمر للوجوب وإن كان قبل الحظر للندب ثم مُنع حُظر ثم أُمر به فصيغة افعل حينئذ للندب وإن كان مُباحاً أولاً ثم حُظر ثم أُمر به فهي للإباحة ولهذا قال ابن كثير أنها باستقراء الشرع في سورة الجمعة {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ} قال باستقراء الشرع أن أسلم الأقوال هو هذا لأنه وُجد بأدلة أنه قد أمر بشيء بعد الحظر ثم كان للوجوب {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ} قالوا هذا للوجوب، فإذن ورد بعد الحظر فللإباحة وقال أكثر الفقهاء والمتكلمين لما يفيده قبل الحظر، والصواب الثاني.
ثم قال ولا يقتضي التكرار عند الأكثرين لا يقتضي التكرار هل تكرار صيغة افعل تقتضي التكرار أو لا؟ أيضاً يُقال فيها ما قيل في السابق أن صيغة افعل قد تكون مُقيدة بالمرة وقد تكون مقيدة بالمرات افعل صلي يوم واحداً نقول هذا مقيد صلي صلاة واحدة نقول هذا مقيد لمرة واحدة هذا باتفاق أنه يُحمَل على ما قُيد عليه صلي خمس صلوات اليوم هذا قيده بخمسة دل على التكرار هذا بالإجماع أنه يحمل على التكرار لكن لو قال صلي فقط وسكت هل إذا قمت فصلين ثم نقول لك أيضاً لم ينتهي الأمر قم فصلي قم فصلي قم فصلي حتى يأتيك دليل يقول لك قف عن الصلاة أم أن مدلوله المرة الواحدة أو لمطلق الماهية؟ فيه خلاف بين الأصوليين محل الخلاف فيما لم يُقيد بالمرة أو بالمرات صراحة فإن قُيد بالمرة صراحة حُمل عليها باتفاق وإن قُيد بالمرات صراحة حُمل عليها وإما أذا لم يُقيد فأُطلق هكذا صلي فسكت حينئذ نقول فيه خلاف، قال ولا يقتضي التكرار بفتح الفاء لأن تَفعال هذا بفتح التاء إلا ستة عشر فعلاً ذكرها السيوطي في الأشباه والنظائر منها تلقاء هذا ورد ولا نقول أنه ..... لكن لو قيل تكرار كما ينطقه البعض نقول هذا لم يسمعه هذا يخطى بكن لو قيل تِلقاء نقول هذا سُمع ولو كان خلاف في القياس {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء} نولا يقتضي التكرار أي لا يقتضي فعل المأمور به إلا مرة واحدة فقط صلي قام فصلى نقول انتهى لا يصلي مرة ثانية إلا بدليل مفصل وأما صيغة افعل فقد أدى المراد بها أوجد الفعل وانتهى لا يقتضي التكرار، فلذلك قيل إن مدلوله على المرة الواحد لكن دلالته على المرة الواحدة هل هو بالالتزام أم بالمطابقة هذا سيأتي أن قول آخر المراد به صيغة افعل هو مطلق أو القدر المشترك وعلي تكون المرة الواحدة هذه من الضروريات.
ولا يقتضي التكرار عند الأكثرين وأبي الخطاب من الحنابلة عند الأكثرين لا يقتضي التكرار يعني أكثر الحنابلة بدلالة اللغة لو قال السيد مثلاً لعبده ادخل الدار كان ممتثلاً لدخلة واحدة ادخل الدار كان ممتثلاً وداخلاً بدخلة واحدة حينئذ حصل مدلول أُدخل فلو وبخه وعاتبه ورآه عقلاء أهل اللغة لما استصاغوا ذلك منه وقالوا له أنت أمرته بالدخول فحصل الامتثال بمرة واحدة فتوبيخك وعتبك وذمك في غير مورده لماذا؟ لأن الدخول قد حصل والامتثال قد حصل، أقول لك على حاجة قياس الأمر المطلق على اليمين والنذر والوكالة والخبر لو قال مثلاً في الحلف والله لأصومن لماذا يا بر في يوم واحد كذلك لو قال لله عليَّ أن أصوم أيضاً النذر يوفي نذره بصوم يوم واحد قال طلق زوجتي فلانة قال لوكيله قال طلق زوجتي فلانة أكثر الفقهاء وحُكي الإجماع قالوا ليس له أن يُطلق إلا واحدة كذلك لو أخبر عن نفسه قال قد صمت يصدق هذا الخبر لو صام يوم واحد قالوا كذلك الأمر المطلق يُراد به المرة الواحدة لا يقتضي التكرار بعد يدل على المرة الواحدة ودلالته على المرة الواحدة على هذا القول من دلالة النكرة على الفرد لشائع في جنسه يعني يدل عليه بالمطابقة وهذا قول الأكثرين، خلافاً للقاضي وبعض الشافعية القائلين بأن الأمر يقتضي التكرار فأنه لو قال اشتري اللحم قال الأب لولده اشتري اللحم يذهب ويشتري اللحم ويرجع ثم يذهب ويأتي ويشتري ثم الثالثة حتى يقول له قف يا ولدي لأن صيغة افعل تقتضي التكرار هذا مرادهم فلا يقف ولا يكف عن امتثال المأمور إلا بنص منفك عنه هذا ليس بصحيح، خلافاً للقاضي وبعض الشافعية لماذا؟ قالوا لأن الأمر لا اختصاص له بزمان دون زمان فإذا قال افعل فكل زمن صالح للامتثال فهو داخل فيه اقتضى إيقاع الفعل في جميع الأزمان لماذا؟ لأن الزمن الثاني مساو للأول والزمن الثالث مساو للأول وكل زن صالح لإيقاع الفعل فيه وامتثاله فهو مساو للأول إذاً لماذا يقيد بمرة واحدة؟ قالوا إذا كانت الأزمان متساوية باعتبار إيقاع الفعل إذاً لا فرق أن يُقال أوقع في المرة الأولى والثانية والثالثة فيكون مدلوله هو التكرار كما امتثلت في المرة الأولى في الزمن الأولى امتثل في المرة الثانية والثالثة إلى ما لا نهاية كذلك قالوا هو الأغلب في الشرع وهذه حجة ابن القيم رحمه الله تعالى لأنه يرى أن صيغة افعل للتكرار نقول لأنها هي الأغلب في الشرع فإذا ورد في موضع ما مطلق غير مقيد بمرة ولا تكرار عند ابن القيم رحمه الله تعالى يُحمَل على التكرار لأنه هو أثر موار الشرع، حينئذ يكون النزاع في ماذا إن كان المراد أنه حقيقة لغوية فلا وإن كان دلالته على التكرار حقيقة شرعية فيمكن أن يُسلَّم ولذلك دائماً نفرق بين الحقائق اللغوية والحقائق الشرعية البحث الآن في الحقيقة اللغوية لو قال افعل اشتري اللحم قم صم إلى آخره نقول هذا اللفظ من حيث هو لغة لا يقتضي التكرار هذا هو الأصح ولذلك لو قيل اسقني ماءاً فحصل الامتثال بمرة واحدة انتهى هل يأتي بعد قليل ويأتي بكاس لو كان للتكرار لما انقطع الامتثال إلا بأن يأتي المتكلم بلفظ يوقفه نقول مرادا به اللغة فلا وإن كان مراداً به عند ابن القيم رحمه الله
تعالى وغيره إن كان مراداً به حقيقة شرعية فيمكن أن يُسلَّم كذلك قال قياس الأمر على النهي لأن النهي يقتضي التكرار فكذلك الأمر لو قال لا تشرك بالله متى في كل الأزمان لا يقع منك هذا الفعل لو قال صلي قالوا كذلك مثله صلي في كل ألأوقات قياس الأمر على النهي لكن نقول هذا قياس فاسد قياس مع الفارق لأن المقصود في الأمر هو إيجاد الفعل وإيجاد الفعل يقع ويحصل بمرة واحدة والنهي هناك العدم المراد عدم الماهية ولا يحصل عدم الماهية إلا بالكف عن كل الأفراد والآحاد أليس كذلك ففرق بين إيجاد الفعل وإعدام الفعل إيجاد الفعل يقع بالمرة الواحدة يصح ممتثلاً وأما إعدام الفعل فهذا لا يمكن أن يتصور إلا بإعدام كل الأفراد فحينئذ صار فرقاً بين المعنيين، وقيل يتكرر إن عُلِّقَ على شرط لكن هذا خروج عن المراد مسألتنا ليست في هذه المسألة في صيغة افعل مجردة عن قرينة وأما تعليقه بشرط وصفة فهذا عُلق بقرينة وقيل يتكرر إن عُلق شرط {وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ} {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ} {{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ} عُلق بوصف {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} عُلق بوصف والتحقيق في مسألة الشرط فيقال إن كان الشرط كالعلة فهو يقتضي التكرار وإلا فلا فهو يقتضي التكرار إن كان المعلق عليه علة أو كالعلة وأما الوصف فهذا مداره مدار العلل لأن الحكم يدور مع علته وجود وعدماً فحينئذ تعليق القطع على السرقة نقول من تعليق الحكم على علة في الفعل وهو السرقة فكلما وُجدت السرقة بشرطها وُجد الحكم وهو القطع فحينئذ لا مانع من أن يقال بالتكرار في مثل هذه والكلام ليس فيما علق على صفة أو شرط وإنما فيما هو مجرد عن القرينة كلما وُجد الحدث كان المكلف مأموراً بغسل الوجه واليدين إلى آخره لماذا؟ لأنه عُلق على علة أو على سبب كالعلة وإما إذا لم يكن كذلك فلا إن خرجتِ فأنتِ طالق الخروج هذا ليس بعلة وإذا ما يقع المُرتَب الجواب بالوقع مرة واحدة للفعل إن خرجتِ فأنتِ طالق تطلق كم هنا؟ مرة واحدة واحدة على مرة واحدة يعني إن خرجت فوقع منها الخروج مرة واحدة أو لابد أن تخرج فتخرج فتخرج ثم يقع الطلاق؟ بمرة واحدة وتقع طلقة واحدة، طيب خرجت فطلقت مرة ثانية جاءت ثاني يوم خرجت هل تطلق مرة ثانية؟ لا لا تطلق لماذا؟ لأن الخروج هنا ليس علة فكلما وُجد الخروج وُجد الطلاق نقول لا ليس هو كقوله تعالى {وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ} وإنما هو أمر منفك على التعليل عن الصفة وإنما صار شرطاً مجرداً فإن كان الشرط فيه معنى العلية نقول اقتضى التكرار وإلا فلا وأما الوصف كالسرقة والزنا هذا لا إشكال بإجماع أن الأحكام مرتبة على عللها متى ما وُجت هذه العلل وُجدت الأحكام. وقيل يتكرر بتكرر لفظ الأمر أيضاً هذا ليس مما نحن فيه فإذا قال صلي ركعتين صلي ركعتين الثاني الأصح أنه توكيد ليس بتأسيس.
وحُكِيَ ذلك عن أبي حنيفة وأصحابه ما هو ذلك الذي هو التكرار بتكرر لفظ الأمر لو قال صلي صلي لو قال صلي وصلي عطف العطف يقتضي التغاير لا إشكال أن الثانية غير الأول لو قال صلي وصم كل منهما مستقل لو قال صلي ركعتين صلي أربع ركعات الثاني مستقل عن الأول التأسيس وإنما الخلاف في صلي صلي أو صلي ركعتين صلي ركعتين نقول الثاني يُراد به التوكيد لا التأسيس بخلاف ما ذكرناه.
وهو على الفور هذه المسالة الثانية مما تنازع فيها الأصوليين وهي صيغة افعل أيضاً المراد لها المجردة عن القرينة لو قال افعل الآن حًمل على الفورية لو قال صم يوم الخميس القادم نقول حُمل على التراخي والمراد صم متى هذا يكون؟ هل هو على الفور أو على التراخي الذي هو ليس على الفور هذا هو محل النزاع عند الأصوليين المذهب على أنه على الفور ولا يجوز تأخيره إلا بقرينة والمراد بالفور هنا المبادرة بسرعة الامتثال صم فيبادر في أول يقع بعد الأمر يصح فيه الصيام وجب الامتثال صلي مباشرة بعد الانتهاء من صيغة افعل وليس له أن يؤخر بعد وقت إلا بدليل يدل عليه هذا المراد بالفورية ولذلك لما قيل عن الحج واجب على الفور لو أخره إلى السنة التي تليها أثم فلو مات عند ابن القيم رح لا يقضى عنه لا يُحج عنه لأنه تمكن ففرط وإنما النصوص الواردة فيما لم يتمكن فحينئذ القول بالفورية المراد به المبادرة وسرعة الامتثال بعد صدور صيغة افعل مباشرة فلو أخر في الواجب لكن آثماً، وهو أي صيغة افعل على الفور ولا يجوز تأخيره إلا بقرينة لكن يُبيَّن هنا أن من قال في السابق إن مطلق الأمر يقتضي التكرار اتفقوا على أنه للفور إذا قيل بالتكرار معناه متى يبدأ التكرار منذ صدور صيغة افعل إذاً دل على الفور أو لا؟ لزم منه أن صيغة افعل تدل على الفور لأنه لو ترك وقت ماً لم يتمثل فيه الفعل لما كان للتكرار لأن معنى التكرار أنه منذ أن تصدر صيغة افعل الوقت المناسب بعدها مباشرة يبدأ الامتثال ثم يكرر يكرر إلى ما شاء الله فحينئذ استلزم هذا القول بأن صيغة افعل تدل على الفورية ولذلك اتفق من قال بأن مطلق صيغة افعل للتكرار اتفقوا على أنه للفور وإنما الخلاف هل صيغة افعل للفور أو ليست على الفور الخلاف فيمن قال لا يقتضي التكرار إذاً هذا خلاف بين فئة معينة ليس مطلقاً عند كل الأصوليين، وهو على الفور ما الدليل على ذلك؟ قالوا عموم النصوص ظواهر نصوص كثيرة قال تعالى {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ} {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ} قالوا في الفعل فعل الطاعة مغفرة فتجب المسارعة إليها والمسارعة تقتضي إيقاع الفعل بعد صدور الأمر مباشرة ولذلك مدحهم الله عز وجل {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} إذاً هذا مدح أو ذم؟ مدح فدل على أن المسارعة هل الأصل في امتثال الأوامر، ثالثا أ، يقال أن القول بالفورية أحوط وأبرأ للذمة ويكون حينئذ ممتثلاً بقين إذا قيل صلي فقام مباشرة فصلى هذا ممتثل بيقين لكن لو أخّر ولم يمتثل ثم امتثل هل هو ممتثل بيقين أو على شك؟ على شك إذاً لا يكون ممتثلاً بيقين إلا على القول أن صيغة افعل للفور.
وقال أكثر الشافعية على التراخي، التراخي هذا تعبير في تسامح ولهذا خطَّأهم أبو إسحاق الشيرازي في شرح اللمع قال الصواب لا يقال على التراخي لماذا؟ لأنه لو قيل مدلول صيغة افعل التراخي يعني لا تفعل بعد الفعل مباشرة وإنما بعده بزمن حينئذ لو فعل بعد صدور الأمر لم يكن ممتثلاً فرق بين أن يقال مدلول صيغة افعل ليس على الفور وبين أن يقال مدلول صيغة افعل التراخي فرق بينهما إذا قيل التراخي معناه لو أتى به على الفور لم يُعَد ممتثلاً ولذلك وقع نزاع بينهم هل إذا صلى مباشرة في أول وقت صلاة الزهر على القول بالتراخي هل يعد ممتثلاً أم لا؟ لأنه ما أُمر بهذا إنما أُمر أن يصلي بعد وقت بعد زمن متراخي عن الزمن الأول وهذا ليس بصحيح التعبير هذا فيه تسامح وإنما الصواب أن يقال هل صيغة افعل تدل على الفور أو ليست على الفور؟ ليست على الفور معناه قد يكون على الفور أو قد يكون على التراخي، وقال أكثر الشافعية على التراخي يعني ليس على الفور بل يجوز تأخير فعله لماذا؟ قالوا لأن صيغة افعل تقتضي الامتثال من غير تخصيص بزمن دون زمن صلي هل تعرض لزمن ما في وقت إيقاع الصلاة؟ وإنما المراد صلي امتثل الأمر وأأتي بالصلاة الواجب عليك فعل الصلاة لم يتعرض للوقت نقول لا بل الصواب أن الأدلة الدالة السابقة مع ما استدل به بعض الأصوليين بقول الرب جل وعلا لإبليس {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَاّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} هنا ما {مَا مَنَعَكَ} لو كان {اسْجُدُواْ} على التراخي هل صح صدور العتاب والذم؟ لا لأنه يتمكن إبليس لم يجب عليَّ على الفور أنت أمرتني {اسْجُدُواْ} وبعد وقت سأسجد فحينئذ لما توجه الذم غليه دل على أن المراد بـ {اسْجُدُواْ} الفور ولو كان على التراخي أو ليس على الفور لكان على إبليس أن يعتذر يقول أوجبت عليَّ أو أمرتني بالسجود ولم توجب علي الفور لكن دل على أنه للفور وأن الاجتهاد أو القول بأنه لا يختص بزمن دون زمن نقول لا يختص بالزمن الأول لقوله تعالى {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ} {فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ} إلى آخره كل هذه الأدلة تدل على أن إيقاع الفعل في أول زمن صدور صيغة افعل هو المطلوب وهو الواجب بدليل قصة إبليس. وقال قوم بالتوقف ما نقول على الفور ولا على التراخي لماذا؟ قال لتعارض الأدلة ثم أدلة تدل على الفورية وثم أدلة ليست تدل على الفورية والصواب أنه على الفور وهذا قول جماهير الأصوليين وهو مذهب مثير من المالكية وقوله بالفور أهل المذهب.
ثم قال والمؤقت لا يسقط بفوات وقته فيجب قضاؤه هذه مسائل نمر عليها لا نحتاجها كثيراً، والمؤقت يعني عندنا بعض الواجبات مؤقتة افعل وحدد لك وقت أول وآخر كالصلوات الخمس هذا المراد بالمؤقت يعني أمرك الشرع بأمر وحدد لك وقت، قال والمؤقت لا يسقط بفوات وقته فلو ترك صلاة الظهر مثلاً عمداً لغير عذر تركها عمداً حتى خرج الوقت قال هل يسقط الفعل بفوات الوقت أم لا؟ محل نزاع إذا قال صلي الظهر وحدد أول الوقت وآخره فخرج الوقت ولم يصلي قال المقت لا يسقط فعله لا يسقط بفوت وقته فيجب قضاؤه كل فعل أمر الشارع به وحدد له وقتاً فحينئذ إذا خرج الوقت عمداً أما إذا كان معذوراً فدلت ألأدلة على أنه يأتي به قال فيجب قضاؤه بالأمر الأول فحينئذ من أخرج الصلاة عن وقتها يجب عليه القضاء مع الإثم لماذا؟ قالوا لأن الأمر أثبت وجود العبادة سفي ذمة المكلف وحدد له فعلاً ووقع وصار المأمور به مركب من فعل ومن زمن والأمر بالكل أمر بجميع أجزائه فحينئذ إذا فات فعل جزء من أجزاء المأمور به يبقى ألأصل على ما هو عليه فإذا فات جزء المأمور به وهو الوقت لا يسقط الفعل وهو الصلاة فيجب قضاؤه حينئذ بالأمر السابق ولا نحتاج على أمر جديد كما هو في شأن عن صلاة أو نسيها أخرجها عن وقتها ثم نقول له صلي بعد خروج الوقت صلي بماذا بأي أمر؟ بقوله {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} أو لقوله صلى الله عليه وسلم فليصلها إذا ذكرها؟ بالحديث الثاني وأما المتعمد فقالوا هذا بالأمر الأول لماذا؟ لأن الأمر المركب من أشياء أمر بكل أجزاءه فإذا فات بعض الأجزاء يبقى الباقي في ذمة المكلف لأنه مكلف بعبادة ذات أفعال ووقت فينسحب الكم حينئذ على ما بقي في ذمته وما خرج من الوقت هذا لا يمكن أن يُرد إليه فيفعل الصلاة لأنه مأمور بها بالأمر الأول هذا ضعيف وقال أبو الخطاب والأكثرون بأمر جديد يعني بدليل منفصل لابد من دليل منفصل فإذا فات الوقت حينئذ صات ما جعله الشارع قيداً للفعل وهنا الأصل في هذه المسألة كما ذكر بعضهم أنه تعارض أصلان إذا أمر الشارع المكلف بفعل عبادة الأمر بالكل أمر بكل أجزاءه على ما ذكرناه سابقاً هذا أصل عندهم وهذا صحيح إذا أمر مثلاً لو قال (أقم الصلاة) نقول الصلاة واجبة نستدل بهذا على أن كل جزء من أجزاء الصلاة فهو واجب أليس كذلك نجعل من أدلة الأمر أو وجوب قراءة الفاتحة بقوله (أقم الصلاة) لماذا؟ لأنه أمر بماهية مركبة وإذا أمر بماهية مركبة انسحب على كل ألجزاء فكل جزء يأخذ حكم الوجوب وهذا الأصل ولا يخرج عنه إلا بدليل هذا أصل ثم عندنا أصل آخر وهو أن الشارع إذا حدد وقتاً ما أولاً وآخراً نقول هل حدده لمصلحة أو لا؟ لمصلحة إذا فاتت هذه المصلحة هل يغر هاذ الزمن يساوي الزمن السابق؟ الجواب لا تعارض عندنا أصلان من نظر إلى المعنى الأول ولم ينظر إلى الثاني أو تجاهل الثاني أو جعل إدراك المعنى الأول أو الأصل الأول هو الأصل وهو الأولى قال يجب قضاؤه ومن رأى الثاني قال لا إذا فوَّت مصلحة الوقت لا يمكن أن يقيس عليه غيره ولا يُلَحق الزمن الثاني بالزمن الأول إلا بدليل فجاء مثلاً في السياق إذا أفطر في نهار رمضان بعذر {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}
جاء الأمر بالقضاء سوَّى بين الثاني والأول هذا من جهة الشرع لكن لو أخرج صلاة الظهر عن الوقت إلى وقت دخول صلاة العصر هل هذا الزمن مساوي للزمن الأول؟ قطعاً لا إن جاء دليل من الشرع بالتسوية قلنا له أن يقضي وإن لم يرد فحينئذ لا فمن أفطر في رمضان عمداً حينئذ هل يدخل في قوله تعالى {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} ؟ لا يشمله وإنما يختص بأهل الأعذار فإذا أفطر في نهار رمضان عمداً نقول لا يصوم وإنما يستغفر ويتوب لأنه لم يرد دليل على أنه عليه القضاء كذلك لو أخرج الصلاة عن وقتها نقول لابد من دليل وهذا هو الأصح أن لا قضاء إلا بدليل جديد وأن الأمر ألأول لا يستلزم القضاء والأمر لا يستلزم القضاء بل هو بالأمر الجديد جاء لأنه في زمن معين بني، الأمر لا يستلزم القضاء هذا هو الصحيح والحجة في ذلك حديث عائشة رضي الله عنها (كنا نُؤمَر بقضاء الصوم ولا نُؤمَر بقضاء الصلاة) كنا نُؤمَر بقضاء الصوم مع وجود الأدلة الدالة على وجوب صوم رمضان إذاً هل انتفت الأدلة الأولى السابقة الدالة على وجوب صوم رمضان أم نظرت إلى الدليل الجديد؟ لا رد للجديد ولما نؤمر بقضاء الصلاة مع وجود الأدلة السابقة فدل على أنه لا قضاء إلا بأمر جديد ولذلك لا يصح القول بأن من أخرج الصلاة الأولى وأفطر في رمضان عمداً أنه يقضي إلا بدليل جديد ولا دليل حينئذ لا يلزم القضاء إلا إن صح ألإجماع والظاهر أنه لا يصح لأن شيخ الإسلام ابن تيمية يرى ذلك وابن حزم رأى ذلك أنه لا يؤمر بقضاء الصلاة بل يستغفر ويتوب.
ثم قال ويقتضي الإجزاء بفعل المأمور به على وجهه يعني إذا فعل المأمور المكلف إذا فعل الفعل وامتثل أجزأ أو لا هل برأت الذمة أم لا؟ نقول تبرأ الذمة صلي المغرب أُمر بصيام رمضان فصام رمضان على وجهه الشرعي نقول برأت الذمة وعاد كأن لم يكن لأن الأصل براءة الذمة من التكاليف فإذا عُلقت ذمة المكلف بفعل عبادة فحينئذ إما أن يفعلها على وجهها الشرعي فيسقط الطلب مثلاً صليت العصر أنت على طهارة آتياً بالأركان بالشروط بالواجبات انتهى هل لابد أن يأتي دليل فيقول لا أنت بعد الصلاة هذه محتملة أنك مطالب بقضائها لا لا نقول بهذا وإنما نقول فعلك وامتثالك للمكلف بالعبادة التي كلفت بها على وجهها الشرعي حينئذ نقول هذا أسقط الطلب وبرأت الذمة عاد كان لو لم يكن تعلق الخطاب بالمكلف لأن الأصل براءة الذمة فإذا توجه الخطاب إلى المكلف انشغلت الذمة ولا تبرأ إلا بفعل المكلف على وجه الشرع فإذا فعله سقط الطلب، ويقتضي أي صيغة افعل أو الوجوب الإجزاء بفعل المأمور به على وجهه لابد على وجهه لأن من خالف قال الحج الفاسد وهو فاسد إذاً لم يُجزئ كذلك من صلى وهو مُحدث قال لم يُجزأ نقول لا هذا لم يصلي على وجه الشرع يعني من صلى ظاناً الطهارة ثم تبين الحدث نقول لم يصلي على وجه الشرع لذلك لم تكن مُجزأة هو لم يمتثل الأمر انتهاءاً وإن امتثله ابتداءاً كذلك من أفسد حجه نقول هذا لم يمتثل المأمور به لأنه لم يأت بحج على وجهه الشرعي وإنما نقص منه ركن إلى آخره، ويقتضي الإجزاء بفعل المأمور به على وجهه وعليه الجمهور لأن الأصل براءة الذمة من جميع التكاليف فإذا أثمر المكلف بفعل فإن ذمته تكون مشغولة ولا تبرأ إلا بالفعل وإلا للزم الامتثال طول عمره انتهى من رمضان نقول لا بقى يحتمل أن يكون واجب عليه ما أتيت به شرعاً فيصوم رمضان يقضي في شوال فإذا قضي في شوال نقول باقي عليك قاعدة ثم يجري العمر كله وهو يصوم رمضان سنة واحدة أحياناً المعتزلة يأتون ببعض ألأشياء ويزعمون أنهم أرباب عقول هذه مصيبة، وقيل لا يقتضيه ولذلك جاء في الحديث إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك حسنه البعض وقيل لا يقتضيه امتثال ألأمر لا يسقط القضاء لأنه لا يمتنع أن يأمر الحكيم بفعل ويقول إذا فعلتموه فقد فعلتم الواجب واستحققتم الثواب وعليكم القضاء هذا حكيم يعني يقول له مثلاً أمرتك بفعل كذا فإذا فعلت فأنا مثيبك لكن يلزمك القضاء هذا ليس بصواب وإنما استدل بعضهم بالحج الفاسد وصلاة من ظن أنه متطهر قال هذا امتثل المأمور ثم لم يجزأه نقول لا الشرط أن يُجزئ إذا أتى المأمور على الوجه الشرعي فإذا تبين أنه لم يأت بركن أو شرط حينئذ نقول يأت به على الوجه الشرعي ولا يمنع وجوب القضاء إلا بدليل منفصل يعني ولا يمنع فعل المأمور به وجوب القضاء إلا بدليل منفصل هذا تابع لقوله لا يقتضيه ولا يمنع فعل المأمور به وجوب القضاء إلا بدليل منفصل لأن الأمر تضمن طلب إيجاد الفعل فقط وليس فيه ايدل على الإجزاء نقول لا الصواب أنه يدل على الإجزاء لأن المراد صلي صلاة شرعية فإذا انتهيت منها على الوجه الشرعي سقط الطلب لم يقم مع الطلب.
والأمر للنبي صلى الله عليه وسلم بلفظ لا تخصيص فيه له يشاركه فيه غيره ذكرناه هذا فيما سبق إذا أُمر النبي صلى الله عليه وسلم بأمر نقول غيره مشارك له لأن الأصل التأسي {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} فإذا أُمر صلى الله عليه وسلم بأمر فحينئذ نتأسى به فغيره يشاركه إلا بدليل منفصل كما قيل {خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} {خَالِصَةً} نقول هذا دليل خاص، وكذلك خطابه لواحد من الصحابة إلا بدليل خاص يعني إذا خاطب بعض الصحابة الأصل أنه يستوي غيره لأن الأصل النبي مُبين الشرع والشرع متعلقه الكل العموم الشرع لم ينزل مراداً به فرد معين سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قضية ما فحينئذ كل من شابه السائل فالحكم يتعلق به لأن النبي صلى الله عليه وسلم رسالته عامة وليست خاصة لبعض الصحابة لذلك نحدد إلا بدليل كما قال لأبي بردة تجزؤك ولن تُجزأ أحد بعدك هذا تخصيص دل على أن المُخاطب هنا الصحابي خاص به هذا الحكم وأما إذا لم يرد صيغة تخصص أن الحكم خاص بالصحابة فالأصل العموم ولا يختص إلا بدليل هذا راجع إلى المسألتين السابقتين، وهذا قول القاضي وبعض المالكية والشافعية وهو أرجح. وقال التميمي هذا من الحنابلة وأبو الخطاب وبعض الشافعية يختص بالمأمور به أي أن الحكم يختص بمن توجه غليه من النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره إلا أن يتعلق به دليل يدل على العموم وأولى استدلوا باللغة قالوا إذا سيد عنده عبيد فخاطب أحد العبيد قال افعل كذا هل غير العبيد يدخلون في هذا؟ لو قال اخرج أنت وهو عنده عبيد سيد قال بعض عبيده افعل كذا هل غير المُخاطَب يكون مأموراً كالمُخاطَب؟ الجواب لا قطعاً هذا لا إشكال فيه قالوا كذلك الخالق جل وعلا أمر عبيده أو النبي صلى الله عليه وسلم وهو مبلغ عن الشرع أمر البعض فغيره لا يكون مثله نقول هذا فاسد لماذا؟ لأن الشرع عام هذا الأصل عندنا والأصل التأسي حينئذ لا تجد مثل هذه الأفكار لا تجد مثل هذه ألأفكار.
قال ويتعلق بالمعدوم ما هو الذي يتعلق بالمعدوم؟ الأمر يعني ما لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو تنزل الوحي هل هو مأمور أو لا؟ نقول نعم هو مأمور ومُجه إليه الخطاب لكن بشرط استجماع شروط التكليف وهذه المسالة يقع فيها خلاف مع قوله جل وعلا {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ} يعني من بلغه القرآن إذاً الإنذار هنا وقع لمن؟ للمخاطبين الموجودين وهم الصحابة ووقع الإنذار ووقع به المعدوم بشرط وجوده مستجمعاً لشروط التكليف ولا إشكال والمعتزلة عندهم اعتراضات أنه من تكليف المحال وأنه لا يمكن أن يخاطب المعود والمعدوم ليس بشيء فكيف يمكن خطابه نقول لا المعدوم إن خُوطب ومراد به الإيجاد فنعم هذا محال معدوم هو معدوم فيقال له صلي يقوم يصلي؟ هذا باطل ما هو المراد هذا وإنما المراد أنه إن وُجد مستجمعاً لشروط التكليف كان مكلفاً ويتعلق بالمعدوم ولذلك أجمعوا على أن أول هذه الأمة وآخرها سواء في الأوامر والنواهي وبهذا أجمع الصحابة لأنهم نزلوا الأحكام والآيات والأوامر على التابعين ولم يقل أحد منهم أكنت معدوماً فلم تُخاطَب ولم يقل أحد من الصحابة للتابعين كنت معدوماً فلم تخاطب وإنما أجروا عليهم الأحكام كلها والنواهي ولذلك جاء الحديث مخاطباً لهم (تقاتلون اليهود حتى يختبئ أحدهم وراء الحجر
…
إلى آخر الحديث) تقاتلون اليهود وهم لن يقاتلهم الصحابة. خلافاً للمعتزلة وجماعة من الحنفية قالوا أنه لا يجوز لأنه تكليف بالمحال وكأنهم نظروا إلى أن الخطاب موجه مع إيجاد الفعل بقطع النظر عن الشرط الذي ذكره الجمهور وهو أنه يوجد مع استيفاء الشروط. ثم قال ويجوز أمر المكلف بما عُلِمَ أنه لا يتمكن من فعله وعليه الجمهور هذا قول الجمهور يعني يجوز الأمر من الله جل وعلا للمكلف بما يعلم سبحانه أنه لا يتمكن من فعله يعلم الله عز وجل أنه لا يتمكن من فعله فيأمره يمكن أو لا يمكن؟ يجوز نعم بدليل ماذا؟ بدليل أمر إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه أمره بذبح ابنه ومع ذلك ومع ذلك يعلم الرب أنه لن يتمكن من الفعل ما الفائدة في هذا؟ نقول فعل العبادة تكون أو العبادة بالفعل وقد تكون بالعزم والنية وبامتثال أمر الله والتسليم له وبحصول الابتلاء إذاً ثم فوائد وليس الفعل نفيه فقط هو العبادة فحينئذ إذا مُنع من أن يُمكَن من الفعل نقول حصل نوع تعبد وهو امتثاله عليه السلام العزم على ذلك تحقيق الابتلاء ولذلك قال {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ} هو بلاء إذاً فيه فائدة ليست منحصرة في الفعل نفسه ويجوز أمر المكلف بما عُلم أنه لا يتمكن من فعله وهذا قلنا عليه الجمهور، وهي مبنية هذه المسألة على النسخ قبل التمكن من الفعل هل يجوز النسخ قبل أن يُتمَكن من الفعل؟ هذا سيأتينا أنه يجوز على الأصح وهذه المسألة مُفرعة عليها.
والمعتزلة شرطوا تعليقه بشرطٍ لا يعلم الآمر عدمه هذا لعله فيه سقط أو شيء من هذا لكن مراده أن يشترط في تكليف المعدوم بالأمر ألا يعلم الآمر عدم قدرته وهذا في حق الله محال كيف هذا الله سبحانه وتعالى يأمر ويعلم لا تخفي عليه خافية فكيف يأمر ولا يعلم أنه في قدرته أو لا هذا فاسد، قال بأنه بتكليف المحال فإنه من يحال بينه وبين الفعل يستحيل منه الفعل وما يستحيل وقوعه لا يحصل الأمر به على كل نقول الصواب أن الرب جل وعلا قد يأمر العبد ويعلم سبحانه وتعالى أنه لا يتمكن منه أبداً وأما إذا كان المانع يزول في وقت ما فهذا بلا خلاف أنه يجوز كالحائض مثلاً في وقت حيضها مأمورة بالصيام؟ هل يمكن أن تفعل؟ لا يمكن تمتثل لكن هل المانع يزول أو لا يزول؟ إذاً هذا باتفاق أنه يمكن تكليفها، وهو نهي عن ضده معنى وهو نهي عن ضده معنى يعني من جهة المعنى الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده لكن من جهة المعنى أما من جهة الفظ فاتفاق قم لا تجلس هذا يمكن؟ هل يمكن أن أقول له قم ولا تجلس؟ قم أمره بالقيام ولا تجلس لا نص قال قم ولا تجلس أمره بالقيام ونهاه عن الجلوس هل هو عينه؟ الجواب لا لأن ذاك قم صيغة افعل وهذا لا تفعل وهذا مغاير له لكن لو قال له قم وسكت هل يمكن تحقيق القيام وإيجاد القيام وامتثال المأمور به مع كونه جالساً؟ لا يمكن فحينئذ نقول لابد من ترك ضده إذاً وهو نهي عن ضده يعني الأمر نهي عن ضده من جهة المعنى يعني يستلزم النهي عن ضده فالأمر بالقيام في الصلاة نهي عن ضده وهو الجلوس لأنه لا يمكن أن يحقق امتثال المأمور به وهو القيام إلا بترك الجلوس فصار الجلوس منهياً عنه إذاً دلالة عقلية وليس لها دليل شرعي ولكن أمر معقول واضح أنه لا يمكن أن يمتثل المأمور به إلا إذا ترك ضده فإذا قيل له صلي قائماً فحينئذ لو هو قادر لا يجوز أن يصلي جالساً لماذا؟ لأنه منهي عن الجلوس كيف نُهي عنه لأن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده فإذا أُمر بالقيام في الصلاة يستلزم القيام عن الجلوس فيها.
ثم قال والنهي يقابل الأمر عكساً ولذلك قال ولكل مسألة من الأوامر وِزَانُ النواهي بعكسها لأنه مقابل له ما هو حقيقة النهي قال استدعاء الترك بالقول على وجه الاستعلاء كل ما قيل هناك يقال هنا كل ما قيل هناك يقال هنا والصواب أنه لا يشترط الاستعلاء هناك ولا علو فكذلك النهي هنا لا يشترط فيه علو ولا استعلاء وكذلك عندهم على مذهبهم أن ألأمر قسمان أمر نفسي ولفظي ثم هل للأمر صيغة أو لا كذلك النهي عندهم قسمان نهي نفسي ونهي لفظي ثم يختلفون هل النهي صيغة تخصها أو لا، ولكل مسألة من الأوامر وِزَانُ النواهي بعكسها وقد اتضح كثير من أحكامه، إذاً النهي له صيغة بالإجماع وهي صيغة لا تفعل وهو للتحريم بإجماع السلف وإن كان فيه خلاف وهو يقتضي الفورية والتكرار على الصحيح والنهي عن الشيء يستلزم الأمر بأحد أضداده، ثم قال بقي أن النهي عن الأسباب المفيدة للأحكام ما رتبه الشرع من الأحكام على الأسباب كالبيع والعبادة إذا فُعلت على وجهها ترتب عليها الصحة أو الفساد أقول لك على حاجة البيع يترتب عليه الصحة والفساد قال النهي عن الأسباب المفيدة للأحكام يقتضي فسادها وهذه هي القاعدة العامة التي يطلقها الكثير النهي يقتضي فساد المنهي عنه ولذلك نقول إن صيغة لا تفعل تقتضي التحريم والفساد التحريم والفساد وكلاهما يكاد أن يكون إجماع بين السلف يقتضي فسادها مطلقاً يعني سواء كانت عبادة أو معاملة سواء كان النهي بعينه أم لغيره، النهي لعينه مثل كصلاة الحائض وصومها هي منهية عن هذه الصلاة كذلك صومها منهي عن هذا الصوم فحينئذ العبادة منهي عنها لعينها لكن الوضوء من الماء المغصوب هذا منهي عنه لغيره كالصلاة أيضاً في الدار المغصوبة منهي عنها لغيرها أقول لك على حاجة الصلاة بلبس الحرير منهي عنه لغيره فنقول قوله يقتضي فسادها يعني فساد الأسباب المفيدة للأحكام مطلقاً والمراد بالفساد عدم ترتب الآثار فأثر النهي في العبادات عدم براءة الذمة فلو صامت المرأة رمضان وهي حائض صامت أنهي الصيام هل برأت الذمة؟ نقول لا لم تبرأ الذمة لماذا؟ لأن صيامها هذا فاسد لأنها منهي أو منهية عن هذا الصيام والنهي يقتضي الفساد إذاً الصيام هذا فاسد ولا يترتب عليه الآثار من الإجزاء وبراءة الذمة بل بقت الذمة مشغولة حتى تأتي به على الوجه الشرعي.
وأثر النهي في المعاملات عدم إفادة الملك والحِل لو نكح نكاح متعة أو شقاق هل حلت له المرأة؟ لم تحل إذاً لم يترتب عليها الآثار، ما الدليل على أن النهي يقتضي الفساد مطلقاً؟ أولاً قالوا إجماع الصحابة حيث أنهم كانوا يستدلون بفساد العقود بورود النهي عنها ولذلك استدل ابن عمر رضي الله عنه على عدم صحة نكاح المشركة بقوله تعالى {وَلَا تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ} وليس فيها ما يقتضي الفساد إلا كونه نهياً {لَا تَنكِحُواْ} هذا نهي والنهي يقتضي التحريم فإذا حصل ووقع حكمه أنه فاسد واستدلوا على بطلان بيوع المعاملات الربوية بقوله صلى الله عليه وسلم لا تبيعوا الذهب بالذهب وليس فيه إلا صيغة النهي فدل على أنها تفيد التحريم وتقتضي الفساد، كذلك قوله صلى الله عليه وسلم من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد معنى رد يعني مردود عليه بذاته قبل أن يفعله وبعد أن أوقعه وأوجده نقول هو مرود عليه من حيث الآثار المتعلقة فلا يترتب عليه إبراء الذمة ولا حل ولا مِلك، كذلك أيضاً استدلوا على هذه القاعدة القاعدة كبيرة عظيمة أن النهي يقتضي الفساد مطلقاً بأن الشارع لا ينهى عن الشيء إلا لأن المفسدة متعلقة به ولذلك انعقد الإجماع على أن الأمر أمر الشارع لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة لابد إما أن تكون المصلحة خالصة لا مفسدة فيها أو راجحة متضمن لمفسدة لكنها في جانب المصلحة قليلة وتقدم عليها المصلحة الراجحة كذلك النهي لا ينهي إلا عما مفسدته خالصة أو راجحة فحينئذ إذا قيل النهي عن البيع أو النهي عن العبادات إذا وقعت على وجه غير شرعي وأنها تقتضي الفساد نقول تقتضي الفساد إما أناه مفصدة خالصة وليست متأتية هنا أو مفسدة راجحة والشارع له حكمة في إبطال وإعدام هذه المفسدة لأن فيها ضرر حينئذ لا يمكن كما قال ابن قدامة لا يمكن أن يُعدم الضرر المترتب على ما هو مشتمل على مصلحة راجحة إلا بالقول بأن النهي يقتضي الفساد ولذلك لو قيل الصلاة في الدار المغصوبة مثلاً لو قيل صحيحة هل يكون فيه زجر للناس عن الكف لكن لو قيل لهم باطلة صلاتك مهما عشت في هذه الدار فصلاتك باطلة ماذا يحصل؟ يكون فيه كف يكون فيه زجر، ثم قيل وقيل لعينه لا لغيره إذاً القول الأول هو المرجح وهو المذهب أن النهي يقتضي الفساد مطلقاً وقيل لعينه لا لغيره يعني فيه تفصيل إن كان النهي لعين المنهي عنه فالنهي يقتض الفساد وإن كان لأمر خارج عنه فلا يقتضي الفساد لماذا؟ قالوا ما نُهي عنه لعينه الجهة واحدة فلا يمكن أن نقول هو من حيث كذا فهو مطالب ومن حيث كذا فهو غير مطالب به وإنما اتحدت الجهة فبطل العبادة بطلت العبادة أو بطلت المعاملة فحينئذ لو صام في يوم العيد مثلاً لا يمكن أن يفصل فيه لأنه عبادة صوم وقع في يوم العيد فنقول هذا له جهة واحدة وهو إيقاع الصوم في يوم محرم صيامه كذلك صوم الحائض لو صامت نقول هذا صوم منهي عنه وله جهة واحدة فحينئذ لا يمكن القول بانفكاك الجهة في كثل هذا فقالوا إذاً يقتضي الفساد وما كان لغيره كالصلاة في الدار المغصوبة قالوا هذا لا يقتضي الفساد لماذا؟ قالوا الصلاة من حيث هي الصلاة مطلوبة الإيجاب والغصب هذا منهي عنه سواء صلى أو لم يصلي
مطلقاً كل غصب منهي عنه فحينئذ وقع الانفكاك من جهة فقالوا من حيث هي صلاة صحت ومن حيث كونها في محل غصب هو يأثم عل الغصب والصلاة على أصلها لكن الصواب أن الصلاة باطلة لعموم قوله (من عمل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد) ولم يفصل بين ما نهي عنه لعينه وما نهي عنه لذاته وقيل في العبادات لا في المعاملات وقيل في العبادات أو لعينها أو لغيرها النهي يقتضي الفساد مطلقاً وفي المعاملات سواء كان النهي لعينه أو لغيره لا يقتضي الفساد مطلقاً إذاً التفرقة بين العبادات والمعاملات قالوا لماذا؟ قالوا لأن العبادات طاعة وقربى وإذا كانت طاعة وقربة والطاعة معروف أنها موافقة الأمر والنهي معصية فحينئذ لا يمكن أن تكون العبادة الواحدة مأمور بها متقرب بها وهي معصية في نفس الوقت فقالوا إذا توجه النهي على العبادات فيقتضي فسادها أما المعاملات فليست بقربى وليست بطاعة فحينئذ يمكن أن يتجه غليها النهي والأمر نقول لا أيضاً هذا فاسد وعموم الدليل يرده، وحكي عن جماعة منهم أبو حنيفة يقتضي الصحة يعني النهي إذا نهى عن الشيء اقتضى أنه صحيح وهذا من أغرب ما يُذكَر لماذا؟ قالوا لأن لمجرد صدور الصيغة النهي يدل على تصور وقوع المنهي عنه لا يمكن أن ينهى عن شيء إلا وأنها مُتوقَع ومُتصوَر الوجود فدل على ماذا إذا نهى الشرع عن الشيء دل على إمكان إيجاده لأن المستحيل لا يمكن أن يُنهى الأعمى لا يمكن أن تقول له غض بصرك لماذا؟ لأنه أعمى لا يمكن أن يبصر لكن ما صح وقوعه ووجوده هو الذي يقال له لا تفعل نقول هذا فاسد لماذا؟ لأن الحكم هنا حكم شرعي وتعلق النهي بما أمكن وجوده هذا أمر حسي والكلام في الشرعيات لا في المحسوسات وقال بعض الفقهاء وعامة المتكلمين لا يقتضي فساداً ولا صحة هذا مشهور عند الكثير من المتكلمين لا يقتضي فساداً ولا صحة لماذا؟ لانفكاك الجهة لأن النهي خطاب تكليف والصحة والفساد خطاب وضعي ولا تعارض بينهما إن دل الدليل على أنه صحيح فهو صحيح وإن دل الدليل على فساد فهو فاسد وليس بينهما ربط عقلي وإنما تأثير فعل منهي عنه في الإثم به قال ابن قدامة في الروضة ودل على فساده مطلق قوله صلى الله عليه وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ثم قال فهذا أي المذكور كل فيما سبق من قوله النص وما عُطف عليه ما تقتضيه صرائح الألفاظ لأن الحكم إما أن يؤخذ من اللفظ أو من المفهوم النص والمجمل والظاهر والمُؤوَل والعام والخاص والمطلق والمقيد والأمر والنهي تؤخذ من صرائح الألفاظ وأما المنطوق وهو المفهوم وما كان من فحوى الألفاظ وإشارتها هذا حكمه مخالف للأول ويخصه الأصوليون بمباحث خاصة من اقتضاء وإيمان وإشارة ونحو ذلك.، وصلى اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وقال بعض الفقهاء وعامة المتكلمين: لا يقتضي فساداً ولا صحة، فهذا ما تقتضيه صرائح الألفاظ.