المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌عناصر الدرس * النسخ * الإجماع * الإستصحاب.   الدرس الثامن عشر   بسم الله الرحمن الرحيم - شرح قواعد الأصول ومعاقد الفصول - جـ ١٨

[أحمد بن عمر الحازمي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌عناصر الدرس * النسخ * الإجماع * الإستصحاب.   الدرس الثامن عشر   بسم الله الرحمن الرحيم

‌عناصر الدرس

* النسخ

* الإجماع

* الإستصحاب.

الدرس الثامن عشر

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد، وقفنا عند قول المصنف رحمه الله تعالى ثم الذي يرفع الحكم بعد ثبوته النسخ أي كأنه بين لك ما سبق من الأبواب تقرر الأحكام يعني تُثبت بها الأحكام الشرعية من إيجاب وتحريم وندب وكراهة وإباحة ثم هل هذا الحكم يحتمل الرفع أو لا هل يقبل التغير فيكون مباحاً ثم يكون محرماً أو يكون محرماً ثم تأتي الإباحة أو يكون إيجابا ثم يُباح إلى آخره هل بعدما تثبت الأحكام الشرعية هي يثبت التغير أم لا، قال ثم الذي يرفع الحكم بعد ثبوته إذاً يمكن أن يُثبَت الحكم أولاً ثم بعد ذلك يُرفَع ولكنه قريب النسبة للأحكام الشرعية الأكثر فيها أنها ثابتة مستقرة وقد يرد على بعضها ما يُسمى برفع الحكم بعد ثبوته الذي عنون له الأصوليون بباب النسخ وإن كان هو على خلاف الأصل لأن أكثر الأحكام ثابتة ما نُزِّلت الشريعة إلا من أجل أن تستقر وتكون ثابتة من جهة الأحكام الشرعية تامة وحينئذ إذا بدت مصلحة أو علق الرب جل وعلا حكماً على مصلحة ما قد تزول المصلحة فيزول معها الحكم فحينئذ سُمي هذا باب النسخ، ثم الذي يرفع الحكم بعد ثبوته النسخ، النسخ هو فاعل يرفع يرفع الحكم الذي يرفع الحكم يعني النسخ يرفع الحكم النسخ له معنيان معنى لغوي ومعنى اصطلاحي وأما معناه في اللغة فقال رحمه الله تعالى وأصله الإزالة وأصله من جهة اللغة الإزالة وهو الرفع حقيقة كما أخذه في حده الاصطلاحي، وأصله في اللغة الإزالة أصله الإزالة ولذلك يُقال نسخت الشمس الظل بمعنى أزالته ونسخت الريح آثار القوم بمعنى أزالته ويُطلق أيضاً على النقل ولكن هل إطلاقه على النقل حقيقة أم مجاز؟ هذا فيه نزاع والمشهور في المذهب عند الحنابلة أنه مجاز، ثم النقل نوعان يعني يُطلق النسخ مراداً به النقل ولكن النقل يكون على مرتبتين إلا مع بقاء الأصل وإلا مع زوال الأصل يعني إما أن يبقى الأول كنسخ الكتاب تقول نسخت الكتاب ولم يزل كله بل هو باق على أصله وكذلك يُقال المنساخات المواريث هذه أزلت الحكم أو نقلت الحكم ولكن الأصل باق وهو المواريث، إذاً النقل يكون مع إزالة الأصل ومع عدم إزالة الأصل يعني يكون الأصل يكون باقياً على نفسه وهل إطلاقه على الأول حقيقة والثاني مجاز أو بالعكس؟ هذا فيه نزاع بينهم ثم قال وهو أي النسخ في الاصطلاح وهو الذي يعنينا رفع الحكم الثابت بخطاب متقدم بخطاب متراخٍ عنه إذاً هما خطابان وعليه لابد أن يكون الناسخ والمنسوخ سمعيين لأنه قال رفع الحكم وسيأتي تفسير الرفع بأنه تغيير تغييره من إيجاب إلى إباحة أو عكس، رفع الحكم الثابت المراد بالحكم الثابت هنا المنسوخ المراد به الحكم الذي نُسخ بخطاب متقدم يعني كون هذا الحكم ثابت بخطاب متقدم لم يثبت ببراءة أصلية وإنما ثبت بشرع فحينئذ إذا كان الحكم الأول الذي نُسخ حكماً شرعياً وقد ثبت بخطاب شرعي هو حصل الرفع بخطاب بخطاب هذا معتلق بقوله رفع بخطاب متراخ عنه يعني عن الحكم فحينئذ عندنا دليلان عندنا خطابان الخطاب الأول أثبت حكماً شرعياً وجاء بعده خطاب آخر متراخ عنه يعني لابد أن يكون

ص: 1

منفصلاً ولا يصح أن يصح أن يكون متصلاً حينئذ يكون الثاني رافعاً للأول هذا في جملة ما ذكره وسيأتي أنه يفسر الحد كلمة كلمة، رفع الحكم الثابت بخطاب متقدم بخطاب متراخٍ عنه هنا عبَّر بالرفع لأن النسخ مصدر والرفع مصدر بعضهم عبَّر بالخطاب قال النسخ هو الخطاب الدال كما سيأتي عن المعتزلة وهذا ليس بصحيح لماذا؟ لأن الرفع هو النسخ فحينئذ يطابق الحد المحدود لفظاً ومعناً وأما إذا قيل الخطاب هو عين الخطاب هذا صار تعريفاً للناسخ وليس للنسخ وفرق بين الناسخ والنسخ فعندنا منسوخ وناسخ ونسخ ويريد أن يعرف حد النسخ ما هو النسخ هو الرفع عين الرفع وأما الذي يُرفَع به فهذا الناسخ والذي يكون مرفوعاً هذا هو المنسوخ وبحثنا في النسخ لا في الناسخ ولا في المنسوخ، نسخ إذاً عبَّر بالمصدر ليطابق الحد المحدود لفظاً ومعنى، الثابت بخطاب بخطاب هذا متعلق بقوله الثابت بخطاب الأول متعلق بقوله الثابت يعني الحكم الذي هو قابل للنسخ لابد وأن يكون ثابتاً بخطاب يعني بشرع بدليل شرعي ولو قال بدليل شرعي لكان أولى لماذا؟ لأن الخطاب قول وقد يكون النسخ بالفعل كما في نسخ الوضوء مما مست النار بأكل النبي من الشاة ولم يتوضأ هذا حصل به النسخ وهو فعل فإذا قيل بخطاب تعين أن يكون الناسخ قولاً وليس بلازم ولذلك عبَّر بعضهم في حد النسخ بقول رفع حكم شرعي بدليل شرعي ليشمل النسخ بما إذا كان بخطاب بقول أو بما كان بفعل متراخ ليُخرج المخصصات المتصلة كما ذكرناه سابقاً في الفرق بين النسخ والتخصيص أن التخصيص لا يشترط فيه الاتصال بل قد يكون متصلاً وقد يكون منفصلاً وأما النسخ فلابد أن يكون منفصلاً فإذا جاء متصلاً بالدليل فحينئذ خرج عن كونه نسخ مجرد اصطلاح وإلا الحكم قد يكون واحداً إلا أن النسخ رفع للجميع هذا هو الغاية يعني لجميع الحكم وقد يكون النسخ رفعاً لبعض الحكم وأما التخصيص فلا يكون للجميع إذاً قد يكون المخصص متصلاً أو يكون منفصلاً ويكون رافعاً للبعض وحينئذ يكون متراخياً ويكون رافعاً للبعض فيحصل ثم اشتباه بين النسخ والتخصيص، رفع الحكم الثابت بخطاب قلنا ألأول أن يُقال بدليل شرعي لدخول الفعل في الدليل دون الخطاب، متقدم هذا الخطاب لابد وأن يكون متقدماً لأنه لو كان متصلاً لو كان الثاني متراخي متصلاً بالأول لصار من المخصصات، متقدم بخطاب متراخٍ عنه أي الدليل عن الحكم.

ص: 2

ثم قال والرفع أراد أن يبين بعض المحترزات وهذا خرج عن عادته لأنه لم يعتد أن يبين محترزات الحد ولكنها ذكرها هنا خروجاً عن الأصل، والرفع الذي أُخرج جنساً في حد النسخ لأنه قال وهو رفع الحكم ما المراد بالرفع؟ قال الرفع إزالة الشيء ونحن قلنا النسخ في اللغة هو الإزالة الإزالة إذاً حقق المعنى اللغوي كما ذكرناه سابقاً أنه يُذكر في أول الاصطلاحات المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي لماذا؟ لبيان العلاقة بينهما لأنه لا يمكن أن يكون المعنى الاصطلاحي مبايناً للمعنى اللغوي من كل وجه وإنما لابد من الاشتراك فيكون حينئذ المعنى اللغوي أعم من المعنى الاصطلاحي هذا هو الغالب لذلك النسخ في اللغة الإزالة إزالة أي شيء؟ إزالة الماء من الكوب إزالة الفرش من المسجد إزالة كذا إلى آخره ما لا يُحصى كل ما يصح التعبير عنه بالإزالة فيصح أن يكون نسخ بالمعنى اللغوي لكن في الشرع هنا في الاصطلاح رفع إزالة حكم شرعي فقيد إذاً ليس على إطلاقه إذاً الرفع ما هو؟ قال إزالة الشيء على وجه يعني على حال وعل طريقة لولاه لولا تلك الإزالة أو ذلك الرفع لبقي ثابتاً كما هو يعني لولا إزالة ورفع الحكم بتوجه المصلي مستقبلاً لبيت المقدس لولا الرافع والناسخ لبقي الحكم كما هو أليس كذلك لولا مجيء {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} لبقينا نصلي إلى جهة بيت المقدس إذاً ما المراد هنا بالإزالة؟ نقول المراد بها تغيير الحكم من الإباحة أو التحريم أو العكس أو من الإيجاب إلى الندب أو غير ذلك إذاً الحكم لم يبقى على أصله بل غُير لكن بشروط يذكرها أهل الأصول، الرفع احترز به عن ماذا الذي هو الإزالة الذي هو التغيير تغيير الحكم من إيجاب إلى تحريم مثلوا له بنص الصدقة وجوب الصدقة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم عند المناجاة كان واجباً ثم صار مباحاً إذاً تغير الحكم أم لا؟ تغير الحكم أُزيل الحكم الأول أم لا؟ رُفع الحكم الأول أو لا؟ نقول نعم رُفع ولم يبقى على أصله، لولا قوله {أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا} لبقي النص دالاً على ما دلَّ عليه ولا بقي النص دالاً على إيجاب الصدقة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم عند المناجاة إذاً ما الفائدة من هذا القيد؟ قال ليخرج زوال الحكم بخروج وقته إذاً رفع الحكم الثابت مراداً به أو احترز به عن زوال الحكم بخروج وقته أي انتهاء وقت الحكم قد يكون الحكم واجباً ثم بعد ذلك يزول ويرتفع ويتغير من إيجاب إلى إباحة لكن لا لكون الحكم قد رُفع وإنما لانتهاء وقته كأن يكون مؤقتاً بوقت معين كالجمعة مثلاً الجمعة واجبة بشرطها فلو تُعمد وخرج الوقت حينئذ نقول ارتفع الحكم وهو إيجاب الجمعة لم ارتفع الحكم ووجب الجمعة؟ لأن الجمعة لا تُقضى حينئذ ليست بواجبة وإنما يأثم ويصليها ظهراً، ليخرج زوال الحكم بخروج وقته أي انتهاء وقت الحكم لا يسمى نسخاً فحينئذ عدم إيجاب الجمعة لمن أخرجها عن وقتها لا نقول هذا رفع للحكم وهو نسخ بل نقول رفع للحكم نعم لكنه ليس بنسخ وإنما هو لزوال أو لانتهاء وقت الحكم لأن الحكم هنا مؤقت فإذا خرج الوقت حينئذ نقول زال الحكم وارتفع لا لكون الحكم قد نُسخ وإنما لخروج وقته كمن أخرج الجمعة عن وقتها

ص: 3

فلا تُصلى لعدم الوجوب هذا كانت واجبة ثم صارت غير واجبة هذا رفع للحكم لكنه ليس بنسخ ليس بدليل متراخ وإنما لكون المحل قد فات وهو الوقت.

والثابت بخطاب متقدم بماذا احترز به؟ الثابت بخطاب متقدم هذا صفة الحكم المنسوخ لابد أن يكون الحكم المنسوخ ثابتاً بخطاب متقدم، متقدم لمن؟ أي في الورد للمكلفين أن يكون ورد للمكلفين متقدماً لأن الاعتبار باعتبار المكلفين الحكم الأول يكون سابقاً ثم يليه الحكم الثاني الأولية والثانوية هنا باعتبار من؟ باعتبار المكلف التقدم والتأخير باعتبار المكلف، قال ليخرج الثابت بالأصالة ليخرج الحكم أو رفع الحكم الثابت بالبراءة الأصلية فليس بنسخ وهذا قد سبق أن البراءة الأصلية رفعها ليس بنسخ (وما من البراءة الأصلية قد أُخذت وليست الشرعية) التي عنون لها الأصوليون باستصحاب العدم البراءة الأصلية براءة الذمة هذه قد تُرفَع فحينئذ رفع الحكم الدال عليه بالبراءة الأصلية لا يسمى نسخاً لماذا؟ لأنه لم يثبت بخطاب متقدم البراءة الأصلية هذه براءة عقلية ليست بدليل شرعي ولذلك رفعها لا يسمى نسخاً بخلاف الإباحة الشرعية لأن الإباحة نوعان إباحة عقلية وهي البراءة الأصلية وإباحة شرعية وهذا حكم شرعي رفعاه يسمى نسخاً وأما الأولى فرفعها لا يسمى نسخاً حينئذ إذا ثبت بالبراءة الأصلية وهي استصحاب العدم عدم التكليف كان الربا في أول أمره مباحاً ثم جاء {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَأْكُلُواْ الرِّبَا} نُهي عنه صار مُحرماً هل إباحة الربا في الأول ثم النهي عنه يعتبر رفعاً للحكم فصار نسخاً نقول لا لماذا؟ لأن إباحة الربا لم تثبت بدليل شرعي وإنما ثبتت بالبراءة الأصلية وهي استصحاب العدم وهي عدم التكليف الأصل في المُكلف عدم تكليفه في شيء أبداً إلا بدليل شرعي في الإثبات لابد من دليل شرعي وفي النفي قد يكون دليل عقلي كما سيأتي إذاً لو حصل رفع للحكم السابق بالبراءة الأصلية نقول لا يسمى نسخاً لأن النسخ شرطه أن يرد على حكم ثابت بخطاب شرعي فالحكم المنسوخ لابد أن يكون ثابتاً بخطاب شرعي فلو ثبت بالبراءة الأصلية عدم التكليف استصحاب العدم نقول هذه ليست براءة شرعية ليست بإباحة شرعية فرفعها ليس بنسخ بل هو تجديد شرعي.

ص: 4

إذاً الثابت بخطاب متقدم هذا احترز به عما رُفع حكمه وهو ثابت بالبراءة الأصلية فليست نسخاً والمراد بالأصالة هنا بالبراءة وهي عدم التكليف بشيء كان الأصل إباحة الجمع بين الأختين قبل التشريع قبل التحريم {وَأَن تَجْمَعُواْ} هذا معطوف على {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} إذاً صار محرماً والإباحة الأولى عقلية لأنها ثبتت بالبراءة الأصلية وهي عدم التكليف، وقوله بخطاب متأخر لماذا؟ بخطاب متأخر؟ قال احترز به عن زواله بزوال التكليف ليخرج زواله يعني زوال الحكم بزوال التكليف متى يزول التكليف؟ بالموت بالجنون ونحو ذلك فحينئذ لو زال الحكم وارتفع بزوال التكليف نقول هذا لا يسمى نسخاً مات كانت الصلوات واجبة عليه فمات هل وجبت عليه الصلاة؟ لم تجب عليه ارتفع الحكم أو لا؟ ارتفع، هل نقول نُسخ وجوب الصلاة في حقه؟ نقول لا ليس بنسخ لا يسمى نسخاً لماذا؟ لأن الرفع هنا ليس بدليل شرعي لأنه ليس بخطاب هنا عبر بخطاب، ليخرج زواله بزوال التكليف يعني إذا زال الحكم ورُفع بالموت مثلاً أو الجنون لا يعتبر نسخاً لماذا؟ لأن الرافع هو زوال التكليف ومتراخ عنه ليخرج البيان والتخصيص لأنه كما سبق أن التخصيص قد يكون متصلاً وقد يكون منفصلاً وأما النسخ فلابد وأن يكون منفصلاً، ليخرج البيان والتخصيص لأن الناسخ لابد أن يكون متأخراً عن الأول غير متصل به هذه احترازات للحد الذي ذكره رفع الحكم الثابت بخطاب المتقدم بخطاب متراخ عنه حاصله أن النسخ لا يمكن أن يُبَت حكم النسخ إلا إذا كان الناسخ أو النسخ فيه رفع لحكم شرعي وهذا الحكم الشرعي قد ثبت بدليل شرعي سابق ثم جاء دليل آخر خطاب آخر متراخ عنه رفع رفع ذك الحكم فحينئذ نقول هذا نسخ لكن شرط النسخ أنه لا يُعدَل إلا عند عدم الجمع هذا قيد لابد منه يعني الخطاب المتقدم والخطاب المتأخر لا يُدَّعى فيه مباشرة النسخ وإنما لابد من عدم إمكان الجمع فإن أمكن الجمع فلا نسخ متى ما أمكن الجمع فلا نسخ إلا أن يرد نص صريح واضح بيِّن بأن الحكم السابق قد نُسخ وأما مجرد الاحتمال وكون الثاني متراخياً عن الأول حينئذ نقول لا نسخ إلا إذا تذعر الجمع بين الدليلين ولذلك المراتب أربعة كما سيأتي لأن إعمال الدليلين دائماً يكون أولى من إهمال أحدهما لأنك إذا أعملت الثاني وأسقطت الأول قد أسقطت حكماً أو بعض حكم.

ص: 5

ثم قال وقيل في حده غير ما ذُكر لكن الأولى أن يُعبَر بتعريف النسخ رفع حكم شرعي بدليل شرعي متراخ، متراخ هذا لتخرج المخصصات المتصلة والمراد بالحكم هنا ما تعلق بالمكلف بعد وجوده أهلا وهذا واضح بيِّن، وقيل في حد النسخ هو كشف مدة العبادة بخطاب ثانٍ وهذا فاسد يعني مرادهم أن الخطاب الثاني لم يرفع الحكم وإنما بيَّن الحكم الأول مؤقت فحينئذ ما شرعه الله عز وجل ليستمر أبداً لم يُوجب مثلاً إيجاب الصدقة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم على جهة التأبين لا وإنما شرعه مؤقتاً ثم نزل قوله {أَأَشْفَقْتُمْ ْ} مبيناً أن الوقت قد انتهى وهذا ليس بصحيح وهو كشف مدة العبادة بخطاب ثان مدة العبادة السابقة الذي ادعينا فيه أنه رُفع حكمها انتهى حكمها مُؤرَخة مؤقتة فحينئذ وظيفة الناسخ ما هو أن يرد ويبين لك أن العمل بهذه العبادة قد خرج وقتها انتهت هذا ضعيف أي بيان انتهاء مدة الحكم لا رفعه وإنما انقضى زمن الحكم الأول، وعليه ما الذي ينبني على هذا فيكون النسخ حينئذ من باب التخصيص ولكنه تخصيص في الأزمان لأن الأصل إطلاق أو شمول الحكم لكل زمن فجاء الناسخ أو الخطاب المتراخي فبيَّن أن الزمن ليس مستغرقاً لكل أوقات الحكم بل هو مُنتهي بوقت ما، وعليه فالنسخ تخصيص في الأزمان ويرد عليه قوله تعالى {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} فإن انتهاء مدة الصوم بظهور الليل ليس رافعاً لأنه مُغيَّى {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} إذاً بيَّن مدة العبادة أم لا؟ مدة العبادة، هل قوله {إِلَى الَّليْلِ} هل يعتبر ظهور الليل يعتبر رافعاً للحكم السابق؟ لا يعتبر رفعاً للحكم السابق فحينئذ النسخ لابد وأن يكون فيه معنى الرفع والإزالة وهنا ليس فيه معنى الرفع والإزالة إذا قيل النسخ هو كشف مدة العبادة السابقة أين الرفع والإزالة؟ هل تحقق فيه معنى النسخ لغة؟ الأصل لا وقوله تعالى {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} يدل على ذلك لأن الحكم مُغيَّب هنا غُيِّي بماذا؟ بإلى فدل على أن ظهور الليل لم ينسخ الصيام وإنما بيَّن مدته فإذا بيَّن مدته حينئذ يكون رفعاً للحكم السابق وإنما هو حكم مُغيى ينتهي بوجود الغاية وعليه فيكون هذا الحد فاسداً.

ص: 6

والمعتزلة قالوا في حد النسخ هو الخطاب الدال خطاب هذا محل المأخذ والخطاب الدال هذا ماذا هذا الناسخ والكلام في النسخ لا في الناسخ، الخطاب الدال على أن مثل الحكم الثابت بالنص السابق زائل على وجه لولاه لكان ثابتاً وهذا لا إشكال فيه كالأول إلا أنه مُصدَّر الحد بالخطاب والخطاب هذا الثاني هو الناسخ والحد إنما يكون للنسخ لا للناسخ فحينئذ لما يتطابق اللفظ والمعنى أو الحد مع المحدود، فالمحدود هو النسخ وهو مصدر والحد الذي هو الخطاب هذا للناسخ لا للنسخ، وهو خالٍ من الرفع عبر عن ذلك وهو أي حد المعتزلة للنسخ خال من الرفع الذي هو حقيقة النسخ لابد من مجود حقيقة النسخ وهو الرفع والخطاب هذا هو الناسخ فحينئذ هو تعريف للناسخ الذي هو الخطاب لا للنسخ.

ص: 7

ثم قال بعد أن عرف لنا النسخ ويجوز قبل التمكن من الامتثال ولم يُبين لنا هل هو جائز عقلاً أم لا؟ لأنه لا خرف بين أهل السنة في ذلك أما الرافضة فقالوا لا يجوز القول بالنسخ أبداً لأنه يؤدي إلى القول بالبداه وهو باطل في حق الله عز وجل فنفوا النسخ لماذا؟ ما المراد بالبداه؟ بأنه كُشف له علم بعد أن لم يكن يعلم وهذا مُنزه الرب جل وعلا عنه لكن هذا باطل والرافضة لا يُعتد بهم، ويجوز قبل التمكن من الامتثال، على ذلك نقول أن النسخ مرتبتان له حالان قد يكون بعد التمكن من الامتثال يُأمرون بالتوجه إلى الشام في الصلاة إلى البيت المقدس تمكنوا وامتثلوا ثم جاء الناسخ أو تُشرع العبادة وقبل أن يتمكنوا من الامتثال يرد النسخ إذاً له حالان لم يذكر الحالة الأولى لأنه هي الكثيرة وهي الواردة أنه يتمكنون أولاً من فعل العبادة من امتثالها ثم بعد ذلك يرد النسخ وهذا أمثلته كثيرة وهو الأصل إذا وُرد النسخ انصرف إلى هذا المعنى لكن هل يشرع الرب جل وعلا عبادة ثم يدخل وقتها وقبل أن يتمكن المكلف من الامتثال من الطاعة من القرب تُرفَع العبادة تُنسخ أو لا؟ قال نعم يجوز، يجوز قبل التمكن يعني يجوز النسخ ويقع قبل التمكن تمكن المكلف من الامتثال يعني الامتثال بماذا؟ العمل بمدلول الخطاب أي قبل وقت الفعل أي قبل وقت الفعل وهذا قول الجمهور أنه يجوز النسخ قبل التمكن من الامتثال بدليل ماذا؟ بدليل قصة إبراهيم عليه السلام أنه أُمر بذبح ابنه إسماعيل عليه السلام ولكن هل تمكن من الفعل؟ الجواب لا {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ {103} وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ {104} قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} ثم قال {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ} إذاً حصل النسخ قبل التمكن كذلك ما تواتر من نسخ فرض خمسين صلاة في السماء إلى خمس قبل الفعل أول ما وجبت الصلاة كم؟ وجبت خمسين ثبتت خمسين صلاة هل امتثل الناس؟ ما امتثلوا وهذا من رحمة الله عز وجل نحن ننازع في الخمسة الآن كيف لو كانت خمسين؟ الحمد لله، فحينئذ نقول نُسخت الخمسون قبل الامتثال إذاً واقع في قصة إبراهيم عليه السلام وفي كون النبي صلى الله عليه وسلم فُرضت أول ما فُرضت الصلاة خمسون صلاة ثم نُسخت إلى خمسين وإذا وقع دل على الجواز الوقوع يكون دائماً دليلاً على الجواز ولا إشكال في ذلك، ويجوز عند الجمهور هذا قول الجمهور قبل يعني النسخ قبل التمكن من الامتثال، والحكمة ما هي الحكمة في مثل هذه؟ الابتلاء الحكمة الابتلاء أن يكون الإنسان مُبتلى لماذا؟ لأن العبادة لها جهتان قد يُمَر العبد بعبادة فيمتثل فيكون المراد به الامتثال حصول الشيء أو يُبتلى بأنه يُكلَف بالشيء ثم قبل فعله يُنسخ ووجه حينئذ يكون من باب هل أخذ في الأسباب أم لا؟ هل انقاد عندما سمع الخطاب أم لا؟ هذا بناءاً على أن الحكمة في العبادة هي الابتلاء والامتثال أو بينه وبين الابتلاء ترددا أو بينه يعني الابتلاء أو بينه الامتثال أو بينه والابتلاء ترددا يعني الحكمة في شرع العبادة قال بعضهم قال الامتثال فقط وبعضهم قال لا الامتثال وهذا هو الأكثر وقد يكون المراد به

ص: 8

الابتلاء وفائدة حينئذ زيادة الثواب لأنه يعزل عن الفعل ويقول سمعنا وأطعنا ثم إذا أراد أن يفعل لا يُمكَن هذا الأمر ليس إليه.

ثم قال والزيادة على النص إن لم تتعلق بالمزيد عليه كإيجاب الصلاة ثم الصوم فليس بنسخ إجماعاً، الزيادة عن النص مرادهم بها أن يرد نص منفصل لعبادة ما ثم يرد نص آخر بعبادة أخرى قد يكون لهذه العبادة الأخرى بها اتصال بالعبادة الأولى وقد تكون مستقلة ولذلك يُقال الزيادة على النص نوعان زيادة مستقلة عن العبادة الأولى وزيادة غير مستقلة، زيادة مستقلة منفصلة كإيجاب الصلاة أولاً ثم أوجب بعد ذلك الصيام إيجاب الصيام إيجاب الصيام نقول هذا زيادة عن المكلف {وَأَقِيمُواْ الصَّلَاةَ} ثم نزل قوله تعالى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} هذه زيادة أم لا؟ زيادة لكنها منفصلة عن العبادة السابقة هذه بالإجماع ليست بنسخ لأنه لو أُعتبر نسخاً حينئذ ما بقي شيء يكون الأخير هو رافعاً لما سبق فكل ما فُرض البعثة حينئذ يكون مرفوعاً بما فُرض في آخر البعثة. والزيادة على النص إن لم تتعلق بالمزيد فسر هذا التعلق وعده كإيجاب الصلاة ثم الصوم ثم إيجاب الصوم فليس بنسخ إجماعاً لماذا؟ لأن حقيقة النسخ رفع الحكم السابق وهنا هل عندنا رفع؟ لما أُوجب الصوم انظر إلى الصلاة هل بقي إيجابها أم ارتفع؟ بقي إيجابها إذاً ليس عندنا نسخ فحقيقة النسخة مرتفعة هنا ليست بثابتة حينئذ نقول ليس بنسخ وهذا إجماع بين الحنفية وغيرهم لأن حقيقة النسخ لم تتحقق هنا، وبقي حكم الصلاة بعد الزيادة ثابتاً كمل لو زيد إيجاب الصلاة يعني الحكم حكم الصلاة قبل الصوم وبعد الصوم سيان وهو الإيجاب كما كان ثابتاً قبلها.

ص: 9

ثم قال وإن تعلقت هذا هو النوع الثاني عبادة أو زيادة غير مستقلة وهذه نوعان الزيادة الغير مستقلة نوعان قال وإن تعلقت وليست بشرط فنسخ إن تعلقت هذه الزيادة الغير مستقلة عن المزيد عليه قد تتعلق به على وجه لا يكون شرطاً لذلك قال وليس بشرط يعني تعلقت بالمزيد عليه على أي وجه إلا أن يكون شرطاً وإن تعلقت وليست بشرط فنسخ عند أبي حنيفة أي هذه الزيادة غير المستقلة عن المزيد عليه فتتعلق به على وجه لا يكون شرطاً فيه بأن تكون جزءاً من العبادة الأولى وسيأتي مثالها مثل ماذا؟ مثلوا لحد الزاني البكر ما حده؟ الآية {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} إذاً ما حكم الزاني البكر؟ الجلد مائة جاء في النص البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة ونفي عام في بعض الروايات ونفي سنة إذاً الحكم الأصلي الذي هو الجلد باق على ما هو عليه وجاء الزيادة في النص الآخر زيادة ماذا؟ زيادة النفي هل هذه الزيادة تعتبر نسخاً أم لا؟ الجمهور على أنها ليست بنسخ لماذا؟ لأن هذه الزيادة لم ترفع الجلد أولاً أين رفع الحكم السابق ليست عندنا حقيقة النسخ فحينئذ إذا انتفى تطبيق الحد على المثال نقول انتفى النسخ أين الحكم السابق الثابت بخطاب ثم ارتفع الجلد كما هو جلد ولكنه ضُم غليه شيء آخر فهو كما إذا ضُم إيجاب الصوم إلى إيجاب الصلاة ولا فرق بينهما، كزيادة تغريب عام على جلد مائة في حد الزاني البكر الثابت بحديث أبي سعيد البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة حيث صار التغريب جزءاً من الحد النفي صار جزءاً من الحد وهذا ثابت بالآية بنص مستقل لكن النص الثاني الدال على الزيادة دل على زيادة هي جزء من السابق لأن الأول حد نقول هو حد حينئذ مصدق الحد جلد مائة ثم زيد عليه ضُم إليه شيء آخر إذاً من جنسه أو من غير جنسه؟ من جنسه إذاً غير مستقلة أُختلف في هذه الزيادة هل هي نسخ أم لا، مذهب جمهور العلماء على أنها ليست بنسخ لانتفاء حقيقة النسخ وهذا لا إشكال فيه لأن الزيادة هنا زيادة سكت عنها النص الأول {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} ولم يتعرض للنفي والتغريب بإثبات ولا نفي إذاً سكت عنها وجاء النص مُثبتاً لها، هنا سكت عنها النص الأول ثم ضُم إليه شيء آخر فالحكم المزيد عنه ثابتاً لم يتغير ولم يرتفع إذاً حقيقة النسخ هذا أعظم ما يُتمَسك به حقيقة النسخ غير موجودة في هذه الزيادة، وذهب الحنفية على أنها نسخ لأن الجلد كان هو الحد الكامل الذي يترتب عليه الحكم وهو الفسق وإسقاط الشهادة على قوله فحينئذ لما زيد التغريب ارتفع صفة الكمال فحصل الرفع أو لا؟ حصل الرفع إذاً وُجدت حقيقة النسخ إذاً وجه النسخ عند الأحناف أنهم قالوا الآية دلت على كمال الحد أنه مائة فقط ولا زيادة لماذا؟ لأنه رتب على هذا الحد مائة جلدة فقط رتب عليه الفسق وإسقاط الشهادة فحينئذ لما جاء التغريب رفع صفة الكمال عن الحد السابق وإذا حصل الرفع ثبت النسخ لكن الجواب أن النسخ إنما يكون رفعاً لحكم شرعي وصفة الكمال ليست بحكم شرعي إذاً لم يتوفر أو يوجد حقيقة النسخ، إذاً صفة الكمال ليست بحكم شرعي فالوجوب باق لم يرتفع وهو

ص: 10

كل الواجب فلما زيد التغريب لم يتغير بل أُضيف إليه واجب آخر إذاً نقول الزيادة على النص إما أن تكون مستقلة أو يغر مستقلة، المستقلة هذه ليست بنسخ إجماعاً وغير المستقلة إما أن تكون ثابتة على وجه لا يكون شرطاً في المزيد عليه فحينئذ هذه عند الجمهور ليست بنسخ وهو الأحق وهي نسخ عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وأصحابه.

ص: 11

فإن كانت شرطاً هذا النوع الثاني من الزيادة غير المستقلة قلنا الزيادة غير المستقلة أما أن تكون شرطاً أو لا تكون شرطاً إن لم تكن شرطاً فالحديث السابق عنها فإن كانت الزيادة شرطاً لمزيد عليه كالنية في الطهارة وزيادة الطهارة في الطواف مثلاً فأبو حنيفة وبعض مخالفيه في الأولى نسخ والجمهور لا ليست بنسخ لماذا؟ لأن حكم الصلاة لما أُضيف إليه الوضوء أو النية في الطهارة نقول هذا لم يترفع حكم الأصل لم يتحقق حكم الأصل وكأن الأحناف ينظرون إلى أن المسألة تتجزأ وإذا قبلت التجزيء وحصل نوع رفع حكموا بالنسخ كما سبق معنا في المطلق والمقيد {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} مؤمنة هذا قالوا نسخ والصواب أنه ليس بنسخ، مذهب الجمهور أن تلك الزيادة ليست بنسخ لانتفاء حقيقة النسخ فقوله {وَأَقِيمُواْ الصَّلَاةَ} هذا دل على أمرين دل على إيجاب الصلاة وعلى إجزاءها لأنه كما سبق أن امتثال المأمور به يدل على الإجزاء إذا أتى به على الوجه الشرعي حينئذ إذا امتثل قوله تعالى {وَأَقِيمُواْ الصَّلَاةَ} نقول أجزأت الصلاة بشرط أن يأتي بها على الوجه الشرعي، {وَأَقِيمُواْ الصَّلَاةَ} دل على أمرين وجوب الصلاة والإجزاء فلما جاءت الزيادة وهي اشتراط الطهارة للصلاة هذا على فرض أن الصلاة فُرضت أولاً وصلوا قبل إيجاب الوضوء ثم فُرض الوضوء على هذا التقدير وهو قول لبعض الفقهاء حينئذ إذا أُوجب الوضوء بعد إيجاب الصلاة بقوله تعالى {وَأَقِيمُواْ الصَّلَاةَ} هل هذه الزيادة شرط في المزيد عليه أو لا؟ شرط لأن الشرع رتب عليها فوات الصلاة بفوات الطهارة فحينئذ كانت هذه الزيادة شرطاً في المزيد عليه، نقول فلما جاءت الزيادة وهي اشتراط الطهارة للصلاة فالوجوب لم يرتفع وجوب الصلاة باق كما هو {وَأَقِيمُواْ الصَّلَاةَ} دل على إيجاب الصلاة فإذاً إيجاب الصلاة باق على حاله بعد الزيادة كما هو قبلها إذاً أين النسخ بإيجاب الحكم هنا ليس عندنا نسخ وأما الإجزاء فهو الذي ارتفع فهو الذي حصل له الرفع بزيادة اشتراط الطهارة فحينئذ يكون هذا من باب التخصيص وليس من باب النسخ فإن كانت شرطاً أي الزيادة شرطاً للمزيد عليه كالنية في الطهارة والطهارة بالنسبة للصلاة نقول النية للطهارة فُرض الوضوء {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} ما ذُكرت النية إذا وقفنا مع الألفاظ ما ذُكرت النية لكن قوله (لا عمل إلا بنية) أو (إنما الأعمال بالنيات) دل على أنه لا وضوء إلا بنية إذاً زيادة على الطهارة أو {أَقِيمُواْ الصَّلَاةَ} ولم تُذكر الطهارة أصلاً فلما أُوجب الوضوء قيل هذه زيادة على إيجاب الصلاة وهي زيادة شرط في المشروط، فأبو حنيفة وبعض مخالفيه في الأولى نسخ والصواب أنها ليست بنسخ، إذاً الزيادة على النص عند الجمهور مطلقاً ليست بنسخ سواء كانت مستقلة أو غير مستقلة أليس كذلك؟ صحيح أو لا؟ الزيادة على النص عند الجمهور ليست بنسخ مطلقاً بلا تفصيل صحيح؟ عند الجمهور دعونا من الأحناف؟ عند الجمهور مطلقاً ليست بنسخ نعم لا هذا ذكرناه

ص: 12

في الأول وانتهينا، الزيادة على النص سواء كانت مستقلة أو غير مستقلة عند الجمهور ليست بنسخ صحيح لا إشكال وعند الأحناف التفصيل إن كانت غير مستقلة مطلقاً فهي نسخ سواء كانت جزءاً من المزيد عليه أو شرطاً له وإذا كانت مستقلة فليست بنسخ كالجمهور.

ثم قال ويجوز إلى غير بدل إذاً يجوز النسخ إلى غير بدل الأصل في النسخ والأكثر أنه إذا نُسخ حكم شرعي جاء ببدله {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} هذا هو الأصل الغالب، لن هل يصح النسخ إلى غير بدل يُرفع الحكم ولا يأتي ببدله؟ الجواب نعم ويجوز نسخ الحكم الشرعي على غير بدل وهذا عند الجمهور الدليل على ذلك نسخ تقديم الصدقة أمام المناجاة مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم ارتفعت كانت واجبة فارتفعت ما جيء ببدلها وتحريم ادخار لحوم الأضاحي أليس كذلك؟ هذا ارتفع ولم يرد له بدل وأيضاً يُعلَل بأن المصلحة الشرعية التي رُتب عليها الحكم الشرعي قد تكون فيما نُسخ ثم لما كانت هذه المصلحة مؤقتة ارتفع الحكم معها يعني وُجد الحكم الشرعي بوجود المصلحة فلما انتفت المصلحة انتفى الحكم الشرعي فحينئذ لا مانع أن يُنسخ الحكم الشرعي ولا يُؤتى ببدله والوقوع دليل الجواز، وقيل لا لا يجوز النسخ إلى غير بدل وهو قول الظاهرية لأنه مخالف لقوله تعالى {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} وهذا شرط ما شرطية هذه نأتي هذا جواب الشرط ننسخ هذا فعل الشرط فحينئذ إذا لم يأتي ببدلها فلا نسخ لكن أحسن مات يُجاب الكلام على هذه الآية طويل أحسن ما يُجاب به أن يُقال هذا عام وهو قابل للتخصيص وإذا وقع وحصل النسخ بغير بدل نقول خُصت الآية بما حصل لأنه ثابت أنه أُوجب أولاً الصدقة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم عند المناجاة ثم ارتفع الحكم ماذا نقول؟ نقول الجمع بين هذا وبين آية البقرة {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَو} نقول الجمع بينهما أن هذا عام وهذا خاص والخاص مُقدم على العام ولا تعارض، وبالأخف والأثقل يعني النسخ له أحوال إذا نُسخ إلى بدل لأنه قال ويجوز إلى غير بدل ولا إشكال فيه ثم إلى بدل هذا البدل قد يكون أخف من المنسوخ وقد يكون أصقل وقد يكون مساوياً وبالأخف يعني النسخ إلى بدل أخف يكون الحكم الذي يُعد ناسخاً بخطاب متراخ أخف على المكلفين من الحكم المنسوخ ولا خلاف في جوازه ووقوعه هذا متفق عليه {إن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ} ثم نزل قوله تعالى {َإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ} فمصابرة الواحد لاثنين أخف من مصابرة الواحد لعشرة منهم ولا شك في ذلك إذاً صح ووقع النسخ إلى أخف إلى بدل أثقل على بدل أثقل باعتبار السابق وهذا فيه خلاف والأصح جوازه بدليل الوقوع كان الصائم أو المسلم مُخير بالصيام بين الصيام والإطعام أليس كذلك ثم نزل قوله تعالى {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} إذاً تعين الصوم أو لا؟ تعين إذاً لا تخيير أيهم أخف التخيير أو الصوم؟ التخيير لأنك مُخير ممكن لا تصوم رمضان كله تُطعم فقط يعني تُطعم رب ساعة وتبقى مُفطر خذا خفيف من كونه

ص: 13

يجب عليك أن تصوم، وإلي مساو مثل ماذا؟ ذكرناه فيما سبق القبلة يعني لا يستوي عند المكلف أنه يصلي إلى الشام أو يصلي إلى جهة الكعبة مباشرة يتجه فقط ليس فيه فعل ولا نحو ذلك، وبالأخف والأثقل وقيل بالأخف دون الأثقل وعليه اتفقوا على الأخف واختلفوا في الأثقل لماذا؟ قالوا لأنه ورد الآيات الدالة على إرادة التخفيف {يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ} {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} وكل آية تدل على التيسير فحينئذ قالوا لا يمكن أن يُنسخ الحكم الشرعي ثم يأتي بأثقل نقول هذا ليس بصحيح لماذا؟ لأن الأثقل هذا باعتبار المكلف بالحكم السابق ليس بالاعتبار الحكم من حيث هو وإنما الأثقلية والخفة هنا باعتبار حكم السابق حينئذ نقول لا تعارض بين أن يُنسخ هذا أو ذاك وقيل بالأخف أي دون الأثقل للآيات الدالة على التخفيف والتيسير ورفع الحرج.

ص: 14

ثم قال ولا نسخ قبل بلوغ الناسخ وقال أبو الخطاب كعزل الوكيل قبل علمه به يعني هل يجوز أن يُنسخ حكم ثم لا يعلمه المكلفون فنعتبر أن الحكم قد نُسخ في حق المكلفين والناسخ يكون في علم النبي ولم يُبلغه أو لا؟ هل هذا جائز أم لا؟ قال ولا نسخ أي لا حكم بالنسخ في حق المكلفين قبل بلوغ الناسخ إليه لماذا؟ لأننا لو حكمنا عليهم بأن هذه العبادة التي فعلوها منسوخة وعدم علمهم بالناسخ لكان تكليفاً بما لا يُطاق وسبق أن شرط التكليف أو الفعل المكلف به العلم بالمكلف به فإذا لم يعلم فحينئذ لا تكليف إذا لم يعلم لا تكليف كل عبادة لم يعلمها فحينئذ نقول هو غير مكلف بها لماذا؟ لأن شرط التكليف للمكلف به أن يكون معلوماً العلم به فإذا انتفى العلم فلا تكليف طيب هنا عندنا قال نسخ عملوا بالعبادة امتثلوا بالعبادة السابقة ثم نُسخ في حقهم هذه العبادة رُفع الحكم لكن ما بلغهم الناسخ فحينئذ نقول عبادتهم صحيحة على ما هي عليه استدلوا بماذا؟ بأن أهل قباء لما كانوا مصلين الفجر جهة البيت المقدس وبلغهم الناسخ وهم في الصلاة وقطعاً أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى جهة الكعبة وأنه بلغه الناسخ ولم يبلغ أهل قباء ماذا صنعوا استداروا مباشرة من جهة البيت المقدس إلى الكعبة الناسخ موجود أو غير موجود؟ لا شك موجود لكن هل بلغهم؟ لا هل أُمروا بقضاء الركعة الأولى أو استئناف الصلاة؟ لا عدم أمرهم بقضاء الصلاة أو بإعادتها أو باستئنافها دليل على صحة تلك الصلاة، إذاً هم يغر مُكلفين بالناسخ الذي لم يعلموه ولكن هم مكلفين بما يعلموه وهذا واضح يعني الدليل هذا واضح في أنه لا نسخ قبل بلوغ الناسخ لماذا؟ لأننا لو نسخنا الحكم في حقهم قبل أن يعلموا أنه منسوخ لكان تكليفاً بما لا يُطاق وهذا مُمتنع في الشرع وإن جاز عقلاً، ولا نسخ قبل بلوغ الناسخ وقال أبو الخطاب كعزل الوكيل قبل علمه به يعني يثبت الناسخ قبل بلوغ الناسخ يعني في حق المكلفين يعني مقابل القول الأول القول الأول لا نسخ هذا نقول نعم فيه نسخ لماذا؟ قاسوا على مسألة فرعية وهذا غريب لأن الأصول تُفرَع عليها الفروع والأصول لا تُفرَع على الفروع يعني لا نُقعد قاعدة أصولية بناء على فرع هنا يقول كعزل الوكيل قبل علمه به هذا مُختلف فيه فينعزل بعزل المُوكل وإن لم يعلم الوكيل بعزله وكلت زيد يشتري ويبيع لي ثم عزلته عزلت فلان هو ما يعلم يقول ينعزل على رأيه ينعزل حصل العزل قبل بلوغ العزل أليس كذلك؟ حصل عزل ووقع وهو لم يعلم أنه قد عُزل فحينئذ قاس هذه المسألة أن النسخ يثبت بحث المكلفين قبل بلوغ الناسخ لكن نقول هذا فاسد لماذا؟ لأنه من باب قياس الأصل على الفرع والعكس هو الأصل ثم هذه مُختلف فيها المسألة هذه فيها خلاف، وقال أبو الخطاب يثبت النسخ في حق المكلفين قبل البلاغ كعزل الوكيل قبل علمه به فينعزل بعزل الموكل وإن لم يعلم الوكيل بعزله بجامع المنع من التصرف إلا بعد الإذن يعني قاسه عليه لكن الصواب هو الأول بدليل الوقوع وهو أن أهل قباء صلوا الركعة الأول أو بعض الصلاة متجهين إلى حكم قد نُسخ والناسخ موجود ولا شك ولم يبلغه لم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم باستئناف الصلاة وبلغه - صلى الله

ص: 15

عليه وسلم - فأقره فهنا سنة تقريرية أنه لا نسخ قبل بلوغ الناسخ.

ثم قال ويجوز نسخ القرآن والسنة المتواترة والآحاد بمثلها هذه أحوال النسخ يُنسخ القرآن بالقرآن وتُنسخ السنة المتواترة بالسنة المتواترة ويُنسخ الآحاد بالآحاد وهذه كلها لا خلاف فيها ويجوز نسخ القرآن أي القرآن بالقرآن كما في آية المصابرة السابقة والعدة كذلك والمناجاة بن يدي الرسول صلى الله عليه وسلم نُسخ القرآن بالقرآن، والسنة المتواترة بها يعني بالسنة المتواترة يعني يُنسخ أو تُنسخ السنة المتواترة بالسنة المتواترة وهذا من حيث الجواز أيضاً متفق عليه لكن يقولون لا نجد مثال لكن من حد التأصيل لو وُجد مثال حديث متواتر ونُسخ بحديث متواتر فهو الأصل يدل على جوازه لا مانع من ذلك وليس له مثال، والآحاد أيضاً بالآحاد وهذا كثير (كنت قد نهيتكم عن زيارة القبول ألا فزوروها) نهيتكم فزوروها هذا يعتبر نسخ والناسخ السنة بدليل ماذا؟ ما المنسوخ هنا هو حديث واحد أنا أوردت حديثاً واحداً (كنت نهيتكم) هذا إخبار بالمنسوخ (ألا فزوروها) هذا هو الناسخ إذاً نهيتكم فيما سبق فحينئذ ثبت بآحاد ألا فزوروها هذا يعتبر ناسخاً، والسنة بالقرآن لا هو بها والسنة بالقرآن يعني السنة تُنسخ بالقرآن ومثاله نسخ استقبال بيت المقدس الثابت بالسنة بالقرآن {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} هذا ناسخ في القرآن والمنسوخ بالسنة لأن استقبال بيت المقدس ثابت بالسنة، لا هو بها لا هو ضمير يعود على القرآن بها أي بالسنة المتواترة ومراده السنة بالقرآن السنة المتواترة وليس الآحاد، لا هو بها أي لا يُنسخ القرآن بالسنة المتواترة يعني لا يجوز لا هو بها يعني لا يُنسخ القرآن بالسنة المتواترة في ظاهر كلامه يعني في ظاهر كلام الإمام أحمد لأنه ورد عنه أنه قال لا ينسخ القرآن إلا القرآن يجيء بعده وبه قال الشافعي رحمه الله تعالى لقوله تعالى {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} وهل السنة مثل القرآن أو خير من القرآن؟ الجواب لا فقالوا إذاً لا يُنسخ القرآن بالسنة المتواترة وهذا ظاهر كلام الإمام أحمد، خلافاً لأبي الخطاب وبعض الشافعية القائلين بجواز نسخ القرآن بالسنة المتواترة خلافاً هذا منصوب على أنه مفعول مطلق ودائماً تجده منصوباً خلافاً لأبي الخطاب وبعض الشافعية القائلين بجواز نسخ القرآن بالسنة وهذا قول الجمهور صحة نسخ القرآن بالسنة المتواترة لماذا؟ لأن الكل وحي من عند الله {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى {3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} فالكل وحي، ولأن الناسخ في الحقيقة هو الله عز وجل من الذي يُثبت الحكم أولاً؟ الله من الذي يرفع هذا الحكم؟ الله عز وجل {إِنِ الْحُكْمُ إِلَاّ لِلّهِ} كم سبق أن الحاكم هو الله سبحانه وتعالى وكذلك على لسانهما في القرآن أو على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم ومحل النسخ أيضاً هو الحكم بل لفظ هذا هو الأصل المنسوخ هو الحكم رفع الحكم الثابت رفع الحكم إذاً الإيجاب أو التحريم أو الكراهة أو الاستحباب أو الإباحة هي المنسوخة فحينئذ رفع الحكم {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا

ص: 16

نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} هذا نقول المراد بالنسخ الأصل فيه أنه رفع للحكم وليس للفظ وعليه فقوله {بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} يكون من السنة أو يكون من القرآن والأحكام كلها من عند الله سبحانه وتعالى.

فأما نسخ القرآن بالآحاد ومتواتر السنة بالآحاد هذا جائز عقلاً العقل لا يمنع أن يتعبدنا الله بأن ننسخ القرآن الثابت بدليل قطعي بدليلي ظني في العقل لا يمنع هذا كذلك السنة المتواترة دليل قطعي لا يمنع ولا يحيل العقل أن يتعبدنا الله سبحانه وتعالى بأن ننسخ السنة المتواترة بدليل ظني من جهة العقل لكن هل كل ما جاز عقلاً جاز التعبد به شرعاً قالوا لا لذلك قال فجائز عقلاً ممتنعٌ شرعاً يعني النسخ يكون بمثله فقط ولا يكون بما هو دونه يعني إمام أن يكون مثلاً له في الثبوت أو أعلى منه ولذلك جوَّزوا نسخ القرآن بالسنة المتواترة لأنه مثله من حيث الثبوت لأن الدليل قد يثبت قطعياً وقد يثبت ظنياً القطعي مع القطعي قالوا لا إشكال ولذلك اشترطوا في الناسخ أن يكون مساوياً للمنسوخ من حيث الثبوت فالأدنى لا ينسخ الأعلى والأعلى ينسخ الأدنى ولا إشكال، فأما نسخ القرآن ومتواتر السنة بالآحاد فجائز عقلاً ممتنعٌ شرعاً وللأسف هذا قول الجمهور لماذا؟ قالوا الظني لا ينسخ القطعي إلا عند الظاهرية فيجوز نسخ القرآن ومتواتر السنة بالآحاد يعني القول الأول الأول ممتنع شرعاً لا ينسخ القرآن ولا السنة المتواترة الآحاد الظاهرية جوَّزوا ذلك وقالوا ينسخ القرآن حديث الآحاد وتنسخ السنة المتواترة حديث الآحاد لماذا؟ لأن القطعي هو اللفظ ومحل النسخ هو الحكم وكما أن مدلول القطعي قد يكون ظنياً فلا مانع من نسخه بظني وهذا كله بناءاً على أن أحاديث الآحاد تفيد الظن لا العلم وإذا قلنا العلم صار ....

ص: 17

حينئذ دليل الظاهرية ما هو قالوا القطعي القرآن إذا قيل أنه ثبت بدليل أو أن ثبوته قطعي حينئذ لا يلزم أن يكون مدلوله قطعي لأن الظاهر والمحتمل والمشترك هذه دلالة ظنية ولذلك تُقسم من حيث الثبوت والدلالة إلى أربع أقسام قطعي الثبوت قطعي الدلالة ظني الثبوت ظني الدلالة قطعي الثبوت ظني الدلالة ظني الثبوت قطعي الدلالة لا يلزم أنه كل ما كان قطعي الثبوت أن يكون قطعي الدلالة فحينئذ لو كان الآحاد ظني الثبوت على التسليم والتنزل لهذا لا يلزم من كونه ظني الثبوت أن يكون ظني الدلالة بل قد يكون القرآن قطعي الثبوت ظني الدلالة وعكسه الآحاد فيكون الآحاد من جهة الدلالة قطعي ومن جهة الثبوت ظني حينئذ لا مانع من أن ينسخ القرآن وهذا هو الأصح أن العبرة بصحة السند فمتى ما صح السند صح النسخ به إلا عند الظاهرية لما ذكرناه، وقيل يجوز في زمنه صلى الله عليه وسلم لا بعده وهذا غريب لماذا؟ لأنه لا نسخ بعد النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يُقيَد بزمنه؟ لأن نقول بخطاب متراخي من الذي يُلغنا هذا الخطاب؟ هو النبي صلى الله عليه وسلم فحينئذ يجوز في زمنه صلى الله عليه وسلم لا بعده وهذا داخل في قول الظاهرية لماذا؟ لأن الظاهرية جوَّزوا النسخ بالآحاد وهذا إنما يكون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بعده حينئذ لا يظهر فرق بين هذا القول والسابق، لأن الأصل في النسخ إنما يكون في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم. وما ثبت بالقياس وإن كان منصوصاً على علته فكالنص يُنسَخُ وينسخ به وإلا فلا هل القياس يُنسخ به إذا قيل بخطاب متراخ أو دليل شعري هل يدخل في ذلك القياس؟ الصواب أن القياس يُنسَخُ وينسخ به قطعاً ومطلقاً سواء كانت علته منصوصة أم لا القياس لا ينسخ ولا يُنسخ به. ثم قال هنا وما ثبت بالقياس يعني الحكم الثابت بالقياس إن كان منصوصاً على علته ولذلك لا مثال له هذه مسألة فرضية فقط جدلية فقط أما في الواقع لا وجود لها لا يوجد إذا كان يُختَلف في الآحاد والجمهور على أنه لا ينسخ القرآن ولا السنة المتواترة فكيف القياس؟ هذا بعيد جداً إن كان منصوصاً على علته من قبل الشرع فكالنص لأن القياس لابد أن يستند إلى نص فإذا كانت العلة منصوصة صار حكم القياس منصوصاً عليه بواسطة تلك العلة يعني صار مستنداً إلى نص شرعي والمستند إلى نص شرعي فهو كالنص الشرعي فلذلك صح أن يُنسَخ به فكالنص يُنسَخُ وينسخ به وإلا فلا يعني وإلا تكن العلة منصوصة عليها إذاً صارت مستنبطة وإذا صارت مستنبطة صارت محلاً للاجتهاد والاجتهاد قابل للخطأ والصواب إذاً لا يكون ناسخاً فلا يقوى على الحكم الشرعي والصواب أنه لا يُنسَخ بالقياس مطلقاً لا وجود له مثال.

ص: 18

وقيل: يجوز بما جاز به التخصيص وهذا فاسد أيضاً يجوز النسخ بكل ما جاز به التخصيص وهناك يصححون أن قول الصحابي يجوز به التخصيص والمفاهيم يجوز بها التخصيص إلى آخره فكل ما جاز به التخصيص جاز أن يُنسَخ به وعليه القياس مطلقاً سواء كانت علته منصوصة أو لا يجوز النسخ به القياس والصواب أنه لا، وقيل يجوز بما جاز به التخصيص فيدخل حينئذ القياس بنوعيه نُص على علته أو لا لجواز التخصيص به وهذا باطل لأن النسخ رفع والرفع إبطال والتخصيص بيان والبيان تقييد هذا ما يتعلق بالنسخ.

ثم قال والإجماع وهذا عطف على قوله والكتاب لأنه ذكر أن الأصول أربعة الكتاب المتفق عليها الكتاب والسنة والإجماع، فرغ من الجملة ما يتعلق من الكتاب ثم السنة ثم الإجماع إن أراد الترتيب فالإجماع معطوف على السنة والإرادة مطلقة الأصول المتفق عليها فالإجماع معطوف على الكتاب على الأول.

ص: 19

والإجماع وأصله الاتفاق الإجماع هذا مصدر أجمع يُجمِع إجماعاً واصله في اللغة الاتفاق والعزم يعني يطلق الإجماع بمعنى الاتفاق ويُطلق الإجماع بمعنى العزم أجمع القوم على كذا إذا اتفقوا ويُطلق على العزم أجمعت على الأمر أي أجمعت عليه وأما في الاصطلاح فعرفه المصنف بقوله وهو اتفاق علماء العصر من الأمة على أمر ديني وهو اتفاق أخذ المعنى اللغوي حينئذ خرج كل خلاف ولو صدر من واحد قوله اتفاق هذا جنس في الحد إذاً لابد من وجود المعنى اللغوي فلو حصل خلاف ولو من واحد ارتفع الإجماع لأن المعنى الحقيقي للإجماع هو الاتفاق فلم يوجد الاتفاق لو اتفقت تسع وتسعون نقول بقي واحد هذا أخرج الإجماع لا يصح الإجماع لأنه لابد من اتفاق جميع العلماء وهو اتفاق نقول خرج كل خلاف ولو من واحد، اتفاق من؟ قال علماء إذاً ليس اتفاق أي أحد اتفاق علماء العصر وليس كل العلماء أيضاً بل مجتهدي العلماء ليس كل عالم صار مجتهداً أليس كذلك ليس كل عالم صار مجتهداً لأن العالم قد يُتوَسَع فيه بأنه من حصَّل العلم ولو ظاهراً لكن كونه مجتهد أهل النظر والبحث والتأمل والتدبر فهذا قلة إذاً علماء العصر اتفاق علماء العصر المراد بهم مجتهدي العصر من الأمة يعني من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فلا عبرة باتفاق علماء غيرهم لو اتفق اليهود والنصارى على أمر يتعلق بالشريعة نقول هذا ليس بإجماع لماذا؟ لأن شرط الإجماع أن يكون العلماء والمجتهدين من أمة النبي صلى الله عليه وسلم أمة الإيجاب، على أمر ديني خرج على أمر دنيوي كالبيع والشراء ونحو ذلك كالمواد المتعلقة باللغة والفاعل بأنه مرفوع إلى آخره فكل صنعة فيها إجماع يختص به أهلها إجماع النحاة يختلف عن إجماع الفقهاء وإجماع الفقهاء يختلف عن إجماع الأصوليين إذاً فن له علماء مجتهدون هؤلاء يُجمِعون ويتفقون على حكم شرعي ولكن المراد به هنا الحكم الشرعي الذي يتعلق به أو يتعلق بكل المكلفين ولذلك يستوي فيه الجميع، من الأمة على أمر ديني ولابد من قيد بعد النبي صلى الله عليه وسلم لأن الاتفاق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لا يُمسى إجماعاً ولذلك ينقل بعض الصحابة كانوا يفعلون كذا كانوا يفعلون كذا هل يُعَد إجماع؟ لا يُعَد إجماع لماذا؟ لأن اتفاقهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ليس بإجماع لأنه لا إجماع إلا بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك قيل كانوا يفعلون كذا هذا له حكم الرفع سواء أضافه إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم أطلق يحتمل أنه بعد عهد النبي صلى الله عليه وسلم وإذا قال كانوا يفعلون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كذا هذا قيَّده هذا أقوى من ذاك لأنه مُقيد بزمن النبي صلى الله عليه وسلم وهو مُطلق على النوعين يُحمَل ويُعطَى اسم الرفع، إذاً هو اتفاق خرج به الخلاف فلا إجماع مع الخلاف لأنه يجوز أن يُصيب الواحد أو الأقل ويُخطئ الأكثر هذا جائز أو لا؟ ولذلك صُوِّب عمر رضي الله عنه في أسرى بدر بخلاف من قابلهم، علماء العصر من الأمة على أمر ديني بعد نبيها صلى الله عليه وسلم، وقيل في حده اتفاق أهل الحد والعقد على حكم الحادثة قولاً هنا زاد أهل الحل والعقد أهل

ص: 20

الحل والعقد إن كان مراده المجتهدين فلا إشكال وإن كان مراده ما هو أعم من ذلك فيرد الإشكال لماذا؟ لأن الشريعة مبانها على كبار أهل العلم المجتهدين وأما غيرهم من أهل الحل والعقد لما غير الشرعية حينئذ لا عبرة بأقوالهم، اتفاق أهل الحد والعقد يعني المجتهدين في الأحكام الشرعية على حكم الحادثة الواقعة النازلة هذا أشار فيه أن النازلة وقعت بعد النبي صلى الله عليه وسلم وليست في عهده إذا لا إجماع قولاً يعني لا فعلاً ولا غيره لماذا؟ ليختص الحد بالإجماع الصريح يعني لابد أن يكون منطوقاً به فحينئذ لو نطلق البعض وسكت الآخرون الذي هو الإجماع السكوتي هذا ليس بإجماع عند أرباب هذا الحد لابد أن يكون قولاً يعني منطوقاً به هذا اتفاق هذا لابد أن يكون منطوقاً به لماذا؟ لأن الأصل في الإجماع إذا أُطلق انصرف إلى الإجماع الصريح الكل ينطق يقول هذا حرام هذا حرام جميع العلماء لابد أن ينطق وأن يقول بالحكم الشرعي فإذا لم يحصل لم يحصل الإجماع وهذا ما يُعنون له بالإجماع الصريح.

ص: 21

وإجماع أهل كل عصر حُجة خلافاً لداود وقد أومأ أحمد إلى نحو قوله، وإجماع أهل كل عصر من العصور إلى قيام الساعة كل عصر كل قرن إذا أجمع علماء ذلك القرن أو ذلك العصر فهود حجة على من بعده فليس خاصاً بعهد الصحابة كما ظنه البعض داود نُسب إليه هذا أنه هو الإجماع الذي يمكن ضبطه لا إشكال أنه إجماع الصحابة أما من بعده هذا دعوى الإجماع أقرب ما يكون للكذب كما قال الإمام أحمد بعد الصحابة لكن هل معنى ذلك أنه لا إجماع بعد الصحابة وينحصر دليل الإجماع على الصحابة فقط أو أنه إذا أمكن ولو مع التعثر أو العثر لو أمكن ضبط الإجماع بعد الصحابة يكون دليلاً أو لا هذا محل المأخذ هنا يعني لا نقيده بعهد الصحابة بل هو دليل مطلق متى ما أمكن الإجماع حينئذ نقول هو حجة على من بعده وفرق بين أن يُقال الإجماع حجة ودليل شرعي والذي يمكن ضبطه هو إجماع الصحابة ومن بعد الصحابة فحينئذ الإجماع لو أمكن ضبطه لكان حجة لكن لا يمكن ضبطه ودعوى الإجماع حينئذ تكون من قبيل أو أقرب ما تكون إلى الكذب لماذا؟ لأنه لا يمكن يحصر كل العلماء فيجمع بينهم لتفرق الأمة وشتاتها إلى آخره، إذاً قوله وإجماع أهل كل عصر حجة يعني من العصور إلى قيام الساعة حجة ودليلي شرعي يجب العمل به لماذا؟ لأن الأدلة الشرعية دلت علة ذلك دالة على حجية الإجماع وإذا ثبتت حجية الإجماع حينئذ لا يخلو عصر منهم أي من دلالة تلك الأدلة فالأدلة شاملة تدل على أن اتباع غير سبيل المؤمنين هذا مُشاقة لله ورسوله هل هذه المشاقة واتباع غير سبيل المؤمنين خاص بالصحابة؟ نقول لا في كل هصر ولو لم يمكن إثبات الإجماع، وإجماع أهل كل عصر حجة خلافاً لداود لأنه خص الإجماع بالصحابة وحدهم فقط ولو أجمع التابعون وتحق وثبت الإجماع فليس بإجماع فرق بين المسألتين لأنه خص الإجماع بالصحابة وحدهم لأن الخطاب الذي ثبت به الإجماع خطاب للحاضرين فقط {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ} مثل {وَأَقِيمُواْ الصَّلَاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ} ما الفرق بينهم؟ يقول داود رحمه الله تعالى يقول الإجماع خاص بالصحابة لماذا؟ لأنهم هم الذين خُوطبوا بالإجماع {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} كنتم أنتم إذاً خص الإجماع بمن؟ بالصحابة قال {وَأَقِيمُواْ الصَّلَاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ} لم خصصت هذا بالصحابة دون غيرهم إذاً هذا الدليل فاسد ليس بصحيح وأيضاً قوله {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} أيضاً مثلها.

ص: 22

وقد أومأ يعني أشار أحمد إلى نحو قوله، أومأ إذا قيل أومأ أحمد إليه الإمام أحمد مُراد به أنه يُفهَم ليس بصريح الراية هذه قد يُختَلف فيها قد يوافق من استنبط هذا القول الموافق لداود وقد يخالف لأن الرواية قد تكون صريحة وقد تكون غير صريحة مثل ما قلنا في المنطوق قد يكون صريح وقد يكون غير صريح لماذا؟ لأنه جاء في مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود قوله الإتباع أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثم هو من بعد التابعين مُخيَّر لا يفيد هذا ثم من بعد التابعين مُخيَّر لعدم إمكان الإجماع لا لكونه لا إجماع هذا يمكن تأويله أو لا؟ يمكن تأويله لأن النصوص عامة {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} دل على ماذا؟ على أن الإجماع حجة وأنه مشاقة والخروج عن سبيل المؤمنين خروج على الحق حينئذ الأدلة عامة فتشمل كل العصور، وقد أومأ أحمد إلى نحو قوله.

ص: 23

ثم قال وإجماع التابعين على أحد قولي الصحابة هل يعتبر إجماعاً أو لا؟ الصحابة اختلفوا على قولين ثم أجمع التابعون على أحد القولين هل يعتبر إجماعاً أم لا؟ الصواب أنه لا يعتبر إجماعاً لماذا؟ لأن شرط الإجماع ألا يكون مسبوقاً بخلاف لأن المذاهب لا تموت بموت أصحابها فيبقى القول ولو مات صاحبه حينئذ يعتبر القول كما لو وُجد قائله فالأقوال لا تموت بموت أصحابها حينئذ إذا اختلف الصحابة على قولين لا يمكن دعوى الإجماع بعدهم نعم يمكن تقييده يُقال أُجمع على أحد القولين لا إشكال أما إطلاق الإجماع فيُراد به الإجماع الصحيح فلا، وإجماع التابعين على أحد قولي الصحابة هل يعتبر إجماعاً أو لا؟ نقول إذا ثبت الخلاف قبل الإجماع أو قبل ما يمكن أن يسمى بالإجماع فلا إجماع بعده إطلاقاً لأن المذاهب لا تموت بموت أصحابها ولا مانع أن يُقال انعقد الإجماع بعد الخلاف لابد من إشهار انعقد الإجماع بعد الخلاف لا بأس بهذه العبارة لأنه إجماع مُقيد يُفهَم منه أنه ثم خلاف ثم بعد ذلك حصل نوع تكرار، قال اعتبره أبو الخطاب هذا هو القول الأول يعني اعتبره إجماعاً لأنه اتفاق من أهل العصر الثاني وقد دل الدليل على كونه معصوماً من الخطأ كما لو اتفق الصحابة على أحد القولين يعني كأنه نزَّل حقيقة الإجماع حيث التعريف عليه لكن نقول اتفاق علماء العصر هنا لم يحصل اتفاق لماذا؟ لوجود الخلاف ولو وُجد القول دون قائله إذاً دعوى الاتفاق ليس فيه اتفاق فحقيقة الإجماع منتفية وكون التابعين أجمعوا نقول لم يُجمعوا لماذا؟ لأن القول الآخر موجود سواء مات قائله أم بقي أليس كذلك؟ إذاً لم يوجد حقيقة الاتفاق لأنه اتفاق من أهل العصر الثاني وقد دل دليل على كونه معصوماً من الخطأ كما لو اتفق الصحابة على أحد القولين نقول النص ليس باتفاق، اعتبره أبو الخطاب والحنفية، وقال القاضي وهو القول الآخر وبعض الشافعية ليس بإجماع وهذا هو الصحيح ليس بإجماع فيجوز حينئذ الأخذ بالقول الآخر على خلاف القول السابق إذا قيل إجماع معناه القول الآخر يُطرَح لا يجوز الأخذ به وإذا قيل ليس بإجماع جاز للمخالف أن يأخذ بالقول الآخر ولو اُدعي الإجماع إجماع التابعين حينئذ القول الآخر لا يكون مُطرحاً، ليس بإجماع فيجوز الأخذ بالقول الآخر لأن المذاهب لا تموت بموت أصحابها، ثم قال والتابعي معتبر في عصر الصحابة عند الجمهور خلافاً للقاضي إذا قيل إجماع الصحابة اتفاق علماء العصر لو وُجد تابعي معتبر مُجتهد وُجدت فيه آلة الاجتهاد وأدرك أكثر الصحابة واتفق الصحابة وخالف التابعين هل يعتبر نقلاً للإجماع أم لا؟ فيه خلاف خل التابعي المُؤهَّل للخلاف من الصحابة وقوله معتبر لبلوغه رتبة الاجتهاد هل خلافه معتبر في إسقاط اتفاق الصحابة أم لا؟ المسألة فيها خلاف، والتابعي معتبر متى إذا بلغ رتبة الاجتهاد في عصر الصحابة فإنه يُعتَد به في الإجماع لذلك قال معتبر في عصر الصحابة عند الجمهور وهو رواية عند الإمام أحمد لأنه مُجتهد من علماء الأمة فلا طريق حينئذ إلى عدم اعتباره وإذا أُعتبر قولهم في الاجتهاد فليعتبر في الإجماع لأن الصحابة أفتوا وكبار التابعين كسعيد بن المسيب وغيره أفتوا في عهد الصحابة وسكت

ص: 24

الصحابة وأذنوا لهم بالإفتاء بل دلوا عليهم الناس بل أخذوا ببعض أقوالهم إذاً اعتبروا اجتهادهم أم لا؟ اُعتبر اجتهادهم فحينئذ فليعتبر كذلك إجماعهم وأيضاً الأدلة تشملهم اتفاق علماء العصر ثم الدليل على مشروعية أو حجية الإجماع كقوله تعالى {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} هذا يشمل الصحابة مع التابعين معاً لو كان التابعي معتبراً واتفق مع الصحابة أو خالف حينئذ يكون معتبراً في إجماعه وفي إسقاطه بالإجماع إذا اتفق قوله مع الصحابة وفي الإسقاط إذا خالفهم عند الجمهور خلافاً للقاضي وبعض الشافعية خلافاً للقاضي أبي يعلى وبعض الشافعية في أن التابعي المجتهد لا يعتد بخلافه قالوا كالعوام لأن التابعين مع الصحابة كالعوام مع العلماء وهذا ليس بصحيح، وقد أومأ أحمد إلى القولين يعني الإمام أ؛ مج عنه روايتان ولكنهما ليستا صريحتين إلى اعتبار التابعي وإلى عدم اعتبار التابعي ووجه إلى عدم اعتبار التابعي أن الصحابة أعلم من غيرهم وشاهدوا التنزيل والتقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وعرفوا مواقع الآيات والناسخ والمنسوخ إلى آخره قال هم أعلم فحينئذ لو خالف التابعي وأراد إسقاط اتفاق الصحابة بدعوى الإجماع قالوا هذا غير معتبر لكن القول الأول أصح لشمول الأدلة له، وقد أومأ أحمد إلى القولين.

ص: 25

ثم قال ولا ينعقد بقول الأكثرين خلافاً لابن جرير وأومأ إليه أحمد يعني أشار إليه في إحدى الروايات قلنا في الحد اتفاق فلو اتفق إلا اثنان فلو اتفق الكل إلا اثنين أو واحد هل يعتد بالإجماع أم لا لو خالف واحد أو خالف اثنان هل الإجماع يعتبر أم لا؟ ما يعتبر لماذا؟ لانتفاء حقيقة الإجماع في النسخ وفي باب ألإجماع في العام إلى آخره إذا أردت أن تنقض أو تُثبت عليك بالحد وهنا اتفاق علماء العصر فحينئذ وُجد أكثر العلماء قائلين بقول ما وخالف واحد أو اثنان حينئذ نقول هذا نقض للإجماع لأن الشرط هو اتفاق كل علماء الأمة يعني المجتهدين، ولا ينعقد بقول الأكثرين لانتفاء حقيقة الإجماع ولأن العصمة من الخطأ إنما هي للكل لا للبعض خلافاً لابن جرير رحمه الله تعالى فإنه قال لا عبرة بخلاف الواحد والاثنين وأومأ إليه أحمد يعني إلى عد انعقاد الإجماع بقول الأكثرين ولا ينعقد وأومأ إليه أحمد يعني إلى عدم انعقاد الإجماع بقول الأكثرين هكذا فسره بعضهم ويحتمل رجوعه إلى قول ابن جرير لكن الأظهر لقوله ولا ينعقد بقول الأكثرين وهناك رواية عن الإمام أحمد تشير إلى هذا، ثم قال وقال مالك يعني الإمام مالك رحمه الله تعالى إجماع أهل المدينة حجة هذه كلها مسائل فرضية فقط إما في الوجود لا وجود لها إن الإجماع لا يمكن اعتبار لإجماع الصحابة هذا هو الظاهر ومن بعدهم إن وُجد فهو حجة شرعية لا إشكال لعموم الأدلة لكن أين هو وعليه يُحمَل قول الإمام أحمد من ادعى الإجماع فهو كاذب يعني في غير الصحابة، وقال مالك إجماع أهل المدينة حجة هذا اشتهر عن الإمام مالك أنه خص أهل المدينة أنه إجماع وعليه فهو حجة لكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى له تفصيل له ترتيب لما يقال له إجماع أهل المدينة حجة أم لا؟ فقال رحمه الله تعالى إجماع أهل المدينة على مراتب أربعة الأول ما يجري مجرى النقل يعني مثل ماذا؟ مثل الأذان بكلماته والإقامة في الصاع ومقداره في المد ومقداره فيما يجري فيه الربا هذه كلها ما يجري مجرى النقل فقال رحمه الله تعالى هذا حجة باتفاق لا خلاف في هذا حجة باتفاق، الثاني العمل القديم قبل الفتنة عثمان رضي الله عنه قبل وقوع الفتنة فهذا حجة عند مالك والمنصوص عن الشافعي وظاهر مذهب الإمام لأنه مما سنه الخلفاء يعني مما كان قبل فتنة عثمان يكون مما سنه الخلفاء الراشدون إذاً هو حجة عند من؟ عند مالك وهو النص أو المنصوص عن الشافعي وظاهر مذهب الإمام أحمد لأنه مما سنه الخلفاء الراشدون فيجب فهو حجة فيجب العمل به، الثالث إذا وقع خلاف بين روايتين هل يصح جعل إجماع واتفاق أهل المدينة من المرجحات أو لا؟ فتُرَجح الرواية التي عليها أهل المدينة دون غيرهم هذا محل النزاع والأظهر لا أنه لا يعتبر من المرجحات، الرابع العمل بالمتأخر

ص: 26

أو العلم المتأخر بالمدينة يعني بعد مقتل عثمان فالأئمة الكبار على أنه ليس بحجة إذاً حجة واثنان ليس بحجة ما جرى مجرى النقل وما كان قبل فتنة عثمان فهو حجة وما بعد ذلك كالترجيح بين الروايات أو العمل القديم بعد فتنة عثمان فليس بحجة لكن أكثر ما فُسر به قول الإمام مالك رحمه الله تعالى في كون إجماع أهل المدينة حجة أنه مراده ما كان جارياً مجرى النقل المستفيض كألفاظ الأذان وما ذكرناه هذا أكثر ما شُهر عن الإمام مالك ليس مطلقاً مذهب أو إجماع أهل المدينة حجة فمرادهم ما جرى مجرى النقل فحينئذ كالمد ومقدار الصاع ونحو ذلك مما كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لو تغير لعُلم ما دام الناس جروا على هذا معناه أن العمل متصل بما كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثم وُصل به إلى زمن الإمام مالك فأما في مسائل الاجتهاد فهم وغيرهم سواء هذا أصح مات يُقال في تفسير الإمام مالك ما كان في مسائل الاجتهاد فأهل المدينة وغيرهم سوءا وإنما مراده بأنه حجة فيما جرى مجرى النقل، وقال مالك إجماع أهل المدينة حجة.

ص: 27

ثم قال وانقراض العصر شرط في ظاهر كلامه انقراض العصر هل هو شرط أم لا يعني هل يُشترط في انعقاد الإجماع أن يموت كل المتفقين فحينئذ نحتج بالإجماع أو بمجرد الاتفاق حصل الإجماع؟ هذه مسائل عقلية لا أظن ما لها وجود في الواقع يعني إذا قيل اتفاق علماء العصر كيف يتفقون هؤلاء؟ متى نحكم أنهم اتفقوا؟ بمجرد حصول النطق أو لابد أن يتفقوا ثم يموتوا لأنه يحتمل أن يرجعوا عن أقوالهم هذا فيه خلاف هل يشترط انقراض عصر أو لا يعني في الاعتداد بالإجماع أو لا، وانقراض العصر شرط في ظاهر كلامه يعني كلام الإمام أحمد رحمه الله تعالى أي أن يموت أهل الإجماع وينقرضوا عصرهم ثم يبدأ الاحتجاج بإجماعهم معناه كيف يثبت إجماع الصحابة هذا بعيد لماذا؟ قالوا لاحتمال رجوع البعض عن اجتهاده ما دام حياً فيُرجع الأمر إلى الخلاف يعني إذا اتفقوا على قول ثم يحتمل أنه يظهر له بعد أسبوع بعد شره بعد سنتين دليل ينقض القول السابق فيرجع فحصل الخلاف فكيف يكون إجماع. وقد أومأ إلى خلافه من هو هذا؟ الإمام أحمد رحمه الله تعالى إلى خلاف ماذا؟ إلى خلاف كون انقراض العصر شرطاً وهو أنه ليس بشرط وهذا هو الصحيح أنه لا يعتبر انقراض شرطاً بل فلو اتفقت الكلمة في لحظة واحدة فهو إجماع عند الجمهور فيصير حجة على من أراد الرجوع منه فلو اتفقوا في لحظة واحدة حينئذ صار الإجماع منعقداً فصار حجة على كل واحد منهم فهل يجوز له أن يرجع عن قوله؟ الجواب لا لماذا؟ لانعقاد الإجماع في اللحظة الأولى منذ اتفقت الكلمة حل الإجماع فصار حجة فحينئذ لا يجوز لواحد أن يرجع أما عن القول الأول تعذر حصول في عصر الصحابة وخاصة القول بأن التابعي معتبر حينئذ إذا اتفقوا ننتظر حتى يموتوا فيأتي تابعي جديد فيتعلم فيكون أهلاً للاجتهاد فيُخالف إذاً نقض الإجماع لا يمكن أن يتصور الإجماع على اشتراط لانقراض العصر فهو إجماع عند الجمهور أن انقراض العصر ليس بشرط، واختاره أبو الخطاب لأن الأدلة الدالة على حجية الإجماع ليس فيها ذكر اشتراط انقرض العصر فهي مطلقة {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} حصل الاتفاق فحينئذ اشتراط العصر أو انقراضه إلى غير ذلك هذا يحتاج إلى دليل ولا دليل فيبقى الأمر على أنه لا يشترط انقراض العصر بمجرد اتفاق الكلمة انعقد الإجماع فصار حجة علهم هم أولاً ثم على غيرهم فلا يجوز حينئذ لأحد أن يرجع عن قوله ولو قيل باشتراط انقراض العصر اتفقوا ثم حينئذ يجوز أن يرجع البعض عن قوله.

ص: 28

وإذا اختلف الصحابة رضي الله عنهم على قولين لم يجز إحداث قول ثالث عند الجمهور لماذا؟ إذا اختلف الصحابة في مسألة ما على قولين قيل مُباح وقيل مكروه هل يجوز أن يأتي ثالث بعدهم فيقول لا بل مُحرم؟ نقول لا لا يجوز لماذا؟ لأن اتفاقهم وإجماعهم على القولين حصر للحق في أحد القولين وإذا جُوِّز أن يكون الحق في غير القولين لجاز أن يخلو هذا العصر من ناطق بالحق وهذا باطل فحينئذ إذا اختلف الصحابة على قولين لم يجز لمن بعدهم إحداث قول ثالث عند الجمهور لأن اختلافهم حصر للحق في ذين ذي القولين فلو جُوِّز وجود قول ثالث حينئذ يلزم منه أن ذلك العصر خلا عن هذا القول فلو قيل مكروه وقيل مباح ثم جاء ثالث بعدهم بزمن بعد انقراض عصر الصحابة قال محرم إذاً التحريم لو كان حقاً لكان ذاك العصر قد خلا عن ذلك الحكم وهذا باطل لهذا اللازم قالوا لا يجوز إحداث قول ثالث عند الجمهور، وقال بعض الحنفية والظاهرية يجوز لأن المختلفين لم يُصرحوا بتحريم قول ثالث فجاز إحداثه والأول هو الأصح أنه لا يجوز، لكن اختلفوا في إحداث قول متوسط يعني يكون القول بالمنع والثاني بالجواز فيأتي ثالث يأخذ بعض هذا القول وبعض القول الآخر هي جوز أو لا؟ هذا محل خلاف قولان مس الذكر ناقض للوضوء مس الذكر لا ينقض الوضوء قولان متقابلان قال بهذا بعضهم وقال بهذا بعضهم جاء ثالث بعضهم قال إن مس بشهوة فناقض وإلا فلا هذا قول ثالث مستقل أو بعض ذاك القول وبعض هذا القول هذا متوسط أخذ من هذا وأخذ من هذا وهذه طريقة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كثيراً ما يقول هذا قول بعضهم قول الإمام أحمد وهذا قول بعضهم أبي حنيفة مثلاً وهذه مسألة فيها نزاع.

ص: 29

ثم قال وإذا قال بعض المجتهدين قولاً هذا شروع منه في بيان الإجماع السكوتي كلام السابق في الإجماع الصريح لابد من الاتفاق قولاً أن ينص كل عالم من المتفقين على الحكم صراحة وإذا قال بعض المجتهدين قولاً المجتهدين هذا قيد في قوله علماء العصر أو أهل الحل والعقد قولاً وانتشر في الباقين وسكتوا إذاً لما يتكلم الكل الباقين المراد هنا من؟ باقي المجتهدين لأنه قال بعض المجتهدين إذا قال بعض بعض المجتهدين أين البعض الآخر سكتوا قولاً وانتشر في الباقي وسكتوا لكن مع قدرتهم على الاعتراف أو الإنكار هم مقتدرون لو أرادوا على هذا القول لأنكروا أو أن يقولوا بما قال به ذاك البعض لقالوا مع قدرة أما إذا وُجد خوف أو نحو ذلك فلا عبرة، فعنه عن الإجماع أحمد إجماع في التكاليف أي حجة قطعية في ألأحكام المتعلقة بالتكليف وبعضهم يجعل في التكليف هذا قيد في الإجماع السكوتي أنه لا عبرة به أو أن الخلاف في ألحكام الشرعية الفرعية أما العقيدة فلا لابد من الإجماع الصريح، إجماع في التكاليف أي حجة قطعية في الأحكام المتعلقة بالتكليف وإذا لم يكن الحكم تكليفياً لم يكن إجماعاً ولا حجة لماذا؟ قالوا لأن الساكت هنا يُنزَل مُنزَلة الراضي الموافق وإن كان الأصح أنه لا يُنسَب لساكت قول ـ وقيل وبه قال بعض الشافعية وقيل حجة لا إجماع حجة ظنية لا إجماع يمتنع مخالفة لأنه إذا قيل إجماع أنه لا يجوز مخالفته وإذا قيل حجة لا إجماع صار الحجة يجوز مخالفتها والإجماع لا يجوز مخالفته، هنا قال حجة لا إجماع السابق فعنه إجماع وعليه فهو حجة وعليه لم يصرح بالحجة لأن كل إجماع فهو حجة، ها قال وقيل حجة أي الإجماع السكوتي حجة ظنية وليس بإجماع لماذا؟ لأن الحجة يجوز مخالفتها يجوز للإنسان أن يُخالف وأما الإجماع فلا يجوز مخالفته لذلك فُرق بينهما حجة ظنية لا إجماع يمتنع مخالفته لماذا؟ لما أُعتبر حجة لا إجماع لعدم تحقق حقيقة الإجماع التي هي اتفاق ولابد من الاتفاق والاتفاق الحقيق إنما يكون بالتصريح أن ينطق يتكلم كل عالم مجتهد بالحكم وهنا وُجد هذا القيد؟ لم يوجد لذلك صار حجة لا إجماع وهو الاتفاق لكن لما كان لرجحان دلالة السكوت على الموافقة أُعتبر حجة ظنية يعني لما ورد إيهاب إن سكون البعض لرضا والرضا هو الظاهر وهو الراجح أُعتبر حجة ظني لا إجماع إذاً نُفي الإجماع لعدم تصريح الباقين بالحكم الشرعي وأُعتبر حجة لماذا؟ لأن الظاهر المتبادر أن سكوت الباقين إنما سكتوا للرضا والموافقة ولذلك فُصِّل بين القولين. وقيل لا إجماع ولا حجة لماذا؟ لأنه لا يُنسَب لساكت قول لا إجماع لأن السكوت له احتمالات إذا قيل اتفاق تكلم البعض وسكت الباقون نقول السكوت هذا له احتمالات يحتل أنه سكت خائفاً أو جُبناً أو خجلاً يكون المتكلم كبار فسكت هو من باب الحياء ويحتمل أنه لم يبلغه القول أو أنه لم يعلم حكم المسالة يحتاج إلى بحثه السكوت لا يدل على الرضا المطلق ويدل على الموافقة بل فيه احتمالات، وقيل لا إجماع ولا حجة.

ص: 30

ثم قال ويجوز أن ينعقد عن اجتهاد وأحاله قوم الإجماع لابد أن يكون مستنداً إلى نص من كتاب أو سنة هذا شرط الإجماع لابد أن يكون مستنداً على نص من كتاب أو سنة هل يجوز أن ينعقد الإجماع عن اجتهاد؟ قالوا يجوز هنا قال نعم وهذا مذهب الأكثرين يجوز أن ينعقد عن اجتماع يعني لا عن دليل من كتاب أو سنة لماذا؟ قالوا لأنه وقع وحصل أجمعوا على تحريم شحم الخنزير قياساً على لحمه والقياس هذا من باب الاجتهاد والرأي النص في لحم الخنزير طيب شحمه؟ مُحرَم من باب قياس الشحم على اللحم إذاً هو قياس هو اجتهاد فانعقد الإجماع على الاجتهاد هذا قول ويجوز أن ينعقد عن اجتهاد وأحاله قوم يعني منعوه قالوا لا يُتصور عقلاً أحالوه من العقل قالوا لا يجوز عقلاً أني نعقد عن اجتهاد يعني لا يُتصور الإجماع عن اجتهاد وقياس لأن القياس مختلف في ثبوته أصلاً فكيف يكون الأصل مختلفاً فيه والفرع متفقاً عليه هذا لا يُتصَور، وقيل يتصور وليس بحجة لأنه اجتهاد ظني والإجماع دليل قطعي والصواب هو الأول أنه يجوز وهو مذهب الأكثرين لأنه لا يمتنع اتفاق الأمة على حصول ظني الحكم بالقياس ثم تُجمع على ذلك الحكم يعني يحصل قياس ثم ما أفاده القياس سكون حكماً ظنياً ثم ينعقد القياس على وجود ذلك الحكم الظني الذي حصل بالقياس، ثم قال والأخذ بأقل ما قيل ليس تمسكاً بالإجماع يعني إذا اُختلف في مسألة ما قال بعضهم إزالة النجاسة لا تكون بثلاث وقال الآخرون بسبع إذا أخذنا إذاً من نص على الثلاث نفى الزيادة ومن قال بسبع قال بالثلاث ثم زاد إذا تركنا ما زاد على الثلاث وأخذنا بالثلاث الوسط بين القولين إذاً هل يكون إجماع أو لا؟ لا يكون إجماعاً، والأخذ بأقل ما قيل في مسألة اُختلف فيها ليس تمسكاً بالإجماع لماذا؟ لجواز المخالفة لو قيل أن الثلاثة قد أُجمع عليها حينئذ لا يجوز قائل أن يقول بالسبع إذا جُوِّز أن يقول بالسبع دل على انه لا إجماع لأنه لو حصل الإجماع ماذا؟ صار حجة فصار دليلاً قاطعاً فحينئذ إذا قيل بالإجماع على الثلاث فحينئذ لا يجوز أن يأتي آتي فيأخذ بالسبع لكن لما جاز الأخذ بالسبع دل على أنه لم يحصل الإجماع وإن حصل قدر مشترك بين القولين، والأخذ بأقل ما قيل في مسألة أُختلف فيها ليس تمسكاً بالإجماع لماذا؟ لجواز مخالفته.

ص: 31

واتفاق الخلفاء الأربعة ليس بإجماع لماذا؟ لأنهم بعض الأمة وشرط الإجماع أن يكون اتفاق كل الأمة وهم بعض الأمة والعصمة بمقرونة بالكل لا بالبعض العصمة المرتبة على الإجماع مقرونة بالكل لا بالبعض واتفاق الخلفاء ألربعة ليس بإجماع لأنه بعض الأمة فلا تثبت العصمة، وقد نُقل عنه عن الإمام أحمد لا يُخرج عن قولهم إلى قول غيرهم فيدل على أنه حجة لا إجماع لا يُخرَج عن قولهم هذا معروف عن الإمام أحمد وجعله ابن القيم رحمه الله تعالى من أصول مذهب الإمام أحمد أنه لا يعدل عن قول أو لا يأتي بمسألة ليست للصحابة فيها قول فإذا وُجد قول فيها للصحابة فلا يعدل عنه ولكن الظاهر هنا أنه أراد به الخلفاء الأربعة دون غيرهم لذلك قال لا يُخرَج عن قولهم أي الأربعة إلى قول غيرهم وهذا يدل على أنه حجة لا إجماع إذاً يُعتَبر اتفاق الأربعة خلفاء إجماع فإذا قيل ليس بإجماع لكن يس المراد أنه من السهولة أن يُخالَف لا إذا وجد حُكم اتفق عليه أربعة حينئذ أولى بالإتباع من غيرهم.

ص: 32

بعدما انتهى من الأصل الثالث وهو الإجماع فحينئذ انتقل إلى أصل رابع وهو دليل العقل في النفي الأصلي، فهو أن الذمة قبل الشرع بريئة من التكاليف فتستمر حتى يرد بغيره أو يرد غيره ذكرنا أن الأدلة أو الأصول المتفق عليها أربعة الكتاب والسنة والإجماع والنفي الأصلي والمراد به استصحاب العدم وأما الأصل الرابع من الأصول المتفق عليها وهو دليل العقلي في النفي الأصلي هل يُثبَت بالعقل أحكام شرعية؟ الجواب لا ليس هذا المرد وإنما مرادهم أن الأحكام الشرعية إثباتها إما بالإثبات أو بالنفي لأن النفي حكم كما أن الإثبات نفي كما أن الإثبات حكم الإثبات حكم والنفي حكم حينئذ نقول الأحكام الشعرة إما من جهة الإثبات أو من جهة النفي الإثبات لا يكون إلا بدليل شرعي لا تُثبت عبادة إلا بدليل شرعي لكن النفي للعقل فيه مدخل يعني يُحكَم بدلال العقل الذي يسمى البراءة الأصلية على نفي الأحكام قبل ثبوتها فيقول لك الأصل عدم التكليف لأنه كما سبق أن العلم بالمُكلف لابد أن يكون ثابتاً فإذا لم يكن ثابتاً إذاً لا تكليف فدل العقل على نفي التكليف إذاً للعقل مجال في نفي الإحكام الشرعية التي لم تكن ثابتة بالأصالة أما ثبوتها فيحتاج على دليل لأن الثبوت إيجاد وهذا لابد من دليل والنفي عدم وإذا كان موافقاً للأصل فلا إشكال وأما إذا ورد النفي بعد الإثبات فلا عبرة بالنفي يعني لو أُبت أن الصلوات خمس فقال قائل لا ليست بخمس نقول نفيه هذا لا يُعتبَر به لأن الحكم ثبت لكن لو قال لا صلاة سادسة واجبة عن المكلفين كل يوم نقول وجوب صلاة سادسة هل ثبت أو لا؟ لم يثبت إذاً نفيه بالعقل نقول هو الاستصحاب الذي سيذكره المصنف هنا، وهو دليل العقل في النفي الأصلي يسمى عندهم بالاستصحاب أي بالبراءة الأصلية بمعنى أن العقل دل على براءة الذمة من الواجبات قبل مجيء الشرع فهو أي الدليل العقلي في النفي الأصلي أن الذمة ذمة المكلف قبل الشرع قبل إثبات الأحكام ونزول الشريعة ومنفكة من التكاليف مطلقاً فلا إيجاب إلا بدليل ولا تحريم إلا بدليل ولا كراهة إلا بدليل ولا توجب أي عبادة إلا بدليل لماذا؟ لأن الأصل عدم التكليف وأن الذمة قبل تعلق الشريعة بالمكلفين بريئة من التكاليف كلها بلا استثناء فتستمر أو فيستمر يجوز الوجهان لكن فيستمر أحسن، فيستمر النفي حتى يرد بغيره أي فيستمر النفي الأصلي حتى يرد غيره وهو الدليل الشرعي الناقل عن الأصلي فنقول الأصل عدم إيجاب صلاة مطلقاً في ذمة المكلف فيستمر هذا النفي حتى يُثبَت أن ثم خمس صلوات واجبة عل المكلف في اليوم والليلة خمس صلوات كتبهن الله في اليوم والليلة على المكلف، إذاً يستمر حتى يرد غيره فتستمر البراءة يعني يصح بالتاء فتستمر البراءة أو يستمر استصحاب النفي الأصلي حتى يرد غيره الأولى حذف الباء هذه حتى يرد غيره وهو دليل شرعي ناقل عن البراءة الأصلية ويُسمى استصحاباً يسمى النفي العقلي في النفي الأصلي يسمى استصحاب استفعال من طلب الصحبة كذلك الاستغفار طلب المغفرة، واصطلاحاً استدامة إثبات ما كان ثابتاً أو نفي ما كان منفياً هكذا عرفه ابن القيم رحمه الله تعالى استدامة إثبات ما كان ثابتاً فالأصل العموم الأصل أن اللفظ عام يشمل كل

ص: 33

الأفراد ولا يُخرَج عنه إلا بدليل التخصيص ولا دليل إذاً الإثبات أو العدم هنا الأصل؟ الأصل الإثبات استدامة الإثبات ما أثبته الدليل حتى يرد المخصص أو نفي ما كان منفياً الأصل عدم وجوب صلاة سادسة فيبقى هذا الأصل حتى يرد دليل يثبت الصلاة السادسة، ويسمى استصحابا كل دليل فهو كذلك كل دليل يصلح أن يكون مُستصحَباً كل الأدلة الشرعية، مثَّل لذلك فالنص يتفرع إلى هذا وكل دليل فهو كذلك أي كل دليل يُتصَور الاستصحاب فيه يعني في الأدلة الشرعية كلها، فالنص حتى يرد الناسخ يعني فالأصل الإحكام ولا نسخ إذا تردد وصار الاحتمال بين الناسخ أن يكون حكماً منسوخاً أم لا تقول الأصل عدم النسخ هذا استصحاب لماذا؟ استصحاب للدليل الشرعي حتى يرد الناقل ولا يوجد ناقل للحكم بأن الحكم منسوخ هنا، فالنص حتى يرد الناسخ فالأصل الإحكام وعد النسخ، والأصل العموم حتى يرد المُخصص فحينئذ اللفظ العام يُحمَل الحكم المُعلَق عليه على كل فرد فرد من أفراد موضوعه ولا يُخرَج فرد واحد إلا بدليل يدل على التخصيص لو احتمل التخصيص نقل الأصل بقاء العموم على عمومه حتى يرد المُخصص هذا استصحاب للدليل الأصلي الدليل المُثبت للحكم حتى يرد النافي والمُخرج والأصل الملك حتى يرد المزيل يعني إذا كانت السلعة في يد المكلف نقول الأصل أنه مالك لها ولا يُثبَت عكس ذلك عكس الملك إلا بدليل إما بإثبات أنه وهبها أو باعها وأجرها إلى آخره فالأصل بقاء ما كان على ما كان فإذا كان هو مالكاً للسعلة فحينئذ نقول الأصل أنه مالك لها ولا تزل يده عنها إلا بدليل لأن هو الأصل ومثله الطهارة نقول الأصل إذا شك في الحدث والأصل الطهارة نقول استصحاب الأصل وهو أنه متطهر هو المعتمد وإذا كان الأصل الحدث وشك في الطهارة فحينئذ نقول الأصل معتمد هو استصحاب الحدث، والنفي حتى يرد المُثبِت الأصل النفي لا صلاة سادسة لا إيجاب صوم غير رمضان حتى يرد المُثبت هذه أثلة ثلاث ذكرها المصنف هنا لتدل على أن الاستصحاب أربعة أنواع الأول استصحاب البراءة الأصلية استصحاب البراءة الأصلية ومثله له بقوله حتى يرد المُثبت هذا هو الأصل استصحاب البراءة الأصلية وهو المراد عند الإطلاق، الثاني استصحاب الدليل الشرعي الأصلي حتى يرد الناقل وهو إذا أُطلق الاستصحاب أيضاً انصرف إلى هذا ومثَّل له بقوه فالنص حتى يرد الناسخ والعموم حتى يرد المُخصص، الرابع استصحاب الوصف المُثبت للحكم الشرعي حتى يثبت خلافه استصحاب الوصف المُثبت للحكم كالملك هذا مثبت للحكم والطهارة المُثبتة للحكم والحدث المُثبت للحكم الأصل استصحاب هذا الوصف حتى يرد الناقل، الرابع وسيذكره المصنف فيما يأتي استصحاب حكم الإجماع في محل النزاع، إذاً أربعة أنواع للاستصحاب ذكرها في هذه الأمثلة السابقة.

ص: 34

ثم قال ووجوب صلاة سادسة وصوم غير رمضان يُنفى بذلك يعني بالأخير قال والنفي حتى يرد المُثبت مثل ماذا؟ وجوب صلاة سادسة، هل سمكن أن يقول قائل بوجوب صلاة سادسة؟ هل يرد هذا أم نقول خمس صلوات المُجمَع عليها أم لا؟ كيف يقول وجوب صلاة سادسة؟ لا يقصد صلاة سادسة يومياً هذا مقصوده، الوتر هذا مُختَلف فيه وصلاة يومية ليلية الأحناف على أنه واجب والجمهور على أنه سنة وأيهما الأصل؟ الأصل عدم الوجوب حينئذ يُستصحَب عدم إيجاب صلاة سادسة، سادسة يعني يومية على الخمس الصلوات وأما النذر ونحوه فهذا لا يكون يومي ولا يُقال صلاة سادسة ثابتة على ماذا أين الخامسة والرابعة المراد بها الخمس صلوات لأنها واجبة بإجماع هل هناك صلاة سادسة لأن إذا قلنا بوجوب الوتر صار الإيجاب كم؟ ستة لأنه لو ترك الوتر لصار آثماً ولو ترك فرض من الفروض الخمس صار آثم وإن يختلف في بعض الأحكام، ووجوب صلاة سادسة كمن أوجب صلاة الوتر للنافي أن يقول لا تجب فيستصحب العدم وصوم غي رمضان يُنفى بذلك إيجاب صوم مستمر على كل المكلفين غير شهر رمضان نقول يُنفى بذلك.

ص: 35

وأما استصحاب الإجماع فهذا هو النوع الرابع من أنواع الاستصحاب وأما استصحاب الإجماع في مثل قولهم أي في محل النزاع مثل قولهم الإجماع على صحة صلاة المتيمم، المتيمم الذي فقد الماء حساً أو حكماً أجمع العلماء على أنه إذا تيمم صحت صلاته ابتداءاً وانتهاءاً لعدم وجود الماء فله أن يشرع في الصلاة بالتيمم هذا بالإجماع لكن لو رأى الماء في أثناء الصلاة؟ اختلف العلماء لو رأى الماء في أثناء الصلاة يعني تيمم فكبَّر وكان قد انتظر الماء فإذا به يسمع صوته في أثناء الصلاة الماء الماء يعني وُجد الماء، ما حكم التيمم؟ وما حكم الصلاة؟ فيها نزاع، هنا قال الإجماع على صحة صلاة المتيمم هذا مُجمَع عليه ابتداءاً الشروع في الصلاة متيمماً عند عدم وجود الماء هذا مُجمَع عليه لكن إذا وُجد الماء في أثناء الصلاة نقول هذه مسالة أخرى ولذلك وقع النزاع فيها إذا لو كان الإجماع الأول يدل على الثاني لما وقع نزاع فإذا رأى الماء في أثناء الصلاة لم تُبطل استصحاباً للإجماع من رأى استصحاباً للإجماع استصحبه ولكن هذا غير صحيح لأن الإجماع إنما دل على الدوام فيها حال عدم الماء يعني الإجماع على صحة الصلاة المتيمم بشرط عدم وجود الماء فالإجماع مخصوص بحالة معينة وليس مطلقاً أن المتيمم تصح صلاته مطلقاً كل من تيمم عند عدم وجود الماء فصلاته صحيحة ولذلك لو تيمم فوُجد الماء قبل الشروع في الصلاة بطل تيممه مع أنهم أجمعوا على أن له أن يشرع في الصلاة أقول لك على حاجة لو وجد الماء بعد شروعه في الصلاة الإجماع الأول لا يشمل الحالة الثانية لأن إجماعهم مُقيَّد وهو بعدم وجود الماء فإذا وُجد الماء الإجماع لمن ينعقد حينئذ ففرق بين العدم والوجود فلا يقاس الوجود على العدم بعض أهل العلم استصحب ورأى أنه يصح استصحاب الإجماع فاستصحب الإجماع الأول على الحالة الثانية فجوَّز صحة الصلاة أو فصحح الصلاة مع وجود الماء في أثناء الصلاة ومن قال بالمنع قال لا بطلت صلاته لأنه وُجد الماء إنما جاز التيمم له عند عدم الماء فإذا رأى الماء أثناء الصلاة لم تبطل استصحاباً للإجماع ففاسد عند الأكثرين ففاسد هذا إيش الكلام هذا ففاسد إيش إعراب الجملة هذه هكذا التركيب وأما استصحاب الإجماع ففاسد عند الأكثرين الفاسد هذا وقع في جواب أما وأما استصحاب الإجماع يعني في محل النزاع ففاسد عند الأكثرين يعني الاستصحاب فاسد لأن الكلام ليس في المسألة مسألة الصلاة والتيمم لأن هذه مسألة فرضية ليست مبحثية وإنما هي مثال لما استصحب فيه بعض المجتهدين الإجماع في محل النزاع نقول الاستصحاب فاسد بقطع النظر عن ماهية وحقيقة المسألة، ففاسد عن الأكثرين يعني عند الجمهور لماذا؟ لأن فرقاً بين الحالين الإجماع انعقد على حال عدم الماء ومحل النزاع فيما إذا وُجد الماء وفرق بين الوجود العدم، خلافاً لابن شاقلا وبعض الفقهاء شاقلا بإسكان القاف وفتح القاف وبعضهم يقرأها شاقلَاّ لابن شاقلا وبعض الفقهاء في أنه حجة وابن القيم يميل إلى هذا إلى أنه حجة، خلافاً لابن شاقلا وبعض الفقهاء في أن استصحاب الإجماع حجة لأنه يحسم الخلاف فيستحيل وقوعه فالإجماع انعقد على صحة صلاة المتيمم حالة الشروع والدليل الدال على

ص: 36

صحة الشروع دال على دوامه إلا بدليل يعني قلب .... والصحيح أن نقول الصلاة باطلة لأن الإجماع انعقد في حالة غير حالة الوجود.

ثم قال فهذه الأصول الأربعة لا خلاف فيها وقد أُختلف في أصول أربعة أُخَرَ وهي أو أُخَرُ أو أُخَرَ أُختلف في أصول أربعة أُخَرَ أُخَرِ؟ لم؟ ممنوع من الصرف لماذا؟ للوصف والعدل العدل عن ماذا؟ لأن فٌعلى هي وجمعها لا تُستعمل إلا

{فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، وصلى اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ص: 37