الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* شرع من قبلنا
* قول الصحابي
* الإستحسان
* الاستصلاح.
الدرس التاسع عشر
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد قال المصنف رحمه الله تعالى وقد أُختلف في أصول أربعة أُخَرَ وهي أي أنه ذكر الأصول المتفق عليها وهي أربعة الكتاب والسنة والإجماع واستصحاب العدم وهذا الأخير الرابع يعني جعله من المتفق عليه وبعضهم يجعله من المختلف فيه ذكرنا أن الاستصحاب أربعة أنواع استصحاب البراءة الأصلية واستصحاب الدليل الشعري الأصلي حتى يرد الناقل واستصحاب الوصف المُثبت للحكم الشرعي وهذه الثلاثة متفق عليها بقي الرابع وهو استصحاب حكم الإجماع في محل النزاع، هذا مُختلف فيه حينئذ يكون الاستصحاب هذا متنازع فيه بين الاتفاق والاختلاف فبعضهم جعله في المختلف فيه وبعضهم جعله في الأصل المتفق عليه وهنا المصنف لم يعد القياس من الأصول لذلك احتاج على رابع وهو أنه يكاد يكون قول الجمهور أن الأدلة الشرعية التي هي مصادر للتشريع أربعة الكتاب والسنة والإجماع والقياس هو ولم يعد القياس أصلاً رابعا بنفسه لأنه كما سيأتي أنه يتفرع عن الكتاب والسنة لأن القياس لا يكون إلا بقياس على أصل وهذا ألأصل لابد أن يكون الحكم قد ثبت بنص أو سنة حينئذ صار مرجعه إلى الكتاب والسنة إذاً لا يستقل بنفسه ولو لوحظ هذا لقيل أيضاً الإجماع ينبغي أن يكون متفرعاً على الكتاب والسنة ولا يُجعَل دليلاً مستقلاً لذاته لماذا؟ لأنه لا إجماع إلا بدليل من كتاب أو سنة حينئذ صح إرجاع الإجماع إلى الكتاب والسنة بل بعضهم عدها واحدة وهو الكتاب قال مصدر التشريع هو الكتاب لأن الكتاب دل على السنة والكتاب والسنة قد دلا على الإجماع والكتاب والسنة والإجماع قد دلت على القياس إذاً في الحقيقة هي شيء واحد وهو الكتاب والكتاب أثبت حجية السنة والإجماع ثابت حجيته بالكتاب والسنة والقياس ثابت بالثلاثة لكن المصنف هنا لم يجعل الأصل الرابع المتفق عليه لأنه أيضاً هو متفق عليه مُجمَع عليه بين السلف القياس دليل مستقل برأسه لم يجعله أصلاً وإنما جعل بدله الدليل العقلي في النفي الأصلي وهذا مجرد ترتيب وإلا فالمعنى واحد، وقد اختلف في أصول أربعة في الاحتجاج بها هل يُحتَج بها أم لا؟ هل تُثبَت الأحكام الشرعية بها أو لا؟ على خلاف منهم من جعلها أصلاً يُحتَج به فحينئذ رتب أحكام شرعية عليها ومنهم من نفى فنفى ما يتفرع عنه إذاً هذه الأصول الأربعة ينبني عليها أو الخلاف فيها خلاف معنوي لماذا؟ لأنه يتوقف عليها إثبات الأحكام الشرعية وجوداً أو عدماً فمن أثبتها أصلاً بمعنى أنه تُجعَل مصدراً من مصادر التشريع فحينئذ المسألة فيها خلاف كبير وخلاف جوهري ومعنوي.
وقد اختلف يعني عند الأصوليين في أصول أربعة هل يصح أن تُجعَل هذه الأصول الأربعة أو بعضها يُجعَل مصدراً من مصادر التشريع كالكتاب والسنة فيستمد الفقيه منها الأحكام الشرعية وهي شرع من قبلنا وقول الصحابي والاستحسان والاستصلاح هذه أربعة مُختَلف فيها هل هي أصول أم لا؟ قال شرع من قبلنا أي الأصل الأول الذي وقع النزاع فيه بين الأصوليين وغيرهم شرع من قبلنا يعني من الأمم السابقة هل يعتبر شرعاً لنا أم لا؟ وشرع من قبلنا ليس الخلاف فيها على جهة الإطلاق بل فيه والطرفان وواسطة طرف مُجمَع عليه أنه ليس من شرعنا وهو ليس بشرع لنا وطرف مُجمَع عليه أنه شرع لنا والواسطة هو محل الخلاف لذلك نقول شرع من قبلنا على أربعة ألحان يعني مراتبه أربعة شرع من قبلنا شرع ما قبلنا وجاء في شرعنا ما يدل على نسخها يعني ثبت بطريقة الكتاب والسنة أن هذا الحكم هو شرع لمن قبلنا إما أنه كان في التوراة أو في الإنجيل إلى آخره، وقد دل شرعنا على أن هذا الحكم منسوخ فحينئذ تكون هذه الأحكام الثابتة بشرع من قبلنا تكون خاصة بالأمم السابقة وهذا بالإجماع أنه ليس شرعاً لنا، مثاله قوله {وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً} هذه كانت تحية إذا التقى بعضهم ببعض خر له ساجداً لكنه يعتبر حكماً في شرع من قبلنا وبالإجماع أنه ليس شرعاً لنا لماذا؟ لحديث ما ينبغي لأحد أن يسجد لأحد ما ينبغي هذا أشد في التحريم ما ينبغي لأحد أن يسجد لأحد فحينئذ نقول هذا النص دل على أن السجود لا يعتبر تحية في شرعنا وهذا مُجمَع عليه، كذلك منه قوله صلى الله عليه وسلم وأُحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي هذا خاص بشرعنا وما وضع الله جل وعلا عن هذه الأمة من الآصال والآصال التي كانت على تلك الأمم هذه منسوخة أيضاً بالإجماع {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} نقول هذا مُحرَم على من سبق ولكن النبي صلى الله عليه وسلم بُعث بالملة السمحاء فحينئذ وُضع كل ما هو إصر وأغلال على كل من كان قبلنا إذاً إذا ثبت بالكتاب والسنة أن هذا الحكم قد كان شرعاً لمن قبلنا ثم دل شرع على أن منسوخ في حقنا هذا بالإجماع أنه ليس شرعاً لنا.
الثاني شرع من قبلنا وقد دل الدليل على أنه شرع لنا مثل القصاص {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} إلى آخره، {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا} يعني في التوراة {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} إذاً هذا الحكم هو شرع من قبلنا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى} حينئذ هذا دل على أن شرع من قبلنا أيضاً هو شرع لنا وهذا بالإجماع ولا خلاف فيه أن شرع من قبلنا شرع لنا لكن لا يُستدل بشرع من قبلنا بل يُستدل أنه شريعة الرب بالآيات الواردة أن القصاص هذا ثابت في شرعنا كذلك الصيام {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} إذاً الصيام مشروع لمن قبلنا بدليل الكتاب فحينئذ كتابته علينا إيجابه علينا بالإجماع أنه شرع لنا ولا خلاف إذاً هذا النوع الثاني يقابل النوع الأول وهو أن السابق أنه ليس شرعاً لنا بإجماع هذه المرتبة الثانية أنه شرع لنا بالإجماع، الثالث شرع لم يُذكر في شرعنا لأن العبرة في الحكم بكونه شرعاً لنا لابد له من مستند صحيح فما أُخذ من الإسرائيليات ولم شرعنا بأنه شرع لمن قبلنا فهذا ليس بمصدق وليس بمُكذَب فليس شريعة لنا بالإجماع لماذا؟ لورود النصوص الدالة على أن الأخبار التي تُؤخَذ من بني إسرائيل لا تصدقوها ولا تكذبوها كما جاء في عدة أحاديث إذاً هذا لم يُذكَر بأنه شرع لمن قبلنا لأن المستند في إثبات شرع من قبلنا هو أن يرد ذكره في الكتاب والسنة لابد أن يكون ثابتاً بطريق صحيح وليس عندنا طريق صحيح في إثبات الشرائع السابقة إلا الوحي فما ثبت في الوحي أنه شرع لمن قبلنا حينئذ نُثبت أنه شرع لمن قبلنا ثم يرد هل نُسخ هل جاء ما يؤيده في شرعنا إلى آخره، فما لم يُذكَر في شرعنا كالمأخوذ من الإسرائيليات هذا ليس شرعاً لنا باتفاق لذا نُهينا عن تصديق أهل الكتاب أو تكذبيهم لماذا؟ لأنه يحتمل إذا لم يُذكَر في شريعتنا أنه شرع من قبلنا فحينئذ إذا صُدِّق يحتمل أنه كذب وإذا كُذِّب يحتمل أنه كذب حينئذ لما لم يثبت بطريق صحيح لم يجز تصديقهم ولا تكذيبهم، الرابع شرع لمن قبلنا بأن ذكر في الكتاب والسنة ولم يرد ما يدل على أنه شرع لنا أو ليس بشرع لنا ذُكر في الكتاب والسنة على أنه شرع لمن قبلنا ولم يرد أنه ليس بشرع لنا أو أنه شرع لنا لم يرد أنه ليس بشرع لنا كما نُسخ من الآصال والأغلال ولم يرد أنه شرع لنا كما جاء في القصاص والصيام هذا هو محل النزاع بين الأصوليين هل هو شرع لنا أم لا؟ إذاً طرفان وواسطة طرفان شرع لنا باتفاق ليس شرعاً لنا باتفاق وواسطة لكن يُخرَج ما ليس مذكورا في الكتاب والسنة ويُجعَل في الطرف المنفي لأن المراحل أربعة اثنان ليس بشرع لنا وهو فيما إذا دل الدليل على نسخه أو يُذكَر في شرعنا هاتان الحالتان بالإجماع أنهما ليسا شرعاً لنا وما هو أو ما ثبت في شرعنا أنه ليس شرعاً لنا كالصيام والقصاص هذا بالإجماع أنه شرع لنا إذاً هذان طرفان متقابلان بالإثبات والنفي وكلامهما مُجمَع عليهما عند أهل العلم بقي الواسطة
وهو ما لم يدل دليل على أنه شرع لنا أو ليس بشرع لنا ودل الشرع كتاب والسنة على أنه شرع لمن قبلنا، هو الذي ذكره المصنف قال شرع من قبل هذا الأصل مُختَلف فيه هل شرع من قبلنا يعتبر شرعاً لنا أو لا؟ فإن قلنا شرع لنا حينئذ نُثبت الأحكام الشرعية بما دل عليه الدليل السابق وإن قلنا لا فحينئذ نقول لا تثبت به الأحكام الشرعية، وهو شرع لنا أي شرع من قبلنا وهو الضمير يعود إلى شرع من قبلنا وهو شرع لنا أمة محمد صلى الله عليه وسلم لماذا شرع لنا؟ لأنه ما ذُكر في شرعنا إلا من أجل العمل به لما يذكره الرب جل وعلا الأصل في القرآن أنه ما أُنزل إلا من أجل أن يُعمَل به من أوله إلى آخره هذا هو الأصل ما بين الدفتين هذا الأصل أنه مأمور به وما أُنزل القرآن إلا من أجل العمل به فكل ما يكون فيه ولم يرد نسخ فيه فحينئذ الأصل أن يُعمَل بع هذا ألأصل مضطرد فحينئذ من نفى نقول هو الذي عليه الدليل وليس من أثبت لأنه بالإجماع أن الأصل في إنزال القرآن هو العمل وليس مجرد العلم فحسب فحينئذ شرع من قبلنا إذا لم يدل شرعنا على أنه شرع أو ينفي فحينئذ نقول الأصل العمل به لماذا؟ لأنه ما ذُكر في القرآن إلا من أجل ذلك يعني أن نعتبر به ونعمل بما تضمن من أحكام، فهو شرع لنا، بعضهم استدل بقوله تعالى بعد أن ذكر الرب جل وعلا في سورة الأنعام عددا من الأنبياء قال {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} هذا أمر للنبي صلى الله عليه وسلم والأمر للنبي صلى الله عليه وسلم أمر لأمته كما سبق، الأصل أن ما أُمر به النبي صلى الله عليه وسلم فالأمة مأموره به أيضاً إلا بدليل يدل على الخصوصية وليس عندنا دليل، كذلك قوله تعالى {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ} عبرة إذاً لابد من الاعتبار والاعتبار ما الذي يترتب عليه ترك العمل أو العمل؟ العمل هو هذا الأصل فثمرة الاعتبار وثمرة التذكر وثمرة التعقل {أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ} {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} بعد ذكر القصص يدل على أنه هذه القصص التي ذكرت في القرآن عن أحوال الأمم السابقة ما ذُكرت إلا من أجل العمل والعمل هذا فرق عن الاعتبار كذلك ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في قصة الرُبيِّع وهذه مشهورة عند الأصوليين السن بالسن وهذا ما ثبت في شرع ما قبلنا لأنه قضى السن بالسن وتلا الآية {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} وهذا لم يرد نص في شرعنا على اعتبار السن بالسن فدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد عمل بشرع من قبلنا إذاً شرع من قبلنا نقول وهو شرع لنا، لكن عند الاستدلال نستدل به من حيث إنه وارد في كتابنا أو سنة نبينا صلى الله عليه وسلم لا من حيث إنه شرع لمن قبلنا لأننا لا نحكم إلا بما جاء به النبي ولا نحكم بما جاء به موسى أو عيسى عليهم الصلاة والسلام لماذا؟ لأن شريعة النبي صلى الله عليه وسلم ناسخة لجميع الشرائع فحينئذ نقول نعمل به من حيث إن شرعنا أتى به لا من حيث إنه شرع لمن قبلنا ولذلك أصل الجُعالة عند
الفقهاء {وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} هذه وردت في قصة يوسف عليه السلام {وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} قالوا الأصل في حل الجعالة هو هذا وهذا شرع لمن قبلنا، ما لم يرد نسخه هذا واضح وبيِّن أن ما ورد نسخه فليس شرعاً لنا بالإجماع ولا خلاف كوضع الآصال والأغلال التي كانت على ما قبلنا، وهو شرع لنا ما لم يرد نسخه في إحدى الروايتين عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى اختارها التميمي أبو الحسن التميمي من أصحابه وهذا قول الجمهور، وهو قول بعض الحنفية وبعض الشافعية لماذا؟ الأدلة السابقة، والأخرى لا وهو قول الأكثرين وهو بعض الحنفية تابع لما سبق والأدلة واحدة، والأخرى أي الرواية الأخرى عن الإمام أحمد تقابل الأولى وهو أنه ليس بشرع لنا لذلك قال والأخرى لا يعني لا يثبت أنه شرع لنا وإن ثبت شرع لمن قبلنا، لا وهو قول الأكثرين ونُسب الأول إلى قول الأكثرين ونُسب الثاني إلى قول الأكثرين لكن المُرجَّح هو الأول. لا وهو قول الأكثرين يعني شرع من قبلنا ليس بشرع لنا لقوله تعالى {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} فكل نبي مختص بشريعته قالوا إذاً لا يكون شرع من قبلنا شرعاً لنا لماذا؟ لأن الأصل الاختصاص بدليل قوله {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} نقول الأصل في مدلول هذه الآية هو كما هو في ظاهرها أن لكل نبي شِرعة ومنهاج يفارق غيره من الأنبياء لكن لا يمنع أن يكون بعض الشرائع متفقة كما هي في الأصول في العقيدة والتوحيد لا مانع أن تتفق في بعض الأحكام الشرعية ولذلك لو نُظر فيما هو مأخوذ من شرع من قبلنا في القرآن لعُد قليلاً تُعد على الأصابع حينئذ لا تعارض بين هذه الآية التي ظاهرها أن الله جعل لكل نبي شِرعة ومنهاجا وبين أن يكون شرع من قبلنا شرع لنا لا تعارض بينهما لماذا؟ لأن الغالب الأكثر الاستقلال كل نبي مستقل بشريعة ولا مانع من هذا أن يكون بعض الأنبياء قد استوى مع غيره في بعض الشرائع ولكن قيل أن المُرجح عن الأصوليين أن الحلافة هنا لفظي لماذا؟ قالوا لأن من نفى قال ليس شرع من قبلنا قد عمل به ولكن نسبه إلى شرعنا قال لأنه ما ذُكر إلا من أجل أن يُعمَل به فحينئذ يكون خلاف لفظي لأن كلا القولين قد تفرعا عليهما العمل بشرع من قبلنا من أثبت ومن نفى قد عمل بشرع من قبلنا إذاً كيف يختلفون هنا؟ الاختلاف في التأصيل هل نقول شرع من قبلنا أصل شرعي يعتمد في استنباط الأحكام الشرعية أم لا؟ من أثبت وهو قول الأكثرين فحينئذ لا إشكال فقد عمل بما جاء به شرعنا وهو شرع لمن قبلنا ومن نفى قال لا ليس شرعاً لنا ولكنه يعمل به أيضاً لماذا؟ لأن شرعنا ما ذكره إلا من أجل أن يُعمَل به فنسبه إلى شرعنا ولم ينسبه على شرع من قبلنا، إذاً الخُلف لفظي هذا هو الأصل الأول وهو شرع من قبلنا والصواب أنه شرع لنا على ما ذكرناه من محل النزاع يعنس ليس مطلقاً وإنما على التفصيل السابق.
وقول الصحابي الأصل الثاني مما أُختلف فيه هل هو أصل في التشريع أو لا قول الصحابي والصحابي سبق تعريفه حد الصحابي مسلماً لاقي الرسول وإن بلا رواية عنه وطول قال قول الصحابي الأصل في الصحابي أنه معصوماً أو ليس بمعصوم؟ ليس بمعصوم إذاً هو ليس بُمشرِّع من حيث هو من حيث ذاته ليس مشرعاً لكن لا يلزم من ذلك نفي الحجية عن قوله لماذا؟ لاحتمال كون القول مستنداً إلى قول خارجي عن كونه صحابياً فنفي العصمة لا إشكال فيها وإثبات الحجية لقوله لكونه مستند إلى أمر محتمل هذا أمر منفك عن الأول فحينئذ إذا قيل صحابي نقول الصحابي ليس بنبي وليس بمعصوم حينئذ إذا انتفت الرسالة والنبوة انتفت العصمة وثبت احتمال الخطأ لكن ثبوت احتمال الخطأ لا يلزم منه نفي الحجية عن قوله هذا مأخذ ممن رأى أن قول الصحابي حجة لكن بقيوم ذكر المصنف بعضها، وقول الصحابي إذا لم يظهر له مخالف قول الصحابي له درجات وله احتمالات قد يحتمل أو يظهر يكون ظاهره مما لا مجال للرأي فيه قول الصحابي يعني الذي لم يرفعه للنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل قال صلى الله عليه وسلم وإنما أُسند إليه فظاهره أنه من قوله هذا إذا ظهر عليه أنه مما لا مجال للرأي فيه فله حكم الرفع فحينئذ لا يدخل معنا في هذه المسألة لأنه صار مرفوعاً للنبي صلى الله عليه وسلم صار قولاً حكماً للنبي صلى الله عليه وسلم كما قال ابن مسعود يُؤتى بجهنم تُقاد بسبعين إلى آخره نقول هذا قول ابن مسعود أو له حكم الرفع؟ له حكم الرفع لأن ما الذي أدراه عن الأمور الغيبية ما يدري هذا لابد أن يكون من جهة الوحي كذلك ما رُوي موقوفاً عن ابن عمر رضي الله عنه أُحلت لنا ميتتان ودمان، الموقوف عند أهل الحديث أصح من المرفوع لو قيل على الموقوف بقطع النظر عن المرفوع قول ابن عمر أُحلت لنا ميتتان ودمان هذا ليس من قوله فحينئذ لا يحتمل الرأي أو الاجتهاد نقول إذا كان قول الصحابي لا يحتمل الرأي والاجتهاد حينئذ ثبت له حكم الرفع فصار حديثاً فحينئذ يُقدم على القياس وحينئذ إذا قابل عاماً خصه وإذا قابل مطلقاً قيده إذاً يأخذ الحكم الأصلي من جهة التقييد ومن جهة التخصيص والنسخ إلى غير ذلك لماذا؟ لأنه صار قولاً لمشرع وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم، قول الصحابي إذا اشتهر ولم يظهر له مخالف إذا قول الصحابي يعني قال قولاً فاشتهر علمنا أنه اشتهر ولم يظهر له مخالف من الصحابة نقول هذا إجماع السكوت الذي ذكرناه سابقاً قال البعض وسكت الآخرون ولم يُنقل أن ثم من أنكر واشتهر القول فحينئذ هذا إجماع السكوت على من يرى أنه حجة صار حجة ولا إشكال وعند الأئمة الأربعة أنه حجة إذاً ليس محلاً للنزاع، قول الصحابي إذا خالفه صحابي آخر لأنه قال إذا لم يظهر له مخالف ف‘إن ظهر له مخالف هل هو حجة؟ ليس بحجة على صحابي آخر بالإجماع اتفاق أن الصحابة إذا اختلفوا فيما بينهم لا يصير قول بعضهم حجة على بعض بالإجماع وهل هو حجة على من بعده من التابعين فيجب تقييده أم لا؟ محل نزاع إذاً هذه ثلاثة أنواع لقول الصحابي الأول ما لا مجال للرأي فيه وهذا له حكم الرفع الثاني إذا قال الصحابي قولاً وانتشر اشتهر ولم يُنكَر ولم يُعلَم له
مخالف هذا صار حجة على القول بأنه إجماع سكوتي وإجماع سكوتي ينطبق عليه الحد الثالث إذا خولف فحينئذ يصير قول الصحابي ليس حجة على الصحابي الآخر بالإجماع شيخ الإسلام رحمه الله تعالى يقول بالإجماع اتفاقاً أنه ليس حجة على آخرين من الصحابي، ماذا بقي؟ قول الصحابي إذا لم يُعلَم له مخالف ولم ُيعلَم مما اشتهر أم لا ومن مسائل الاجتهاد مما للرأي فيه مجال هذا هو الذي فيه نزاع هل هو أصل للتشريع أو لا إذاً قول الصحابي إذا لم يظهر له مخالف هذا قيد ولم يثبت فيه اشتهار وكان في المسائل الاجتهادية فإن كان مما لا اجتهاد فيه ثبت له حكم الرفع يُزاد عليه ولم يخالف نصاً من كتاب أو سنة يذكرون هذا القيد أنعه لم يخالف نصاً من كتاب أو سنة لكن ابن القيم رحمه الله تعالى يمنع وجود هذا يقول لو قيل لا وجود له لماذا؟ لأنه كيف يكون قول صحابي يخالف نص من كتاب أو سنة ثم لا يُعلَم له مخالف؟ ممكن؟ ما يُتصَور هذا لا يمكن أن يُقال بأن الزمن الأول قد خلا عن قائل بالحق البتة هذا باطل لأنه إذا صحابي خالف نص من كتاب أو سنة ولم يُعلَم له مخالف معناه لم يقل أحد بالحق فقد خلا ذاك الزمن عن ناطق بقول الحق لأن قول الصحابي إذا خالف كتاباً أو سنة حينئذ قوله ليس بسديد ليس بصائب خطأ كيف لم يُنكَر؟ كيف لم يُذكَر ما يقابل هذا القول؟ إذاً وجوده متعدي، لكن يذكر بعض الأصوليين أنه لم يخالف نصاً من كتاب أو سنة وتصييره مع عدم العلم بالمخالف أو وجود المخالف هذا فيه صعوبة، إذاً عرفنا بهذه القيود قول الصحابي هل هو حجة أم لا تُثبت به الأحكام الشرعية، فروي عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه حجة حجة شرعية لأن المسالة في إثبات الأحكام الشرعية مطلقاً سواء كان من الخلفاء الأربعة أو من غيرهم وهذا قول الجمهور أهل الحديث أكثر أهل الحديث على هذا بل نسبه ابن القيم رحمه الله تعالى إلى الأئمة الأربعة أنهم يرون أم شيخ الإسلام ابن تيمية نسبه إلى الأئمة الأربعة هم يرون أن قول الصحابي بالشروط المتقدمة أنه يعتبر حجة في إثبات الأحكام الشرعية يُقدَم على القياس إذا ثبت أنه حجة يُقدَم على القياس قوله يُقدَم على القياس فيه مقدمة مطوية وهي هذا من الاختصاص، فروي أنه حجة فإذا عُورض أو عارض القياس يُقدَم قول الصحابي على القياس هذا عند التعارض لماذا؟ قالوا لأنه إذا خالف القياس دل على أن قوله معتمد على شرع ولم يُنقَل فحينئذ بعضهم حكم على هذا القول المخالف للقياس وقيل أنه حجة أعطاه حكم الرفع وإلا القياس دليل شرعي وهذا مُجمع عليه بين الصحابة حينئذ إذا خالفه قول الصحابي فحينئذ ماذا يكون؟ يكون قول الصحابي هذا قد اعتمد على حجة لم تُنقَل إلينا ولذلك أعطاه بعضهم حكم التوقيف والرفع فحينئذ دل على أنه توقيف من صاحب الشرع فيكون حجة لا لذاته بل لما تضمنه قد تضمن ماذا؟ تضمن دليلاً لم يُنقَل إلينا إذاً الرواية الأولى أنه حجة فإذا عورض أو تعارض قول الصحابي مع القياس قُدِّم على القياس فالقياس يُؤخَّر وقول الصحابي يُقدَّم لماذا؟ لأنه كالنص قول الصحابي إن لم نقل نص فهو كالنص والنص مُقدَم على القياس، ويُخَصُّ به العموم وهذا محل إشكال لماذا؟ لأنه إذا كان قول الصحابي
حجة فإذا أُخذ فيما لم يثبت فيه دليل من كتاب أو سنة فالأمر سهل لا إشكال فيه ولكن إذا كان عندنا لفظ عام وعُلق عليه حكم فحينئذ الأصل ط
رد الحكم في كل فرد فرد من أفراد اللفظ العام حينئذ قد دل النص من كتاب أو سنة على أن الفرد الذي أُدعي أن قول الصحابي خصه أنه ثابت بالكتاب والسنة وإذا كان ثابتاً بالكتاب والسنة حينئذ يكون قول الصحابي ليس مقدماً على العام لأن العام بآحاده محكوم عليه بما حُكم عليه بالشرع فحينئذ يستلزم أن يكون كل فرد قد حُكم لما حكم عليه الشرع فحينئذ تخصيصه بقوله الصحابي هذا محل إشكال لأنه إذا أثبت به حكم شرعي لم يرد نصه في كتاب أو سنة نقول أمر سهل ولا إشكال لكن إذا ورد ولو بصيغة العموم نقول قد دل الكتاب والسنة على اعتبار هذا الفرد أنه داخل في حكم العموم حينئذ تخصيصه هذا فيه نظر، إلا إذا أُعطي حكم الرفع حينئذ ممكن أن يُقال بل الأصل أن يُخصص العام لأنه صار كالحديث المرفوع، وهو قول وهو أي القول بالحجية قول مالك وقديم قولي الشافعية وبعض الحنفية أنه حجة ويُقدم على القياس وهذا لا إشكال فيه وأما يخص به ويخص به العموم هذه عبارة ابن قدامة في الروضة ويخص به العموم والأصح أنه لا يخص به العموم إلا إذا كان له حكم الرفع لأن النصوص كما عبر الشيخ الأمين رحمه الله تعالى في المذكرة لأن النصوص لا تخص باجتهاد أحد لأنها حجة على كل من خالفها وليس قول الصحابي حجة عن اللفظ العام بل العكس هو الصواب ما الدليل؟ قالوا استدل من قال بحجيتها مطلقة يعني حجية أقول الصحابة بثناء الله جل وعلا عليهم {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} وقوله جل وعلا {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ} إذاً هذه آيات تدل على أن الصحابة أولى بالإتباع من غيرهم ولكن تدل نصاً على أقولهم حجة لا وإنما شاهدوا التنزيل وعلموا التأويل وعلموا من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يعلمه غيرهم فحينئذ نقول هم أولى بالإتباع وإن كان بعضهم يستدل بحديث أصحاب كالنجوم لكن هذا حديث ضعيف وقيل مكذوب موضوع.
قال ويُروى خلافه يعني خلاف القول السابق أنه حجة ويُروى خلافه أي ليس بحجة لجواز الخطأ عليهم كغيره ليسوا بمعصومين لكن الذي جعل من يقول أنه حجة ذكرناه في الأول ليس باعتبار الصحابي، الصحابي إذا نظرنا إليه أنه صحابي ليس بمشرع نقول نعم ليس بمعصوم وهذا مُجمَع عليه حتى من قال أن أقوالهم حجة بشطرها السابق يعلم أن الصحابة ليسوا بمعصومين ليسوا بمشرعين وإنما العصمة للأنبياء والرسل حينئذ كيف يكون مع هذه المقدمة أن الصحابة غير معصومين ثم يرى أن أقوالهم حجة بالشرط السابق نقول لا هنا النظر إلى القول وهو أثر الصحابة لما اعترض بما يقوي أنه معتمد بما يقوي أنه معتمد على أصل شرعي فحينئذ قال بحجيته ولذلك يقال أنه حجة ولكن ليست قطعية بل ظنية ليس قطعية لأنه لو كان قطعية لا يجوز خلافها بل قد يُبدَع من خالف لكن إذا قيل حجة ظنية حينئذ لا مانع من مخالفته، ويُروى خلافه أي أنه ليس بحجة لجواز الخطأ عليهم كغيرهم ولم تثبت عصمتهم وهو قال عامة المتكلمين وجديد قوي الشافعي يعني في مصر واختاره أبو الخطاب ونسبه إلى الجمهور دعوا النسبة إلى الجمهور هذه الكل يأخذ فيها ولكن العبرة بالأقوى والمستند الأقوى وإلا إذا نُسب القول إلى الجمهور نقول الجمهور ليس بدليل شرعي حتى يقوي القول أو غيره لا الجمهور كغيره لم تثبت عصمتهم العصمة ثابتة للاتفاق في اتفاق كل علماء العصر على قول أو على حكم شرعي بعد النبي صلى الله عليه وسلم، هذا الذي ثبتت به العصمة أما ما عداه ولو قيل أنه جمهور أهل العلم لذلك الشوكاني يقول ولا يهولنك سياق الجمهور أو كلمة قريبة من هذه يعني خالف ولا تلتفت إلى كلمة الجمهور لكن ينبغي أن يُقيَد خلاف الجمهور لا بأس لكن ينبغي أن يُقيَد بالتأني والتروي لأن عندما يُقال أن هذا القول عليه أكثر علماء الأمة وأكثر أتباع المذاهب الأربعة حينئذ يتأني الطالب وينظر ويستشير ويشاور أهل اللم ليس بمجرد كل من رأى قول وكتبه وسطره وأشاعه دون أن يرجع إلى أهل العلم الكبار كما هو حاصل الآن من الفوضى ونحوها فنقول خالف الجمهور لكن بدليل شرعي واضح بيِّن مع التأني والنظر ومشاورة أهل العلم وإلا كما يقول الشوكاني رحمه الله تعالى لا يهولنك سياق أو صوت الجمهور.
وقيل الخلفاء الأربعة يعني خص بعضهم قول الصحابي بأنه حجة إذا كان الذي اتفق عليه الخلفاء الأربعة يعني إذا أجمعوا على قول فهو حجة ما عداه فلا يعني الخلفاء الربعة ظاهره لو كان هناك خلاف إذا عُلق الحكم بأن قول الصحابي حجة إذا كان من الخلفاء الأربعة فيما إذا اتفقوا عليه ولو كان ثم مخالف نقول هذا قول واستدلوا إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين هذا دل على ماذا؟ عليكم هذا اسم فعل أمر حينئذ يقتضي وجوب اتباع الأئمة ألربعة الخلفاء الراشدين ولذلك الإمام أحمد ما يرى أنه يخرج عن أقوال الأئمة الأربعة هم الخلفاء الراشدين وقيل أبو بكر لكن من حيث الحجية هذا أمر آخر قول الناظر لا يخرج من أقوالهم يختار من أقوالهم هذا شيء وكونه يُحتج له على غيرهم فيُضلل ويُبدَع ونحو ذلك نقول هذا شيء آخر ولذلك كان ابن عباس خالف يخالف بعض الصحابة ولو كان من الأئمة الأربعة، وقيل أبو بكر وعمر فقط إذا اتفقا على قول فهو حجة وما عداه فلا اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر، إذاً هذه أقول أربعة فيما مسألة قول الصحابي وعلى ما ذكرناه عن ابن القيم رحمه الله تعالى أن الأئمة الأربعة وحُكي أنه جمهور أهل الحديث بالشروط السابقة أنه يعتبر حجة أما تعليقه على الأئمة الأربعة أو أبي بكر وعمر هذا مخالف للقول السابق نعم الأولى عدم الخروج ولا إشكال في هذا.
فإن اختلف الصحابة على قولين على قولين يعني مسألة فيها قولان مصل مسألة توريث الجد يرث لا يرث قولان يرث لا يرث لم يجز للمجتهد الأخذ بأحدهما إلا بدليل وقبل ذلك يُقال أنه لا يعتبر أحدهما حجة على الآخر بالإجماع نقل شيخ الإسلام الإجماع على ذلك انه لا يعتبر قول الصحابي حجة على قول صحابي آخر فإن اختلف الصحابة في مسألة ما على قولين فليس قول أحدهما حجة على الآخر بإجماع، لم يجز للمجتهد الأخذ بأحد القولين من دون دليل لابد أن ينظر في دليل كل قول لماذا؟ لأن السابق الذي ذكره أهل العلم من كونه حجة أو لا هذا بشرط عدم المخالفة فإن انتفى هذا الشرط انتفى الحكم المترتب عليه وهو أنه ليس بحجة فإذا لم يكن بحجة ماذا يحصل يكون قول الصحابة وغيرهم وتنظير البعض بأنه قول الصحابي مع الصحابي الآخر إذا تعارضا ليس بأولى من دليلين تعارضا في الكتاب والسنة أليس كذلك إذا تعارض كتاب وسنة ولا يمكن الجمع ماذا نطلب؟ نطلب المُرجِّح لابد من ترجيح خارجي وقول الصحابي مع قول الصحابي هل نتبع واحداً منهما دون دليل مُرجِح إن قلنا نعم جعلنا تعارض القولين بين الصحابيين أعلى وأقوى من تعارض دليلين الكتاب والسنة وهذا باطل وإنما لابد من النظر في قولي الصحابة من جهة ترجيح قول أحدهما على الآخر ويكون بالدليل لا بالتشهي والهوى.
لم يجز للمجتهد الأخذ بأحدهما أي الأخذ بالقولين من دون دليل إلا بدليل يعني مُرجِّح لماذا؟ لأنهم إذا اختلفوا ليسوا بحجة بعضهم على بعض فضلاً عن من بعدهم وأجازه بعض الحنفية والمتكلمين ما لم ينكر على القائل قوله ما لم يُنكر كأنه صور المسالة لها حالان يتعارض قولان هذا يقول بعض الصحابة بقول ويقول الآخر بقول آخر وقد يُنكر أحدهما على الآخر وإذا لم يُنكر حينئذ الأحناف يرون تأخذ بأي قول وإذا أنكر أحدهم على الآخر حينئذ لا لا تأخذ إلا بدليل شرعي وهذا ليس عليه دليل، وأجازه بعض الحنفية يعني تقييد الصحابي مع وجود الخلاف الأخذ بأحد قولي الصحابة دون دليل جوزه بعض الحنفية وبعض المتكلمين ما لم يُنكر على القائل قوله إذا قيل القولان أُطلق القولان ولم يُنكَر لكن كيف يقال لا يُنكَر لأن القول الثاني يستلزم إنكار الثاني قول الثاني يستلزم إنكار قول الأول والقول الأول يستلزم إنكار قول الثاني لأنه إذا قال بأن الشيء مُحرم هذا يستلزم أنه ينكر على من قال بالإباحة أو الكراهة وإذا قال أنه مباح يستلزم الإنكار على من رأى الوجوب حينئذ كل منهما نقول معارض للآخر، وأجازه بعض الحنفية والمتكلمين ما لم ينكر على القائل قوله فإذن أُنكر فحينئذ ليس له أن يأخذ بأحد القولين والصواب أنه لابد من الدليل إذا اختلف الصحابة لابد من النظر في الأدلة.
ثم الأصل الثالث الذي اختلفوا فيه الاستحسان هل هو دليل شرعي يصح إثبات الأحكام الشرعية بها أم لا؟ والاستحسان لغة كما ذكره في ألأصول عد الشيء حسن استحسنت الشيء إذا عددته حسن إذا عُد الشيء حسناً تقول استحسنت كذا إذا اعتقدت في قلبك أنه حسن وهو أي الاستحسان في اصطلاح الأصوليين العدول بحكم المسألة عن نظائرها لدليل خاص العدول بحكم المسألة العدول دل على الميل تميل أو يميل المجتهد أو الناظر عن حكم المسألة عن نظائرها إلى قطعها عن نظائرها لكن بدليل الخاص يعني تكون المسألة الأصل فيها أنها يُحكَم فيها بحكم نظائرها ولكن لا تُقطع عن نظائرها لكن لابد أن يكون بدليل خاص، العدول بحكم المسألة عن نظائره يعني قطعها عن نظائرها لدليل خاص ولذلك عبر العدول عن حكم شرعي يعني الميل عن حكم شرعي اقتضاه دليل شرعي في مسألة ما وحادثة ما إلى حكم آخر فيها وهذا العدول لابد وأن يكون مستمداً أو معتمداً على دليل شرعي من كتاب أو سنة وإذا نُظر بهذا المعنى حينئذ صار الاستحسان ترجيح دليل على دليل ولذلك أُنكر استقلاله وإفراده عما سبق لأنه داخل في كل ما سبق فإذا جاء اللفظ عاماً فالأصل في الحكم المُعلق والُرتب على اللفظ العام أن يصدق على كل فرد فرد على أفراد العام يأتي دليل ويستثني صورة أو حادثة لا ينطبق عليها الحكم المرتب على اللفظ العام هذا اسمه الاستحسان العدول بحكم المسألة عن نظائرها بدليل خاص نقول هذا داخل فيما سبق وليس بمستقل ولذلك أنكر بعضهم جعله دليلاً مستقلاً وهذا لا خلاف فيه كما سيذكره المصنف هنا عن أحمد وغيره فهو في الحقيقة ترجيح دليل على دليل يعارضه بمُرجح شرعي وباب التراجيح هذا لا ينكره أحد، لدليل خاص من كتاب أو سنة إذاً قطع الصورة أو الحادثة عن نظائرها بسبب دليل وهذا دليل يسمى عند الأصوليين سند الاستحسان مثل بيع التمر بالرطب حرام والعرايا ما حكمها؟ جائر إذاً العرايا عدول بحكم المسألة عن نظائرها الأصل فيها التحريم فأُعطيت الإباحة ونظائرها وبيع التمر بالرطب لأنه ربا فحينئذ اُستثنين هذه المسألة وهي بيع العرايا لماذا؟ لدليل خاص إذاً نقول هذا من باب الاستحسان أو أنه ثبت بدليل خاص؟ صبت بدليل خاص لماذا يسمى استحساناً؟
قال القاضي يعقوب الاستحسان مذهب أحمد رحمه الله وهو أن تترك حكماً إلى حكم هو أولى منه بدليل شرعي تركت الحكم حكم الربا أو التحريم في العرايا لدليل خاص فأثبت حلها قال الحكم أو الاستحسان أن تترك حكماً إلى حكم هو أولى منه لكنه بدليل شرعي ث قال المصنف وهذا لا ينكره أحد هذا باتفاق مُجمَع عليه أن النص إذا دل نص آخر على عدم اعتبار ذلك الحكم السابق في حادثة ما فإنه يُعدل بذلك الحكم عن نظائره فيُقطَع عن نظائرها هذا لا خلاف فيه إذاً لماذا يُعد دليلاً مستقلاً وهذا لا ينكره أحد أي الاستحسان بهذا المعنى متفق عليه وليس مذهب احمد رحمه الله تعالى فقط.
ثم قال وقيل يعني في تعريف الاستحسان وقيل في تعريف الاستحسان دليل ينقدح في نفس المجتهد لا يمكنه التعبير عنه وقيل دليل ينقدح في نفس المجتهد لا يمكنه التعبير عنه المعنى الأول هذا متفق عليه تفسير الاستحسان بأنه العدول الميل بحكم المسألة عن نظائرها بدليل خاص بها هذا لا خلاف فيه بين الأئمة ولكن فُسر الاستحسان بين ألأئمة بمعنى آخر ولذلك جُعل الاستحسان من الألفاظ المجملة لماذا؟ لأنه يحتمل معنى حقا ويحتمل معنى باطلاً فالمعنى الحق وهو ما ذكره أولاً فالاستحسان له معنيان معنى هو حق ومعنى هو باطل المعنى السابق العدول بحكم المسألة نظائرها هذا حق متفق عليه ولذلك قال المصنف هذا لا ينكره أحد وقيل في حده وهو معنى فاسد دليل ينقدح في نفس المجتهد لا يمكنه التعبير عنه، دليل إذاً هو دليل انقدح في نفس المجتهد يعني حدثته نفسه بذلك الدليل عبر عنه ائت به قال لا أستطيع كيف يكون دليلاً ولا يمكنه التعبير عنه؟ لعله من إلهام الصوفية هذا، وليس بشيء أي هذا الاستحسان بهذا المعنى ليس بشيء لماذا؟ لأنه لو كان دليلاً حينئذ الدليلين هما الكتاب السنة وإما أن يُنطق به فيدل على النص بعينه بلفظه وإما أن يدل على فحواه فحينئذ إما أن يدل على المنطوق أو على المفهوم وهذا يكون بالنطق باللفظ فإذا انقدح في نفسه دليل ولا يمكن التعبير عنه نقول هذا ليس بكلام فإذا لم يكن كلاماً حينئذ انتفت الأدلة كلها الكتاب والسنة والإجماع والقياس إذاً ليس واحداً منها لذلك هذا باطل وإذا ورد عن السلف الطعن في الاستحسان فمرادهم مثل هذه المعاني ولذلك الشافعي رحمه الله تعالى اشتهر عنه من استحسن فقد شرَّع لماذا؟ لأنه لو كان بالمعنى السابق شرَّع بحكم الشرع لم يستحسن من نفسه وإنما اعتمد على دليل شرعي ولكن لو انقدح في نفسه دليل ولم يمكن التعبير عنه وإنما يتكلم بالأحكام الشرعية يعني يمكن التلفظ بالحكم الشرعي وإذا قيل عنه عبر عن دليل قال لا أستطيع خذا تناقض هذا وليس بصحيح إذاً هذا فاسد فلو أُثبتت الأحكام الشرعية بمثل هذه الأوهام وهذه الإلهامات نقول هذا باطل ويُنزَّل عليه قول الشافعي وغيره، وقيل ما استحسنه المجتهد بعقله هذا أقل لماذا؟ لأن العقل ليس مُشرعاً وإنما العقل يستعمَل في درك المعاني فقط استنباط هذه وظيفة العقل لكن هل يستقل العقل دون نظر في كتاب أو سنة فيصدر أحكام شرعية حلال وحرام نقول لا ليس العقل مصدراً من مصادر التشريع والهوى ليس مصدراً من مصادر التشريع وحديث النفس ليس مصدراً من مصادر التشريع محصورة في الوحي فقط فكل ما كان في الوحي فهو من الدين وكل ما لم يكن من الوحي فليس من الدين قاعدة كل ما كان في الوحي فهو من الدين فإذا جاء شيء ليس من الوحيين حينئذ نحكم عليه بأنه ليس من الدين ولو كان بالعقل ولو أصحابه أنهم أرباب العقول وأنهم وأنهم إلى آخره كما هو طريقة الفلاسفة ونحوهم، وحكي عن أبي حنيفة أنه حجة يعني ألخير هذا لكن هذا باطل لا يثبت عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى تمسكاً بقوله تعالى {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} أين هذا من هذا؟ لورود الآية في معرض الثناء والمدح لمتبع أحسن القول لكن ليس بعقله لأن
اتباع أحسن القول هذا يكون بما دل عليه القول وليس بما استقل به العقل وهنا يُقال ما استحسنه المجتهد بعقله إذاً العقل صار مصدراً فيتبعون أحسنه يعني أحسن القول وأحسن القول إنما يكون لفظاً يعني مصدره الكتاب والسنة، كدخول الحمام بغير تقدير أجرة وشبهه يعني هذه المسألة فيها استحسان دون دليل شرعي لكن الاستدلال هنا كما ذكرناه سابقاً نحن في باب الأصول فلا تثبت الأصول بالأحكام الفرعية، كدخول الحمام هذه مسألة فرعية أراد أن يُثبت بها حكماً أصلياً وهذا خلاف الأصل وإنما تُثبت الأصول بالأدلة الكلية العامة والفروع تُنزَل على تلك الأصول فحينئذ نستنبط تلك الفروع م تلك الأصول أما أن يُؤصَّل على فرع فهذا خلاف الأصل كدخول الحمام بغير تقدير أجرة الماء المصبوب ولا للزمن وشبهه قالوا كشرب الماء من أيدي السقاءين من غير تقدير أجرة كل ما تعارف عليه الناس فحينئذ إذا لم يعين له شيء معين من ثمن ونحوه قالوا هذا دليله الاستحسان نقول لا ليس دليله الاستحسان بل عموم قوله تعالى {وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ} وهذا عقد والثمن ونحوه إذا كان العرف مضطرداً في شيء ما فحينئذ الشرط العرفي كالشرط اللفظي فعدم التقدير في مثل هذه المحقرات عند الناس ذلك كونها مستحسنة من جهة الشرع لا نقول هو عقد الأجرة عندما تركب سيارة قد لا تتفق معه على أجرة معينة نقول شرط صحة عقد الإيجارة أن يكون الثمن معلوماً فتمشي معه على عشرة على حسب المكان نقول عشرة هذه ما الذي دل عليه هل هي استحسان أم لا؟ ليس استحسان لماذا؟ لأن العرف قد دل أن الثمن إذا كان معلوماً فحينئذ صار كالشرط لأنه صار مضطرد في كل الأحوال حينئذ يُنزل الشرط العرفي منزلة الشرط اللفظي كأنه اتفق معه مباشرة وإلا صحت الإيجارة لو قلنا الثمن مجهول ولم يُجعَل الشرط العرفي كالشرط اللفظي نقول الإيجارة باطلة هذه وأنت آثم ركبت مال غيرك دون إذنه وهو أخذ العشرة بطلان يعني المال يكون حرام في حقه لماذا؟ لأنه أخذه بغير وجه شعري ولا يحل أن يُنقَل مال من جهة إلى جهة إلا على وجه شرعي وهذه وقعت على وجع باطل وليس بشرعي نقول الأصل أنها عقود وهي داخلة في قوله تعالى {وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ} فهي من العقود التي أباحها الله والاضطراد العرفي كاللفظ الشرطي. وشبهه مثله يعني كل ما اضطرد العرف على عدم تقديره فليس من باب الاستحسان وإنما هو عقد صحيح وروعي فيه عدم العلم بالثمن للعرف فقط.
ثم قال والاستصلاح يعني والأصل الرابع الذي اختلف فيه الأصوليون هل هو أصل للتشريع أم لا الاستصلاح الاستصلاح استفعال طلب الصالح فكل ما فيه صلاح فإنه مشروع وما ليس كذلك فلا، الاستصلاح ما هو الاستصلاح عرفنا الاستصلاح في اللغة طلب الصالح أو طلب الصلاح ذاك أو ذاك، وهو اتباع المصلحة المرسلة المصلحة مفعلة كمنفعة من جهة المعنى والوزن يعني المنفعة مصلحة وزنها واحد ومعناهما واحد والمرسلة المُفعلة اسم مفعول من الإرسال والمراد به الإطلاق يعني هذه المنفعة التي إذا ثبتت ثبتت الأحكام الشرعية معها هذه المصلحة مطلقة، طلقة على أي شيء؟ على اعتبار الشرع لها أو إلغاؤها فحقيقة المصلحة المرسلة أن يقال المصلحة من حيث هي على ثلاثة مراتب مصلحة قد اعتبرها الشرع يعني جاء الدليل على أنها مصلحة معتبرة فرتب الحكم الشرعي عليها فكل أمر في الشرع واجباً أو ندباً فهو متضمن لمصلحة لأنه كما سبق مراراً أنه لا يأمر الشارع غلا بما مصلحته خالصة أو راجحة فالصلاة نقول هذه فها مصلحة تعلق القلب بالله جل وعلا إلى آخره فنقول هنا ثبتت المصلحة واُعتبرت من جهة الشرع بدليل أمر الصلاة لما وُجدت المصلحة أمر بالصلاة فصارت المصلحة هنا مقتضية للصلاة هل اعتبرها الشرع؟ نقول نعم بدليل أمر إذاً هنا مصلحة معتبرة من جهة الشرع يقابلها مصلحة ملغاة من جهة الشرع يعني دل الدليل على عدم بطلانها دل الدليل على أنها غير معتبرة بل هي ملغي ملغاة شرعاً وهذه المصلحة سميت مصلحة من ماذا من أي حيثية؟ ليست من جهة المصلحة من حيث هي وإنما باعتبار الناظر فالخمر فيها مصلحة عند شاربها أليس كذلك لكن جاء الشرع فأبطل تلك المصلحة نقول ماذا؟ هذه المصلحة ملغاة كذلك الفوائد فوائد الربا هذه فيها مصلحة تضع مائة ألف وأنت جالس في الألف تأتيك فوائد نقول هذه مصلحة أو لا؟ مصلحة باعتبار الشخص نفسه نقول هذه المصلحة ملغاة اعتبرها الشارع ضدها وهو النهي عن الربا فلما نهى عن الربا علمنا أن هذه المصلحة ملغاة فلما حرم الخمر علمنا أن المصلحة المترتبة عليها قال {فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} علمنا أن المصلحة المرتبة على الخمر ملغاة إذاً متقابلان مصلحة معتبرة جاء الشرع بتقريرها وتثبيت الحكام وتفريع الحكام عليها ومصلحة ملغاة، النوع الثالث مصلحة مرسلة مطلقة، مطلقة عن ماذا؟ لم يرد ما يعتبرها ولم يرد ما يلغيها هذا البحث فيها الآن المصالح المعتبرة شرعاً هذا لا إشكال فيها متفق على اعتبارها والمصلحة الملغاة شرعاً لا شك في اعتبارها من حيث اعتبار الأحكام المنهية عليها وأما المصلحة المرسلة التي أطلقها الشرع فلم يقيدها باعتبار ولا إلغاء هذا الذي سيذكره المصنف هنا، قال والاستصلاح وهو اتباع المصلحة المرسلة المراد باتباع ما هو بناء الفروع على ذلك الأصل لأن اتباع المصلحة المرسلة صار أصلاً شرعياً تُستمَد منه الأحكام الشرعية اتباع المصلحة المرسلة إلى آخره ينبني عليه تفريع الأحكام على ذلك الأصل وهو المراد باتباع المصلحة المرسلة والمراد باتباعها بناء الفروع على مقتضاها التي تحقق نفعاً للعباد، وهو اتباع المصلحة المرسلة من جلب منفعة أو دفع مضرة لأن المصلحة قد تكون في
جلب المنفعة وقد تكون المصلحة في دفع المضرة وهذا يكاد يكون تعريف للمصلحة تعريف عام للمصلحة التي لا خلاف فيها بين الفقهاء أن من جلب المنفعة ودفع المضرة فهو مصلحة ثم تنقسم باعتبار الشرع لها أو إلغائها أو عدم اعتبارها أو إلغائها إلى ثلاثة أقسام، من غير أن يشهد لها أصل شرعي هذا اخرج ما اعتبره الشرع وأخرج ما ألغاه الشرع يعني المصلحة التي ألغاها الشرع أخرجها بقوله من غير أن يشهد لها أصل شرعي وقوله من غير أن يشهد لها أصل شرعي أيضاً أخرج المصلحة المعتبر إذاً بقي المرسلة، من غير أن يشهد لها أصل شرعي ما المراد هنا بنفي الأصل الشرعي؟ المراد به نفي الدليل الخاص يعني لم يرد بشأنها دليل معين خاص في إثباتها أو إلغائها وإنما ثبت اتباع المصالح المرسلة بالدليل العام الدليل الكلي وهو قواعد ومقاصد الشريعة ومقاصدها هي التي دلت على المصالح المرسلة وهذا دليل كلي عام فكل ما دلت المقاصد الشرعية على أنه مصلحة قلنا هذا مصلحة مرسلة حينئذ في جلب منفعة أو دفع مضرة.
من غير أن يشهد لها أصل شرعي أي نص معين باعتبار ولا إلغاء ولكنها تُفهَم من مقاصد الشريعة وعموماتها وهذه المصلحة التي لم يشهد لها أصل هذا في الاعتراف بها نزاع عند الأصوليين بعضهم يرى أنه ليس في الشرع مصلحة إلا وقد أمر الرب جل وعلا بمقتضاها لعموم قوله تعالى {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ} فكل مصلحة في جلب منفعة فهي داخلة في قوله تعالى {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} وكل مصلحة في دفع مفسدة فهي داخلة في قوله {وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ} وعليه لا اعتبار بهذا الأصل أولا وانتهاءاً، ولذلك شيخ الإسلام له كلام يقول من اعتبر مصلحة لم يدل الدليل على اعتبارها فهو إما أنه قد اعتبر مصلحة ما ليس بمصلحة أو اعتبر ما ليس بمصلحة أنه مصلحة وإما لقصور في فهمه ونظره وهذا يؤديه الشيخ الأمين في شرح هذا الكتاب، لكن على ما ذكره المصنف أو المشهور هنا قال وهي إما ضرورية وإما حاجي أو تحسيني، المصلحة من حيث هي إما أن تكون مصلحة لدرأ المفاسد وهذه عنون لها الأصوليون بالضروريات الخمس سيذكرها المصنف هنا وهي الدين والنفس والمال والعرض والعقل والنسب هذه ستة بعضهم يجعل بدل العرض النسب وبعضهم يجعل النسب بدل العرض وبعضهم يزيد النسب على العرض وهذا الشيخ الأمير يقول لابد منه لأن ثم فرق بين النسب والعرض حينئذ صارت ستة الدين والنفس والمال والعرض والعقل والنسب إذاً درا المفاسد مصلحة درأ المفاسد وشُرع لها حفظ الضروريات الخمس أو الست هذه مصلحة الثاني مصلحة جلب المصالح جلب المنافع وشُرع لها ما يرفع الحرج عن الأمة وهو ما يسمى عندهم بالحاجيات يعني دون الضروريات الضروريات لابد منها قد يحصل خلل في المجتمع أو في علاقات الناس بعضهم ببعض عند فوات هذه الضروريات وأما الحاجيات لا الدين والنفس والعقل إلى آخره تكون محفوظة وإنما يكون فيما زاد على ذلك فيما يحتاجه الناس في المعاملات ونحوها، الثالث الجري على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات وهذا ما يُعرَف بالتحسينيات كخصال الفطرة وتحريم المستقذرات ونحو ذلك يسميها بعضه التميمات إذاً المصالح من حيث هي إما جلب مصلحة وإما درا مفسدة وإما مكملات وتحسينات، جلب المصالح هذا معنون له بالحاجيات ودرأ المفاسد هذا معنون له بالضروريات ومكارم الأخلاق والجري على محاسن العادات هذا ما عنون له بالتحسينات. هل المصلحة المرسلة تدخل هذه الأنواع الثلاثة أم لا؟ هذا محل نزاع.
قال وهو أي ابتاع المصلحة المرسلة أو الذي لم يشهد له أصل شرعي أو إن شئت فاقطع الكلام عما سبق يقرر كلام مبتدأ جديداً لأن قوله وهو الضمير مرجع الضمير فيه نوع إشكال وإن كان الأصل أنه إلى أقرب مذكور، وهو أي ما لم يشهد له أصل شرعي إما ضروري وإما حاجي أو تحسيني ولكن هذا فيه إشكال لأنه مثَّل للضروري بما هو متفق عليه ولكن المعنى الذي يقتضيه ما سيذكره المصنف أن يكون مطلق الكلام من حيث المصلحة من حيث هي ثم يرتب هل هذه تشملها المصالح المرسلة أو لا، وهو إما ضروري كقتل الكافر المُضل لحفظ الدين وعقوبة المبتدع الداعي حفظاً للدين إذاً قتل الكافر مشروع شُرع مُجمَع عليه لكن بشرطه والمقصود منه حفظ الدين إذاً هذا من الضروريات كل ما يحفظ الدين فإذا أوجبه الشرع أو حرمه نقول هذا من الضروريات إذا كان له ارتباط بحفظ الدين نقول هذا من الضروريات مثَّل بقتل الكافر المضل وعقوبة المبتدع الداعي حفظاً للدين، إذاً كل منهما من أجل تمام وإتمام حفظ الدين شُرع هذه المصلحة حينئذ إذا قيل بأن المصنف يريد وهو المصلحة المرسلة قتل الكافر هنا نقول شهد الشرع باعتبار المصلحة وعقوبة المبتدع شهد الشرع باعتبار المصلحة فأين المصلحة المرسلة؟ المصلحة لم يشهد لها الشرع لا باعتبار ولا بإلغاء وهذا المعتبر فإذا أمر الشرع نص على شيء فالمصلحة معتبرة وإذا نهى عن شيء فحينئذ نقول المصلحة في دفع المضرة معتبرة، إذا لم يرد ذاك ولا ذاك وثبتت المصلحة حينئذ نصلحه بدرأ المفاسد أو جلب المصالح وأما قتل الكافر وعقوبة المبتدع هذا لحفظ الدين هذا منصوص عليه أجمع السلف على عقوبة المبتدع وقد نص القرآن على قتل الكافر حفظاً للدين والقصاص حفظ للنفس هذا مجمع عليه في النص {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} فحينئذ نقول القصاص هذا شُرع وأُمر به لمصلحة معتبرة شرعاً وهي حفظ النفس، وحد الشرب أيضاً حفظاً للعقل وللتصرف أيضاً، وحد الزنا حفظاً للنسب والقطع حفظاً للمال، إذاً هذه أمثلة للضروريات الخمس وهذه الأمثلة كلها مما اعتبره الشارع، فذهب مالك وبعض الشافعية إلى أن هذه المصلحة حجة لماذا؟ قالوا لأن الشريعة ما وُضعت إلا لتحقيق مصالح العباد ولذلك الرسل إنما بُعثت لتحصيل المصالح وتكوينها وتعطيل المفاسد وتقليلها فحينئذ كل ما كان فيه حفظ للدين أو حفظ للنسب أو حفظ للعقل إلى آخره ولم يرد نص بإيجابه أو تحريمه فنقول هذا مصلحة مرسلة فيُتبع الأول فيكون من الضروري فيأخذ حكمه إما بالإيجاب أو بالمنع والصحيح أنه ليس بحجة، رجَّح المصنف تبعاً لابن قدامة أنه ليس بحجة لماذا؟ لما ذكرناه سابقاً أن الشريعة كاملة فما من مصلحة وُجدت إلا وثم حكم الله ما من أمر وُجد في الشرع إلا وثم مصلحة وأما القول ألآخر فهذا خطا ما مصلحة إلا وثم حكم الله هذا يختلف باختلاف ألأنظار لذلك رُد على الطوخي على مسائل المصالح المرسلة في هذه المسألة، والصحيح أنه ليس بحجة لأن الشريعة كاملة فما ذُكر أو نُظر إلى أنه مصلحة إلا وقد أمرت به الشريعة فحينئذ تصور مصلحة حيث لا أمر نقول هذه مصلحة غير حقيقية بل هي مُتوهَمة وكل ما ورد عن الصحابة من كتابة الداويين إلى آخره وجمع
المصحف فهو داخل تحت عمومات أخرى.
وإما حاجيّ حاجيّ يعني نسبة إلى الحاجة يعني ليس في مقام الضروري لا يترتب عليه فساد دين ولا عقل إلى آخره بل هو دون ذلك بكثير، كإباحة العرايا السابقة وإباحة الصيد والطيبات وبعض المعاملات نقول هذه كلها من الحاجيات مثَّل المصنف هنا بتسليط الولي على تزويج الصغيرة لتحصيل الكفء خشية الفوات، كتسليط يعني جبر الولي الأب وإما غيره فلا على تزويج الصغيرة لتحصيل الكفء خشية الفوات نقول هذا من الحاجيات وهو مصلحة اعتبرها الناظر في كون الصغيرة لا تُدرك بنفسها كون ذاك الرجل كوفئاً أم لا حينئذ جاز للأب إجبارها لكن المثال فيه نظر هذا.
أو تحسيني نسبة إلى التحسين والتزيين كالولي في النكاح صيانة للمرأة عن مباشرة العقد صيانة للمرأة يعين لم شرع الشرع الولي في النكاح لم قال لا نكاح إلا بولي؟ قال صيانة للمرأة عن مباشرة العقد لأن المرأة لو زوجت نفسها لاستفيد من ذلك الميل إلى الرجال كأنه يُفهَم منها أنها تريد الرجال وهذا فيه نوع خدش للحياء فصيانة لهذه المرأة على أن تخدش حياءها أو يُفهَم منها الميل إلى الرجال شرع الشرع الولي، لكن هذا ليس بظاهر لماذا؟ بل يكاد يكون من الضروريات لماذا؟ لأنه قال لا نكاح إلا بولي لو كان من التحسينيان لما قال لا نكاح إلا بولي لما جعله شرطاً ونفى حقيقة النكاح وإنما هو من الضروريات فإذا نفى الشرع وجوده من جهة الشرع نقول هذا من الضروريات، كالولي في النكاح صيانة للمرأة عن مباشرة العقد الدال على الميل إلى الرجال، فهذان لا يتمسك بهما بدون أصل بلا خلاف يعين الحاجي والتحسيني نقول هذا ليس بالمتمسك المصلح المرسلة وإنما يُنظر فيهما في المصالح المرسلة إذا كانت من الضروريات على الخلاف وأما التحسيني والحاجي هذا فيه نزاع لكن ذكر المصنف هنا عدم الخلاف في الحاجي وهذا ليس بسديد بل الإمام مالك رحمه الله يسوي بين الضروري والحاجي وإنما الذي يكاد يكون فيه اتفاق هو التحسيني إذاً الاستصلاح هو ماذا هو اتباع المصلحة المرسلة يعني الوصف الذي لم يشهد الشرع لا بإلغائه ولا باعتباره وخلاصة ما ذكره المصنف هنا أن المصلحة المرسلة إن كانت من الحاجيات أو التحسينيات فهو لا يعلم خلافاً في منع التمسك بها على ما ذكره لا يعلم خلافاً على منع التمسك بها لأنها وضع حكم بغير دليل لأن الأول بالاستقراء استقراء الشرع أن الضروريات مردها إلى الخمس إذاً لها أصل فكل ما كان فيه حفظاً لأحد هذه الضروريات الخمس فه أصل فإذا اعتبر مصلحة مرسلة وألحق الحكم بالضروريات الخمس إذاً اعتمد أصلاً على القول بأنه حجة وأما الحاجي والتحسيني فليس لها ضابط لم تنضبط حينئذ لما أحلق مرسلة بالحاجي أو التحسيني نقول اعتمد أصلاً لم يوضع لكن الإمام مالك رحمه الله يعتمد الحاجي كما هو في الضروري إذاً إن كان من الحاجيات أو التحسينيات فهو لا يعلم خلافاً في ضع التمسك بها لأنها وضع حكم بغير دليل وإن كانت من الضروريات فهي فيها أو محل خلاف والصواب عند المصنف أنه ليس بحجة والأولى أنه لا يقال الاستصلاح أصل من أصول التشريع وعليه يقول المصنف هنا في شرع من قبلنا وقول الصحابي والاستحسان قد رجَّح أنها أصول أو لا لأنه قال وثم أربعة أصول أُخر مُختلف في الاحتجاج بها شرع من قبلنا الراجح أنه حجة وقول الصحابي بشرطه الراجح عند المصنف هنا أنه حجة والاستحسان بالمعنى الأصلي العدول عن حكم مسألة وقطع إلى غيرها بدليل شرعي هو أيضاً حجة متفق عليها، إذاً هذه ثلاثة أشياء أصول مُختلف فيها والأصح أنها حجج شرعية وأما الاستصلاح فليس بحجة شرعية.
ومما يتفرع عن الأصول المتقدمة القياس والقياس يحتاج على كلام طويل نقف عند هذا، وصل اللهم وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.