المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌شرح: باب: إذا بقي في حثالة من الناس: - شرح كتاب الفتن من صحيح البخاري - عبد الكريم الخضير - جـ ٤

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌شرح: باب: إذا بقي في حثالة من الناس:

فتكثير سواد المشركين أو الخوارج أو البغاة لا شك أن مثل هذا يفت في عضد المسلمين، وفي عضد الطائفة راجحة الكفة، المبغي عليها، المطلوب نصرها، والقتال معها، فمثل هذا خلاف ما أراد الله عز وجل، فهنا ظلمٌ للنفس بلا شك.

الحديث من كلام ابن عباس، يرويه عنه عكرمة، يريد أن يكفه عن تكثير السواد فضلاً عن القتال، وفي هذا ما يؤيد نفي ما نسب إلى عكرمة من كونه يرى رأي الخوارج، هذا الحديث وإن كان من كلام ابن عباس إلا أن له حكم الرفع، له حكم الرفع لماذا؟ لماذا؟

طالب:. . . . . . . . .

هاه، له حكم الرفع لأنه متعلقٌ ببيان سبب نزول آية، ببيان سبب نزول آية، تفسير الصحابي يرى الحاكم أنه مرفوع، والجمهور خصوا من ذلك ما يتعلق بأسباب النزول، قالوا: له حكم الرفع.

وعدوا ما فسره الصحابي رفعاً

فمحمولٌ على الأسبابِ

محمول على أسباب النزول وليس مطلق، يعني ليس كل تفسير للصحابي حكمه الرفع كما يقول الحاكم، وهنا معلق بنزول آية، فله حكم الرفع، لماذا؟ لأن نزول الآية لا بد أن يكون النبي عليه الصلاة والسلام طرف، طرف في الموضوع وإن لم يذكر؛ لأن النزول إنما يكون عليه عليه الصلاة والسلام، نعم.

‌شرح: بابٌ: إذا بقي في حثالة من الناس:

بابٌ: إذا بقي في حثالة من الناس.

ص: 14

حدثنا محمد بن كثير قال: أخبرنا سفيان قال: حدثنا الأعمش عن زيد بن وهب قال: حدثنا حذيفة قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر، حدثنا:((أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم عملوا من القرآن، ثم عملوا من السنة)) وحدثنا عن رفعها قال: ((ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل أثر الوكت، ثم ينام النومة فتقبض فيبقى فيها أثرها مثل أثر المَجْلِ كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبراً، وليس فيه شيء، ويصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة فيقال: إن في بني فلان رجلاً أميناً، ويقال للرجل: ما أعقله! وما أظرفه! وما أجلده! وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان)) ولقد أتى علي زمان ولا أبالي أيكم بايعت، لئن كان مسلماً رده عليّ الإسلام، وإن كان نصرانياً رده علي ساعيه، وأما اليوم فما كنت أبايع إلا فلاناً وفلاناً.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "بابٌ: إذا بقي في حثالة من الناس" يعني أناس لا خير فيهم، أناسٌ لا خير فيهم، وهم من رفعت الأمانة من قلوبهم، فيما دل عليه الخبر.

يقول رحمه الله: "حدثنا محمد بن كثير –العبدي- أخبرنا سفيان -الثوري- حدثنا الأعمش -سليمان بن مهران- عن زيد بن وهب -الجهني- قال: حدثنا حذيفة -بن اليمان- قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين" حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين، إما أن يكون المراد حديثين في مجلسه، وإلا فقد حدثهم النبي عليه الصلاة والسلام ألوف الأحاديث، "حدثنا حديثين" إما أن يكون المراد به في نفس المجلس، أو في موضوع ذكر الأمانة ورفعها، قد يقول قائل: إن لحذيفة بن اليمان أحاديث، فكيف يحصر بحديثين؟ يقال: إن المراد بذلك إما أن يكون في المجلس نفسه، حدثهم في ذلك المجلس بحديثين، أو يكون في موضوع الأمانة ورفع الأمانة هذين الحديثين.

ص: 15

"رأيتُ أحدهما" يعني أدركت، حصل، أحدهما حصل، والثاني يُنتظر، "وأنا أنتظر الآخر، قال: حدثنا أن الأمانة" يعني المذكورة في قوله -جل وعلا-: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا} [(72) سورة الأحزاب] يعني لأن أمرها عظيم "نزلت -هذه الأمانة- في جذر قلوب الرجال" في أصلها، في عمق القلوب نزلت هذه الأمانة، المراد بها إما الفطرة، أو العهد الذي أخذ عليهم وهم في أصلاب آبائهم، أو التزام التكاليف، المقصود أن هذه الأمانة نزلت في عمق القلوب، "ثم علموا من القرآن" زيادة على هذه الأمانة التي نزلت في جذر القلوب وعمقها فتأكدت "ثم عملوا من السنة" إضافة إلى ذلك، فترسخت الأمانة في قلوبهم، هذا حال الصحابة -رضوان الله عليهم-، وحال من اقتفى أثرهم ممن لم يغير ولم يبدل، ولد على الفطرة، وتعلم العلم الشرعي من أبوابه، معتمداً في ذلك على الكتاب والسنة، مثل هذا في الغالب الله سبحانه وتعالى يعينه ويثبته ويسدده، ولا تميلُ به الأهواء غالباً، "ثم علموا من السنة" إشارةً إلى أن الاهتمام ينبغي أن يكون لكتاب الله عز وجل عند كل مسلم، وعلى وجه الخصوص عند طلاب العلم، "ثم علموا من القرآن، ثم علموا من السنة" ففي هذا تقديم الأهم فالأهم في تحصيل العلم الشرعي.

وبالمهم المهم ابدأ لتدركه

وقدم النص والآراء فاتهمِ

ص: 16

لا بد من البداءة بالأهم فالأهم، يعني هل من إتقان المنهج وضبط المنهج أن يقتصر الشخص -طالب العلم- على القرآن فقط حتى يتقن القرآن حفظاً وفهماً وتفسيراً من جميع ما يتعلق به من جميع الوجوه قبل أن يبدأ بغيره من العلوم، يحفظ القرآن قبل أن يحفظ شيء من العلوم الأخرى، أو يكون حفظه للقرآن بالتدريج مع العلوم الأخرى، هنا في هذا الحديث يقول:"ثم علموا من القرآن، ثم علموا من السنة" لا شك أن العناية بالقرآن في غاية الأهمية، لكن إذا عرفنا أن ابن عمر تعلم البقرة في ثمانِ سنين هل معنى هذا أنه لم يعرف من السنة شيء حتى تعلم القرآن كله؟ لا، لكن هذه مسألة اهتمام، ينبغي لطالب العلم أن يجعل جلَّ وقته واهتمامه للقرآن، ولا يغفل عن العلوم الأخرى حتى إذا كبر انتبه وقال: أطلب العلوم الأخرى.

وعلى كل حال المغاربة لهم طريقة والمشارقة لهم طريقة في هذا، المغاربة طريقتهم لا يدخلون من العلوم شيئاً على القرآن حتى يتم حفظه وضبطه وإتقانه، ثم بعد ذلك يتعلمون العلوم الأخرى، فيكونون بهذا قد ضمنوا حفظ القرآن، يعني لو قدر للإنسان أن يتابع العلم الشرعي يكون عنده الأصل ويبني عليه، إن قدر أن ظروفه لا تسمح له بمتابعة العلم الشرعي يكون قد ضمن رأس المال، الذي هو كتاب الله عز وجل، هذه طريقة المغاربة، طريقة المشارقة تختلف، لهم عناية بكتاب الله عز وجل، لهم عناية بجميع ما يتعلق بكتاب الله عز وجل لكنها تدريجية، بمعنى أن الطالب المبتدئ يحفظ قصار السور، وشيء يسير من العلوم الأخرى؛ ليتعلم أصول العلوم كلها وهو في الصغر، ثم يبني عليها بعد ذلك، يتعلم يحفظ المفصل، ويحفظ معه المتون المعتمدة عند أهل العلم من السنة والعقيدة والفقه، وما يعين على فهم ذلك، على كل حال هي طرق وكلها نافعة، المقصود أن يعتنى بكتاب الله عز وجل، وبسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، ويحرص طالب العلم كل الحرص على العلم من منابعه الأصلية من الكتاب والسنة، ويترك القيل والقال، والمصادر المختلف في حكمها من العلوم الأخرى، التي أقل أحوالها الإباحة، هذا إذا كان حريص على أن يتعلم العلم الشرعي.

ص: 17

نعم، العلوم .. ، علوم أمور الدنيا هذه يقول أهل العلم: إنها من فروض الكفايات، يعني لا يجوز أن تترك تتركها الأمة جانباً مثل الصناعات والزراعات وغيرها، وقل مثل هذا في العلوم العصرية الرياضيات والعلوم والطب والهندسة وغيرها، هذه على الأمة أن تتعلمها بقدر ما يكفي، لا يزيد على ذلك وإلا فالعلم الشرعي قدرٌ مشترك للمسلمين كلهم، مع الأسف أن تجد كثير ممن ينتسب إلى طلب العلم يضيع أوقاته هدر بدون فائدة، يعني ما التفت إلى أمور دنيا يجني من ورائها ما ينفعه ويقدمه لآخرته من بذل وإحسان وإنفاق في سبيل الله، لا، تجده ينشغل بما لا ينفع، لا العلم الشرعي أدركه، ولا علوم الدنيا نفع بها وانتفع، والله المستعان.

"ثم علموا من السنة، وحدثنا عن رفعها" رفع الأمانة وذهابها، "قال:((ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه)) " زرعت في جذر قلبه الأمانة، "((ثم ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه)) " تقبض هكذا من غير أسباب؟ من غير أسبابٍ منه، هو سببها، هو المتسبب في قبضها، بدون سبب تقبض الأمانة؟ أو يكون قد تسبب في قبض الأمانة من قلبه؟ لأن كل شيء له سبب، الران الذي يرون على .. ، يغطي القلوب، الران كسب العبد، {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [(14) سورة المطففين] نعم هذا سببه العبد، وليس بظلم من الله عز وجل، ينام العشرة مثلاً متساوي الأعمال من خيرٍ وشر، ثم تقبض من بعضهم دون بعض، كل إنسان مؤاخذ بما اكتسب.

ص: 18

"فقال: ((ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه)) " جاء في الخبر الآخر: ((يصبح الرجل مؤمن ويمسي كافر)) والعكس، وهذا بسبب ما قدم، وبسبب تعرضه لهذه الفتن، ((فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل الوكت)) يعني باقٍ فيها أثر يسير مثل الوكت، مثل السواد في اللون الأبيض أو العكس، ((ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه)) يزداد من الذنوب والمعاصي والشهوات والشبهات، ((ثم تقبض الأمانة من قلبه فيبقى فيها أثرها مثل أثر المَجْل)) أثر المَجْل، المجل: غلظ الجلد من أثر العمل، لو وازنت بين اثنين أحدهما يعمل بيده وبنفسه، والآخر مترف ليس بصاحب عمل، لا شك أنك تجد هذا جسمه ناعم، ويده ناعمة، أما الذي يكد ويكدح ويعمل بيده ويتولى الأعمال بنفسه هذا لا شك أن جلده غليظ، ((يبقى أثرها مثل المجل)) غلظ، ((كجمر دحرجته على رجلك)) يعني لو أتيت بجمرة أو وقعت جمرة على رجلك إما من المبخرة مثلاً وإلا شيء ماذا تصنع هذه الجمرة؟ ((كجمرٍ دحرجته على رجلك فنفط -انتفخ- فتراه منتبرا ً -يعني منتفخاً يعني مرتفع- وليس فيه شيء -ما في جوفه شيء- ويصبح الناس يتبايعون -يعني السلع- فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة)) لأنها سلبت في الغالب، سلبت من غالب الناس، ((فلا يكاد أحدٌ يؤدي الأمانة)) وهذا مع الأسف الشديد واقع كثير من المسلمين.

من ينصح لأخيه المسلم، إذا جاء المسترسل والمندفع الذي لا يعرف الأسعار ينصح له، مثل جرير بن عبد الله اشترى الفرس بثلاثمائة، لما باعه صاحبه قال: فرسك يستحق أكثر أشتريه بأربعمائة، فلما باعه قال: لا، فرسك يستحق أكثر إلى أن وصل إلى ثمانمائة، كثير من الباعة يتمنون مثل هذا المسترسل، ويقول بعضهم إما بلسان مقاله -وقد سُمع- أو بلسان حاله، يسأل الله أن يأتي إليه بلهجة العوام يقول: يأتي إليه عميان قلب مفتح العيون، يبي واحد بس خذ هذا بأي ثمن يكون، هذا من النصح لكلِّ مسلم؟ هذا غش للمسلمين، هذا الغش للمسلمين، وإلا النصح لكل مسلم غير هذا.

ص: 19

الآن ما يحصل في أسواق المسلمين لا سيما ما يتعلق بأمور النساء، وقل أشباه النساء، إذا جاءت المرأة دخلت المحل وقالت: كم هذا المتر؟ قال: مائة ريال، يمكن أنه ما كلف عشرة عليه، ويحتج يقول: لو ما أقول: مائة ريال ما اشترت، وهذا واقع يا الإخوان، لو أقول: بعشرين ريال ما اشترت تعرف أنه وسط، فكثير من الناس رجال ونساء يقيمون السلع بقيمتها، فإذا كانت القيمة مرتفعة فالسلعة جيدة، مثل هذا غش يا أخي، تأخذ خمسة أضعاف بأي مبرر، يعني حجته أن يقول: لو قلت: عشرين ريال ما اشترت أجل كسدت البضاعة، نقول: مائة ريال وتروح، صحيح هذا واقع كثير من النساء، لكن هل هذا مبرر إلى أن آخذ خمسة أضعاف؟ أُصدق في بيعك وشرائك، وليكن بيعك ضعيف بالنسبة لجيرانك، وكسبك قليل لكن شيء يبارك لك فيه، اليسير مع البركة أفضل من الكثير مع نزعها.

يقول: ((ويصبح الناس يتبايعون السلع، فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة -لسلبها- فيقال: إن في بني فلان رجلاً أميناً)) لندرته، الأمين نادر، ومن انتكاس الفطر، وتغير المفاهيم، ويش يسمون صاحب القلب السليم هذا الذي .. ؟ الأمين الذي نص عليه بالحديث؟

طالب:. . . . . . . . .

صحيح، صحيح، يرمونه بالتغفيل، هذا المحتاط لذمته ودينه في عرف الناس مغفل، نسأل الله العافية.

((ويقال للرجل: ما أعقله! وما أظرفه! وما أجلده! )) يمدح على ألسنة الناس لماذا؟ عفريت، هو عاقل ذكي حازم ليش؟ لأنه يضحك على الناس، هذا هو العاقل؟ العاقل الذي يهتم للفاني ويترك الباقي؟ يا أخي ما نسبة بقائك في هذه الدنيا بالنسبة إلى الآخرة لو أدركت حقيقة الأمر؟

ص: 20