الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* الحقيقة والمجاز.
* أنواع المجاز باعتبار الإفراد والتركيب.
* أنواع المجاز باعتبار علاقته.
* المجاز المرسل وأنواعه.
* الاستعارة وأقسامها.
* الكناية وأقسامها.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
وقفنا عند تعريف الحقيقة، وعرفنا أن تعريف الحقيقة إنما ينبني عليه فهم المجاز، المجاز هو ضد الحقيقة، حينئذٍ هو فرع والحقيقة أصل، ولا يمكن أن يُفهم الفرع إلا بفهم أصله، وعرفنا أنها في الأصل فَعِيل بمعنى فَاعَل من حَقَّ الشيء إذا ثَبَتَ، أو بمعنى مفعول فإن الكلمة ثابتة في مكانها الأصلي، أو كلمة مُثْبَتَةٌ في مكانها الأصلي، وأما في العرف في الاصطلاح عند البيانيين فالحقيقة هي الكلمة المستعملة في معنًى وضعت له في اصطلاح التخاطب، كلمة مستعملة في معنًى وضعت له في اصطلاح التخاطب، في اصطلاح هذا متعلق بقوله: وُضِعَت. وليس المراد به اسْتُعْمِلَت، يعني ليس متعلقًا بقوله: المستعملة. وإلا فسد المعنى، وإنما يكون متعلقًا به قوله: وُضِعَت. الكلمة عَبَّرَ بالكلمة هنا ولم يقل اللفظ المستعمل، وقد قال به بعضهم لأن المجاز كما يكون مفردًا كذلك يكون مركبًا، حينئذٍ الحقيقة كذلك تكون مفردةً وتكون مركبة. فالوصف بالحقيقة توصف به المفردات ويوصف به المركبات. وقولنا: الكلمة. حينئذٍ خرج المركب. إذًا المركب لا يكون حقيقةً، لم يقل اللفظ المستعمل مع شموله للمفرد والمركب، لأن اتصاف المركب بالحقيقة والمجاز إنما هو باعتبار مفرداته، فإذا كان وصف المركب بكونه حقيقةً وبكونه مجازًا باعتبار المفردات، إذًا يكون الأصل في وصف الحقيقة والمجاز هو المفرد وهو الكلمة. إذًا قال: الكلمة. لأنها هي أصل في المجاز المفرد والحقيقة المفردة، وهي أصل في المجاز المركب وكذلك في الحقيقة المركبة.
إلا إذًا اتصاف المركب بالحقيقة والمجاز إنما هو باعتبار مفرداته التي تركب منها وهي الكلمات، لذلك قال: الكلمة المستعملة. لا باعتبار كونه مركبًا مع أنه يجوز أن يراد بالكلمة معناها اللغوي الشامل للمركب أيضًا، يعني الكلمة إذا أريد به المعنى الاصطلاحي خرج المركب، كيف أخرجنا المركب وهو موصوف كذلك بالحقيقة؟ نقول: وصفه بالحقيقة باعتبار مفرداته إذا رجعنا إلى المفرد، فنأخذ الكلمة جنسًا في الحدّ، أو يكون المراد بالكلمة معناها اللغوي، وهي: ما يصدق على الجمل أو الجملة المفيدة، على كلٍّ هذا أو ذاك [يوصف بحقيقة المجاز](1) يوصف بالحقيقة الكلمة والمركب.
الكلمة المستعملة خرج به الكلمة المهملة، خرج بالمستعملة المهملة حينئذٍ لا يوصف بكونه حقيقةً وكذلك ولا مجازًا لأن الوصف بكونه حقيقةً أو مجازًا إنما هو للمستعمل، وأما المهملة الذي لم تضعه العرب وهو متروك من أصله هذا لا يوصف لا بإعراب ولا بناء ولا حقيقة ولا مجاز ولا بترادف ولا تباين ولا غيره، كل ما يتعلق بأوصاف الكلمات المستعملة فهو منفي عن الكلمات المهلمة كـ ديز ورفعج مقلوب زيد ومقلوب جعفر، هذه ليست بكلمات مستعملة فلا يلحقها تلك الأوصاف.
(1) سبق.
إذًا خرج بالمستعملة المهملة، والكلمة قبل الاستعمال فإنها لا توصف بحقيقة ولا مجاز، يعني عرفنا المهمل مثل ديس طيب، الكلمة قبل إدخالها في جملة زيد مثل لوحدها، أو أسد هل توصف بحقيقة أو مجاز؟ الجواب: لا، وإنما توصف بعد إدخالها في المركب كما مرّ معنا في الوصف بالإعراب والبناء، الكلمة الإعراب والبناء هو وصف للكلمات، ولذلك نقول: موضوع علم النحو الكلمات العربية من حيث الإعراب والبناء. الكلمات العربية متى؟ قبل إدخالها في جملة مفيدة أو بعدها؟ الكلمات العربية من حيث الإعراب والبناء مقيد، متى نقول: الكلمة معربة؟ إذا أدخلتها في جملة مفيدة فتقول: جَاءَ زَيْدٌ. جَاءَ زَيْدٌ، جَاءَ في قولك: جَاءَ زَيْدٌ. مبني وَزَيْدٌ في قولك: جَاءَ زَيْدٌ معرب، أما جَاءَ وحده قبل إدخاله في الجملة لا يوصف بإعراب ولا بناء، ليست معربة ولا مبنية كذلك زَيْدٌ قبل إدخالها في جملة مفيد كأن تكون فاعل أو غيره، حينئذٍ لا توصف بإعراب ولا بناء، كذلك الكلمة أسد فقط وحده لا يوصف بحقيقة ولا مجاز، حينئذٍ الكلمة المستعملة أخرجت الكلمة قبل الاستعمال فإنها لا توصف بحقيقة ولا مجاز، في معنًى وضعت له، أخرج الغلط نحو ماذا؟ خُذْ هَذَا الْقَوْسَ مشيرًا إلى كتاب، أخطأ خُذْ هَذَا الْقَوْسَ وأشار إلى كتاب، خُذْ هَذَا الْمَاء وأشار إلى المنديل حينئذٍ نقول: هذا غلط. هل استعملت الكلمة فيما وضعت له؟ الجواب: لا، هل هو مجاز؟ لا، لانتفاء العلاقة، يعني ليس بين الماء وبين المنديل علاقة، وليس بين القوس والكتاب علاقة، لا بد من علاقة بين المعنى المجازي والمعنى الحقيقي. إذًا خرج بقوله: في معنًى وُضعت له الغلط نحو: خُذْ هَذَا الْفَرَسَ أو خُذْ هَذَا الْقَوْسَ مشيرًا إلى كتاب، وخرج المجاز لأن المجاز كلمة مستعملة في غير، ليس في معنى وضعت له، في معنى غير معناه الذي وُضِعَ له في لسان العرب، فخرج المجاز، خرج المجاز المستعمل فيما لم يوضع له في اصطلاح التخاطب ولا في غيره، كالأسد في الرجل الشجاع، رَأَيْتُ أَسَدًا يَرْمِي أسدًا نقول: هذا لفظ استعمل في غير ما وُضِعَ له في لسان العرب لماذا؟ لأن الأسد في أصل وضعه الحيوان المفترس الجثة المعروفة الهيئة المخصوصة، هذا هو الأسد، إذا اسْتُعْمِلَ لفظ الأسد في الرجل الشجاع نقول: ما وَضَعَتِ العرب الأسد للرجل الشجاع وإنما وضعته للحيوان المفترس، حينئذٍ إذا استعمل في الرجل الشجاع استعمل في معنى لم يوضع له في لسان العرب، حينئذٍ نسمي هذا مجازًا، فخرج المجاز في قوله: معنًى وضعت له. وخرج بقوله: في الاصطلاح تخاطب، اصطلاح أصله اصتلح باب افتعل كما مرَّ معنا، والاصطلاح في اللغة هو الاتفاق، يقال: اصطلح زيد وعمرو.
إذا اتفقا، والاصطلاح في الاصطلاح اتفاق طائفة مخصوصة على أمر معهود بينهم متى أطلق انصرف إليه، كاتفاق النحاة على أن الاسم المرفوع المذكور بعد فعله فاعل هذا اصطلاح، والضمة ضمة، والعام عند الأصوليين اللفظ المستغرق لجميع أفراده دفعةً واحدة مرادًا به الشمول يُسمى عامة، وأما هذه الألفاظ في معانيها اللغوية فليست خاصة بهذه المعاني المصطلح عليها، هذا يسمى اصطلاحًا، فكل طائفة سواء كان نحاةً صرفيين بيانيين فقهاء أصوليين أطباء مهندسين معماريين أيًّا كان نوعه إذا اتفقوا على مصطلح على لفظ وأرادوا به معنًى متى ما أُطْلِقَ هذا اللفظ انصرف إلى المعنى المعهود عندهم يسمى اصطلاحًا. قال: في اصطلاح التخاطب، خرج به نوع آخر من المجاز، قلنا: في معنًى وضعت له. خرج به المجاز، أي مجاز؟ مجَاز لم يوضع مستعمل فيما لم يوضع له في اصطلاح التخاطب ولا في غيره كالأسد، الأسد هذا المعنى اللغوي موضوع باعتبار أهل اللغة، اسْتُعْمِلَ في غير معناه، ثَمَّ ما يُسمى بالحقيقة اللغوية والحقيقة الشرعية والحقيقة العرفية، سواء كان عرفًا عامًا أو عرفًا خاصًا، إذا استعمل لفظ مما وُضِع في عُرْفِ الشرع في غير معناه حينئذٍ نقول: استعمل اللفظ في غير اصطلاح التخاطب، لأن الشرع مثلاً وضع لفظ الصلاة للعبادة المخصوصة، فإذا استعمل في غير ما وضع له في الشرع بغير هذا المعنى حينئذٍ صار مجازًا، لماذا؟ لكون اللفظ هنا استعمل لا في غير معناه اللغوي وإنما في غير المعنى الذي اصطلح له في الشرع ما يسمى باصطلاح التخاطب، وهذا نوع من المجاز لكنه مقابل للحقيقة بأنواعها الثلاثة، وهي الحقيقة اللغوية والحقيقة الشرعية والحقيقة العرفية، خرج بقوله: في اصطلاح التخاطب. المجاز المستعمل فيما وُضع له في اصطلاح آخر. فإذا جاء في الشرع لفظ الصلاة مرادًا به الدعاء نقول: هذا مجازًا، لماذا؟ لأن الشرع قد اصطلح لنفسه أن يسمي لفظ الصلاة أو يجعل الصلاة عنوانًا على العبادة المخصوصة، والصيام على العبادة المخصوصة، فإذا استعملت هذه الألفاظ الصلاة والزكاة والحج في غير معانيها المرادة شرعًا في الشرع نقول: هذا مجاز. وإذا استعمل اللغوي الصلاة بمعنى الدعاء فهو حقيقة عندهم، وإذا استعمل اللغوي الصلاة بمعنى العبادة المخصوصة فهو مجاز لغوي عندهم. إذًا إذا استعمل اللفظ في غير ما جُعل اصطلاحًا له اصطلاح آخر حينئذٍ نقول: هذا مجاز. خرج المجاز المستعمل فيما وُضع له في اصطلاح آخر غير الذي يقع به التخاطب كالصلاة مثلاً إذا استعملها المخاطِب بعرف الشرع في الدعاء فإنها تكون مجازًا عندهم، يعني الآن العبرة بالشرع نفسه.
الشرع استعمل الصلاة بمعنى العبادة المخصوصة، إذا استعملها في غير العبادة المخصوصة حينئذٍ استعمل اللفظ في غير ما وُضع له عنده، والصلاة في اللغة إذا استعملها اللغوي بمعنى الدعاء فحينئذٍ هي حقيقة، وإذا استعملها في غير الدعاء يكون مجازًا، فإنها تكون مجازًا لاستعمالها في غير ما وضع له شرعًا وإن وضع له لغةً، والوضع المراد به هنا تعيين اللفظ للدلالة على معنى بنفسه من غير ضم قرينة إليه، وهو ما نعرفه دائمًا بأنه جعل اللفظ دليلاً على المعنى، والمراد به الوضع الشخصي، لأن الوضع نوعين: وضع نوعي، ووضع شخصي. وجعل اللفظ دليلاً على المعنى وتعيين اللفظ بإزاء المعنى هذا يُسمى وضعًا شخصيًّا، وأما النوعي فهو أشبه ما يكون بالقواعد العامة، كون الفاعل مرفوعًا من الذي وضع هذه القاعدة؟ العرب. إذًا هذا يسمى وضعًا نوعيًّا، له جزئياته باستقراء هذه الجزئيات وصلنا إلى هذه القاعدة، حينئذٍ نقول: العرب وضعت قاعدة إذا جئت بالفاعل حينئذٍ ارفعه، لأن كل فاعل مرفوع، من الذي وضع هذا؟ نقول: وضع نوعيّ لكنه يرجع إلى قاعدة كلية عامة.
قال الناظم: (ثُمَّ المَجَازُ فَافْهَمَي مُفْرَدًا أَوْ مُرَكَّبًا). (ثُمَّ المَجَازُ فَافْهَمَي) المجاز ينقسم إلى قسمين: مفرد، ومركب. وهما يختلفان، وإذا اختلفا فحينئذٍ لا يمكن جمعهما في تعريف واحد، وإنما نقسم ثم نعرِّف فنقول: هو قسمان: مفرد، ومركب. قال:(مُفْرَدًا)(فَافْهَمَي مُفْرَدًا). مفردًا يعني المجاز المفرد حقيقته هو الكلمة المستعملة في غير ما وُضعت له في اصطلاح التخاطب، عكس الحقيقة السابقة، لأن الحقيقة السابقة المراد بها المفردة على وجه يصح مع قرينة عدم إرادته، الكلمة عرفنا المراد بالكلمة، المستعملة خرج المهملة، وخرج بقوله: في غير ما وضعت له. الحقيقة؛ لأن الحقيقة مستعملة فيما وُضعت له. وما له معنى آخر باصطلاح آخر كالصلاة في العبادة، هذا خرج، والغلط خرج كذلك، لأنه على وجه لا يصح، وبقيد ثم في قوله السابق هنا ما هو التعريف؟ وهو الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له. هذا القيد يُدخل المجاز المستعمل فيما وضع له في اصطلاح آخر كلفظ الصلاة إذا استعملها المخاطِب بعرف الشرع في الدعاء مجازًا، وهو داخل أو خارج؟ هذا داخل، لماذا؟ لأن قوله: في غير ما وُضعت له في اصطلاح التخاطب. إذًا العبرة هنا بماذا؟ بالتخاطب، فالنظر يكون باعتبار الشرع مثلاً إذا استعمل لفظ الصلاة في العبادة المخصوصة حقيقة أو مجاز؟ حقيقة لأنه وضع لفظ الصلاة للعبادة المخصوصة، إذا استعمل الشارع الصلاة في الدعاء وهو مجاز يُسمى مجازًا شرعيًّا هذا داخل أم خارج؟ هو مجاز، عَبَّرت عنه مجاز إذًا لا بد من إدخالها، لأننا قلنا ماذا؟ في غير ما وُضعت له في اصطلاح التخاطب، إذًا ما وضع له في اصطلاح التخاطب استعماله فيه حقيقة، استعمال ما وضع في اصطلاح التخاطب في غير ما وضع له هذا مجاز، يعني استعمال الصلاة في العبادة المخصوصة حقيقة باعتبار الشارع، وإذا استعمل الصلاة في الدعاء فهو مجاز. إذًا لا بد من إدخاله، وإدخاله يكون بقوله: في غير ما وُضعت له في اصطلاح التخاطب، كلفظ الصلاة إذا استعملها المخاطب بعرفه الشرع في الدعاء مجازًا، فإنه وإن كان مستعملاً فيما وُضِع له في الجملة لأنه من ما وضع له في لسان العرب فليس بمستعمل فيما وضع له في الاصطلاح الذي وقع به التخاطب أعني الشرع. إذًا الغلط خرج بقوله: على وجه يصح. إذ المراد بقوله: على وجه يصح. أن يوافق ما نُقل عن العرب، لأن الوصف بالحقيقة والمجاز نوعان لنوع الكلام، الْكلام ينقسم إلى حقيقة ومجاز كما أنه ينقسم إلى خبر وإنشاء. إذًا ما يجعل في قواعد الخبر وهي أوصاف للكلام وما جُعل من قواعد الإنشاء وهي أوصاف للكلام، كذلك الشأن في الحقيقة والمجاز، فلا بد أن يكون كل واحد من هذه الأوصاف منقول عن العرب، فكما قسمنا أن هذا خبر، لماذا؟ لأن العرب نطقت به كذا، وهذا إنشاء لماذا؟ لأن العرب نطقت به كذا. إذًا نوع الخبر منقول عن العرب، ونوع الإنشاء منقول عن
…
، كذلك الحقيقة نوعها منقول عن العرب، وكذلك الشأن في المجاز.
إذًا على وجه يصح المراد به أن يوافق المجازات المنقولة عن العرب بالنوع، وذلك عند علاقة حاصلة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي، يعني العرب لم تستعمل المجاز في لفظ عن لفظ إلا لعلاقة بينهما، فإن لم يكن علاقة حينئذٍ لا مجاز، إذا لم يكن علاقة حينئذٍ لا، ولذلك قلنا: الغلط خرج لماذا؟ إذا قلت: خُذْ هَذَا الْقَوْسَ. مشيرًا إلى كتاب، لا علاقة بين الكتاب والقوس أو الفرس حينئذٍ نقول: لعدم العلاقة بين معنيي اللفظين الحقيقي والمجازي انتفى المجاز، ولذلك لا بد من العلاقة. وذلك عند علاقة بين المعنى الحقيقي والمجازي تكون ملاحظةً ومعتبرةً عند استعمال اللفظ في غير ما وُضع له، ويكون هذا المعنى المستعمل قد نُفِيَ بنصب قرينة تدل على عدم إرادة المعنى الموضوع له هذا اللفظ، فخرجت الكناية لأنها مستعملة في غير ما وضعت له مع جواز إرادته حيث لا قرينة تصرف عن ذلك. إذًا لا بد من اعتبار المجاز مجازًا أولاً العلاقة، يعني المناسبة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي، مناسبة بين المعنى المنقول عنه إلى المعنى المنقول إليه، وهذا سيأتي أنه محصور في شيئين: مشابه، وغير مشابه.
الأول استعارة، والثاني مجاز مرسل. وهي محصورة، يعني العلاقة محصورة.
ثانيًا: لا بد من نصب قرينة تدل على أن اللفظ استعمل في غير ما وضع له، هذه القرينة مثل ماذا؟ رَأَيْتُ أَسَدًا، لو قلت: رَأَيْتُ أَسَدًا. الأسد يُدرك بالبصر، والأسد يستعمل استعمالين في لسان العرب بمعنى الحيوان المفترس، وبمعنى الرجل الشجاع. حينئذٍ إذا سُمِعَ رأيت أسدًا الأصل حمل اللفظ على الحقيقة وحيث ما استحال الأصل ينتقل إلى المجاز. إذًا تقول: الأصل أنه محمول على الحقيقة، فإذا قلت: رَأَيْتُ أَسَدًا. فالمراد به الحيوان المفترس، وهل يحمل على الرجل الشجاع؟ الجواب: لا، هنا يحتمل من حيث العلاقة الوجود العلاقة موجودة يعني كون الأسد شجاع والرجل الشجاع شجاع، حينئذٍ وجدت المناسبة بينهما، لكن لعدم وجود قرينة تدل على أن اللفظ استعمل في غير ما وضع له في لسان العرب فحينئذٍ امتنع حمل الكلام على المجاز، فنقول: رَأَيْتُ أَسَدًا. إذا أراد به الرجل الشجاع نقول: أخطأت الطريق. لماذا؟ لأن العرب لم تستعمل اللفظ في معنى آخر على جهة المجاز إلا بنصب قرينة، وأنت لم تأت بالقرينة، فإذا أردت المجاز تقول: رَأَيْتُ أَسَدًا يَخْطُبُ. إذًا يَخْطُبُ عرفت أن الأسد الحيوان المفترس لا يقعد على المنابر، إذًا تعرف أن المراد به الرجل الشجاع، إذًا يَخْطُبُ أو يَرْمِي أو رَأَيْتُ أَسَدًا فِي الْحَمَّام كما يقول بعضهم، نقول: هذا لا يمكن أن يحمل على الحيوان المفترس، فنرجع إلى المجاز. إذًا لا بد في استعمال اللفظ في غير ما وضع له في اصطلاح التخاطب أن يُراعى فيه أمران انتفاء واحد منهما يخل بالمجاز.
الأول: على وجه يصح. يعني علاقة بين المعنى المجازي والمعنى الحقيقة لا بد من رابطة، وهذه الرابطة هي المشابهة، أو ما يقابل المشابهة وهي علاقة المجاز المرسل الآتي ذكره.
الأمر الثاني: لا بد من نصب قرينة.
الكناية وهي المقصد الثالث: استعمال اللفظ في غير ما وُضِعَ له لكن يجوز أن يراد المعنى الأول، يعني يُجمع بين معنيين، ولذلك من الفوارق بينهما - كما سيأتي - أنه لا قرينة تدل على أن اللفظ مستعمل في غير ما وُضِع له في الكناية، حينئذٍ خرجت الكناية لأنه لا يُشترط فيها نصب قرينة لأن الذي ينصب القرينة ينصبه لأي شيء؟ كأنه يقول لك: يَرْمِي. أنا لا أريد بالأسد الحيوان المفترس، وإنما أردت به الرجل الشجاع، أما في الكناية فلا، فيريد به اللازم والملزوم معًا، المعنى المنقول عنه والمعنى المنقول إليه، حينئذٍ لا نحتاج إلى قرينة، فبقولنا: مع قرينة [على] تدل على عدم إرادة المعنى الأول خرجت الكناية، لأن الكناية يراد بها المعنيان المعنى الأصلي والمعنى الفرعي، المعنى المنقول عنه والمعنى المنقول إليه، فهذا المجاز المفرد، ويقابله المركب، ولما كانت حقيقة كل منهما تخالف الأخرى حينئذٍ لا يمكن أن يجتمعا في حدٍّ واحدٍ. قدم المفرد هنا لبساطته على المركب. إذًا يشترط في المجاز المفرد العلاقة التي تكون بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي، وهي أي العلاقة ما يتمكن بها أو يتمكن بها من التجاوز عن المكان الأصلي إلى غيره من المناسبة الواقعة بين المنقول عنه والمنقول إليه - على ما ذكرناه - وإنما اشترطت لماذا؟ ليتحقق الاستعمال على وجه يصح، ولذلك قلنا فيما سبق في تعريف المجاز خرج الغلط، من تعريف المجاز قولك: خُذْ هَذَا الْقَوْسَ. مشيرًا إلى الكتاب لأن هذا الاستعمال ليس على وجه يصح لعدم العلاقة بين القوس والكتاب، والمعتبر هنا في العلاقة النوع لا الشخص، يعني يرد السؤال هنا هل المجاز موضوع في لغة العرب أم لا؟
نقول: نعم هو موضوع، لكن وضعه شخصي أم نوعي بمعنى أنه إذا قيل: شخصي بمعنى أنك لا يحق لك أن تستعمل تركيبًا مجازيًّا إلا واللفظ والتركيب بعينه نقل عن العرب، هذا متى؟ إذا قلنا: النقل فيه شخص. يعني الوضع شخصي وهذا منتفي، لا يمكن أن يقال بأن وضع المجاز وضع شخصي، وإلا ما جاز لأحد أن يتكلم من الشعراء ولا من الخطباء إلا بما نُقِلَ عن العرب، وإذا قيل: نوعي. حينئذٍ نقول: المراد به القواعد العامة، الفاعل مرفوع هذا وضع النوعي لا شخصي لماذا؟ لأنك لو قلت: شخصي. حينئذٍ لا يمكن أن تُسند فعلاً إلى فاعل وتعربه على أنه فاعل إلا إذا سُمِعَ من العرب، نَحْنُ فِي مَسْجِدِ بَدْرٍ لا يصح، ليس بكلام هذا لماذا؟ لأن العرب لم تنطق بهذا، ما وجد مسجد بدر ولا نحن فهذا التركيب نَحْنُ فِي مَسْجِدِ بَدْرٍ هذا لم ينقل عن العرب، لكن نَحْنُ مبتدأ، وَفِي مَسْجِدِ بَدْرٍ جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، هذا النوع محكوم عليه ومحكوم به المبتدأ متقدم والخبر متأخر وهو جار ومجرور متعلق .. ، هذه قواعد عامة تكلمت العرب بهذا، لكن بأفراد نَحْنُ فِي الْمَسْجِد نقول: لا هذا لم تتكلم به العرب، وإنما تكلمت بـ نَحْنُ لوحدها، والْمَسْجِد وحده، وَفِي الدالة على الظرف، المجاز كذلك. إذًا وضعت قواعد عامة وعلاقات عامة وضعها نوعي، وأما أشخاصها فلا. إذًا المعتبر في العلاقة هنا نوعها دون شخصها، ومعناه أنه يجب أن يُنقل عن العرب إذن في الصور الكلية كاستعمال السبب في المسبب، استعمال الجزء مرادًا به الكل استعمال الكل مرادًا به السبب، مرادًا به الجزء العكس بالعكس، الكل مرادًا به الجزء، الجزْء مرادًا به الكل، هذه قواعد عامة، لكن أفرادها نقول: هذا ليس بلازم وإنما نصل إلى هذه القواعد بتتبع الجزئيات كما نظرنا في الفاعل أن العرب ما نطقت به إلا مرفوعًا فجئنا إلى قاعدة عامة الفاعل مرفوع، ثم تلك الجزئيات صار نسيًا منسيًا، ثم أنت تنشئ ما شئت من التراكيب لكن على وفق هذه القواعد، كذلك الشأن في المجاز، وجدنا أن العرب في هذا المثال والبيت الثاني والثالث والرابع مجازًا يطلقون السبب على المسبب، إذًا قاعدة من العلاقات بين المعنى السابق المنقول عنه والمعنى المنقول إليه السببية، إطلاق السبب على المسبب أو بالعكس، هذا نوع العلاقة، أما عين المثال فدعه وانشأ مثالاً من عندك. إذًا كاستعمال السبب في المسبب دون الجزئية كلفظ هذا السبب في هذا المسبب مثلاً، حينئذٍ نقول: هذا ليس مرادًا. يجب أن يثبت أن العرب يُطلقون اسم السبب على المسبب ولا يجب أن يسمع إطلاق الغيث على النبات، السبب على المسبب، أما إطلاق الغيث مرادًا به النبات هذا لا يُشترط، يعني هذا السبب المعين في المعين هذا لا يُشترط وإنما تنشئ ما شئت، وهذا معنى قولهم المجاز موضوع بالوضع النوعي لا بالوضع الشخصي، وهذا هو التحقيق في هذه المسألة، المجاز موضوع بالوضع النوعي لا الوضع الشخصي. إذًا هذا ما يتعلق بقوله:(مُفْرَدًا). المجاز هو الكلمة المستعملة في غير ما وُضعت له في التخاطب على وجه يصح، أي المراد به العلاقة مع قرينة على عدم إرادته، يعني إرادة المعنى المنقول عنه.
وهذا لا بد أن يتمعن فيه الطالب قبل أن يتكلم في مسألة هل اللغة فيها مجاز أم لا؟ يفهم ما هو المجاز، ويأخذ أمثلة كثيرة جدًا، ويتمعن في القرآن وفي السنة وفي ما نُقِلَ عن العرب فإذا أدخل المجاز وتصوره على وجه، ثم بعد ذلك ينتقل إلى المسألة الثانية هل اللغة فيها مجاز أم لا. أما العكس الموجود الآن فهذا خلل في التصور، تكلم في مسألة اللغة فيها مجاز أو لا وهو لا يحفظ تعريف المجاز بل لا يفهم معنى المجاز. أو (مُرَكَّبًا) أو يكون المجاز مركبًا مقابل للمفرد، فالمجاز المركب هو اللفظ المستعمل فيما شُبِّهَ بمعناه الأصلي تشبيه تمثيل، وهو ما يُسمى بالاستعارة التمثيلية، هو المجاز المركب، وفيه خلاف هل هو مجاز أو لا؟ بأن يكون وجه الشبه منتزعًا من متعددٍ للمبالغة في التشبيه كما يقال للمتردد بأمر: إِنِّي أَرَاكَ تُقَدِّمُ رِجْلاً وَتُؤَخِّرُ أُخْرَى. قالوا: هذا مجاز مركب أو استعارة تمثيلية، يُسمى استعارة: إِنِّي أَرَاكَ تُقَدِّمُ رِجْلاً وَتُؤَخِّرُ أُخْرَى. هذا يفكر في أمر معنوي هل يقدم على هذا الشيء أم لا؟ ولا شك أن تقديم الرجل وتأخيرها هذا يكون في الشيء الحسي. إذًا نُقِل اللفظ شَبَّهَ صورة تردده في ذلك الأمر وقد يكون معنويًّا وقد يكون حسيًّا بصورة تردد من قام ليذهب، فتارة يريد الذهاب فيقدم رجلاً، وتارة لا يريد فيؤخر أخرى، فاستعمل في الصورة الأولى الكلام الدال على الصورة الثانية، يعني هو لم يقل هذا اللفظ إلا في الذهاب رجل أراد أن يخرج أو لا؟ فتردد، قام فجلس، قدم فأَخَّر، رجل آخر تردد في أمر ما حينئذٍ يستعمل هذا التركيب مرادًا به تردده في الأمر الذي أراد أن يُقْدِم عليه مع التردد، حينئذٍ شَبَّهَ صورة بصورة، إذًا مَثَّلَ صورة بصورة والجامع بينهما ما ذكرنا، وَوَجْهُ التشبيه نعم وهو الإقدام تارة، والإحجام أخرى، هذا وجه الشبه، الإقدام تارة والإحجام منتزع من عدة أمور، ويُسمى هذا المجاز التمثيل على سبيل الاستعارة، سُمِّيَ تمثيلاً لكون وجهه منتزعًا من متعدد، وعلى سبيل الاستعارة لأنه قد ذُكر فيه المشبه به وأريد المشبه كما هو شأن الاستعارة رَأَيْتُ أَسَدًا يَرْمِي - سيأتي بحث الاستعارة -.
إذًا مركبًا المراد به اللفظ المستعمل فيما شُبِّهَ بمعناه، أي بالمعنى الذي يدل عليه ذلك اللفظ بالمطابقة بمعناه الأصلي تشبيه تمثيل، بأن يكون وجهه منتزعًا من متعددٍ، والمثال هو ما ذكرناه وبحثه يكون في الاستعارة التمثيلية ولم يذكرها المصنف هنا.
ثم قال رحمه الله تعالى: (وَتَارَةْ ** يَكُونُ مُرْسَلاً أَوِ استِعَارَهْ
يُجْعَلُ ذَا ذَاكَ ادِّعَاءً أَوِّلَهْ).
المجاز المفرد يتنوع إلى نوعين ينقسم إلى موقعين:
استعارة، ومجاز مرسل.
التقسيم هنا في ماذا؟ المجاز المفرد لأنه هو الأهم البحث فيه هو الأكثر عند البيانيين، أما المجاز المركب المراد به الاستعارة التمثيلية وبحثها خاص، وتارةً (وَتَارَةْ) بالتسكين (يَكُونُ مُرْسَلاً) يكون المجاز المفرد مرسلاً، أي مطلقًا من الإرسال وهو الإطلاق سُمِّيَ بذلك لعدم تقييده بعلامة واحدة، بخلاف الاستعارة يعني الإطلاق هنا في مقابل الاستعارة، والاستعَارة ضابطها شيء واحد، مجاز مفرد علاقته المشابه. إذًا عرفنا أن المجاز لا بد له من علاقة، العلاقة إما مشابهة أو ليست مشابه.
الأول: الاستعارة.
الثاني: المجاز المرسل.
واضح هذا؟ مجاز مفرد إما علاقته المشابه بين المشبه والمشبه به، أو إن شئت قلت: بين المعنى المنقول عنه والمعنى المنقول إليه اللفظ باللفظ، أولى يعني أولى تكون المشابه.
الأول: الاستعارة.
والثاني: المجاز المرسل.
لذلك قال: (مُرْسَلاً). يعني مطلقًا لعدم تقييده بعلامة واحدة، والمجاز المرسل المفرد مع علاقته المصححة له، لا بد من علاقة تصحح واضحة مما سبق غير المشابهة، غير المشابهة يدخل تحته أربع وعشرون نوعًا لن نأخذها كلها، أربعًا وعشرون نوعًا يعني محصورة. العلاقات محصورة، غير المشابهة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي. إذًا المجاز المرسل مجاز مفرد علاقته غير مشابهة معناه لما هو موضوع له، والعلاقات أنواع أنهاها بعضهم إلى أربعة وعشرين نوعًا، منها - بعضها - من للتبعيض استعمال الجزء في الكل، يعني يطلق الجزء ويراد به الكل، الجزء مدلوله جزء، والكل مدلوله الكلّ، فإذا أُطلق الجزء مرادٌ به الكل حينئذٍ نقول: هذا استعمل اللفظ في غير ما وضع له، استعمال الجزء في الكل إذا كان له مزيد اختصاص بالمعنى الذي قُصِدَ بالكلّ كإطلاق العين على الربيئة يعني الرقيب، وهي جزؤه، يعني الجاسوس يقال عين، العين جزء والجاسوس كلّ، فسُمِّيَ الجاسوس عينًا إطلاق الجزء على الكل نقول: هذا مجاز. وعكسه وهو استعمال الكل في الجزء، استعمال الكل مرادًا به الجزء {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ} [البقرة: 19] {أَصَابِعَهُمْ} الأصبع هو هذا كله هذا الأصبع {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ} المراد به أنامل أصابعهم. إذًا أطلق الكل وأراد به الجزء، سُمِّيَ الأنامل التي هي رؤوس الأصابع بالأصابع، يعني سَمَّى الأنامل بالأصابع، ومنه:«قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين» . الصلاة المراد بها الفاتحة التي هي جزء الصلاة لأنها ركن، وهذه من الأدلة على أن الفاتحة ركن لأن العرب لا تُطْلِق الكل مرادًا به الجزء إلا إذا كان فوات الجزء يَفُوتُ بِهِ الكلّ «قسمت الصلاة» . إذًا المراد به بالصلاة هنا الفاتحة هذا يدل على ماذا؟ على أن الصلاة توجد بالفاتحة وبغيرها من الأركان وتفوت الصلاة بفوات الفاتحة، يدل على ماذا؟ على أنها ركن، ومنه فيما استدل به ابن القيم على أن تارك الصلاة يعتبر كافرًا {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] الإيمان صلاة وزيادة، فأطلق الكل على الجزء الذي هو الصلاة ليدل على أن فوات الجزء يترتب عليه فوات الكلّ، ففوات الصلاة يترتب عليه فوات الإيمان كما أن الفاتحة هنا فواتها يترتب عليه فوات الصلاة، وهذا جيد. إذًا استعمال أو إطلاق [الكل الجزء مرادًا به](1) الكل مرادًا به الجزء.
ومنها من العلاقات تسمية الشيء باسم آلته مثل ماذا؟ نحو قوله تعالى: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ} [الشعراء: 84]. أي الثناء الحسن. والثناء إنما يكون بماذا؟ باللسان، فأطلق اللسان الذي هو آلة وأراد به الثناء.
ومنها تسمية الشيء باسم سببه نحو: رَعَيْنَا الْغَيْثَ. المراد به النبات، الغَيْث سبب للنبات فأطلق السبب وأراد به الْمُسَبَّب هذا يسمى مجازًا.
ومنها تسمية الشيء باسم مسببه عكسه أَمْطَرَتِ السَّمَاءُ نَبَاتًا، أي مطرًا.
(1) سبق.
ومنها تسمية الشيء باسم ما يحل فيه {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ} [آل عمران: 107] قالوا: أي في الجنة. التي تحل فيها الرحمة، ولا مانع أن يراد بها كذلك الصفة، يعني صفة الرحمة مع الجنة.
أو باسم المحل نحو: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ} [العلق: 17] أي أهل ناديه الحال فيه وهو المجلس، ويحتمل أنه على حذف المضاف.
إذًا هذا الشيء من العلاقات وهي أكثر من ذلك.
إذًا المجاز المرسل مع علاقته المصححة له غير المشابهة كالأمثلة المذكورة.
(أَوِ استِعَارَهْ) هذا يقابل المجاز المرسل، أي أو يكون المجاز المفرد استعارة، إن لم تكن العلاقة غير المشابهة، بل كانت المشابهة بينهما فالاستعارة حينئذٍ نعرفها بأنها هي اللفظ المستعمل فيما شُبِّهَ بمعناه الأصلي لعلاقة المشابه، يعني مجاز علاقته المشابه، مجاز علاقته غير المشابه هذا المرسل، مجاز علاقته المشابه هذا استعارة، واضح؟ هما قسمان متقابلان، وقوله:(استِعَارَهْ) يدل على أن المجاز المرسل قسيم للاستعارة لأنه أتى بـ أو (مُرْسَلاً أَوِ استِعَارَهْ) حينئذٍ يدل على أن المجاز المرسل قسيم للاستعارة وهما قسمان من مطلق المجاز المفرد، فالاستعارة هي اللفظ المستعمل فيما شُبِّهَ بمعناه الأصلي لعلاقة المشابهة كلفظ أَسَدٍ في قوله: رَأَيْتُ أَسَدًا يَرِمِي. ما العلاقة بين الرجل الشجاع والأسد؟ المشابهة، يعني هذا الرجل لشجاعته يُشْبِهُ الأسد في شجاعته، إذًا لما شَبَّهَ الرجل الشجاع بالأسد بجامع الشجاعة حينئذٍ أطلق لفظ الأسد وأراد به الرجل الشجاع وهذا يسمى استعارةً. وكثيرًا ما تطلق الاستعارة يعني لفظ استعارة على فعل المتكلِّم وهذا يأتي كثير عند البيانيين فلا تخلط، يُطلق لفظ الاستعارة على فعل المتكلِّم والمراد بالفعل المتكلم استعمال، الاستعمال، استعمال اسم المشبه به في المشبه، استعمال لفظ الأسد الذي هو لفظ المشبه به في المشبه، إذا قلت: زَيْدٌ، رَأَيْتُ أَسَدًا يَرْمِي. عندنا مشبه ومشبه به، وعندنا لفظ المشبه به - انتبه - المشبه به ولفظ المشبه، ما هو المشبه به؟ الأسد أو مسمى الأسد؟ مسمى الأسد. إذًا إذا أردت إلحاق شيء بشيء فحينئذٍ تُلْحِق المشبه الذي هو الجثة الرجل الشجاع بالجثة التي هي مسمى الأسد، ثم تأخذ لفظ الأسد وتجره على الرجل الشجاع. إذًا التشبيه بالرجل الشجاع بمسمى الأسد لا بالأسد الذي هو اللفظ، ثم تأخذ لفظ الأسد لدلالته على حيوان مفترس تجعله للرجل الشجاع ولذلك استعمال اسم المشبه به عرفتم؟ اسم المشبه به يعني لفظ الأسد في المشبه الذي هو الرجل الشجاع، يعني فعْلُكَ كَوْنُكَ تجعل هذا مشبهًا وهذا مشبهًا به، ثم المشبه به له لفظ اسم وهو الأسد فتسحبه على الرجل الشجاع، هذا يسمى ماذا؟ يسمى فعل المتكلِّم استعارة، تطلق الاستعارة ويراد بها هذا المعنى، ويكون حينئذٍ بمعنى المصدر، والطرفان حينئذٍ المشبه به والمشبه مستعار منه أو مستعار له، واللفظ أي لفظ المشبه به مستعار، إذا كان المراد بالاستعارة فعل المتكلِّم فعندنا المشبه يُسمى مستعارًا له، والمشبه به مستعار منه، واللفظ الذي هو الأسد مستعار، هذا إذا جعلناها بالمعنى المصدري، وأما إذا قلنا: الاستعارة. وهي التي أرادها الناظم هنا اللفظ المستعمل لعلاقة المشابهة حينئذٍ صارت لفظًا جامدًا، فليس عندنا مستعار منه ولا مستعار له ولا .. إلى آخره، لماذا؟ لكونها علمًا جامدًا، وحينئذٍ لا اشتقاق، وأما الأول الذي هو فعل المتكلم حينئذٍ صار مصدرًا، والمصدر محل للاشتقاق.
إذًا الاستعارة يُطلق اللفظ استعارة ويراد به فعل المتكلِّم الذي هو استعمال اسم المشبه به في المشبه، عرفنا هذا، هذَا يسمى استعارة بالمعنى المصدري، وعليه ينبني المشبه مستعار له، والمشبه به مستعار منه، واللفظ مستعار. عندنا ثلاثة أركان، وأنت مستعير هذه أربعة، لكن هذا يُسكت عنه لوضوحه، فعندنا المستعير الفاعل أنت، ومستعار له، ومستعار منه، واللفظ. فرق بين هذه الأربعة معاني، وهذا متى؟ إذا كان لفظ الاستعارة مراد به المعنى المصدري الذي هو فعل المتكلِّم، وليست هي المعرفة هنا.
المعنى الثاني: اللفظ المستعمل في غير ما وُضع له لعلاقة المشابه. ليس عندنا إلا استعارة، ليس عندنا مستعار له ولا .. إلى آخره، لماذا؟ لكونه لفظًا جامدًا. وعلى الأول وهي اللفظ المستعمل لا يشتق منها لكونها حينئذٍ اسمًا للفظ جامد لا للحدث، وعلى الثاني وهي استعمالها صح منه الاشتقاق كما مرّ.
هذه حقيقة الاستعارة وهي مجاز علاقته المشابه. اختلفوا في الاستعارة هل هي مجاز لغوي أو مجاز عقلي؟ على قولين، ونذكره لأن المصنف أشار إليه قوله:(بِجْعَلُ ذَا ذَاكَ ادِّعَاءً أَوِّلَهْ). إذًا اختلفوا الاستعارة التي هي مجاز علاقته المشابه، هل هي مجاز لغوي أو مجاز عقلي؟ على قولين، فالجمهور تعرفون الجمهور، يعني الكثرة الغالبة على أنها مجاز لغوي، على أنها الاستعارة مجاز، اتفقوا على أنها مجاز، لكن ما نوع المجاز؟ هل هو لغوي أم عقلي؟ هنا محل النزاع، فاتفقوا على أنها مجاز واختلفوا في الدلالة، فالجمهور على أنها مجاز لغوي بمعنى، ما معنى المراد بالمجاز اللغوي؟ أنها لفظ، إذًا لفظ، اسْتُعْمِلَ في غير ما وُضع له لعلاقة المشابه، وهو الذي عرفنا عليه ما سبق وهو الصحيح، ولذلك جرينا على التعريف السابق، لفظ استُعمل في غير ما وُضع له لعلاقة المشابه، قالوا: لا شك أنها موضوعة للمشبه به لا للمشبه، ولا لأعم منهما. لفظ أسد في أصل وضعه - أنتم معي الآن - لفظ أسد في أصل وضعه عندنا مشبه وعندنا مشبه به، أنت قلت ماذا؟ رَأَيْتُ أَسَدًا يَرْمِي، فالأسد هذا موضوع لماذا لأي شيء؟ للحيوان المفترس الجثة المخصوصة المعلومة أو للرجل الشجاع؟ هل هي موضوعه هل لفظ أسد موضوع للمشبه به أو للمشبه؟ للمشبه به، ثَمَّ احتمال ثالث أن يكون موضوعًا لما هو أعم منهما من الرجل الشجاع والجثة المعلومة وهو الحيوان الجريء، هل لفظ أسد موضوعه مدلوله اللغوي الحيوان الجريء فيعم الرجل الشجاع لأنه حيوان ويعم الجثة المخصوصة فهو حيوان، هل هذا موضوع له أم لا؟ نقول: لا، ولذلك قالوا:[ليس لفظ الأسد موضوعًا بل] نعم قالوا: لا شك أنها موضوعة للمشبه به، إذًا للمشبه به لا للمشبه، فلفظ الأسد لا يدخل تحته الرجل الشجاع، لماذا؟ لكون العرب نطقت بلفظ الأسد وله مدلول واحد وهو الحيوان المفترس، ولا لأعم منهما، يعني ما يعمّ المشبه والمشبه به، فأسد في قولك: رَأَيْتُ أَسَدًا يَرْمِي. موضوع للسبع المخصوص، واضح هذا؟ أسد في قولك: رَأَيْتُ أَسَدًا يَرْمِي. موضوع للسبع المخصوص لا للشجاع الذي يعم الحيوان وغيره، ولا لمعنى أعمّ منهما كالحيوان المجترئ، فحينئذٍ نقول: لو وضع بالشجاع، أو وضع للحيوان المجترئ، فاستعمال الأسد حينئذٍ يكون في معنى ما وُضع له، أو في غير معناه؟ ما أنتم معي؟
إذا قلنا: بأن لفظ الأسد مدلوله في لسان العرب الشجاع من حيث هو، فإذا استعملت قلت: رَأَيْتُ أَسَدًا يَرْمِي. استعملته فيما وُضع له، أو في غيره؟
فيما وُضع له.
إذًا صار حقيقة، لو كان مدلول الأسد الحيوان الجريء من حيث هو حيوان، فقلتَ: رَأَيْتُ أَسَدًا يَرْمِي. استعملته فيما وُضع له أو في غيره؟ فيما وُضع له.
إذًا صار حقيقة.
إذًا نقول: وضع لفظ أسد ليس للمشبه الذي هو الشجاع فلا يعمّه، وليس لما هو أعمّ من المشبه والمشبه به الذي هو الحيوان الجريء، لا للشجاع، ولا لمعنى أعم منهما من الحيوان المجترئ مثلاً، ليكون إطلاقه لفظ الأسد عليهما حقيقةً كإطلاق الحيوان عليهما، وهذا معلوم بالنقل عن أئمة اللغة العربية، يعني استعمال الأسد إنما هو للسبع المخصوص. ما الذي دلنا على ذلك؟ تنصيص أئمة اللغة على ذلك. إذًا ليس مدلول لفظ أسد الشجاع ولا ما هو أعم من المشبه به والمشبه، وعلى الشجاع إطلاق على غير ما وُضع له مع قرينة مانعة عن إرادة ما وضع له فيكون مجازًا لغويًا، إذا أطلق لفظ الأسد على الشجاع نقول: هذا استعمال للفظ في غير معناه، لأن أئمة اللغة نقلوا لنا أن لفظ الأسد إنما المراد به الحيوان السبع المخصوص، فإطلاقه على الشجاع مع قرينة وعلاقة نقول: استعمال للفظ في غير ما وُضع له وهذا هو المجاز اللغوي.
وقيل: مجاز عقلي. بمعنى أن التصرف فيها في أمر عقليّ لا لغويّ، ما سبق هو تنصيص ونقل من أئمة اللغة فاستُعمل اللفظ فيما وُضع له في لسان العرب إذا أريد به السبع المخصوص، وإذا أريد به غيره فهو مجاز لعلاقة مع قرينة، هذا أمر لغوي والمردّ فيه إلى السماع النقل، ما أذن فيه أهل اللغة فهو المعتمد، وما لم يكن كذلك فلا. هنا قالوا: لا، التصرف النقل إنما هو استعمال العقل لأنها لم تطلق - يعني الاستعارة - الذي هو لفظ الأسد على المشبه إلا بعد ادعاء دخوله في جنس المشبه به، يعني ادَّعَيْتَ أولاً دعوى مجرد دعوى تخيل أن هذا الرجل الشجاع هو فرد من أفراد الأسد، فالأسد له أفراد من جملة هذه الأفراد المشبه إذًا هذا أمر عقلي أم لغوي؟ قالوا: هذا أمر عقلي - على قولهم - هذا أمر عقلي. إذًا لم تطلق على المشبه إلا بعد ادعاء دخوله في جنس المشبه به، فإِنَّ جَعْلَ الرجل الشجاع فردًا من أفراد الأسد كان استعمالها فيه استعمالاً للفظ فيما وُضع له، هم أوردوا إيراد قالوا: نحن وأنتم مع الجمهور ندَّعِي أن الرجل الشجاع فرد من أفراد الأسد، إذًا إذا استعمل الأسد في هذا الفرد استعمال حقيقي أو مجازي؟ قالوا: استعمال حقيقي. إذًا استعمال اللفظ لفظ الأسد في الرجل الشجاع بعد ادِّعاء أنه من جنس المشبه به هذا حقيقي، فلا يكون مجازًا لغويًّا، بل حقيقةً لغوية، وليس فيها - في هذا التعبير - غير نقل الاسم وحده، ونقل الاسم المجرد ليس استعارة. على هذا الكلام ليس عندنا في الاستعارة إلا نقل اللفظ من الأسد مدلوله إلى الرجل الشجاع، وهل هذا هو الاستعارة؟ قالوا: لا. إذا لم يكن هذا الاستعارة إذًا ليس عندنا إلا شيء آخر وهو التصرف العقلي، فصارت مجازًا عقليًّا.
إذًا لامتناع حمل اللفظ هنا على الحقيقة لا بد من كونه مجازًا، لأننا اتفقنا على أنه مجاز، واستعمال الأسد في الرجل الشجاع حقيقة لأنه فرد من أفراده، فإذا انتفى هذا الاستعمال فليس عندنا إلا أن يكون المرد إلى العقل. ونقل الاسم المجرد ليس استعارةً، لأنه لا بلاغة فيه بدليل العلامة المنقولة، فلم يبقَ إلا أن يكون مجازًا عقليًّا، بمعنى أن العقل جعل الرجل الشجاع من جنس الأسد، وجُعْلُ ما ليس في الواقع واقعًا مجازًا عقلي، وعلى هذا مشى الناظم، ظاهر النظم أنه مجاز عقلي، والمراد بالمجازي العقلي التصرف العقلي، والتصرف العقلي محصور في شيء واحد وهو ادِّعاء أن المشبه فرد من أفراد المشبه به، هذا التصرف العقلي وليس بلغوي، ولذلك قال الناظم:(بِجَعْلِ ذَا ذَاكَ ادِّعَاءً أَوِّلَهْ).
(بِجَعْلِ ذَا)، (بِجَعْلِ) من؟ المستعير، جعل المستعير هنا من إضافة المصدر إلى مفعوله، (بِجَعْلِ) المستعير (ذَا ذَاكَ)، (ذَا) إشارة إلى أي شيء؟ المشبه (بِجَعْلِ ذَا) أي المشبه. (ذَاكَ) أي المشبه به. (ادِّعَاءً) أن المشبه داخل في جنس المشبه به - كما سبق -، واضح هذا؟ (بِجَعْلِ) أفضل [يَجْعَلُ](بِجَعْلِ ذَا) هو المشبه (ذَاكَ) المشبه به، حقيقةً؟ لا، ادعاءً يعني بالعقل بتصرف العقل، والدعوى هنا محلها العقل يَدَّعِي في نفسه أن هذا الرجل الشجاع فرد من أفراد الأسد، ثم يسحب الاسم عليه ويسميه باسمه، (أَوِّلَهْ) أي أول المستعير ادّعاء دخول المشبه في جنس المشبه به، بأن جعل أفراد الأسد بطريق التأويل قسم (أَوِّلَهْ) يعني على جهة التأويل، فجعل أفراد مدلول الأسد قسمين:
متعارف، وغير متعارف.
ما هو المتعارف؟ الجثة المخصوصة.
غير المتعارف ما وجد فيه معنى الأسدية وهو الشجاعة.
حينئذٍ جعل اللفظ له مدلول وهو أفراده، وقسَّم الأفراد إلى نوعين:
- نوع متعارف فيه.
- ونوع غير متعارف فيه.
إذًا (أَوِّلَهْ) إلى قسمين:
- أحدهما المتعارف وهو الذي له غاية الجراءة في مثل تلك الجثة المخصوصة.
- والثاني غير المتعارف: وهو الذي له تلك الجراءة، لا في تلك الجثة والهيكل المخصوص.
يعني الإنسان الرجل الشجاع وُجِدَت فيه الجراءة ولم توجد الجثة، وذاك وجدت فيه الجراءة والجثة نفسها، حينئذٍ أفراد الأسد نوعان: متعارف، وغير متعارف. ولفظ الأسد إنما هو موضوع للمتعارف، فاستعماله في غير المتعارف استعمال في غير ما وُضع له، وهذا المراد بالتأويل، أنه قدر أن الأفراد على نوعين، والأصل في وضع لفظ الأسد للمتعارف، وغير المتعارف هذا جاء من جهة تصرف العقل، حينئذٍ استُعمل لفظ الأسد في المتعارف وهو حقيقة لغوية، وإذا استعمل في أفراد غير المتعارف حينئذٍ سُمِّيَ مجازًا لأن أرباب هذا القول يُسَلِّمُون بأن الاستعارة نوع من أنواع المجاز، ولفظ الأسد إنما هو موضوع للمتعارف، فاستعماله في غير المتعارف استعمال في غير ما وُضع له، والقرينة مانعة عن إيراد المعنى المتعارف بتعيين غير متعارف بها هذا المراد بقوله:(بِجَعْلِ ذَا ذَاكَ ادِّعَاءً أَوِّلَهْ).
ومنع الجمهور هذا الدليل لأن الجمهور يُسَلِّمُون بأن الإدعاء موجود، يعني ادعاء أن المشبه فرد من أفراد الأسد يقول به الجمهور لكنه ليس بأمر لغوي هم ادعوا أنه إذا استُعمل فيه فهو لغوي نمنع هذا، قالوا: نحن ندَّعِي بأن المشبه فرد من أفراد المشبه به. طيب إذا استُعمل لفظ الأسد في المشبه استعمال الحقيقي. إذًا إذا كان هذا حقيقة أين المجاز؟ تصرف عقليّ، نحن نمنع بأن استعمال لفظ الأسد في غير المتعارف أنه استعمال حقيقي، بل لم تضع العرب إلا لفظ الأسد إلا للفرد المتعارف فقط، وأما غيره فهو استعمال مجازي، ومنع الجمهور هذا الدليل بأن ادعاء دخول المشبه في جنس المشبه به لا يقتضي أن تكون الاستعارة مستعملة فيما وُضعت له للعلم الضروري بأن أسدًا في قولنا: رأيت أسدًا يرمي. مستعمل في الرجل الشجاع والموضوع له هو السبع المخصوص باتفاق أئمة اللغة.
إذًا الاستعارة على الصحيح هي مجاز لغوي.
وقوله: (بِجَعْلِ ذَا ذَاكَ ادِّعَاءً أَوِّلَهْ). محتمل، الشارح هناك جعله بأنه ممن يرجح أنها مجاز عقلي، وهذا ظاهر، لكن يحتمل أن هذا تفسير للاستعارة، (أَوِ استِعَارَهْ) كيف ما وجه الاستعارة؟ (بِجَعْلِ ذَا ذَاكَ ادِّعَاءً) وهذا يقول به الجمهور، فحينئذٍ قد يحتمل أن كلام الناظم هنا على وفق ما عليه الجمهور. ابن حزم والظاهرية أنكروا وجود الاستعارة في القرآن وفي السنة وفي لسان العرب، لماذا؟ لأنها كذب. قالوا: المجاز كله كذب.
فائدة: تفارق الاستعارة الكذب من وجهين: يعني فرق بين الاستعارة والكذب. وهم يقولون بأن المجاز يحتمل نفيه ويحتمل تكذيبه، رَأَيْتُ حِمَارًا يَكْتُبُ، كذبت ليس بحمار يجوز نفيه. تقول: في هذا التركيب يجوز نفيه لأنك الذي تنفيه ما هو؟ الحمار الأصلي، عندما تقول ماذا: رَأَيْتُ حِمَارًا يَكْتُبُ. يكتب هذه قرينة، حمار هنا المراد به الفرد المتعارف أو غير المتعارف؟ غير المتعارف، وقولك: كذبت. على ماذا؟ على المتعارف. إذًا كيف يقال بأنه يجوز نفيه أو يجوز تكذيبه، هذا فاسد، ثم يلزمهم نفي الخبر وقوع الخبر في القرآن، ما هو الخبر؟
.
ما احتمل الصدق والكذب لذاته، لذات الإدخال ما قطع بصدقه وهو كلام الله عز وجل، إذًا القرآن فيه أخبارٌ، والخبر ما يجوز تصديقه وتكذيبه، إذًا في القرآن ما يجوز تصديقه وتكذيبه، إذًا ننفي أن يكون القرآن مجتملاً على الخبر، وهذا فاسد ليس بصحيح. إذًا كون المجاز يجوز نفيه ونجعله قاعدة لنفي المجاز عن القرآن هذا دليلٌ فاسدٌ من أصله، لماذا؟ لأنه يلزمه أولاً نفي ليس منصبًا على الظاهر، عندما تقول: رأيت أسدًا يرمي. كذبت ليس بأسدٍ، نقول: ليس بأسدٍ حقيقي الذي هو المتعارف، ونحن ماذا أردنا؟ أردنا غير المتعارف، إذًا محل النفي والتكذيب ليس هو اللفظ وإنما هو المعنى المنقول إليه، وهذا واضحٌ ردُّه. يرد كذلك بكون القرآن فيه أخبار، والخبر ما يجوز أو ما يحتمل الصدق والكذب، على كلٍّ تفارق الاستعارة الكذب من وجهين، الاستعارة وإن شاركت الكذب في كون كل منهما إخبارًا بخلاف الواقع لكنها تتميز عنه بأمرين:
الأول: التأويل، وذلك بدعوى دخول المشبه في جنس المشبه به بأن يجعل أفراد المشبه به قسمين: متعارف، وغير متعارف، على ما سبق ولا تأويل في الكذب.
ثانيًا: القرينة، الكذب ليس عندنا قرينة، الكذاب ما ينصب قرينة تدل على أنه كذاب، أو ينصب؟ ما ينصب قرينة، وأما الذي يأتي بالمجاز لا بد أن ينصب قرينة تدل على أنه لم يرد المعنى الأصلي، رأيت حمارًا يكتب. ياه! الحمار ما يكتب، إذًا كونه يكتب هذا قرينة على أن الحمار هنا ليس الجثة المعهودة، القرينة لأن المجاز تنصب فيه القرينة الصارفة عن إرادة المعنى الأصلي بخلاف الكذب.
ثم قال الناظم رحمه الله تعالى، ذكر بعض أقسام الاستعارة، أقسام الاستعارة كثيرة جدًا، ولذلك أُلِّفَت رسائل فيها في تقسيمات عدّة، (وَهْيَ إِنِ اسْمُ جِنْسٍ اسْتُعيرَ لَهْ
أَصْلِيَّةٌ أَوْ لَا فَتَابعِيَّهْ) يعني تبعية، (وَإِنْ تَكُنْ ضِدًّا تَهَكُّمِيَّهْ) ذكر ثلاثة أنواع:
الأول: ما أشار إليه بقوله: (وَهْيَ إِنِ) كان (اسْمُ جِنْسٍ)، (وَهْيَ) أي الاستعارة تنقسم باعتبار اللفظ المستعار إلى قسمين، باعتبار اللفظ المستعار، اللفظ المستعار يعني لفظ الأسد عرفنا أنه مشبه به واسم المشبه به، عندنا شيئان النظر الآن في ماذا؟ في اسم المشبه به، (إِنِ) كان (اسْمُ جِنْسٍ) فالاستعارة أصلية، إن كان غير اسم جنسٍ كالفعل وسائر المشتقات فهي تبعية، واضح؟ إما أن يكون اللفظ المستعار (اسْمُ جِنْسٍ)، (وَهْيَ) أي الاستعارة باعتبار اللفظ المستعار قسمان لأن اللفظ المستعار إن كان اسم جنسٍ (إِنِ اسْمُ جِنْسٍ)، (اسْمُ جِنْسٍ) هذا خبر كان محذوفًا مع اسمها، إن كان المستعار (اسْمُ جِنْسٍ)، وهو أي (اسْمُ جِنْسٍ) ما دل على نفس الذات الصالحة بأن تصدق على كثيرين من غير اعتبار وصفٍ من الأوصاف، هذا هو حقيقة المصدر، لأن المصادر من أسماء الأجناس وإن كان اسم الجنس أعمّ من المصدر، لكن المراد به هنا المصدر وما كان في معناه وهو ما يجمعه قول: ما دل على نفس الذات الصالحة بأن تصدق عليك كالأسد، أسدٌ هذا دالٌ على نفس الذات الحيوان المفترس، وهو صالحٌ أن يصدق على كثيرين هذا أسدٌ وهذا أسدٌ وهذا أسد وإن كان هو ليس بمصدر من غير اعتبار وصفٌ من الأوصاف لأن النظر هنا إلى عين اللفظ، فهو (اسْمُ جِنْسٍ)، إن كان (اسْمُ جِنْسٍ) استعير له، استعير (اسْمُ جِنْسٍ) الضمير يعود إلى (اسْمُ جِنْسٍ) له أي للمشبه فهي أصلية، أي فاستعارة أصلية، فهي أصلية أي الاستعارة أصلية كأسدٍ إذا أستعير للرجل الشجاع، وقَتْلٍ الذي هو مصدر إذا أستعير للضرب الشديد.
الأول: اسم عين.
والثاني: اسم معنى.
إذًا اسم الجنس يعمّ النوعين:
- ما كان اسم ذاتٍ، اسم عين كالأسد.
- وما كان اسم معنى كالْقَتْلِ والْعِلْمِ .. ونحوها.
(أَوْ لَا) يعني أي أو لا يكون اللفظ المستعار (اسْمُ جِنْسٍ)، إذا لا .. #1.05.16 اسم جنسٍ يعني ما يدل على ذاتٍ عينٍ أو معنًى حينئذٍ هو فعلٌ وما اشْتُقَّ من الفعل، (أَوْ لَا) يكون اللفظ المستعار اسم (اسْمُ جِنْسٍ) كالفعل وما يُشْتَقُّ منه من اسم الفاعل واسم المفعول وصفة مشبه .. وغير ذلك، وزيد الحرف على خلافٍ فيه، فالاستعارة تابعية هنا مد بالألف للوزن فَتَبعِيَّة تسمى تبعية (فَتَابعِيَّهْ) أي فالاستعارة تبعيةٌ يعني متابعة لشيءٍ سابق، لأنه ما من تبعيةٌ استعارة تبعية إلا وهي مسبوقة بأصلية، ولذلك سميت بهذا الاسم فتَبعِيَّة لجريانها في اللفظ المذكور بعد جريانها في المصدر، إن كان اللفظ المستعار مشتقًا مثل الأفعال والصفات المشتقة، والأفعال مشتقة، والصفات قد تكون مشتقة وقد لا تكون مشتقة، مشتقة مراد بها اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة، مثاله قوله تعالى:{فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: 21] البشارة إنما تكون في ما يسر الشخص يعني يدخل السرور، وهنا قال:{فَبَشِّرْهُم} ينتظر ماذا؟ بالجنة بالثواب {فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} في تهكم، شبه الإنذار لأن المقام هنا يقتضي فأنذرهم بعذابٍ أليم ليس {فَبَشِّرْهُم} ، شبه الإنذار الذي هو مصدر المستعار له بالتبشير الذي هو مصدر المستعار منه، عندنا إنذار وعندنا تبشير، أين التشبيه هنا؟ أين المشبه به؟ الإنذار، أو التبشير، أو الإنذار؟
أيهما كالثاني؟ الإنذار كالتبشير، أو التبشير كالإنذار؟
هنا يقول: شبه الإنذار بالتبشير، الأصل هنا المقام يقتضي ماذا؟ فأنذرهم حذف أنذرهم وشبهه بماذا؟ بالتبشير فاستعمل اسم التبشير إذًا أين المشبه؟ التبشير.
أين المشبه به؟
لا، نحن الآن نَدَّعِي المشبه فردٌ من أفراد المشبه به، ندَّعِي أن الإنذار فردٌ من أفراد التشبيه، إذًا أين المشبه به؟
المذكور اللفظ الذي يُذكر أمامك هو لفظ المشبه به، وأما المشبه فلا، شبه الإنذار الذي هو مصدر المستعار له بالتبشير الذي هو مصدر المستعار منه.
إذًا التبشير هذا مستعارٌ منه، واستعير له اسمه تهكمًا، ثم اشتق منه الفعل فصارت الاستعارة إليه، يعني {فَبَشِّرْهُم} لم يأت بشر وأنذر، يعني لم تجد الاستعارة هنا بين الفعلين، قد يقول قائل: فبشر هذا فعل أمر. إذًا الأصل أنذر شبه أنذر وهو فعلٌ بماذا؟ بشر، نقول: لا، الاستعارة لا تجري بين الأفعال، وإنما تجري أولاً بين المصادر، فشبَّه الإنذار الذي هو مصدر أنذر بالتبشير الذي هو مصدر بشر، ثم صارت الاستعارة بعد ذلك إلى الفعل، ومثله {إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [هود: 87]، {إِنَّكَ لَأَنتَ} والأصل السفيه الَغَوِي فإنه شبه السفه والغي بالحلم والرشد واستعير لهما اسمهما، ثم اشتق منهما الوصف.
إذًا أولاً جرت الاستعارة في المصدر، ثم صارت إلى الفعل، فالاستعارة الأصلية على هذا يتقرر ما كان المستعار فيها اسم جنسٍ، والتبعية بأن لا يكون اسم جنسٍ كالفعل والمشتق منه، ووجه التسمية هنا أن الاستعارة مبناه على التشبيه، وهو وصفٌ، يعني التشبيه يقتضي ماذا؟ يقتضي كون المشبه موصوفًا بوجه الشبه، هذا الأصل، أي كونه مشاركًا للمشبه به في وجه الشبه، وإنما يصلح للموصوفية الحقائق المتقررة، أما الأفعال فلا، لأنها غير ثابتة، أي الأمور الثابتة كقولك جسمٌ أبيض وبياضٌ ناصع دون معاني الأفعال والصفات المشتقة لكونها متجددة غير متقررة بواسطة دخول الزمان في مفهوم الأفعال وضعًا، وعروضه الصفات استعمالاً هذا هو المشهور، يعني أن بَشِّر وأنذر مثلاً هذه صفاتها غير ثابتة غير قارة، ومرّ معنا أن دلالة الفعل على الزمن دلالةٌ وضعية، ولذلك وكونه فعلاً لإفادة ماذا؟ التجدد، لماذا أفاد التجدد؟ لأن الزمن داخلٌ في مفهومه ويحصل شيئًا فشيئًا كلما وجد جزءٌ من الزمن وُجِدَ فيه نوعٌ من أجزاء الْحَدَث. إذًا كل ما دلّ على زمنٍ حينئذٍ لا يكون ثابتًا، الثابت كالأبيض، والناصع البياض، الأسود، أحمر نقول: هذه ثابتة طويل أو الطول والقصر نقول: هذه ثابتة لا تتبدل ولا تتغير، الاستعارة إنما تكون في أوصافٍ قارة ثابتة غير متجددة، والفعل يدل على ماذا؟ على التجدد، والصفات المشتقة تدل على .. .
إذًا لا تجري فيها الاستعارة، ولذلك العلم الجامد أو الأعلام لا تجري فيها الاستعارة إلا إذا قُدِّرَ فيها أوصاف، كلفظ حاتم مثلاً، حاتم هذا علم جامد، لا يقع الاستعارة فيه إلا إذا قصد به حاتم الجواد، رأيت حاتمًا يجود على الناس، حينئذٍ نقول شبه زيدًا من الناس بحاتم الجود، بجامع الجواد، ثم بدل ذلك استعار اسمه له، كيف استعار اسمه وهو علمٌ جامد؟ نقول: لا، هنا رُوعِيَ فيه الوصف.
إذًا (أَوْ لَا) تابعية هذا النوع الثاني.
(وَإِنْ تَكُنْ ضِدًّا تَهَكُّمِيَّهْ)، (وَإِنْ تَكُنْ) الاستعارة هذا النوع الثالث الذي ذكره الناظم، (وَإِنْ تَكُنْ) الاستعارة (ضِدًّا) أي مستعملةً في ضدِّ معناها الحقيقي أو في نقيضه، يعني إذا كانت الاستعارة قد تكون وجه الشبه أو الضِّدّية، قد يكون استعمالاً لضده فحينئذٍ تسمى الاستعارة تهكمية، إذا كان وجه المناسبة بين المعنيين الضد أو النقيض، فهي تهكمية أي فهي التهكمية والتمليحية يعني تنزيل التضاد أو التناقض منزلة التناسب، مثل ماذا؟ التهكمية كالمثال السابق {فَبَشِّرْهُم} [آل عمران: 21] ينتظر ماذا؟ بجنةٍ أو ثوابٍ، هذا من باب التهكم، أي أنذرهم استعيرت البشارة التي هي إخباره بما يظهر سرورًا في المخبر به للإنذار الذي هو ضده، إذًا التبشير والإنذار ضدان بإدخاله في جنسها على سبيل التهكم والاستهزاء والتمليحية كقولك: رأيت أسدًا. وتعني به جبان، لو رأيت جبانًا وقلت: رأيت أسدًا يرمي أو كذا. حينئذٍ نقول: هذا من باب السخرية والاستخفاف يستخف به وأنت تريد جبانًا على سبيل التمليح والظراف. هذا ما يسمى بالتهكمية. مرّ معنا الاستعارة في التشبيه هناك قلنا: لا على وجه الاستعارة التحقيقية، ولا على وجهة الاستعارة بالكناية، ولا على وجهة التجريد، التجريد سيأتي بحثه في البديع، ونذكر استعارة التحقيقية والكناية.
الاستعارة التحقيقية هي ما تحقق معناها حسًّا أو عقلاً، فهي داخلةٌ في الأمثلة السابقة، معناها يعني مدلولها إما أن يكون مدرك في الخارج بالحسِّ رأيت أسدًا يرمي، أو تكون مدركة في الخارج بالعقل: رأيت نورًا إذا عبرت عن العلم أو عن شيء. ما تحقق معناه حسًّا أو عقلاً فالأول: كقولك رأيت أسدًا يرمي، فإن أسدًا هنا تحقيقية لأن معناه الرجل الشجاع هذا أمرٌ محققٌ حسيّ، والثاني: كأن تقول مثلاً: رأيت نورًا، أو أظهرت نورًا، وقصدت بالنور هنا الحجة، فإن الحجة شيءٌ عقليّ لا حسيّ فإنها تدرك بالعقل، وهذه مبناها على التشبيه، وليست بتشبيهٍ اصطلاحي البتة.
الاستعارة بالكناية حقيقتها أن يُضْمِرَ التشبيه في النفس، فلا يُصَرِّحُ، يعني الْمُضْمِر بشيءٍ من أركانه سوى المشبه، الأركان أربعة كلها تحذف إلا المشبه، هو الذي يُنطق به، ثم يدل على ذلك التشبيه المضمَر في النفس بأن يُثْبَتَ للمشبه أمر مختصٌ بالمشبه به، يعني يضيف على الْمُشَبَّه لفظًا، هذا اللفظ من خصائص المشبه به، إذًا دل على المشبه به بذكر لازمٍ له، بأن يُثبت للمشبه أمرٌ مختصٌ بالمشبه به فيسمى ذلك التشبيه المضمر استعارةً بالكناية، ومكنيًا عنها لماذا؟ لأنه لم يصرح به، بل دل عليه بذكر خواصه، ويسمى إثبات ذلك الأمر المختص بالمشبه به بالمشبه استعارةً تخييلية فهي داخلةُ فيها، لأنه قد أستعير للمشبه ذلك الأمر المختص بالمشبه به، وبه يكون كمال المشبه به وقوامه في وجه الشبه لتخيل أن المشبه من جنس المشبه به، مثاله ليتضح: أنشبتُ المنيةُ أظفارها. شبه المنية بالسبع في الاغتيال، السبع يغتال بدون استئذان، والمنية تغتال كذلك بدون استئذان، السبع لا يفرق بين ضارٍ ونافع يغتال الفاسق ويغتال الصالح، كذلك المنية لا تفرق فشبه المنية بالسبع وأضمر التشبيه في نفسه وحذف الأداة والمشبه به وذكر ماذا؟ المشبه، المنية هي المشبه، أنشت المنية أظفارها، المنية لها أظفار؟ الجواب: لا، الأظفار هذه من أين جاءت؟ من لوازم وخصائص المشبه به، يعني حذف لفظ الأسد وذكر في اللفظ ما هو من خصائصه، التشبيه نفسه، تشبيه المنية بالسبع مع حذف السبع وأداته يسمى استعارة بالكناية، إثبات لفظ الأظفار للمشبه يُسمى تخييلية، فاجتمع كالأصلية والتبعية، شبَّه في نفسه المنية بالسبع في اغتيال النفوس بالقهر والغلبة من غير تفرقةٍ بين نفاعٍ وضرار كلٌ منهما لا يفرق، فأثبت لها الأظفار التي لا يكمل ذلك الاغتيال في السبع بدونها تحقيقًا للمبالغة في التشبيه، فتشبيه المنية بالسبع استعارةٌ بالكناية، وإثبات الأظفار لها تخييلية، وكلٌ من لفظي الأظفار والمنية هل هو مستعملٌ في ما وُضع له في لسان العرب أو لا؟ المنية المراد به الموت، إذًا استعمل فيما وُضع له لسان العرب، والأظفار كذلك استعمل فيما وُضع له في لسان العرب، وكلٌ من لفظي الأظفار والمنية حقيقةٌ مستعملةٌ في معناها الموضوع له، فلذلك هي عند صاحب ((التلخيص)) حقيقتان لغويتان غير داخلتين في قسم المجاز، يعني الاستعارة بالكناية عند صاحب ((التلخيص)) حقيقةٌ لغوية، لأن المنية استعملت في ماذا؟ في معناها الأصلي، وكذلك الأظفار بمعناه الأصلي، إذا قلت: زيد كالأسد حقيقة أو مجاز؟ زيدٌ كالأسد
حقيقة تشبيه الأصل فيه، وما ذُكر التشبيه إلا لأنه أضمر فيه الاستعارة، إذًا زيدٌ كالأسد هذا مثل أنشبت المنية أظفارها.
وبعد أن فرغ الناظم من الكلام على المقصد الثاني وهو المجاز، شرع في الكلام على المقصد الثالث وهو الكناية، وبه خاتمة فن البيان، وهي في اللغة مصدر كنيت بكذا عن كذا كونًا إذا تركت التصريح به، وهي في الاصطلاح تُطلق على معنيين يعني لها استعمالان عند البيانيين:
أحدهما معنى المصدر كالاستعارة، معنى المصدر الذي هو فعل المتكلِّم، والمراد به هنا ذكر اللازم وإرادة الملزوم مع جواز إرادة اللازم أيضًا، عندنا لازم وعندنا ملزوم ما هو الملزوم؟ مدلول المعنى اللفظ يسمى ملزومًا، واللازم هو الخارج عنه، كما مرّ معنا في المنطق، الملزوم هو مدلول اللفظ، واللازم هو الخارج، ولذلك نقول: دلالة الالتزام ما هي؟ دلالة اللفظ على خارجٍ لازمٍ، إذًا عندنا لازم وهو الخارج إذًا ليس مدلول اللفظ، ومدلول اللفظ هو الملزوم اتضحت هذه؟ لأن هذه ينبني عليها باب الكناية، إذًا مدلول اللفظ الملزوم، والخارج هو اللازم، قد يستعمل الكناية والمراد به المعنى المصدري الذي هو فعل المتكلِّم، ذكر اللازم وإرادة الملزوم مع جواز إرادة اللازم أيضًا، وعليه كالسابق فاللفظ مكني به والمعنى مكني عنه، إذًا عندنا اشتقاق لأننا أردنا بالكناية المصدر، والمصدر يشتق منه ليست علمًا كالاستعارة هنا في اللفظ، وثانيهما يراد بالكناية نفس اللفظ وهي المرادة هنا، ليس المعنى المصدري، وإنما المراد اللفظ عينه، كالاستعارة هنا قد يراد به الأسد بعينه وقد يراد الإطلاق الاستعمال، استعمال اسم المشبه به في المشبه، هنا قد يراد بالكناية ذكر اللازم وإرادة الملزوم مع جواز إرادة اللازم أيضًا، ويراد به أيضًا الكناية نفس اللفظ [المكني عنه به] المكني به، وهو الذي أشار إليه الناظم بقوله:(وَمَا بِهِ لَازِمُ مَعْنًى وَهْوَ لَا ** مُمتَنِعًا كِنَايَةٌ). (وَمَا) أي واللفظ. إذًا نفسر ما هنا بماذا؟ باللفظ، لماذا قلنا: اللفظ ولم نقل المعنى الذي هو فعل المتكلِّم؟ لأن اصطلاح البيانيين المراد به اللفظ، فنفسر اللفظ هنا بما شاع في اصطلاح البيانيين (وَمَا) أي واللفظ، به لازم لا بد من التقدير من أجل أن يصح الكلام، واللفظ الذي أريد به، (بِهِ) متعلق بـ أريد المحذوف (لَازِمُ مَعْنًى) أي معنى ذلك اللفظ. أريد به لازم لأن الكناية هنا استعمال اللفظ في اللازم لا في الملزوم، لكن لا يمنع أن يكون المراد استعمال اللفظ في اللازم مع إرادة الملزوم. بالمثال يأتي. (وَمَا بِهِ) يعني واللفظ الذي أريد به (لَازِمُ مَعْنًى) ذلك اللفظ. إذًا أول ما يُطلق اللفظ في الكناية مرادًا به اللازم، كاستعمال الأسد في الرجل الشجاع لكن في المجاز لا بد من قرينة تمنع إرادة الأصل، هنا ليس عندنا قرينة، لماذا؟ لأنه يجوز أن يراد به اللازم مع الملزوم معًا، لذلك قال:(وَهْوَ لَا ** مُمتَنِعًا)، (وَهْوَ) أي والحال، الواو واو الحال، أن ذلك المعنى (لَا ** مُمتَنِعًا) يعني لا يكون ممتنعًا، (وَهْوَ) الضمير يعود إلى أي شيء في اللفظ هنا؟ (وَمَا بِهِ لَازِمُ مَعْنًى)؟ المراد به المعنى نعم (وَهْوَ) أي المعنى (لَا ** مُمتَنِعًا) لا يكون ممتنعًا، والحال أن المعنى الأصلي الذي هو الملزوم لا يكون ممتنعًا إرادته، أي لا تمتنع إرادة ذلك اللازم، (كِنَايَةٌ) أي هذا الذي يسمى كناية.
إرادة ذلك الملزوم ليس اللازم، إرادة ذلك الملزوم إذًا يُطلق اللفظ أصالةً على اللازم لازم المعنى، ولا يمنع أن يراد به المعنى الذي هو الملزوم، واضح هذا؟ (كِنَايَةٌ) وهو معنى قول القزويني: الكناية لفظ أريد به لازم معناه. ليس المعنى إنما أريد به لازم المعنى، مع جواز إرادته معه، أي إرادة ذلك المعنى مع لازمه، كلفظ طويل النجاد، طويل النجاد، وكثير الرماد، المراد بهما لازم معناهما، طويل النجاد المراد النجاد هنا حمائل السيف، حمائل السيف إذا كانت طويلة إيش معناه؟ أنه طويل. فإذا قلت: هذا طويل النجاد. أي طويل حمائل السيف. إذًا أطلقته على ماذا؟ على حمائل السيف، حينئذٍ نقول: هل يمنع إرادة اللفظ بحمائل السيف مع كونه طويل القامة أو يختص بالثاني دون الأول، أو بالأول دون الثاني؟ لا، الاحتمالات ثلاثة: طويل النجاد، حمائل السيف، طويل القامة يراد به المعنيان معًا، الأول أم الثاني أم الثالث؟ الثالث، فيراد به المعنيان، لكن ابتداءً المراد به اللازم طويل النجاد أي حمائل السيف. ويلحظ معه ماذا؟ أنه طويل القامة، هنا قال: كثير الرماد. يعني مضياف. كثير الرماد يعني الرماد كثير ويلزم منه ماذا؟ أنه مضياف، فيحتمل أو الأصل يكون إطلاق اللفظ وإرادة اللازم الذي هو مدلول مدلُول اللفظ كثير الرماد مع كونه مضيافًا، لماذا؟ لأنه إذا كان مضيافًا كثر ذبحه، وإذا كثر ذبحه كثر طبخه، وإذا كثر طبخه كثر إيقاده ويلزم منه كثرة الرماد، هذه لوازم متتابعة [ها ها] نعم، كلفظ طويل النجاد وكثير الرماد المراد بهما لازم معناهما، أعني طول القامة، يعني إذا استعمل طويل النجاد مرادًا به طول القامة، وكونه مضيافًا مع جواز إرادة حقيقة هذين اللفظين أيضًا وهو طول حمائل السيف وكثرة الرماد، يعني يحتمل أنه كنى عن طول القامة بطويل النجاد، ويحتمل أنه كنَّى عن ماذا؟ عن كونه مضيافًا بكثرة الرماد مع إرادة ظاهر اللفظين معًا، وسُمِّيَ هذا النوعين كناية لما فيه من إخفاء وجه التصريح به بالعلم.
وبهذا ظهر أن الكناية تخالف المجاز من جهة إرادة المعنى الحقيقي للفظ مع إرادة لازمه، كإرادة طول النجاد مع إرادة طول القامة يجتمعان، بخلاف المجاز فإنه لا يصح فيه أن يراد المعنى الحقيقي مثلاً، فلا يجوز في قولنا:
…
[رَأَيْتُ زَيْدًا يَرْمِي. أن يراد بالأسد] رَأَيْتُ أَسَدًا يَرْمِي لا يراد بالأسد هنا الحيوان المفترس، لا يجوز، لأنه صُرِفَ عن معناه الحقيقي إلى المعنى المجازي، لأنه يلزم في المجاز أن يكون معه قرينة مانعة عن إرادة المعنى الحقيقي.
إذًا الكناية على ما ذكره صاحب ((التلخيص)) لفظٌ أريد به لازم معناه مع جواز إرادة المعنى الحقيقي.
وأقسامها ثلاثة كما أشار إليه بقوله: (فَاقْسِمْ إِلَى
إِرَادَة النِّسْبَةِ أَوْ نَفْسِ الصِّفَةْ ** أَوْ غَيْرِ هَذَيْنَ).
الكناية ثلاثة أقسام أشار إليها الناظم بقوله: (فَاقْسِمْ) يعني الكناية، إلى ثلاثة أقسام:
الأول: (إِرَادَة النِّسْبَةِ) عرفنا المراد بالنسبة ما هي النسبة؟ إثبات أمر لأمر أو نفيه عنه. (إِرَادَة النِّسْبَةِ) أي إثبات أمر لآخر أو نفيه عنه، فالمطلوب بالكناية هنا النسبة عينها، فالمطلوب هنا بالكناية نسبته لغيره كقولهم: الْمَجْدُ فِي بُرْدَيْهِ، وَالْكَرَمُ فِي ثَوْبَيْهِ أو فِي ثَوْبِهِ، فإنهما كنايتان عن ثبوت المجد والكرم له حيث لم يُصرح بذلك بل كَنَّى عنه بكونهما في برديه وفي ثوبه، فإن الأمر إذا أثبت فيما يختص بالرجل ويحيوه من ثوب ونحوه فقد أُثْبِتَ له، هنا المراد الْمَجْدُ فِي بُرْدَيْهِ ي، عني كأن الذي في البردين هو المجد بعينه، فالمراد به النسبة، وَالْجُودُ فِي ثَوْبِهِ كأن الذي هو في الثوب المجد بعينه، ومنه قول الشاعر:
إن السماحة والمروءة والندى
…
في قبة ضربت على ابن الحشرج
كأنه أراد ماذا هنا؟ أراد أن يُثبت اختصاص ممدوحه بثبوت هذه الصفات له، إذا أريد إثبات الصفات بالممدوح كالمجد في برديه، فالمراد هنا بالكناية النسبة، إثبات أمر لآخر، وهنا أراد ماذا؟ أراد إثبات هذه المذكورات السماحة والمروءة والنَّدى أنها مختصة بممدوحه بثبوت هذه الصفات له، فترك التصريح باختصاصها بأن يقول: إنه مختص بها أو نحوه مثل السماحة لابن الحشرج، أو سماحة ابن الحشرج، أو سَمِحٌ ابن الحشرج، يعني لا يأتي بألفاظ تدل على الاختصاص، وإنما يعدل إلى الكناية بأن جعل تلك الصفات في قبة تنبيهًا على أن محلها وهي تكون فوق الخيمة يتخذها الرؤساء مضروبة عليه، يعني كأن القبة هذه التي كونت من السماحة والمروءة والندى قد اختصت بابن الحشرج لكونها حالةٌ في مكانه، والشيء إذا اختص بالمكان اختص به، يعني كأنه جاء بالكناية دون التصريح من أجل أن يبين أن الشيء قد يكون وصفًا له بذاته وقد يكون بمكانه، فكما أن القبة قد وضعت عليه وهي مؤلفة من هذه المعاني الثلاثة السماحة والمروءة والندى فكذلك المكان الذي هو فيه، بأن جعل تلك الصفات في قبة تنبيهًا على أن محلها وهي تكون فوق الخيمة يتخذها الرؤساء مضروبة عليه، يعني على ابن الحشرج، لأنه إذا ثبت الأمر في مكان الرجل وحيزه فقد ثبت له.
والثاني ما ذكره بقوله: (أَوْ) في (نَفْسِ الصِّفَةْ)، (أَوْ نَفْسِ الصِّفَةْ) أي المطلوب بالكناية الصفة عينها كالجود والكرم ونحوهما كطويل النجاد إذا جعل كناية عن طول القامة فالمراد هنا نفس الصفة على المثال السابق، ومنه ذو القفا العريض كناية عن شخص أبله، ذو القفا العريض هذا وصف أريد به [ها ها] أريد به الوصف بعينه، الصفة عينها الصفة.
الثالث: ما ذكر في قوله: (أَوْ غَيْرِ هَذَيْنَ) يعني غير النسبة وغير الصفة وهو الموصوف. إذًا الكناية إما أن تكون عن النسبة وإما أن تكون عن الصفة بعينها أو عن الموصوف، والأمثلة ما سبق (أَوْ غَيْرِ هَذَيْنَ) وهي المطلوب بها غير صفة وغير نسبة بل نفس الموصوف كقولك: المضياف. كناية عن زيد بسبب اختصاصه بالمضياف وأردت به زيد، نقول: هنا المراد به الموصوف.
ولما كان بحث الكناية لطيفًا معناه ودقيقًا في المآخذ أمر الناظم بالاجتهاد في معرفته فقال: (اجْتَهِدْ أَنْ تَعْرِفَهْ) يعني تعرف هذا، أو يحتمل أنه يعود إلى البيان كله وهذا أولى (اجْتَهِدْ) يعني اسعى سعيًا حثيثًا (أَنْ تَعْرِفَهْ) يعني تعرف الكناية المذكور الأخير أو أن تعرف الباب كله العلم البيان من أوله إلى آخره.
الفن الثالث (عِلْمُ الْبَدِيعِ). والله أعلم.
وصلَّى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أسئلة:
س- إنما السعادة للمقبولين إنها مثال على قصر الموصوف على الصفة، وعزى ذلك الدمنهوري قائلاً: المقبولين لا صفة لهم إلا السعادة.
ج - لا، كيف لا صفة لهم إلا السعادة، لهم صفات السعادة وغيرها، وهذا ليس بصحيح.
س- هل القول بإثبات المجاز في القرآن هو الصحيح وهل يجوزه نفيه بحجة .. ؟
ج- كما ذكرنا الصحيح أن المجاز موجود في لغة العرب وليس بقليل، وإذا كان في لغة العرب فالصحيح أنه موجود في القرآن وليس بقليل، بل هو كثير، كذلك موجود في السنة، ولا يلزم القول بالمجاز التسليم التأويل لأن المؤوِّل إنما اعتقدوا أولاً أن ظاهر النصوص هو التشبيه {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64] قالوا: لا نفهم من هذا التركيب إلا هذه اليد وهذا محال، إذًا فهموا أولاً التشبيه، فقالوا: ظاهر النصوص غير مراد. إذًا عندهم مقدمة لا بد من تأويل النص فلجئوا إلى المجاز، فالمجاز مقدمة ثانية وليس مقدمة أولى، وإنما اعتقدوا أولاً أن ظاهر النصوص هو ما يتبادر إلى الفهوم وهو التشبيه، لم يفهموا من استوى إلا الاستواء القعود الذي لا يدرك إلا من شأن المخلوق وهو محال لا شك في ذلك، لم يفهموا من العين إلا هذه العين، ولم يفهموا من اليد إلا هذه اليد، ولا الرجل إلا هذه الرجل، هل هذا فهم صحيح أم فهم سقيم؟
هذا فهم سقيم، بل {بَلْ يَدَاهُ} يدان تليق بجلاله جل وعلا، هذا ابتداءً أول الأمر، لماذا؟ لكونها أضيفت بالضمير لا إلى الله عز وجل، فإذا أطلق اللفظ يد حينئذٍ لا تختص بشيء، فإذا قيدت فحينئذٍ لا يفهم منه إلا باعتبار القيد وهو المضاف إليه، فحينئذٍ نقول: ظاهر النصوص هو ما يليق بجلاله جل وعلا من إثبات الصفات على المعاني اللائقة بها، وليس ظاهر النصوص هو التشبيه، والأشاعرة ومن أَوَّل وحرَّف اعتقدوا مقدمةً أولى أن ظاهر النص التشبيه هذا أولاً، ثم قالوا: ظاهر النصوص غير مراد فلا بد من تخريجه. فبحثوا عن التخريج فوجدوا المجاز، وهم لم يوجدوا المجاز من أجل ذلك كما يدعيه البعض، وإنما المجاز قد نص عليه كثير من أئمة اللغة، والإمام أحمد قال: هذا من مجاز اللغة. وأبو عبيدة كذلك قال: هذا من مجاز اللغة. وهذا يكون على أصله في إثبات المجاز.
نعم هو تطور وقُعِّد كغيره من العلوم يعني المسائل المتعلقة بباب الاشتغال، والمسائل المتعلقة بباب الفاعل والمفعول، أولاً وجدت على هيئتها التي تكون مناسبة لكل علم في أول نشأته، تأخذ مثال الرسالة للإمام الشافعي في أصول الفقه، هل أصول الفقه الذي وضعه الشافعي في الرسالة هو بعينه الموجود عند المتأخرين، ولا عند المتوسط، مختلف عنه، اختلف في ماذا؟ في تحقيق العبارات في تنصيص، في توليد بعض المسائل، في كثرة الاستدلالات، في بيان وجه الاس .. .
إذًا الفن أول ما يوضع يُوضع مسائل، ولذلك جمع أصول الفقه كلها في رسالة واحدة الذي هو الكتاب، ثم بعد ذلك نُقِّحَ وهُذِّبَ وزِيد عليه، فليس هو أصول الفقه بعينه الذي يكون عند .. ، فإنما اختلفت العبارات واختلف تقسيمها، كذلك المجاز هو استعمال في اللفظ في غير ما وُضع له، ثم بعد ذلك تطور وقُعِّدَ وأُصِّلَ على ما كان عليه. والله أعلم.