الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* البلاغة وموصوفاتها.
* الصدق والكذب.
* الفن الأول: علم المعاني.
* تعريف علم المعاني وحصر أبوابه.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
ذكرنا أن الناظم رحمه الله تعالى قَدَّم مقدمة هذه العلوم الثلاث، وما يتعلق بالحديث عن الفصاحة والبلاغة.
وحيث كان الموصوف بالفصاحة متعدِّدًا:
إما أن يكون مفردًا.
وإما أن يكون متكلمًا.
وإما أن يكون كلامًا.
حينئذٍ تعذر أن يُعَرَّفَ أو تُعَرَّف الفصاحة بتعريف واحد، لأن الفصاحة في المفرد مغايرة للفصاحة في الكلام، والفصاحة في الكلام مغايرة للفصاحة في المتكلم، فهي متباينة، فإذا كان كذلك فحينئذٍ يتعذر أن نجمعها في تعريف واحد، فذكر فصاحة المفرد، ثم المتكلم، ثم الكلام.
كذلك الشأن في البلاغة فإنها تختلف، فالذي يوصف بها أمران:
إما الكلام.
وإما المتكلم.
وكلاهما متغايران، فحينئذٍ يمتنع أن تُجْمَعَ في تعريف واحد فكان الأنسب أن يُفرد كل حديث أو كل موصوف من هذه الموصوفات بحديث عنه يبين ما الذي يُشترط فيه وما الذي لا يُشترط فقال:
فَصَاحَةُ المُفْرَدِ فِي سَلَامَتِهْ
…
مِنْ نُفْرَةٍ فِيهِ وَمِنْ غَرَابَتِهْ
وَكَونُهُ مُخَالف الْقِيَاسِ
…
..........................
يعني: فصاحة المفرد لا تحقق إلا إذا سلم اللفظ المفرد وهو الكلمة الواحدة من هذه الثلاثة الأشياء كلها، فإذا وُجِدَ فيها واحد منها حينئذٍ حكمنا على اللفظ أو الكلمة الواحدة بأنها ليست فصيحة، وعرفنا المراد بالنُّفرة التنافر بين الحروف وله درجتان: أعلى، وأدنى. كذلك الغرابة والمراد بها متعلقة بالمعنى ولها درجتان كذلك: أعلى، وأدنى.
(وَكَونُهُ مُخَالف الْقِيَاسِ) قلنا: المراد بالقياس هنا القانون العربي يعني: ما وضعته العرب سواء كان موافقًا للقياس الاصطلاحي عند الصرفيين، أو كان مخالفًا لهم، فيشمل حينئذٍ ما كان قياسيًّا وما كان سماعيًّا.
ثم انتقل إلى موصوف آخر وهو الكلام.
قال: (ثُمَّ الفَصِيحُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ). يعني: الكلام الفصيح لا يُحْكَم عليه بكونه فصيحًا إلا إذا سَلِمَ من ثلاثة أشياء، فإن وُجِدَ فيها واحد منها حكمنا على الكلام بكونه ليس فصيحًا، وهنا الناظم ترك شرطًا مهمًا يذكره البيانيون وهو
(ثُمَّ الفَصِيحُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ) مع اشتماله على فصاحة الكلمات بمعنى أنه لا يمكن أن يكون الكلام فصيحًا وهو قد سَلِمَ من هذه الأمور الثلاث وهو مشتمل على كلمة ليست فصيحة، فحينئذٍ يكون خارجًا عن مُسِمَّى الفصاحة، وإنما لم يذكره الناظم قد يقال بأنه ترك هذا القيد بناءً على أن هذا القيد متفق عليه، وإذا كان متفق عليه فحينئذٍ صار مشهورًا عند البيانيين فلا يحتاج إلى اشتراطه.
وفصاحة الكلام هي سلامته من ثلاثة أشياء:
(مَا كَانَ مِنْ تَنَافُرٍ سَلِيمَا)[ما كان سليمًا ما كان الكلام الفصيح](1) ما كان الكلام سليمًا من تنافر الكلمات، التنافر هنا ليس بين الحروف وإنما بين الكلمات بعضها بجوار بعض، وأما الكلمة بذاتها بنفسها فهي فصيحة، (أَمْدَحُهُ أَمْدَحُه) هذا حصل بينهم تنافر، لكن ليس لذات أَمْدَحُهُ لوحدها وإنما لكونها كُرِّرَت.
(1) سبق.
(وَلَمْ يَكُنْ تَألِيفُهُ سَقِيمَا) يعني: ضعيفًا، وذلك فيما إذا كان مخالفًا لما كان عليه السنن العربية، وهي القواعد التي وضعها النحاة كإلحاق الفعل علامة تدل على أن الفاعل الظاهر مثنى أو مجموعًا أو نحو ذلك.
الثالث (وَهْوَ مِنَ التَعْقِيدِ أَيْضًا خالِي) يعني التعقيد يعني كون الكلام معقدًا وعرفنا أن له سببين:
السبب الأول: ما يرجع إلى اللفظ كالتقديم والتأخير، والحذف دون قرينة، ونحو ذلك.
والسبب الثاني: ما يرجع إلى المعنى بأن يستعمل لفظًا يكون الانتقال فيه من الظاهر إلى المعنى المراد فيه بُعْد لا جمود كما ذكرنا في المثال السابق. هذا ما يتعلق بما مضى.
ثم انتقل الناظم رحمه الله تعالى مبينًا الكلمة الأخرى وهي البلاغة فقال: (وَإِنْ يَكُنْ مُطَابِقًا لِلْحَالِ فَهْوَ الْبَلِيغُ). (وَإِنْ يَكُنْ) أي: الكلام الفصيح. (مُطَابِقًا لِلْحَال فَهْوَ الْبَلِيغُ) إذًا البلاغة تقابل الفصاحة وبينهما قدر مشترك، وذهب بعض البيانيين إلى أن البلاغة والفصاحة بمعنى واحد يعني: مترادفان. هما يجتمعان ويفترقان، ولذلك لا يكون الكلام بلغيًا إلا إذا كان فصيحًا، والعكس ليس كذلك قد يكون فصيحًا ولا يكون بليغًا، ولكن لا يكون بليغًا إلا إذا كان فصيحًا - كما سيأتي -.
نقول: ثم شرع الناظم رحمه الله تعالى في بيان ما يتعلق باللفظة الأخرى وهي البلاغة، والبَلاغَة وزن فَعَالَة، فَصَاحَة بَلاغَة، من بَلُغَ يعني فَعُلَ، لأن فَعُل يأتي مصدر القياس منه على فَعَالَةٍ، وهي تُنْبِئ في اللغة عن الوصول والانتهاء يعني: إذا بلغ الشيء ولذلك نقول: بلوغ، يعني: وصل إلى الحدّ الذي يكون مكلفًا من جهة الشرع، ولذلك نقول: بلغت الثمرة. يعني: وصلت الحد الذي تكون صالحة للقطف ونحوها، إذ هي مأخوذةٌ من بَلُغَ بالضم إذا انتهى، حينئذٍ إذا وُصِفَ الكلام يقول: لا بد أن يكون فيه من المعنى اللغوي بمعنى أنه بلغ النهاية في الحسن، يقال: كلامٌ بَلِيغٌ وخطيب بليغٌ. الكلام في البلاغة الآن عرفنا الفصاحة يوصف بها ثلاثة أشياء: كلمة فصيحة، كلام فصيح، متكلم فصيح. ثلاثة أشياء.
أما البلاغة فتشترك مع الفصاحة في الكلام والمتكلم، يقال: كلام بليغ، ومتكلم بليغ وليس عندنا كلمة بليغة إذا أريد بالكلمة اللفظة الواحدة، وأما إذا أريد بالكلمة التي هي الجمل المفيدة حينئذٍ صارت وصفًا للكلام، ألقى زيد من الناس كلمة بليغة، يقال: كلمة، لم يقل: يقول زيد، ووصفناها بالبلاغة، وإنما الكلمة المراد بها المعنى اللغوي وهي إطلاقها على الجمل المفيدة وعلى الجملة المفيدة، فحينئذٍ صح لكن لا بالاعتبار الذي يريده البيانيون إذًا يقال: كلام بليغ وخطيب بليغ، ولم يسمع كلمة بليغة إذا أريد بالكلمة اللفظة الواحدة، فبلاغة الكلام أشار إليها الناظم بقوله:(وَإِنْ يَكُنْ). أي: الكلام الفصيح (مُطَابِقًا) اسم فاعل من طَابَقَ يُطَابِقُ فهو مُطَابِق يعني: مُوَافِق. قولهم: طابق النَّعْلُ النَّعْلَ إذا توافق، كما سميت دلالة المطابقة لتطابقها يعني: مع المعنى، طابق اللفظ المعنى والمعنى اللفظ بحيث لم ينقص المعنى عن مدلول اللفظ ولم يزد اللفظ عن مدلول المعنى - كما مر معنا -.
إذًا (مُطَابِقًا) يعني: موافقًا (لِلْحَالِ) أي: لمقتضى الحال. و (يَكُنْ) هذا فعل الشرط، والجواب قوله:(فَهْوَ الْبَلِيغُ)، (إِنْ يَكُنْ) الكلام الفصيح لا بد من معرفة أن الكلام هنا لا بد أن يكون فصيحًا يعني: شرط الفصاحة، فصاحة الكلام مأخوذ في حدِّ البلاغة يعني: بلاغة الكلام، إذ لا يكون الكلام بليغًا إلا إذا كان فصيحًا، فيتفقان ويزيد الكلام البليغ على الكلام الفصيح بكونه مطابقًا للحال، إذًا الكلام البليغ ما اشتمل على أمرين:
الأمر الأول: فصاحته. يعني: بأن سَلِمَ من الأمور الثلاثة التي ذُكِرَتْ في فصاحة الكلام، يزيد على فصاحة الكلام أو الكلام الفصيح بكونه مطابقًا للحال، وهو الذي يذكره البيانيون في هذا الموضع، والحال المراد بالحال هنا مطابقًا للحال هو: الأمر الداعي إلى التكلم على وجه مخصوص. يعني: الذي كان سببًا للمتكلم أن يزيد في اللفظ على أصل المعنى ما يطابق هذا الحال، يعني شيء منفك عن المتكلم أمر يكون باعتبار المخاطَب أو السامِع فيقتضي من المتكلم أن يزيد في كلامه ما يطابق حاله، حينئذٍ الحال هو الأمر يعني: الشأن والشيء الداعي الذي طلب إلى المتكلِم أو إلى التَّكَلُّم على وجه مخصوص، وذلك يعني وصفه بأن يعتبر مع الكلام الذي يؤدى به أصل المعنى خصوصية ما، الأصل في الكلام أنه يؤتى به لإفادة إثبات مضمون الخبر للمبتدأ، زَيْدٌ قَائِمٌ، هنا أصل المعنى ما هو؟ ثبوت القيام لزيد هذا الأصل مضمون الجملة مع الثبوت، واضح؟ زَيْدٌ قَائِمٌ أصل الكلام حصل بالمسند والمسند إليه، قد يكون المخاطب عنده شيء من الإنكار أو التردد لهذا الخبر، فحينئذٍ يقتضي هذا التردد من المخاطب يقتضي من المتكلم أن يزيد على اللفظ الذي حصل به تأدية أصل المعنى وهو زَيْدٌ قَائِمٌ بعض الألفاظ كالمؤكدات من أجل أن يطابق الحال الذي هو حال المنكِر أو المتردد، فكونه كون المخاطب مُتَرَدِّدًا في الحكم هذا يُسمَّى حال، هذا الحال اقتضى مني أنا المتكلِم أن أزيد في اللفظ الذي به يحصُل إفادة المعنى في أساسه أن أزيده شيئًا ما من أجل أن يطابق الحال، وهذا ما يسمى بالتأكيد، إذًا الأمر الدَّاعي إلى التَّكَلُّمِ على وجه مخصوص لأن التَّكَلُّمَ على مرتبتين:
الأولى: ما يفيد أصل المعنى، وهذا يحصل بمجرد ماذا؟ بمجرد المبتدأ مع الخبر والفعل مع فاعله أو نائبه، هذا يحصل به ماذا؟ تأدية أصل المعنى، قد يُلْقَى الكلام ليس المراد به تأدية أصل المعنى فحسب وإنما زيادة أخرى، وهي التي يقتضيها الحال من حيث التأكيد وعدمه، وذلك بأن يعتبر مع الكلام الذي يُؤَدَّى به أصل المعنى خصوصية ما، وذلك هو مقتضى الحال.
مثلاً كون المخاطَب مُنْكِرًا للحكم هذا حال، كون المخاطَب الذي تكلمه مُنْكِرًا للحكم، إنكار المخاطب هذا يُسَمَّى حالاً يقتضي من المتكلم أن لا يُخْرِجَ الكلام هكذا مبتدأ وخبر، لأن المبتدأ والخبر يدل على أصل المعنى، ونحن نريد هنا أن يطابق مقتضى الحال بأن يزيده أو يخرجه عن كونه دالاً على أصل المعنى إلى اعتبار خصوصية ما، وهو ملاحظة حال المخاطب، حينئذٍ إذا حصل التوافق بين الكلام وبين الحال صار هذا هو عين البلاغة، لأنك لا يمكن أن يأتي إنسان مُنكر للحكم وتقول: زَيْدٌ قَائِمٌ. أو تأتي للإنسان خالي الذهن عن الحكم وتقول: وَاللهِ إِنَّ زَيْدًا لَقَائِم. ولماذا قلت: وَاللهِ إِنَّ زَيْدًا لَقَائِم. هذا لم يطابق، إنما يستخدم هذا الأسلوب متى؟ إذا كان المخاطب مُنكِرًا للحكم، كون المخاطَب مُنكِرًا للحكم حالٌ يقتضي تأكيده، والتأكيد مقتضاها، هذا مراده، ومعنى مطابقته له أن الحال إن اقتضى التأكيد كان الكلام مؤكدًا، وإن اقتضى الإطلاق يعني: عن القيد كان عاريًا عن التأكيد .. وهكذا، إن اقتضى الحال حذف الْمُسْنَدِ إليه حُذِفَ، وإن اقتضى الحال ذِكْرَ الْمُسْنَد إليه ذُكِرَ، إن اقتضى الحال أن يكون الْمُسْنَدُ إليه ضميرًا ذُكِرَ الضمير، أو موصولاً أو اسم إشارة أو محلى بـ أل أو غير ذلك، حينئذٍ نقول: هذه المراعاة لأحوال المخاطب إنما تكون في اللفظ في الكلام لكن لا باعتبار إفادة أصل المعنى، وإنما هي زيادة على ما يُفيد أصل المعنى لأن الكلام - اضبط هذه - الكلام يُؤَدَّى به أمران:
الأمر الأول: أصل المعنى، وهو ما يقتضيه إثبات المسند للمسند إليه زيادة على ذلك وهي مخصوصة ما كما عبر البيانيون إنما تكون لمراعاة
…
الحال. يعني: المخاطَب من حيث الذِّكْر والحذف، ومن حيث التأكيد وعدمه، وإن اقتضى ذِكْرَهُ ذُكِرَ إلى غير ذلك من التفاصيل المشتمل عليها علم المعاني.
إذًا مطابقة الكلام لمقتضى الحال نقول: أي لمقتضى الحال أي الأمر الداعي من المخاطَب إن احتاج الأمر الدَّاعي إلى تأكيد الكلام أُكِّدَ، إن احتاج إلى ذكر الْمُسْنَد إليه ذُكِرَ، إن لم يحتج إلى ذكر المسند إليه حُذِفَ، نقول: هذه المراعاة تسمى مطابقةً للحال، ولا بد في ذلك أن يكون مقرونًا بالقصد يعني: إخراج الكلام مؤكدًا إذا كان المخاطب مُنكِرًا للحكم على وجهين: إما أن يكون مقصودًا أو لا.
الأول: يُسمَّى بلاغة.
والثاني: لا يُسمَّى بلاغةً.
يعني: لو كان المخاطب منكرًا للحكم وكان المتكلِم لا يدري هذه المسألة من أصلها وقال: وَاللهِ إِنَّ زَيْدًا لَقَائِمُ. هل يوصف بكونه بليغًا الكلام؟
الجواب: لا، لماذا مع كونه وافق في الواقع كلام مؤكد والداعي يقتضي التأكيد نقول: هنا لا يُسمى بلاغة لماذا؟ لانتفاء القصد، فلا بد أن يكون مقصودًا فإن لم يكن مقصودًا حينئذٍ لا يكون بليغًا. إذًا لا بد في ذلك أن يكون مقرونًا بالقصد حتى لو اقتضى المقام شيئًا من ذلك وأورده المتكلم من غير قصدٍ، لم يكن ذلك الكلام بليغًا مطابقُ لمقتضى الحال، وهذا أحسن ما قيل في حدِّ البلاغة، وهي: مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع فصاحته، لا بد من الزيادة حينئذٍ بلاغة الكلام مركبة من شيئين:
فصاحة الكلام بأن يكون الكلام فصيحًا.
الثاني: أن يكون مطابقًا لمقتضى الحال.
ولذلك نقول: الناظم هنا تَرَكَ (وَإِنْ يَكُنْ مُطَابِقًا لِلْحَالِ
فَهْوَ الْبَلِيغُ) ترك الناظم قيدًا لا بد من اعتباره في حد الكلام البليغ أو صحته، حينئذٍ نقول: البلاغة مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع فصاحته، فالحال شيء منفك عن الكلام، المقتضى وصف للكلام، واضح؟ مقتضى وصف الكلام، فعندنا مُقْتَضِي وعندنا مُقْتَضَى، الْمُقْتَضِي هو الحال، مُقْتَضَى الحال التأكيد، مقتضي هو الحال يعني: الذي يقتضيه الحال من كونه مُنْكِرًا، المقتضى وصف للكلام فمن شروط بلاغة الكلام كونه فصيحًا بالمعنى الذي سبق بيانه، فإن البلاغة عندما تتحقق عند تحقق الأمرين المطابقة مع الفصاحة، ومقتضى الحال هذا مختلف يعني: يختلف باختلاف الأحوال، فإن مقامات الكلام متفاوتة، فمقام التنكير يباين مقام التعريف، لأن الكلام إما أن يكون على المسند إليه مثلاً أو المسنَد إما أن يكون نكرة وإما أن يكون معرفةً، هل المتكلم يأتي به هكذا مرة يعني: على مزاجه مرة يُعَرِّفُ ومرة يُنَكِّرُ؟ نقول: لا، إنما يكون باعتبار المخاطَب، إن كان المخاطَب يقتضي من حاله أن يُعَرَّفَ الْمُسْنَد عُرِّفَ، وإلا الأصل أن يكون نَكِرَة ويستعمل على أصله، وإن يقتضي حاله أن يُنَكَّر نُكِّرَ، واضح هذا؟ فمقام التعريف يباين مقام التنكير، يعني: متى تأتي باللفظ المبتدأ مثلاً أو الخبر متى تأتي به معرفة ومتى تأتي به نكرة بشرطهم في المبتدأ؟ نقول: باعتبار المخاطَب إن اقتضى حاله أن أورد المسند إليه معرفة أو نكرة بشرطها لأنها زيادة وصف، حينئذٍ أوردناه، والحال المقتضي نقول: مراعاته ومطابقة الكلام له هو الذي يسمى بلاغة، ومقام الإطلاق يباين مقام التقييد، ومقام التقديم يباين مقام التأخير، ومقام الذكر يباين مقام الحذف، ومقام القصر يباين مقام خلافه، ومقام الفصل يباين مقام الوصل، ومقام الإيجاز يباين مقام الإطناب والمساواة، وكذا خطاب الذكي يباين خطاب الغبي وهذه كلها أبواب ثمانية ستدرس في محلها، يعني متنوعة، يعني الفصل والوصل متى تفصل ومتى تصل؟ متى تعطف الجملة على سابقتها؟ متى تترك العطف؟ نقول: هذا كله يبحث في علم المعاني والذي يقتضيه هو الحال. وكذا لكل كلمة مع صاحبتها مقام إلى غير ذلك مما سيأتي التفصيل في محله. فالفعل مثلاً إذا دخلت عليه (إن) ليس كالفعل إن دخلت عليه (إذا) أليس كذلك؟ إن قام زيد، إذا قام زيد، ما الفرق بينهما؟ قام زيد هي هِي، وإنما أدخلت على الفعل حرف شرط أو اسم شرط وكلاهما شرطيان (إن)، (إذا) قام زيد ما الفرق بينهما؟
.
نعم، (إن) إذا أردت التشكيك في قيام زيد تقول: إن قام زيد، وإذا أردت التحقق والتحقيق تقول: إذا قام زيد، ففرق بينهما.
إذًا قام زيد جملة هي هِي بعينها لما صاحبت كلمة وهي (إن) أفادت معنى لم تفده هذه الجملة إذا صاحبت هذه الجملة لفظ (إذا) فافترقا بسبب ماذا؟ بسبب التركيب وهذا إنما يكون مطابقًا للحال، فإذا أردت تشكيك المخاطب تقول: إن قام زيد ولو كنت تعلم إنه متحقق، وإذا أردت إفادته بأن القيام متحقق تقول: إذا قام زيد. وارتفاع شأن الكلام في الْحُسْنِ والقبول بمطابقته للاعتبار المناسب وانحطاطه بعدم مطابقته له، يعني متى يكون الكلام مرتفعًا، إذا وافق وطابق الحال، وكلما كَمُلَ في مطابقة الحال كَمُلَ في نفسه، وإذا لم يوافق فهو كلام منحط، يعني: نزل درجات عن الكلام البليغ.
فمقتضى الحال هو الاعتبار المناسب أي: الأمر الذي اعْتُبر مناسبًا بحسب تتبع تراكيب البُلَغَاء فهو بليغ أو (فَهْوَ الْبَلِيغُ)، فهو الفاء هذه واقعة في جواب الشرط إن، وهو ضمير يعود إلى أي شيء؟ الكلام المطابق للحال، هو يعود إلى لكلام المطابق للحال مع فصاحته، لا بد من هذا القيد، البليغ يعني: الكلام البليغ الذي اتصف بالبلاغة، (فَهْوَ) أي: الكلام الفصيح المطابق للمقتضى الحال مع فصاحته، ومع فصاحته إذا وصفنا الكلام بكونه فصيحًا لا نحتاجه، إذا قلت: الكلام الفصيح انتهى، الكلام الفصيح المطابق لمقتضى الحال البليغ، عَرَّفَ الجزأين كأنه حصر البلاغة في هذا النوع وهو كذلك، (فَهْوَ الْبَلِيغُ) هذا يفيد الحصر يعني لا كلام يوصف بكونه بليغًا إلا المذكور، فحينئذٍ ينتفي الحكم الذي هو وصف البلاغة عن غير المذكور واضح هذا، إذا عُرِّفَ الجزءان المبتدأ والخبر هذا يُسمَّى من أساليب الحصر والقصر بمعنى إثبات الحكم بالمذكور ونفيه عن ما عداه، (فَهْوَ الْبَلِيغُ) عرف الجزأين، وقلنا: الفاء وقعت في جواب الشرط، هو أي: الكلام الفصيح المطابق للواقع البليغ لا سواه لا غيره، فغيره لو كان فصيحًا ولم يطابق لا يسمى بليغًا، لو كان مطابقًا للواقع ولم يكن فصيحًا لا يسمى بليغًا.
إذًا تعريف الجزأين هنا أفاد الحصر.
ثم ذكر بلاغة المتكلم فقال: (وَالَّذِي يُؤَلِّفُهْ) بليغ، حذف الخبر يعني: الذي أي: الشخص المتكلم بالكلام الفصيح المطابق للواقع - عرفنا أن الكلام هذا بليغ - فمن اتصف بالكلام البليغ فهو البليغ، وهذا ظاهر عبارته وفيها شيء من القصور، (وَالَّذِي) أي: الشخص المتكلم بما ذكر (يُؤَلِّفُهْ) أيضًا بليغ، أي: الذي يؤلف الكلام البليغ بليغٌ، أي: المتكلم، الضمير يعود إلى المتكلم، فالضمير يعود على الكلام البليغ، (الَّذِي يُؤَلِّفُهْ)،
…
(يُؤَلِّفُهْ) عندنا ضميران:
الضمير الأول: مستتر وهو فاعل يؤلف يعود إلى الشخص المتكلم، ومرده في اللفظ هنا الذي لأنه المذكور، (يُؤَلِّفُهْ) الضمير البارز المفعول به يعود إلى الكلام البليغ، الكلام البليغ وليس فصيح، الكلام البليغ أو الكلام الفصيح باعتبار المطابقة لا إشكال، إذًا (وَالَّذِي يُؤَلِّفُهْ) أي: الذي يؤلف الكلام البليغ بليغٌ، فالضمير البارز يعود على الكلام البليغ، والضمير المستتر الفاعل يعود إلى المتكلِم، فبلاغة المتكلم على المشهور قد سبب خلل هنا من الاختصار قولهم: هي بلاغة المتكلم، هي مَلَكَة يُقْتَدَرُ بها على تأليف كلام بليغ. مَلَكَة لأن قوله:(وَالَّذِي يُؤَلِّفُهْ) لا يدل على الْمَلَكَة وهذا لا بد من اعتباره، فليس كلّ من تكلم بكلام بليغ يكون بليغًا، ليس كل من تكلم بكلام بليغ يكون بليغًا، بل لا بد أن تكون البلاغة صفة راسخة بمعنى أنه عنده مَلَكَة على إنشاء الكلام البليغ، بمعنى أنه يكون مطردًا في جميع أحواله سواء كان ناطقًا أم ساكتًا، يعني: هذا أو ذاك، ولو كان نائمًا [ها ها] فيوصف بكونه بليغًا، إذًا مَلَكَة لا بد من اعتبار الْمَلَكَة فقوله:(وَالَّذِي يُؤَلِّفُهْ) لا يفيد ذلك، والْمَلَكَة كيفية راسخة في النفس، ففيه إشارة إلى أن البلاغة من الهيئات الراسخة حتى لو تكلم بكلام بليغ وليس له مَلَكَة فغير بليغ، وليس كل من ركب كلامًا صار بليغًا، والْمَلَكَة إنما تحصل بالملازمة والممارسة، مَلَكَة العلوم كلها، في البيان، وفي النحو، والصرف، والْمَلَكَة الفقهية، هذه كلها لا تحصل إلا بالملازمة والممارسة، وأما المطالعات العشوائية هذه لا تنبت الْمَلَكَة البتة يعني: لا تكون عنده مَلَكَة البتة، لا بد أن يلازم الفن ملازمة تامة حتى تحصل عنده مَلَكَة، وإذا كان كذلك حينئذٍ يقال إنه بليغ، وأما ما عدا ذلك فلا، والله المستعان.
إذًا الْمَلَكَة تحصل بالملازمة والممارسة ولهذا قيل: مَلَكَة. ولم يقل صفة كما عَبَّر صاحب ((الإيضاح)) حتى لا يكون الْمُعَبِّر عن المقصود بلفظ بليغ بليغًا إلا إذا كان الصفة التي اقتدر بها عن التعبير عن المقصود بلفظ بليغ راسخة فيه، راسخة يعني صارت لازمة فيه، كما نقول: من صفات الإنسان النوم، فهي صفة راسخة فيه، وكذلك الضحك وكذلك الصفات الخاصة به، كذلك الْمَلَكَة على النطق أو الكلام البليغ تكون راسخةً، مَلَكَة أي: هيئة راسخة في النفس أو قل: صفة راسخة في النفس احترازًا عمَّا إذا تكلم بكلام بليغ ولم تكن له صفة راسخة فلا يُعَدُّ المتكلم بليغًا، وأما الكلام فيوصف، الكلام في المتكلم، يُقْتَدَرُ بها إشارة إلى مَلَكَة، ويقتدر عَبَّر بـ (يقتدر) إشارة إلى أن يُسَمَّى بليغًا حال النطق وعدمه، لأننا قلنا: البليغ هو المتكلم بالكلام البليغ، تكلم .. تَكلم .. تكلم كلامًا وهو بليغ، إذا سكت هل يوصف بالبلاغة أم لا؟ هل يوصف بكونه بليغًا أم لا؟ نقول: نعم، لأن المراد هنا لو أراد إنشاء كلام بليغ حينئذٍ صار بليغًا، حينئذٍ يوصف بالبلاغة بالفعل وبالقوة، بالفعل إذا كان يتكلم بكلام بليغ وكان له الْمَلَكَة، وإذا لم يكن مُتَكَلِّمًا بكلام بل كان ساكتًا حينئذٍ نقول: هذا بليغ. يوصف بكونه بليغًا لكن بالقوة، كما ذكرنا في الضاحك وفي غيره. إذًا إشارة إلى أنه يسمى بليغًا حال النطق وعدمه.
والحاصل مما سبق، إذًا عرفنا أن المتكلم يُوصف بالبلاغة وأنها مَلَكَة يقتدر بها على تأليف كلام بليغ، يتقرر من هذا من التعريفين السابقين أن الذي يوصف بالبلاغة أمران:
الكلام وعرفنا حده بقوله: (وَإِنْ يَكُنْ مُطَابِقًا لِلْحَالِ فَهْوَ الْبَلِيغُ).
والمتكلم وعرفنا حدَّه على ما ذكره الناظم (وَالَّذِي يُؤَلِّفُهْ) يعني: فهو بليغ (الَّذِي يُؤَلِّفُهْ) فهو بليغ، والتعبير هذا فيه شيء من القصور.
ثم عاد وبقي له ثالث مما يوصف بالفصاحة، لأنه ذكر فصاحة المفرد، وفصاحة الكلام، وبقي عليه فصاحة المتكلم، فبقي عليه شيء ثالث
…
مما يوصف بالفصاحة وهو المتكلم فقال: (وَبِالْفَصِيح مَنْ يُعَبِّرْ تَصِفُهْ
…
[نَصِفُهْ]) نسختان (وَبِالْفَصِيح مَنْ يُعَبِّرْ [نَصِفُهْ] تَصِفُهْ) وهذا فصاحة المتكلم، يعني: يوصف المتكلم بكونه فصيحًا، (وَبِالْفَصِيح مَنْ يُعَبِّرْ)، (يُعَبِّرْ) هذا فعل مضارع مأخوذ من العبارة، والعبارة عند أرباب المعاجم هي الكلام الذي يبين ما في النفس من معانٍ، إذًا العبارة والجملة متقاربان، الكلام الذي يبين ما في النفس من معانٍ يقال هذا الكلام عبارة عن كذا، قوله:(وَبِالْفَصِيح). هذا متعلق بقوله: (يُعَبِّرْ) أو لا؟
[نَصِفُهْ] طيب يعبر بماذا؟
..
بالكلام الفصيح، قال:(بِالْفَصِيح) يحتمل أنه صفة لموصوف محذوف يعني: بالكلام الفصيح فيكون متعلقًا بقوله: (يُعَبِّرْ). ويحتمل ألا يكون صفةً لموصوف محذوف فحينئذٍ يكون متعلقًا بـ (تَصِفُهْ)، ليس الإشكال في هذا يحتمل ذاك وذاك، لكن لا بد من تقييد كل منهما بالفصيح، من
…
(يُعَبِّرْ) ليس مطلقًا ليس كل من عبر بأي كلام وإنما عبر بالكلام الفصيح، كما ذكرنا فيما سبق أن المتكلم الذي يوصف بالبلاغة هو الذي اشتمل على أمرين، أو البلاغة هي المشتملة على أمرين: أن يكون فصيحًا في نفسه، وأن يكون مطابقًا للحال.
هنا إذا تكلم وعَبَّر متى نقول هو فصيح؟ مطلق التعبير أو تعبير مقييد؟
تعبير مقييد، إذًا لا بد من تقييده بقوله:(وَبِالْفَصِيح)، ثم نصفه بالفصيح يكون متعلقه محذوفًا لدلالة ما سبق عليه، فيحتمل هذا وذاك.
(مَنْ) ما نوعها؟
.
موصولة، و (يُعَبِّرْ) مجزوم بها؟
..
إذا قلتَ: موصولة كيف (يُعَبِّرْ)، لو قلتَ: شرطية لا إشكال، من أجل الوزن، نعم لو جعلناها موصولة فهو أحسن فحينئذٍ من (يُعَبِّرْ) يعني: الذي مبتدأ (يُعَبِّرْ) بالرفع بالفصيح، يعبر بالفصيح يعني: يتكلم بكلام فصيح، ([نَصِفُهْ]) الجملة خبر المبتدأ، خبر الذي ([نَصِفُهْ]) أي: نصف هذا المتكلم الذي (يُعَبِّرْ) لأن قوله: الذي (يُعَبِّرْ) في قوة المعبِّر لأن الموصوف مع صلته في قوة المشتق، حينئذٍ الذي (يُعَبِّرْ) في قوة المعبِّر، طيب ([نَصِفُهْ] تَصِفُهْ) الجملة خبر، تصف أنت، الفاعل أنت أيها المخاطَب، والمضير البارز يعود إلى (مَنْ)، لأن (مَنْ) اسم موصول بمعنى الشخص في قوة المعبِّر (تَصِفُهْ) أي: تصف هذا المتكلِم بالفصيح هل يجوز أن نجعل (مَنْ) هنا شرطية؟
(مَنْ يُعَبِّرْ) إنْ تعبِّر في قوة إن، إن تعبر بالفصيح هل يصح أو لا؟
(مَنْ) شرطية (يُعَبِّرْ) بالسكون هنا لا إشكال ليس عندنا ضرورة، أليس كذلك؟ (تَصِفُهْ) إيش الإشكال؟
لو جعلناها شرطية عندنا إشكال وهو أن تصف أو نصف وهذا فعل مضارع والأصل تَصِفْهُ نَصِفْهُ أليس كذلك؟ هذا الأصل لكن هذا يجوز على لغة ضعيفة، إذا كان جواب الشرط مضارعًا وفعل الشرط ماضيًا جاز في الجواب الرفع والجزم، إِنْ قَامَ زَيْدٌ أَقُمُ، إِنْ قَامَ زَيْدٌ أَقُومُ جاز فيه الوجهان، إذا كان فعل الشرط ماضيًا وكان الجواب مضارعًا جاز في المضارع وجهان: الجزم والرفع.
وبعد ماضٍ رفع كالجزا حسن
طيب، إذا كان فعل الشرط مضارعًا مع كون الجواب مضارعًا، الأصل وجوب الجزم، وأما جزمه$$ فهو ضعيف. $$ 34.50
ورفعه بعد مضارع وَهَنَ
رفع الفعل المضارع بعد مضارع الذي هو فعل الشرط وهن يعني: ضعيف.
إذًا الأَوْلَى أن نجعل (مَنْ) هنا موصولة و (يُعَبِّرْ) نقول: سكنه للوزن. (وَبِالْفَصِيح مَنْ يُعَبِّرْ تَصِفُهْ) في نسخة ([نَصِفُهْ])(بِالْفَصِيح) متعلق بقوله: (يُعَبِّرْ)، ويحتمل أنه متعلق بـ ([نَصِفُهْ]) أو (تَصِفُهْ) أي: الذي يعبر عن مقصوده بلفظ فصيح تصفه بالفصيح، فحذف المعمول الثاني بدلالة الأول عليه، وهذا إن جعلنا (مَنْ) موصولة فهي مبتدأ وجملة (تَصِفُهْ) خبر، فالفصاحة في المتكلم هي مَلَكَة يُقْتَدَرُ بها على التعبير عن المقصود بلفظ فصيح، مَلَكَة يعني هيئة راسخة يعني: يُشترط في كل من الموصوف بالبلاغة أو الفصاحة وكان متكلِمًا لا بد أن تكون عنده مَلَكَة يعني: هيئة راسخة في النفس صفة راسخة، بمعنى أنه لا بد أن تكون عنده ممارسة للفن من أجل أن تحصل له تلك الْمَلَكَة، فقيل: مَلَكَة لما سبق فمن تكلم بلفظ فصيح وليست له مَلَكَة فغير فصيح، أليس كذلك؟ من تكلم بكلام فصيح وليست له مَلَكَة فليس بفصيح، يعني: لو تكلم بكلام سلم من تنافر الكلمات، ومن التعقيد المعنوي، ومن التعقيد اللفظي نقول: فصيح مباشرة؟ لا، مع كون الكلام قد وُجِدَ فيه السلامة من الأمور الثلاثة، لا نصف، الكلام هو نصفه بكونه فصيحًا، لكن لا نصف المتكلِم بكونه فصيحًا، فليس كل من ألقى كلامًا فصيحًا فهو فصيح، بل لا بد أن تكون عنده مَلَكَة من أجل إيقاع الوصف عليه، ويقتدر بها إشارة إلى أنه يسمى فصيحًا حالة النطق وعدمه، يقتدر بها على التعبير عن المقصود بلفظ فصيح، ليعم المفرد والمركب.
إذًا أخر الناظم هنا تعريف المتكلم الفصيح أو الموصوف بالفصاحة وهو المتكلم كان الأَوْلَى أن يقدمه على حديثه عن البلاغة (وَبِالْفَصِيح مَنْ يُعَبِّرْ [تَصِفُهْ]) فعلم مما سبق من تعريف موصوفات الفصاحة وموصوفات البلاغة أن كل بليغٍ فصيحٍ مطلقًا سواء كان كلامًا أو متكلمًا؟
كلامًا أو متكلمًا لأننا قلنا: لا بد أن الكلام يكون فصيحًا مع مطابقة الواقع في البلاغة، أليس كذلك؟ وإذا تكلم المتكلم بكلام بليغ لا بد أن يكون الكلام البليغ مشتملاً على فصاحة، حينئذٍ كلُّ بليغٍ فصيحٌ، كُلُّ بليغٍ سواء كان متكلمًا أو كلامًا فهو فصيحٌ، لجعل الفصاحة شرطًا للبلاغة، وليس كلُّ فصيحٍ بليغًا، أليس كذلك؟ لأنه قد يأتي بالكلام الفصيح وقد سَلِمَ من الأمور الثلاثة لكنه لا يكون مطابقًا للواقع، بمعنى أنه لا يتكلم بما يناسب الحال، إن كان غبيًّا يأتي بألفاظ تناسب الغبي، وإن كان ذكيًّا فيختصر له الكلام ويأتي بما يناسب الذَّكي .. وهلم جرا. إذًا ليس كلُّ فصيحِ بليغًا كلامًا كان أو متكلمًا لأن الفصيح قد يَعْرَى عن المطابقة له، واضح هذا؟
ثم أن البلاغة في الكلام من أجل أن نعرف لماذا نوع البيانيون العلوم الثلاثة علم المعاني وعلم البيان وعلم البديغ؟
البلاغة في الكلام مرجعها إلى أمرين، يعني متى تتحقق البلاغة في الكلام وفي الشخص، مرجعه إلى أمرين اثنين بالاستقراء والتتبع يعني: ما يجب أن يحصل حتى يمكن حصولها أي: الذي تتحقق به البلاغة أمران مرجعه إلى شيئين اثنين:
الأول: الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد. الاحتراز يعني: يبتعد ويجتنب عن ماذا؟ عن الوقوع في الخطأ، خطأ في ماذا؟ في تأدية المعنى المراد، انتبه قال: المراد. يعني: ما يكون بأصل المعنى وزيادة لأن قلنا الجملة التي يتكلم بها المتكلم أنت الآن عندما تتكلم تتكَلم لإفادة أمرين:
أولاً: أصل المعنى الذي دلّ عليه ثبوت مفهوم المسند للمسند إليه، أو الفعل للفاعل، مبتدأ وخبر، زيد قائم، مات عمرو.
الأمر الثاني: زيادة على ما يُؤَدَّى بها أصل المعنى هذا يكون مراعاةً للحال.
إذًا الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد، وإلا لربما أُدِّيَ المعنى المراد بكلام غير مطابق لمقتضى الحال، فلا يكون بليغًا لما مر في تعريف البلاغة من أنها مطابقة الكلام لمقتضى الحال شرط فيها.
الثاني: إلى تميز الفصيح من غيره. يعني: من غير الفصيح، مرجع البلاغة إلى أمرين:
الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد.
ثانيًا: تميز الكلام الفصيح من غيره. يعني من غير الفصيح، وإلا لربما أورد الكلام بكلام مطابق لمقتضى الحال وهو غير فصيح، قد يطابق يؤكد له الكلام ويكون الحال مقتضٍ للتأكيد، لكنه يأتي بعبارة ليست فصيحة، وإذا وجد في الكلام ألفاظ ليست فصيحة خرج عن كونه فصيحًا.
إذًا كيف يميز هذا عن ذاك؟
نقول: لا بد من عِلْمٍ يتميز به معرفة الفصيح عن غيره، إذًا وإلا ربما أورد الكلام بكلام مطابق لمقتضى الحال غير فصيح، فلا يكون بليغًا - لما مَرَّ - من أن البلاغة عبارة عن المطابقة مع الفصاحة، ويدخل في تميز الكلام الفصيح من غيره تميز المفردات، أن نعرف كيف نميز هذه الكلمة بكونها فصيحة أو لا، إذا سلمت من الأمور الثلاثة، إذًا كيف نحكم عليها؟ هل هو بميزان المعاجم؟
نقول: لا، لا بد من مرجع، وحاصل الأمر أن البلاغة ترجع إلى هذين الأمرين، والاقتدار عليها يتوقف على الاتصاف بهذين الوصفين السابقين، وهذا أمر يتحصل ويكتسب من علوم متعددة بعد سلامة الحس، فمرجع البلاغة حينئذٍ إلى هذه العلوم المتعددة لا إلى المعاني والبيان فقط، لأننا عرفنا أن التنافر إنما مرده إلى الحس - هذا الصحيح - مرده إلى الحس، إذًا لا بد من الحس، لا بد أن يكون عنده ذوق سليم، والذوق السليم من أين يأتي به؟
ليس هو بعلم، يعني: ليس بعلم صناعي يتعلمه ليس هناك منظومة تحفظ، ولا كتاب يُدَرَّس، وإنما هو بممارسة العلم يكون عنده مَلَكَة.
ثانيًا: عرفنا أن ضعف التأليف لمخالفة القواعد، إذًا هذا داخل في مفهوم البلاغة وليس هو عين المعاني والبيان، إذًا هو شيء خارج، ولا يمكن الاحتراز عن التعقيد اللفظي إلا بمعرفة علم النحو، أو علم الصرف، حينئذٍ نقول: البلاغة ليست مؤلفة من علمين فقط، هي علوم ثلاثة باعتبار ما يناسب الحال ومقتضى الحال، وأما من حيث ما يحصل به ويتميز الكلام الفصيح عن غيره فلا بد من علوم متعددة، وهذه التي أشار إليها بقولهم: والثاني. يعني: التمييز تمييز الفصيح عن غيره منه ما يتبين في علم متن اللغة، أو التصريف، أو النحو، أو يُدْرَكُ بالحس، وهو ما عدا التعقيد المعنوي.
هذه العلوم لا بد لها أن تكون معتبرة في علم البلاغة، بمعنى أنه لا بد أن يكون نحويًا صرفيًا، وأن يكون على علم بمتن اللغة يعني: المفردات، ماذا تستعمل العرب هذه الكلمة في أي معنى، هل هذه الكلمة مأنوسة مألوفة أم لا؟ هل هي شاذّة أم لا؟ حينئذٍ لا بد من الوقوف على متن اللغة.
إذًا تيميز الكلام الفصيح عن غيره يعني: معرفة أن هذا الكلام فصيح وذاك غير فصيح يعرف من غير الفنون الثلاثة، كون الكلام فصيحًا أو ليس فصيح مرده ليس إلى علم المعاني، ولا إلى علم البيان، ولا إلى علم البديع، لذلك من أين نعرف كيف يأخذون الفصاحة قيدًا في البلاغة ثم لا يذكرونها في هذه الفنون؟
نقول: لأن البلاغة مجموعة علوم أو مجموع علوم، يعني: ليست خاصة بهذه الفنون الثلاثة، بل هي مجموعة من علوم متعددة، وذلك لأنه شرط في فصاحة الكلام سلامته مما سبق، فمنه ما يَتَبَيَّنُ في علم متن اللغة، فمنه أي: ما يُمَيِّزُ
الفصيح من غيره ما يتبين بعلم متن اللغة، فهو العلم الذي يعرف به معاني المفردات إذ به يعرف الناظر أن في تَكْأَكَأْتُم مثلاً غرابة، لأنها ليست من الكلمات المأنوسة، وكذلك مُسَرَّجًا يعرف أن فيها غرابة، بخلاف اجتمعتم سراج، فليس فيها غرابة لأنه بمطالعة هذه الكتب حينئذٍ يقف على المفردات المأنوسة من غيرها، أو التصريف وهذا يعرف به سلامته من مخالفة القياس، أو النحو يعرف به السلامة من ضعف التأليف، أو التعقيد اللفظي، أو يدرك بالحس يعني: القوة السامعة والذي يدرك بالحس هو التنافر، سواء كان بين الحروف في الكلمة الواحدة أو بين الكلمات، وما يُحْتَرز به عن الأول الذي هو الخطأ في تأدية المعنى المراد هو علم المعاني.
إذًا قلنا: مرجع البلاغة إلى أمرين:
الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد، وهذا الذي يدرس في علم المعاني.
الثاني: التمييز تيميز الفصيح عن غيره، هذا بمجموعة علوم يعني لسان العرب نحوًا وصرفًا ومتنًا، وما يحترز به عن التعقيد المعنوي، هو علم
…
البيان، التعقيد المعنوي هذا مثلنا له بماذا؟
..
وما مثله في الناس إلا مُمَلَّكًا
هذا تعقيد معنوي؟! لفظي هذا، لأنه بالتقديم والتأخير وَتَسْكُبُ عَيْنَايَ الدُّمُوعَ، لا، ليس مُسَرَّجًا، مسرجًا في اللفظ واحد فقط، مُسَرَّجًا.
لتجمدا. قلنا: الجمود استعمله في عدم البكاء مطلقًا، وإنما هو خاص في عدم البكاء عند إرادة البكاء، فالإنسان قد لا يريد البكاء فلا تسمه عينه جامدة، وإنما تُسَمَّى عينه إذا أراد البكاء.
إذًا التعقيد المعنوي يُحْتَرَزُ عنه بعلم المعاني، وما يعرف به وجوه تحسين الكلام هذا توابع البلاغة بعد رعاية تطبيقها على مقتضى الحال وفصاحته هو علم البديع.
إذًا المقصود من هذا الحديث أن البلاغة ليست موقوفة على العلوم الثلاثة، وإنما هي موقوفة على النحو والصرف والحس ومتن اللغة، وكذلك العلوم الثلاثة لأن مرجع البلاغة إلى الأمرين المذكرين.
وَالصِّدْقُ أَنْ يُطَابِقَ الْوَاقِعَ مَا
…
يَقُولُهُ وَالْكذْبُ أَنْ ذَا يُعْدَمَا
هذه مسألة دخيلة في المقدمة، هي لا تذكر في هذا الموضع، وإنما تذكر في علم المعاني، يقسمون [الخبر إلى](1) الكلام يقسم إلى خبر وإنشاء، والخبر هو ما احتمل الصدق والكذب لذاته، والإنشاء ما لا يحتمل الصدق والكذب لذاته.
إذًا الخبر ما هو؟ ما احتمل الصدق والكذب سيأتي شرحه في محله.
يرد السؤال ما هو الصدق؟ وما هو الكذب؟ عندما نقول: الخبر ما احتمل الصدق والكذب بذاته. يرد السؤال، هذا تعريف الخبر، وذكرنا الصدق جزءًا في حدِّ الخبر وذكرنا الكذب جزءًا في حدِّ الخبر، ما المراد بالصدق هنا؟ ما المراد بالكذب؟
أراد الناظم أن يفسر لنا الصدق والكذب الذين وقعا جزأين في حدِّ الخبر، ويدل قوله:(وَالصِّدْقُ). وقابله بـ (الْكذْبُ) على أن الخبر منحصر في الصادق والكاذب، يعني: ليس عندنا إلا خبر هو صادق، وليس عندنا خبر إلا هو كاذب، إما هذا أو ذاك وليس عندنا منزلة بين المنزلتين، كما أن الكلام من حيث هو إما خبر أو إنشاء، وهذا قول الجمهور أنه منحصر في اثنين على الصحيح.
ثم ذكر الناظم مسألة متعلقة بما سيأتي في علم المعاني وهي: انحصار الخبر في الصادق والكاذب - كما هو مذهب الجمهور - فقال: (وَالصِّدْقُ). هذا مبتدأ، (أَنْ يُطَابِقَ) هذا خبره، أن وما دخلت عليه في التأويل مصدر، يعني مطابقة (وَالصِّدْقُ) أل هنا إنما هي نائبة عن مضاف إليه، وإما أنها للعهد الذهني، (وَالصِّدْقُ) أي: صدق الخبر. حينئذٍ الخبر هذا مضاف إليه حذف وأنيب أل مُنابه أو تكون أل للعهد الذهني يحتمل هذا وذاك،
…
(وَالصِّدْقُ) أي: صدق الخبر (أَنْ يُطَابِقَ الْوَاقِعَ)، ما هو الذي يطابق الواقع، (مَا)، (الْوَاقِعَ) هذا مفعول مقدم لـ (يُطَابِقَ) لأن (يُطَابِقَ) متعدِّي، ما هو الذي يطابق؟ عندنا مطابِق ومطابَق أليس كذلك؟ مطابِق ومطابَق،
ما هو المطابِق؟ الكلام.
ما هو المطابَق؟
الواقع.
إذًا (مَا يَقُولُهُ) أي: قوله، (مَا) هنا اسم موصول بمعنى الذي، أي: حكم (يَقُولُهُ) أي المتكلم، حينئذٍ نقول: المطابِق هو الكلام، والمطابَق هو الواقع، وما المراد بـ (الْوَاقِعَ)؟ الخارج، لأن مفهوم الكلام يكون في الذهن زيدٌ قائم تقول هذا مؤلف من ثلاثة أجزاء، أليس كذلك؟ زيدٌ قائمٌ مؤلف من ثلاثة أجزاء:
الجزء الأول:؟
المسند إليه، الذي يمسى الموضوع عند المناطقة وهو زيدٌ.
الجزء الثاني: ما هو؟
قائم
قائم فقط، تقول: قائم. قائمٌ هذا الجزء الثاني.
الجزء الثالث: النسبة، التي ارتباط المسند بالمسند إليه وهو؟
قيام زيد، ثبوت قيام زيد هذا حكم الجملة، زيدٌ قائم فيها أمران:
مضمون الجملة.
حكم الجملة.
معي؟ مضمون الجملة يعني: ما دلت عليه مفهوم الجملة، ما هو؟ قيام زيد.
حكم الجملة إما السلب أو الإيجاب، إن لم تُصَدَّرْ الجملة بحرفٍ أو فعلٍ يدل على السلب فهي إيجاب، حينئذٍ تضيف المضمون إلى الثبوت، ثبوت قيام زيد، هذا يُسَمَّى حكم الجملة.
طيب هذا كله في الذهن قيام زيد وثبوت قيام زيد كله في الذهن، لكن كون زيد قائم بالفعل يعني: حصل قيام منه زيد الشخص الذات قام أم لا؟
هذا شيءٌ خارج الذهن.
(1) سبق.
الكلام باعتبار المفهوم إن وافق ما كان خارجًا عن الذهن يُسمَّى صدقًا، وإن خالف الكلام الذي له مفهومٌ في الذهن باعتبار الخارج الواقع يسمى كذبًا، ولذلك قال:(وَالصِّدْقُ أَنْ يُطَابِقَ الْوَاقِعَ مَا يَقُولُهُ). أن يطابق ما يقوله يعني: الحكم المفهوم من الجملة الذي محلها هو الذهن أن يطابق الواقع، فإذا قلتَ: زيدٌ قائمٌ. يعني: اعتقدت ماذا؟ ثبوت قيام زيد، الذي دل على، دعنا من الاعتقاد، الذي دل عليه اللفظ لأن عندنا ثلاثة أشياء:
اعتقاد، ولفظٌ، وواقع
كم؟ ثلاثة أشياء اعتقاد ولفظٌ وواقع، إن طابَق مدلول اللفظ الواقع سُمِّيَ صدقًا، فإذا قلتَ: زيدٌ قائمٌ. وبالفعل زيدٌ قائمٌ نقول: هذا صدقٌ. ولو اعتقدت خلاف اللفظ لأن العبرة هنا باللفظ والواقع، فالاعتقاد لا دخل له البتة فإذا قلت: زيدٌ قائمٌ، ثبوت قيام زيد فنظرنا في الواقع زيد ليس بقائم بل هو جالس، حينئذٍ نقول: مدلول اللفظ لم يطابِق الواقع هذا يُسَمَّى كَذِبًا، (وَالصِّدْقُ) أي: صدق الخبر (أَنْ يُطَابِقَ الْوَاقِعَ) أي: الخارج الذي يكون بالنسبة للكلام الخبري، (الْوَاقِعَ) كما ذكرنا بالنصب مفعول (يُطَابِقَ) مقدم، والفاعل (مَا)، وهذا فاعل (يُطَابِقَ)(مَا) فهو المطابق، (الْوَاقِعَ) مطابَق، اجعلها أمام بعض من أجل أن تضبطها:
مطابِق اسم فاعل بكسر الباء، هذا هو الكلام.
مطابَق بفتح الباء اسم مفعول وهو الواقع.
إذًا (مَا) هي الفاعل، وهو اسمٌ موصول أي: حكمه، وتقدير النظم صدق الخبر أن يطابق حكم ما يقوله المخبر الواقعة، حكم ما يقوله المخبر يعني المتكلم الكلام الواقع، وقدرنا الحكم هنا لأن الصدق والكذب إنما يرجع إلى الحكم أولاً الذي هو النسبة أو الثبوت، أو السلب المضاف إلى مضمون الجملة. وعرفنا كيف نأخذ مضمون الجملة فيما سبق.
إذًا (وَالصِّدْقُ أَنْ يُطَابِقَ الْوَاقِعَ مَا يَقُولُهُ) إذًا حدُّ الصدق مطابقة القول أو حكم القول الواقع، (وَالْكذْبُ) كِذْبُ كَذِب كلاهما لغتان (وَالْكذْبُ) أي: كَذِبُ الخبر (أَنْ ذَا يُعْدَمَا) هنا إشكال (أَنْ ذَا يُعْدَمَا)، (يُعْدَمَا) فعل مضارع مُغير الصيغة وهو منصوب والناصب له (أَنْ)، وهل يجوز أن يفصل بين (أَنْ) ومدخولها؟ لا يجوز فكيف نصبه؟
(أَنْ ذَا يُعْدَمَا) كيف فصل بين (أَنْ) ومدخولها؟
لا يجوز الفصل ما يجوز، [ها]
حتى بالتقدير، حتى لو قيل أن يعدما ذا، لا يجوز أن يتقدم
هذا الأصل، لكن جَوَّزَ بعضهم أن يقدم متعلق الفعل عليه، يعني: أَنْ زيدًا أضربَ، الأصل أنه لا يجوز.
لكن فيه نسخة: [إِذْ ذَا عُدِمَا]، هذه أولى، [إِذْ] يعني: وقت، ذا المشار إليه، (عدما) حينئذٍ لا إشكال، وهي أولى من المذكور، (أَنْ ذَا) أي: مطابقة حكمه للواقع، (ذَا) اسم إشارة والمرجع لاسم الإشارة هنا مطابقة الحكم للواقع، (أَنْ ذَا [يُعْدَمَا] (1)) إذًا عدما ماذا؟ مطابقة حكم الخبر للواقع، فإن طابق فهو الصدق، فإن لم يطابق فهو الكذب، (يُعْدَمَا) فكون الخبر كاذبًا عدم مطابقته حكمه للواقع، إذًا على هذه النسخة:(أَنْ ذَا يُعْدَمَا) تقول: الألف للإطلاق و (يُعْدَمَا) منصوبٌ بـ (أَنْ)، ويكون فرق بينهما على وجه الشذوذ والأولى أن يقال [إذ ذا عدما] يعني: والصدق يعني: صدق الخبر وقت ذا عدما، يعني وقت ذا عدما، والألف تكون للإطلاق.
فحدُّ الصدق مطابقة حكم الخبر للواقع، والكذب عدم مطابقته له، هذا هو المشهور وعليه التأويل، ولو كان الاعتقاد بخلاف ذلك، يعني: لا عبرة هنا بالاعتقاد كونه موافقًا أو لا، فلو قال زيدٌ قائمٌ ووافق الواقع واعتقد في نفسه أنه كذب عليه، نقول: هذا صدق. هذا صدقٌ لماذا؟ لأن العبرة هنا بالقول وحكم القول والواقع، وأما الاعتقاد سواءٌ وافق أم خالف حينئذٍ نقول: هذا لا عبرة به.
إذًا ولو كان الاعتقاد بخلاف ذلك من حالين، فإذا قلت زيدٌ كاتبٌ فإن كان زيدٌ موصوفٌ بالكتابة في الخارج فذلك الخبر يكون صادقًا، وإن لم يكن موصوفًا بها فذاك الخبر يكون كاذبًا، زيدٌ كاتب إن كان زيدٌ موصوفٌ بالكتابة في الخارج الفعل وهو صادق، وإن لم يكن فهو كاذب.
صادقٌ لماذا؟ لكون حكم القول طابق الواقع.
وكاذب لماذا؟ لكون حكم القول وهو ثبوت الكتابة لم يطابق الواقع بل خالفه لأنه غير موصوف بالكتابة، وكذلك في السلب فإذا قلت زيد ليس بكاتبٍ هنا نفيت وصف الكتابة عنه فإن طابق الواقع بكون زيدًا ليس موصوفًا بالكتابة فهو صدقٌ، فإن خالف بل هو موصوفٌ بالكتابة فهو كذبٌ، وهذا معنى مطابقة الكلام للواقع والخارج وما في نفس الأمر، فالخبر ينحصر في الصادق والكاذب ولا واسطة بينهما على الصحيح، لا فيه خلاف، فقد أجمعوا على أن من قال: محمدٌ ليس بنبيٍّ، صدقٌ أم كذب هذا؟ أم فيه تفصيل؟
محمدٌ نبيٌ طابق؟
طيب، لو قاله منكر نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: محمدٌ نبي. أراد أن يجامل قال: محمدٌ نبي، صدقٌ أم كذب؟
صدقٌ، لا عبرة بالاعتقاد، قلنا: من قال محمدٌ نبي واعتقد أنه ليس بنبي نقول: خبره صدق لماذا؟ لأن العبرة بكونه صدقًا مطابقة الواقع عنه، هذا ميزان، أما اعتقاده فهذا لنفسه، ليس له مدخلٌ في الحكم بالصدق والكذب، فإذا قال منكر رسالة النبي صلى الله عليه وسلم: محمد بن عبد الله وجامل قال: صلى الله عليه وسلم نبيٌ، نقول: هذا طابق الواقع لأن الذي في الواقع #1.00.29
…
لسان النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ معلوم من الدين بالضرورة، طيب لو قال: محمدٌ ليس بنبي، وهو يعتقد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
(1)[عدما] هكذا قالها الشيخ، وهو سبق، كما بينه فضيلته، فالأصل [أن ذا يعدما]، وفي النسخة الأخرى [إذ ذا عدما].
هذا كذب، والاعتقاد لا عبرة به البتة، إذًا فالخبر ينحصر في الصادق والكاذب ولا واسط بينهما على الصحيح، فقد أجمعوا على أن من قال: محمدٌ ليس بنبي. أنه كاذب ولو وافق اعتقاده، وأجمعوا على من قال: الإسلام حقٌ أنه صادق، ولو خالف اعتقاده. هو يعتقد أن الإسلام ليس بحق وقال: الإسلام حقٌ. حينئذٍ نقول: هذا صادقٌ ولا عبرة باعتقاده. واستدل بعضهم بحديث «من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار» . دلَّ على انقسام الكذب إلى مُتَعَمَّدٍ وغيره. وقال السبكي: وقد استنبطتُ من القرآن دليلاً أصرح من الجميع وهو قوله تعالى: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ} [النحل: 39]. مع أنهم تكلموا بما يعتقدون فحَكَمَ الله عز وجل بأنهم كاذبون، مع أنهم أخبروا بما يعتقدون ووصفهم الله تعالى بالكذب لانتفاء مطابقة كلامهم للواقع {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ} .
إذًا نقول: انحصر الخبر في الصادق والكاذب ولا واسطة بينهما البتة، وأما قوله تعالى وهو ما تمسك به البعض بإثبات الواسطة {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: 1] كَذَّبَهُم في ماذا؟ في قولهم:
…
{نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: 1] وهذا طابَق الواقع أو لا؟ {إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} طابَق أو لا؟
طابَق الواقع مع ذلك الله عز وجل قال: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} ، واضح الاعتراض؟ كذبهم في ماذا؟ قالوا:{إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} . وقلنا: من قال الإسلام حقٌ ولو اعتقد أنه باطل قلنا هذا صادق لأنه طابَق الواقع، فالعبرة بمدلول اللفظ حكم اللفظ مع الواقع، مع ما في نفس الأمر، وأما اعتقاده فهذا لا يعتبر، يعني: ليس مؤثرًا في الصدق والكذب، وهنا قال المنافقون:{نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} . قال الله عز وجل: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} . أُجِيبُ: أن المعنى نشهد شهادةً واقعت فيها قلوبنا ألسنتنا، فالتكذيب للشهادة لا للمشهود به،
…
{وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} كاذبون في ماذا؟ في الشهادة لأنهم قالوا: {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} . ادَّعُوا الشهادة والشهادة لا تكون إلا بمواطئة القلب للسان واللسان للقب، كَذَبُوا أم لا؟
كذبوا في قولهم: {نَشْهَدُ} ، وإذا أجبنا عن هذه الآية فلا عبرة بمن تمسك بها.
ثم قال الناظم رحمه الله تعالى: الفن الأول: علم المعاني.
وَعَرَبِيُّ اللَّفْظِ ذُو أَحْوَالِ
…
يَأْتِي بِهَا مُطَابِقًا لِلْحَالِ
عِرْفانُهَا عِلْمٌ هُوَ المَعَانِي
…
مُنْحَصِرُ الأَبْوَابِ فِي ثَمَانِ
هذا الفن الأول، علم المعاني الفن الأول من الفنون الثلاثة التي عنون لها أهل البيان بالبلاغة، وعرفنا أن مستند البلاغة ليست محصورة في هذه العلوم الثلاثة، بل اللسان العربي كله يشارك في ذلك.
إذًا الفن الأول من الفنون الثلاثة علم المعاني، والأنسب بلفظ العلم هنا في الترجمة أنه نفس الأصول والقواعد، يعني: القواعد التي هي المعاني، يعني عندنا قواعد في الفن وعندنا أصول كما هو الشأن في باب النحو، الفاعل مرفوع قاعدة، المفعول به منصوب قاعدة، مطلق الأمر للوجوب قاعدة الأصوليين هنا كذلك في علم المعاني ثَّم قواعد المراد هنا في هذه الترجمة نفس الأصول والقواعد، يدل على ذلك قوله:(مُنْحَصِرُ الأَبْوَابِ فِي ثَمَانِ) والذي ينحصر هو المعلوم، وهو الذي ينحصر لا العلم بمعنى الْمَلَكَة، لأنه لا ينحصر أو الإدراك.
علم المعاني، قدَّم علم المعاني على البيان لكون منه بمنزلة المفرد من المركب - كما سيأتي - يعني: علم البيان هو المعاني وزيادة، فعلم المعاني جزءٌ من علم البيان، فإذا كان كذلك صار مفردًا وصار البيان مركبًا، ومعلومٌ أن تقديم المفرد أو العلم بالمفرد على العلم بالمركبات هو السند الذي يقتضيه الطبع.
وقدّم الأول عند الوضع
…
لأنه مقدمٌ بالطبع
إذًا المفردات تُعْلَمُ أولاً قبل المركبات، إذًا لكون منه بمنزلة المفرد من المركب - كما سيأتي - والمفرد مقدم على المركب طبعًا فقدم وضعًا ليوافق الوضع الطبع، ثم عرفه بقوله:
وَعَرَبِيُّ اللَّفْظِ ذُو أَحْوَالِ
…
يَأْتِي بِهَا مُطَابِقًا لِلْحَالِ
(عَرَبِيُّ اللَّفْظِ) من إضافة الصفة إلى الموصوف، أي: اللفظ العربي
…
(عَرَبِيُّ اللَّفْظِ) أي: اللفظ العربي، قَدَّمَ وأَخَّرَ فيكون من باب إضافة الصفة إلى الموصوف، ما هو الصفة؟ (عَرَبِيُّ)، ما هو الموصوف؟
…
(اللَّفْظِ)، قدّّم الصفة على الموصوف ثم أضافها، قال:(عَرَبِيُّ اللَّفْظِ). إذًا من إضافة الصفة إلى الموصوف، أي: اللفظ العربي الموصوف بالفصاحة والبلاغة لا بد من هذا، وإلا كيف يكون كذلك إذا لم يكن موصوفًا بالفصاحة والبلاغة، إذًا (عَرَبِيُّ اللَّفْظِ) أطلقه وأراد به شيئًا معهودًا وهو اللفظ العربي احترازًا من غيره، ثانيًا: كونه موصوفًا بالفصاحة والبلاغة، وقيَّد اللفظ بكون عربيًا ليخرج غيره، فإنه إنما يتكلم في قواعد اللغة العربية (ذُو أَحْوَالِ)، (ذُو)(وَعَرَبِيُّ) هذا مبتدأ (ذُو) هذا خبر
أين المبتدأ وأين الخبر؟
وَعَرَبِيُّ اللَّفْظِ ذُو أَحْوَالِ
…
يَأْتِي بِهَا مُطَابِقًا لِلْحَالِ
عِرْفانُهَا عِلْمٌ هُوَ المَعَانِي
…
........................
جملة (عِرْفانُهَا عِلْمٌ هُوَ المَعَانِي) هو الخبر، وأما (ذُو) هذا وصفٌ له وهو يريد الآن ماذا؟ أن يجعل لنا جنس، ثم يأتي بالفصل ثم يأتي بالفصل، الفصول كلها التي تأتي في الحدود أوصاف نعوت يعني، إذا قلت مثلاً: الكلام لفظٌ مفيد مركب بالوضع، كل لفظٌ هذا موصوف، مفيدٌ، مركب كلها صفات، تعتبر صفات، إذًا (ذُو) بمعنى صاحب (أَحْوَالِ) أي: أمورٍ عارضةٍ له من تقديمٍ وتأخيرٍ وتعريفٍ وتنكيرٍ وحذفٍ وذكرٍ وغير ذلك من ما يأتي بيانه، إذًا (ذُو أَحْوَالِ) يعني: صاحب (أَحْوَالِ)، والمراد بالـ (أَحْوَالِ) هنا الأمور العارضة، ما هي هذه الأمور العارضة؟
هي التي ستدرس في الأبواب الثمانية، تعرض على اللفظ، إما مفردًا، وإما جملةً، كالقصر والحصر، فحينئذٍ إذا كان مفردًا فقد يعتريه من الأحوال أن يُحذف، فالحذف وصفٌ له، حالٌ له، أمرٌ عارضٌ له، كذلك كونه نكرةً أو معرفةً، نقول: الوصف بالنكرة أمرٌ عارضٌ للفظ، ووصله بالتعريف أمرٌ عارضٌ للفظ، إذًا (ذُو أَحْوَالِ) أي: أمورٍ عارضة تَعْرِضُ للفظ من تقديمٍ وتأخيرٍ وتعريفٍ وتنكيرٍ وحذفٍ وذكرٍ مما سيأتي ذكره في هذا الفن.
(يَأْتِي بِهَا مُطَابِقًا لِلْحَالِ)(يَأْتِي) أي: ذلك اللفظ العربي (بِهَا) هذا جارٌ مجرور متعلق بقوله: (مُطَابِقًا). (يَأْتِي) حال كونه أي: اللفظ العربي (مُطَابِقًا) بتلك الأحوال للحالين، (بِهَا) أي: بتلك الأحوال متعلقٌ بقوله: (مُطَابِقًا). حال كونه (مُطَابِقًا لِلْحَالِ)، حالٌ من فاعل يأتي، أي: لمقتضى الحال، إن اقتضى الحال الحذف حُذِفَ، إن اقتضى الحال - وعرفنا الحال الأمر الداعي للتكلم على وجهٍ مخصوص - إن اقتضى الحال أن يكون اللفظ العربي مضمرًا أُضْمِرَ، إن كان اسم إشارة فحينئذٍ فذلك، وإذا كان موصولاً فهو كذلك، إذًا هذه الأحوال العارضة تكون مطابقةً للحال، واحترز به عن الأحوال التي ليست بهذه الصفة يعني: قوله (يَأْتِي بِهَا مُطَابِقًا لِلْحَالِ). يعني: مقتضى الحال، وهذا بيانٌ لأحوال اللفظ، واحترز به عن الأحوال التي ليست بهذه الصفة، فخرجت سائر العلوم لأن غير علم المعاني من العلوم لا يُبْحَث فيها عن أحوال اللفظ، النحو لا يبحث فيه عن هذا الموضع، وكذلك الصرف، وكذلك العروض مثلاً، أو متن اللغة، كلها لا يبحث فيها عن أحوال اللفظ من حيث الحذف والذكر، ومن حيث التقديم والتأخير.
من حيث إن اللفظ يطابق مقتضى الحال بل من حيثية غيرها، فخرج الصرف والنحو والبيان - علم البيان - والبديع والعروض.
(عِرْفانُهَا) أي: معرفة تلك الأحوال (عِرْفانُهَا) الضمير يعود إلى تلك الأحوال، والعرفان هنا مصدر كذلك مثل المعرفة، أو اسم مصدر عَرَفَهُ يَعْرِفَهُ مَعْرِفَةً وعِرْفَانًا بالكسر (عِرْفانُهَا) أي: معرفة تلك الأحوال أي: إدراك كل فردٍ فردٍ من جزئياتها (عِلْمٌ هُوَ المَعَانِي)، يعني: معرفة كل موضعٍ من هذه المواضع التي يُعنون لها بالأمور العارضة لللفظ، يعني: متى يُحْذَف المسند إليه؟ له أحوال، متى يذكر المسند إليه؟ له أحوال، متى يقدم؟ متى يؤخر؟ معرفة هذه الأحوال جزئياتها الوقوف عليها فردًا فَردًا يُسَمَّى علم المعاني، ولذلك قال:(عِرْفانُهَا). أي: معرفة تلك الأحوال أي: إدراك كل فردٍ فَردٍ من جزئيات الأحوال المذكورة بمعنى أي فردٍ يوجد منها أمكننا أن نعرفه بذلك العلم المشار إليه بقوله: (عِلْمٌ هُوَ المَعَانِي)(عِلْمٌ) أي: مَلَكَة يقتدر بها على إدراك جزئياتٍ لا أنها تحصل جملة واحدة، وإنما تحصل تباعًا (هُوَ المَعَانِي).
إذًا علم المعاني ما هو؟
علمٌ يعرف به أحوال اللفظ العربي التي بها يُطابِق مقتضى الحال.
إذًا عندنا مطابقة مقتضى حال وعندنا لفظٌ عربي وله أحوال، معرفة هذه الأحوال وكونها مطابقةٌ لمقتضى الحال هو علم المعاني، وإذا عرفت أبوابه على جهة التفصيل يتضح لك المراد.
ويجوز أن يراد بقوله: (عِلْمٌ). أي: قواعد وأصول يُعرف بإدراكها أحوال اللفظ العربي .. إلى آخره. وهذا العلم كما قال ناظم هنا:
…
(مُنْحَصِرُ الأَبْوَابِ فِي ثَمَانِ) يعني: إدراك هذا العلم على وجه الحقيقة هو إدراك هذه الأبواب الثمانية (مُنْحَصِرُ الأَبْوَابِ) من إضافة اسم الفاعل إلى فاعله، (فِي ثَمَانِ) أي: ثمانية أبواب لغةٍ من ثماني، وحذفت الياء لأجل الوزن ونحوها.
جمعها الأخضري في قوله:
إسناد مسندٌ إليه مسنَدُ
…
ومتعلقات فعلٍ تورد
قصرٌ وإنشاءٌ وفصلٌ وصلٌ أو
…
إيجاز إطناب مساواة رأوا
هذه ثمانية أبواب: إسناد، مسندٌ إليه، مسند، هذه ثلاثة أبواب وكلها متعلقة بالإسناد، وسيأتي معنى الإسناد لأنه يقتضي مسندًا ومسندًا إليه، فحينئذٍ البحث في هذه الأبواب من هذه الحيثيات العارضة للفظ العربي هو بحثٌ في علم المعاني.
ثم المسند وقد يكون فعلاً أو في ما معنى المفعل وله متعلقات، الذي هو المفعول به و .. و .. إلى آخره، فحينئذٍ يأتي الباب الرابع وهو البحث في متعلقات الفعل، ومتعلقات فعلٍ - إذا وقع مسند مثلاً - تورد.
قصرٌ قد يكون الكلام يراد به القصر وقد لا يراد به القصر، ما قام إلا زيدٌ هل يُؤَدَّى المعنى هذا بقولك زيدٌ قائمٌ مثلاً، ما يصلح، إذا أردت القصر حينئذٍ له أساليب، أين تبحث هذا الأساليب؟ في علم المعاني.
فإذا أريد القصر وعدم القصر حينئذٍ له بابٌ خاص وهو الباب الخامس: وإنشاءٌ، وهو ما يقابل الخبر كالطلب والاستفهام والبحث عنها، وهذا الباب السادس، وفصلٌ وصلٌ يعني: إذا كان الكلام مركبًا من جملتين فأكثر، حينئذٍ علاقة الجملة الثانية بالأولى هل بينهما علاقة أو لا، إن كان بينهما علاقة فهو الوصل، إن لم يكن بينهما علاقة حينئذٍ الفصل، متى تفصل؟ ومتى تصل؟ هذا البحث يكون في الباب السابع، وهو الفصل والوصل.
أو إيجازٌ إطناب مساواة، يعني: الكلام باعتبار المعنى إما أن يكون أزيد، وإما أن يكون أقل، وإما أن يكون أكثر [هل مساوٍ $ 1.15.26]، فإن كان كثيرًا فهو الإطناب، إذا كان اللفظ أكثر من المعنى فهو الإطناب، وإذا كان أقل فهو الإيجاز، وإن كان مساويًا للمعنى فهو المساواة، وهو الباب الثامن، إذًا هذه ثمانية أبواب:
الباب الأول: الإسناد الخبري.
الباب الثاني: المسند إليه، يعني: أحوال المسند إليه.
الباب الثالث: أحوال المسنَد.
والرابع: متعلقات الفعل.
القصر الخامس.
الإنشاء هو السادس.
الفصل والوصل هو السابع.
والإيجاز والإطناب والمساواة هو الثامن.
ثم شرع في ما يتعلق بأول الأبواب، وهو أحوال الإسناد الخبري ونأتي عليه بعد الصلاة إن شاء الله تعالى، والله أعلم.
وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.