المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌عناصر الدرس * الباب الثاني: أحوال المسند إليه. * أغراض حذفه وذكره. * - شرح مائة المعاني والبيان - جـ ٥

[أحمد بن عمر الحازمي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌عناصر الدرس * الباب الثاني: أحوال المسند إليه. * أغراض حذفه وذكره. *

‌عناصر الدرس

* الباب الثاني: أحوال المسند إليه.

* أغراض حذفه وذكره.

* أغراض تعريفه.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

قال الناظم رحمه الله تعالى: باب (أَحْوَالُ الإِسْنَادِ الْخَبَرِيِّ) هذا فيما مضى الباب الثاني من الأبواب الثمانية التي ذكر أن علم المعاني منحصر فيها لأحوال المسند إليه.

ذكرنا علم المعاني أنه منحصر في أبواب ثمانية، إذ عرف الناظر هذه الأبواب الثمانية حينئذ استطاع أن يميز ما الذي يطابِق مقتضى الحال من أحوال اللفظ العربي وما الذي لا يطابق، فذكر الباب الأول وهو باب في

(أَحْوَالُ الإِسْنَادِ الْخَبَرِيِّ) وعرفنا المسائل المتعلقة به من حيث تقسيم إفادة الخبر إلى نوعين: فائدة الخبر، ولازمها.

ثم ذكر مسألة ثانية وهي أَضْرُب الخبر الثلاثة الابتدائي، الطلبيّ، الإنكاريّ.

ثم قَسَّمَ الإسناد إلى: حقيقي ومجازي.

هذه ثلاثة مسائل ذكرها في الباب السابق.

فلما انتهى من الكلام عن الإسناد الخبري شرع في ما يليه وهو: (المُسْنَدِ إِلَيْهِ). والإسناد عرفنا أنه نسبة حكم إلى اسم إيجابًا وسلبًا، ولا يتحقق الإسناد إلى بمسنَدٍ إليه ومسنَد، لا بد منهما، ثلاثة أركان مترابطة متلازمة: مسند إليه، ومسند، وإسناد.

الذي هو نسبة حكم إلى اسم إيجابًا أو سلبًا. مسند إليه هو المحكوم عليه، وهو المبتدأ والفاعل ونائب الفاعل، والمسند هو المحكوم به وهو الفعل والخبر، وقدّم المسند إليه على المسند لأن المسند إليه كالموصوف والمسند كالصفة، ولا شك أن حق الموصوف أن يتقدَّم على الصفة، فالموصوف أولى بالتقديم والرعاية لأنه هو الموضوع وهو المحكوم عليه، والصفة هي المحمول وهي المحكوم به.

فذات المسند إليه مقدمة من حيث الأصل كذلك ما اتصف به المسند إليه يكون مقدمًا على غيره، إذًا تقديمه من حيث كونه محكومًا عليه.

الباب الثاني: (أَحْوَالُ المُسْنَدِ إِلَيْهِ) يعني في بيان أحوال المسند إليه، وأحوال المراد بها هنا الأمور العارضة له، يعني للمسند إليه، من حيث هو المسند إليه، وهذه الأحوال العارضة كالحذف والذكر والتعريف والتنكير والإطلاق والتقييد .. وغير ذلك من الاعتبارات الراجعة إلى ذاك المسند إليه، وهي اعتبارات ستة متقابلة: الحذف والذكر، متقابلان يعني متى يُذكر المسند إليه؟ له مقامات، متى يحذف المسند إليه؟ له مقامات، إذًا الحذف والذكر متقابلان.

والتعريف والتنكير متى تأتي بالمسند إليه معرفًا، ثم أنواع المعرفة ستة متى يكون ضميرًا؟ ومتى يكون اسم إشارة؟ ومتى يكون اسم موصولاً؟ ومتى تكون محلاً بأل، وما المراد بأل؟ ومتى يكون مضافًا، أوراق متنوعة أحوال تختلف من حال إلى حال، التعريف والتنكير.

ص: 1

الثالث: التقديم والتأخير. متى يقدّم ومتى يؤخر؟ كما هو معلوم من شأن المسند إليه إذا كان مبتدأً أنه قد يتقدم له أحوال واعتبارات، ومتى يتأخر؟ والأصل فيه التقديم، وأما المسند إليه إذا كان فاعلاً فالأصل أنه لا يتقدم على مذهب البصريين - وهو الصحيح - وإنما يتقدم على مذهب الكوفيين، إذًا الحذف والذكر، والتعريف والتنكير، والتقديم والتأخير، هذه ست كلها متقابلة. وما يتعلق بتوابع المسند إليه كذلك يُذْكَرُ في هذا الباب، أو ما يتعلق به يعني بذاته كما إذا كان وصفًا يتعلق باسم المرفوع أو يتعلق به جار ومجرور، أو ظرف أو نحو ذلك.

إذًا هذا ما يتعلق بقوله: (أَحْوَالُ المُسْنَدِ إِلَيْهِ). يعني الأمور العارضة، والمراد بالأمور العارضة هذه الستة التي مذكورة من حيث ذاتها، وأما من حيث التوابع فوصله كونه يُنْعَت، كونه يُبْدَل مِنْهُ، كونه يعطف عليه فيما سيأتي في موضعه، وفيه بحسب ذلك أبحاث: الأول في حذفه أرتب النظم لكم لأجل الاستفادة منه الأول.

البحث الأول: في حذفه وحذف المسند إيه إذا كان مبتدأ أو فاعلاً في بعض المواضع لأحد أمور بمعني أن الاعتبار المناسب يكون حذفه عند وجود واحد من هذه الأمور، يعني يحذف، هل حذفه يكون عشوائيًّا؟ أم يكون لنكتة وفائدة لغوية؟

لا شك أنه الثاني بمعنى أنه لا يحذف المسند إليه إلا إذا كان هناك فائدة، ما هي هذه الفائدة؟ هي التي يتكلم عنها أهل المعاني هنا، ما هي هذه الفائدة من حذف المسند إليه؟ يتكلم النحاة بأن المسند إليه إذا كان معلومًا يجوز حذفه

وحذف ما يعلم جائز كما تقول: زيد .. إلى آخره

أما لماذا يحذف؟

الجواب: يكون هنا عند أهل البيان. إذًا حذفه لأحد أمورٍ، بمعنى أن الاعتبار المناسب للمقام يكون حذفه عند وجود واحد من هذه الأمور، فإن حذف لا لواحد منها كان حذفًا على غير الوجه المناسب، يعني لا يكون بليغًا لم يطابق مقتضى الحال، لأنه حذف في غير موضع الحذف الذي يكون بليغًا عند أهل البيان، ثم الحذف حذف المسند إليه يفتقر إلى أمرين، يعني لا بدمن أمرين، ليس كل مسند إليه يجوز حذفه لا بد من اعتبارين:

الأول: العلم بالمحذوف. العلم بالمحذوف لأن القاعدة العامة في باب النحو أن ما لا يعلم لا يجوز حذفه، وما يعلم يجوز حذفه، وحذف ما يعلم جائز، هذا قاعدة عامة ذكرها ابن مالك رحمه الله تعالى في باب المبتدأ لكنها عامة في المبتدأ وغيره وحذف ما يعلم جائز. إذًا الأمر الأول الذي يفتقر إليه الحذف العلم بالمحذوف بأن يكون السامع عارفًا بالمسند إليه المحذوف لوجود القرائن، لا يُحذف إلا إذا كان ثَمَّ قرينة كجواب السؤال مثلاً أين زيد؟ في الدار، في الدار يجيب هكذا، في الدار جار ومجرور إيش إعرابه؟ خبر، متعلق بمحذوف خبر، خبر لأي شيء لمبتدأ، أين المبتدأ؟ محذوف، لماذا حُذف؟ للعلم به. هل هناك قرينة؟ نعم، كونه واقع في جواب السؤال.

وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ كَمَا

تَقُولُ زَيْدٌ بَعْدَ مَنْ عِنْدَكُما

من عندك؟ زيد، أو عندي زيد ونحو ذلك، وهذا مقرر في النحو، يعني باب المبتدأ.

والثاني: الداعي الموجب لرجحان الحذف على الذِّكر. وهذا الذي يبحثه البيانيّون في هذا الموضع.

ص: 2

وحذف ما جائز كما تقول زيد بعد من عندكما

من عندكما؟ زيد. حذفت ماذا؟ [الخبر أي أنا ذكرته على أنه مبتدأ لذلك سرحت] بعد من عندكما؟ يعني زيدًا، فلتتأملوا [ها ها] الداعي الموجب لرجحان الحذف على الذكر، والثاني يذكر هنا في هذا العلم.

قال الناظم رحمه الله تعالى:

الحَذْفُ لِلصَّوْنِ وَلِلإِنكَارِ

وَالإِحْتِرَازِ أَوْ لِلإِخْتِبَارِ

حذف يعني حذف المسند إليه، يكون لواحد من هذه الأمور الأربعة، هي أكثر من ذلك لكن ذكر لك أربعة ونكتفي بها: الصَّوْنِ، الإِنكَارِ، الإِحْتِرَازِ، الإِخْتِبَارِ.

الحذف أي حذف المسند إليه وأل هنا نائبة عن مضاف إليه، أو للعهد الذهني أو الذكري؟ لأنه ذكر باب الثاني (أَحْوَالُ المُسْنَدِ إِلَيْهِ) حذف: حذف المسند إليه إذا ذكر أولاً ثم ضُمِّنَ بأن، لكن هذا لا يقال فيه هكذا، العهد الحضوري، أي هذا المسند إليه، متى يكون للعهد الذكري؟

إذا سُبِقَ له ذِكْرٌ، وهذا يكون صريحًا {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: 15، 16] نفس الكلمة أعيدت، هنا لم تعد نفس الكلمة، لو قال: مسند إليه، المسند قلنا: هذا الثاني هو عين الأول، لكنه قال: الحذف أي حذف المسند إليه، حينئذ تكون أل للعهد الذهني، أو على مذهب الكوفيين أنه عِوَض عن المضاف إليه، الحذف أي حذف المسند إليه (لِلصَّوْنِ) يعني كائن (لِلصَّوْنِ)، حذف مبتدأ و (لِلصَّوْنِ) متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، (لِلصَّوْنِ) أي صون المسند إليه عن ذكره بلسانك تعظيمًا له، قد يكون مسند إليه عظيم حينئذ لعظمته في نفسك تصونه تصون المسند إليه، ليس صون لسانك أنت، هذا مبحث آخر، إنما تصون المسند إليك عن ذكره بلسانك، فهو أعلى من أن تذكره أنت بلسانك، وجدت الشيء عندهم حتى تذكره بلسانك كقول القائل:

وإياك واسم العامرية إنني

أغار عليها من فم المتكلم

هذا ليس مثال للحذف، وإنما أنه قد يحذف المسند إليه من أجل الصيانة أو صون المسند تعظيمًا له، مثاله:

نجوم سماء كلما انقضَّ كوكب

بدا كوكب تأوي إليه كواكب

أي هم نجوم سماءٍ، نجوم سماء هذا خبر لمبتدأ محذوف، حذف المبتدأ المسند إليه، المسند إليه حذفه لماذا؟

أولاً: يجوز الحذف بدلالة السياق والقرائن عليه.

ثانيًا: لِمَ حُذِفَ؟ صونًا له عن أن يُذكر. هم نجوم سماء، وحذف المسند # 12.07 إليه صيانة له. قال: ومنه قوله: رب السموات والأرض. أي هو رب السموات والأرض أو يكون حذفه لأجل صونك أنت عن ذكره، عكس الأول، الأول تصون المسند إليه تحفظه، الصون هو الحفظ، تصونه عن أن تذكره بلسانك فهو أعلى وأعظم من تذكره بلسانك، هنا العكس يكون المسند إليه حقيرًا فتصون لسانك أنت، والصون هنا عام يشمل النوعين أو يكون حذفه لأجل صونك أنت عن ذكره تحقيرًا له على حد قول القائل:

ولقد علمت بأنهم نجس

فإذا ذكرتهم غسلت فمي

ولقد علمت بأنهم نجس، هذه أشخاص أو أناس أو قوم، فإذا ذكرتهم بلساني غسلت فمي، يعني كأنه تنجس المحل نجاسة حكمية، وذلك كقوله:

قومٌ إذا أكلوا أخفوا كلامهم

واثتوثقوا من ركاد الباب والدار

ص: 3

أي هم قوم أو إن شأت قل مثاله: فاسق فاجر زيد مثلاً من الناس [ما تريد أن] تريد أن تحفظ لسانك عن ذكره، تقول: فاسق. يعني زيد فاسق وتحذف المسند إليه صيانة للسانك عن ذكره.

(لِلصَّوْنِ وَلِلإِنكَارِ) هذا الثاني أي لتأتي الإنكار، (وَلِلإِنكَارِ) على حذف مضاف أي لتأتي الإنكار يعني تحذف المسند إليه من أجل أنه إذا احتجت إلى أن تنكر فلك مجال ولك فُسحة أن تُنكر، كما إذا طعنت في شخصًا أو كان وليًّا أو نحو ذلك تقول: فاجر، ظالم حذفته، لو قيل لك لما سببته ما عنيته عنيت شخصًا [ها ها] آخر، فلك فسحة أن تُنكر، بخلاف لو سميته زيدٌ كذا فاجر ظالم طاغي .. إلى آخره، وهذا كله يكون مسجلاً عليك، لكن إذا حذفته وأردت السلامة فلو سئلت قل: ما قصدته. طبعًا ستكذب لكن أو توري. (وَلِلإِنكَارِ) أي لتأتي الإنكار أي الحذف حذف (المُسْنَدِ إِلَيْهِ) ليكون لك سبيل إلى الإنكار إن مست إليه حاجة، مثاله أن يُذكرَ شخص فتقول: فاسق. فلو قلت: زيدٌ فاسق. لقامت البينة عليك، نعم قامت البينة لذلك ولم تستطع الإنكار، وإنما يتأتى ذلك إذا لم يكن جوابًا لاستفهام، يعني لك أن تحذف (المُسْنَدِ إِلَيْهِ) لتأتي الإنكار بشرط أن لا يكون جوابًا لسؤال استفهام، لأنه إذا كان كذلك السؤال معاد في الجواب، قلت: من زيد؟ قلت: الفاسق. إذًا زيد الفاسق .. إلى آخره. تقول: هذا يعتبر ليس كالأول، لماذا؟ لأن السؤال معاد في الجواب، فلو قيل لك: ما زيد؟ قلت: فاسق لم ينفع الإنكار بعد، لأن الأصل في السؤال إعادته في الجواب.

(وَالإِحْتِرَازِ) هذا الثالث: من أغراض حذف (المُسْنَدِ إِلَيْهِ) يعني

(الإِحْتِرَازِ) عن العبث بناء على الظاهر، أي (الإِحْتِرَازِ) عن التكلم بما لا فائدة فيه في الظاهر بدلالة القرينة عليه يعني إذا كان المسند إليه معلومًا بين المتكلم والمخاطب حينئذ لا حاجة إلى ذكره، إذا كان معلومًا فلا حاجة لذكره، لأن ذكره حينئذ يكون ماذا؟ يكون لغوًا من الكلام، يكون عبثًا، لأنك في الأصل تأتي بالمسند إليه من أجل أن تمهد للحكم، زيدٌ قائمٌ، فإذا كان زيدٌ معلوم بينك وبين المخاطب حينئذ لا تذكره، فإذا ذكرته صار ماذا؟ صار عبًثا من القول، لأن الظاهر وقرين الظاهر تدل عليه والمخاطب يعلمه وأنت تعلمه وإنما يجهل الخبر حينئذ لا داعي إلى ذكره، كقولك لمن يستشرف الهلال، الهلال والله. بدلاً أن تقول: هذا الهلال. الكل يبحث عندنا قرينة هنا البحث عن الهلال، فبدلاً من أن يقول: هذا الذي رأيته الهلال. الهلال، مباشرة يحذف المسند إليه، أي هذا الهلال فلو صرحت بذكر المسند إليه المبتدأ لكن ذكره عبثًا في الظاهر بمعنى أنه لا تظهر له فائدة، لماذا يذكر هذا، نحن نبحث عن الهلال. أين زيد؟ في الدار. لا تقل زيد في الدار، لماذا؟ لأن السائل عندما قال: أين زيد؟ إذًا علمت أنت أنه يعلم زيد، لكنه يجهل مكانه؟ حينئذ لا تعد عليه تقول: زيد في الدار. وإنما تقول: في الدار. مباشرة، فالحذف هنا يكون لأجل الاحتراز عن العبث، فإذا ذكرته صار زيادة في القول ولا فائدة فيه.

ص: 4

(أَوْ لِلإِخْتِبَارِ)، (أَوْ) بمعنى الواو، هذا الرابع مما يُحذف المسند إليه لأجله وهو الاختبار، أي يُحذف المسند إليه لأجل اختبار حال سامع الكلام هل ينتبه عند القرينة أم لا؟ أو يكون حذف لأجل اختبار قدر فهمه أي السامع بأن يُعلم له تنبهًا ولكن يريد أن يختبر مقدار تنبهه؟ وهل هو ممن يكتفي بالقرينة الخفية أو ممن يحتاج إلى قرينة ظاهرة؟ إذًا يأتي بذكر الخبر ويحذف المبتدأ لأجل أن يختبر السامع هل يعلم أو لا؟. كقوله مثلاً: أول جامعٍ للصحيح رحمه الله تعالى يختبره يعلم أو لا يعلم. قال: الترمذي أول جامع للصحيح. نجح أم لا؟ هذا اختبار لكم يا شطار، أول جامعٍ هذا خبر أين مبتدأه؟ لو قدره: الترمذي أول جامع للصحيح رحمه الله تعالى نجح أم لا؟ لم ينجح، إذًا عنى به الإمام البخاري رحمه الله تعالى. إذًا (أَوْ لِلإِخْتِبَارِ) يعني: يكون حذفه لأجل اختبار حال السامع هل ينتبه أم لا؟ وقيام القرينة شرط في الجميع. هذه أربعة أغراض لحذف المسند إليه، هل يُشترط في حذف المسند إليه في المواضع الأربعة وجود القرينة؟ الجواب: لا، لِمَا ذكرناه بأن الحذف ينتقل إلى أمرين:

أولاً: العلم بالمحذوف هذا لا بد أن يكون له قرينة.

الثاني: نكتة الحذف وهذه التي ذكرها الناظم أربعة مواضع.

وَالذِّكْرُ لِلتَعْظِيمِ وَالإِهَانَةِ

وَالْبَسْطِ وَالتَّنْبِيهِ وَالْقَرِينَةِ

(وَالذِّكْرُ) هذا المبحث الثاني في ذكر المسند إليه، وإنما قدم ذكر الحذف على الذكر مع أن الذكر هو الأصل، الأصْل في المسند إليه المبتدأ أن يذكر والحذف فرع عنه، لماذا قدم الفرع على الأصل؟ نقول: لأن الذكر هو الأصل، فلا تتشوف النفس إلى ذكر الموجب له بخلاف حذفه، لو ذُكِرَ ما سأل عنه السائل، لأنه الأصل، لكن لو حذف قال: لِمَ حذف؟

ص: 5

إذًا النفس تتشوف لحذف الأصل أكثر من ذكره، والذكر أي ذكر المسند إليه مع كونه معلومًا - لا بد من هذا، لا بد من قرينة - يكون لأمورٍ، وإن كان ذكره هو الأصل حيث لا مقتضي للعدول عنه من قرينة أو غيرها، يعني الأصل أنه يذكر فإن وجد موجب للعدول عن الذكر إلى الحذف حينئذ حذف، والمراد بمقتضي سبب الحذف هو الذي يذكره البيانيّون في هذا الموضع، يعني والحذف للتعظيم، والذكر للتعظيم والإهانة .. إلى آخره. نقول: هذا موجب لذكره للتعظيم أي لتعظيم اسم المسند إليه لكونه يعني لكون اسمه مما يدل على التعظيم نحو أمير المؤمنين حاضر، أمير المؤمنين هذا مبتدأ، حاضر حينئذ نقول ذكر المسند إليه هنا تعظيمًا لكون اسم عظيم، يعني يدل على العظمة هذا الأصل، (وَالإِهَانَةِ) أي لإهانة المسند إليه لكون اسمه مما يقتضي الإهانة، يعني فيه شيء من الدلالة، والمقام يستدعيها، يعني ثَمَّ أمر يضاف إلى كون اسمه فيه شيء من الإهانة أن يكون المقام يستدعي، يعني ليس المراد هنا الحكم معلقًا على مجرد الاسم ودلالته على شيء مهين، إنما المراد أنه اجتمع أمران: اسمه فيه دلالة على إهانة، ثم المقام يستدعي. لو كان الثاني غير موجود الذي هو المقام يستدعي الإهانة لَمَا صلح أن يكون هذا المقام للذكر لكون اسمه مما يقتضي الإهانة المقام يستدعيها إذ مجرد كون ذكره دالاً على الإهانة لا يقتضي ذكره، بل لا بد من المقام، نحو اللعين إبليس، اللعين إبليس هذا فيه إهانة، اللعين، إذًا اللعين يعني ملعون إبليس هذا خبر. نحو: السارقُ اللئيمُ حاضرٌ، السارق اللئيم هذا فيه إهانة فذكر هنا من أجل إهانته، واللفظ يدل على الإهانة والمقام يقتضي الإهانة فاجتمعان.

ص: 6

(وَالْبَسْطِ) أي قصد المتكلِم بسط نفسه بالكلام، يعني يُذكر من أجل ماذا؟ المقام قد يستدعي الحذف لكن من أجل يُطيل الكلام مع محبوبه، فحينئذ يذكر المبتدأ وأوصافه ونحو ذلك، (وَالْبَسْطِ) يعني: بسطه الحديث والكلام، أي قَصْد المتكلم بسط نفسه بالكلام حيث يطلب المقام طول الحديث، إذا كان المقام يطلب طول الحديث فحينئذ البسط يكون مطلوبًا، حيث يطلب فيه طول المقام بمخاطبة ذلك المخاطب لشرفه والافتخار بمكالمته فيصير المتكلِم مستعذِبًا بطول كلامه مع مخاطَبِه، فلهذا يطال الكلام مع الأحباب، الساعة والساعتين والثلاث [ها ها] وذلك كقوله تعالى حكاية عن موسى عليه السلام:{هِيَ عَصَايَ} [طه: 18]{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه: 17] عصاي هذا الأصل، لكن قال:{هِيَ عَصَايَ} ، فذكر من أجل أن يطيل الحديث ولذلك زاد على الجواب بقوله:{أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه: 18] أطال الحديث من أجل إطالة الكلام مع الرب جل وعلا، وإنما أجمل المآرب لأن تفصيلها يطول وربما يؤدي الطول إلى الخروج عن الفصاحة، وقد يكون فصل الكلام في مقام الافتخار والابتهاج وغير ذلك من الاعتبارات المناسبة، كما يقال لك من نبيك؟ حينئذ تقول: نبينا خليل الله أبو القاسم محمد صلى الله عليه وسلم، هنا أطلت من أجل ماذا؟ الافتخار، خليل الله أبو القاسم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. والتنبيه أي ذكر المسند إليه للتنبيه على جهل وغباوة السامع، يعني: ما يفهم حينئذ لا بد من - ومر معنا - أن من مقتضى الحال أن خطاب الغبيّ ليس كخطاب الذكيّ، يفترقان فالذي لا يفهم إلا بالتصريح لا بد أن تصرح له، وهنا كذلك التنبيه حينئذ تشير بذكر المسند إليه لكونه غبيًّا لا يفهم إلا بالتصريح، يعني لا يفهم بالقرينة لا تكفي إلا بأن يصرح له، مثل ماذا؟ مثَّلوا له بقولك لمن يعبد صنمًا: الصنم لا ينفع ولا يضر. يعني تراه يعبد صنم تقول: لا ينفع ولا يضر. هذا الأصل، لكن لكونه غبيًّا تقول: الصنم يعني المعبود الذي توجهت إليه بالعبادة لا ينفع ولا يضر. والقرينة أين ضعف التأويل على القرينة، يعني ثَمَّ قرينة لكن المخاطب قد يَضْعُفُ عن إدراكها، أي لضعف التأويل على القرينة الدالة عليه، أو ضعف فهم المخاطب عن فهم ما حذف بدلالة القرائن، فيذكر للاحتياط بضعف التأويل على القرينة، يعني والقرينة بكون القرينة ضعيفة في نفسها أو - وهذا تفسير بعضه - أو بأن التأويل على القرينة ضعيف، أو لكون المخاطَب قد لا يُدرك بالقرائن.

وَالذِّكْرُ لِلتَعْظِيمِ وَالإِهَانَةِ

وَالْبَسْطِ وَالتَّنْبِيهِ وَالْقَرِينَةِ

وقد يكون الذكر لغير ما ذكر كالتهويل والتعجب والإشهاد بقصة والتسجيل على السامع حتى لا يكون له سبيل إلى الإنكار وهذا كله مع قيام القرينة.

البحث الثالث في تعريفه

وَإِنْ بِإِضْمَارٍ تَكُنْ مُعَرِّفَا

فَلِلْمَقَامَاتِ اْلثَّلَاثِ فَاعْرِفا

ص: 7

وإن يكن يعني المسند إليه (مُعَرِّفَا) بإضمار (فَلِلْمَقَامَاتِ اْلثَّلَاثِ). تعريف المسند إليه يقابله التنكير، إذا تأتي به معرفًا لغرض، وتأتي به منكرًا لغرض، ما هي أغراض التعريف وما هي أغراض التنكير وهو متقابلان؟

المعرفة ما وضع ليستعمل في معين، ما يعني لفظ وضع أو اسم وضع ليستعمل في معين، وأنواع المعارف كم؟

سبعة أو ستة: ستة أو سبعة على الخلاف، الخلاف في ماذا؟

الخلاف السابع المختلف فيه ما هو؟ فيه ستة أو سبعة؟ النكرة المقصودة، نعم، هذه لا بد أن تكون محفوظة.

فمضمر أعرافها ثم العلم

فذو إشارة فموصول متم

فذوا أداة فمنادى عين فدوا إضافة بها تبين

هذه سبعة جمعها ابن مالك في الكافية:

فمضمر أعرافها، يعني أعرف المعارف مضمر، فمضمر أعرافها، ثم العلم، فذو إشارة، فموصول متم، فذو أداة، فمنادى عُيِّنَ فذو إضافة بها تبين.

وإنما قدم الناظم هنا الكلام على تعريف المسند إليه على الكلام على تنكيره لأن الأصل في المسند إليه التعريف بخلاف المسند، وهذا فيما إذا كان مبتدأً، الأصل فيه أن يكون معرفة.

وَلا يَجُوزُ الابْتِدَا بِالنَّكِرَةْ

مَا لَمْ تُفِدْ كَعِنْدَ زَيْدٍ نَمِرَه

حينئذ الأصل في النكرة أنها لا يُبدأ بها، وإنما يُبتدئ بماذا؟ بالمعرفة.

إذًا الأصل في المسند إليه أن يكون معرفة، وهذا فيما كان مبتدأ، وأما إذا كان فاعلاً فلا يشترط فيه، قد يكون نكرة وقد يكون معرفة، لا يشترط لماذا؟ لكون الحكم متقدمًا على الفاعل، قام رجل قَامَ زَيْدٌ، إذًا لَمَّا عرف المخاطب قيام الحكم فحينئذ هان عليه كون المسند نكرة أو معرفة، بخلاف إذا قلت: رَجُلٌ قَائِمٌ. يَنتظر السامع لأن قائم هنا يتبادر للذهن أنه صفة رَجُلٌ قَائِمٌ ماذا به؟ وهو قد جعل قائم خبرًا عن رجل. إذًا نقول: لاحتياج النكرة سياجًا شديدًا إلى الوصف حينئذ لا تقع النكرة مبتدأً البتة.

إذًا قدم الناظم الكلام على تعريف المسند إليه على الكلام على التنكير لأن الأصل في المسند إليه التعريف بخلاف المسند، وبدأ بالضمير لكونه أعرف المعارف كما سبق فقال:

وَإِنْ بِإِضْمَارٍ يَكُنْ مُعَرِّفَا

فَلِلْمَقَامَاتِ اْلثَّلَاثِ فَاعْرِفا

(وَإِنْ بِإِضْمَارٍ) هذا متعلق بـ (مُعَرِّفَا)، (يَكُنْ) هذا فعل الشرط، (وَإِنْ .. يَكُنْ)(بِإِضْمَارٍ)(مُعَرِّفَا)، واسم (يَكُنْ) ضمير مستتر يعود على المسند إليه، (وَإِنْ .. يَكُنْ) المسند إليه (مُعَرِّفَا)(بِإِضْمَارٍ) واضح هذا؟ (فَلِلْمَقَامَاتِ) الفاء واقعة في جواب الشرط (فَلِلْمَقَامَاتِ اْلثَّلَاثِ فَاعْرِفا).

ص: 8

(وَإِنْ بِإِضْمَارٍ يَكُنْ) المسند إليه (مُعَرِّفَا) خبر (يَكُنْ) واسمه الضمير المسند إليه يكون لأحد أسباب (فَلِلْمَقَامَاتِ اْلثَّلَاثِ) والمراد بها الغيبة والتكلم والخطاب، يعني يكون ضميرًا للمتكلم، ويكون ضميرًا للمخاطب، ويكون ضميرًا للغائب. أنا ضربتُ، أنتَ أَنتِ، ضربتَ ضربتِِ، هو ضَرَبَ. إذًا جيء به ببيان أن المسند إليه لا بد وأن يعبر عنه بأحد الضمائر الثلاث، لأن الخطاب مغاير للغيبة، والغيبة مغاير للتكلم، فلا بد من الإتيان به للدلالة على ما وُضِعَ له في لسان العرب، (فَلِلْمَقَامَاتِ اْلثَّلَاثِ) وهي الغيبة والتكلم والخطاب (فَاعْرِفا) فاعرفن الفاء عاطفة، والألف بدل من نون التوكيد الخفيفة، والجملة هذه تكملة.

إذًا المقام قد يقتضي أن يُورِدَ المتكلم فيه ضمير غائب لتقدم ما يرجع إليه المسند إليه لفظًا، يعني قد يأتي بضمير الغيبة لتقدم ما ذُكرَ أو ما عاد عليه الضمير، يعني لو قلت: هو راكب. هو لا يعود إلا على شيء متقدم ولا يعود على متأخر، إذًا إذا أردت أن يكون دلالة المسند إليه ضمير غائبًا فلا بد أن يكون عائدًا على شيء متقدم لفظًا كقول أبي تمام:

هو البحر من أي النواحي أتيته

فلجته المعروف والجود ساحله

هو في البيت السابق تحدث عن أبي إسحاق المذكور في البيت السابق فقوله: هو البحر، هو مسند إليه جاء به معرفة ضميرًا للغيبة لماذا؟ لكونه قد رجع إلى مذكور صريح سابق، واضح؟

إذًا بدلاً من أن يقول يتحدث عن زيد من الناس تقول: زيد قادم، وزيد راكب، هذا فيه حشو، وإنما تقول: زيد قادم، وهو راكب. إذًا لماذا جئت بالضمير في الثاني؟ لكونه قد دل على ما يرجع إليه سابقًا، فلو جئت بالاسم الصريح الظاهر حينئذٍ صار حشوًا، فالمقام يقتضي هنا الإضمار ولا يقتضي الإظهار، فبدلاً من أن تأتي بالاسم مظهرًا زيد وهو قد ذكر سابقًا تأتي بالضمير الراجع إليه، والضمير هنا رجع إلى لفظ مذكور صريح يعني نطق به، أو معنًى يعود الضمير الغيبة وهو مسند إليه إلى سابق لكنه من حيث المعنى لا من حيث اللفظ يعني لم ينطق به لم يصرح، كما لو قلت: زيد قادم وهو حاضر. هو عاد على شيء مصرح به أو معنًى نحو قوله تعالى: {اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8]، {هُوَ} إيش إعرابه؟ مبتدأ مسند إليه جاء ضميرًا، لِمَ جاء ضميرًا، لماذا؟

ص: 9

لأنه بدلاً من أن تأتي بالاسم الظاهر حشوًا تأتي بما يدل عليه وقد تقدم مرجعه لكنه من جهة المعنى لا من جهة اللفظ، لأن {هُوَ} يعود على العدل المفهوم من قوله:{اعْدِلُواْ} إذا مرجع {هُوَ} معنى، الذي هو المصدر المنسبك منه الفعل {اعْدِلُواْ} منسبك من مصدر وزمن، العدل هو الذي عاد عليه الضمير [أو حكمًا] (1) أو معنًى نحو قوله تعالى:

{اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] أي العدل، أو لقرينة الحال المقام كقوله:{وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 11]، (أَبَوَيْهِ) الضمير يعود إلى أي شيء؟ الميت هذه لقرينة الحال، صحيح؟ لقرينة الحال، أو حكمًا نحو قوله تعالى:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]،

{هُوَ اللَّهُ} هذا حكمًا، يعني هذا ضمير القصة والشأن يعود إلى متأخر، أو يقتضي المقام إذًا يقتضي المقام أن يُورِدَ الضمير غيبة، ثم المرجع قد يكون ملفوظًا به صريحًا، وقد يكون معنًى، وقد يكون معلومًا بقرينة الحال، وقد يكون حكمًا. هذه أربعة أحوال.

أو يقتضي المقام أن يورد فيه ضمير متكلم. قوله تعالى: {إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [القصص: 30] وقوله صلى الله عليه وسلم: «أنا أفصح العرب» .

أو يقتضي المقام أن يورد فيه ضمير خطاب كقوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56]{إِنَّكَ} الكاف للخطاب هنا، إذًا اقتضي المقام أن يأتي بضمير خطاب وهذا واضح، واقتضى المقام أن يأتي بضمير المتكلم، وهذا واضح، واقتضى الخطاب أن يأتي بضمير غيبة فلا بد له من مرجع على التفصيل الذي ذكرناه سابقًا.

وَإِنْ بِإِضْمَارٍ يَكُنْ مُعَرِّفَا

فَلِلْمَقَامَاتِ اْلثَّلَاثِ فَاعْرِفا

ثم قال:

وَالأَصْلُ فِي الْخِطَابِ لِلْمُعَيَّنِ

وَالتَّرْكُ فِيهِ لِلْعُمُومِ الْبيِّنِ

هذه المسألة هي التي ينفرد بها البيانيون، المسألة السابقة تحدث عنها النحاة وغيرهم، وأما كون المخاطب يكون معينًا على الأصل هذا حديث البيانيين، (وَالأَصْلُ فِي) مقام (الْخِطَابِ) أي الحق الواجب له بحسب وضع اللغة أن يكون للمعين، يعني: إذا خاطبتَ شخصًا بـ (أنت) ترى {إِنَّكَ لَا تَهْدِي} الأصل أن يكون الخطاب معين، شخص معين، إمَّا مفرد أو مثنًّى أو جمعًا، هذا الأصل فيه، وقد لا يكون الخطاب لمعين لحكمة ما، كما قال:(لِلْعُمُومِ الْبيِّنِ) فحينئذٍ نقول: عندنا أمران فيما يتعلق بضمير الخطاب:

أصلٌ بحسب وضعه اللغوي. وفرع، وهو مجاز عندهم.

الأصل أنه إذا خوطب الشخص بلفظ الخطاب بضمير الخطاب يكون معينًا (أنتَ، أنتِ، أنتما، أنتم) هذا الأصل، أن يكون الشخص معينًا.

وقد يخرج عن ذلك ولا يراد به المعين، ويكون ماذا يكون مفيدًا للشمول البدلي (وَالأَصْلُ فِي) مقام (الْخِطَابِ) أي الحق الواجب له بحسب وضع اللغة أن يكون للمعين مخاطبه، أي أن يعين المخاطب مفردًا كان أو مثنًّى أو جمعًا لأن أصل وضع المعارف أن تُستعمل في معين. ما هو المعرفة؟ ما وضع المستعمل في معين. إذًا ضمير خطاب من المعارف الأصل فيه أنه يُستعمل في معين. إذًا هذا لا يُسأل عنه مع أن الخطاب هو توجيه الكلام إلى حاضر فيكون معينًا.

(1) سبق.

ص: 10

(وَالتَّرْكُ) أي ترك ذاك الأصل ألا يكون الخطاب مستعملاً لمعين فيه أي في تعيين المخاطب أي قد يترك الخطاب مع معين إلى غيره للعموم البين، يعني لإفادة لأجل - اللام للتعليل - أي لأجل إفادة الشمول البين الظاهر الواضح، حينئذٍ تترك التعيين من أجل أن يكون الخطاب عامًا للعموم البين أي الشامل لكل مخاطب على سبيل البدلية، أي ليعم الخطاب كل مخاطب على سبيل البدل، فالعموم بدلي هنا لا شمولي.

(وَالأَصْلُ) في قوله: (وَالأَصْلُ) هذا مبتدأ، و (فِي الْخِطَابِ) متعلق به وقوله:(لِلْمُعَيَّنِ) هذا خبره (وَالتَّرْكُ) مبتدأ، و (فِيهِ) متعلق به وخبره (لِلْعُمُومِ)، و (الْبيِّنِ) هذا صفة له. فأصل الخطاب أن يكون لمعين وقد يترك إلى غير معين كما تقول: فلان لئيم إن أكرمتَهُ أهانَ، وإن أحسنتَ إليه أساء إليك. أكرمتَه أحسنتَ. هل المراد به مخاطب معين أم المراد به كل من يتأتى أن يكون هذا خطابًا له؟ لا شك الثاني. حينئذٍ هنا لم يُرد به معين وإنما أريد به الشمول، يعني لم يتعين الخطاب هنا لشخص بعينه خلاف ما عليه المعرفة، إن أكرمته يعني كل شخص يكرمه إن أحسنتَ لكل شخص يحسن إليه إن أكرمته أهان إن أحسنتَ يعني كل شخص يحسن إليه النتيجة الإساءة، فلا تريد بذلك أكرمت وأحسنت مخاطبًا بعينه، بل تريد إن أُكرم من أي شخص كان، وإن أحسن إليه من أي شخص كان، فليس المراد به مخاطبًا معينًا فتخرجه بصورة الخطاب ليفيد العموم أي سوء معاملته غير مختص بواحد دون واحد، وهو في القرآن كثير، يعني هذا خطاب موجود في القرآن بكثرة كقوله تعالى:{وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ} [السجدة: 12]{وَلَوْ تَرَى} من؟ كل من يتأتى منه الرؤية ليس خاصًا بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا بأي قارئ، وإنما كل من تتأتى منه أن يكون راءِيًا حينئذٍ دخل في الحكم. أُخرج في صورة الخطاب لما أريد العموم للقصد لا توضيع حالهم، وأنها تناهت في الظهور حتى أمتنع خفاؤها فلا تختص بها رؤية راءٍ تختص به، بل كل من يتأتى منه رؤية داخل في الخطاب، فيجعل غير الحاضر كالحاضر ليعم كل مخاطب على سبيل البدل.

إذًا (وَالأَصْلُ فِي الْخِطَابِ لِلْمُعَيَّنِ) جاء على وفق ما هو بحسب الوضع، (وَالتَّرْكُ فِيهِ) يعني في الخطاب (لِلْعُمُومِ الْبيِّنِ) فيترك ويراد به الشمول البدلي

وَعَلَمِيَّةٌ فَلِلاْحْضَارِ

وَقَصْدِ تَعْظِيِمٍ أَو احْتِقَارِ

(وَعَلَمِيَّةٌ) الثاني من المعارف العلم، وهو ما وضع لشيء بعينه لا يتناول غيره:

اسم يعين المسمى مطلقًا

علمه كجعفر وخرنقًا

ص: 11

فهو وُضِعَ لشخص بعينه لا يتناول غيره، زيدٌ علم ووضع للذات المشخصة المقصودة المعينة ولا يتناول غيره البتة، فتعريف المسند إليه بالعلمية يكون لأمور كما قال هنا الناظم:(عَلَمِيَّةٌ) نسبة إلى العلم وهو مبتدأ، أي علمية المسند إليه أي كونه معرفًا بالعلمية (فَلِلاْحْضَارِ) الفاء فاء الفصيحة، (لِلاْحْضَارِ) واللام للتعليل أي لأجل أن يحضر المسند إليه بعينه في ذهن السامع، [أن] بإحضار ماذا؟ إحضار المسند إليه بعينه في ذهن السامع يعني أشخصه لك من أجل أن أحكم عليه، إذا قلتَ: زيد قال. وأنت تعرف زيد وإلا ما صار علمًا، زيدٌ سافر إذا لما قلتَ زيد أحضرتَ المسند إليه الذي حكمتَ عليه بكونه سافر بعينه بشخصه لا يحتمل غيره البتة، لأجل أن يحضر المسند إليه بعينه في ذهن السامع ابتداءً باسم يخصه بحيث يكون متميزًا عن جميع ما عاداه، لو قلتَ ماذا؟ جاءني زيد وهو راكب. وهو راكب هل أحضرته بعينه؟ ما أحضرته بعينه، إذًا ابتداءً من أول مرة أنه يعبر عنه بالعلم، وهو راكب أحضره لكن لا بعينه، وإنما بمرجعه، جاءني زيد وهو راكب، وهو من؟ زيد. إذًا أحضره لكن لا بذاته وإنما بواسطة، لأجل أن يحضر المسند إليه بعينه في ذهن السامع ابتداءً يعني في أول مرة احترازًا من قولنا: جاءني زيد وهو راكب. هذا إحضاره مرة ثانية لا أولاً بالضمير الغائب، باسم يخصه أي المسند إليه بحيث لا يُطلق على عَلى غيرهم، كقوله:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] لما قلتَ: {اللَّهُ أَحَدٌ} دل مدلوله على الذات المقدسة الموصوفة بالإلوهية {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ}

[الفتح: 29] أحضرته بعينه

أبو مالك قاصرٌ فَقْرَهُ

على نفسه ومشيع غناه

وقصد تعظيم أي للدلالة على تعظيم المسند إليه، يعني يؤتي به علمًا من أجل أن يعظم، كمن يسمى حاتمًا مثلاً حاتمٌ وتريد به المشار إليه حاتم الجواد.

(أَو احْتِقَارِ) المسند إليه - كما في الكنى والألقاب المحمودة والمذمومة - يجمع قصد التعظيم والاحتقار كما هو في الألقاب وهو نوع من العلم وكذلك الكنى، أبو لهب مذموم أو لا؟ مذموم. أبو القاسم صلى الله عليه وسلم ممدوح. إذًا قد تشير الكنية إلى مدح وقد يشار باللقب إلى ذم أو مدح، حينئذٍ يؤتي به من أجل إفادة مدلوله.

[الثاني](1) من المعارف الموصول أو الثالث نعم الثالث أول الضمير والثاني علمية الثالث قال:

وَصِلَةٌ لِلجَهلِ وَالتَّعْظِيمِ

لِلشَّانِ وَالإِيمَاءِ وَالتَّفْخِيمِ

(وَصِلَةٌ) كان الأَوْلَى أن يقدم اسم الإشارة لأنه أَعْرَف أليس كذلك؟ فذو إشارة فموصول متم، صحيح؟

فمضمر أعرافها ثم العلم

فذو إشارة فموصول متم

إذا اسم الإشارة أعرف فالأَوْلَى أن يقدمه عليه، إذ هو يعرف منه كما هو مذهب سيبويه والجمهور، ويأتي المسند إليه صلة لأمور.

(1) سبق مستدرك بعده.

ص: 12

قال الناظم: (وَصِلَةٌ) أي الموصول مع صلته، عبر بالصلة عن الموصول مع صلته، أي وأما تعريف المسند إليه بالموصلية أي بإيراده اسم موصول وتخصيصه بالصلة لأنك إذا قلتَ: الذي قام أبوه قادم. أين المسند إليه هنا؟ الذي قام أبوه [حاضر] قادم أين المسند إليه؟ قولان إلى الآن بقي قول ثالث قسمة عقلية [ها] أين المسند إليه؟ ما هو؟ الذي. وقام أبوه؟ قام أبوه ها يا نبيل. الموصول مع صلته، إما أن يكون الموصول، وإما أن يكون الموصول مع صلته، وإما أن تكون الصلة. ثلاثة أقوال عقلية.

الذي هو المسند إليه، هو المبتدأ، إذا جاءت تعرب الذي قام أبوه حاضر، الذي اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، قام أبوه فعل وفاعل، والفاعل مضاف ومضاف إليه والجملة من الفعل والفاعل صلة الموصول لا محل لها من الإعراب، كيف نقول الذي له محل وهو المبتدأ الابتداء، والصلة قام أبوه لا محل له من الإعراب، لأن الذي يعرب هو الأول الصلة، وصلة هي التي تكون مبتدأً، جاء الذي قام أبوه. جاء فعل ماضي، الذي فاعل، قام أبوه صلة الموصول، فالاسم الموصول هو الذي يكون مبتدأ، وهو الذي يكون له محل من الإعراب سواء وقع فاعلاً أو اسم إن أو خبر إن الموصول هو الذي يعرب، هو الذي يكون له محل من الإعراب، وأما الصلة فلا محل لها من الإعراب، ولذلك نقول بتعبير دقيق: وأما تعريف المسند إليه بالموصلية أي بإيراده اسم موصول وتخصيصه بالصلة، يعني التي هي الجملة بالجهل، أي يأتي لأمور منها ألا يعرف السامع إلا ما قُيِّدَ الموصول بالصلة، ترى شخصًا في المسجد مع شخص ثالث ولا تعرف اسمه، تقول له: الذي كان معنا بالأمس، فما تعرف اسمه ولا تعرف له وصف إلا الذي كان معنا، فحينئذٍ جئت بالصلة هنا الموصول وجعلته مسندًا إليه بالجهل، بالجهل بماذا؟ للجهل بصفات المسند إليه إلا هذا الوصف، أي: يجعل المسند إليه موصولاً لجهل السامع أي: لعدم علم السامع المخاطَب بالأحوال المختصة به سوى الصلة، وقد يكون من المتكلِم كذلك، ويحتمل أنه من السامع ويحتمل أنه من المتكلم، كقولك: الذي كان معنا أمس رجلٌ صالحٌ. والتعظيم للشأن وعبَّر عنه في ((الإيضاح)) بقوله: جُعِلَ ذريعةً إلى التعريض بالتعظيم لشأن الخبر. يعني: يُجعل المسند إليه اسمًا موصولاً ذريعةً من أجل التعريض بالتعظيم لشأن الخبر، يعني: وسيلة لتعظيم غيره، أي يُجعل المسند إليه موصولاً للإيماء إلى وجه بناء المسند على المسند إليه ووسيلةً إلى رفع شأن المسند وتعظيمه كقول الفرزدق:

إِنَّ الذي سَمَكَ السَّمَاءَ بَنَى لنا

بَيْتًا دَعَائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطْوَلُ

إن الذي سمك السماء: هذا إيماء إلى الخبر. بنى لنا بيتًا أو قصرًا: إذًا خبر المتبني عليه وهو أمرٌ عظيم، حينئذٍ جاء التمهيد هنا من أجل ماذا؟ جيء بالاسم الموصول وجُعل مسندًا من أجل أن يمهد بالصلة المخصصة للاسم الموصول إيماءً إلى أن الخبر عظيم، إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتًا. إذًا كيف يكون حاله؟ عظيم لأن الذي سمك السماء سامك السماء هو الباني للقصر، حينئذٍ صار تمهيدًا وذريعةً لتعظيم الخبر.

إِنَّ الذي سَمَكَ السَّمَاءَ بَنَى لنا

بَيْتًا دَعَائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطْوَلُ

ص: 13

ففي قوله: إن الذي سمك السماء: إيماءٌ إلى الخبر المبتني أو الْمُبْتَنَى عليه، أمرٌ من جنس الرفعة وفيه تعريضٌ بتعظيم بنائه لكونه فِعْلَ من رفع السماء لا بناء أرفع منها، الذي رفع السماء هو الذي بنى قصرًا، إذًا كيف يكون حال القصر؟

عظيم هذا المراد به، والإيماء، أي: الإشارة إلى وجه بناء الخبر أي: بناء المسند على المسند إليه، يعني: ما العلة؟ قد يشار بالاسم الموصول يعني: يؤتى بالمسند إليه وكذلك حتى في المسند يؤتى بالاسم الموصول من أجل

أن يُمَهَّدَ بأن علة الخبر الذي هو الحكم ما اشتمل عليه الموصول من

الصلة: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60]. ما علة قوله: {سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ} ؟ استكبارهم. من أين أخذته؟ {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ} . إذًا جيء بالصلة هنا من أجل التمهيد لكون الخبر معلل. معلل بماذا؟ بما اشتملت عليه الصلة. {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} فإن الاستكبار الذي تضمنته الصلة فيه إيماء يعني: إشارة إلى أن الخبر المبني عليه أمرٌ من جنس العقاب والإذلال فكان مناسِبًا لإسناد {سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} أي ذليلينَ إلى الموصول، حينئذٍ جاء بالفاتحة كما قال التفتازاني: على وجهٍ ينبه الفطن على الخاتمة. {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} لو وقف هنا سيعلم أن عقابًا ينالهم، وهذا جاء بالصلة في الأول.

(وَالتَّفْخِيمِ) أن يؤتى بالمسند إليه موصولاً لأجل التفخيم في مقام التعظيم والتهويل كما في قوله تعالى: {فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} [طه: 78]. {مَا غَشِيَهُمْ} أي: موجٌ عظيم لا يكتنه كنهه ولا يمكن وصفه، فإن في هذا الإبهام من التفخيم ما لا يخفى، فلو قيل: فغشيهم الغرق حينئذٍ علقه بمعلومٍ لكن {فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} هل هو غرق؟ هل هو هلاك؟ هل هو زلزال؟ هل .. هل .. ، يحتمل ويحتمل، فحينئذٍ يتصور بالذهن أن هذه كلها قد وقعت لكن لو قال: غشيهم الغرق حينئذٍ كان فيه تخصيص للعذاب، فلو قيل: فغشيهم الغرق لم يفد هذا التفخيم، (وَصِلَةٌ لِلجَهلِ وَالتَّعْظِيمِ لِلشَّانِ)، للشأن هذا متعلق بقوله التعظيم (وَصِلَةٌ لِلجَهلِ)، (وَصِلَةٌ) هذا مبتدأ و (لِلجَهلِ) هذا خبر، والبقية معطوفاتٍ عليها، والمسوغ هنا التفصيل، أو يراد كقصد الجنس صلة حينئذٍ صار في حكم المعرفة (وَالإِيمَاءِ وَالتَّفْخِيمِ) ثم قال:

وَبِإِشَارةٍ لِذِي فَهًمٍ بَطِي

فِي الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ أَوِ التَّوَسُّطِ

هذا النوع الرابع؟ [الضمير، العلم، الصلة، اسم لإشارة هذا الرابع أحسنت].

ص: 14

ثم ذكر اسم الإشارة بقوله: (وَبِإِشَارةٍ) يعني: اسم إشارة، بحذف المضاف اسم إشارةٍ أي: باسم إشارةٍ جُعل مسندًا إليه أي: وأما تعريف المسند إليه بإرادة اسم إشارة (لِذِي فَهًمٍ بَطِي) يعني: اسم الإشارة في الأصل أنه موضوعٌ لأي شيء، اسم الإشارة في أصل وضعه في لسان العرب موضوعٌ للمحسوسات، المحسوسات لا بد أن يكون لشيءٍ محسوس أليس كذلك؟ وما سبق معنا أن حدّ الإشارة ما وضع لمسمًى أو معين وإشارةٍ إليه، لو قلت: هذا زيدٌ، هذا من المعارف أليس كذلك؟ من المعارف لو لم أشر بيدي وأردت أن أعرف واحدًا منكم: هذا زيدٌ. أنا أريد أن أخبرك أنت: هذا زيدٌ. دون أن أشير تعرفه؟ ما تعرفه. لكن لو قلت: هذا زيدٌ عرفته أم لا؟ بماذا عرفته بلفظ هذا فقط؟ لا، مع الإشارة، هذا زائدًا الإشارة، أما لفظ هذا لوحده لا يكفي ولا يكون معرفةً، لو جلست من العشاء إلى الصلاة تقول: هذا زيدٌ، هذا زيدٌ، ما عرفه الحاضرون لماذا؟

لانتفاء الإشارة، الذي يكون فهمه بطيئًا لا يُدرك إلا المحسوس، يعني: المعقول هذا لا مجال له فيه، فإذا خوطب حينئذٍ أريد الإشارة إلى كونه بليد الذهن فيؤتى له باسم الإشارة بناءً على أنه لا يفهم [ها ها] المعقولات.

(لِذِي) أي لسامعٍ صاحب فهمٍ بطيء لبلادته وغباوته، فحينئذٍ يكون مُسْتَبْلَدَ الذهن حتى أنه لا يتميز له الشيء إلا بالإشارة ولا يدرك غير المحسوس، كقول الفرزدق يخاطب جريرًا:

أولئك آبائي فجئني بمثلهمُ

إذا جمعتنا يا جرير المجامعُ

أولئك قالوا: أراد به الإشارة إلى غباوة جرير، كلهم يذم بعضهم بعضًا جرير وفرزدق.

أولئك آبائي: مبتدأ وخبر، فجئني بمثلهمُ إذا جمعتنا يا جرير مجامعُ،

إذًا إذا كان المخاطب السامع ذا فهمٍ بطيء يعني إشارة إلى كونه لا يفهم إلا بالمحسوسات فحينئذٍ يؤتى بالمبتدأ اسم إشارة.

أو (فِي الْقُرْبِ) أي: للدلالة على القرب، معلومٌ أن اسم الإشارة قد يكون للقريب أو البعيد أو التوسط كما ذكره الناظم هنا، فحينئذٍ تأتي باسم الإشارة للدلالة على قرب المسند إليه، أو للدلالة على بعده، أو للدلالة على توسطه، أو (فِي الْقُرْبِ) أي: أن يكون المسند إليه اسم إشارة لأجل بيان حاله من قربٍ من المتكلمين، كقولي: هذا زيد إذًا هو قريبٌ مني، أو البعد كذلك أو ذلك زيد، {ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة: 2]. بعيد لرفعة شأنه والبعد هنا معنوي، أو التوسط وهو مذهب كثيرٍ من النحاة لأن للإشارة ثلاثة مراتب:

قربى ولها المجرد.

ووسطى ولها ذو الكاف ذاك.

وبعدى ولها ذو الكاف واللام.

ذا هذا القريب، ذاك للمتوسط، ذلك هذا للبعيد، وصححه ابن الحاجب، وعند سيبويه وتبعه ابن مالك أنه ليس للإشارة إلا مرتبتان، ثم ذكر المحلى بأل.

نكمل بعد الصلاة إن شاء الله يا إخوان، والله أعلم.

وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 15