المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌عناصر الدرس * الباب الثالث: أحوال المسند. * أغراض حذفه وذكره. * أغراض - شرح مائة المعاني والبيان - جـ ٧

[أحمد بن عمر الحازمي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌عناصر الدرس * الباب الثالث: أحوال المسند. * أغراض حذفه وذكره. * أغراض

‌عناصر الدرس

* الباب الثالث: أحوال المسند.

* أغراض حذفه وذكره.

* أغراض ذكره جملة أو مفرداً.

* فائدة تقييده بالفضلات وتركه.

* فائدة تقييده بأدوات الشرط.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

قال الناظم رحمه الله تعالى:

(البابُ الثَّالِثُ: أَحوَالُ المُسْنَدِ).

(البابُ الثَّالِثُ) من الأبواب الثمانية التي انحصر فيها علم المعاني:

(أَحوَالُ المُسْنَدِ)، قدَّم الباب الأول في أحوال الإسناد الخبري - ومر

معنا - والباب الثاني في أحوال المسند إليه، و (البابُ الثَّالِثُ) في (أَحوَالُ المُسْنَدِ)، وحينئذٍ تمت الأجزاء الثلاثة.

وهذه أهم ما يُعْتَنَى به في هذا المقام: الإسناد، والمسند إليه، والمسند. وكلاها الثلاثة متلازمة. إذ لا مسند إليه إلا بمسند ولا عكس، ولا إسناد إلا بمسندٍ إليه ومسند، فإذًا لكل واحد من هذه الثلاثة الأجزاء أحكامٌ تتعلق بها يحتاج الطالب أن يتمعن فيها على جهة الخصوص.

(أَحوَالُ المُسْنَدِ) أي المحكوم به وهو المحمول فعلاً كان أو اسم، يعني: يسمى محمولاً عند المناطقة، والمسند إليه يسمى موضوعًا عند المناطقة، وإن كان العبارات مختلفة إلا أن المعنى واحد، نعم اختلاف بعض الأحكام التي لا تضر.

(أَحوَالُ المُسْنَدِ) أي: المحكوم به وهو المحمول فعلاً كان أو اسمًا، بخلاف المسند إليه فلا يكون إلا اسمًا، وأما المسند فإنما يكون اسمًا ويكون فعلاً، يعني: تارةً يكون اسمًا وتارةً يكون فعلاً، وهذا من أبرز الفوارق بين النوعين مع كون الأول المسند إليه محكومًا عليه والثاني محكومًا به. وهذا فرقٌ جوهري من حيث المعنى، وأما من حيث اللفظ وما يدل عليه فالمسند إليه لا يكون إلا اسمًا، والمسند يكون اسمًا ويكون فعلاً. وأخرَّه عن المسند إليه لأنه فرع، المسند إليه أصلٌ، والمسندُ فرعٌ عنه ومسوقٌ لأجله؛ لأن المسند إليه - كما مر - محكومٌ عليه والمسندُ محكومٌ به وهو متضمنٌ للحكم، والثاني لا شك أنه مؤخرٌ عن الأول؛ لأن المحكوم عليه مقدمٌ

وَقُدِّمَ الأَوَّلُ عِنْدَ الوَضْعِ

لأَنَّهُ مُقَّدَّمٌ بِالطَّبْعِ

فالطبع يقتضي أن يقدم المحكوم عليه أولاً، ثم بعد ذلك يأتي المحكومُ به.

أحوال المسند - عرفنا المسند - أحواله يقال فيه ما قيل فيما سبق، المراد بها الأمور العارضة للمسند، فتعرض له أمور كما أن المسند إليه تعرض له أمور، فالأحوال العارضة هنا تعرض للمسند من حيث هو مسندٌ كالترك، والذكر، والتعريف والتنكير، وكل ما مضى من الأبحاث المتعلقة بالمسند إليه، ثَمَّ اشتراكٌ من حيث المعنى عرفنا أنه ثم فرقًا بينهما، ومن حيث الأحوال العارضة فيعرض للمسند ما يعرض للمسند إليه من حيث الذكر، والحذف، والتعريف والتنكير .. إلى آخر ما مر معنا.

وفيه أبحاث:

الأول في تركه، قال الناظم:

ص: 1

(لِمَا مَضَى التَّرْكُ) ما إعراب الترك؟ مبتدأ مؤخر (لِمَا مَضَى) يعني: للذي مضى، يعني: مرَّ وانتهى ذكره (التَّرْكُ)، الترك هنا أحوال الترك في المسند (لِمَا مَضَى) يعني: يُترك المسند إليه لما مر من أحوالٍ في المسند إليه، فحينئذٍ اشتركا من حيث الجملة فيُترك المسند لأغراضٍ هي بعينها التي يُترك المسند إليه أو إن شئت عبر بيحذف لأجلها، (لِمَا مَضَى) من النكت في حذف المسند إليه الترك، أي: ترك المسند إليه لما مضى بحذف المسند إليه، في قوله فيما سبق:

الحَذْفُ لِلصَّوْنِ وَلِلإِنكَارِ

وَالإِحْتِرَازِ أَوْ لِلإِخْتِبَارِ

وكما أن المسند إليه يُحذف للصون، كذلك المسند يحذف للصون، إما لصون المسند لعظمته ومكانته، وإما لصون لسانك أنت عن حقارته ورزالته، كذلك للإنكار والاحتراز والاختبار.

فالاحتراز عن العبس أي: الإتيان بما لا فائدة فيه للعلم به، نأتي ببعض الأمثلة فقط نحو: زيدٌ في جواب من قام؟ زيدٌ، ما إعراب زيد؟ فاعل، ليس مبتدأ نحن في المسند إليه، ذكرتني المسند يكون خبرًا ويكون فعلاً، المسند إليه هو المحكوم به ولذلك مر معنا حد الإسناد نسبةُ حكمٍ إلى اسمٍ إيجابًا أو سلبًا، احفظ هذا الحدّ واعرف المراد بالاسم والمراد بالحكم ترتاح كثير من هذا المقام، نسبة أي: إضافة حكمٍ، ما المراد بالحكم هنا؟ الخبر والفعل، الخبر بأنواعه المفرد والجملة وشبه الجملة، والفعل بأنواعه الماضي والمضارع، والأمر على خلافٍ فيه - هل تقع الجملة طلبية خبرًا أو لا؟ - والصحيح أنها تقع، حينئذٍ المراد بالحكم الاسم الخبر بأنواعه والفعل بأنواعه، إلى اسمٍ المراد به المبتدأ والفاعل ونائب الفاعل.

احفظ هذا التعريف بهذا التعليق تستريح كثيرًا. إيجابًا أو سلبًا هذا تقسيم للجملة قد تكون موجبة وقد تكون سالبةً - يعني: منفية، يعني: المسند يكون خبرًا ويكون فعلاً من قام؟ زيدٌ ما إعراب زيد؟ فاعل - لا تتردد - فاعل لأن التقدير قام زيدٌ، حذفت قام لدلالة قام التي في السؤال، فذكره حينئذٍ يكون من باب التطويل لأنه لا فائدة منه؛ لأن السائل يسأل عن ماذا؟ عن حدثٍ مخصوص عبر عنه بقام، من قام؟ إذًا يعلم أن ثَمَّ قيامًا قد وقع، فإذا قلت له: قام ماذا صنعت؟ أطلت في الحديث بدون فائدة، وإنما تذكر الفائدة مباشرةً زيدٌ، زيدٌ فاعلٌ لفعل محذوف جوازًا، إذًا الاحتراز عن العبث الإتيان بما لا فائدة فيه للعلم به نحو زيدٌ في جواب من قام، وقوله: كذلك

ومن يك أمسى بالمدينة رحله

فإني وقيّارٌ بها لغريب

ص: 2

فإني وقيّارٌ، كذلك. الرحل هو المنزل والمأوى، وقيار اسم فرسٍ للشاعرِ، فالمسند لقيار محذوف لأن قيار هنا مبتدأ، لدلالة ما قبل عليه، والتقدير وقيارٌ كذلك، ومنه قوله تعالى:{قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} [الإسراء: 100]. {لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ} ، {أَنتُمْ} ما إعرابها؟ ليست مبتدأ، بل هي فاعل لو تملكون، تملكون هذا الأصل وحذف تملكون فانفصل الضمير صار أنتم، لأن الواو تأتي تملكون الواو هي الفاعل، هذه لا تكون إلا متصلة لا يكون منفصلاً، فحينئذٍ أنيب أنتم مناب الواو، والأصل لو تملكون تملكون، فحذف الفعل احترازًا عن العبس لوجود المفسر فانفصل الضمير وليس أنتم مبتدأ، وما بعده خبر، بل فاعل لفعلٍ محذوف، وقول الشاعر كذلك:

نحن بما عندنا وأنت بما

عندك راضٍ والرأي مختلفٌ

الرأي والرأي الآخر، نحن بما عندنا راضون أليس كذلك؟ نحن بما عندنا راضون، نحن راضون أليس كذلك؟ وبما عندنا متعلق براضون، إذًا حذف الخبر من الأول لدلالة الثاني عليه، نحن بما عندنا وأنت، [إذا جاءت الواو لا تبحث عن المبتدأ بعد الواو انتبه هل سبق $ 9.16 وأنه مستدرك بعده]، إذا جاءت الواو نحن بما عندنا وأنت، لا تبحث عن الخبر بعد الواو، إذًا نحن بما عندنا نحن مبتدأ أين الخبر؟ نحن ماذا؟ قائمون نائمون آكلون شاربون يحتمل، لكن بدلالة المتأخر نحن بما عندنا راضون فحذف الخبر، إذًا:

نحن بما عندنا وأنت بما عندك راضٍ والرأي مختلفٌ

ص: 3

أي نحن بما عندنا راضون، (لِمَا مَضَى التَّرْكُ) أي ترك المسند إليه لما مضى في حذف المسند إليه، عرفنا الآن وعبَّر هنا بالترك وفيما سبق بالحذف هل هو مقصودٌ أم لا؟ قال: الحذف للصون في المسند إليه، وهنا قال:

(لِمَا مَضَى التَّرْكُ) هل ثَمّ فرقٌ؟ نعم لأن المسند إليه ركنٌ، فالأصل فيه أن يذكر وهو عمدة محكومٌ عليه، لا يجوز حذفه البتة، هذا أصلٌ إلا إذا دلت قرينة عليه، حينئذٍ إذا ترك لا بد وأن يدل على أنه متروك شيءٌ ما، لا بد أن يدل على كونه متروكًا شيءٌ ما، حينئذٍ لما كان هذا استلزامًا لذكر المسند إليه وجودًا أو عند الحذف، عُبِّر بالحذف للدلالة على أنه يذكر أولاً ثم يحذف، لماذا؟ لكونه عمدة، وأما المسند فهذا يمكن أن يستغنى عنه فلكونه فرعًا عن المسند إليه، عُبِّر عنه بالترك بمعنى أنه قد لا يذكر ابتداءً، وأما المسند إليه فلا يذكر ثم يحذف، ففرقٌ بين النوعين، وعبَّر هنا بالترك وفي المسند إليه بالحذف تنبيهًا على أن المسند إليه هو الركن الأعظم، نعم هو الركن الأعظم من الجزأين، هو الركن الأعظم الشديد الحاجة إليه حتى أنه إذا لم يذكر فكأنه أُتي به ثم حذف، يعني: لا بد أن يكون مذكورًا، إما أن يؤتى به صراحةً وإما أنه يؤتى به ثم يحذف، يعني: لا يترك ابتداءً بل يذكر ثم يحذف لأصالته وعمديته حتى أنه إذا لم يذكر فكأنه أُتِيَ به ثم حذف بخلاف المسند فإنه ليس بهذه المثابة، فكأنه تُرِكَ من الأصل يعني: لم يذكر. إذًا الترك لا يفهم أنه ذكر ثم حذف والحذف لا، ذكر أولاً ثم حذف، وعُبِّر بالتعبيرين لدلالة على أن المسند إليه ركنٌ أعظم، والمسند - وإن كان عمدة - إلا أنه ليس مساويًا للمسند إليه. (لِمَا مَضَى التَّرْكُ) في عبارة الناظم قصور لأنه أحال على شيءٍ حين مضى مطلقًا، لأن في ترك المسند اعتباراتٌ لم تكن هناك، هل كل ما ترك في المسند هو بعينه الغرض في المسند إليه على ظاهر كلام الناظم؟ نعم، (لِمَا مَضَى التَّرْكُ) الترك لكل ما مضى ما اسم موصول بمعنى الذي، إذًا عمّ، فكل تركٍ في المسند هو بعينه الترك أو الحذف في المسند إليه، لكن ليس الأمر كذلك، ثَمّّ تركٌ في المسند ليس موجودًا في المسند إليه، لأن في ترك المسند اعتباراتٍ لم تكن هناك، مثل أن يكون مثلاً قد يحذف المسند لأنه مثل، والأمثال تحكى كما هي، كما في قوله: كل رجلٍ وضيعته. كلُّ: مبتدأ، رجلٍ: مضاف إليه، وضيعته: معطوفٌ على كل أين الخبر؟ محذوف لماذا؟ سماعًا، هل هذا الغرض موجودٌ في المبتدأ؟ لا، ليس موجودًا، فكيف يقول: الترك لما مضى؟ هذا يَرِدُ عليه. إذًا في عبارته قصور لأنه يرد عليه بعض الاعتبارات في المسند من حيث الحذف كما لو كان مثلاً فحينئذٍ يبقى على أصله، أو جاريًا مجرى المثل كقولهم: ضربي زيدًا قائمًا، ضربي زيدًا إذا كان قائمًا، وكأكثر شرب السويق ملتوتًا، إذا كان ملتوتًا، حينئذٍ نقول: قد يُحذف الخبر لغرضٍ ليس موجودًا في المسند إليه، هذا الذي نريده في هذا المقام، فقول (لِمَا مَضَى التَّرْكُ) فيه إجمالٌ والصواب أن بعض الأغراض قد تكون في المسند ولا تكون في المسند إليه.

ص: 4

إذًا قد يحذف المسند إليه وقد يترك المسند، والنحاة يعبرون بالحذف في الموضعين لأنهم لا يدققون في مثل هذه المواضع، قد يحتمل بعض الألفاظ أو بعض الجمل، إما حذف المسند أو حذف المسند إليه يحتمل هذا: فصبرٌ جميل مثال مشهور عند البيانيين، فصبرٌ جميل، فصبرٌ جميلٌ، صبرٌ جميل. جميل ما هو إعرابه؟ صفة ليس بخبر، فصبرٌ: هذا نكرة، جميل: هذا نعته، هذا يحتمل أن المحذوف المبتدأ فأمري أو حالي صبرٌ جميل، أو شأني صبرٌ جميل، فصبرٌ جميل أَجْمَلُ بي، أَجْمَلُ بي يعني: أحسن بي أن يكون، يحتمل أن يكون المبتدأ هو المحذوف ويحتمل أن يكون الخبر هو المحذوف، جَوِّز هذا أو ذاك، يعني: يجوز أن يكون المحذوف هو المسند إليه ويكون التقدير فأمري صبرٌ جميل، ويجوز أن يكون من حذف المسند فصبرٌ جميل أجمل بي، لكن الأولى أن يكون المحذوف المسند إليه هنا، لماذا؟ قالوا: وإن كان يحتملهما على السواء إلا أن الأول أولى لماذا؟

قالوا؟ لأن سياق الكلام للتمدح بحصوله له، لو قلت مثلاً: فأمري - شأني وحالي - صبرٌ جميل الصبر واقع أو لا؟ ماذا تفهم؟ تأملوا! واقع، فأمري صبرٌ جميل الصبر واقع أم لا؟ واقع، طيب صبرٌ جميل أجمل بي واقع أو لا؟ ليس بواقع. إذًا لو جاز أن يكون من حذف المسند إليه أو المسند نقول: في هذا المقام يترجح أن يكون المحذوف هو المسند إليه لأن يعقوب كان يتمدح بكون الصبر حاصلاً له، وهذا إنما يكون إذا حذف المسند إليه ولا يستويان من حيث المعنى. إذًا لأن سياق الكلام التمدح لحصوله له والإخبار بأن الصبر الجميل أجمل لا يدل على حصوله له، ففرقٌ بين المعنيين، ولكن القاعدة العامة عند النحاة أنه يجوز، إذا كان كلٌ منهما سائغ حينئذٍ جاز أن يكون الأول وجاز أن يكون الثاني، والقاعدة العامة بعضهم يرى أنها الخبر هو الذي يكون مذكورًا، والمسند إليه هو الذي يكون المبتدأ هو الذي يكون محذوفًا لأن الخبر هو محط الفائدة، فحينئذٍ لا بد من ذكره، وبعضهم يرى أن المبتدأ هو الذي يكون محذوفًا $ 17.37كقاعدة عامة إذا لم يترجح المعنى لماذا؟ قالوا: لأن المبتدأ لا يكون إلا معلومًا، يعني: عندما أخبرك بأن زيد عالم، زيدٌ عالمٌ ما الذي تعلمه أنت من كلامي وما الذي تجهله؟ المبتدأ معلوم وإلا ما صار واسطة بيني وبينك في الحديث، لو جئتك بزيد ولا تعلمه وعالمٌ ولا تعلمه حينئذٍ ما حصل الخطاب، لا بد من مقدمة لأعرِّف لك من هو زيد ثم أصفه بكونه عالما، لكن إذا كان معلومًا زيدٌ عالمٌ إذًا المبتدأ هنا واسطة ووسيلة من أجل الحكم الذي هو الخبر، قيل: الخبر أولى بالذكر لأنه محط الفائدة، وقيل: المبتدأ لأنه العامل وأيضًا الحذف من الأواخر أولى.

على كلٍ إن رجح المعنى فهو الذي يُحْكَمُ به كما في المثال السابق، وإن لم يترجح فالظاهر إن الأولى أن يكون المحذوف هو المبتدأ - وإن كان عاملاً - فحذف العوامل كثير ليس بالقليل، يعني: هو قياسي مبتدأ عاملٌ في الخبر والحذف من الأواخر، نقول: هنا يراعى ماذا؟ يراعى القضية الكبرى وهي كون المبتدأ محكومًا عليه وكون المسند أو الخبر محكومٌ به، فحينئذٍ إذا كان كذلك فالأصل هو الجهل بالحكم وهو الذي تضمنه الخبر ولذلك إبقاؤه في اللفظ يكون أولى.

ص: 5

(لِمَا مَضَى التَّرْكُ) حال كونه مع القرينة يعني: لا يجوز ترك الخبر المسند إليه وحذفه إلا إذا كان هناك قرينة وهذا كما ذكرناه سابقًا في باب المسند إليه لأن القاعدة العامة في باب النحو وحذف ما يعلم جائزٌ مفهومه أن ما لا يعلم حذفه لا يجوز وهذا مطلقًا في باب المسند وفي غيره، إذًا التنصيص هنا يكون من باب التقعيد العام الذي يذكره النحاة، (مَعَ القَرِينَةْ) بالإسكان أي: وشرط الترك أن توجد قرينةٌ دالةٌ عليه ليفهم المعنى، وهي إما سؤالٌ مذكور، نحو قوله تعالى:{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}

[الزخرف: 87]. ما إعراب [لفظ الجلالة $ 20.08]{اللَّهُ} فاعل لا تقول مبتدأ، الله لماذا؟ لأنه وقع في جواب السؤال، والسؤال معادٌ في الجواب، فحينئذٍ تقول التقدير: خلقنا الله، فاللهُ هذا فاعل والعامل فيه يكون محذوفًا، أي خلقنا الله الدليل على ذلك التصريح به في قوله:{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ} [الزخرف: 9]. ما قال لا يقولن العزيز، أعادوا العامل مع كونه مذكورًا في السؤال - وسيأتي لما ذُكِرَ. {لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} ، {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ} [يس: 78، 79] ما قال: قل الذي قال: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي} إذًا التصريح بالعامل وهو فعلٌ في هذين الموضعين وفي غيرهما يدل على أن القول هنا: {لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [العنكبوت: 63] فاعل، لأن حمل النظير على النظير هذا من قواعد النحاة، وهذا خاصةً في القرآن، إذا جاء التصريح بشيءٍ في موضعٍ وجاء مبهمًا في موضعٍ معين آخر واحتمل أمرين تحمله على ما صُرِّحَ به، ولذلك كل ما في القرآن التي تحتمل أن تكون تميمية أو حجازية ما جاء مصرحًا في {مَا هَذَا بَشَراً} [يوسف: 31]، {مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} [المجادلة: 2]. هذا جاء مُصَرَّحًا بأنها حجازية؛ لأنه هي التي تعمل عمل ليس، في بعض المواضع ما جاء يعني: إما أنها دخلت الباء على الخبر، وإما أنه لا يظهر في الإعراب، حينئذٍ نقول: الراجح أنها حجازية وليست تميمية لماذا؟

لورود التصريح به في موضعٍ آخر، إذًا القاعدة عندنا هنا أنه ما جاء مبهمًا أو مترددًا بين احتمالين وجاء في موضعٍ آخر مصرحًا به في القرآن حينئذٍ نحمل النظير على النظير، ولا نقول: هذا كذا، وهذا يحتمل أمرين، لا، نحمل هذا على ذاك.

إذًا السؤال الذي هو القرينة قد يكون مذكورًا منصوصًا عليه {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} أي خلقنا الله، أو مقدر للعلم به يعني: قد يكون السؤال مقدرًا يفهم من الكلام كقوله:

لِيُبْك يزيد ضارعٌ لخصومةٍ

ومختبطٍ مما تطيح الطوائح

ص: 6

يبكى يزيد: مغير الصيغة، ويزيد هذا نائب الفاعل، وضارعٌ هذا محل الشاهد مرفوعٌ على أنه فاعل لفعلٍ محذوف، كأنه قال: من يبكيه؟ [أو من، نعم:](1) من يبكيه؟ بَكَى يَبْكِي، من يبكيه؟ قال: ضارعٌ، وضارعٌ هنا جاء جوابًا لسؤالٍ مقدر، وعلم من السياق، فيبكى مغير الصيغة ويزيد نائب فاعل وضارعٌ مرفوعٌ بفعلٍ محذوف كأنه قيل: من يبكيه؟ فقال: يبكيه ضارعٌ. لأنه كان ملجئًا للأذلاء وعونًا للضعفاء.

إذًا هذا ما يتعلق بالترك وعرفنا ما فيه. (التَّرْكُ)(لِمَا مَضَى) مبتدأ وخبر، خبر مقدم، وما هنا فيه عموم، وصلة الموصول هنا الجار متعلق بمحذوف خبر مقدم، مع القرينة هذا حالٌ مع متعلق بمحذوف حال من الترك، حال كون الترك كائنًا مع قرينة، وعرفنا قرينه المراد بها السؤال قد يكون مذكورًا وقد يكون محذوفًا للعلم به.

(وَالذِّكْرُ) لما مضى، ما إعراب (الذِّكْرُ) معطوف على الترك، هل الحديث هنا في نوعٍ واحد أو في نوعين الترك والذكر هما مبحثان أليس كذلك؟ (التَّرْكُ)(لِمَا مَضَى)، (وَالذِّكْرُ) لما مضى، الذكر مبتدأ حُذِفَ خبره لدلالة ما قبله عليه، (وَالذِّكْرُ) لما مضى، فصل الجملتين أولى لأن كلاً منهما مبحثٌ خاصٌ من مباحث المسند، (وَالذِّكْرُ) أي ذكر المسند لما مضى، أين مضى؟ في ذكر المسند إليه من قوله:

وَالذِّكْرُ لِلتَعْظِيمِ وَالإِهَانَةِ

وَالْبَسْطِ وَالتَّنْبِيهِ وَالْقَرِينَةِ

(1) سبق صوب بعده.

ص: 7

فكل ما قيل هناك يقال: هنا على ماذا؟ على ما أطلقه الناظم (وَالذِّكْرُ) لما مضى، ما هذه صيغة عموم، حينئذٍ كل ما مضى في المسند إليه من أغراض ذكر المسند إليه يُذكر من أغراض ذكر المسند، ككونه الأصل ولا مقتضي للعدول عنه أو الاحتياط لضعف التأويل على القرينة كقوله تعالى:{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} . لما ذكر هنا المسند مع كونه حذف في الآية التي ذكرناها سابقًا، ضعفًا على التأويل على القرينة يعني كأنه تلويحٌ بأنهم أغبياء، أو بأنهم لا يفهمون، أو التنبيه على غباوة السامع كقوله تعالى:{بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} [الأنبياء: 63] في جواب قوله: {أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ} [الأنبياء: 62، 63]{فَعَلَهُ} أعاد الفعل مع أنه في جواب السؤال، فالأصل أنه يحذف، هذا فيه تأويل على ما مضى، أو التعظيم كقولك زيدٌ سلطان العلماء مثلاً، أو محمدٌ نبينا صلى الله عليه وسلم هذا لم يخالف في الإسلام مثلاً، أو الإهانة كزيدٌ بن الحجام ونحو ذلك مما سبق بيانه، كل ما يقال هناك يقال هنا، زاد هنا فائدة ليست هناك (أَوْ يُفيِدُنَا) أي الذكر (تَعْيِينَهْ) يعني ذكر المسند إليه يفيدنا دون حذفه تعين المسند، يعني: تعين نوعه ما هو؟ لأن المسند كما عرفنا يكون فعلاً ويكون اسمًا، فإذا حذفه قد لا ندري هل المحذوف هذا اسمٌ أم فعلٌ؟ لأنه يختلف المعنى كما سيأتي، إذًا أو للتنويع أو الذكر يعني: ذكر المسند إليه يفيدنا نحن يفيد هو نا، هو الضمير يعود إلى الذكر ونا مفعولٌ به (تَعْيِينَهْ) مفعولٌ به يفيدنا ماذا؟ تعيينه نعم أفاد يفيدنا نحن تعيينه يكون مفعول ثاني لإفادة، (أَوْ يُفيِدُنَا تَعْيِينَهْ) من كونه اسمًا لا فعلاً، حينئذٍ يفيد الثبوت، لأن الاسم يدل على الثبوت لكون الاسم يدل على الذات وهي لا تتغير، نبينا محمدٌ، محمدٌ نبينا نقول الخبر هنا في الموضعين: كان خبرًا دل على ذاتٍ، والذات في الأصل أنها لا تتغير، فدل على الثبوت هذا معنى الثبوت، الثبوت معناه عدم التغير، فإذا كان الاسم هو المسند حينئذٍ نفهم بأن مدلول المسند ثابتًا وليس بمتغير، أو كونه فعلاً لا اسمًا ليدل على التجدد؛ لأن الفعل يدل على أحوال الذات المتعلقة بالأزمنة، الفعل له دلالة يدل على أحوال الذات المتعلقة بالأزمنة، قام زيدٌ، زيدٌ هنا ذات دل الفعل على أنها موصوفةٌ بصفةٍ حدث وهو القيام في الزمن الماضي، إذًا دل على ذاتٍ وهي مرتبطة بزمانٍ معين عرفنا هذا الارتباط من الفعل، وكونه في الزمن الماضي كذلك عرفناه من صيغة قام، إذًا الفعل يدل على أحوال الذات المتعلقة بالأزمنة، فحينئذٍ يتغير بتغيرها، قام زيدٌ، يقوم زيدٌ، قم يا زيدٌ. تغيرت الأزمنة بتغير الفعل والذات هي الذات، فلو حذف المسند في هاتين الصورتين الاسم والفعل لم يدر أهو اسمٌ أم فعل؟ فتفوت الدلالة على المعنى المراد من حدوثٍ في الفعل أو ثبوتٍ في الاسم.

إذًا:

. . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . أَوْ يُفيِدُنَا تَعْيِينَهْ

ص: 8

وَكَونُهُ فِعْلاً فَلِلتَّقيدِ

بالْوَقتِ مَعْ إِفَادَةِ التَّجَدُّدِ

وَاسْماً فَلاِنْعِدَامِ ذَا. . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . .

هذا ما يتعلق بكون المسند فعلاً أم اسمًا، (وَكَونُهُ) أي المسند (فِعْلاً فَلِلتَّقيدِ)، يعني: فيكون للتقيد يعني: تقيد المسند أي يخصصُ (بالْوَقتِ)، يعني: نجيء بالمسند فعلاً من أجل أن نقيد المسند بالوقت، لأن الفعل يدل على الوقت يعني الزمن أحد الأزمنة الثلاثة إما الماضي أو الحال أو المستقبل، (وَكَونُهُ) أي: المسند (فِعْلاً) فيكون (لِلتَّقيدِ) أي: تَقَيّد المسند أي: يخصص للوقت الخاص به من الأزمنة الثلاثة أعني الماضي، وهو الزمان الذي قبل زمان التكلم، والمستقبل: وهو الذي يُتَرَقَّبُ وجوده بعد هذا الزمان، الزمن الماضي قبل زمن التَّكَلُّم، المستقبل هو الذي يحدث بعد زمان التكلم، بقي ماذا؟ الحال، الحال النحاة يقولون: دل على الحال ويسكتون. ولكن عند البيانيين فلسفةٌ جيدة والحال وهو أجزاءٌ من أواخر الماضي وأوائل المستقبل، أواخر الماضي وأوائل المستقبل، هذا هو الحال لا يكاد أن .. ولذلك أنكره بعض النحاة قالوا: الحال هذا لا وجود له. لماذا؟ لأن الحال معناه الوقت الذي يكون متصلاً بآخر جزءٍ من الماضي وبأول جزءٍ من المستقبل، هذا لا وجود له، لأن درسنا الآن منه ما هو ماضي ومنه ما هو مستقبل كل ما مضى فهو ماضي حتى الكلمة هذه ماضي صار، والمستقبل الآتي فحينئذٍ أين وجود الحال؟ لا يكاد أن .. ، يعني: هو غير قارٍ كما يعبر عنه البعض، هذا لا وجود له، [ولذلك](1) لكن اشتهر عند النحاة هو هذا، من أواخر الماضي وأوائل المستقبل متعاقبًا من غير مهلةٍ وتراخٍ. كما تقول: زيدٌ يصلي. زيدٌ يصلي يعني: الآن هو في أثناء الصلاة، طيب الصلاة ثلاثة أشياء صلاةٌ مضت يعني: جزءٌ منها مضى، وجزءٌ منها آتٍ، الذي أخبرت بالكلم وقت فعله هو الحال، وما عداه إما ماضي أو مستقبل، فقوله: يصلي. منه ماضي ومنه مستقبل ومنه حال فكيف يقول النحاة: بأنه للحال؟ حينئذٍ فيه نوع تعميم، ولذلك هو اصطلاحًا عرفي فقط، وإلا الحال هذا هو حقيقته آخر أجزاء الماضي وأول أجزاء المستقبل وهو بينهما ولا يكاد أن يكون قارًا بل يذهب، منذ أن تتكلم صار ماضيًا، زيدٌ يصلي والحال أنه قد مضى بعضٌ من صلاته وبعضٌ منها مشغولٌ به وبعضٌ منها مستقبلٌ له، فجعلوا الصلاة الواقعة في الأنات المختلفة المتعاقبة واقعةً في الحال وهذا أمرٌ عرفي. يعني: مجرد اصطلاحٍ فحسب.

(1) سبق.

ص: 9

إذًا: (وَكَونُهُ فِعْلاً فَلِلتَّقيدِ بالْوَقتِ) إذا أردت الدلالة على أن المسند إنما حكم به على المسند إليه في أحد الأزمنة الثلاثة فتأتي بالماضي للماضي والمستقبل للمستقبل والحال للحال، وإنما كان الفعل مقيِّدًا للتقيد بالزمان لأنه دالٌ بصيغته على أحد الأزمنة الثلاثة، نعم وهو كذلك، فالفعل الماضي يدل على الزمان بالصيغة أليس كذلك؟ فَعَلَ فَعُلَ فَعِلَ نقول: مجرد إتيان الفعل على هذا الوزن دل على أنه ماضي انطلق أَفْعَلَ تَفَعَّلَ اسْتَفْعَلَ، الأوزان التي مرت معنا في المقصود، نقول: هذه كلها تدل على أنه ماضي، كذلك يَفْعُلُ يَفْعَلُ يَفْعِلُ هذا يدل على المضارع، افْعَلْ هذا يدل على المستقبل، فإن الدلالة على أحدها على وجهٍ أخصر جيء به يعني: لماذا جيء به؟ من أجل أن يدل على الزمن بالصيغة مع الاختصار، لأنك لو قلت: زيدٌ قائمٌ أمسِ، أيهما أقرب قائمٌ أمسِ أو قام زيدٌ؟ قام زيدٌ. إذًا هو أخصر، ماذا صنعنا؟ حذفنا أمسِ اختصارًا وجئنا بقام بدلاً من قائم، حينئذٍ يكون دلالة قام على قائمٌ أمسِ من حيث الصيغة، فبدلاً من أن نطيل الكلام ونأتي بلفظٍ زائد عن الاسم لأن الاسم قد يدل على الزمان لكن بقيدٍ، وأما الفعل يدل على الزمان لكن بالصيغة فهو دلالةٌ وضعية، إذًا إنما كان الفعل مقيدًا للتقيد بالزمان لأنه دالٌ بصيغته على أحد الأزمنة الثلاثة، فإذا أراد الدلالة على أحدها أتى به على وجه الاختصار لدلالته عليه من غير احتياجٍ إلى قرينةٍ تدل على ذلك، بخلاف الاسم فإنه إنما يدل على ذلك بقرينةٍ خارجةٍ، كقولنا: زيدٌ قائمٌ أمس، وإذا أردت الآن زيدٌ قائمٌ الآن، وإذا أردت غدًا مستقبل زيدٌ قائمٌ غدًا فبدل من أن تأتي بهذه الألفاظ تأتي بالاختصار وتأتي به فعلاً.

هذه الفائدة الأولى (وَكَونُهُ فِعْلاً فَلِلتَّقيدِ بالْوَقتِ).

ص: 10

فائدة ثانية: - نأخذها من كون الفعل مُسْنَدًا - (مَعْ إِفَادَةِ التَّجَدُّدِ)، يعني: مع الدلالة على التجدد، حصول الشيء الذي هو الحدث شيئًا فشيئًا، ولذلك #35.35 .. قال: الجملة الاسمية تدل على الثبوت والدوام، والجملة الفعلية تدل على التجدد والحدوث. ما المراد؟ الاسم عرفنا أنه يدل على الذات، والذات لا تتغير في الأصل، والفعل يدل على الحدث متعلق بالزمن، ولا شك أن الحدث يقع شيئًا فشيئًا، فحينئذٍ نقول: دلالة الجملة الفعلية على الحدث لكون الفعل دالاً على حدثٍ وزمنٍ، ولا شك أن الزمن له أجزاءٌ متعاقبة وكل زمنٍ يقطع فيه شيءٌ من الحدث حينئذٍ يحصل شيئًا فشيئًا، (مَعْ إِفَادَةِ التَّجَدُّدِ) الذي هو من لوازم الزمان الذي هو جزءٌ من مفهوم الفعل، وتجدد الجزء وحدوثه يقتضي تجدد [الكل وحدوثه، على ما لو](1) الكلَّ وحدوثه على ما ذكرناه، لأن يقوم مثلاً هذا يدل على التجدد والحدوث كيف؟ نقول: هنا يقوم دلَّ على حدثٍ وزمن ولا شك أنه دل على حدثٍ يعني: نوعٍ من أنواع الحدث وهو القيام، طيب والزمن؟ لا شك أنه أجزاء، والحدث الذي هو القيام لا يقع في جزءٍ مباشرةً كله، وإنما يقع شيئًا فشيئًا، شيئًا فشيئًا، شيئًا فشيئًا هذا ليس منتهى، يعني: الفعل لا يدل على الانتهاء، وإنما يدل على أن هذا الوصف الذي هو القيام قائمٌ وواقعٌ جزءً فجزء لأن الزمان أجزاء، وكذلك الحدث قابلٌ لأن يكون في الأجزاء، بخلاف الاسم الذي يدل على الثبوت.

إذًا (مَعْ إِفَادَةِ التَّجَدُّدِ) الذي هو من لوازم الزمان، كيف عرفنا أنه من لوازم الزمان لأن له أجزاء وكل حدثٍ له جزءٌ يقع في جزءٍ من الزمان، ولا شك أن درسنا هذا له ساعة مثلاً هل وقع في الجزء الأول من المغربية أو وقع شيئًا فشيئًا حتى استوفى الساعة؟ هذا مثال حسي الآن؟ وقع شيئًا فشيئًا حتى استوفى الساعة الكاملة إذًا نقول: هذا المراد بالتجدد، بمعنى أن الحدث الذي هو الدرس وهو إلقاء الدرس وقع شيئًا فشيئًا بأن الزمان يتسع شيئًا فشيئًا، ويلحق كل جزء من أجزاء الزمان جزءٌ من الحدث فيقع فيه، وهذا المراد بالتجدد، لأنه فعلنا هذا حدث، وفعلك أنت هذا حدثٌ، الذي هو جزءٌ من مفهوم الفعل، وتجدد الجزء جزء الزمان وحدوثه يقتضي ماذا؟ يقتضي تجدد الكل وحدوثَه، والتجدد هو الحدوث شيئًا فشيئًا، بمعنى أن من شأنه أن يقع مرةً بعد مرة، هذا يقال: في الشأن الفعل المضارع، الفعل الماضي يدل على التجدد أيضًا لكن ليس بهذا المعنى، [التجدد عند النحاة وعند البيانيين على نوعين التجددٌ ليس التجدد المراد به] (2) الحدوث على نوعين:

حدوثٌ بعد أن لم يكن. يعني: بعد عدم. وهذا يشترك فيه الفعل الماضي والمضارع، لأنك تقول ماذا؟ قام زيدٌ. قبل اتصافه بالقيام لم يقم. إذًا دلَّ قام على الحدوث، تفهم من قام زيدٌ أن القيام لم يكن ثم كان، هذا حودثٌ أم لا؟ حدوثٌ لكنه ليس هو المراد هنا، (مَعْ إِفَادَةِ التَّجَدُّدِ) والحدوث بمعنى واحد بمعنى حصوله شيئًا فشيئًا مرةً بعد مرة، وهذا لا يدل عليه الفعل الماضي، وإنما يدل الفعل الماضي على الحدوث بمعنى وجود الشيء بعد ألم يكن، وليس هذا بمرادٍ هنا.

(1) سبق.

(2)

خطأ في كلمة رجع عنه الشيخ.

ص: 11

إذًا الحدوث كم نوع؟

نوعان:

نوعٌ بمعنى الوجود بعد العدم. وهذا يشترك فيه الفعل الماضي والمضارع، بل الفعل كله بأنواعه الثلاثة يدل على حدوث الشيء بعد ألم يكن.

وأما الحدوث الذي هو أخص من هذا المعنى متعلقٌ بالفعل الماضي، وهو حدوث الشيء شيئًا فشيئًا لأن الفعل يدل على الاستمرار، وهذا واضحٌ، يعني: تأمل في دلالة الفعل الماضي تفهم أنه ليس هذا المراد، إذا قلت: زيدٌ يقوم. يعني: يحصل القيام في المستقبل شيئًا فشيئًا، لكن قام زيدٌ هو انتهى وانقطع، فكيف يحصل شيئًا فشيئًا فهذا متنافٍ معه.

إذًا الحدوث نوعان: حدوثٌ بمعنى وجود الشيء بعد ألم يكن، وهذا الفعل بأنواعه الثلاثة يدل عليه، وليس هو مراد النحاة والبيانيين بكون الجملة دالةً على الحدوث، وإنما هو خاصٌ بالنوع الثاني، وهو حدوث الشيء ووجوده مرةً بعد مرة، يعني: شيئًا فشيئًا وهذا لا يدل عليه الفعل الماضي البتة وإنما هو خاصٌ بالفعل المضارع.

إذًا إذا أريد الدلالة على التجدد والحدوث جيء بالمسند بصورة الفعل، إذا أردت أن المسند دالٌ على التجدد والحدوث لا تأتي بالمسند مفردًا أو شبه جملة، وإنما تأتي به بجملةٍ فعلية، هنا قال: كقوله تعالى: {فَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} [البقرة: 87]. أين المسند؟ لا يتصور ابتداءً المسند يعني: مبتدأ وخبر، قلنا: المسند الفعل، قد يسند إلى المبتدأ وقد يسند إلى الفاعل، {فَرِيقاً كَذَّبْتُمْ} كذبتم فريقًا وانتهيتم، فيه حدوث أم لا؟ فيه حدوث، يعني: وقع التكذيب بعد أن لم يكن وفرغتم من التكذيب، لأن دلالة الفعل الماضي تدل على الانقطاع، {وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} يعني: قتلتم ولا زال القتل مستمرًا شيئًا فشيئًا، وبهذا استدل ابن كثير على أن النبي صلى الله عليه وسلم مات شهيدًا، واضح؟ {فَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} أي فريقًا فرغتم من تكذيبه، وهذا ليس فيه تكذيب شيئًا فشيئًا لماذا؟ لأنه فعل ماضي، والفعل الماضي يدل على وقع الشيء والانتهاء منه انقطاعه، إذًا {فَرِيقاً كَذَّبْتُمْ} كذبتم فريقًا وانتهيتم من تكذيبه، وفريقًا فرغتم من قتلهم وها أنتم تَسْعَوْنَ في قتل محمد صلى الله عليه وسلم، هكذا قال المفسرون، وهذا يدل على ماذا؟ على أن قوله {وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} على ما ذكرناه زيدٌ يصلي الصلاة منها ما قد وقع وانتهى ومنها ما هو آتٍ في المستقبل، {وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} تقتلون دل على شيئين، قتلٌ قد وقع وانتهى، وقتلٌ باقي وما زال، انظروا المعنى كيف يختلف. وكقوله تعالى:{فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ} [البقرة: 137] كفاية حصلت وكفاية لا زالت في المستقبل. إذًا:

وَكَونُهُ فِعْلاً فَلِلتَّقيدِ

بالْوَقتِ مَعْ إِفَادَةِ التَّجَدُّدِ

وَاسْمًا. . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . .

ص: 12

يعني: وكونُه اسمًا يعني: كون المسند اسمًا (فَلاِنْعِدَامِ ذَا) ما هو ذا؟ .. فقط؟ كونه فعلاً دل على أمرين: تقيد بالوقت أحد الأزمنة الثلاثة، وإفادة التجدد. وكونه (اسْماً فَلاِنْعِدَامِ ذَا) يعني: الدلالة على الوقت مع إفادة التجدد، وكون المسند (اسْماً فَلاِنْعِدَامِ ذَا) المذكور لماذا؟ نقدر المذكور؟ .. كيف نطابق؟ .. أي: مبتدأ وخبر ليس عندنا مبتدأ وخبر؟ .. على واحد والمشار إليه اثنان، إذًا لا بد من التأويل لأن لو كان كذلك قال:

(وَاسْمًا فَلاِنْعِدَامِ) ذين أليس كذلك؟

وذا ثان للمثنى المرتفع

صحيح؟

ص: 13

لو كان المراد اللفظين بعينهما لقال: واسمًا فلانعدام ذين، هذا الأصل لكن قال:(فَلاِنْعِدَامِ ذَا) أي: المذكور، ثم تفسر المذكور بشيئين يعني: المذكور يطلق على الاثنين والثلاثة وألف واضح؟ وكونه مسند (اسْمًا فَلاِنْعِدَامِ ذَا) المذكور من التقييد بالوقت وإفادة التجدد، فرجع إلى الأمرين، بأن يراد به بالاسم الدوام والثبات أو الثُبوت لأغراضٍ تتعلق بذلك. إذًا دلالة الاسم إذا وقع مسندًا فحينئذٍ يكون ماذا؟ دالاً على الثبوت، المراد بالثبوت وقوع الشيء بعد أن لم يكن، أو أنه ثابت؟ مرَّ معنا هذا، على أنه ثابت لماذا؟ لأن مدلول الاسم في الأصل ذات، والذات لا تتغير وإذا كان كذلك فحينئذٍ يكون ثابتًا، دلالةٌ أخرى الاستمرار هذا المراد بالدوام، الثبوت والاستمرار الثبوت والدوام، متغايران هي ليست كلمة واحدة، بخلاف التجدد والحدوث هذا بمعنًى واحد، وإن كان الحدوث قد يكون أعم لكن المراد به في هذا الموضع معنى واحد، إذا قلت الاسم يدل على الثبوت والدوام، الثبوت له مدلول والدوام له مدلول آخر، الثبوت هو ثابتٌ لكن لا يلزم منه الاستمرار، الدوام يدل على أنه مستمرٌ، وكون المسند (اسْمًا فَلاِنْعِدَامِ ذَا) المذكور من التقييد بالوقت وإفادة التجدد، بأن يراد به بالاسم إذا وقع مسندًا الدوام والثبوت لأغراضٍ تتعلق به، فالاسم يثبت به الشيءُ للشيء من غير اقتضاء أن يتجدد، ويحدث شيئًا فشيئًا فلا تعرض في زيدٍ أو في زيدٌ منطلقٌ بأكثر من إثبات الانطلاق فعلاً له، الاسم ليس له فائدة إلا إثبات الشيء بالشيء فقط، أنه أثبت له، لكن هل يدل على أنه متجددٌ؟ الجواب: لا. فلا تعرض في زيدٌ منطلقٌ لأكثر من إثباتٍ الانطلاق فعلاً له كما في قولك: زيدٌ طويل، وعمرٌو قصير. وأما الفعل فإنه يُقصد به أو فيه التجدد والحدوث، ومعنى زيدٌ ينطلق، ليس هو معنى زيدٌ منطلق، زيدٌ منطلق يعني: ثبت الانطلاق لزيدٍ، وزيدٌ ينطلق بمعنى أن ينطلق أثبت الانطلاق لزيد ومنه وقع وحصل والباقي مستمرٌ، فمعنى زيدٌ ينطلق أن الانطلاق يحصل له شيئًا فشيئًا وهو يزاوله، وعند البيانيين مثال عجيب جدًا: لا يألف الدرهم المضروب صرتنا لكن يمر عليها وهو منطلقُ. يعني: الدينار إذا جاء والدرهم لا يدخل الجيب، أو يدخل ولكنه لا يبقى. قوله: وهو منطلقٌ يعني: قال المرشدي - كلام جميل -: أن الانطلاق من الصرةِ ثابتٌ للدرهم دائمًا، بحيث لا يستقر في الصرةِ وقتًا ما، لا يستقر وقتًا ما، لماذا؟ لأنه ما جاء بفعلٍ يدل على زمنٍ، وإنما جاء بالاسم، والاسم الذي في الأصل لا يدل على الزمن، فلما أراد الشاعر دلالة اللفظ على هذا المعنى أبرز المسند في صورة الاسم حتى لا يتقيد بزمانٍ دون زمان، ولو قال: هو ينطلق، وهو ينطلق لدل على أنه استقر في صرته ثم حدث له الانطلاق، لا يألف الدرهم المضروب صرتنا. يعني: إذا جاءت الدراهم لكن يمر عليها وهو منطلقُ، بمعنى: أنه يدخل الجيب ولا يستقر فيخرج مباشرةً، لو قال: وهو ينطلق.

ص: 14

معناها أنه استقر وحينئذٍ خرج، لدل على أنها استقر في صرته ثم حدث له الانطلاق، إذ الفعل يدل على الحدوث وحدوث الشيء مسبوقٌ بعدمه، فظهر أن في صورة الاسم مبالغةٌ في الوصف بالجود ليس بصورة الفعل، زيدٌ جوادٌ، زيدٌ يجود فرقٌ بين المعنيين، يجود أبلغ من جوادٍ. إذًا هذا ما يتعلق بـ:(وَاسْماً فَلاِنْعِدَامِ ذَا).

ص: 15

ثم قال: (وَمُفْرَدَا لأنَّ نَفْسَ الحُكْمِ فيهِ قُصِدَا) الخبر كما مر معنا في النحو، أنه قد يكون مفردًا، وقد يكون غير مفرد، والمراد بالمفرد هنا ما يقابل المركب، فقط؟ ما ليس أين؟ ما ليس جملةً ولا شبيهًا بالجملة، ما ليس جملةً ولا شبيهًا بالجملة، فالمفرد يختلف وضعه في أبواب النحو، فالمفرد في باب الإعراب ليس كالمفرد في باب الخبر، ليس كالمفرد في اسم لا والمنادى، وهنا المراد بالمفرد ما ليس جملةً ولا شبيهًا بالجملة، إذًا يقع الخبر المسند إليه مفردًا وقد يقع جملةً والحكم يختلف، وكون المسند مفردًا والمراد به هنا ما يقابل الجملة لا ما يقابل المثنى والمجموع ولا ما يقابل المضاف وشبهه كما هو المفرد في باب المنادى واسم لا، ولا ما يقابل المركب لأن المفرد قد يطلق في مقابلة المركب، وذلك لكونه غير سببيًا يعني: يكون المسند مفردًا إذا كان غير سببيٍّ مع عدم إفادة تقوي الحكم نحو زيدٌ قائمٌ، زيدٌ مبتدأ وقائمٌ خبر، قائمٌ خبر مفرد أو غير مفرد؟ مفرد، الزيدان قائمان، قائمان خبر وهو مفرد، الزيدون قائمون، قائمون خبر وهو مفرد، كزيدٌ قائمٌ فقائمٌ ليس سببيًا ولا يفيد التقوي كقام بل يقرب منه، والسببي هنا - لأجل أن نفهم - ما جرى على غير مَنْ هُو لَهُ، بأن يكون إثبات المسند للمسند إليه بمتعلقه لا لنفسه - كما هو الشأن في النعت السببي - إذا قلت مثلاً: زيدٌ أبوه منطلقٌ، زيدٌ أبوه منطلقٌ، أبوه منطلقٌ الجملة خبر المبتدأ، أليس كذلك؟ أبوه منطلقٌ الإثبات هنا للحكم هل هو لزيد أو لمتعلق زيد؟ لمتعلق زيد؛ لأن الحديث عن أبي زيد وليس عن زيد، واضحٌ؟ هذا مثل قولك: جاء زيدٌ أو جاء زيدٌ العالم أو القائم أبوه، فالعالم أو القائم هنا نعت لزيد، لكنه ليس جارٍ لزيد، وإنما هو جارٍ لما بعده، فالذي يوصف بالعلم أو بالقيام ليس هو الموصوف، وإنما هو ما بعده، هنا كذلك، فالسببيّ ألا يجري الحكم المتعلق بالخبر للمبتدأ، بل لما تعلق به يعني لا لذات المبتدأ بل لشيءٍ تعلق به، كقولك: زيدٌ أبوه منطلقٌ، زيدٌ: مبتدأ أول، أبوه: مبتدأ ثاني، منطلقٌ: خبر الثاني والجملة خبر الأول، أبوه منطلقٌ لم يتعلق بزيد بل بمتعلق زيد وهو الأمر، كذلك: هند عبدها قائمٌ، عبدها قائمٌ، القيام هنا ليس لهند وإنما هو للعبد، كذلك الانطلاق ليس هو لزيد وإنما هو لأبي زيد، إذًا يسمى سببيًّا عند البيانيين، هذا لم يذكره النحاة هناك، فلو كان سببيًّا أو مفيدًا للتقوي فهو جملةٌ قطعًا، يعني: كل ما يفيد السببية أو أفاد التقوية يعني: التأكيد فهو جملة، ما لم يكن كذلك فهو مفردٌ.

ص: 16

زيدٌ قائمٌ، قالوا: هنا لا تكرير للإسناد فيه لأنك إذا قلت زيدٌ قام، شرب، زيدٌ مبتدأ قام فعل ماضي والفاعل ضمير مستتر يعود إلى زيد، هنا قالوا: فيه تقوية للحكم، الخبر وقع فعلاً ماضيًا، وأُسْنِدَ إلى ضمير زيد فكأنك كررت زيدًا مرتين، أثبت له الحكم مرتين، مرة بكون الجملة وقعت قام زيدٌ في القوة لأن الضمير يعود إلى زيد، ومرة أخرى أسندت القيام إلى فاعل، يعني: زيد وقع مرتين مرة بالاسم الظاهر وهو مبتدأ ومرةً فاعلاً، فأخبرت عنه من حيث كونه مبتدأ ومن حيث كونه فاعلاً بقام، تأكيد أو لا؟ في تقوية أو لا؟ فيه تقوية، هذا يسمى ماذا؟ يسمى تقوية الحكم، وليس بمفرد. إذًا زيدٌ قائمٌ لا تكرير للإسناد فيه لكون قائم اسم فاعل، وهو مع مرفوعِهِ عند النحاة وعند البيانيين في حكم المفرد، ولذلك يمثل بهذا المثال للمفرد، زيدٌ قائمٌ يذكر النحاة [بأن الاسم يتألف من اسمين](1) بأن الكلام يتألف من اسمين، ويذكرون هذا النوع زيدٌ قائمٌ فيعترض عليهم معترض يقول: قائمٌ مؤلف من كلمتين فهو مؤلف من ثلاث كلمات، يجاب بأن اسم الفاعل مع مرفوعِهِ في حكم الاسم المفرد، فحينئذٍ لا تكرار، يعني: لم يسند قائم إلى زيد ولم يسند إلى ضمير زيد، ليس هو كزيدٌ قام ففرقٌ بينهما، فلا يفيد حينئذٍ تقوي الحكم، فزيدٌ قائمٌ هذا مفرد لأنه لا يفيد تقوي الحكم وليس بسببي، ومثله قام زيدٌ هل فيه تكرار؟ لا، ليس فيه تكرار لماذا؟ لأن قام هنا أسند إلى زيد مرة واحدة بخلاف زيدٌ قام أُسند إلى زيد مرتين، مرة باسم صريح ومرة بضميره حيث لا تكرار للإسناد فيه بخلاف الجملة نحو زيدٌ قام، فإنها تفيد ذلك التكرار، تفيد ذلك يعني: التقوي لتكرار الإسناد فيها إلى زيدٍ مرتين، إلى لفظه وإلى ضميره. إذًا المفرد المراد به ألا يكون سببيًا كهندٌ عبدها قائم، أو زيدٌ بوه منطلقٌ، وألا يفيد التقوي، والتقوي له صورةٌ وهي قولهم: زيدٌ قام. وأما قام زيدٌ فليس فيها تقوي البتة. وزيدٌ قائمٌ ليس فيها تقوي البتة. لأنه إذا وجد السببي وتقوي الحكم فهو جملةٌ قطعًا، ما عدا ذلك فليس بجملةٍ.

(1) سبق مستدرك بعده.

ص: 17

وتقوي الحكم في الاصطلاح عندهم هنا تأكيده بالطريق المخصوص نحو زيدٌ قام، واصطلاح السكاكي في المسند هنا في زيدٌ قام ويسمى مسندٌ فعلي أو مسندًا فعليًا وفي نحو زيدٌ قام أبوه مسندٌ سببي. إذًا:(وَمُفْرَدَا لأنَّ نَفْسَ الحُكْمِ فيهِ قُصِدَا)، (لأنَّ نَفْسَ الحُكْمِ) يعني: ذات الحكم وهو إثبات مضموم المسند هو المقصود دون التقوى، لأنه إذا قصد التقوى فحينئذٍ خرج عن كونه مفردًا، فإذا لم يقصد فقط نفس الحكم وإنما قُصِدَ زيادٌ على ذلك فهو ليس بمفردٍ، واضح التركيب هنا؟ افهموا البيت (وَمُفْرَدَا) يعني: كون المسند مفردًا، لماذا؟ يعني: ليس بجملة، لأن نفس الحكم فيه في المفرد الذي دل عليه (قُصِدَا) الألف للإطلاق يعني: المقصود هو نفس الحكم، ومتى يكون كذلك؟ إذا لم تكن الجملة سببية ولا مقويةً للحكم. يعني: في نحوه قام زيدٌ وزيدٌ قائمٌ وما عدا ذلك فلا، فالمفرد حينئذٍ يدل على ذات الحكم لا على شيءٍ زائد على الحكم، وزيدٌ قام دل على الحكم وزيادة، وهو تقوي الحكم، لأنه في قوة تكرار الإسناد مرتين، وزيدٌ أبوه قائمٌ كذلك لأنه كرر الضمير في أبوه الذي هو صلته.

وَالْفِعْلُ بِالْمَفْعُولِ إِنْ تَقَيَّدَا

وَنَحْوِهِ فَلِيُفِيدَ زَائِدَا

(وَالْفِعْلُ بِالْمَفْعُولِ إِنْ تَقَيَّدَا) والفعل إن تقيدا (بِالْمَفْعُولِ) ونحو المفعول (فَلِيُفِيدَ زَائِدَا) هذا واضح، واضح؟ يعني: الفعل إذا وقع خبرًا [مسندًا إليه](1) مسندًا إما أن يتقيد بشيء أو لا؟ أليس كذلك؟ نقول: زيدٌ قام، قام لم يتعلق بشيء، أو زيدٌ يقوم، يقوم لم يتعلق بشيء، هل هو مثل: زيدٌ يقوم أبوه؟ لَمَّا ذكرت الفاعل حينئذٍ زاد فائدةً، إذًا

وَالْفِعْلُ بِالْمَفْعُولِ إِنْ تَقَيَّدَا

وَنَحْوِهِ فَلِيُفِيدَ زَائِدَا

(1) سبق مستدرك بعده.

ص: 18

(وَالْفِعْلُ) وما أشبهه يعني: وما يعمل عمله من اسم الفاعل واسم المفعول ونحوهما، فهو المسند فعلاً كان أو اسمًا يعمل علمه، (إِنْ تَقَيَّدَا) الألف للإطلاق بالمفعول سواءً كان مفعولاً مطلقًا، أو به، أو له، أو فيه، أو معه، لأنه أطلق المفعول، ونحوه يعني: نحو المفعول مثل ماذا؟ كالحال والتمييز والاستثناء، نحو قولك: ضربت ضربًا شديدًا (فَلِيُفِيدَ زَائِدَا)، ضربتُ هذا فعل وفاعل، أين المسند؟ ضرب، أين المسند إليه التاء، إذًا إذا قلت: ضربتُ، هل هو في المعنى مثل: ضربت ضربًا شديدًا؟ لا، ليس مثله، إذًا لما قلت: ضربًا شديدًا زاد في المعنى (فَلِيُفِيدَ زَائِدَا) هنا قيدت الفعل بالمفعول المطلق ووصفته بكونه شديدًا، حينئذٍ زاد المعنى، فكل ما قيدت الفعل بمقيدٍ ما من مفعولٍ أو نحوه من الفضلات سواءٌ كانت منصوبة أو مخفوضة فحينئذٍ يزيد في المعنى، فإذا قلت: ضربت ضربًا شديدًا أو ضربت زيدًا شربًا شديدًا زاد أو لا؟ زاد المعنى، لأنك ذكرت المفعول به في الأول تقول: ضربت ضربًا شديدًا أخفيت المفعول به، أوقعت الضرب على من؟ أخفيته. ومن حقك هذا، فإذا قلت: ضربت زيدًا أفصحت، إذًا زاد المعنى، ضربت ضربًا شديدًا أو ضربت زيدًا ضربًا شديدًا يوم الجمعة زاد المعنى؟ زاد المعنى، أمامك أو تأديبًا أو جلست والسارية، أو جاء زيدٌ راكبًا، وطاب محمدٌ نفسًا، وما ضربت إلا زيدًا، فهذه كلها مقيدات يعني: تفيد الفعل زيادة معنى، فهي تقيد المسند وتزيده، وتزيده معنًى وتعتبر مقيدات وتفاصيل له، (فَلِيُفِيدَ) هذا القيد المسند معنًى زائدًا ويزاد الحكم بها، فإن تقيد المسند بقيدٍ زائد حينئذٍ يُعتبر تخصيصًا له، كل ما ذكرت تقيدًا فقد خصصته، إذا قلت: ضربت ولم تذكر المفعول به فيه عموم، أليس كذلك؟ فيه عموم وشمول، ما تدري ضربت من؟ ما تدري ضربت من زيد عمرو .. إلى آخره، إذا قلت: ضربت زيدًا حصل تخصيص أم لا؟ ضربت زيدًا ضربًا خفيفًا، وسطًا، شديدًا ما تدري؟ فإذا قلت: ضربت زيدًا ضربًا شديدًا، عَيَّنْت خصصت، ما تدري أين ضربته؟ ضربت زيدًا ضربًا شديدًا عند بيته، لا تدري ضربته أمام أحد أم لا؟ ضربت زيدًا ضربًا شديدًا عند بيته أمام أبيه، حصل تخصيص أو لا؟ كل ما زاد قيدٌ حصل تخصيصٌ للمعنى، (فَلِيُفِيدَ) هذا القيد المسند معنًى زائدًا ويزاد الحكم بها، فإن تقيد المسند بقيدٍ زيادةُ تخصيصٍ له، وكل ما ازداد تخصيصًا ازداد الحكم بعدًا، كما أنه كل ما ازداد عمومًا ازداد قربًا، هذا التفصيل السابق.

ثم قال: (وَتَرْكُهُ لِمَانِعٍ مِنهُ). (وَتَرْكُهُ) الضمير يعود إلى التقييد، (وَتَرْكُهُ) أي: التقْيِيد أو التقَيُّد بشيءٍ مما ذُكِرَ يكون (لِمَانِعٍ مِنهُ) يعني: من زيادة الفائدة، والمانع مثلاً كانتهاز فرصة أو الاختصار، أو عدم العلم بمقيدات وإرادة ألا يتطلع عليه الحاضرون ونحو ذلك، مثلاً لو ضربت، أنت تعلم أنك ضربت زيد لكن ما تريد أن تخبر بأن الضرب قد وقع على زيد فتخفي، تقول: ضربت. وتسكت عن البقية لماذا؟ سترًا لزيدٍ أو لنفسك أنت، وكذلك ما يتعلق بالحال والتمييز ونحوها.

ص: 19

ثم قال: (وَالْفِعْلُ) وما أشبهه (إِنْ تَقَيَّدَا)(بِالْمَفْعُولِ) يعني: بالمفاعيل كلها، ونحوه الضمير يعود إلى المفعول كالتمييز والحال وكل الفضلات، (فَلِيُفِيدَ زَائِدَا) يعني: زائدًا على المعنى الذي دل عليه المسند، (وَتَرْكُهُ) أي: ترك التقييد بما ذكر من المفاعيل ونحوها إنما يكون (لِمَانِعٍ مِنهُ) يعني: لغرضٍ ما يمنعك من ذكر القيد.

ثم قال: (وَإِنْ بِالشَّرْطِ بِاعتِبارِ مَا يَجِيءُ مِنْ أَدَاتِهِ). (وَإِنْ) قيد

(بِالشَّرْطِ) يعني: قُيِّدَ المسند الذي هو الفعل (بِالشَّرْطِ) وهنا لا يكون إلا فعلاً، وإن تقيد يعني: المسند (بِالشَّرْطِ) أي: بأداةٍ من أدواته مقدمةً كانت الأداة أو مؤخرة، إن جئتني أكرمتك، تقدم أداة الشرط، أكرمتك إن جئتني تأخرت أداة الشرط، إذًا (بِالشَّرْطِ) مطلقًا تقدم أم تأخر، يكون هذا التقييد (بِالشَّرْطِ) باعتبار ما أي: المعنى الذي يجيء ويثبت من أداته؛ لأن أدوات الشرط إما حرفٌ وإما اسمٌ، وكل حرفٍ أو اسمٍ من أدوات الشرط له معنى، وهذه مبحوثةٌ كلها في علم النحو، فإذا أردت المجرد التعليق تأتي بأن الشرطية، وإذا أردت التعليق في مكانٍ تأتي بأين أو أينما، وإذا أردت الزمان تأتي بمتى .. وهلم جرا، باعتبار ما أي المعنى الذي يجيء ويثبت من أداته، أداته أي: أدواته. يعني: أفاد العموم لأن أداة هذا نكرة أضيف إلى معرفة والمراد به العموم، أي: أدواته التي قيد بأحدها حرفًا كانت أو اسمًا، فلذا عبر بالأدوات الشاملة للنوعين، الحروف والأسماء، وكلها مبسوطةٌ في النحو، هكذا قال:((عقود الجمان)) وكلها مبسوطةٌ في النحو ، يعني: فليرجع إليه، لكن بعضها جديرٌ بأن يخص بالحديث والعناية ويبحث عنه، ولذلك عناه البيانيون في هذا الموضع وهو ثلاثة: إذا، وإن، ولو.

يعني: الإحالة تكون عند البيانيين لعلم النحو فقل ما يقال في إن مشترك بين البيانيين والنحاة إلا (إذا، ولو، وإن) فإن فيها مباحث طويلة جدًا وفيها خلافات عريضة جدًا، لكن نختصر ما ذكره المصنف وهي: ثلاثة: إذا وإن ولو.

قال الناظم:

?? وَالجَزْمُ أَصْلٌ فِي إِذَا

لَا إِنْ وَلَوْ وَلَا كَذَاكَ مَنْعُ ذَا

(وَالجَزْمُ أَصْلٌ فِي إِذَا) إذا جازمة أم لا؟

إذا، من الجوازم أم لا؟ في الشعر خاصة هو يقول ماذا؟

(وَالجَزْمُ أَصْلٌ فِي إِذَا).

..

ص: 20

أي نعم أحسنت ليس العمل، هذا اختبار، لاختباري، الجزم ليس المراد به هنا العمل، وإنما المراد به القطع بوقوع مدخولها (وَالجَزْمُ أَصْلٌ فِي إِذَا) والجزم بوقوع الشرط في الاستقبال يعني: من الزمان في اعتقاد المتكلم أصل في إذا، نقول: أولاً لتعليق الفعل على الفعل في الزمان المستقبل سواء كان ماضي اللفظ أو مضارعه هذا المعنى مشترك بين (إذا) و (إن)، التعليق في المستقبل إِذَا جَاءَ زَيْدٌ أَكْرَمْتُه، هل وقع المجيء؟ هل وقع المجيء؟ لا، الإكرام قطعًا ما وقع، إذًا كلا المعنيين الذيَنِ دلا عليه فعل الشرط والجواب لم يقعا، بل هما في مستقبل، إِذَا جَاءَ زَيْدٌ أَكْرَمْتُه، إِن جَاءَ زَيْدٌ في المستقبل، إذًا (إِذَا) و (إن) تجعل الفعل ماضي اللفظ والمستقبل واضح تجعله في المستقبل، حينئذٍ هي كالسين وسوف، يعني: تعتبر من القرائن الدالة على الفعل المضارع يراد به المستقبل، تعليق الفعل على الفعل، انتبه! الفعل على الفعل يعني: جواب الشرط على فعل الشرط في الزمان المستقبل سواء كان ماضي اللفظ أو مضارعه هذا المعنى مشترك بين (إِذَا) و (إن)، فَإِذَا جَاءَ زَيْدٌ، جاء من حيث اللفظ ماضي ومن حيث المعنى مستقبل، إذًا صيرت الفعل الماضي لفظًا صيرته مستقبلاً. [إن إذا يجيء] إن يجئ زيد، يجئ الأصل فيها أنها يجيء وهو دال على الحال والاستقبال، لكن بدخول (إن) عينته للمستقبل. إذًا إذا كان مضارعًا فهو محتمل على قول الجمهور للحال والاستقبال فتصيره (إِذَا) و (إن) للمستقبل، وإن كان ماضي اللفظ - وهذا الغالب يكون مدخول (إِذَا) حينئذٍ صرفته إلى المستقبل. وهذا المعنى مشترك لكن (إِذَا) تختص بالمجزوم بوقوعه، يعني: إذا تختص [بأن يكون ما (بعدها) مجزوم](1) بأن يكون ما بعده مجزومًا يعني: سيقع إما تحقيقًا نحو: إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ جَاءَ زَيْدُ. طلوع الشمس محقق أم لا؟ محقق. أو إدعاءً ليس تحقيقًا وإنما إدعاءً نحو قولك: إِذَا جَاءَ صَدِيقِي أَكْرَمْتُهُ. فإن مجيئه ليس مقطوعًا به كطلوع الشمس لكنه مُدَّعَى باعتبار خطابي، وهو أن الصديق يزور صديقه. إذًا ما بعد (إِذَا) يكون محقق الوقوع إما تحقيقًا وإما ماذا؟ وإما ادعاءً. (لَا إِنْ) يعني: لا للجزم إن (وَالجَزْمُ أَصْلٌ فِي إِذَا) الجزم لوقوع الشرط (لَا إِنْ) يعني: ليس الجزم أصلاً في (إِنْ) يعني مدخول (إِنْ) لا يكون مقطوعًا، لا للجزم (إِنْ) فإنها وإن شاركت (إِذَا) في كون كل منهما للاستقبال إلا أنها تفارقها في كونها موضوعة في الأصل لعدم الجزم بوقوع الشرط، ولهذا تدخل على النادر والمحال.

(1) سبق مستدرك بعده.

ص: 21

{فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ}

[الأعراف: 131]{فَإِذَا جَاءتْهُمُ} ، {وَإِن تُصِبْهُمْ} انظر هنا التعبير بـ (إِذَا) في الحسنة والتعبير بالمصبية بـ أو الإصابة بالسيئة جاء بـ (إِنْ) أتى في الحسنة بـ (إِذَا) ولفظ الماضي أما المعنى فهو مستقبل، لماذا؟ لأن وقوعها مجزومٌ به، الحسنة واقعة لأن المراد بها النعم ونعم الله تعالى لا تنفك عن الخلق، {فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ} إذًا الحسنة واقعةٌ واقعة، وفي السيئة:{وَإِن تُصِبْهُمْ} جاء بـ (إِنْ) والفعل المضارع إشارةً إلى ندورها، والسيئة هي ما يسوء الإنسان، ولهذا نُكِّرَتْ إشارةً إلى التقليل بخلاف الحسنة، فإذا جاءتهم الحسنة جاء بال للكمال {وَإِن تُصِبْهُمْ} إذًا القليل هو إصابة السيئة، وقد تخرج (إِنْ) عن أصلها فتستعمل في المجزوم به، كالتجاهل مثلاً كقول الابن لمن يسأل عن أبيه: إن كان في الدار أخبرتك. هذا فيه إيهام وتجاهل بأنه ليس في الدار، وإنما الأصل أن يقول: إذا كان في الدار أخبرتك. لأنه متحقق الوقوع بأنه في الدار لكن أراد أن يخرج الخبر مخرج المشكوك فيه أو النادر لأنه ليس واقعًا، فالأصل في إذا للجزم وقد تخرج عنه، والأصل في (إِنْ) لعدم الجزم وقد تخرج عنه يأتي لـ الشيء المجزوم به ولذلك قال:(أَصْلٌ)، (وَالجَزْمُ أَصْلٌ). إذًا يفهم منه أن الأصل هذا قد ينتفي فتأتي (إِذَا) لغير الجزم، وعدم الجزم أصلٌ في (إِنْ) وقد يخرج هذا الأصل عن أصله فيكون فرعًا.

(وَلَوْ) وأما (لَوْ) فقول الجمهور: إنها حرف امتناعٍ لامتناع. وفسرها الأكثر بأن المراد امتناع الثاني لامتناع الأول، انتبه! حرف الامتناع لامتناع، ثم امتناع ماذا الأول للثاني أو الثاني للأول؟ امتناع الثاني لامتناع الأول، لو جاء زيدٌ أكرمتك. ما الذي يفهم امتناع الإكرام لامتناع مجيء زيد. إذًا امتنع الثاني الذي جوابه (لَوْ) لامتناع الأول الذي هو مجيء زيد. وقول الناظم (وَلَوْ) أي: وليس الجزم بوقوع الشرط أيضًا أصلٌ في (لَوْ)، (لَا إِنْ وَلَوْ) يعني:(لَوْ) مدخول لا، يعني: لا يكون الجزم أصلاً في (إِنْ) ولا يكون الجزم أصلاً في (لَوْ) أي: وليس الجزم بوقوع الشرط أيضًا أصلٌ في (لَوْ) بل هي لتعليق حصول مضمون الجزاء بحصول مضمون الشرط فرضًا في الماضي مع القطع بانتفاء الشرط فيلزم انتفاء الجزاء كما تقول: لو جئتني أكرمتك. هذا معلق على الإكرام بماذا؟ بالمجيء مع القطع بانتفاء المجيء فيلزم انتفاء الإكرام، فهي امتناعٌ لامتناع، يعني امتناع الثاني أعني: الجزاء لامتناع الأول أعني الشرط، فالجزاء منتفٍ بسبب انتفاء الشرط. الجزاء منتفٍ بسبب انتفاء الشرط، وهذا معنى قول الجمهور - جمهور النحاة - السابق أنها حرف امتناعٍ لامتناع.

ص: 22

وقوله: (وَلَا لِذَاكَ مَنْعُ ذَا). هذا محل إشكال عند الشراح، ما المراد به؟ (وَلَا لِذَاكَ مَنْعُ ذَا)، (وَلَا لِذَاكَ) الذي هو الجزاء (مَنْعُ ذَا) الذي هو الشرط، هذا خلافًا لقول ابن الحاجب لأنه يرى العكس، الجمهور على أنه امتنع الثاني بامتناع الأول، هو يرى أن الأول امتنع لامتناع الثاني. وقال هنا:(وَلَا لِذَاكَ مَنْعُ ذَا) ليس (مَنْعُ ذَا)(لِذَاكَ) يعني: لم يمتنع الأول امتناع الأول بل العكس امتناع الثاني لامتناع الأول، أي: وليست (لَوْ) لامتناع الشرط لامتناع الجزاء، كما ذهب إليه بعضهم ونسبه المرشدي في ((شرح العقود)) لابن الحاجب حيث قال: فهي لامتناع الأول لامتناع الثاني .. إلى آخر كلامه. وهذا تفسير صاحب ((الدرر الفرائد))، وفسره ((في دفع المحنة)) بقوله: ولاك ذاك منع ذا. أي: ولاك (إِذَا) و (إِنْ) منع (لَوْ) ولاك ذاك أي: مثل ذاك المشار إليه (إِنْ) وإذا منع ذا الذي هو (لَوْ) يعني: المنع كِلا الحروف [والأسماء الثلاثة](1) الحروف الثلاثة مشتركة في المنع (إِذَا)، و (إِنْ)، و (لَوْ)، إلا أن الامتناع في

(لَوْ) ليس كالامتناع في (إِذَا) و (إِنْ)، وهو معنًى لا بأس به أي: ولاك إذا وإن منع (لَوْ) فإنها حرف امتناعٍ لامتناع.

ثم قال:

وَالْوَصْفُ وَالتَّعْرِيفُ وَالتَّأْخِيرُ

وَعَكْسُهُ يُعْرَفُ وَالتَّنكِيرُ

ويأتي بعد الصلاة بإذن الله، والله أعلم.

وصلَّ الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

(1) سبق مستدرك بعده.

ص: 23