الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* الغرض من وصفه وتعريفه.
* الغرض من تأخيره أو تقديمه.
* الغرض من تنكيره.
* الباب الرابع: أحوال متعلقات الفعل.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فقوله رحمه الله تعالى:
............... وَإِنْ
…
بِالشَّرْطِ بِاعتِبارِ مَا يَجِيءُ مِنْ
أَدَاتِهِ .....................
…
.............................
يعني: وإن تقيد المسند بالشرط يعني: بأداة شرط فحينئذٍ يكون المعنى معنى المسند ومقتضاه (بِاعتِبارِ مَا يَجِيءُ مِنْ أَدَاتِهِ) يعني: باعتبار المعنى الذي أدخلتها من أداة فحينئذٍ يكون المعنى، (وَالجَزْمُ أَصْلٌ) لا فرع (فِي إِذَا) المضمنة معنى الشرطية، (لَا إِنْ وَلَوْ) وعدم الجزم هو الأصل (وَلَا كَذَاكَ مَنْعُ ذَا) هذا محل إشكال، ولأن ذاك اسم إشارة يرجع إلى أي شيء؟ وذا اسم إشارة يرجع إلى أي شيء؟ فسره بعض الشراح بقوله:
أي ولا لذاك. باللام في نسختان: نسخة باللام، ونسخة بالكاف. على اللام (وَلَا لِذَاكَ مَنْعُ ذَا) لذاك أي: الجزاء. (مَنْعُ ذَا) أي: الشرط، أي: وليست لو لامتناع الشرط لامتناع الجزاء كما نسب لابن الحاجب، وعلى هذا المعنى نقول:(لِذَاكَ). ولا يصح كذاك على النسخة الثانية، وعلى النسخة الأخرى (ولا كذاك منع ذا) يعني: ولا كذاك مشار إليه إذا وإن (مَنْعُ ذَا) الذي هو لو يفترقا من حيث المنع، فكل هذه الحروف (إذا)، و (لو)، و (إن) فيها شيء من الامتناع لكن الامتناع في (لو) أقوى، ولذلك قال:(وَلَا)(مَنْعُ ذَا)
لو (كذاك) أي: مثل منع إذا وإن والمعنى واضح.
ثم قال:
وَالْوَصْفُ وَالتَّعْرِيفُ وَالتَّأْخِيرُ
…
وَعَكْسُهُ يُعْرَفُ وَالتَّنكِيرُ
(وَالْوَصْفُ) انتقل إلى مبحث آخر من مباحث المسند، أي: وصف المسند يعني: إذا وُصِف هذا شيء منفك عنه تابع له نحو: زَيْدٌ كَاتِبٌ مُجِيد. زَيد مبتدأ، وكاتب خبر، ومجيد نعت لكاتب الذي هو المسند، هنا وصف فأفاده التخصيص لأنه كاتب منه مجيد ومنه غير مجيد، فإذا قلت: مجيد. فحينئذٍ صار الكاتب مجيدًا صار مجيدًا فأفاده التخصيص لكون الفائدة أعم، لأن زيادة الخصوص توجب أتمية الفائدة لا شك، جَاءَ رَجُلٌ قَصِير، جَاءَ رَجُلٌ عَالِم، جَاءَ رَجُلٌ جَاهِل، لا شك أنه أفاده فائدة أتم من كونه جَاءَ رَجُلٌ ما تدري عالم جاهل طويل قصير، فإذا قلت: جَاءَ رَجُلٌ عَالِمٌ طَوِيلٌ قَصِير
…
إلى آخره [طويل قصير ما يأتي معًا ها ها] وقد يخصص المسند بالإضافة نحو ماذا؟ زَيْدٌ غُلامُ رَجُلٍ، والحكم حكمه يعني: غلام رجل لا غلام امرأة.
(وَالْوَصْفُ وَالتَّعْرِيفُ)، (وَالتَّعْرِيفُ) تعريف المسند ليكون الحكم على الذي علمه المخاطب ببعض المعرفات التي هي إحدى طرق التعريف، بأن يكون مضمرًا أو علمًا، أو اسم إشارة، أو موصولاً
…
إلى غير ذلك، فالحكم هنا كالحكم في المسند إليه، سواء:
اتحد التعريفان نحو: الرَّاكِبُ هُوَ الْمُنْطَلِقُ.
أو اختلافا زَيْدٌ هُوَ الْمُنْطَلِقُ.
الرَّاكِبُ هُوَ الْمُنْطَلِقُ صار ماذا؟ الرَّاكِبُ الْمُنْطَلِقُ متحدان أو لا؟
متحدان، إذ الطريق واحد وهو (أل) الرَّاكِبُ محلًى بـ (أل) معرف بـ (أل)، الْمُنْطَلِقُ معرف بـ (أل).
طيب زَيْدٌ هُوَ الْمُنْطَلِقُ اتحدا أم اختلافا؟
اختلاف زَيْدٌ وهو مسند إليه علم وَالْمُنْطَلِقُ هذا محلًى بـ (أل).
بالذي جهله منهما أي: أنه يجب عند تعريف المسند تعريف المسند إليه، إذا عُرِّفَ المسند وجب تعريف المسند إليه لماذا؟
لأن المسند لا يكون أعرف من المسند إليه، لا يكون أعرف، فإذا كان المسند معرفةً وجب تعريف المسند إليه، أليس كذلك؟
هذا هو الأصل أنه يجب عند تعريف المسند تعريف المسند إليه ولا يشترط الاتحاد في التعريف، إذ ليس في كلامهم كون المبتدأ نكرةً والخبر معرفة، هذا لا وجود له، أن يكون المبتدأ نكرة والخبر معرفة لا وجود له في لسان العرب، فتعريف المسند حينئذٍ يكون لما مضى من المسائل المتعلقة بتعريف المسند إليه يعني: متى تعرفه بـ (أل)، ومتى يكون ضميرًا، ومتى يكون عَلَمًا، ومتى يكون بالإضافة .. إلى ما سبق، وإن كان جنس التعريف هنا قد يخالف جنس التعريف هناك بحيث إن تعريف المسند قد يفيد الحصر، ولذلك يقول: زَيْدٌ هُوَ الْمُنْطَلِقُ. زَيْدٌ هُوَ الْمُنْطَلِقُ هو ضمير فَصْلٍ وعند كثير من البيانيين أن ضمير الفصل مر معنا أنه
(وَالْفَصْلُ للتَّخْصِيصِ) قلنا يفيد ماذا؟ يفيد التخصيص لكن متى يفيد التخصيص؟ إذا لم يوجد في الجملة ما يفيد التخصيص، فإذا وجد في الجملة ما يفيد التخصيص حينئذٍ صار مؤكِّدًا، فقولنا مثلاً: زَيْدٌ هُوَ الْمُنْطَلِقُ. زَيْدٌ الْمُنْطَلِقُ حصل تعريف الجزأين وسيأتينا أنه من المخصصات زَيْدٌ الْمُنْطَلِقُ لا غيره من أين أخذنا؟ من تعريف الجزأين، إذًا وُجِدَ عندنا سبب وطريق للحصر والقصر، وهو تعريف الجزئين، إذا أدخلت ضمير الفصل مع الدلالة دلالة الجملة على الحصر والقصر حينئذٍ صار مؤكدًا ولا يفيد التخصيص، إن زَيْدٌ هُوَ الْمُنْطَلِقُ ما الذي أفاد التخصيص؟ تعريف الجزأين، وما وظيفة (هو) ضمير الفصل؟ تقول: مؤكِّد. نقول هنا: مؤكد. حينئذٍ إذا عُرِّفَ المسند أفاد التخصيص بخلاف تعريف المسند إليه لا يفيد التخصيص زَيْدٌ عَالِمٌ، زَيْدٌ مسند إليه وهو معرفة، عَالِمٌ خبر، هل أفاد التخصيص؟ لا مع كون المسند إليه معرفةً والمسند نكرةً لم يفد التخصيص، بخلاف زَيْدٌ هُوَ الْعَالِمُ حينئذٍ أفاد التخصيص بتعريف المسند، إذًا (وَالتَّعْرِيفُ) تعريف المسند ليكون الحكم على الذي علمه المخاطب ببعض المعرفات السابقة التي مرت معنا فيما سبق، (وَالتَّعْرِيفُ) لإفادة المخاطب حكمًا أو لازم حكمٍ على شيء معلوم له بأحد طرق التعريف بأمر آخر مثله، أي: إذا كان السامع يعلم بالمحكوم عليه إحدى صفتين وهذه مسألة أخرى يعني: زَيْدٌ أَخُوكَ. أيهما المبتدأ وأيهما الخبر؟ لأن الجزأين معرفان هنا، أيهما المبتدأ وأيهما الخبر؟ حينئذٍ نأتي إلى المعنى زَيْدٌ أَخُوكَ عند ابن مالك رحمه الله يتعين لا يجوز تقديم الخبر على المبتدأ هنا، زَيْدٌ أَخُوكَ زَيْدٌ مبتدأ وَأَخُوكَ خبر متعين، وعند غيره لا، يجوز الوجهان، لكن الذي يُرِجِّحُ هو المعنى فإذا كنت تعلم زيدًا ولا تعلم - المخاطب يعني - ولا يعلم أنه يعلم أنه أخوه حينئذٍ تجعل المعلوم زيد، وتجعل الخبر الذي هو مجهول أخوك، وإذا كان يعلم أن له أخًا لكن لا يدري أنه زيد فحينئذٍ تقول: أَخُوكَ زَيْدٌ. فحينئذٍ صار المحكوم عليه أخوك لماذا؟ لكونه معلومًا، لكن لا تدري أنه هو زيد أو عمرو أو خالد وقلت: أَخُوكَ زَيْدٌ. فصار فرق بينهما، إذا كان السامع يعلم للمحكوم عليه إحدى الصفتين وأردت أن تفيده الأخرى فاجعل المعلوم له مبتدأ، المعلوم تجعله مبتدأ، وغيره خبرًا كما إذا كان يعرف زيدًا باسمه ووصفه، يعلم الشخص نفسه زيد باسمه ووصفه، [ويجهل كَوْنُهُ] (1) يجهل كَوْنَهُ أخاه فتقول: زَيْدٌ أَخُوكَ. يعلم زيد باسمه ووصفه ويجهل كونَهُ أخاه تقول: زَيْدٌ أَخُوكَ.
(1) ((سبق مستدرك بعده.
وعكسه وهو أَخُوكَ زَيْد لمن علم أن له أخًا ولا يعلم كونه زيدًا، والتأخير أي: تأخير المسند فلأن ذكر المسند إليه أهم - كما مر معنا - (فَلاِهْتِمَامِ) إذًا يقدم المسند إليه وإذا تقدم المسند لزم منه تأخير المسند، إذًا يتأخر المسند لكون المسند إليه أهم في الذكر - كما مر في تقديم المسند إليه - والأصل في المسند هو التأخير، (وَعَكْسُهُ) أي: عكس التأخير وهو التقديم فلتخصيصه بالمسند إليه، أي: لقصر المسند إليه على المسند نحو: تَمِيمِيٌّ زَيْدٌ. عكسه عكس التأخير وهو التقديم، إذا تقدم المسند على المسند إليه قد يفيد الحصر والقصر - كما سيأتي وقد يكون في بابه - تَمِيمِيٌّ زَيْدٌ، أي لا غيره لا ينسب لغير تميم. فِي الدَّارِ زَيْدٌ، في الدَّارِ فقط زيد طيب. فِي الْبَلَدِ عَالِمٌ. عالم واحد. إذًا تَمِيمِيٌّ زَيْدٌ يعني: أنه مقصور على التميمية لا يتجاوزها إلى غيرها، أو للتنبيه يعني كما أنه يأتي للتخصيص يأتي للتنبيه على أنه خبر من أول وهلة لا نعت، لَهُ هِمَمٌ لا مُنْتَهَى لِكِبَارِهَا، في الدار زيد هذا قد لا يكون التخصيص، لَهُ هِمَمٌ لا مُنْتَهَى لِكِبَارِهَا، إذ لو قيل: هِمَمٌ لَهُ. لتوهم أنه نعت - كما مر معنا - أن النكرة إذا جاء بعدها وصف، إذا جاء بعدها لفظ قد يكون اسمًا وقد يكون ظرفًا أو جارًا ومجرورًا حينئذٍ احتياج النكرة إلى الصفة أشد من احتياجها إلى الخبر، احتياج النكرة إلى الصفة أشد افتقارًا من احتياجها إلى خبر، فإذا جاءت النكرة حينئذٍ يتوهم مباشرة الذهن أن ما بعده صفة له، هِمَمٌ لَهُ ماذا بها؟ هذا يحتمل أن له نعت بهمم وأن الخبر لم يأت بعد، فإذا قدمته حينئذٍ أفاد ماذا؟ أنه خبر من أول وهلة، إذ لو قيل: همم له. توهم أنه نعت لشدة طلب النكرة للنعت، أو للتفاؤل إذا أخذنا من المسند التفاؤل، (سعدت بغرة وجهك الأيام) سعدت الأيام، أو لتشوق الناس إلى ذكر المسند إليه بأن يكون في المسند طول يقتضي ذلك نحو:
ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها
…
شمس الضحى وأبو إسحاق والقمر
ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها، شمس الضحى هذا مبتدأ مؤخر، قدمت هنا ماذا؟ المسند الذي هو ثلاثة، فيه تشويق أو لا؟ عندما تسمع ثلاثة تشرق الدنيا تظن أنك واحد منهم. إذًا (وَعَكْسُهُ) أي: التأخير أو التقديم
…
(يُعْرَفُ) يعني: يعرف أكثرها مما تقدم في المسند إليه، الوصف هذا مبتدأ و (يُعْرَفُ) الجملة خبر عن المبتدأ، والتعريف والتأخير عكسه معطوفات على ما سبق، (وَالتَّنكِيرُ) أيضًا (يُعْرَفُ) مما تقدم في المسند إليه، فلإرادة عدم العهد وعدم الحصر الدال عليهما التعريف نحو: زَيْدٌ كَاتِبٌ، وَعَمْرٌ شَاعِرٌ. وللتفخيم نحو:{هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] على أنه خبر محذوف، للتحقير ما زيد شيء، فكل ما يتأتى في المسند إليه في التنكر يتأتى هنا. والله أعلم.
(الْبَابُ الرَّابِع) في (أَحْوَالُ مُتَعَلَّقَاتِ الْفِعْلِ) الباب الرابع من الأبواب الثمانية (أَحْوَالُ مُتَعَلَّقَاتِ الْفِعْلِ).
(مُتَعَلَّقَاتِ) جمع متعلِق، قيل: يجوز فيه الكسر والفتح متعلِّقات متعلَّقات لأنها جمع لمتعلِّق أو متعلَّق فيجوز فيها الوجهان، والأولى الكسر، جوزوا الوجهين لكن الأولى أن يقال بالكسر، بل لو قيل بأنه يتعين لكان أولى أيضًا لماذا؟ لأن المعمول متعلِّق والعامل متعلَّق به، إذًا فرق بين العامل والمعمول والمراد هنا المعمولات المتعلِّقات المراد به المعمولات ليس المراد به العوامل، والعامل متعلَّق به، فإذا قلت: قَامَ زَيْدٌ. قَامَ متعلَّق به ما الذي تعلق بـ قَامَ؟ زَيْدٌ، فزيد متعلِق، إذًا قيل جمع متعلِّق بكسر اللام وفتحها لكن نقول: الأولى الكسر؛ لأن المعمول متعلِّق والفعل متعلَّق، والمراد بالمتعلِّقات المعمولات التي تتعلق بالفعل، أي ترتبط أو يرتبط معناها به كالمفاعيل وشبه المفاعيل من حال وتمييز كلها مرتبطة بالفعل، يعني: بعاملها، فإذا قلت: ضَرَبْتُ زَيْدًا ضَرْبًا شَدِيدًا أَمَامَ الأَمِيرِ عِنْدَ بَيْتِهِ كل هذه متعلِّقات تعلَّقت بماذا؟ بـ ضَرَبَ لأنها معمولات له، إذًا كلها متعلِّقات وضرب هذا متعلَّق به.
هذه لها أحوال من حيث الذكر، ومن حيث الحذف، ومن حيث التقديم والتأخير، ثم أغراض الحذف لِمَ حُذِفَ المفعول به وقد يجب حذفه، وقد يجب ذكره. إذًا لها أحوال، ما هي هذه الأحوال؟ تبحث في هذا المحل.
(أَحْوَالُ مُتَعَلَّقَاتِ الْفِعْلِ) نص على الفعل وليس التنصيص تخصيص له دون غيره، بل الفعل وما يعمل عمله، كاسم الفاعل ونحوه، واختصر في الترجمة على الفعل لأصالته في العمل، وهذا دائمًا يذكرون الأصل ويتركون الفرع، وأعلم أنه أراد هنا من الأحوال، الأَحوال يعني: الصفات. أراد بعض الأحوال لا كل الأحوال لماذا؟ لأن متعلِّقات الفعل قد يجري فيها كثير من الأحوال المذكورة في المسند إليه والمسند، يعني: بعض الأشياء مشتركة بين ما مضى وبين ما يأتي لأن المفعول به قد يُنَكَّر وقد يُعَرّف، قد يُعَرّف بضمير أو يُعَرّف باسم إشارة، أو .. أَو .. كل ما قيل هناك من الأغراض في التعريف أو التنكير يقال في المفعول. إذًا بعضها قد مر معنا.
واعلم أنه أراد من الأحوال بعضها لا كلها؛ لأن متعلقات الفعل قد يجري فيها كثير من الأحوال المذكورة في باب المسند والمسند إليه كالتعريف والتنكير وما أشبه ذلك من ما مر، ولكن لما اختص بعضها بنوع غموضٍ ومزيد دقة وُضِعَ هذا الباب لذلك البعض، كحذف المفعول، هناك لم يذكر، هناك المسند والمسند إليه، فحذف المفعول وتقديمه على الفعل وتقديم بعض المعمولات على بعض ما هي الأغراض؟ ما مرت هذه، لم تمر معنا في المسند ولا المسند إليه وإنما عنون لها بهذا الباب لهذه المسائل.
ثُمَّ مَعَ المَفْعُّولِ حَالُ الفِعْلِ
…
كَحَالِهِ مَعْ فَاعِلٍ مِنْ أَجْلِ
تَلَبُّسٍ لَا كَوْنُ ذَاكَ قَدْ جَرَى
…
.............................
(ثُمَّ) للترتيب الذكري، (ثُمَّ مَعَ المَفْعُّولِ) به قَيَّد، لأن المراد به المفعول به، (ثُمَّ مَعَ المَفْعُّولِ) به (حَالُ الفِعْلِ) الفعل الاصطلاحي
…
(كَحَالِهِ) أي: حال الفعل (مَعْ فَاعِلٍ) أي: ذكر الفعل مع الفاعل أو مع المفعول، أو ذكر كل من الفاعل والمفعول مع الفعل من أجل ماذا؟ (مِنْ أَجْلِ تَلَبُّسٍ)، (حَالُ الفِعْلِ) مبتدأ (مَعَ المَفْعُّولِ) بفتح.
وَمَعَ مَعْ فِيهَا قَلِيلٌ
الأصل فيها الفتح، أصله يحتمل أنه مَعْ حركت للتخلص من التقاء الساكنين على كل (مَعَ المَفْعُّولِ) هذا خبر مقدم، (حَالُ الفِعْلِ) الاصطلاحي مع المفعول به كحال الفعل مع الفاعل، (حَالُ الفِعْلِ) مع المفعول كحال الفعل مع الفاعل، وما هو حال الفعل مع الفاعل؟ أنه واقع منه يعني: متلبس به قَامَ زَيْدٌ، ضَرَبَ زَيْدٌ، ما العلاقة بين ضرب وزيد؟ التلبس الارتباط بمعنى أن الحدث الذي دلّ عليه ضرب هو الذي أوقعه زيد، إذا ذكر المفعول فحال المفعول مع ضرب كحال زيد مع ضرب، يعني: بينهما علاقة لكن العلاقة تختلف، علاقة ضرب بزيد على أنه أوقع أوجد الفعل، وعلاقة ضرب مع زيدًا عمرًا مثلاً مفعول به كونه وقع الحدث عليه، إذًا كل من الفاعل والمفعول به له ارتباط بالفعل، لا فرق بينهما، فتأثير الفاعل في الفعل من حيث إيقاعه، [وتأثير المفعول به](1) إيقاعه على الغير، وتأثير المفعول به مع الفعل من حيث كونه محلاً للوقوع، إذًا كل من الفاعل والمفعول به له ارتباط بالفعل وإن اختلفت جهة الارتباط، ولذلك قال:(مِنْ أَجْلِ تَلَبُّسٍ). يعني: من أجل دلالة على أن الفاعل تلبس بالفعل وأن المفعول تلبس بالفعل، إذًا (تَلَبُّسٍ) قدر مشترك بين النوعيين.
(1) رجع الشيخ لتعميق الجملة السابقة.
(ثُمَّ مَعَ المَفْعُّولِ) به (حَالُ الفِعْلِ كَحَالِهِ) أي: حال الفعل (مَعْ فَاعِلٍ) أي: ذكر الفعل مع الفاعل أو مع المفعول إذا حُذِفَ الفاعل، أو ذكر كل من الفاعل والمفعول مع الفعل (مِنْ أَجْلِ تَلَبُّسٍ) أي: من أجل إفادة تلبس الفعل بكل منهما، بالفاعل وبالمفعول لكنهما يفترقان - الفاعل والمفعول - لأن تلبسه بالفاعل من جهة وقوعه منه، [وَتَلَبْسُهُ](1) وَتَلَبْسَهُ بالمفعول من جهة وقوعه عليه، فإذا قلت مثلاً: ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا، زَيْدٌ فاعل، وَعَمْرًا مفعول به، وضرب هو العامل ولذلك دائمًا نقول: ما معنى العامل؟ إذا قيل: هذا عامل يعمل النصب ويعمل الرفع. هذا اللفظ عامل يدل على أن ما رفعه أو نصبه أو خفضه يتمم معناه له ارتباط به من حيث المعنى، فلا يتم ضَرَبَ إلا بِزَيْد، ولا يتم ضَرَبَ إلا بعمرو لأنه محل للوقوع، حينئذٍ إذا قلت: ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا. ضَرَبَ فعل ماضي، زَيْدٌ فاعل، عَمْرًا مفعول به، هذا من حيث اللفظ، ظاهريًّا لكن من حيث المعنى وتحقق مدلول اللفظ فتقول:[زيد محل](2) زيد هو الذي أوقع الحدث، وعمرو محل لوقوع الحدث، إذًا لهما ارتباط بضرب لكن جهة الارتباط مختلفة، إذًا من أجل إفادة تلبس الفعل بكل منهما لكنهما يفترقان، بأن تلبسه بالفاعل من حيث وقوعه منه، وتلبسه بالمفعول من جهة وقوعه عليه، ومن هذا يعلم أن المراد بالمفعول المفعول به، ولذلك قيدنا لأنه لم قابله بالفاعل علمنا، وشَرَّكَ بينهما في التلبس علمنا أن المراد به هنا هو المفعول به، لأنه هو الذي يقع عليه بخلاف ضَرَبْتُ زَيْدًا ضَرْبًا شَدِيدًا، ضَرْبًا شَدِيدًا هذا مفعول مطلق، بينهما علاقة نعم، لكن لا من جهة التلبس، وإنما من جهة نوعية الضرب، ففرق بينهما ولذلك نقول: المفعول المراد به مفعول به.
(1) سبق.
(2)
سبق يظهره ما بعده.
ومن هذا - الكلام السابق - تقرر أن المراد بالمفعول المفعول به، لأن هذا تمهيد لحذفه، وإن كان سائر المفاعيل [من] جميع .. نعم، وإن كان سائر المفاعيل بل جميع المتعلقات كذلك فإن الغرض من ذكرها مع الفعل إفادة تلبسها لكن من جهات مختلفة، قد يكون لذات الفعل من حيث إيقاع الحدث، ومن حيث كونه محلاً لوقوع الحدث ومن حيث صفات الحدث، من حيث الزمان والمكان وغيرها، فإن الغرض من ذكرها مع الفعل إفادة تلبسها من جهات مختلفة كالوقوع فيه وله ومعه وغير ذلك، (لَا كَوْنُ)، لا كونِ (ذَاكَ قَدْ جَرَى) يعني: لا من أجل كون ذاك الفعل قد جرى أي وقع، ليس المراد تلبس الفعل مع الفاعل أو مع المفعول لكونه يدل على أن الحدث قد وقع، ليس هذا المراد وإنما المراد كون الحدث واقعًا لكن من حيث الفاعل ومن حيث المفعول به، لأنك لو أردت أن تدل على إيقاع الضرب فقط حينئذٍ قلت: وقع ضرب، وُجِدَ ضرب ما تحتاج أن تقول: ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا. لتدل على أن مدلول هذا اللفظ إيقاع ضَرْبٍ فحسب، لا، ليس هذا المراد؛ لأن ضرب يدل على إيقاع حدث لكنه مخير في الزمن الماضي، لو أردت أن تخبر بأن ثَمَّ ضربًا قد وقع بقطع النظر عن زمنه وفاعله ومفعوله تقول: حصل ضَرْبٌ، وَقَعَ ضَرْبٌ. لكن من الضارب؟ من المضروب؟ متى وقع؟ هذا لا يحتاج إليه في هذا التركيب، وإنما تأتي بوقع ضرب، إذا قلت: ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا. لا تفيد هذا التركيب الذي سبق بيانه، إذًا لا من أجل كون ذلك الفعل قد جرى أي: وقع أي: ليس الغرض من ذكر المفعول به مع الفعل إفادة وقوع الفعل وثبوته في نفسه من غير إرادة أن يُعْلَمَ مِمَّنْ وَقَعَ، وعلى مَنْ وَقَعَ، إذ لو كان الغرض ذلك لكان ذكر الفاعل والمفعول معه عبثًا، نعم، لو كان المراد مجرد إيقاع الضرب كقولك: ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا. زَيْدٌ عَمْرًا هذا عبث لماذا تذكره؟ إذا أردت الإخبار بإيقاع ضرب وقع ضرب بقطع النظر عن كونه من زيد أو على عمرٍ، فإذا ذكرت الفاعل مع المفعول فثَمَّ معنى آخر يدل عليه التركيب ليس هو إفادة إيقاع الضرب فحسب، ولذلك قال:(لا)(مِنْ أَجْلِ)(كَوْنُ ذَاكَ) أي: الحدث. (قَدْ جَرَى) وقع فقط، لأن هذا لا يُعَبَّر عنه بذكر الفاعل والمفعول، بل تحذف الفاعل وتحذف المفعول بل تأتي بمصدرٍ قد أسند إلى فعل آخر كـ وقع وحصل.
إذًا إذ لو كان الغرض ذلك لكان ذكر الفاعل والمفعول معه عبثًا، يعني: من غير ذكر الفاعل أو المفعول، لكونه حينئذٍ عبثًا فليس في هذا التركيب شيء من متعلقات الضرب، يعني الحاصل.
إذًا حاصل ما ذكره المصنف هنا حاصل الفعل مع المفعول، كالفعل مع الفاعل في ماذا؟ في أن الغرض من كل منهما إفادة التلبس به، لا إفادة وجوده يعني حصول الحدث فقط، وإلا قيل: وُجِدَ ضرب مثلاً إلا يعني من غير ذكر الفاعل والمفعول، وإلا لو كان كذلك لذكر الفاعل والمفعول يعد عبثًا، إلا أن جهة التلبس تختلف، ففي الفاعل من جهة وقوعه منه، وفي المفعول من جهة وقوعها عليه، والمميز لذلك الرفع في الفاعل والنصب في المفعول به كما هو مبين في علم النحو.
ثم قال - انتقل إلى مسألة أخرى -:
...................
…
وَإِنْ يُرَدْ إِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ ذُكِرَا
النَّفْيُ مُطلَقًا أَوِ الإِثْبَاتُ لَهْ
…
فَذَاكَ مِثْلُ لَازِمٍ فِي المَنْزلَةْ
مِنْ غَيْر تَقْدِيرٍ وَإِلَاّ لَزِمَا
…
.............................
المتكلم الذي يتكلم بالخبر - سيأتي بالمسند والمسند إليه - تارة يريد الإخبار عن الفعل، إذًا - نرتب مقدمات - المتكلم تارةً يريد بكلامه الإخبار عن الفعل أي: الحدث. من غير تلبس بفاعل ولا مفعول به ماذا يقول؟ إذا أراد أن يخبر عن الحدث فقط من غير ذكر الفاعل أو المفعول، لا يريد أن يبين من الفاعل ومن المفعول؟
نقول: قد حصل حادث صحيح أو لا؟ حصل حادث يعني: وقع وثبت، فالدلالة هنا حادث يدل على أن شيئًا قد وقع ولم يكن من غير تعرض بفاعل ولا مفعول، حينئذٍ إذا أراد المتكلم أن يخبر بإيقاع الحدث فقط لا يذكر فاعلاً ولا مفعولاً، وإنما يأتي بالمصدر فيقول: وقع حدث. وإن شاء قال: حادث - ولا إشكال فيه -، أو وقع ضرب ونحوه، فليس في هذا التركيب شيء من متعلقات الضرب، هذا أولاً.
وتارة لا يريد أن يخبر بإيقاع الحدث فقط، وإنما يريد أن يذكر معه الفاعل، فحينئذٍ يأتي بالفعل الصناعي أولاً قال: وقع ضرب. ضرب جاء بالفعل اللغوي وهو المصدر، إذا أراد أن يدل على الفاعل فحينئذٍ يأتي بقَامَ يَقُومُ قُمْ .. إلى آخره يعني: يأتي بالفعل الصناعي، فإن كان لازمًا - هذا أمر واضح - يقول: قَامَ زَيْدٌ. ليس عندنا مفعول به، فيقول: قَامَ زَيْدٌ، مَاتَ عَمْرٌ، قَعَدَ خَالِدٌ، جَلَسَ مُحَمَّدٌ. فيأتي بالفعل الصناعي وهو لازم ولم يُرِدْ من هذا اللفظ إلا أن يثبت الفاعل فحسب، هذه مرحلة ثانية.
وإما أن يكون الفعل الصناعي لا يكون لازمًا، وإنما يكون متعدِّيًا - هذا له أحوال، الكلام الآن في المتعدِّي - فتارة يقصد بالفعل المتعدي الإخبار بالحدث في المفعول دون الفاعل، الفعل المتعدي فيقصد إيقاع الحدث من المفعول ولا يعنيه الفاعل، يعني: يطوي ذكر الفاعل هذا ماذا يسمى عند النحاة؟
..
الكلام في الفعل.
..
نعم المبني للمجهول، ضُرِبَ زَيْدٌ، هنا قلنا: حذف الفاعل له أغراض، قد يحذفه لغرض ما، لا أريد أن أخبرك بالفاعل، ضُرِبَ زَيْدٌ، هنا فعل صناعي متعدي [حُذِفَ المفعول وإنما](1) حُذِفَ الفاعل، وإنما أريد أن يخبر عن وقوع هذا الحدث وإيقاعه على المفعول، فحينئذٍ يأتي به على صيغة مغير الصيغة، يعني: يحذف الفاعل ويغير صيغة الفعل ويُسنده إلى المفعول به فيرتفع، هذا إذا كان الفعل الصناعي متعدّيًا ولم يقصد المتكلم ذكر الفاعل وإنما عنى المفعول به، فيأتي بالفعل الصناعي مُغير الصيغة ويأتي بالمفعول به على أنه نائب عن الفاعل، فيقول: ضُرِبَ عَمْروٌ.
وتارة يقصد المتكلم بالإخبار - بالخبر يعني - يقصد الإخبار بالفاعل يعني يَعني بكلامه الفاعل ثم لا يذكر المفعول، وهذا ضربان نوعان:
(1) سبق مستدرك بعده.
يقصد الفاعل ليس كالأول لم يقصد الفاعل جاء بالفعل المتعدي وإنما جاء بالفعل المتعدي وقصد الفاعل ولا يذكر المفعول، يعني: يترك ذكر المفعول وعدم ذكر المفعول مع الفعل المتعدي وإسناده إلى الفاعل له أغراض وله أحوال، في الجملة ينقسم إلى نوعين، وهو الذي عناه الناظم هنا بقوله:
…
(وَإِنْ يُرَدْ إِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ ذُكِرَا). هذه الجملة معترضة أراد به تقييد الحكم، بمعنى أن الكلام فيما لم يذكر المفعول به، (وَإِنْ يُرَدْ .. النَّفْيُ) احذف (إِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ ذُكِرَا) أتركها ما تحذفها من النظم يعني: من الذهن. (وَإِنْ يُرَدْ
…
النَّفْيُ مُطلَقًا أَوِ الإِثْبَاتُ لَهْ
…
فَذَاكَ مِثْلُ لَازِمٍ ............
هذا النوع الأول، ونشرحه على ما نذكره ثم نأتي إلى البيت، وهو ضَرْبَان - يعني إذا قصد الإخبار بالفاعل ولم يذكر المفعول معه -:
الضَّرْبُ الأول: أن يقصد المتكلم إثبات المعنى للفاعل أو نفيه عنه. إما إثبات أو نفي، ضرب زيد، أو ما ضرب زيد، إما إثبات أو نفي، هذا واضح، على الإطلاق يعني: مطلقًا من غير اعتبار أي معنى آخر، من غير اعتبار عموم ولا خصوص ولا تعلق بمن وقع عليه، فالمتعدِّي كاللازم، المتعدِّي هنا كاللازم، إذا قصد بالفعل المتعدي إسناده إلى الفاعل ولم يلتفت ولم يلحظ المفعول به وتَعَلُّق المفعول بالفعل حينئذٍ الفعل المتعدي كاللازم، يُنَزّل مُنَزَّلَة اللازم، إذا أردت الإخبار بإيقاع ضرب منك فقط ولم تُرد الإخبار عن المفعول به، تقول: ضَرَبْتُ. ولا تقل زَيْدًا، وحينئذٍ ضَرَبْتُ مثل قام زيد. يعني: يكون لازمًا، مُنَزّل مُنَزَّلَة اللازم، هل عندنا مفعول؟ لا، ليس عندنا مفعول، لا تقل حذفت المفعول به لأنه لم يُرَدْ أصلاً ما أردته لذلك قال:(إِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ ذُكِرَا). بمعنى أنه قد حُذِفَ أصلاً لم يقدر ابتداءً، فحينئذٍ يكون الفعل المتعدي كاللازم.
إذًا النوع الأول أن يقصد المتكلم إثبات المعنى للفاعل. إذًا عندنا فاعل لا بد من ذكره أو نفيه عنه على الإطلاق كما قال: (النَّفْيُ مُطلَقًا). من غير اعتبار عموم ولا خصوص ولا تعلق بمن وقع عليه، فالمتعدي حينئذٍ
…
كاللازم، فلا يذكر مفعوله لئلا يُتَوَهَّمَ أو يَتَوَهَّمَ السامع أن الغرض الإخبار بتعلقه بالمفعول، ولا يقدر كذلك حينئذٍ، ليس عندنا مفعول به محذوف ولا بد من تقديره لأن المقدر كالمذكور، وهذا ضربان - كما سيأتي -.
إذًا قول الناظم هنا: (وَإِنْ يُرَدْ). (إِنْ) حرف شرط، و (يُرَدْ) هذا مُغير الصيغة، وقوله:(النَّفْيُ). هو نائب الفاعل (إِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ ذُكِرَا) المفعول به مع الفعل المتعدّي المسند إلى فاعله، وألف (ذُكِرَا) للإطلاق، والجملة معترضة مراد بها تبيين حال المفعول به لو لم يذكر، أما إذا ذكر هذا شأن آخر، والكلام هنا فيما إذا لم يذكر، (إِنْ يُرَدْ) بذكر الفعل الصناعي المتعدّي مع الفاعل (النَّفْيُ) قلنا: هذا نائب فاعل لا يرد. أي: نفي الفعل عن الفاعل (مُطلَقًا)، أي: من غير اعتبار عموم في الفعل بأن يراد جميع أفراده أو خصوص بأن يراد بعضها ومن غير اعتبار تعلقه بمن وقع عليه فضلاً على عمومها وخصوصها، بمعنى أنه لم يلحظ مع الفعل أي أمر آخر، لا عموم ولا وخصوص ولا كونه متعلقًا بعَمْرٍو من حيث كونه وقع عليه مطلقًا (النَّفْيُ مُطلَقًا أَوِ الإِثْبَاتُ لَهْ)، (أَوِ) للتنويع، (أَوِ) أن يرد إثبات الفعل له أي لفاعله (مُطلَقًا)، فالإطلاق يرجع إلى النفي والإثبات، (فَذَاكَ) أي: الفعل المتعدّي (مِثْلُ لَازِمٍ) أي: مثل الفعل اللازم (فِي المَنْزلَةْ) أي: مُنَزّل مُنَزّلة اللازم (مِنْ غَيْر تَقْدِيرٍ) يعني: للمفعول. لأن المقدر كالمذكور، ونحن نتحدث عن ماذا؟ عن فعل ليس له مفعول أصلاً، وهذا إنما كان بمرحلة ثانية، يعني: الأصل فيه أنه متعدٍّ ويقتضي مفعولاً به، لكن لَمَّا لم يلحظ فيه إلا إسناده إلى الفاعل فكأنه لم يكن له مفعول حينئذٍ حذف ابتداءً ولا يقدر، لأنك لو قدرته فقد لاحظته، فحينئذٍ يفسر الفعل هنا بكونه فعلاً لازمًا فيقتضي يعني: يرفع فاعلاً ولا تقل: يقتضي مفعولاً به. (مِثْلُ) فعل اللازم (فِي المَنْزلَةْ)، أي: منزلته أو مُنَزّل مُنَزَّلة الفعل اللازم، (مِنْ غَيْر تَقْدِيرٍ) أي: من غير أن يقدر له مفعول، لأن المقدر كالمذكور، في أن السامع يفهم منهما أن الغرض الإخبار بوقوع الفعل عن الفاعل باعتبار تعلقه بمن وقع عليه، يعني: لو جعلت المفعول به مقدرًا حينئذٍ السامع يَلْحَظ هذا المعنى، فحينئذٍ لم يرد بالفعل المتعدّي اللازم لأنه صار متعدّيًا متى؟ إذا قدرته.
إذًا هذا هو الضرب الأول، إذا أريد بالفعل أن يسند إلى الفاعل من غير ملاحظة معنى للمفعول البتة، لا عموم في الفعل ولا خصوص ولا بمن تعلق به من حيث وقوع الحدث عليه، فحينئذٍ الفعل المتعدّي كاللازم، وهذا ضربان نوعان، هذا النوع ضربان:
الأول لأنه إما أن يُجعل إطلاق الفعل كناية عن الفعل، يعني قد يكون هناك كناية استعمل ضربت مُنَزَّلة ضربت زيدًا، كأنه كني به، يعني: الأصل أن يقول: ضَرَبْتُ زَيْدًا، [حذف المفعول وحذف المفعول $ 39.20] وضربت الأصل فيه أنه متعدي فاستعمل بدلاً من ضربت المتعدي إلى زَيْدًا ضَرَبْتُ يعني: من باب الكناية، إما أن يجعل إطلاق الفعل كناية عن الفعل متعلقًا بمفعول مخصوص دلت عليه القرينة أو لا؟
أما الأول الذي دلت عليه القرينة كقول الشاعر مثلاً:
شجو حساده وغيظ عداه
…
أن يرى مبصر .........
يرى ماذا؟ حذف المفعول به
ويسمعَ واعي
أن يرى مبصرٌ ويسمع واعي، يرى متعدٍّ في الأصل، ويسمع كذلك متعدٍّ في الأصل هنا لم يتعدَّ وإنما رفع فاعلاً في الموضعين فقط، أي: المقصود هنا أن يرى مبصرٌ أي: أن يكون ذو رؤية أو يكون ذو سمع لأن المراد وجود من يبصر ووجود من يسمع، فأُسْنِدَ الفعل إلى الفاعل بقطع النظر عن مُتَعَلَقِهِ وهو المفعول به فحينئذٍ صار كاللازم، أي: أن يكون ذو رؤية وذو سمع فيُدرك بالبصر محاسنه وبالسمع أخباره، فحينئذٍ نَزَّل يرى ويسمع مُنَزَّلة اللازم، أي: يصدر منه الرؤية والسماع من غير تعلق بمفعول مخصوص. قال السيوطي هنا: أي ليس في الوجود ما يُرى ويُسمع إلا آثاره المحمودة. فإذا أبصر مبصر لا يرى إلا محاسنه، وإذا سمع سامع كذلك لا يسمع إلا بأخبار حسنة، فغيظ عداه أن يقع إبصار - وقع إبصار - أو سمع، فإنه كيف وقع لا يقع إلا على محاسنه، بخلاف ما لو قال: أن يرى مبصر محاسنه. يعني: ذكر المفعول به، فإنه ليس فيه حينئذٍ ما يقتضي أنه ليس في الوجود ما يُبْصَر غير محاسنه. يعني: استعمال اللازم هنا أدق في المعنى من استعمال المتعدي. فلو قال: يرى مبصر. يعني: لا يرى أي مبصر إلا محاسنه، بخلاف يرى مبصر محاسنه، كذلك السمع، ويسمع واعي يعني: لا يسمع الواعي إلا أخباره المحمودة، فإذا حذف المحمود به وجعل الفعل كاللازم حينئذٍ لا يُسمع في الوجود إلا محاسنه كما أنه لا يبصر إلا محاسنه، ثم جُعِلا الفعلين السابقين يرى ويسمع كناية عن الرؤية والسماع المتعلقين بمفعول مخصوص - وهو محاسنه وأخباره -.
والثاني: الذي لا يكون في قرينة كقوله تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9] يعلمون ماذا؟ {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ} يعلمون متعدّي أو لا؟ متعدّي في الأصل أما هنا فهو لازم، {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} قيل: الفعلين في الموضعين هما متعديان في الأصل لكن هنا المراد ماذا؟
المراد مقارنة من اتصف بصفة العلم بقطع النظر عن المعلوم، ونفي العلم بقطع النظر عن المعلوم، حينئذٍ صار الوصل هنا مقيدًا بكونه مسندًا إلى الفاعل بقطع النظر عن مفعوله، فقوله:{هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ} يعلمون فعل وفاعل، والأصل أنه متعدّي أليس كذلك؟ أين المفعول؟ ليس عندنا مفعول، لماذا؟ لكونه لازمًا {لَا يَعْلَمُونَ} يعلمون ماذا؟ نقول: هنا لازم وليس بمتعدّي، لماذا؟ لأنه قصد الفعل ابتداءً أن لا يتعلق بمفعول به البتة فنُزِّلَ مُنَزّلة اللازم فإن الغرض هنا إثبات العلم له مطلقًا في الأول
…
{الَّذِينَ يَعْلَمُونَ} ونفيه عنهم كذلك في الثاني {لَا يَعْلَمُونَ} أي من غير عموم في أفراده ولا خصوص، والمعنى لا يستوي من يُوجد منه حقيقة العلم ومن لا يوجد. يعني: من له صفة العلم لا يستوي مع من انتفى عنه صفة العلم.
ومثله {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} [النجم: 43] أضحك من؟ حُذِفَ، لا نقول: حُذِف، وإنما نقول: أضحك استُعمل ابتداءً مراد به الإضحاك، وأبكى استعمل ابتداءً مراد به الإبكاء {وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ}
…
[النجم: 44] أمات من؟ {وَأَحْيَا} أحيى من؟ و {أَغْنَى وَأَقْنَى} [النجم: 48] كل هذه أفعال متعدّية في الأصل لكن المراد بها هنا اللازم، فليس عندنا مفعول، فلا تقدر، إذا عرفتَ تقول: أضحك والمفعول به محذوف. لا، ليس عندنا هنا محذوف، لأن المراد هو الذي منه الإضحاك والإبكاء والإماتة والإحياء والإغناء والإقناء. حينئذٍ فعل أُسْنِد إلى فاعله بقطع النظر ليستوي، يعني مصدر الإحياء هو الله عز وجل {أَضْحَكَ وَأَبْكَى} مصدر الإضحاك هو الله عز وجل، إذًا المراد بإسناد الفعل إلى فاعله بقطع النظر عن تعلقه فنُزِّل مُنَزَّلة اللازم، واضح هذا؟
إذًا - نرجع إلى الأبيات - (وَإِنْ يُرَدْ) النفي أو الإثبات له مطلقًا
يعني: للفعل الاصطلاحي. (فَذَاكَ مِثْلُ لَازِمٍ) مثل فعل اللازم (فِي المَنْزلَةْ) فلا يتعدى، لكن انتبه من غير تقدير للمفعول به. إذ لو قدرت المفعول به لم يكن مثل اللازم؛ لأن الفعل المتعدي قد يُذكر معه مفعوله وقد يحذف لغرض، والمحذوف لغرض كالموجود وليس هو بلازم، وإنما الكلام هنا في الفعل المتعدي المنزل منزلة اللازم بأن لا يكون له مفعول أصلاً، وهذا مثله. وإما إذا قدرت، فلا، خرج الكلام عن المراد. إذًا (وَإِنْ يُرَدْ إِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ ذُكِرَا) المفعول به هذا القيد يعني: لم يذكر (إِنْ يُرَدْ)(النَّفْيُ مُطلَقًا) يعني: نفي الفعل، أو الإثبات له مطلقًا بقطع النظر عن عموم أو خصوص في الفعل في أفراده وبقطع النظر عمن وقع عليه الفعل، (فَذَاكَ) الفعل المتعدي (مِثْلُ لَازِمٍ فِي المَنْزلَةْ) والمكانة والمرتبة (مِنْ غَيْر تَقْدِيرٍ وَإِلَاّ) هذا الضرب الثاني، (إِلَاّ).
الضرب الأول: قطع النظر عن المفعول به ابتداءً.
الضرب الثاني: لم يقطع النظر. بمعنى أن المتكلم أتى بالفعل المتعدي ملاحظًا المفعول سواء ذكره أم لا، إن ذكره فهو الأصل إن لم يذكره حينئذٍ يلزمه التقدير متى هذا؟ إذا أراد الإخبار عن الحدث الفعل مع فاعله ملاحظًا المفعول به، حينئذٍ يكون على أصله، (وَإِلَاّ) أي: الضرب الثاني أن لا يقطع النظر عن المفعول بل يُقْصَدُ ولا يذكر لفظًا ويقدر بحسد الفرائد، أما إذا ذكره فهذا لا إشكال فيه.
(وَإِلَاّ) وإن لم يكن الغرض عند عدم ذكر المفعول مع الفعل المتعدّي المسند إلى فاعله إن لم يكن الغرض إثباته لفاعله أو نفيه عنه مطلقًا، بل قصد تعلقه بمفعولٍ غير مذكورٍ (لَزِمَا)، (لَزِمَا) الألف هذه للإطلاق، ما الذي لزم؟ قال:(مِنْ غَيْر تَقْدِيرٍ وَإِلَاّ لَزِمَا). ما الذي لَزِم؟ التقدير. (مِنْ غَيْر تَقْدِيرٍ وَإِلَاّ لَزِمَا) يعني: لزم التقدير بحسب القرائن الدالة على تعين المفعول إن كان عامًا فعام وإن خاصًا فخاص، (وَإِلَاّ لَزِمَا).
ثم لما وجب تقدير المفعول تعين أنه مراد، ومحذوفٌ من اللفظ لغرضٍ، لأن الغرض متعينٌ عند الحذف إذ لا يجوز الحذف إلا لشيءٍ معلوم، ثم لا يكون الحذف لشيءٍ معلوم إلا لنكتةٍ وفائدة، فإن لم يكن لنكتة أو فائدة وهذا الأصل فيه المنع، فأشار إلى بيانه تفسير الغرض بقوله:(وَالحَذْفُ لِلْبَيَانِ فِيما أُبْهِمَا). (الحَذْفُ) مبتدأ، في الذي أبهما الألف للإطلاق وهو (فِيما أُبْهِمَا) هذا خبر الحذف (لِلْبَيَانِ) متعلقٌ به (وَالحَذْفُ) أي: حذف المفعول به من اللفظ المقدر بعد قابلية المقام، أي: وجود القرينة فيكون للبيانِ (الحَذْفُ لِلْبَيَانِ فِيما) يعني: في الذي (أُبْهِمَا) الألف هذه للإطلاق، وعبارة السيوطي: والحذف فيما أبهما للبيانِ. والحذف في الذي أبهما للبيانِ، للبيان هو الخبر أليس كذلك؟ والحذف في المبهم أي: إن قصد البيان بعد الإبهام. يعني: يحذف المفعول به، ثم يأتي إبهامٌ، الإبهام من أين يأتي؟ يأتي من لفظِ الفعل نفسه عند قراءته، ولهذا قال: وهذا خاص بفعل المشيئة والإرادة، أن يكون القصد من بعد الإبهام من الحذف للمفعول يجيء البيان له، بأن يذكر ما يدل عليه فإن له وقعًا في النفس لم يحصل بذكره ابتداءً وذلك كما في فعل المشيئة والإرادة ونحوهما إذا وقعا شرطًا فإن الجواب يدل عليه نحو: قوله تعالى: {فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ} [الأنعام: 149]. لو شاء هدايتكم لهداكم، هدايتكم هو المفعول به، لو شاء هدايتكم أين الإبهام هنا؟ لو قرأ أو سمع {فَلَوْ شَاء} يذهب الذهن مذاهب شتى شاء ماذا؟ هدايتكم إماتتكم إحياءكم رزقكم موتكم، إذًا يذهب الذهن مذاهب شتى، فلما {لَهَدَاكُمْ} جاء تقدير المفعول به من أين علم؟ من الجواب {فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} أي: لو شاء هدايتكم، هدايتكم المفعول الذي حذف {لَهَدَاكُمْ} فإنه لما قال:{فَلَوْ شَاء} علم السامع أن هناك شيئًا علقت به المشيئة لكنه مبهم، ما هو الذي شاءه هذا مبهم، لما قال:
…
{لَهَدَاكُمْ} علمنا أن المحذوف هنا مفعول به وهو ماذا؟ هدايتكم، ما الذي دل عليه؟ الجواب، جاء التقدير بعد الإبهام أليس كذلك؟ جاء التقدير بعد الإبهام فحصل إبهامٌ أولاً بـ {شَاء} ، ثم جاء التقدير الذي أخذ من هدايتكم، فإذا جيء بجواب الشرط صار مبينًّا وهذا أوقع في النفس من ذكره ابتداءً مبينًا، لو قال لو شاء هدايتكم لهداكم هذا فيه بيان، وحينئذٍ لا يذهب الذهن ولا يذهب السمع في مذاهب شتى.
إذًا هذا الموضع الأول أنه
والحذف للبيان فيما أبهما
يعني: يأتي الحذف للبيان متى؟ في الذي أبهما ابتداءً وذلك يفهم من فعل المشيئة، أو لمجيء الذكر أو يكون الحذف لمجيء الذكر، أي: ذكر المفعول ثانيًا على وجهٍ يتضمن إيقاع الفعل على صريح لفظه، يعني: دون ضميره، إظهارًا لكمال العناية بوقوعه عليه كقوله:
قد طلبنا فلم نجد لك في السؤ
…
دد والمجد والمكارم مِثْلاً
قد طلبنا حذف المفعول به، لم نجد مِثْلاً، مثلاً هذا مفعولٌ لنجد، حذفنا من الأول من أجل أن يقطع الثاني على اسمه الصريح، ماذا نقول؟ أي: ذكر المفعول ثانيًا على وجهٍ يتضمن إيقاع الفعل على صريح لفظه دون ضمير - الذي هو نجد - إظهارًا لكمال العناية بوقوعه عليه، وضابطه - ضابط عند البيانيين - إذا كان في الكلام فعلان: طلبنا، ونجد، متوجهان إلى مفعولٍ واحدٍ، طلبنا مثل، نجد مثل، إذًا توجها لمفعولٍ واحد حذف المفعول من الأول طلبنا مثلاً حذف من الأول لإيقاع الثاني على صريح لفظه، يعني: من أجل أن ينصب الثاني اللفظ دون الضمير، أليس كذلك؟ وإذا قدرنا في الأول نقدر الضمير لأنه لو ذُكر مع الفعل الأول لكان الواجب أن يذكر مع الفعل الثاني ضميره لتقدم ذكره فيفوت إيقاع الفعل الثاني على صريح لفظه، لو جعلنا مثلاً منصوبًا بطلبنا لقال نجده، فحينئذٍ وقع الثاني على الضمير لا على الاسم الصريح وهذا ليس مرادًا. ولذلك قال:(أَوْ لِمَجِيءِ الذِّكْرِ). يعني: يُقدر في الأول يحذف من أجل أن يأتي الثاني فينصب اللفظ الصريح مثاله:
قد طلبنا، هذا متعدي
فلم نجد لك في السؤ
…
دد والمجد والمكارم مِثْلا
أي: قد طلبنا لك مثلاً فيها فلم نجده، هذا أصل التركيب، قد طلبنا مثلاً فلم نجده لكنه ماذا صنع؟ عكس فجعل الثاني ناصب للفظ الصريح، والأول حذف منه الفعل، فحذف مثلاً من الأول إذ لو ذكره لكان المناسب فلم نجده، فيفوت الغرض المذكور وهو إيقاع الوجدان على صريح لفظ المثل لكمال العناية بعدم وجدانه
(أَوْ لِرَدِّ تَوَهُّمِ السَامِعِ غيْرِ الْقَصْدِ)
أو يكون الحذف للمفعول مع إداراته لرد توهم السامع غير القصد، وعبَّر عنه السيوطي بقوله:[دفع ابتداء، نعم](1)، دفع ابتدار الذهن إلى غير المراد. يعني: حذفه من أجل أن لا يتوهم السامع شيئًا لم يرد أي: غير المراد، بأن يسبق الذهن إلى غير المراد، كقوله: وسورة أيامٍ حززنا إلى العظم، حززنا هنا الشاهد حززنا أي: قطعنا إلى العظم، الأصل حززنا اللحم، قطعنا اللحم إلى العظم، لو قال: حززنا اللحم يتبادر الذهن إلى ماذا؟ إلى أنه لم يصل القطع إلى العظم، لكن لما حذفه صار ماذا؟ حززنا إلى العظم، إذًا بلغ الحزُّ مبلغه وهو العظم، ففيه ماذا؟ فيه رد توهم ما قد يقع على للسامع، فحُذِفَ مفعول حززنا وهو اللحم لأنه لو ذكره ربما توهم السامع قبل ذكر ما بعده أن الحزَّ لم ينته إلى العظم، وإنما كان في بعض اللحم فحذفه دفعًا لهذا التوهم، إذًا (أَوْ لِرَدِّ تَوَهُّمِ السَامِعِ غيْرِ الْقَصْدِ) يعني: غير المراد من كلام المتكلم، أو هو للتعميم، أو يكون هو أي: الحذف للتعميم في المفعول مع الاختصار، كقولك: قد كان منه ما يؤلم، ما يؤلم كل أحدٍ. لما حذف أفاد التعميم، بقرينة أن المقام مقام المبالغة، وهذا التعميم وإن أمكن أن يستفاد من ذكر المفعول بصيغة العموم، لكنه يفوت معه الاختصار هنا الغرض أمران: تعميمٌ مع اختصار. لأنه قد يقول قائل يؤلم كل أحدٍ ذكر المفعول أيضًا فيه تعميم، لماذا نقول الحذف للتعميم؟ واضح هذا؟ يؤلم قلنا: حذف المفعول من أجل إفادة التعميم، فيقول: أذكر المفعول بلفظٍ وصيغةٍ تدل على العموم، إذًا يؤلم كل أحدٍ. نقول: لا، المراد هنا التعميم مع الاختصار. ما هو الاختصار؟ حذف المفعول، وفرقٌ بين اللفظين، فَعِلَّة الحذف هنا مركبة من التعميم والاختصار، قال تعالى:{وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ} [يونس: 25]. يدعو من كل؟ عباده، حذف المفعول هنا للإفادة العموم، أي جميع عباده، وهنا أفادت الآية العموم تحقيقًا لا مبالغة كالمثال السابق.
(أَوْ لِلْفَاصِلَهْ) أو يكون الحذف للفاصلة، يعني: لأن تراعى الفاصلة، وهو آخر الفقرة، كقوله تعالى {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا} [الضحى: 1، 3] قلاك هذا الأصل فحذف المفعول به مراعاةً للفاصلة {وَمَا قَلَى} لأن آخرها الألف، وقيل للاختصار ولا مانع أن يجتمع الغرضان في مثالٍ واحد. أي: ما قلاك، فحذف المفعول هنا لأن فواصل الآية على الآي على الألف، نعم، (أَوْ هُوَ لاِسْتِهْجَانِك المُقَابَلَه) يعني: يحذف المفعول به من أجل أن لا تقابل المخاطب بلفظٍ فيه قُبح، يعني: من أجل الاستهجان وهو قبيح لو ذكرته، أو يكون هو أي: للحذف (لاِسْتِهْجَانِك) أي: استقباحك (المُقَابَلَه) منك المخاطب بذكر فيحذف تجنبًا لها كقول عائشة إن صح عند ذكر أحوال النبي صلى الله عليه وسلم: ما رأيت منه ولا رأى مني. يعني: ما رأيت منه العورة ولا رأى مني
فحُذِفَ المفعول هنا من الموضعين لما في التصريح بلفظ العورة من الهجنة يعني: القبح، وقرينة الحذف اقتران هذا الكلام بذكر أحوال النبي صلى الله عليه وسلم وقت مباشرة نسائه.
ثم قال:
(1) سبق.
وَقَدِّمِ المَفْعُولَ أَوْ شَبِيهَهُ
…
رَدًّا عَلَى مَنْ لمْ يُصِبْ تَعْيِينَهُ
وَبَعْضُ مَعْمُولٍ عَلَى بَعْضِ كَمَا
…
إِذَا اهْتِمَامٌ أَوْ لأصْلٍ عُلِمَا
(وَقَدِّمِ المَفْعُولَ) على الفعل، هنا أحوال تقديم المفعول على عامله،
…
(أَوْ شَبِيهَهُ) يعني: شبيه ماذا؟ شبيه المفعول، الحالة قد تتقدم راكبًا جاء زيدٌ، تقدمت، قدم المفعول على الفعل عامله ليشمل الفعل وغيره، (أَوْ شَبِيهَهُ) أي: شبيه المفعول من الجار والمجرور والظرف والحال وما أشبه ذلك، لأجل ماذا؟ (رَدّاً) هذا مفعول أجله، (رَدّاً) أي: لأجل الرد
…
(عَلَى مَنْ) أي: على الذي لم يُصب تعيينه، لم يُصب تعيين المفعول به، أي: تعيين المفعول كقولك: زيدًا عرفتُ. الأصل: عرفت زيدًا، زيدًا عرفت، هذا ترد به على من؟ على من اعتقد أنك عرفت إنسانًا واعتقد أنه غير زيد، عرفت إنسان أنت إنسان تعرف إنسانًا، هذا الأصل لا إشكال فيه، لكن لو اعتقد أنك تعرف عمرًا، وقد أخطأ فحينئذٍ تقول له: زيدًا عرفت لا غيره، لأن تقديم ما حقه التأخير يفيد القصر والحصر، فحينئذٍ زيدًا عرفت أي: لا غيره، ترد به على من اعتقد أنك عرفت عمرًا لا زيد، واعتقد أنه غير زيدٍ وأصاب في الأول أنه إنسان دون الثاني أنه غير زيدٍ، ولهذا تقول: لتأكيد هذا الرد: زيدًا عرفت لا غيره. صح أم لا؟
نعم صح، لا غيره تأكيد، كيف يكون مؤكدًا؟
لأنه لو سكت قال زيدًا عرفت، بالمنطوق إثبات المعرفة لزيد، بالمفهوم نفي المعرفة عن غير زيد، لا غيره دل بالمنطوق ما دل عليه مفهوم السابق توافقا؟
توافقا، الأول دل على لا غيره بالمفهوم، والثاني دل عليه بالمنطوق، ولذلك صار توكيدًا، لما دل عليه مفهوم السابق.
وقد يكون لرد الخطأ فيه الاشتراك، كقولك: زيدًا عرفت. لمن اعتقد أنك عرفت زيدًا وعَمْرًا. زيدًا عرفت، إذًا زيدًا لا عَمْرًا، وتقول لتأكيده زيدًا عرفت وحده. صحيح زيدًا عرفته، لأنه اعتقد الشركة وأنت أردت الوحدة: زيدًا عرفت وحده. وهذا توكيدٌ للمفهوم الذي دل عليه التركيب السابق.
واعلم أن [تقديم المفعول ونحوه] تقديم المفعول ونحوِهِ يلزمه التخصيص غالبًا الذي ذكرناه سابقًا، أي: لا ينفك عن تقديم المفعول ونحوه في أكثر السور بشهادة الاستقراء وحكم الذوق، ولذلك قال السيوطي رحمه الله تعالى: لا يقال ما زيدًا ضربت ولا غيره. هذا فيه تناقض لأن قولك: ما زيدًا ضربت. أفاد ماذا؟ نفي الضرب عن زيدٍ وإثباته لغير زيد، فإذا قلت: ولا غيره نفيت الضرب عن غير زيدٍ وقد أثبته أولاً هذا يسمى ماذا؟ يسمى تناقضًا، ما زيدًا ضربت ولا غير. هذا لا يصح التركيب غلط لماذا؟ لكون فيه تناقضًا، تناقضًا بين ماذا؟ بكون نفيت ما أثبته أولاً، نفيت عن زيدٍ الضرب، مفهومه إثبات الضرب لغير زيدٍ، حينئذٍ لا يصح أن تقول: ولا غيره. بمعنى أنك لم تضرب غير زيد. لا يقال ما زيدًا ضربت ولا غيره. لأن التقديم يدل على وقوع الضرب على غير زيدٍ تحقيقًا لمعنى الاختصاص، وقولك: ولا غيره. ينفي ذلك فيتناقضان.
ومثل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] أي: لا غيرك {وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} أي: لا غيرك. {وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُواْ} [المائدة 23] أي: لا على غيره .. وهلم جرا. تقديم ما حقه التأخير يفيد الاختصاص وهو في القرآن كثير.
إذًا (وَقَدِّمِ المَفْعُولَ أَوْ شَبِيهَهُ) كالجار والمجرور والحال (رَدّاً عَلَى مَنْ لمْ يُصِبْ تَعْيِينَهُ) حينئذٍ إذا قدمته أفدت الاختصاص (وَبَعْضُ مَعْمُولٍ عَلَى بَعْضِ) أي: قدم بعض معمولٍ على بعضٍ أي: وقدم بعض معمولٍ من الفاعل والمفاعيل ونحوها من الحال والتمييز (بَعْضُ مَعْمُولٍ) الفعل (عَلَى بَعْضِ) يعني: على بعض الآخر (كَمَا إِذَا اهْتِمَامٌ) أي: كما إذا كان ذكر ذلك البعض المقدم أهم (كَمَا إِذَا اهْتِمَامٌ) يعني: كما لو كان هو الأهم (كَمَا إِذَا اهْتِمَامٌ) إذا كان هناك اهتمامٌ، (مَا) هذه زائدة، (كَمَا إِذَا اهْتِمَامٌ) أي: كما إذا كان ذكر ذلك البعض المقدم أهم لاعتناء المتكلم والسامع بشأنه، والاهتمام بحاله لغرضٍ من الأغراض كقولك قُتِلَ الخارجيُّ فلانٌ، لأن الأهم في تعلق القتل هو الخارجي المقتول ليتخلص الناس من شره وليس لهم فائدةٌ في أن يعرفوا قاتله، (أَوْ لأصْلٍ عُلِمَا) الألف للإطلاق (أَوْ لأصْلٍ) أي: يكون تقديم ذلك البعض المعمول على المعمولات الأخر هو الأصل ولا مقتضي للعدول عن ذلك عنه، كالفاعل في نحو: ضرب زيدٌ عمرًا. هنا ماذا قلت؟ ضرب زيدٌ عَمْرًا يجوز؟ يجوز ماذا؟ كم حال هنا؟ ضرب زيدٌ عمرًا، هذا الأصل، ضرب عمرًا زيدٌ، زيدًا ضرب عمرٌو؟ صحيح؟ إيش بالكم؟ طال الدرس ضرب زيدٌ عمرًا. هذا الأصل العامل أولاً، ثم الفاعل، ثم المفعول.
الحالة الثانية: تُقدم المفعول على الفاعل، ضرب عَمْرًا زيدٌ هذا جائزٌ، [زيدًا ضرب عَمْرًا](1) عَمْرًا ضرب زيدٌ قدمت المفعول على العامل
لِمَ يجوز؟ {فَرِيقاً هَدَى} [الأعراف: 30]
لا.
المراد هنا التقديم، لكن لو قلت: زيدٌ ضرب عَمْرًا، على أن زيد فاعل يجوز؟ لا يجوز المراد هنا الأحكام النحوية أما الأغراض فهذا شيء آخر فعندنا ثلاثة أحوال: ضرب زيدٌ عمرًا، هذا الأصل. ضرب عمرًا زيدٌ، هل هذا جائزٌ؟ نقول: نعم يجوز، لكن يجوز تقديم المفعول على فاعله إذا كان ثَمَّ غرض، وإذا لم يكن ثَمَّ غرضٌ فأي النوعين أهم الفاعل أم المفعول؟ حينئذٍ الأصل أن نقدم الفاعل على المفعول، فإذا لم يكن غرض حينئذٍ تقول: قولك ضرب زيدٌ عمرًا أولى بلاغةً من قولك: ضرب عمرًا زيدٌ وإن جائزًا نحوًا، لماذا؟ لكون زيد مقدم على عمرو في الأهمية لأنه فاعل، ولذلك قال: كالفاعل في نحو: ضرب زيدٌ عمرًا لأنه عمدةٌ في الكلام وحقه أن يلي الفعل، والمفعول الأول في أعطيت زيدًا درهمًا يصح أعطيت درهمًا زيدًا، أليس كذلك؟ لكن لكون المفعول الأول في قوة أو معنى الفاعل لكون هو الآخر صار الأولى بالتقديم، فإن أصله التقديم لما فيه من معنى الفاعلية وهو أنه آخذٌ للعطاء.
(1) سبق.
إذًا قاعدة: وقدم بعض معمولٍ على بعضٍ يجوز إذا كان ثَمَّ قرينة. (كَمَا إِذَا اهْتِمَامٌ) إذا كان الاهتمام بالمقدم، إما لكونه منزلته التقديم، أو إذا لم يكمن منزلته التقديم فحينئذٍ لا بد لفائدةٍ أو نكتة، أو لأصلٍ لكون مرتبته هي الأصل كالفاعل مع المفعول.
والمفاعيل قاعدة عن البيانين - نختم بها الدرس المفاعيل - وما بمعناها من الفضلات وإن اشتركت في كونها فضلة لكنها مترتبةٌ فيما بينها عند اجتماعها، فإذا اجتمعت حينئذٍ يقدم المفعول المطلق، المفاعيل كلها إذا اجتمعت يقدم المفعول المطلق، ثم المفعول به بلا واسطة، يعني: بلا حرف جر بزيدٍ، ثم الذي بواسطة، ثم المفعول فيه الزمان، ثم المكان، ثم المفعول له، ثم المفعول معه، هذا الترتيب إذا اجتمعت المفاعيل كلها.
المفعول المطلق أولاً، ثم المفعول بلا واسطة، ثم المفعول بواسطة، ثم المفعول فيه الزماني، ثم المكاني، ثم المفعول له، ثم المفعول معه.
والأصل أن يذكر الحال عقيب صاحب الحال هذا الأصل، إذًا جاء راكبًا زيدٌ، جاء زيدٌ راكبًا أيهما أولى؟ إذًا لم يكن ثَمَّ غرض جاء زيدٌ راكبًا، لأنه موافق الأصل، الترتيب صاحب الحال أولاً ثم الحال، فالأصل أن يذكر الحال عقيب صاحب الحال، والتابع عقيب المتبوع، وعند اجتماعها يقدم التابع على الحال، وعند اجتماع التوابع الأصل تقديم النعت، ثم التأكيد، ثم البدل، أو عطف البيان وعند اجتماع التأكيد مع المفعول به يقدم التأكيد.
هذا ما يتعلق من جهة الاختصار بالباب الرابع (أَحْوَالُ مُتَعَلَّقَاتِ الْفِعْلِ)، والله أعلم.
وصلَّ الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
البلاغة ما تتقن إلا إذا أتقن النحو، ألاحظ بعض المسائل صعبة عندكم لأن النحو شوي ما هو بذاك.
ما أدري إيش عندكم في النحو أنتم، النحو أساس، لو تعطي كل يوم فقط النحو ساعة خلال ستة أشهر إن شاء الله تضبطه. والسلام عليكم ورحمة الله.