الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* الباب الخامس: القصر
* أنواع القصر.
* طرق القصر.
* ما يقع فيه القصر.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
قال الناظم رحمه الله تعالى:
(الْبَابُ الخَامِسُ: الْقَصْرُ)
(الْبَابُ الخَامِسُ) من أبواب المعاني الثمانية حيث قال فيما سبق
…
(مُنْحَصِرُ الأَبْوَابِ فِي ثَمَانِ)، ومر الحديث عن أربعة أبواب ووصل إلى الخامس وهو (الْقَصْرُ) لَمَّا كان القصر يجري في ركنيي الإسناد وفي متعلقات الفعل ذكره عقب الأبواب الثلاثة، يعني ما يتعلق بالمسند إليه والمسند ومتعلقات الفعل، وأما الإسناد فلا يكون فيه حصر، وإنما يحصر المسند إليه أو المسند أو المفعول مثلاً أو الحال، فإما أن يتعلق بمسند إليه، وإما أن يتعلق بالمسند، وإما أن يتعلق بأحد متعلقات الفعل، لذلك قال: عقب الأبواب الثلاثة.
القَّصْرُ نَوْعَانِ حَقِيقِيٌ وَذَا
…
نَوْعَانِ وَالثَّانِي إضَافِيٌّ كَذَا
القصر لغةً الحبس، ومنه قوله تعالى:{حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن: 72]. يعني محبوسات في الخيام. واصطلاحًا عرَّفوه بأنه تخصيص شيء بشيء بطريق مخصوص، شيء بشيء مسند أو صفه لموصوف أو موصوف بصفة، هذا المراد به على جهة التخصيص، تخصيص شيء يعني: موصوف أو صفة بشيء يعني: بالموصوف أو بصفة فيشمل حينئذٍ نوعي القصر الحقيقي والإضافي، ثم كل منهما إما قصر صفة على موصوف، أو عكسه. بطريق مخصوص يعني من الطرق الآتي بيانها يعني مما ذكره الناظم من الطرق الأربعة المشهورة، كتخصيص زيد بالقيام مَا قَائِمٌ إِلا زَيْدٌ، كأنك خصصت بل خصصت زيد بكونه قائمًا، هنا تخصيص شيء بشيء تخصيص زيد بالقيام بطريق مخصوص وهو (ما، وإلا)، ويجري القصر أو التخصيص بين الفعل والفاعل ما قام إلا زيد، وبين المبدأ والخبر ما زيد إلا قائم، ما قائم إلا زيد، وبين الفعل والظرف بنا مرّ كما سيأتي، وبين الحال وعاملها راكبًا ما جاء راكبًا إلا زيد وغير ذلك مما قد يأتي بيانه.
القصر عرفنا معناه في اللغة والاصطلاح، قال (نَوْعَانِ)(القَّصْرُ نَوْعَانِ)(القَّصْرُ) مبتدأ و (نَوْعَانِ) خبره، (حَقِيقِيٌ) هذا بدل مفصل من مجمل وقوله:(نَوْعَانِ) هذا فيه إبهام وإجمال (حَقِيقِيٌ) بالرفع على أنه بدل مفصل من مجمل، يعني بدل بعض من كل، أو تجعله خبرًا لمبتدأ محذوف أول النوعين أولهما حقيقيٌّ، إذا إما أن يكون بدلاً، وإما أن يكون خبرًا مبتدأ محذوف، والثاني إضافي (حَقِيقِيٌ)(نَوْعَانِ)(حَقِيقِيٌ)،
…
(وَالثَّانِي إضَافِيٌّ)، (الثَّانِي) مبتدأ و (إضَافِيٌّ) خبره (وَذَا ** نَوْعَانِ) هذه جملة معترضة بين بها أن الحقيقي ينقسم إلى نوعين، (وَذَا) أي الحقيقي مبتدأ (نَوْعَانِ) خبر المبتدأ، وقوله:(كَذَا)(وَالثَّانِي إضَافِيٌّ كَذَا) أي مثل ذا أي الحقيقي بكونه على نوعين. إذًا ذكر في هذا البيت أن القصر ينقسم إلى نوعين. حقيقي وإضافي، وأن الحقيقي والإضافي كل منهما نوعان، وهو (نَوْعَانِ):
الأول: حقيقي.
والثاني: إضافي.
لماذا انقسم القصر إلى نوعين حقيقي وإضافي؟
لأن تخصيص الشيء بالشيء الذي هو حقيقة القصر، إما أن يكون بحسب الحقيقة ونفس الأمر يعني بنفس في الواقع أنه خُصّ زيدٌ بكذا، بأن لا يتجاوزه إلى غيره أصلاً، لأن الأصل في كون الشيء اختص بشيء ما الذي يُفْهَم ويتبادر إلى الذهن أنه لا يتجاوزه إلى غيره، إن كان كذلك فهو الحقيقي، بمعنى أنه في نفس الأمر وحقيقة الأمر أنه عندما خُصَّ بهذا الوصف هذا الوصف لا يتجاوز زيدًا البتة، حينئذٍ يكون حقيقيًّا، إما أن يكون بحسب الحقيقة ونفس الأمر بألا يتجاوزه إلى غيره أصلاً وهو الحقيقي هذا الأول.
أو بحسب الإضافة والنسبة، بمعنى أنه خُصَّ زيد بوصف باعتبار وصف آخر لا مطلقًا، أو خُصَّ زيد بوصف باعتبار عمرو لا باعتبار كل الناس وإنما هو باعتبار شيء معين. إذا التخصيص شيء بشيء قد يكون مطلقًا من كل وجه ويكون في نفس الأمر [وقد يكون] وهذا الحقيقي. وقد يكون باعتبار شيء آخر يعني بملاحظة وصف آخر. لو قلت: مَا زَيْدٌ إِلا قَائِمٌ. يعني باعتبار القعود لا باعتبار كل الصفات، وإنما نظرت القيام مقابل للقعود، فزيد قائم لا قاعد فخصصته بوصف القيام هذا المراد بكون إضَافِيًّا أي نسبيًّا، أو بحسب الإضافة والنسبة إلى شيء آخر لئلا يتجاوزه إلى ذلك الشيء وإن أمكن أن يتجاوزه إلى شيء آخر في الجملة وهو الإضافي، وهذا كقولك: ما زيد إلا قائم. بمعنى أنه يعني زيد لا يتجاوز القيام إلى القعود، أليس كذلك؟ إذا كان المقابل يظن أن زيدًا قائم أو قاعد قلت: مَا زَيْدٌ إِلا قَائِمٌ. كأنك نفيت جميع الصفات عن زيد وأثبت له القيام، هل هذا صحيح؟ لا، زيد له صفات متعددة لكن باعتبار كونه قائمًا أو قاعدًا خصصت زيد بالقيام هذا المراد بالإضافي، بمعنى أنه لا يتجاوزه أو لا يتجاوز القيام إلى القعود لا بمعنى أنه لا يتجاوز إلى صفة أخرى أصلاً هذا لا وجود له، لأنه ما من شيء موجود إلى وله عدة صفات. فالـ (حَقِيقِيٌ) حينئذٍ ما كان التخصيص فيه بحسب الحقيقة يعني بالفعل قد خُصَّ زيد بكذا واختص به ولا يتجاوزه إلى غيره البتة، حينئذٍ نقول: هذا تخصيص حقيقي بحيث لا يتجاوز المقصور ما قصر عليه إلى غيره، إذا لم يكن في البلد إلا عالم واحد ما زيد أو ما العالم إلا زيد، قصرت هنا زيد على العلم، إذا غيره ليس بعالم، إن كان كذلك فهو قصر حقيقيّ، وإن كان المرد أنه تمكن في العلم تقول: ما العالم إلا زيد. مع وجود غيره من العلماء وإنما كماله حينئذٍ صار إضافيًّا لأن القصر والتخصيص هنا باعتبار الكمال لا باعتبار وجود العلم لأن غيره مثله، حينئذٍ لو قلت: ما العالم إلا زيد وثَمَّ عمرو وبكر علماء، ماذا عنيت؟ عنيت الكمال، إذا هنا التخصيص إضافيّ وليس بنسبيّ. إذًا الحقيقي ما كان التخصيص فيه بحسب الحقيقة بحيث لا يتجاوز المقصور ما قصر عليه لغيره، والإضافي ما كان التخصيص فيه بحسب الإضافة إلى شيء آخر يعني بملاحظة وصف أو بملاحظة موصوف لا مطلقًا من كل وجه من حيث إثبات الصفة أو النفي عن الموصوف.
مَثَّلوا للحقيقي بقولهم: إنما السعادة للمقبولين. يعني الذي قُبِلَ هو الذي يكون سعيدًا، أي أن السعادة مختصة بالمقبولين بحيث لا تتجاوزهم إلى غيرهم فهذا قصر حقيقيّ، قصر صفة على الموصوف. والسعادة تختص بِمن؟ بمن قَبِلَهُ الله عز وجل {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] إذا السعادة منحصرة فيهم، هل توجد السعادة في غيرهم؟ الأصل لا، والسعادة التي يَدَّعِيها مَنْ يَدَّعِيهَا هذه سعادة موهومة، وإنما هم في أهل الإيمان والعمل الصالح.
ومَثَّلوا للإضافي بقولهم: إنما العالم زيد. جواب لمن قال: زيد وعمرو كل منهما عالم. (وَذَا ** نَوْعَانِ). (وَذَا) إذا عرفنا قوله: (القَّصْرُ نَوْعَانِ حَقِيقِيٌ ** وَالثَّانِي إضَافِيٌّ)، (وَذَا ** نَوْعَانِ) ثم قال:(كَذَا) كل من الحقيقي والإضافي ينقسم إلى قسمين، وقوله:(ذَا)، (وَذَا) أي الحقيقيّ المشار إليه الحقيقي (نَوْعَانِ)، (وَالثَّانِي إضَافِيٌّ كَذَا) أي أن الإضافي نوعان كما أن الحقيقية نوعان (كَذَا) أي مثله مثل (ذَا) أي المذكورة وهو الحقيقي بكونه على نوعين الإضافي كذلك. ثم أشار إلى نوعي كل منهما في قوله:(فَقَصْرُ صِفَةٍ عَلَى المَوْصُوفِ) الفاء هذه فاء الفصيح لأنه أفصحت عن جواب الشرط مقدر، إذا علمت أن القصر الحقيقي نوعان وأردت معرفة كل منهما (فَقَصْرُ) يعني فأولهما قصر، قصر (صِفَةٍ عَلَى المَوْصُوفِ)، (قَصْرُ صِفَةٍ عَلَى المَوْصُوفِ) أولهما (قَصْرُ صِفَةٍ عَلَى المَوْصُوفِ) وهو أي قَصْرُ الصفةٍ على الموصوف (وَعَكْسُهُ) الذي هو قصر الموصوف على الصفة، عندنا أمران صفة وموصوف، صفة القيام والموصوف كزيد أو عمرو، إما أن تقصر الصفة على الموصوف، وإما أن تقصر الموصوف على الصفة، ما حقيقة كل منهما (فَقَصْرُ صِفَةٍ عَلَى المَوْصُوفِ) نقول: حقيقة هذا النوع ألا تتجاوز صفة ذلك الموصوف إلى موصوف آخر. إذا قصرنا الصفة على الموصوف حينئذٍ إذا قلنا: ما زيد إلا عالم. حينئذٍ قصرنا قصر وصف العلم على زيد، ما العالم إلا زيد، قصرنا صفة العلم على زيد، هل هذه الصفة العلم تتعدَّى زيد في هذا النوع؟ لا، وإنما تختص به ولا تتجاوزه إلى غيره، وهو ألا تتجاوز الصفة ذلك الموصوف إلى موصوف آخر. لكن زيد هل له صفات أخرى؟ نعم له صفات أخرى. إذا الحديث عن قصر الصفة بعينها، أما الصفات الأخرى هذا قد يكون موصوفًا بصفات أخرى، وإنما يكون التخصيص تخصيص شيء بشيء باعتبار صفة معينة التي يُنَصّ عليها، وأما ما عداها يجوز أن يكون لذلك الموصوف صفات أخر. واضح هنا؟ (فَقَصْرُ صِفَةٍ عَلَى المَوْصُوفِ) بأن هذه الصفة لا تتجاوز يعني لا تتعدَّى يعني لا يتصف بها غير المقصور عليه، هل للمقصور عليه بهذه الصفة له صفات أخرى؟ نقول: نعم، يجوز له لأن يكون له صفات أخرى، فقصر هذه الصفة لا يلزم منه نفي ما عداها من الصفات، والمراد بالصفة هنا (فَقَصْرُ صِفَةٍ عَلَى المَوْصُوفِ) المراد بها الصفة المعنوية، لأن الصفة قد يراد بها النعت، هل المراد بها النعت؟ الجواب: لا. لأن النعت: هو التابع المشتق أو المؤول بالمشتق. هل المراد بالصفة هنا الصفة النحوية النعت النحوي؟ الجواب: لا، وإنما المراد به الصفة المعنوية، يعني المعنى القائم بالغير، سواء دُلّ عليه بمشتق أو بغيره، قد يجتمعان وقد يفترقان. إذًا المراد بالصفة هنا صفة معنوية، وعبَّر هو بالصفة وبعضهم يُعَبِّرُ بالوصف وكلاهما واحد، حينئذٍ الوصف المعنوي أي المعنى القائم بالغير كالجود والكرم والعلم والْحُسْن ونحو ذلك.
نقول: هذه أوصاف وهي معان قائمة بالغير هي المرادة هنا، أي المعنى القائم بالغير كالجود والكرم ونحوهما، لا النعت النحوي بعني التابع الذي يدل على معنى في متبوعه غير الشمول، وهذا يبحث عنه النحاة. قد يجتمع هنا يصدق عليه الصفة المعنوية وقد لا، فبينهما وخصوص من وجه، بمعنى أنه يجتمعان في مادة، عندنا العموم والخصوص نوعان، عموم وخصوص مطلق، وعموم وخصوص وجهي، المطلق نحتاج إلى مادتين: مادة الاجتماع، ومادة افتراق الأعم عن الأخص. ومثل قولهم: كل قول لفظ من غير عكس، هذا بينهما العموم والخصوص المطلق، فنحتاج إلى مثال في كونه قولاً ولفظ كزيد هذا قولاً ولفظًا، ويحتاج إلى مثال يصدق عليه الأعمّ الذي هو اللفظ ولا يصدق عليه الأخص الذي هو القول، وهو (ديز) مقلوب زيد، لأنه لفظ وليس بقولٍ، هنا قال: العموم والخصوص الوجهي نحتاج إلى ثلاثة مواد، مادة الاجتماع، ومادة افتراق الأعم عن الأخص، ومادة افتراق الأخص عن الأعم. فالعموم والخصوص المطلق نحتاج إلى مثالين مادتين صورتين، والعموم والخصوص الوجهي نحتاج إلى ثلاث مواد يعنى ثلاث صور ثلاث أمثلة، مادة الاجتماع يصدق عليه الأعم والأخص، ومادة يفترق فيها الأعم عن الأخص، ومادة يفترق فيه الأخص عن الأعم. النعت النحوي أو الوصف النحوي مع الصفة المعنوية التي يعنيها البيانيون هنا بينهم العموم والخصوص الوجهي، فهذا أعم معنى من النعت النحوي لتصادقهما على العلم في نحو: أعجبني هذا العلم. على تأويل العلم لأنه جامد الأصل أنه لا يكون نعتًا، وتفارقهما في مثل: العلم حسن. هذا يصدق علي ماذا؟ وصف معنوي وليس بنعت نحوي لماذا؟ لكونه خبرًا لكونه هذا حسن زيد حسن زيد مبتدأ وحسنٌ خبر، هو وصف معنوي لكنه ليس بنعت، وصف معنوي وليس نعتًا نحويًّا، ومررت بهذا الرجل. قالوا: هذا نعت نحوي لكن على التأويل، لأنه جامد لا بد أن يؤول بمشتق، الرجولة ونحوها. مررت بهذا الرجل، إذًا هذا يعتبر نعتًا نحويًّا ولا يكون وصفًا معنويًّا، وهذا النوع أعني قصر الصفة على الموصوف كثير في لسان العرب نحو: ما في الدر إلا زيد. هذا قصر صفة على موصوف، والمراد هنا القصر قصر الكينونة، والثبوت والوجود على زيد، وهذا يحتمل أن يكون حقيقيًّا لئلا يوجد في الدار إلا زيد، تنظر ليس في الدار تقول: ما في الدار إلا زيد قصرت الكينونة في الدار على زيدٍ، يكون حقيقيًّا متى؟ إذا لم يكن معهم مشارك وقد يكون إضافيًّا إذا قصدت بأن الذي له الوجود المعتبر هو زيد، ومن عداه وجود وعدمه سواء. تقول: ما في الدر إلا زيد. واضح هذا؟ فيحتمل هذا المثال لأن يكون حقيقيًّا أو يكون إضافيًّا أعني قصر الصفة على الموصوف نحو كثير هذا نحو: ما في الدار إلا زيد بما يقصد به المبالغة لعدم الاعتداد بغير المذكور حتى كأنه كالعدم، ويحتمل أنه المراد به الحقيقي إذا لم يوجد معه أحد البتة.
(فَقَصْرُ صِفَةٍ عَلَى المَوْصُوفِ) عرفنا المراد (قَصْرُ صِفَةٍ عَلَى المَوْصُوفِ) ألا تتجاوز هذه الصفوة موصوفها، يعني تختص به، ولا يَمْنَع أن يكون الموصوف صفات أخر غير الذي ثبت له، عكسه (وَعَكْسُهُ) أي قصر الموصوف على الصفة (عَكْسُهُ) أي خلاف العكس المراد به هنا العكس اللغوي، ليس العكس الاصطلاحي الذي تحدث عنه المناطقة، والعكس لازم، (وَعَكْسُهُ) أي عكس (قَصْرُ صِفَةٍ عَلَى المَوْصُوفِ) هو قصر الموصوف على الصفة، (عَكْسُهُ) أي عكس المذكور الأول وهو قصر الصفة على الموصوف هذا هو عين الأول خلافه الذي يقابله قصر الموصوف على الصفة، وهو حقيقته ألا يتجاوز الموصوف تلك الصفة إلى صفة أخرى، الموصوف ليس له صفة إلا هذه الصفة، لكن يجوز أن تكون تلك الصفة لموصوف آخر عكس السابق، هنا إلا يتجاوز الموصوف يعني المقصور عليه ألا يتجاوز تلك الصفة لكن هذه الصفة يجوز أن تكون لموصوف آخر (مِنْ نَوْعِهِ) المعروف وهي الأربعة أقسام الآتية يعني عند البيانين، (مِنْ نَوْعِهِ) المعروف: المعروف عند من؟ عند أهل المعاني الصادق بفردية أعني الحقيقي والإضافي، فالأول من الحقيقي إذا علمنا الآن أن عندنا قصر صفة على موصوف هذا نوع، وعندنا قصر موصوف على صفة وكل منهما إما حقيقيّ وإما إضافيّ، فعندنا قصر موصوف على صفة حقيقي.
وقصر موصول على صفة إضافي.
وقصر صفة على موصوف حقيقي.
وقصر صفة على موصوف إضافي.
حينئذٍ القسمة رباعية، ولذلك قال بعض الشراح:(وَعَكْسُهُ مِنْ نَوْعِهِ المَعْرُوفِ) وهي الأربعة الأقسام الأربعة الأنواع:
فالأول من الحقيقي وهو قصر الصفة على الموصوف كما مرّ في المثال السابق (ما في الدار إلا زيد) قصرنا صفة الكينونة على زيد.
والثاني من الحقيقي وهو قصر الموصوف على الصفة نحو: (ما زيد إلا كاتب)، إذا أردنا أنه لم يتصف إلى بوصف بالكتابة هذا كمثال فقط، وإلا ليس بصحيح، يعني زيد ليس له أي صفة أخرى فقط كاتب، لا يأكل ولا يشرب ولا ينام ولا .. إلى آخره، فنُفِيَتْ عنه جميع الصفات ولم يكن له إلا صفة واحدة، وهذه الصفة كما أنها مقصورة عليه لا يمنع أن تكون لموصوف آخر عمرو وخالد .. إلى آخره، قصر الموصوف على الصفة (نحو ما زيد إلا كاتب) إذا أريد أنه لا يتصف بغير الكتابة يعني ينقسم الحقيقي أي لا صفة له غيرها، لا صفة لزيد غير الكتابة، إذا أريد بأنه من قصر الموصوف عل الصفة قصرت زيد من الناس على وصف واحد وهو الكتابة ولا يتعداه البتة، يعني لا يوصف بأي وصف آخر غير الكتابة، وأما الكتابة فهي صفة لزيد ولغيره وهو عزيز لا يكاد يوجد، هذا غير موجود، وهو عزيز لا يكاد يوجد هكذا قال السيوطي في ((عقود الجمان)) لتعذر الإحاطة بصفات الشيء حتى يمكن إثبات شيء منها ونفي ما عداها بالكلية، ويمكن وجه آخر وهو أحسن أن يقال: ما من موجود يتصور وجوده إلا وهو متصف بصفات المتعدى ليس له صفة واحدة، يعني كونه موجود هذه صفة، كونه إنسان صفة أخرى، فكيف يقصر على صفة واحدة؟ واضح هذا؟ يعني كونه موجودًا هذه صفة، كونه إنسانًا هذه صفة أخرى يكفي هذا، يكفي في كونه يتصف غير صفة الوجود مثلاً.
فأقسام القصر أربعة، لأنه قصر حقيقي وغير حقيقي وهو الإضافي كما مر، وكل واحد منهما ضربان:
قصر موصوف على الصفة.
وقصر الصفة على الموصوف.
والأول من الحقيقي كقولك في ما مرّ: ما زيد إلا كاتب. إذا أردت ألا يتصف بصفة غير الكتابة، يعني لا صفة له غيرها، وهذا لا يكاد يوجد في الكلام لأنه ما من متصور إلا وتكون له صفات تتعدّى الإحاطة بها أو تعسر، والثاني منه يعني قصر الصفة على الموصوف حقيقي ما في الدار إلا زيد، ومرّ معنا، والفرق بينهما ظاهر فإن الموصوف في الأول لا يمتنع أن يشاركه غيره في الصفة المذكورة: ما زيد إلا كاتب. وقصر الموصوف على الصفة، قلنا: هذا نادر. لكن هل يمكن أن يشاركه غيره؟ نعم، والثاني الذي: ما في الدار إلا زيد يمتنع مشاركته غيره له. إذا قلت: ما في الدار إلا زيد. يعني لا يوصف بالوجود في الدار إلا واحد فقط وهو زيد، هذا يمتنع أن يشاركه غيره، لماذا؟ لأنه من قصر الصفة على الموصوف، وأما قصر الموصوف على الصفة فهذا لا يمتنع الشركة: ما زيد إلا كاتب. إذًا غير زيد كاتب كذلك يوصف بالكتابة، ومثال الأول من الإضافة [قصر الصفة] لا قصر الموصوف على الصفة: ما زيد إلا كاتب، لمن اعتقد اتصافه بالكتابة والشعر، يعني ما زيد إلا كاتب يحتمل أن يراد به ماذا؟ الحقيقي، قلنا: هذا ممتنع لكن له وجه آخر يعني اللفظ جائز لكن باعتبار آخر وهو أنه يكون في مقابلة ماذا؟ في مقابلة من اعتقد أنه كاتب يعني كصحفي مثلاً وشاعر، حينئذٍ نقول: ما زيد إلا كاتب. يعني لا شاعر، حينئذٍ ما زيد إلا كاتب لمن اعتقد اتصافه بالكتابة والشعر فجاز التركيب، أما كونه من قصر الموصوف على الصفة وهو حقيقي، لا، وإنما يكون من الإضافي.
ومثال الثاني منه يعني قصر الصفة على الموصوف: ما كاتبٌ إلا زيد. انتبه أن المقصور عليه هو الذي يكون بعد إلا، هذا في ما إلا، وأما في إنما فهو الذي يكون متأخرًا {إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ} [النساء: 171] حصرت الله عز وجل قصرته على الإلوهية {إِلَهٌ وَاحِدٌ} ، ما زيد إلا عالم، المقصور عليه عالم، ما عالم إلا زيد المقصور عليه زيد، واضح هذا؟ إذًا ما بعد إلا هو المقصور عليه، وأما في (إِنَّمَا) فإنما يكون المتأخر، إنما زيد عالم. المقصور في عالم، إنما العالم زيد المقصور في زيد، واضح؟ انتبه!
إذا المثال الثاني منه أي قصر الصفة على الموصوف ما كاتب إلا زيد عكس الأول. الأول قلنا ما زيد إلا كاتب هنا قصر الصفة على الموصوف ما كاتب إلا زيد، زيد هو الموصوف وقصرت عليه صفة الكتابة، هذا لمن اعتقد اشتراك زيد وعمرو في الكتابة، لمن اعتقد أن زيد من الناس عمرًا اشتركا في الكتابة وعمر ليس بكاتب، حينئذ تقول: ما كاتب إلا زيد. جعلت زيدًا الموصوف مقصورٌ عليه وصف الكتابة هذا من في مقابلة من اعتقد الاشتراك بين زيد وعمرو، ما كاتب إلا زيد لمن اعتقد اشتراك زيد وعمرو في الكاتبة ويسمى هذا قصر إفراد. القصر للإضافي ثلاثة أنواع:
(قصر إفراد، وقصر قلب، وقصر تعيين) وهذه الثلاثة إنما هي متعلقة بالإضافي دون الحقيقة، إذا كان في مقابلة من اعتقد الشَّرِكَة يكون إفرادًا، يعني من اسمه، القلب فيه قلب، والتعيين في تعيين، والإفراد فيه إفراد. إذًا إذا اعتقد الشَّرِكَة بين زيد وعمرو في الكتابة وواحد منهما ليس كذلك (ما كاتب إلا زيد) هذا يسمى قصر إفراد، ويسمى هذا قصر إفراد وهو تخصيص أمر بأمر دون آخر جوابًا لمن اعتقد اشتراكهما فيه. وهذا هو القسم الأول من الإضافي.
الثاني قصر القلب: وهو تخصيص أمر بأمر مكان آخر اعتقد السامع فيه العكس، قلب يعني تقلب عليه هو اعتقد أن العالم زيد وهو ليس بزيد إنما هو عمرو، حينئذ تقلب عليه الاعتقاد، مثال في قصر الموصوف ما زيد إلا عالم لمن اعتقد أنه جاهل يعني هو المتعلَّق واحد لكن الصفة تختلف، إذا اعتقد
…
[أن زيد عالمًا](1) أن زيد جاهل حينئذ تقلب عليه تقول: (ما زيد إلا عالم) هذا قصر الموصوف على الصفة لمن أعتقد أنه جاهل. ومثاله في قصر الصفة على الموصوف (مَا الْعَالِمُ إِلا زَيْدٌ) لمن اعتقد أن العالم عمرو. إذًا قد يكون في قلب قصر صفة على الموصوف لمن ادَّعَى بأن زيدًا جاهل فتقلب عليه، أو ادَّعَى أن العالم عمرو وليس بزيد فتقلب عليه.
والثالث قصر التعيين وهو تخصيص أمر بأمر مكان آخر أشكل على السامع تعيين أحدهما. يعني جوز الأمرين، قال: زيد شاعر أو كاتب. يحتمل هذا وذاك تأتي تعيِّن له مَا زَيْدٌ إِلا شَاعِرٌ، أَوْ إِلا قَائِمٌ. مثالٌ في قصر الموصوف مَا زَيْدٌ إِلا قَائِمٌ لمن تردد في قيامه وقعوده، زيد قائم أم لا؟ تردد لم يُعَيَّن له فتأتي بالقصر من أجل التعيين، هو جوَّز الأمرين وتصور الطرفين حينئذٍ تأتي بقولك: مَا زَيْدٌ إِلا قَائِمٌ من أجل الجواب عنه. ومثال في قصر الصفة (مَا قَائِمٌ إِلا زَيْدٌ) لمن تردد في أن القائم زيدٌ أو عمرٌو (ما قائمٌ إلا زيدٌ) فهذه الأقسام الثلاثة الإفراد والقلب والتعيين إنما هي خاصةٌ بالإضافيّ دون الحقيقيّ.
فَقَصْرُ صِفَةٍ عَلَى المَوْصُوفِ
…
وَعَكْسُهُ مِنْ نَوْعِهِ المَعْرُوفِ
طُرُقُهُ النَّفْيُ وَالاِسْتِثْنَا هُمَا
…
وَالْعَطْفُ وَالتَقْدِيمُ ثُمَّ إِنَّمَا
(1) سبق.
فيما مر تخصيص شيءٍ بشيءٍ بطريقٍ، ما هو هذا الطريق؟ يعني إذا أردنا التخصيص كيف نأتي به؟ بأي كلام بأي تركيب؟ الجواب: لا، العرب لها طرق أربع مشهورة في القصر تخصيص شيء بشيء، قصر صفة على موصوف أو العكس، وهذه المشهورات وغيرها زِيد عليها لكنها ليست مشهورة، فـ (طُرُقُهُ) يعني طرق القصر جمع طريق، يعني السبيل الذي يكون إلى القصر كيف يكون أربعة على ما ذكره الناظم:(النَّفْيُ وَالاِسْتِثْنَا) طريق واحدة هذا ليس النفي طريقًا والاستثناء طريقًا، لا، إنما اجتماعهما معًا هما طريق واحد ولذلك قال:(هُمَا). يعني معًا طريق واحد. فقوله: (هُمَا) هذا دفع لوَهَمٍ قد يتوهم فيه الطالب بأن النفي طريق، والطريق الثاني (الاِسْتِثْنَا)، فدفع هذا الوهم قال: لا. (طُرُقُهُ النَّفْيُ وَالاِسْتِثْنَا هُمَا) معًا طريق واحد كما مر معنا في الأمثلة السابقة، مَا قَائِمٌ إِلا زَيْدٌ، مَا نافية وإلا استثنائية. (هُمَا) طريق واحد والمراد بالنفي هنا أحد أدواته سواء كان حرفًا أو كان اسمًا أو كان فعلاً، ليس زَيْدٌ إِلا قَائِمًا، نفي هنا ليس فعل غير زيد إلا قَائِمٌ هذا الاسم، و (الاِسْتِثْنَا) المراد به إلا على جهة الخصوص، مثال في قصر الموصوف على الصفة إفرادًا ما زَيْدٌ إِلا شَاعِرٌ، هنا قصر الموصوف على الصفة ولذلك جاءت الصفة بعد إلا وقوله تعالى:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَاّ رَسُولٌ} [آل عمران: 144]. وقلبًا مَا زَيْدٌ إِلا قَائِمٌ، وفي قصر الصفة على الموصوف إفرادًا مَا شَاعِرٌ إِلا زَيْدٌ، وقلبًا مَا الْعَالِمُ إِلا زَيْدٌ لمن اعتقد أن العالم عمرو، يقال فيها ما قيل فيما سبق، لا نقف مع كل مثال، والكل يصلح مثالاً للتعيين والتفاوت إنما هو بحسب اعتقاد المخاطب. يعني: إذا قلت: مَا زَيْدٌ إِلا قَائِمٌ هذا يحتمل أنه إفراد أو قلب، والذي يعين هو ما يكون باعتقاد المخاطب، والذي يُظهر اعتقاد المخاطب وهو غيب ما يكون من القرائن والأحوال، هل المخاطب يُنْكر؟ هل المخاطب ادعى شيئًا فتقلبه عليه؟ هل شك في أمرين وعَيَّن؟ هذا كله باعتبار المخاطب.
وتحقيق القصر في قصر الموصوف على الصفة هنا في ما وإلا كيف جاء القصر؟ كيف جاء التخصيص؟ ما وجهه؟ قالوا: أنه إذا قيل مثلاً: مَا زَيْدٌ. قبل أن تقول: إِلا قَائِمٌ لو قلت: مَا زَيْدٌ. توجه النفي هنا إلى أي شيء؟ عندنا أمران إما ذات زيد، وإما صفة زيد. الذوات لا تنفى، وإنما الذي ينفى أوصاف الذوات، ولذلك {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] يعني نكاحًا لأن لا يتعلق تحريم بالذوات، فـ مَا زَيْدٌ هنا احتمالان أن الذي ينفى الذوات. قلنا: هذا ممتنع. بقي ماذا؟ بقي الصفة. من الصفات ما هو متفق عليه ولا يتعرض له كطوله مثلاً أو قصره أو نحو ذلك، ومنه ما قد يختلف فيه النظر كالشاعرية والكتابة، حينئذٍ يتعين الثاني دون الأول. فإذا قلت: مَا زَيْدٌ. توجه النفي إلى صفته لا إلى ذاته، لماذا؟ لأن نفي الذوات يمتنع نفيها، وإنما ينفى صفاتها، لأن الذي يمتنع نفيه يعني: لا يوجد، أن لا يوجد ولذلك نقول مثلاً إذا قيل: لا زَيْدٌ فِي الدَّارِ وَلا عَمْرٌو. يعني: وجود زيد وليس المراد ليس بزيد وإنما وجود زيد، وحينئذٍ لا نزاع في طوله وقصره ونحوهما من الصفات لأنه متفق عليه عمرو ثابت تراه طويلاً، والأصل في الناس يتفقون على أن الطويل طويل وعلى أن القصير قصير لا يختلفون، قد يقع اختلاف باعتبار الناظر، وإنما النزاع في كونه شاعرًا أو كاتبًا حينئذٍ تناولهما النفي، ما زيد المقصود به الكتابة أو الشاعرية. ثم إذا قال: إِلا شَاعِرٌ. جاء التخصيص والقصر حينئذٍ قوله: إِلا شَاعِرٌ. إذا كان المقابل بقصره هنا الموصوف على الصفة في كون عمرو مثلاً شاعر وهو ليس بشاعر، وإنما أردت قصر الموصوف على هذا الوصف. فإذا قلت: مَا زَيْدٌ شَاعِرٌ أَوْ كَاتِبٌ حينئذٍ قلت: إِلا شَاعِرٌ. حصل التخصيص بكون زيدًا شاعرًا لا غير كما في الآية السابقة {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَاّ رَسُولٌ} إذًا النزاع في كونه شاعرًا أو كاتبًا تناولهما النفيّ، فإذا قيل: إلا شاعر. جاء القصر. إذًا الصفة التي جاءت بعد إلا مع مقابلها هي التي دخل عليها النفي. يعني: النفي ما زيد لم يدخل على الذات لما عرفنا لم يدخل على الصفات المتفق عليها وإنما دخل على الصفات المتنازع فيها، فلما جاءت إلا بالتنصيص على إحدى الصفات حصل القصر وجاء القصر. هذا في قصر الموصوف على الصفة.
وفي قصر الصفة على الموصوف أنه متى قيل: مَا شَاعِرٌ. فأُدْخِل النفي على الوصف الْمُسَلَّم ثبوته يعني: متفق على أن هذا الوصف مُسَلَّمٌ لكن محله زيد أو عمرو؟ هو الذي وقع فيه النزاع، فأُدْخِلَ النفي على الوصف الْمُسَلَّم ثبوته أعني الشعر لغير من الكلام فيهما كزيد وعمرو مثلاً، توجه النفي إليهما، إذا كان الحديث أو المقام يقتضي أن يكون بين ذاتين والمراد بهما زيد أو عمرو حينئذٍ مَا شَاعِرٌ توجه النفي إلى وصف زيد بالشاعرية أو وصف عمرو بالشاعرية، فإذا قلت: إِلا زَيْدٌ. حينئذٍ أخرجت عمرًا فقصرت الحكم على زيد. فإذا قيل: إلا زيد. جاء القصر (طُرُقُهُ النَّفْيُ وَالاِسْتِثْنَا هُمَا) طريق واحد لا اثنين هذا هو الطريق الأول وهو أقواها في القصر هو هذا النوع، ولذلك جاء لا إله إلا الله، جاءت على أعلى درجات القصر، لا معبود بحق إلا الله، وكل ما يأتي ما عداها في القرآن فإنما يكون مرتبة ثانية {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ} [طه: 98] إله واحد، هو حصر وقصر لكنه ليس في القوة كـ لا إله إلا الله، (وَالْعَطْفُ) هذا النوع الثاني أي: ومن طرق القصر العطف بلا أو بل، هذا المراد به هنا (بل، لا) فكقولك في قصر الموصوف على الصفة إفرادًا. زَيْدٌ شَاعِرٌ لا كَاتِبٌ، هنا قصر الموصوف على الصفة [وقلبًا] إفرادًا وقلبًا زَيْدٌ قَائِمٌ لا قَاعِدٌ لمن يعتقد العكس، فإن لا العاطفة نفت في الأول الكتابة عن زيد وقد أثبتت له الشعر أولاً، فحصلت قصر زيدٍ أي: حبسه على الشعر وعدم مجاوزته للكتابة، زَيْدٌ شَاعِرٌ لا كَاتِبٌ، لا أثبتت ونفت، أثبتت ماذا؟ الشاعرية لزيد، ونفت عنه وصف الكتابة. وفي الثاني زَيْدٌ قَائِمٌ لا قَاعِد نفت لا القعود عنه، زيد قائم لا قاعد نفت عنه القعود، وقد أثبتت له القيام أولاً قبل النفي وحَصَّلَت قصره على القيام وقلبت اعتقاد المخاطب كونه قاعدًا. ومثل لا بل، فقولك: بقصر الموصوف على الصفة إفرادًا: مَا زَيْدٌ قَائِمًا بَلْ قَاعِدٌ. هي حصر وقلبًا: ما عمرو شاعر بل زيد. وتقول في قصر الصفة على الموصوف إفرادًا وقلبًا في العطف بـ لا: زيد شاعر لا عمرو. لمن اعتقد أن عمرًا شاعر لا زيد فيكون قصر إفرادٍ، أو اعتقد أن عمرًا شاعر لا زيد فيكون قصر قلب يعني: باعتبار المخاطب، إن كان المراد به قلب حينئذٍ صار قصر قلب، إن كان فيه تشريك فحينئذٍ صار قصر إفرادًا. وتقول في قصر الصفة على الموصوف إفرادًا في العطف بـ بل: لَيْسَ عَمْرًا شَاعِرًا بَلْ حَامِدٌ هنا نفيت ما قصرت الصفة على الموصوف وقلبًا: ما زيد قائمًا بل قاعد.
إذًا العطف بـ لا أو بـ بل في النوعين قصر الصفة على الموصوف أو قصر الموصوف على الصفة يعتبر طريقًا من طرق القصر، وتبين المسائل كما مضى.
(وَالتَقْدِيمُ) أي من طرق القصر تقديم ما حقه التأخير وهذا مرّ معنا {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] هذا فيه تقديم المعمول على عامله، وهو أسلوب من أساليب القصر والحصر، تقديم ما حقه التأخير كتقديم المعمول على العامل فإنه يفيد الحصر، نحو: بنا مَرَّ. مرَّ زيد بنا، بنا لا بغيرنا. فيه قصر الصفة على الموصوف، وتَمِيمِيٌّ أَنَا يعني: لا قيسيّ. تَمِيمِيٌّ أَنَا هنا قدَّم الخبر على المبتدأ، تَمِيمِيٌّ هذا خبر مقدم وأَنَا مبتدأ مؤخر في قصر الموصوف على الصفة، أي لا قيسي ليس من قيس. إما قصر تعيين وذلك إذا قلته لمخاطب يدَّعِي أنك من قيس تردد أو من تميم من غير ترجيح، وإما قصر قلب إذا قلت لمخاطب يدعي أنك من قيس، وتَمِيمِيٌّ أَنَا، ولا يصلح مثال لقصر الإفراد بتنافي الوصفين، يعني لا يعتقد أنك تميمي وقيسي في وقت واحد، تحتاج إلى تعيين وهذا لا يتأتى، ومثاله قول: شَاعِرٌ أَنَا. لمن اعتقدك شاعرًا أو كاتبًا، واضح هذا؟
(وَالتَقْدِيمُ) يعني بما حقه التأخير، والمثال الأشهر {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ،
…
{وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُواْ} [المائدة: 23] فتوكلوا على الله، سواء كان المقدم مفعولاً به أو جارًا ومجرورًا أو غيره كما مر بالأمس زَيْدًا ضَرَبْتُ، يعني لا غيره. زَيْدًا ضَرَبْتُ لا غيره. (ثُمَّ) للترتيب الذكري (إِنَّمَا) يعني ومن طرق القصر (إِنَّمَا) بكسر الهمزة أثبته الجمهور ونفاه كثير، يعني فيه خلاف (إِنَّمَا) أَنَّمَا أثبتها الزمخشري.
ومثال قصر الصفة على الموصوف إفرادًا بـ إنما قوله تعالى: {إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [النساء: 171]. وعرفنا أن المقصور يأتي متأخرًا، وقلبًا إنما زيد قائم. وقصر الصفة على الموصوف إفرادًا وقلبًا: إنما قائم زيد. قصر الصفة على الموصوف.
هذه الطرق الأربعة هي المشهورات عند البيانيين، يعني: الحصر والقصر إنما يكون بـ (النفي والاستثناء، والعطف، والتقديم لما حقه التأخير، وإنما). فهذه الطرق الأربعة منها بعد ما عرفناها ما يدل على القصر بالوضع، ومنها ما يدل على القصر بفحوى الكلام يعني: بالمفهوم مع دلالة العقل، ولذلك قال الناظم:(دِلالَةُ التَّقْدِيمِ بِالفَحْوَى) يعني بمفهوم الكلام ليس بالنص، (وَمَا ** عَدَاهُ بِالْوَضْعِ) يعني: بوضع العرب لهذا المعنى هذا التركيب، ووضعت العرب (ما) و (إلا) منطوقًا بهما لإفادة القصر، و (إنما) منطوق بها لإفادة القصر، و (لا) و (بل) لإفادة القصر بأنواعه، بقي ماذا؟ التقديم، التقدِيم العرب لم تقدم وتؤخر في الأصل، وإنما وضعت الترتيب العام الذي يسمى الوضع النوعي، ثم إذا قدم وأخر المتكلم فحينئذٍ يكون شيئًا من عند نفسه أراد به معنًى تعلق في ذهنه وهو الحصر والقصر. إذًا الذي يُفهم من دلالة التقديم من حيث كونه قصرًا إنما هو بالعقل يعني: فحوى الكلام. والذي يُفهم من دلالة القصر لبقية الأنواع الثلاث حينئذٍ نقول: هذا بالوضع. والمسألة طويلة عريضة في كتب البيانيين والأصوليين.
قال الناظم: (دِلالَةُ التَّقْدِيمِ بِالفَحْوَى). (دِلالَةُ التَّقْدِيمِ) يعني تقديم ما حقه التأخير على القصر (بِالفَحْوَى) يعني مفهوم الكلام، ولا شك أن عندنا منطوق وعندنا مفهوم، وهما متقابلان (وَمَا ** عَدَاهُ) أي الذي عداه. أي عدا التقديم الوضع، إيش إعراب الوضع؟ خبر ماذا؟
..
ما الذي عدا تقديم فحوى.
..
أي؟ الوضع مبتدأ [نعم]؟
.
خبر ما، نعم خبر ما، مَا والذي عداه
والذي عدا التقديمَ أو التقديمِ يجوز الوجهان، عداه الوضع يعني: والذي عداه يعني: والذي تجاوز التقديم، وهو الثلاثة الأخر النفي والاستثناء والعطف وإنما بالوضعِ نعم متعلق محذوف، والذي عداه كائن بالوضعِ أنا قلت: الوضعُ بالوضعِ كائن بالوضعِ هو خبر لكنه متعلق بمحذوف. إذًا (وَمَا) أي والذي هذا مبتدأ، (عَدَاهُ). أي عدا التقديم وهو ثلاثة (النفي، وإلا، والعطف بـ لا وبمن وإنما)، (بِالْوَضْعِ) أي كائن وثابت (بِالْوَضْعِ) يعني وضع اللغة الذي يسمى الوضع اللغوي، وجزم العقل كذلك لأن العقل يستعمل في الاستنباط فقط، تقول: الأصل موضوعًا (بِالْوَضْعِ) اللغوي ثم العقل له مجال في الفهم.
أليس كذلك؟
وَعُرِّفَتْ بِالنَّقْلِ لَا بِالْعَقْلِ
…
فَقَطْ بَلِ اسْتِنْبَاطُهُ .....
هكذا يقول السيوطي في ((الكوكب))، وعُرِفَتْ يعني اللغة. وعرفت بالنقل لا بالعقل بل استنباطه، العقل يستنبط فقط يستنبط من اللغة، فدلالة التقديم على القصر ليست بطريق الوضع، لأنه لم يوضع لمعنى حتى يستدل العقل على إفادته القصر، التقديم أمر معنوي، كونك قدمت وأخرت نقول: هذا شيء معنوي، وإنما بفحوى ومفهوم الكلام، بمعنى أنه إذا تأمل ذو الذوق السليم فيه فهم القصر وإن لم يعرف اصطلاح البلغاء في ذلك. وأما البواقي فإنها تفيده بالوضع، لأن الواضع واضع اللغة على الخلاف فيه ووضعها لمعاني تفيد القصر، فالانتقالُ فيها إليه وضع لا يحتاج إلى تتبع تراكيب البلغاء. فحينئذٍ نقول: مفهوم القصر من التقديم مدرك بالعقل، يعني فحوى الكلام، والقصر من بقيت الثلاثة مدرك (بِالْوَضْعِ) يعني العرب وضعت هذه الألفاظ للدلالة على القصر، وأما التقديم فلم تضعه العرب ابتداءً وإنما فهمه الناظر أو السامع من فحوى الكلام.
ثم قال: (وَأَيْضًا مِثْلَ مَا
الْقَصْرُ بَيْنَ خَبَرٍ وَمُبْتَدَا ** يَكونُ بَيْن فاعِلٍ) وفعل (بين فعل وفاعل) إلى هنا ينتهي البيت (1)(وَأَيْضًا مِثْلَ مَا الْقَصْرُ بَيْنَ خَبَرٍ وَمُبْتَدَا) يعني مثل ما يكون القصر بين خبر ومبتدأ، وهذا عرَّجنا عليه في أول البحث يعني يكون القصر بين مبتدأ وخبر وهذا واضح. قال: كذلك يكون بين فعل وفاعل. ما قام إلا زيد هذا حصل القصر بين ماذا هنا؟ بين الفعل والفاعل ما زيد إلا قائم بين مبتدأ وخبر هذا مراده بالبيت، (وَأَيْضًا) مصدر آضَ إذا رجع منصوب على المفعولية المطلقة دائمًا والعامل فيه محذوف وجوبًا (مِثْلَ مَا) مثل الذي يكون القصر بين خبر ومبتدأ كما تقدم الأمثلة السابقة يكون بين فعل وفاعل نحو: ما قام إلا زيد. وغيرها كالفاعل والمفعول نحو: ما ضرب عمرًا إلا زيدٌ. والمفعولين كذلك ما أعطيت زيدًا إلا درهمًا يعني لم أعطيه شيئًا من الأشياء إلا درهمًا وغير ذلك من المتعلقات. إذًا القصر يكون في الجملة الاسمية بين المبتدأ والخبر، ويكون في الجملة الفعلية. يكون بين ركني الإسناد المبتدأ والخبر، وفعل وفاعل، ويكون بين متعلقات كذلك كالحال وبنا جار ومجرور.
ثم قال:
...............
…
................. وَمَا بَدَا
مِنْهُ فَمَعْلُومٌ وَقَدْ يُنَزَّلُ
…
مَنْزِلَةَ المَجْهُولِ أَوْ ذَا يُبْدَلُ
خليكم معي (وَمَا بَدَا مِنْهُ) يعني والذي ظهر (بَدَا) بمعنى ظهر (مِنْهُ) أي من القصر. (فَمَعْلُومٌ) أي: جار على مقتضى الظاهر. والمراد - انتبه لهذه المسألة - أن أصل النفي والاستثناء أن يكون لمخاطب يجهل ما استُعْمِل له، إذا استعملت القصر بما وإلا الأصل أن يكون المخاطب يجهل ما استعمل فيه ما وإلا، وهو إثبات الحكم المذكور إن كان قصر إفراد أو نفيه إن كان قصر قلبٍ وينكره. إذًا المراد هنا أن المخاطب إنما يخاطب بشيءٍ يجهله. إذًا هذا الأصل بخلاف إنما فإن أصله أن يكون الحكم مما يعلمه المخاطب. إذًا إذا قصرت شيئًا بما وإلا فالمخاطب الأصل فيه أنه يجهله، وإذا قصرت بـ إنما فالأصل أنه يعلمه. إن فعلت هذا على هذا النمط فهو على وفق الظاهر، وقد يعكس يعني: يستعمل ما وإلا في المعلوم، ويستعمل إنما في المجهول، واضح؟
إذًا الثاني أن نقول: خرج عن مقتضى الظاهر. ولذلك قال: (وَمَا بَدَا) أي ظهر (مِنْهُ) أي من القصر (فَمَعْلُومٌ) أي جارٍ على مقتضى الظاهر فيما ذكرناه سابقًا، أن أصل النفي والاستثناء لكل مخاطبٍ يجهل ما استُعمل له، والذي استُعمل له ما هو إثبات الحكم المذكور ونفيه على جهة القصر قصر إفراد أو غيره بخلاف إنما فإن أصله أن يكون الحكم من ما يعلمه المخاطب ولا ينكره.
(1) البيت هكذا: الْقَصْرُ بَيْنَ خَبَرٍ وَمُبْتَدَا
…
يَكونُ بَيْن فاعِلٍ وَمَا بَدَا
مثال الأول قال: {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ} [ص: 65]. وقد يخرج عن ذلك فينزل المعلوم منزلة المجهول لاعتبار مناسب، ولذلك قال:: (وَقَدْ يُنَزَّلُ)(قَدْ) للتحقيق (قَدْ يُنَزَّلُ) ما هو؟ (وَقَدْ يُنَزَّلُ) المعلوم [أحسنت] المعلوم (وَقَدْ يُنَزَّلُ) نائب الفاعل يعود إلى المعلوم (يُنَزَّلُ ** مَنْزِلَةَ المَجْهُولِ)، إذًا (يُنَزَّلُ ** مَنْزِلَةَ المَجْهُولِ) ما الذي يُنَزّل مُنَزّلة المجهول؟ هو المعلوم، إذًا الضمير نائب الفاعل يعود إلى (مَا)، (وَقَدْ يُنَزَّلُ) المعلوم (مَنْزِلَةَ المَجْهُولِ) يجوز فيه الوجهان هذا من ما ينكر عليه، دائمًا تقول يُنَزَّلُ مُنَزلَةَ والشائع عند أهل العلم (يُنَزَّلُ ** مَنْزِلَةَ) وهذا الذي استخدمه هنا أقول: يجوز الوجهان. نَزَلَ مَنْزِلَةَ هذا واضح أنه بالتخفيف، وَيُنَزَّل يجوز فيه الوجهان في المقابل مُنَزَّلَةَ وَمَنْزِلَةَ يجوز فيه التشديد ويجوز فيه التخفيف، (وَقَدْ يُنَزَّلُ ** مَنْزِلَةَ المَجْهُولِ) لاعتبار المناسب يعني لاعتبار المقام فيستعمل له القصر بما وإلا إفرادًا وقلبًا، مثال الإفراد {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَاّ رَسُولٌ} [آل عمران: 144] هذه الآية خوطب بها الصحابة والأصل في الاستعمال ما وإلا أن يكون المخاطب يجهل ما دل عليه أو دلت عليه الجملة، وهل الصحابة يجهلون أن محمد رسول؟ يجهلون؟ لا. إذًا هنا نُزِّلَ المخاطب مُنَزّلة من يجهل ما دلت عليه الجملة، واضح هذا؟ الأصل في استعمال ما وإلا أن يكون المخاطب يجهل ما دلت عليه الجملة وهنا هذا الأصل لما كان الخطاب للصحابة يعلمون أن محمدًا صلى الله عليه وسلم رسول، إذًا لماذا جيء بما وإلا؟ لا بد من فائدةٍ أخرى، المراد هنا الشاهد أنه استُعمل التركيب في من يَعْلَمُ ونُزِّلَ مُنَزّلة الجاهل، أي هو مقصورٌ على الرسالة هذا كلام السيوطي في ((شرح عقود الجمان)) فيستعمل له القصر نعم {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَاّ رَسُولٌ} أي هو مقصورٌ على الرسالة لا يتعداها. إلى أي وصفٍ؟ إلى التبري من الهلاك، فإنه خطابٌ للصحابة وهو عالمون بأنه غير جامعٍ للرسالة والتبرئ من الهلاك لكنهم لما استعظموا مماته نُزِّلَ مُنَزّلَة إنكارهم إياه فاستُعمل له النفي وإلا، يعني الصحابة ماذا؟ كان يظن بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعتريه الموت، فلما نزلت الآية {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَاّ رَسُولٌ} إذًا هو مقصورٌ على الرسالة ولا يكون مقصورًا على عدم الهلاك، يعني بمعنى أن عدم الهلاك ليس وصفًا مختصًا بالنبي صلى الله عليه وسلم فلا يموت، بل هو بشرٌ كسائر البشر فيلحقه الموت، وإنما هو مقصورٌ على الرسالة، والرسالة لا ينافيها الموت. إذًا نُزِّلَ الصحابة لكون بعضٍ قد أنكر أو كاد أن ينكر النبي صلى الله عليه وسلم مات نُزِّلَ مُنَزّلة أنه لا يعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم مختصٌ بالرسالة. إذًا قوله: هو مقصورٌ على الرسالة لا يتعداها إلى التبري من الهلاك.
يعني لا يتبرأ لكونه رسولاً لا يتبرأ من الهلاك الذي هو الموت فإنه خطابٌ للصحابة وهم عالمون بأنه غير جامعٍ للرسالة والتبرئة من الهلاك لكنهم لما استعظموا موته نُزِّلَ مُنَزّلة إنكارهم إياه فاستعمل له النفي وإلا.
مثال القلب - يحتاج إلى تأمل - قوله تعالى: {إِنْ أَنتُمْ إِلَاّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا} [إبراهيم: 10] الأول قصر إفرادٍ يعني: قصر على الرسالة دون التبري من الموت هنا قصر قلبٍ {إِنْ أَنتُمْ إِلَاّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا} فالمخاطبون مَنْ؟ الرُّسل المخاطَبون بهذا الخطاب الرسل، والمخاطِبون هم الكفار {إِنْ أَنتُمْ إِلَاّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا} فالمخاطَبون وهم الرسل لم يكونوا جاهلين بأنه بشر أليس كذلك؟ لأن الخطاب هنا {إِنْ} هذه الـ (إن إيش نوعها؟ نافية الدليل {إِلَاّ} في جوابها {إِنْ أَنتُمْ إِلَاّ بَشَرٌ} الأصل في [ما {إِلَاّ}] (1){إِنْ} و {إِلَاّ} أن يكون المخاطب يجهل إذًا الرسل على هذا يجهلون أنه بشر؟ ليس المراد ذلك. لأن الرسل لم يكونوا جاهلين بأنهم بشر ولا منكرين لكنهم نُزِّلُوا مُنَزّلة المنكرين لاعتقاد القائلين لهم اعتقاد وهو الكفار أن الرسول لا يكون بشرًا، أليس كذلك؟ الرسول لا يكون بشرًا مع إصرار المخاطبين وهم الرسل على إدعاء الرسالة، هم أرادوا أن ينفوا الرسالة، لماذا؟ بكونهم بشرًا والرسالة لا تجامع البشرية عندهم. قالوا:{قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلَاّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا} [يس: 15] إذا كنتم أنتم بشر حينئذٍ لا يكون رسولاً إلا من كان ملك وأنتم لستم ملائكة إذًا أنتم لستم برسل هذه النتيجة. على إدعاء الرسالة فنزلهم القائلون منزلة المنكرين للبشرية لما اعتقدوه من التنافي بين البشرية والرسالة، ثَمّ تنافي في عقولهم بين البشرية والرسالة فقلبوا الحكم فقالوا:{إِنْ أَنتُمْ إِلَاّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا} [إبراهيم: 10] أي مقصرون على البشرية ليس لكم وصف الرسالة التي تدعونها، وأما إنما فالأصل فيها تستعمل في ما لا يُنكره المخاطَب بأن يكون معلومًا، كقولك إنما زيدٌ أخوك لمن يعلم ذلك ويقر به ترقيقًا عليه، إنما زيدٌ أخوك هو يعلم هذا (أَوْ ذَا يُبْدَلُ) ما هو؟ (ذَا) المشار إليه (أَوْ ذَا)
(1) سبق.
المجهول [أحسنت] يُبدل بماذا؟ بالمعلوم، وقد يُنَزّل المجهول مُنَزّلة المعلوم كما قال الناظم هنا:(أَوْ ذَا يُبْدَلُ) أي قد ينزل المجهول منزلة المعلوم لإدعاء ظهوره فيستعمل حينئذٍ له إنما، إنما في الأصل للمعلوم، لكن قد نستعمله لماذا؟ للمجهول كقوله:{إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة: 11] قوله تعالى على المنافقين {إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} ادعوا أن ذلك أمرٌ ظاهر معلوم لأن الحصر بـ إنما يكون لشيءٍ معلوم فإذا قالوا {إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} إذًا الصلاح ثابت أمره ظاهر لا يحتاج إلى تنصيص فهم ادعوا أنهم مصلحون فهو أمرٌ ظاهر من شأنه أن لا يجهله المخاطَب ولا ينكره، ولذلك جاء رد يعني لما استعملوا هذا التركيب والأصل فيه أنه للمعلوم حينئذٍ جاء الرد قوي جدًا من الرب جل وعلا، جاء ربه مؤكدًا بـ إن والجملة الاسمية وتعريف الخبر وتوسيط ضمير الفصل وتصدير الكلام بحرف التنبيه الدال على أن مضمون الكلام مما له خطرٌ في قوله تعالى:{أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ} [البقرة: 12]. لما قالوا: {إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} . جاء الرد بماذا؟ {أَلا} حرف تنبيه، ثانيًا:{إِنَّهُمْ} ثالثًا: {هُمُ الْمُفْسِدُونَ} تعريف الجزأين، ثم الفصل، والجملة الاسمية. ثم عَقَّبَ ذلك بما يدل على التقريع والتوبيخ وهو قوله:{وَلَكِن لَاّ يَشْعُرُونَ} [البقرة: 12]. إذًا قوله: (وَمَا بَدَا مِنْهُ) يعني والذي ظهر منه (فَمَعْلُومٌ) وهو واضحٌ بين يعني ما يُستعمل للمعلوم وما يُستعمل للمجهول (وَقَدْ يُنَزَّلُ ** مَنْزِلَةَ المَجْهُولِ) ويستعمل المعلوم مرادًا به المجهول (أَوْ ذَا) أي المجهول (يُبْدَلُ) ينزل منزلة المعلوم، والله أعلم.
وصلَّى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.