الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
فتح الله على الشيخ (عبد الرحمن المحمد الدوسري) فكتب خاتمة على كتاب (كشف الشبهات). وأبدى فيها مدى ما وصل إليه أعداء الإسلام من الدّسّ عليه بشتى الوسائل حيث عجزوا عن إخضاعه بالقوة.
وذكر أن الحالة التي تسير عليها أكثر الأمم الإسلامية في ميدان التربية الحديثة تعتبر ردة جديدة، ووثنية جديدة، إلا من رحم الله، وأبان أن ما عليه بعض أهل هذا الزمان نوع من الشرك في المخلوقين الأحياء الطالحين.
أما شرك الأولين فهو في الغالب في الأموات الصالحين.
ومساهمة منا في كشف الباطل وبيان الحق. ومعذرة -نقول
حيث ارتكب بعض أهل الزمان نكراً عظيماً بما ادعوا لأنفسهم من أن لهم الحق في التشريع والطاعة فيما شرعوا من القوانين المخالفة لكتاب الله وشرعه الذي شرعه على لسان رسوله. وموهوا على الناس بأنها باسم الشعب، ولمصلحته.
حتى فرضوا هذه الزبالة على الأمة لزوما واحتاطوا في التطبيق من الاحتياطات أعظم مما نزل الله على رسوله بكثير مما يضحك ويبكي:
فهم بهذا قد طغوا من عدة نواح.
الأولى: الحكم بغير ما أنزل الله.
الثانية: دعوتهم الناس لعبادتهم.
الثالثة: رضاهم بهذه العبادة.
عجب لا ينقضي: فهذا مضاهاة لله ولرسوله؛ بل رأى هؤلاء أنهم أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه يتلقى الشرع من السماء، وهؤلاء جمعوا الأمرين فمثلوا الربوبية والنبوة معا.
أما النبي صلى الله عليه وسلم فهو رسول يمثل الرسالة، وقيل له فيما نزل عليه {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} ، وقيل له {وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} ، وقيل له {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا} . (أي لا تتجاوزوا الحد الذي أمرتم به، وهذا الطغيان متحقق في كثير من الكبراء والرؤساء ومن يمثلهم وينفذ رغباتهم مختارا في هذه الأمور.
وفي هذا المعنى يقول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب (والطواغيت كثيرون. ورؤوسهم خمسة. فذكر منهم من حكم بغير ما أنزل الله، ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه، ومن عُبِد وهو راض.
والصفة الرابعة: هي تمثيلهم لإبليس في الإغواء والتضليل.
والصفة الخامسة: لازمة لمذهبهم وهو أنهم ادعوا بما شرعوه أن لهم البصيرة النافذة والمعرفة بصلاح العباد والعدل بينهم، فهم بهذا ادعوا علم الغيب لزوما؛ فيكون مشرعوا القوانين والحاكمون بها المخالفة لشرع الله قد اتصفوا بخمس صفات من الطغيان، وأبرزها تمثيلهم لإبليس والعياذ بالله.
أما شرك الأتباع لهؤلاء فهو طاعتهم فيما يأمرون به مما خالف شرع الله، وهو شرك منصوص عليه في قوله تعالى {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} الآية:
ولما قال عدي ابن حاتم لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنا لسنا نعبدهم قال: «أليس يحلون ما حرم الله فتحلونه، ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه» قال: بلى قال: «فتلك عبادتهم» فجعل طاعتهم عبادة لهم.
وترجم الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتابه التوحيد. بقوله: (باب من أطاع العلماء أو الأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله، فقد اتخذهم أربابا من دون الله).
هذه الطاعة التي وضعها السيد، ورضخ لها المسود تظهر نتيجتها يوم القيامة: كما قال لله تعالى.
{يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} . بل تظهر سوء نتائجها في الحياة الدنيا. كما هو الواقع من حال عباد الأشخاص.
وهذه الآية تنطبق على من تنكب شرع الله وحكم الناس بغيره.
وتنطبق بوضوح على من رضي وتابع ونفذ مختارا.
أما من نفذ بعض الشرع، ورفض بعضه، فهذا قد حكم الله عليه بالكفر، وتوعده بعموم الخزي في الدنيا بقوله {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ} .
والمرض الذي جثم على قلوب هؤلاء هو عدم تطبيق كتاب الله على تصرفاتهم.
لذا حل بهم ما حل من الذل والهوان، وانعكاس التصور حتى عبد بعضهم بعضا عبادة الطاعة، وحتى تدهورت فيهم الأخلاق.
ويا ليت من قدسوا أوامره يمثل الصلاح ومحسوبا من عباد الرحمن فيكون تقليدهم كتقليد المخرقين الذين وصل بهم التدجيل من أئمة الضلال إلى عبادة الصالحين، بدافع المحبة، وقربهم من الله.
لكن من يعبده هؤلاء يمثل الشيطان ومحسوبا من جنده في الإغواء والتكبر على الله، وادعاء الربوبية في الأمر والنهي، والله يقول عن نفسه {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} ، وهؤلاء يقولون يلازم عملهم (لله الخلق ولنا الأمر)، ويا ليت الأمر وقف على هذه الفاجعة التي لا مثيل لها. لكن هؤلاء تجردوا من العقل كما تجردوا من الشرع فعبدوا حتى الوطن، كما ذكر ذلك الشيخ في رسالته التي نقدم لها.
بهذا الذي بينت لك أخي المسلم من عبادة الصالحين والطالحين والخروج على شرع رب العالمين.
سلط الله هذه الأمة بعضها على بعض بالسب والشتم، والاعتداء على الديار، وفساد الحال، حتى أصبحوا ضحكة وألعوبة للمستعمرين، بل صاروا دمية يحركونها كما شاءوا، فتفرقوا بعد الاجتماع، وقلوا بعد الكثرة والبركة، وفشلوا وذهبت معنويتهم بعد القوة، وسقطوا من أعين الأمم حتى صاروا لا يقام لهم وزن ولا حساب وهذا نموذج من خزي الدنيا، مصداقا لقول الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ} .
ومصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعناه «يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على القصعة» قالوا: يا رسول الله أمن قلة؟ قال: «لا إنكم لكثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل» .
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد غزينا في عقر دارنا فذللنا واستبيحت بلادنا فأخلدنا واستكنا، لأننا غثاء.
نعم غثاء كغثاء السيل، بماذا؟ إنه والله بالخنوع للباطل، وإيثار الدنيا حتى لقد وصلت الحال ببعض البلاد الإسلامية أنه يرسم للخطيب والواعظ ما يقوله حسب إرادة هؤلاء الطغاة، والويل له أن تعداه إلى القول بما أنزل الله فله السجن والإذلال.
وما على أتباع هؤلاء الطغاة إلا التسليم والطاعة والتنفيذ.
فبذلك يصدق عليهم أنهم غثاء كغثاء السيل؛ لأن الغثاء المعروف لا يكون منه أي مقاومة، أو دفاع ولا وزن له ولا قيمة.
ويصدق على هؤلاء الطغاة قول الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَامُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} .
نعم تصدق عليهم بقتلهم لمن يأمر بالشرع أو بتعرضهم له بأي أذى.
أخي المسلم: إن هؤلاء الطغاة لا يشك في كفرهم بالله بما ارتكبوه من محادة لله بما تمليه عليهم شياطين الجن والإنس لأنهم يمثلونهم، بل هم أبلغ من شياطين الجن؛ لأن تضليل شياطين الجن بالوسوسة والإغواء. وهؤلاء تضليهم بهذه الوسائل، والقوة فوق ذلك وبالله الحق، لقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه.
وأن هؤلاء الطغاة لا يشك في أنهم أداة كفر بما احتسوه من الباطل الذي اندفعوا به، وبعضهم مسخرين بالمادة لتضليل المسلمين والقضاء على شريعة سيد المرسلين.
كما لا يشك في كفر من يتلقى الأوامر منهم طوعا أو يساعدهم أو يدعوا إلى باطلهم بأي شكل من الأشكال.
كما لا يشك أن من كان مغلوبا من المسلمين على أمره سيجعل الله له فرجا ومخرجا في الدنيا والآخرة.
أخي المسلم: إن العجب هو هذا التطبيل والتزمير من هؤلاء الطغاة، وتضليل الناس بالأقوال الزائفة والأفعال القبيحة مما يستحقون عليها المقت من الله ومن عباده.
فإذا لم يكن من عباد الله مقت ولا مناوءة لهؤلاء، فليصدق عليهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم «أنهم غثاء كغثاء السيل» وليرضوا بالذل والهوان لأن نصر الله لمن ينصر دينه. {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} .
وقبل أن أختم هذه المقدمة: أبشر هؤلاء الطغاة وأتباعهم بسوء الخاتمة، واللعنات المتوالية في الدنيا والآخرة، والخزي والهوان وانعكاس قصدهم، وضياع مجهوداتهم المادية والمعنوية في العاجل والآجل، إن لم يتداركهم الله بالهداية، والدليل على هذه البشارة أخبار الله عنهم أنهم {يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} .
فما علينا نحن المسلمون إلا الاتصال بمن عرف بالخير من قادة المسلمين، وكشف حال هؤلاء لهم وتبيين وجه الحق والشرع لهم، والاستعانة بهم لنصرة الحق ودعوة هؤلاء الطغاة لعلهم يرجعون عما ارتكبوه وزين لهم أخدان الباطل والدساسين على الإسلام، فإذا لم يفد النصح وصمم أهل الباطل على باطلهم.
فما على أهل الحق إلا التصميم على حقهم والقضاء على الباطل وجنده بجند الله.
فالله يقول: {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} .
فلنكشف برفع المخاوف من أولياء الشياطين، ولنحقق ما أمرنا الله به من الإيمان فالله يقول {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} .
وعلنيا -أخي المسلم- أن لا ننسى واقع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته من بعده والتابعين لهم بإحسان حتى وصل الدور إلى الشيخ (محمد بن عبد الوهاب) و (محمد بن سعود) وأبنائهم وأحفادهم ومن سار على نهجهم في كافة البلاد الإسلامية، وما عملوه من أمجاد وما طبقوه من شرع الله في الدقيق والجليل، فأكمل الله لهم ما أراده من شرف الحياة وسجلوا البطولة والشموخ إلى المعالي، وصار جانبهم مرهوبا، وعدوّهم من الخوف مرعوبا.
فهل لنا فيهم أسوة لتعود لنا العزة التي فقدناها، وما ذلك إلا بالصدق مع الله في كل تصرفاتنا، وإلا نفعل تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.
إني أرجوا الله أن يصرف قلوبنا إلى طاعته ونصرة دينه وما يرضيه عنا، وأن يأخذ بنواصينا إلى الحق، إنه الهادي إلى سواء السبيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين.