الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: مقدمة سنن ابن ماجه (1)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
ففي هذا الدرس الثالث من دروس هذه الدورة التي نرجو أن يكون العمل فيها خالصاً لوجه الله تعالى، نافعاً للمتكلم والسامع على حد سواء.
هذا الدرس في سنن ابن ماجه، محمد بن يزيد القزويني، وماجه لقب لوالده، أو لوالد أبيه، إما أن يقال: محمد بن يزيد أبو عبد الله بن ماجه ليكون لقباً للوالد، أو يقال: محمد بن يزيد بن ماجه.
وعلى كل حال ماجه هذه لفظ أعجمي، ملازم للهاء في الوقف والدرج، وليست تاء كما ينطقها أو يكتبها بعضهم، وإن قيل بذلك، لكن الأكثر على أنه بالهاء مثل: منده، ومثل: داسه، ابن منده معروف، وابن داسه أحد رواة سنن أبي داود أيضاً مشهور.
هذه السنن .. ، أولاً: أصحاب السنن الثلاثة أبو داود والترمذي وابن ماجه عاشوا في عصر واحد، وفاياتهم متقاربة، ابن ماجه توفي سنة ثلاث وسبعين ومائتين (273) وأبو داود توفي سنة خمس وسبعين ومائتين (275) والترمذي توفي سنة تسع وسبعين ومائتين (279) فهم متقاربون، قبلهم الإمام مسلم صاحب الصحيح، توفي سنة ست وخمسين ومائتين (261) وقبله الإمام البخاري توفي سنة ست وخمسين ومائتين (256) وقبلهم الإمام أحمد توفي سنة إحدى وأربعين ومائتين (241) وقبله جمع من أهل العلم من الحفاظ، من الأئمة، من سادات هذه الأمة وعلمائها، الشافعي سنة أربع ومائتين (204) ومالك سنة تسع وسبعين ومائة (179) وأبو حنيفة سنة خمسين ومائة (150) وإن كان بعضهم لا يذكره في هذا الباب مع الأئمة؛ لأنه ليس من أهل الحديث، وفي روايته أيضاً كلام عند أهل العلم، وليس هذا مقصوداً لنا في هذا الدرس.
المقصود أن ابن ماجه على ما ذكرنا .. ، وآخر أهل الكتب الستة وفاةً هو النسائي سنة ثلاث وثلاثمائة (303).
سنن ابن ماجه التي الحديث بصددها، بل في مقدمتها، والنية -إن شاء الله تعالى- إكمال الكتاب، سنن ابن ماجه هو سادس الكتب، الكتب الستة سادسها ابن ماجه، الأول: البخاري، والثاني: مسلم، والثالث: أبو داود، والرابع: الترمذي، والخامس: النسائي، والسادس: على هذا القول ابن ماجه، وأول من أدخله في الستة أبو الفضل بن طاهر في شروط الأئمة، وفي الأطراف، والخلاف معروف في السادس.
ولا شك أن إدخال سنن ابن ماجه وجعله سادساً له وجه وجيه لكثرة زوائده على الكتب الخمسة، وكثرة فوائده فهو نافع جداً للمتفقه، وتراجمه كثيرة جداً، وهي أحكام فقهية، وأبدع في كثير منها، بل في أكثرها إبداع، نعم لا يصل إلى ما وصل إليه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-، لكنه مبدع في هذا الباب، يعني من المبدعين في هذه التراجم، وفي الاستنباط من الأحاديث.
أدرجه أبو الفضل بن طاهر في الستة، فجعله السادس، يعني أضافه إلى الخمسة، وأما الخمسة فلا خلاف فيها أنها دواوين الإسلام المتفق عليها، لا المتفق على ما فيها كما قال بعضهم، ولا أن جميع ما فيها صحيح، نعم ما في الصحيحين لا إشكال فيه، ولا تردد في الحكم عليه بالصحة، لكن السنن فيها غير الصحيح، فيها الحسن، وفيها الضعيف، وأشدها ضعفاً لا سيما مما تفرد به سنن ابن ماجه، ولذا تردد بعض العلماء في إدخاله في الستة، فجعل بدله الموطأ لإمامة مؤلفه، ورجحان صحته على الضعف، وعلو أسانيده، وممن جعله السادس -أعني الموطأ- رزين العبدري في تجريد الأصول، وابن الأثير في جامع الأصول، ومنهم من جعل السادس الدارمي؛ لعلو أسانيده، فهو شيخ لأصحاب الكتب، أسانيده عالية، بل هي أنظف من أسانيد ابن ماجه، وفيه زوائد، لكن فيه آثار كثيرة، آثاره أكثر مما في سنن ابن ماجه، وعلى كل حال من أراد التفقه فسنن ابن ماجه أنفع له؛ لأن أحاديثه أكثر، وزوائده على الكتب الستة أكثر.
هذا الكتاب اعتنى به أهل العلم قديماً وحديثاً، وشرح بشروح كثيرة، منها المتقدمة، ومنها المتأخرة، وروي بروايات متعددة إلا أنه لم يكتب البقاء إلا لرواية ابن القطان، رواية ابن القطان، وهو غير أبي الحسن بن القطان الفاسي المتأخر، وغير يحيى بن سعيد القطان، وهذا له زوائد على السنن، يرويها من غير طريق ابن ماجه، قد يقول قائل: كيف نعرف هذه الزوائد؟ إذا روى الحديث عن غير ابن ماجه عرفنا أنه من الزوائد، عرفنا أنه من الزوائد على الأصل كما هو الشأن في المسند، فيه زوائد لعبد الله بن الإمام أحمد، وفيه زوائد لأبي بكر القطيعي، كيف نعرف هذه الزوائد؟ إذا رويت من غير طريق المؤلف، فعلى هذا لا بد من ذكر الراوي، وذكر شيخ الراوي لنعرف الزوائد من غيرها، فالأصل أن يذكر الراوي كما هي طريقة المتقدمين في تصانيفهم، ولا يحذف كم يفعله بعض من يتصرف في الكتب لنعرف الأصل من الزائد، ولا يكفي أن نرمز للزائد بالزاي مثلاً، كما فعل الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في المسند، بل يبقى الكتاب كما صنعه مؤلفه، والمتقدمون لهم طريقة في التأليف تختلف عن طريقة المتأخرين، المتأخر يستقل بكتابه، يكتبه بيده، أو يمليه على غيره، لكن الكتب عند المتقدمين إنما تروى عن مؤلفيها، ولذا يذكر الراوي عن المؤلف، قال عبد الله: حدثني أبي، أو حدثنا عبد الله قال: حدثني أبي، حدثنا يحيى بن يحيى قال: أخبرنا مالك، وقل مثل هذا في الكتب كلها، أعني الكتب المتقدمة.
نعم البخاري كتب كتابه بيده، ولذا لا يذكر الراوي عنه في سند الكتاب، ومسلم أيضاً كذلك، لكن الكتب التي فيها زوائد لا بد من بيان هذه الزوائد، ولا يمكن أن تتبين إلا إذا ذكر الراوي، الراوي عن المؤلف الذي زاد هذه الزوائد.
ابن ماجه حظي من أهل العلم بالشرح والدرس والقراءة والإقراء فممن شرحه علاء الدين مغلطاي، وشرحه طُبع أخيراً، وحقق قسم منه في رسائل، وممن شرحه السندي، والسندي له حواشي على الكتب الستة، وشرحه أيضاً بشرح مختصر جداً السيوطي اسمه:(مصباح الزجاجة) ثم اختصر هذا الشرح على اختصاره الشرح في مجلد واحد، ثم اختصر هذا الشرح بمجلد صغير جداً اسمه:(نور مصباح الزجاجة) لمغربي يقال له: البجمعوي، شرح الكتب، أو اختصر شروح السيوطي على الكتب الستة.
والمختصرات مطبوعة منها: (وشي الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج) ومنها: (روح التوشيح على الجامع الصحيح) ومنها: (درجات مرقاة الصعود) ومنها: (نور مصباح الزجاجة) ومنها للسيوطي شرح على النسائي اسمه: (زهر الربى) ومختصره اسمه إيش؟ هو في العادة يضيف كلمة على اسم المؤلف الأصلي، يضيف كلمة مثل:(التوشيح على الجامع الصحيح) سماه (روح التوشيح) الديباج سماه: (وشي الديباج) مرقاة الصعود سماه: (درجات مرقاة الصحيح) وقوت المغتذي على جامع الترمذي سماه: (نفع قوت المغتذي) فالنسائي أظن سماه: (عرف زهر الربى) عرف يعني رائحة (زهر الربى على المجتبى).
هذه المختصرات بل المعتصرات اقتنائها من قبل طالب العلم للتكميل جيد، وقد تسعفه في وقت الضيق، وفي شروح السيوطي لطائف قد لا توجد في المطولات على اختصارها، يعني شرح الكتب الستة كل واحد في مجلد، مجلد واحد، وأحياناً يكون مجلداً صغيراً، ومع ذلك اختصرت هذه الشروح، ولم يبقَ منها إلا معاني مفردات يسيرة لبعض ما يشكل معناه، وطالب العلم يتردد كثيراً حينما يريد اقتناء مثل هذه الكتب، لا سيما إذا كان الكتاب له شروح متعددة، لكن مثل النسائي ومثل ابن ماجه لا مانع أن يشتري مثل هذه الكتب؛ لأن الشروح ليست كثيرة، ما هي مثل شروح البخاري، أو شروح مسلم، أو حتى شروح الترمذي، أو حتى شروح سنن أبي داود؛ لأنها شرحت بشروح مطولة مبسوطة، فماذا تغني هذه المعتصرات بجانب هذه المطولات؟ فطلاب العلم يترددون، لا شك أن الذي يريد التكميل -تكميل المكتبة- بتوفير الشروح كلها يقتني مثل هذه الكتب، أما الذي يريد أن يقتصر على بعض الشروح مما يستغني به عن بعضها الآخر ما يشتري هذه الكتب لأن نفعها قليل، قد يقول قائل: إن الاختصار وكون الشرح في مجلد صغير ينفع وأيسر في المراجعة، وأخف في الحمل، نقول: هذا أيضاً شأنك، لك أن تقدر مصلحتك، ولن تخلو من فائدة -إن شاء الله تعالى-، لكن الكلام في كون هذه الكتب مع كثرتها قد توجد حيرة عند طالب العلم، وقد تحول دون تحصيله للعلم لكثرتها، فالذي يريد مثلاً شرح واحد للبخاري يقال له: لو اقتنيت فتح الباري كفاك، مع أنه في الواقع لا يغني عن غيره، يعني في الكرماني ما ليس فيه، في القسطلاني ما ليس فيه، في العيني ما ليس فيه، لكن هذا شخص يقول: أنا أريد أقرب إلى الكمال في كتاب واحد، نقول: فتح الباري، لكن لا يمكن أن يستغني به عن عمدة القاري، أو عن إرشاد الساري، أو الكرماني أو غيرها من الشروح، كلها فيها فوائد ونفائس لا سيما شروح البخاري.
من يريد أن يقتصر على كتاب واحد في شروح مسلم معروف السلسلة التي تركب بعضها على بعض كلها نافعة، بدءاً من (المعلم) للمازري، ثم تكميله للقاضي عياض (إكمال المعلم) ثم (إكمال الإكمال) للأبي، ثم (مكمل إكمال الإكمال) للسنوسي، وأيضاً شرح النووي لا يمكن أن يستغني عنه طالب علم، وكذلك شرح القرطبي على مختصره المسمى بـ (المفهم) كل هذه شروح نافعة، لا تستطيع أن تقتصر ببعضها دون بعض، الاقتصار على بعضها دون بعض يفوت على طالب العلم فائدة كبيرة، وإذا اجتمعت هذه الشروح المعلم وإكماله وإكمال إكماله ومكمل الإكمال والنووي والقرطبي، كل هذه الكتب لا تعادل فتح الباري في حجمها، يعني لو طبعت مثل طبع فتح الباري ما جاءت مثله، يعني فتح الباري مكنوز مضغوط، بينما هذه الكتب مفرودة، منفوشة، فلو طبعت الكتب هذه كلها .. ، ومسلم لا يزال فيه إعواز وحاجة ماسة إلى الشرح، ففي كثير من ألفاظه وسياقاته في الأسانيد والمتون ما فيه خفاء على المتعلمين، لا يحل كثير منها هذه الشروح، هو بحاجة إلى شرح مبسوط يجمع بين هذه الشروح، ويحل جميع الإشكالات، وللحافظ ابن حجر نكت على شرح النووي، لكن قد يقول طالب العلم: أنا لا أستطيع أن أشتت نفسي في هذه الشروح، بل أريد أن أقتصر على واحد، نقول: شرح النووي على اختصاره، فهو شرح مبارك، وفيه قواعد وضوابط يُعرف بها ما لم يذكر في الكتاب، يعني يستدل بها على ما لم يذكر، فالكتاب جيد، يُستفاد منه، لكنه قد يبقى إشكالات كثيرة لا تنحل مع وجوده، بل تنحل مع بقية الشروح، ويبقى أيضاً قدر زائد على ذلك مما لم يحل في الشروح.
وأبو داود أيضاً له شروح كثيرة للمتقدمين والمتأخرين من أولها وأنفسها شرح أبو سليمان الخطابي المسمى (معالم السنن) وتهذيب السنن للإمام ابن القيم، وعنايته بعلل سنن أبي داود لا نظير لها، يعني أبان عن قدم راسخة في تعليل الأحاديث، وإمامة في هذا الباب، يعني لا يستغني عنه طالب علم، وهناك أيضاً الشروح الأخرى مثل شرح ابن رسلان، وشرح شمس الحق العظيم آبادي (عون المعبود) وشرح السهرنفوري المسمى (بذل المجهود) وشروح كثيرة.
وكتاب أبي داود يفيد طالب العلم الذي يريد التفقه في الدين؛ لأنه متخصص في هذا الباب، وهذه ميزة كتب السنن، يعني جل عنايتها منصبة لأحاديث الأحكام، بخلاف الجوامع البخاري ومسلم والترمذي هذه جوامع فيها جميع أبواب الدين.
كذلك سنن الترمذي الجامع شرح بشروح كثيرة جداً من أنفعها وأنفسها شرح ابن سيد الناس مع تكملته للحافظ العراقي، وشرح ابن العربي شرح عنايته بالفقه، واللطائف المتنية، وإن كان له إشارات إلى الأسانيد لكنها قليلة، وأيضاً طبعته المتداولة سيئة جداً، تعوق دون الاستفادة منه، وتحفة الأحوذي للمباركفوري شرح نفيس على اختصاره، شرح طيب جداً على اختصاره، والنسائي أيضاً له شروح، والمفاضلة بين هذه الشروح أعني شروح الكتب الستة لها أشرطة تداولها الطلاب منذ سنين من سبع أو ثمان سنين، ويذكرون أنهم استفادوا منها، فمن أراد الموازنة بين هذه الشروح فليرجع إلى هذه الأشرطة، على أنها ليست كافية ولا وافية، لكنها فيها شيء مما يفيد الطالب -إن شاء الله تعالى-.
نأتي إلى سنن ابن ماجه:
ابن ماجه -رحمه الله تعالى- كتابه سنن، يعني يُعنى بأحاديث الأحكام، لكنه قدم للكتاب بمقدمة شاملة وافية في بيان السنة، وأهمية السنة، والرد على المبتدعة، ولأهميتها وغزارة ما فيها اخترناها في هذه الدورة على أن النية معقودة -إن شاء الله تعالى- على تكميل الكتاب، وشرح الأحاديث في هذه الدورة، والمقدمة: تشتمل على ستة وستين ومائتي حديث، تحتاج إلى أوقات طويلة لاستكمالها واستيعابها، ولعلنا نجمع بين الأطراف أطراف الأحاديث، ومتطلباتها فيتكلم عليها بكلام يحل إشكالها، ويبين ما فيها من فوائد على جهة الاختصار الشديد؛ لأن هذه الأحاديث كثيرة، ولعلنا إن أتينا على نصفها نكون قد أنجزنا إنجازاً كبيراً، لم يسبق له نظير، لكن لا يخفى عليكم أن أي شيء لا بد أن يكون على حساب غيره، فإن أردنا أن نكمل الجميع مائتين وستة وستين حديث لا شك أن هذا يكون على وجه غير مرضي ولا مفيد ولا مقنع، وإن أخذنا النصف بمعدل إحدى عشر حديث في اليوم كان أيضاً على جهة الاختصار، لكنه أسهل مما لو أخذنا أكثر من عشرين حديث في اليوم، ولو أخذنا في كل يوم حديث أو حديثين أو ثلاثة، وبسطنا القول فيها لكن هذا دونه خرط القتاد في مثل الدورات، يعني يصعب تحقيق مثل هذا في الدورات؛ لأن المقدمة تحتاج إلى عشر دورات، تحتاج على هذه الطريقة إلى عشر دورات، وهذا لا شك أن هذا يبعثر الجهود، ويفرق الطلاب؛ لأننا نعرف الطلاب كثير منهم لا يحتمل التفصيلات، وبعض الدروس التي فيها شيء من التفصيل تفرق عنها، بعض الطلاب لا سيما المبتدئين، أما من أخذ من العلم بحظ وأراد الإفادة بغض النظر عن النهاية هذا يثبت، ويرى أن الفائدة في البسط والاستطراد.
بقي الكلام عن طبعات الكتاب:
طبعات الكتاب، الكتاب طبع قديماً بمصر، ومعه حاشية السندي في مجلدين، ثم طبع بعد ذلك في مصر بالحاشية نفسها، وهاتان الطبعتان فيهما أخطاء لاعتمادهم على .. ، الثانية اعتمدت على الأولى، يعني ما كلفوا أنفسهم، والأولى اعتمدوا على نسخة ليست بسليمة، فيها أخطاء، وفيها تحريف، وتقديم وتأخير، وتصحيف، فالطبعة الأولى فيها أخطاء، والثانية أسوأ منها؛ لأنهم اعتمدوا على الطبعة الأولى، وزادوا ما عندهم من أخطاء، علماً بأن مطبوعات الذين طبعوه في الطبعة الثانية مطبعة يقال لها مطبعة: التازي والصاوي، يتعاقبون على طبع الكتب، وطبعوا ابن ماجه، وطبعوا أيضاً سنن أبي داود، وطبعوا عارضة الأحوذي، وعارضة الأحوذي وجامع الترمذي الذي مع العارضة ممسوخ مسخ لا يكاد يستفاد منه، وهو في بعض الأحاديث في شرح بعض الأحاديث كأنه كلام أعجمي لا يفهم؛ لأن الطبعة سيئة جداً، وتصرفوا في الأصل في المتن في جامع الترمذي، فاستعاروا نسخة الشيخ أحمد شاكر، وعلى حواشيها تخريجات له للأحاديث، وأدخلوها في كلام الترمذي، وأما الأخطاء في العارضة فحدث ولا حرج، يعني لا يكاد أن يستفيد منها إلا شخص يشم الكلام شماً، يعني إذا عرف كلمة كمل الباقي، وأما الذي لا يستطيع أن يكون بهذه المثابة لا يستفيد من الكتاب، وفيها أسقاط، وفيها تقديم وتأخير وتحريف وتصحيف، وفيها أمثلة لكل ما ذكره أهل العلم في كتب المصطلح من التحريف والتصحيف، والإساءة في الكتابة وغيرها، فليس فيها شيء من الآداب التي ذكرها أهل العلم للكتاب، فتجده يفصل بين المتضايفين بكلمة مقحمة، هذا في العارضة، مع أن العارضة فيها لطائف ونفائس لا توجد في غيرها، وفيها مواقف للمؤلف في غاية النفاسة، وفيها أيضاً على قاعدة المؤلف في تأويل الصفات هذا مما يؤخذ عليه، هذا مما يؤخذ على المؤلف أنه مؤول في باب الصفات، وعلى كل حال الكتاب نفيس ومفيد، ولعل الله -جل وعلا- أن ييسر له من يطبعه بطبعة صحيحة ليستفاد منه.
طبعوا أيضاً سنن أبي داود وفيها أيضاً أسقاط كثيرة، قد تصل إلى سطر أو سطرين، أحياناً حديث كامل، أحياناً راوٍ كامل، أحياناً ينسب الراوي إلى والد الراوي الذي يليه، فيحذف والده واسم الذي يليه، فيحصل بذلك الحيلولة دون الوقوف على الحقيقة، وعندنا نسخة من هذه الطبعة صححت، وقوبلت على نسخ خطية بقلم الشيخ عبد الظاهر أبي السمح إمام الحرم رحمه الله، وأما طبعتهم لسنن ابن ماجه فعلى عادتهم فيها أخطاء في المتن، وأخطاء في الحاشية حاشية السندي.
ثم جاء الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي واعتمد على الطبعة الأولى المصرية على ما فيها من الأخطاء، لكنه نكب جانباً عن الطبعة الثانية لعلمه أنهم يزيدون الأخطاء لا ينقصونها، ونسخة الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي من الطبعة الأولى المرقمة التي اعتمد عليها وعول عليها عندنا موجودة، أرقامه بيده، وطبعة الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي من الناحية الطباعية جميلة جداً، يعني فن الطباعة متوافر فيها، والذوق الطباعي موجود، فطبعة جميلة، وعلامات الترقيم متقنة ومضبوطة، وتنضيد الحروف وبدايات الأسطر أيضاً والترقيم رائع، لكنها فيها أخطاء؛ لأنه لم يضم إلى الطبعة الأولى نسخة خطية يُعتمد عليها، فيها أخطاء.
وأما طبعة الشيخ محمد مصطفى الأعظمي الدكتور، ففيها أيضاً من الأخطاء ما فيها ما في طبعة محمد فؤاد عبد الباقي؛ لأنه اعتمد على نسخة صحيح أنه عليها خطوط لبعض العلماء لكنها ليست أصح النسخ الموجودة، وآخر طبعات الكتاب طبعة الدكتور بشار عواد معروف، وحرص على جمع النسخ، واعتمد اعتماداً كلياً على تحفة الأشراف، وحسبك بالإمام المزي في ضبطه للأحاديث، واهتمامه بجمع النسخ، والمقابلة بينها، فأجاد الدكتور في اعتماده على تحفة الأشراف، فطبعته طيبة وجميلة وتخريجه جيد، لكنه قد يختلف في أحكامه على الأحاديث مع المتقدمين أو المتأخرين، وهذه مسألة اجتهادية، وكل يؤخذ من قوله ويرد، لكن إخراجه للكتاب طيب.
هناك كتب أو طبعات للكتب مضغوطة، يعني البخاري في مجلد، مسلم في مجلد، أبو داود في مجلد، النسائي
…
إلى آخره، كل كتاب في مجلد، وهذه الفائدة من ذلك خفة الحمل، يعني حملها في الأسفار ممكن أن تجمع مكتبة في كرتون، كل ما تحتاج إليه، الكتب الستة في مجلد، وتفسير ابن كثير في مجلد، المغني في مجلدين، البداية والنهاية في مجلدين، بعض التفاسير الكبار مضغوطة في مجلد، زاد المسير في مجلد، فتح الباري في ثلاث مجلدات، النووي على مسلم في مجلد، المسند على سعته وطوله في مجلد، هذه في الأسفار يمكن طالب العلم يجعل له في كرتون ما يحتاج إليه من هذه الكتب، أما في السعة فلا، فهذه الطبعات ليست عملية، بل التعامل معها مقلق؛ لصغر الحروف، ورقة الورق، والتعامل معها فيه صعوبة وكلفة، فيقتني النسخ المتينة المجودة المتقنة في حال السعة، في دار إقامته، وأما في الأسفار فلا مانع أن يصطحب هذه الطبعات المضغوطة، وبعض الناس يقول: نكتفي بقرص يجمع لنا جميع الفنون، وفي حقيبة صغيرة المحمول معنا في كل مكان، ونصل إلى ما نريد، لا شك أن هذا ينفع في مثل الأسفار، لكنه لا يعول عليه، والكتب لا بديل لها ولا عوض عنها.
طالب:. . . . . . . . .
إيه هذه مأخوذة من الطبعة التي أشرف عليها الشيخ صالح -صالح آل الشيخ- في مجلد واحد، الكتب الستة في مجلد واحد، وكأنه يقتفي أثر الشيخ أحمد شاكر حينما وقف على نسخة من الكتب الستة في مجلد واحد في اليمن مخطوطة في مجلد واحد، هذا لا يستغرب؛ لأن جامع الأصول موجود مجلد واحد، تهذيب اللغة للأزهري موجود في مجلد واحد مخطوط، تهذيب الكمال في مجلد واحد، وفُرق في ثلاثة مجلدات، يعني على كبره خمسة وثلاثين مجلد كان مجلد واحد مضغوط، لكن الضغط هذا مشكل.
ثم بعد ذلك طبعت طبعة ثانية التي أشرف عليها الشيخ صالح، فردت قليلاً، فُجعل كل كتاب في مجلد واحد، بدلاً من أن تكون الستة في مجلد واحد، وأما صحتها من عدمه فالمؤمل يعني وغلبة الظن تدل على أنها -إن شاء الله- تبعاً لمن أشرف عليها وهو الشيخ صالح، الشيخ صالح من أهل الدقة والتحري والعناية، لكن أيضاً أعماله وأشغاله والتكاليف التي أنيطت به لا تجعله يشرف على كل شيء بدقة، إنما يكون له الإشراف العام والتوجيه والمراجعة والاختبار، قد يختبر هذه الأعمال، وإن لم يتولاها بنفسه، وعلى كل حال هو من أهل التجويد والتحري والدقة، فالغالب أن الطبعات التي يشرف عليها جيدة، وأنا ما عانيتها ولا قرأت فيها.
طالب:. . . . . . . . .
هذه هي؟
طالب:. . . . . . . . .
اللي مع الإخوان الطبعة التي وزعت، وزعتها وزارة الشئون الإسلامية، إذاً النسخة التي وزعتها وزارة الشئون الإسلامية، وزارة الشئون الإسلامية وزعت على بعض الناس ستة كراتين أو سبعة فيها جل ما يحتاجه طالب العلم من التفاسير وكتب الحديث والفقه وغيرها، فأجادوا وأحسنوا في هذا، ولعل طبعة وزارة الشئون الإسلامية مصورة عن اللي معك، طبعة الحرس الوطني، وهي في الجملة مأخوذة من النشرة الأولى لكتب السنة في مجلد واحد.
طالب:. . . . . . . . .
والله أنا لا أعتمد على طبعات المتأخرين إلا إذا كان معروف بالتميز في فنه، وإلا الكتب الآن الكتاب يطبع في السنة الواحدة مراراً، وكل يدعي التحقيق، وفحص هذه الأعمال يحتاج إلى أوقات، وهذا الشخص الذي تشير إليه هذا طبع أيضاً مسلم وشرح النووي والنسائي وطبع كتب كثيرة.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللسامعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً يا رب العالمين.
قال الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني المعروف بابن ماجه -رحمه الله تعالى-:
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه ومحبيه.
كتاب: السنة
باب: إتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم-
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا شريك عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أمرتكم به فخذوه، وما نهيتكم عنه فانتهوا)).
حدثنا أبو عبد الله قال: حدثنا محمد بن الصباح قال: أنبأنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فخذوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا)).
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو معاوية ووكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله)).
حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال: حدثنا بن عدي عن ابن المبارك عن محمد بن سوقة عن أبي جعفر قال: كان ابن عمر إذا سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً لم يعده ولم يقصر دونه.
حدثنا هشام بن عمار الدمشقي قال: حدثنا محمد بن عيسى بن سميع قال: حدثنا إبراهيم بن سليمان الأفطس عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نذكر الفقر ونتخوفه، فقال:((آلفقر تخافون؟ والذي نفسي بيده لتصبن عليكم الدنيا صباً، حتى لا يزيغ قلب أحدكم إزاغة إلا هيه، وايم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء)) قال أبو الدرداء: "صدق والله رسول الله صلى الله عليه وسلم تركنا والله على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء".
حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة)).
حدثنا أبو عبد الله قال: حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا يحيى بن حمزة قال: حدثنا أبو علقمة نصر بن علقمة عن عمير بن الأسود وكثير بن مرة الحضرمي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تزال طائفة من أمتي قوامة على أمر الله لا يضرها من خالفها)).
حدثنا أبو عبد الله قال: حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا الجراح بن مليح قال: حدثنا بكر بن زرعة قال: سمعت أبا عنبة الخولاني، وكان قد صلى القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته)).
حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب قال: حدثنا القاسم بن نافع قال: حدثنا الحجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: قام معاوية خطيباً فقال: أين علماؤكم؟ أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تقوم الساعة إلا وطائفة من أمتي ظاهرون على الناس، لا يبالون من خذلهم ولا من نصرهم)).
حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا محمد بن شعيب قال: حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزال طائفة من أمتي على الحق منصورين، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله عز وجل)).
حدثنا أبو سعيد عبد الله بن سعيد قال: حدثنا أبو خالد الأحمر قال: سمعت مجالداً يذكر عن الشعبي عن جابر بن عبد الله قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فخط خطاً وخط خطين عن يمينه وخط خطين عن يساره، ثم وضع يده في الخط الأوسط، فقال:((هذا سبيل الله)) ثم تلا هذه الآية: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} [(153) سورة الأنعام].
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
بسم الله الرحمن الرحيم