الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابتدأ كتابه بالبسملة اقتداءً بالقرآن، وعملاً بسنة سيد الأنام، حيث كان يكتبها في مكاتباته، وإن كان لا يقولها في خطبه، والكتب كما قرر أهل العلم بمنزلة الرسائل، تكتب فيها البسملة، لكن إن كانت لها مقدمات من كلام المؤلفين يشرحون فيها طرائقهم ومناهجهم فإنها حينئذٍ تأخذ حكم الخطبة، كما فعل الإمام مسلم، وهنا لم يفتتح الكتاب بخطبة كما صنع الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- لأنه جرد الكتاب من كلامه، وإنما اقتصر فيه على كلام النبي عليه الصلاة والسلام.
بعد البسملة المقدمة، والمقدمة ليست من صنيعه، من صنيع المؤلف، لكنها ليست من كلامه، وإنما هي من كلام النبي عليه الصلاة والسلام، يعني ما افتتح الكتاب بخطبة يبين فيها منهجه وشرطه، كما فعل الإمام مسلم، إنما اقتصر على الأحاديث، وترجم وعنون لهذه الأحاديث بما يستنبطه منها على طريقة الإمام البخاري، والإمام مسلم لم يذكر تراجم، جرد الكتاب حتى من التراجم، وإنما اقتصر على الأحاديث.
قال رحمه الله:
باب: إتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
-
بعض النسخ فيها كتاب السنة، وبعضها المقدمة، ولا شك أن الأحاديث اللاحقة كلها عن السنة، وأهمية السنة، والاقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام، وطاعة النبي عليه الصلاة والسلام، والتحذير من مخالفته، والتحذير من البدع والمحدثات، فهي في السنة، ولذا قال:
باب: إتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم-
ولما كان الكتاب كله معقوداً لبيان سنة النبي عليه الصلاة والسلام ابتدأ باتباعه، بإتباع سنة الرسول عليه الصلاة والسلام لأنها حجة، فلا بد من إتباعه والاقتداء به {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ} [(21) سورة الأحزاب] وفي الأحاديث اللاحقة ما يدل على أن السنة أصل من أصول التشريع قائم بذاته، وأن السنة لا تحتاج إلى عرض على كتاب الله كما يقول بعضهم، وإنما هي أصل برأسه، وإن كانت في الأصل إنما جاءت لبيان ما في القرآن، وفيها من الأحكام الزائدة على ما في القرآن ما هو معروف في مضانه في أحكام كثيرة جداً، فلو نظرنا إلى أعظم أركان الإسلام بعد الدخول فيه بالشهادتين الصلاة، فما الذي في القرآن من أحكام الصلاة؟ الذي في القرآن عن الصلاة أمور مجملة، فيه الأمر بالصلاة والمحافظة عليها، وبيان بعض الأوقات على سبيل الإجمال لا على سبيل التفصيل، وكل هذا لا يمكن أن يستقل طالب العلم في التفقه منه، وإن كان هو الأصل الأصيل، وما عداه يدور في فلكه، لكن السنة لا يمكن أن يستغنى عنها.
قال:
باب: إتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
السنة في الأصل: الطريقة، والمراد بها ما يضاف إلى النبي عليه الصلاة والسلام من قول أو فعل أو تقرير أو وصف.
قال رحمه الله: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا شريك" شريك بن عبد الله النخعي القاضي، فيه كلام لأهل العلم، والتوسط فيه أنه صدوق، ومع ذلك توبع عليه، فالحديث صحيح.
"حدثنا شريك عن الأعمش" والحديث مخرج في مسلم، يعني إذا كان الحديث في أحد الصحيحين هل نحتاج إلى أن نقول: صحيح؟ لا نحتاج إلى أن نقول: صحيح، فإذا كان الحديث في الصحيحين أو في أحدهما لا يحتاج لبيان درجته، هذا إن لم يكن من المعلقات في البخاري فنحتاج إلى أن نبين درجته.
قال: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا شريك عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أمرتكم به فخذوه، وما نهيتكم عنه فانتهوا)) ".
شريك مخرج له في الصحيح، ومع ذلك يقولون: حديثه حسن، ما خرج له في الصحيح لم يستقل به وإنما توبع عليه، والشيخان ينتقيان من أحاديث المتكلم فيهم ما ووفقوا عليه، وإلا فحديث شريك في الإسراء معروف في الصحيحين، ونص مسلم في صحيحه أنه زاد ونقص، وقدم وأخر، وأوهامه مبينة في زاد المعاد في فتح الباري، لا سيما في حديث الإسراء.
"حدثنا شريك عن الأعمش سليمان بن مهران الأعمش" إمام من أئمة المسلمين موصوف بالتدليس "عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أمرتكم به فخذوه، وما نهيتكم عنه فانتهوا)) ".
وفي الحديث الذي يليه يقول: "حدثنا محمد بن الصباح قال: أنبأنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فخذوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا)) ".
الحديث الأول عن أبي هريرة وعنه أبو صالح، وعنه الأعمش، والذي يليه كذلك الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، والراوي عن الأعمش في الطريق الأول شريك، وفي الطريق الثاني جرير، وهذه متابعة من جرير لشريك، وهو بهذه المتابعة يرتقي إلى درجة الصحيح، وعرفنا أنه مخرج في مسلم، فلا نحتاج إلى مثل هذا، لكن من باب بيان مثل هذه الأمور يستفاد منها في غير الصحيحين.
الحديث الأول مختصر: ((ما أمرتكم به فخذوه، وما نهيتكم عنه فانتهوا عنه)) في الثاني يقول: ((ذروني ما تركتكم)) أتركوني ما تركتكم، فلا تسألوا عن أشياء يعني ما تركها الله -جل وعلا- نسياناً، وإنما تركها وسكت عنها رحمة بهم، ثم بعد ذلك بعض الناس ينبش ويسأل حتى يحرم المباح من أجله، ويكون حينئذٍ من شر الناس.
((ذروني ما تركتكم)) {لَا تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [(101) سورة المائدة]((فإنما أهلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم)) سألوا وألحوا في السؤال، ثم بعد ذلك تركوا العمل فهلكوا، لو أن بني إسرائيل لما أمروا بذبح البقرة عمدوا إلى أدنى بقرة، أو أول بقرة وقفوا عليها فذبحوها برئوا من العهدة، وتكون حينئذٍ بأبخس الأثمان بقيمة معتادة، لكنهم سألوا ما هي؟ ما لونها؟ ما هي؟ إن البقر تشابه علينا، ثم بعد ذلك ضيق عليهم بسبب أسئلتهم، في النهاية {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} [(71) سورة البقرة] لأنه إذا حدد المطلوب قل من بين جنسه، لكن لم يحدد يكثر، أي شيء يكفي، فإذا حدد بأوصاف معينة فإنه حينئذٍ يقل بين جنسه، فترتفع قيمته حتى قالوا: إنهم اشتروها بملء مسكها، يعني بملء جلدها ذهباً، ولو عمدوا إلى أدنى بقرة امتثالاً ومبادرة بالامتثال لكنهم قوم هذه عادتهم وهذا ما جبلوا عليه، قوم لا يمتثلون إلا بكل كلفة ومشقة، وفرق بين امتثالهم بعد هذه الأسئلة {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} [(71) سورة البقرة] وبين من أمر بذبح ابنه فتله للجبين، ما تردد، وهذه بقرة وهذا ابن، ففرق بين امتثال وامتثال.
((ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فخذوا منه ما استطعتم)) وهناك: ((ما أمرتكم به فخذوه)) وهنا مقيد بالاستطاعة، ((وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا)) الأوامر مقيدة بالاستطاعة، والنواهي مجزوم بها، وقد جاء الخبر مقلوباً:((إذا أمرتكم بأمر فخذوه، وإذا نهيتكم عن شيء فاتركوا منه ما استطعتم)) لكن هذا قلب، والصواب أن الاستطاعة مقرونة بالأمر، أما النهي فلا يُحتاج إلى استطاعة، الترك كل أحد يستطيعه، لكن الفعل ما كل أحد يستطيعه، قد يكون في الشخص ما يعوق ويحول دون فعله، ولذا قال:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [(16) سورة التغابن] وجاء في كتاب الله -جل وعلا-: {اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [(102) سورة آل عمران] وجاء أيضاً مقيد بالاستطاعة، فمن أهل العلم من يقول: إن الآية المقيدة ناسخة للآية المطلقة {اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [(102) سورة آل عمران] ومنهم من يقول: إنها مبينة وليست ناسخة، فحق التقوى هو المقدور عليه فتتفق الآيتان.
((إذا أمرتكم بشيء فخذوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا)) يعني تعليق الأمر بالاستطاعة، وإطلاق النهي وعدم تقييده بها يدل على أن المحظور لا ثنيا فيه، بل لا بد من تركه جزماً، والمأمور فيه التقييد بالاستطاعة، فأخذ من هذا جمهور العلماء على أن ارتكاب المحظور أعظم من ترك المأمور؛ لأن الشيء الذي فيه ثنيا، وفيه مرد إلى استطاعة الإنسان أمره أسهل مما جزم به من غير تقييد بالاستطاعة، فالنهي مجزوم به من غير ثنيا، والأمر مقرون بالاستطاعة، فملاحظ فيه التخفيف، ملاحظ فيه التيسير بخلاف النواهي فإنها مجزوم بها، هذا ما يراه الأكثر أخذاً من هذا الحديث، وشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- يرى العكس، يقول: ترك المأمور أعظم من فعل المحظور، ويستند في ذلك إلى أن معصية آدم بفعل محظور، ومعصية إبليس ترك مأمور، ولا شك أن معصية إبليس أعظم من معصية آدم، المأخذ معروف وإلا غير معروف، واضح وإلا ما هو بواضح؟
طالب:. . . . . . . . .
والأول؟
طالب:. . . . . . . . .
الأول واضح من الحديث، يعني قول الأكثر حقيقة واضح من الحديث؛ لأن تعليق الشيء على الاستطاعة يدل على أن في شيء من التخفيف، يعني فرق بين من يقول لك: اذهب فائت بكذا، وبين من يقول لك: إن كنت تقدر فأتني بكذا، كلها أوامر، كلها ائت بكذا، لكن فرق بين أن يقول: اذهب فأتني بكذا، وبين من يقول لك: إن كنت تقدر فأتني بكذا، في فرق وإلا ما في فرق؟ فرق واضح، فعلى هذا فعل المحظور أشنع وأعظم من ترك المأمور؛ لأن ترك المأمور مقيد بالاستطاعة، وفعل المحظور ما فيه ثنيا، فاجتنبوه، فانتهوا، وشيخ الإسلام يقرر العكس، وأن ترك المأمور أعظم من فعل المحظور؛ لأن ترك المأمور معصية إبليس، وفعل المحظور معصية آدم، ولا شك أن معصية إبليس أعظم من معصية آدم، هذا من حيث الإجمال، وإلا فالقول المتجه أنه لا يحكم في مثل هذا بحكم مطرد، ما نقول: ترك المأمور أعظم مطلقاً، ولا فعل المحظور أعظم مطلقاً، بل ننظر، يعني المسألة مفترضة في إيش؟ في فعل مأمور أو ترك محظور يتعارضان، إن ترك المحظور ترك معه المأمور، وإن فعل المحظور فعل عه المأمور، يعني عند التعارض لا بد من الترجيح، وننظر في المتعارضين، ننظر في المتروك، هل تركه جاء التشديد فيه من قبل الشرع؟ وننظر أيضاً في هذا المحظور هل هو من العظائم والموبقات والكبائر أو أن أمره أخف؟ فننظر بين كل أمرين، بين المأمور والمحظور، وميزان كل واحد منهما في الشرع، يعني لو قدرنا نعلم جميعاً أن صلاة الجماعة واجبة في المسجد حيث ينادى بها، نعلم هذا ونقرره، وهذا الذي نعتقده وندين الله به، لكن لو كان في طريقك إلى المسجد لأداء هذا الواجب منكر، فيه نساء متبرجات، أو شباب يلعبون في الطريق، وتأمرهم ولا يأتمرون، أو فيه بغي على بابها ظالم لا بد من الوقوع عليها، هل الأمور الثلاثة متساوية؟ يعني هل نترك صلاة الجماعة في المسجد؛ لأن في طريقنا شباب يلعبون ونأمرهم ولا يأتمرون؟ نعم هذا منكر بلا شك، ومشاهدة المنكر الأصل عدمها، هل نقول: إنه والله بدل ما نشاهد هؤلاء نصلي في البيت؟ نقول: هذا المحظور لا يقاوم ذلك المأمور، بينما لو كان في طريقك إلى المسجد بغي لا بد أن تقع عليها، عند بابها ظالم لا بد أن تقع عليها، نقول:
نعم صلِ في بيتك؛ لأن هذا المحظور أعظم من ذلك المأمور، وهكذا، فننظر في المتعارضين على حدة، ولا نصدر قاعدة مطردة أو عامة، وهذا الحديث من جوامع الكلم، ومن قواعد الشريعة، من جوامع الكلم، ومن قواعد الشريعة، ففي جميع المأمورات يؤتى منها بما يستطاع، فإن استطاع الإنسان الإتيان بها على الوجه المشروع كاملاً لزمه ذلك، وإن عجز عن بعضه سقط عنه، ولزمه ما قدر عليه، إذا كان بمفرده عبادة، شخص لا يستطيع القيام، وفي حديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صلِ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)) يعني لا يستطيع القيام يصلي جالس، لكنه يستطيع القراءة، هل تسقط القراءة لسقوط القيام؟ يأتي منه ما استطاع، لا بد من القراءة، فإذا لم يستطع شيئاً يتركه، وإذا استطاع شيئاً لزمه وتعين عليه، فيأتي منه بالمستطاع، لكن قد يكون المستطاع لا يقصد لذاته، وإنما ثبوته تبعاً لغيره، فإذا سقط المتبوع سقط التابع، كرأس الأصلع في الحج
…
النغمة هذه لا بد أن تغير، لا بد من تغييرها.
أقول: رأس الأصلع في الحج كيف يحلقه؟ قال بعضهم: يمر الموسى على رأسه؛ لأنه يستطيع إمرار الموسى، لكن إمرار الموسى ليس مقصوداً لذاته، وإنما هو مقصود لإزالة الشعر ولا شعر، شخص لا يستطيع القراءة ويستطيع تحريك لسانه وشفتيه، نقول: حرك لسانك وشفتيك مثل الذي يقرأ، واترك ما لا تستطيع؟ هذا التحريك إنما هو تبع للقراءة وليس مما يتعبد به على جهة الاستقلال فلا يؤتى به، بينما القراءة في الصلاة مطلوبة، ويتعبد بها، فلا تسقط بسقوط ركنها الذي هو القيام، وهكذا، وكلام أهل العلم في شرح الحديث طويل، فيه أيضاً في شرح ابن رجب رحمه الله على الأربعين فوائد، وفي الشروح أيضاً فوائد كثيرة متعلقة بهذا الحديث.
في الحديث الثالث يقول: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو معاوية" واسمه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
مدلس نعم.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن الحديث مخرج في الصحيح، لو لم يكن الحديث مخرج في الصحيح لوقفنا عند تدليسه.
طالب:. . . . . . . . .
مؤثر خارج الصحيحين مؤثر، نعم.
قال: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو معاوية" واسمه: محمد بن خازم الضرير "ووكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله)) ".
وفي بعض الروايات: ((من أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقط عصاني، ومن أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله)) فطاعة الأمير الشرعي طاعة للرسول عليه الصلاة والسلام الذي أمر بتنصيبه ومبايعته، وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم طاعة لله -جل وعلا-:{مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ} [(80) سورة النساء].
((من أطاعني فقد أطاع الله)) وهذا أيضاً منصوص عليه في القرآن ((ومن عصاني فقد عصى الله)) وهذا مفهوم من الجملة الأولى، فمنطوق الجملة الثانية مؤيد لمفهوم الجملة الأولى، مفهومها أن من لم يطع الرسول لم يطع الله، التي هي بمعنى من عصى الرسول فقد عصى الله.
((من أطاع أميري فقد أطاعني)) فالطاعة للأمير لا شك أنها من طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد جاء الأمر بطاعة ولاة الأمر في نصوص القرآن والسنة، وجاء أيضاً التحذير من مخالفتهم والخروج عليهم، ولذا أورده أهل العلم في الجهاد وفي الإمارة، وفي غيرها من أبواب السنة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [(59) سورة النساء] فلا بد من طاعة أولي الأمر، ولا تنتظم الأمور ولا تستقيم الأحوال إلا بطاعة ولاة الأمور.
((من أطاعني فقد أطاع الله)) الرجل يأتيه الأمر من أمر النبي عليه الصلاة والسلام فيقول: هذا لا يوجد في كتاب الله، وهذا خبر آحاد، لا يلزم قبوله، فتجد الرسول عليه الصلاة والسلام يأمره بالأمر الصريح الصحيح الثابت عنه عليه الصلاة والسلام، ثم يأتي من يأتي يقول: هذا خبر آحاد لا نعمل به، إنما نعمل بما جاء عن الله، وما ثبت مما تواتر عن النبي عليه الصلاة والسلام، والخوارج يقولون: بيننا وبينكم كتاب الله، فهل هؤلاء أطاعوا الله، وقد عصوا رسوله صلى الله عليه وسلم؟ لا، هؤلاء عصوا الله -جل وعلا- لأنهم عصوا رسوله عليه الصلاة والسلام ((من أطاعني فقد أطاع الله)) من عمل بسنتي ائتمر أوامري واجتنب النواهي فقد أطاع الله -جل وعلا-، ومن عصى وتمرد على الأوامر النبوية فقد عصى الله سبحانه وتعالى.
بعد هذا يقول: "حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال: حدثنا زكريا بن عدي".
الحديث السابق: ((من أطاعني فقد أطاع الله)) مخرج في الصحيح أيضاً، بل في الصحيحين.
"حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال: حدثنا زكريا بن عدي عن ابن المبارك عن محمد بن سوقة عن أبي جعفر" محمد بن علي بن الحسين المعروف بالباقر، وابنه جعفر المعروف بالصادق "عن أبي جعفر قال:"كان ابن عمر إذا سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً لم يعده ولم يقصر دونه" وهذا من رواية أهل البيت عن الصحابة في مدح الصحابة، مما يدل على أن أهل البيت لا خلاف بينهم وبين الصحابة، أعني أهل البيت المتقدمون والباقر والصادق مخرج لهم في الصحاح، فهم عمدة عند أهل السنة، وأهل السنة أهل عدل وإنصاف؛ لما قدح الرافضة في الصحابة ما عمد أهل السنة إلى متبوعيهم ومقدميهم فطعنوا فيهم، أبداً، بل رووا عنهم؛ لأنهم أهل إنصاف، ومتقدموهم أهل إنصاف أيضاً، فهذا أبو جعفر الصادق محمد بن علي الباقر يمدح ابن عمر -رضي الله تعالى عنه- "قال:"كان ابن عمر إذا سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعده" يعني لم يتجاوزه لم يزد عليه "ولم يقصر دونه" وحينئذٍ يكون منهجه الوسط الذي هو سمة هذا الدين، لا إفراط ولا تفريط، لا زيادة ولا نقص؛ لأن دين الله بين الغالي والجافي، فلا غلو ولا جفاء من ابن عمر، وهو الصحابي المؤتسي المقتدي، وإذا كان هذا ابن عمر الذي يظن به من يقرأ في سيرته ويتتبع أحواله قد يرميه بشيء من التشديد والزيادة وأثر عنه شيء من ذلك، لكنه اجتهاد، ولم يصب فيه -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-، بل كان يدخل الماء في عينيه حتى عمي، وكان يكفكف دابته لتقع مواطئ أقدامها على مواطئ أقدام دابة النبي عليه الصلاة والسلام، ويتتبع الآثار النبوية، ويجلس فيها، والصحابة بما فيهم كبارهم ممن هو أفضل من عبد الله بن عمر لا يفعل مثل هذا، فدل على أن عمله مرجوح؛ لأن الذي يقرأ في سيرة ابن عمر قد يرميه بشيء من الشدة لما أثر عنه من شيء من ذلك، لكنه هو الصحابي المقتدي المؤتسي حصل منه هفوات، حصل منه زلات، حصل تشديدات، لكن ليس هذا منهج وليس هذا ديدنه رضي الله عنه بشهادة الباقر "كان ابن عمر إذا سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً لم يعده" ما تعدى الحديث، ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) ما الذي حصل؟ قال ابن عمر: "إذا أصبحت
فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح" هذا في الصحيح، هذه مبادرة، قال النبي عليه الصلاة والسلام:((نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل)) مباشرة كان لا ينام من الليل إلا قليلاً.
وفي حديث الوصية: ((ما من مسلم له شيء يوصي به يبيت ليلة أو ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه)) ما بات ابن عمر ولا ليلة يمتثل، فهو الصحابي المؤتسي المقتدي بالنبي عليه الصلاة والسلام، وإن أثر عنه من الأشياء اليسيرة التي ترى .. ، ما أثر عنه من هذه الأمور يعني ليست منهج ولا ديدن له، إنما أثر عنه بعض المسائل التي اجتهد فيها ولم يصب فيها رضي الله عنه وأرضاه-، بل قوله مرجوح، وهو على ذلك مأجور لأنه مجتهد، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.