الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"قال أبو الحسن" وهو القطان راوي السنن عن ابن ماجه، وهذا من زيادته على السنن، وعرفنا أن الزيادات إنما تعرف برواية راوي الكتاب عن غير مؤلفه، تعرف الزيادات برواية راوي الكتاب عن غير مؤلفه، وهنا يقول:"قال أبو الحسن: حدثنا يحيى بن عبد الله الكرابيسي" ما قال: حدثنا أبو عبد الله بن ماجه، الأصل أن الكتاب كله قال أبو الحسن: حدثنا أبو عبد الله بن ماجه، إلا ما أضيف إلى غير المؤلف يكون من الزوائد.
"حدثنا يحيى بن عبد الله الكرابيسي"
…
وقلنا في مسند أحمد مثل ذلك أنه إذا كان الخبر حدثنا عبد الله قال: حدثني أبي، هذا المسند الأصلي، حدثنا عبد الله قال: حدثنا فلان غير الإمام أحمد هذا من زوائد عبد الله، وزوائد القطيعي لا يذكر فيها عبد الله ولا أبوه.
قال: "حدثنا يحيى بن عبد الله الكرابيسي قال: حدثنا علي بن الجعدي عن شعبة عن عمرو بن مرة مثل حديث علي رضي الله عنه" حديث علي الذي فيه نعم؟ الذي سبق، وقلنا: إنه حديث إسناده صحيح، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أنا أقول: إن ابن عباس لم يعارض الحديث برأيه المجرد، إنما عارض حديث بحديث، ونظر مع الحديث الذي معه، فاعتراضه مستند إلى حديث، والمذموم الاعتراض بالرأي المجرد وإلا جميع المسائل العلمية التي فيها خلاف لأهل العلم وفيها أدلة لجميع الأطراف من هذا النوع.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللسامعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً يا رب العالمين.
قال الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني المعروف بابن ماجه -رحمه الله تعالى-:
باب: التوقي في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
-
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا معاذ بن معاذ عن ابن عون قال: حدثنا مسلم البطين عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن عمرو بن ميمون قال: ما أخطأني ابن مسعود عشية خميس إلا أتيته فيه، قال: فما سمعته يقول بشيء قط: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان ذات عشية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فنكس، قال: فنظرت إليه فهو قائم محللة أزرار قميصه، قد اغرورقت عيناه، وانتفخت أوداجه، قال: أو دون ذلك، أو فوق ذلك، أو قريباً من ذلك، أو شبيهاً بذلك".
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا معاذ بن معاذ عن ابن عون عن محمد بن سيرين قال: "كان أنس بن مالك إذا حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً ففرغ منه قال: أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم".
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا غندر عن شعبة ح وحدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "قلنا لزيد بن أرقم: حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: كبرنا ونسينا، والحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد".
حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال: حدثنا أبو النضر عن شعبة عن عبد الله بن أبي السفر قال: سمعت الشعبي يقول: "جالست ابن عمر سنة فما سمعته يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً".
حدثنا العباس بن عبد العظيم العنبري قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أنبأنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: سمعت ابن عباس يقول: "إنا كنا نحفظ الحديث والحديث يحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما إذا ركبتم الصعب والذلول فهيهات".
حدثنا أحمد بن عبدة قال: حدثنا حماد بن زيد عن مجالد عن الشعبي عن قرظة بن كعب قال: "بعثنا عمر بن الخطاب إلى الكوفة وشيعنا، فمشى معنا إلى موضع يقال له: صرار، فقال: أتدرون لم مشيت معكم؟ قال: قلنا: لحق صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولحق الأنصار، قال: لكني مشيت معكم لحديث أردت أن أحدثكم به، فأردت أن تحفظوه لممشاي معكم، إنكم تقدمون على قوم للقرآن في صدورهم هزيز كهزيز المرجل، فإذا رأوكم مدوا إليكم أعناقهم، وقالوا: أصحاب محمد، فأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أنا شريككم".
حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن السائب بن يزيد، قال:"صحبت سعد بن مالك من المدينة إلى مكة، فما سمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بحديث واحد".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: التوقي في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
التوقي التحري والتثبت وعدم التسرع، فمثل هذا الأمر الذي يضاف إلى النبي عليه الصلاة والسلام يلزم فيه التوقي والتحري؛ لأن التسرع يلزم عليه أن يحدث الإنسان بكل شيء، وإذا حدث بكل شيء فمعناه أنه سوف يقع في حديثه المنسوب إلى النبي عليه الصلاة والسلام ما لم يقله، فيقع في إثم الكذب على النبي عليه الصلاة والسلام ولو لم يقصد ((من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار)) -نسأل الله السلامة والعافية-، والإكثار مع عدم التحري وعدم التثبت هذا مآله، فلا بد من التوقي، ولا بد من التحري، ولا بد من التثبت في الحديث، أو في نسبة الحديث إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وهذه مسئولية عظيمة بالنسبة لمن يعلم الناس عليه ألا ينسب إلى النبي عليه الصلاة والسلام شيئاً إلا بعد أن يجزم بصحة نسبته إليه، وقل مثل هذا في الخطيب، لا يجوز له أن يلقي على الناس أحاديث أو حديث واحد لا يتبينه، ولا يتحقق من نسبته إلى النبي عليه الصلاة والسلام.
قال: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا معاذ بن معاذ عن ابن عون قال: حدثنا مسلم البطين عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن عمرو بن ميمون قال: ما أخطأني ابن مسعود عشية خميس إلا أتيته فيه" يعني ما فاتني ولا عشية خميس، يذهب إلى ابن مسعود كل عشية خميس، فيجلس عنده "قال: فما سمعته يقول لشيء قط: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" هل هذا زهد بالسنة؟ هل هذا عدم معرفة بالسنة؟ لا والله، عنده علم بالسنة، وعنده حرص على السنة، لكنه يخشى أن يزل لسانه بنسبة كلمة لم يقلها النبي عليه الصلاة والسلام.
"فما سمعته يقول لشيء قط: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان ذات عشية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فنكس" نكس رأسه إجلالاً وهيبة للرسول عليه الصلاة والسلام، ولما يضاف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
"قال: فنظرت إليه فهو قائم محللة أزراره" يعني مفتوحة أزراره، وجاء عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه رئي محلل الأزرار، حتى قال بعضهم باستحباب ذلك، لكن لا شك أن اللباس عرفي، فإذا كان في عرف الناس أن هذا العمل مقبول فهو أفضل، وإن كان مردود في عرف الناس لأن الألبسة تتغير وتختلف باختلاف الأعراف، وإلا فنقول: هذه الألبسة التي نلبسها أفضل منها أن نلبس إزار ورداء، فنستمر في وقتنا كله كأننا محرمون، أو نلبس قميص على صفة ما كان يلبسه عليه الصلاة والسلام، المقصود أن أهل العلم يقررون أن اللباس عرفي، إلا ما جاء الدليل على منعه، إذا جاء الدليل على منع مثل الإسبال مثلاً، مثل الأحمر للرجال، ومثل بعض الألبسة للنساء التي فيها تشبه، أو فيها تبرج، أو فيها .. ، مثل هذا يمنع؛ لأنه نص عليه، وما عدا ذلك فيبقى موكولاً إلى العرف.
"محللة أزرار قميصه، قد اغرورقت عيناه" اغرورقت افعوعلت يعني غرقت بالدموع، خرج منها الدمع الغزير، كأنها غرقت في بحر "اغرورقت عيناه" يعني بالدموع "وانتفخت أوداجه، قال: أو دون ذلك" يعني قال النبي عليه الصلاة والسلام هذا أو قال: دون ذلك "أو فوق ذلك، أو قريباً من ذلك، أو شبيهاً بذلك" لئلا يجزم بنسبة شيء إلى النبي عليه الصلاة والسلام واحتمال أن يكون أخطأ فيه، وهذا من ورعه وتحريه -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-.
فعلى الإنسان أن يتوقى ويتثبت في نسبة الأمر إلى الله ورسوله، سواءً كان ينسب إليه كلاماً، أو ينسب إليه حكماً شرعاً، فلا بد أن يتثبت في ذلك كله؛ لأنه في الحكم موقع عن الله -جل وعلا-، وفي النقل مقول لله ولرسوله ما لم يقل.
قال: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا معاذ بن معاذ عن ابن عون عن محمد بن سيرين قال: "كان أنس بن مالك إذا حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً ففرغ منه قال: أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" لئلا يحفظ عنه على هذا اللفظ، ويكون قد رواه بالمعنى مثلاً، أو أسقط منه شيئاً فيقول: أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا لا شك أنه أولى وأحرى.
قد يقول قائل: إن مثل هذا قد نقرأ صحيح البخاري كاملاً، وفيه الأحاديث الصحيحة المرفوعة إلى النبي عليه الصلاة والسلام عن طريق الصحابة، ولم يقل واحد منهم أو كما قال، وهنا يقول:"كان أنس بن مالك إذا حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً ففرغ منه قال: أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم".
أحاديث أنس بن مالك في الصحيحين ما فيها هذا الكلام، قد يكون الصحابي الجليل قالها وحفظها منه التابعي ثم حذفت فيما بعد؛ لأنه تبين أنه لا مجال للتردد في الأحاديث التي خرجت في الصحيحين، أو خرجها الأئمة لا مجال للتردد؛ لأنها عرضت على أحاديث أخرى، وجزم بضبط رواتها، بعرض مروياتهم على روايات الثقات فلا داعي لمثل هذا التردد.
قال: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا غندر عن شعبة ح وحدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: سمعت شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "قلنا لزيد بن أرقم: حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: كبرنا ونسينا والحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد" وهكذا ينبغي لمن كبرت سنه، وخشي أن يحصل التخليط في بعض كلامه أن يكف عن التحديث، والمعلم إذا تقدمت به السن، وكثر خطأه وزلله ينبغي أن يكف، فإن لم يَكف يُكف عن التحديث، فلما كبر زيد بن أرقم كبر ونسي، والحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام لا شك أنه شديد، وأشد منه القرآن، فلا يجوز للإنسان أن يسارع بإلقاء الأحاديث على الناس وهو لم يتثبت منها، أو يكون في ضبطه شيء من الخلل بسبب ضعف الحافظة، أو بسبب كبر السن والنسيان.
قال: "حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال: حدثنا أبو النضر عن شعبة عن عبد الله بن أبي السفر قال: سمعت الشعبي يقول: "جالست ابن عمر سنة" الشعبي عامر بن شراحيل، ومنزلته في الحفظ والضبط والإتقان معروفة، عامر الشعبي الذي إذا دخل السوق سد أذنيه؛ لأنه يحفظ كل ما سمع، ولا يريد أن يسمع كلام الناس، ويحفظ كلام الناس.
يقول: "جالست ابن عمر سنة، قال: فما سمعته يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً" وليس هذا مخالفة للأمر بالتبليغ ((بلغوا عني ولو آية)) ((ليبلغ الشاهد منكم الغائب)) فالتبليغ واجب، بل فرض كفاية، ولعله في مثل هذه الظروف التي نقلت عنه في هذه السنة أنه قد بلغت هذه الأحاديث، وتحمل أمانتها غيره، وإلا لو تعين عليه التبليغ لما ساغ له أن يسكت لمدة سنة "فما سمعته يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً" وقد يكون سكوته في مجلس الشعبي، ويحدث في مجالس غيره، امتثالاً للأمر بالتبليغ؛ لأن الشعبي إن لم يسمع الحديث من ابن عمر سمعه من غيره لحرصه على الخبر.
قال رحمه الله: "حدثنا العباس بن عبد العظيم العنبري قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أنبأنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: سمعت ابن عباس يقول: "كنا نحفظ الحديث، والحديث يحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما إذا ركبتم الصعب والذلول فهيهات" استبعاد بأن تلقى هذه الأحاديث على غير أهلها "كنا نحفظ الحديث عنه عليه الصلاة والسلام" بدون واسطة، وعنه بواسطة أصحابه ممن شهد في حال صغر ابن عباس؛ لأن ابن عباس وإن كان ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام إلا أنه كان صغير السن، توفي النبي عليه الصلاة والسلام ولما يحتلم بعد، في الثالثة عشرة من عمره، ولذا يقرر بعض العلماء أن ما يرويه ابن عباس عن النبي عليه الصلاة والسلام بدون واسطة إنما هو أربعة أحاديث، وابن حجر يقول: جمعت مما صح أو حسن إسناده إلى ابن عباس مما صرح فيه بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم فبلغت نحو الأربعين.
كان ابن عباس يحفظ من النبي عليه الصلاة والسلام ومن الصحابة، والحديث يُحفظ إذا ألقاه الصحابي ابن عباس أو غير ابن عباس يحفظ من قبل من يسمعه، يحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بواسطة أو بغير واسطة، ويهتمون بذلك، ويعنون بنشره حينما كان الناس على الجادة، على البيضاء التي تركهم عليها النبي عليه الصلاة والسلام، فأما بعد أن تشعبت بهم الآراء والأهواء، وركبوا في ذلك الصعب والذلول، ركبوا في ذلك المراكب الصعبة والمراكب السهلة فأحجم ابن عباس وغير ابن عباس عن تحديثهم؛ لأنه يخشى أن يفهموه على غير وجهه، أو يحفظوه على خلاف ما ألقي عليهم، فهم إذا سمعوا أي شيء تلقفوه، وأولوا معناه فركبوا في تأويله الصعب والذلول، ولم يتبينوا ويتحققوا ويتثبتوا من لفظه، فإذا وجد مثل هذا التساهل ووجد هذا التخوف بالنسبة لأناس بأعيانهم أو لمجتمعات بأعيانهم فإنه حينئذٍ لا يلقى عليهم الخبر لما له من الضرر البالغ في نفوس هؤلاء، ونفوس من يتلقى عنهم الذي ركبوا الصعب والذلول.
قال رحمه الله: "حدثنا أحمد بن عبدة قال: حدثنا حماد بن زيد عن مجالد" وهو ابن سعيد، وهو ضعيف كما تقدم، فالخبر ضعيف إسناده، ضعيف بسبب مجالد بن سعيد "عن الشعبي عن قرظة بن كعب قال: بعثنا عمر بن الخطاب إلى الكوفة وشيعنا" شيعنا بمعنى أنه مشى معهم، فالتشييع هو المشي مع المشيع، سواءً كان حياً أو ميتاً، فتشييع الجنازة معروف، وتشييع العالم معروف، وتشييع الصديق والقريب معروف، والنبي عليه الصلاة والسلام قام مع صفية ليقلبها شيعها إلى بيتها، ليرجعها إلى بيتها، فهذا تشييع.
"مشى معهم عمر -رضي الله تعالى عنه- إلى موضع يقال له: صرار" موضع قريب من المدينة "فقال: أتدرون لم مشيت معكم؟ " لا شك أن وقع هذا المشي من قبل عمر رضي الله عنه في قلوبهم شديد، بحيث يحفظ جميع ما يحتف بهذا المشي، أنت إذا حدث في عمرك مناسبة فردة، لا نظير لها، زارك شخص لم تتوقع زيارته، كبير بالنسبة إليك، ثم تحدث معك بحديث، أو تُحدث في ذلك المجلس بحديث، هذا الحديث لن تنساه، ولن تنسى مناسبته، وكيف قيل؟ وكيف عرض؟ لأنك على غاية من التأهب للتحفظ، نعم.
"إلى موضع يقال له: صرار، فقال: أتدرون لما مشيت معكم؟ قلنا: لحق صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم" لأننا صحابة نستحق مثل هذا التشييع "ولحق الأنصار" الأنصار لهم فضل على الأمة، وعلى النبي عليه الصلاة والسلام، صدقوه حينما كذبه الناس، وآووه حينما طرده الناس، إذاً لهم حق، والأنصار شعار، والناس دثار، فهؤلاء لهم حق، فيشيعون من أجل هذا.
"قال: لكني مشيت معكم لحديث أردت أن أحدثكم به، فأردت أن تحفظوه لممشاي معكم" لأن الممشى ممشى الخليفة مع هؤلاء يجعلهم يضبطون ما يدور حول هذا الممشى؛ لأنه ليس من الأمور التي تتكرر مراراً بحيث تنسى لكثرتها، هي مرة واحدة حصلت، فما احتف بها وقيل فيها لا بد أن يحفظ، يعني هل حفظ الإنسان لما حصل في ليلة زفافه مثل حفظه لما يحصل له في استراحات مع زملائه تتكرر إما أسبوعياً أو أكثر، أو شهرياً على مدى سنين، هل يحفظ ما حدث في تلك الليلة، ويحفظ مثله على مستواه ما حصل في هذه الجلسات مع الزملاء والأصدقاء؟ لا لا، ما يمكن، هذه ليلة فذة وفريدة، يُحفظ فيها ما لا يحفظ في سائر الليالي العادية؛ لأن الشيء الذي يعتاده الإنسان ويتكرر عليه لا يلقي له بالاً، يعني لو افترضنا أن شخص بيته مفتوح، ويدخل عليه أصناف الناس من العامة ومن طلاب العلم، ومن غيرهم من موظفين وكذا، ثم جاءه في يوم من الأيام أعظم عالم في الدنيا، أو أكبر ملك في الدنيا، هذه الليلة لن تتكرر، يعني ما جاي واحد ثاني مثل هذه الجيئة، ما زايره أحد على هذا المستوى، فهو يضبط ما دار في هذه القصة، ولذلك تسمعون بعض الطلاب يذكر عن وقائع حصلت له مع بعض الأشخاص؛ لأنهم كبار في نفسه، بينما يمر عليه مسائل وقضايا أهم من هذه القضية فينساها؛ لأن الطرف فيها ليس أثره مثل أثر ذاك.
"قال: لكني مشيت معكم لحديث أردت أن أحدثكم به، فأردت أن تحفظوه لممشاي معكم، إنكم تقدمون على قوم للقرآن في صدورهم هزيز" والهاء والهمز تتقارضان، الأزيز والهزيز بمعنى واحد، وأريقت وأهريقت أريقوا وأهريقوا لا فرق بينها.
"هزيز كهزيز المرجل" ولا شك أن المرجل القدر الذي فيه الماء يفور على النار يهتز، له هزيز، وله أزيز، له صوت ينبع منه، كهزيز المرجل، لتأثرهم بالقرآن، وهؤلاء الذين لم يروا النبي عليه الصلاة والسلام الذين هذه صفتهم هؤلاء من التابعين الذين هؤلاء صفتهم، إذا جاءهم من رأى النبي عليه الصلاة والسلام مدوا أعناقهم إليه، قال:"فإذا رأوكم مدوا أعناقهم إليكم" يتطاولون ليروكم، هؤلاء صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم "مدوا إليكم أعناقهم، وقالوا: أصحاب محمد، فأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" لأن هؤلاء إذا حدثتموهم حفظوا وحرصوا على الحفظ، ولن يفرطوا بشيء مما سمعوه منكم؛ لأنكم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وكثير من المسلمين في سائر الأقطار يتطلع إلى المسلمين في هذه البلاد على أنهم أبناء الصحابة، فإذا أسلم المسلم الجديد، أو جاء التائب من تلك البلاد، أو جاء الزائر ليرى ما لم يكن يراه في بلاده، أو غيرها من بلاد المسلمين، ويتوقع أن الأمر على ما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه، يأتي ليرى المجتمع المحمدي الذي لم يغير ولم يبدل، ثم إذا نزل المطار أي مطار سواء كان في يعني من مطارات هذه البلاد، ورأى ما رأى اختلفت عليه الصورة، وتغيرت حساباته، وبعضهم قد يصاب بصدمة، وبعضهم قد ينتكس بسبب تصرفات بعض الناس، ولا شك أنه هو المسئول الأول عن تصرفه، يعني قد يقال مثلاً: هل هذا معذور حينما انتكس لما رأى من مخالفات الناس؟ أبداً، هو المسئول الأول عن تصرفاته؛ لأنه هو المباشر لها، والمتسبب لذلك، لا يسلم عن مسئولية، فلا بد أن يكون على قدر يناسب المقام الذي يتوقع منه، فلا يكون سبباً في صد الناس عن دين الله، على الناس أن يلتزموا، أن يكونوا دعاة خير بأفعالهم قبل أقوالهم.
وعلى كل حال من انتكس بهذا السبب فهو المباشر لهذه الانتكاسة، فهو المسئول الأول عنها؛ لأن بعض الناس يحصل له موقف ثم يجعل التبعة على صاحب الموقف.
يأتي وقد ناهز الاحتلام وقاربه ليصف قرب الإمام ثم يأتي شخص كبير السن فيطرده، يصاب بردة فعل فلا يحضر إلى المسجد بعد ذلك، من المسئول عن هذا التصرف؟ هذا الشخص الكبير السن الذي طرده هذا متسبب، لكن هو المباشر لهذه الانتكاسة، فهو المسئول الأول، وذاك عليه أيضاً نصيبه، لكن لا يبرأ هذا من العهدة باعتبار أنه هو مكلف، وعليه أن ينظر في أوامر الشرع بغض النظر عن من يطبقها أو لا يطبقها.
شخص ماشي في حلقة تحفيظ مثلاً وحصل له مشكلة مع المدرس، أو مع بعض الطلاب ثم ترك، من المسئول عن تركه الحفظ؟ هو المسئول عن نفسه، لكن كون الإنسان يكون سبباً في مثل هذه القضايا لا يسلم من التبعة، لكن مع ذلك المسئول الأول هو الشخص نفسه الذي باشر الترك، وباشر هذه الانتكاسة.
"رأوكم مدوا إليكم أعناقهم، وقالوا: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم" وأهل هذه البلاد ينظر إليهم على أنهم أولاد الصحابة، فعليهم أن يكونوا على قدر هذه المسئولية، وألا يكونوا سبباً لصد الناس عن دين الله؛ لأن كثير من الناس في الأقطار والأقاليم البعيدة يأتون بهذا التصور، ثم يصابون بما يصابون به إذا وصلوا.
"فأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" ما دام يمدون أعناقهم إليكم، ويتشوفون لرؤيتكم ومجالستكم، ويقولون: هؤلاء أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام فإنهم متهيئون للحفظ عنكم في جميع ما تتكلمون به، في الحديث وغير الحديث، يقول: فأكثروا من غير الحديث لأن الخلل فيه أمره يسير، لكن الإشكال في الرواية عن النبي عليه الصلاة والسلام أقلوا منها "فأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أنا شريككم" أنا شريككم في أي شيء؟ في الإقلال، يعني إن كان هذا الإقلال يترتب عليه إثم كتمان فأنا شريككم في هذا الإثم، إن ترتب عليه إثم كتمان، وهو يجزم بأنه ليس هناك كتمان، بل إن الأحاديث تصل إلى هؤلاء ووصلتهم، لكن هذا فيه الاحتياط للسنة، وهل هذا قريب من قول الله -جل وعلا-:{لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم} [(25) سورة النحل] هذا ليس بضلال، بل هو نفع وأجر محض له شركته منه؛ لأنه يتحرى ويتوقى في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، والحديث كما قلنا ضعيف بسبب ضعف مجالد.
قال: رحمه الله: "حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن السائب بن يزيد قال: صحبت سعد بن مالك" من سعد بن مالك؟ سعد بن مالك بن سنان أبو سعيد الخدري "صحبت سعد بن مالك من المدينة إلى مكة فما سمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بحديث واحد" كل هذا سببه التحري والتوقي وخشية أن يقع أو يصدر من لسانه أو في كلامه ما لم يقله النبي عليه الصلاة والسلام، وعلى هذا ينبغي على طالب العلم ألا يتساهل في هذا الأمر، وأن يكون شديد التحري، شديد التوقي لما ينسبه إلى الله ورسوله، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.