الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: مقدمة سنن ابن ماجه (6)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا كلام لابن القيم رحمه الله حول ابتداء السلام بالتنكير، ذكرنا في أحد الدروس أن العلماء يقولون: يخير في تعريفه وتنكيره في سلام على الحي، وعرفنا أنه بالنسبة للميت يقال لهم: السلام عليكم دار قوم مؤمنين.
هنا يقول ابن القيم رحمه الله: ما الحكمة في ابتداء السلام بلفظ النكرة وجوابه بلفظ المعرفة؟ فتقول: سلام عليكم، فيقول الراد: وعليك السلام؟ يقول: فهذا سؤال متضمن لمسألتين، إحداهما هذه، والثانية اختصاص النكرة بابتداء المكاتبة والمعرفة بآخرها، والجواب عنهما بذكر أصل نمهده ترجع إليه مواقع التعريف والتنكير في السلام، وهو أن السلام دعاء وطلب، وهم في ألفاظ الدعاء والطلب إنما يأتون بالنكرة إما مرفوعة على الابتداء أو منصوبة على المصدر، فمن الأول قولهم: ويل له، ومن الثاني: خيبة له، هذا في الدعاء عليه، وفي الدعاء له: سقياً ورعياً، وكرامة ومسرة، فجاء: سلام عليكم، بلفظ النكرة كما جاءت سائر ألفاظ الدعاء.
وسر ذلك أن هذه الألفاظ جرت مجرى النطق بالفعل ألا ترى أن سقياً ورعياً وخيبة جرى مجرى: سقاك الله ورعاك، وخيبك، وكذلك سلام عليك جارٍ مجرى سلمك الله، والفعل نكرة فأحبوا أن يجعلوا اللفظ الذي هو جارٍ مجراه وكالبدل منه نكرة مثله، وأما تعريف السلام في جانب الراد فنذكر أيضاً أصلاً يعرف به سره وحكمته، وهو أن الألف واللام إذا دخلت على اسم السلام تضمنت أربع فوائد:
أحدها: الإشعار بذكر الله تعالى؛ لأن السلام المعرف من أسمائه كما تقدم تقريره.
الفائدة الثانية: إشعارها بطلب معنى السلامة منه للمسلم عليه؛ لأنك متى ذكرت اسماً من أسمائه فقد تعرضت به، وتوسلت به إلى تحصيل المعنى الذي اشتق منه ذلك الاسم.
الفائدة الثالثة: إن الألف واللام يلحقها معنى العموم في مضمونها والشمول في بعض المواضع.
الرابعة: أنها تقوم مقام الإشارة إلى المعين كما تقول: ناولني الكتاب، واسقني الماء، وأعطني الثوب لمن هو حاضر بين يديك، فإنك تستغني بها عن قولك هذا، فهي مؤدية معنى الإشارة.
وإذا عرفت هذه الفوائد الأربع فقول الراد: وعليك السلام بالتعريف متضمن للدلالة على أن مقصوده من الرد مثل الذي ابتدئ به وهو بعينه، فكأنه قال: ذلك السلام الذي طلبته لي مردود عليك وواقع عليك، فلو أتى بالرد منكراً لم يكن فيه إشعار بذلك؛ لأن المعرف وإن تعدد ذكره واتحد لفظه فهو شيء واحد بخلاف المنكر.
يعني أن النكرة إذا أعيدت معرفة صارت هي عين المذكور سابقاً، وأما بالنسبة إلى النكرة إذا أعيدت نكرة صارت غير المذكورة سابقاً
…
بخلاف المنكر، ومن فهم هذا فهم معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم ((لن يغلب عسر يسرين)) فإنه أشار إلى قوله تعالى {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [(5 - 6) سورة الشرح] فالعسر وإن تكرر مرتين فتكرر بلفظ المعرفة فهو واحد، واليسر تكرر بلفظ النكرة فهو يسران، فالعسر محفوف بيسرين، يسر قبله، ويسر بعده، فلن يغلب عسر يسرين.
الحديث الذي ذكره ((لن يغلب عسر يسرين)) أخرجه ابن مردويه من حديث جابر مرفوعاً بسند ضعيف، وأخرجه سعيد بن منصور وعبد الرزاق في تفسيره وابن جرير من حديث ابن مسعود، وسنده ضعيف أيضاً، أخرجه عبد الرزاق في التفسير والطبري والحاكم في المستدرك عن الحسن مرسلاً، وهو صحيح إلى الحسن، وقد روي من طرق أخرى موقوفاً ومرسلاً، ولعله بهذه الطرق أو جميع هذه الطرق تدل على أن له أصلاً، وإن لم يكن أصل يصل إلى درجة الصحة، لكن له أصل ما دام له طرق متعددة.
في كلام كثير حول السلام، نعم قد يقول قائل: أيهما أبلغ سلام إبراهيم عليه السلام أو سلام الملائكة؟ {قَالُواْ سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ} [(69) سورة هود] هو رفع السلام وهم نصبوه، والمرفوع محض في الاسمية، والاسم يدل على الثبوت والدوام، والمنصوب قائم مقام فعله، مصدر مؤكد لفعله فهو قائم مقامه، والفعل يدل على التجدد والحدوث، ولذا قال أهل العلم: إن سلام إبراهيم أبلغ من سلام الملائكة.
هنا يقول: "وأما السؤال العاشر وهو السر في نصب سلام ضيف إبراهيم –الملائكة- ورفع سلامه، فالجواب: أنك قد عرفت قول النحاة فيه أن سلام الملائكة تضمن جملة فعلية؛ لأن نصب السلام يدل على سلمنا عليك سلاماً، وسلام إبراهيم تضمن جملة اسمية؛ لأن رفعه يدل على أن المعنى سلام عليكم، والجملة الاسمية تدل على الثبوت والتقرر، والفعلية تدل على الحدوث والتجدد، فكان سلامه عليهم أكمل من سلامهم عليه، وكان له من مقامات الرد ما يليق بمنصبه عليه الصلاة والسلام وعلى نبينا- وهو مقام الفضل إذ حياهم بأحسن من تحيتهم، هذا تقرير ما قالوا.
وعندي فيه جواب أحسن من هذا، وهو أنه لم يقصد حكاية سلام الملائكة فنصب قوله: سلاماً فصار مفعول القول المفرد، كأنه قيل: قالوا: قولاً سلاماً، وقالوا: سداداً وصواباً ونحو ذلك، فإن القول إنما تحكي به الجمل، وأما المفرد فلا يكون محكياً به، بل منصوب به انتصاب المفعول به.
ومن هذا قوله تعالى: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [(63) سورة الفرقان] ليس المراد أنهم قالوا هذا اللفظ المفرد المنصوب، وإنما معناه قالوا: قولاً سلاماً، مثل سداداً وصواباً، وسمي القول سلاماً لأنه يؤدي معنى السلام ويتضمنه من رفع الوحشة وحصول الاستئناس.
وحكى عن إبراهيم لفظ سلامه، فأتى به على لفظه مرفوعاً بالابتداء، محكياً بالقول، ولولا قصد الحكاية لقال: سلاماً بالنصب؛ لأن ما بعد القول إذا كان مرفوعاً فعلى الحكاية ليس إلا، فحصل من الفرق بين الكلامين في حكاية سلام إبراهيم ورفعه، ونصبه ذلك إشارة إلى معنى لطيف جداً، وهو أن قوله: سلام عليكم من دين الإسلام المتلقى عن إمام الحنفاء، وأبي الأنبياء، وأنه من ملة إبراهيم التي أمرنا الله باتباعها، فحكى لنا قوله ليحصل الإقتداء به والإتباع له، ولم يحكِ قول أضيافه وإنما أخبر به على الجملة دون التفصيل والكيفية -والله أعلم-، فزن هذا الجواب والذي قبله بميزان غير عائل يظهر لك أقواهما".
هذا يسأل عن حكم صلاة النافلة على السيارة في الحضر؟