الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي النافلة على دابته، أينما توجهت به في السفر، ولا يفعل ذلك في الفريضة، يوتر على النافلة ويتنفل النفل المطلق على الراحلة، ولا يفعل ذلك في الفريضة، وأما بالنسبة للحضر في الأوقات الضائعة في مثل هذه الأيام التي نعيشها في السيارات، الإنسان قد يخرج من بيته ليقضي غرضاً له فيمكث نصف ساعة أو أكثر أو أقل، فأقول الأولى في مثل هذه الحالة أن يستمع أو يقرأ، يقرأ من محفوظه، أو يستمع من المسجل ولا يصلي لأن الصلاة تشغله، وإذا احتاج إلى الركوع أو السجود لا سيما إذا كان هو القائد فقد يشغله ذلك عن القيادة بخلاف الدابة، الدابة تسير بنفسها، واصطدامها بغيرها مأمون بخلاف السيارات التي إذا انحرفت يمنة أو يسرة أضرت بصاحبها، هذا من حيث المعنى، أما من حيث الثبوت وعدمه فلم يثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه صلى على الدابة في الحضر، وإن كان أنس يميل إلى جوازه، وجوازه إذا كان الضرر مأمون، فبدلاً من أن يضيع الوقت سدى فلا أرى مانعاً منه؛ لأن السفر ليس بوصف مؤثر في مثل هذا؛ لأنه لا يترتب عليه رخصة، لا جمع ولا قصر، رخصة من رخص السفر لم يربط به، فلا أرى ما يمنع -إن شاء الله تعالى- من الصلاة على السيارة في الحضر، لكن مع أمن الضرر عليه أو على غيره.
طالب:. . . . . . . . .
لا ما يلزم، ما يلزم استقبال القبلة؛ لأن هذا فيه مشقة شديدة.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللسامعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً يا رب العالمين.
قال الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني المعروف بابن ماجه -رحمه الله تعالى-:
باب: اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين
حدثنا عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان الدمشقي قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا عبد الله بن العلاء -يعني ابن زبر- قال: حدثني يحيى بن أبي المطاع قال: سمعت العرباض بن سارية يقول: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فوعظنا موعظة بليغة، وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقيل: يا رسول الله وعظتنا موعظة مودع، فاعهد إلينا بعهد، فقال:((عليكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن عبداً حبشياً، وسترون من بعدي اختلافاً شديداً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم والأمور المحدثات، فإن كل بدعة ضلالة)).
حدثنا إسماعيل بن بشر بن منصور وإسحاق بن إبراهيم السواق قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح عن ضمرة بن حبيب عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي أنه سمع العرباض بن سارية يقول: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله إن هذه لموعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ قال:((قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشياً، فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد)).
حدثنا يحيى بن حكيم قال: حدثنا عبد الملك بن الصباح المسمعي قال: حدثنا ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبد الرحمن بن عمرو عن العرباض بن سارية قال: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، ثم أقبل علينا بوجهه فوعظنا موعظة بليغة .. فذكر نحوه".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين
والخلفاء الراشدون هم الأربعة المهديون الذين تركهم النبي عليه الصلاة والسلام على الجادة، وأمر باتباع سنتهم، والاقتداء بهديهم، وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وهل يكون في حكمهم من مشى على طريقتهم وجادتهم ولم يحد عن الصواب كعمر بن عبد العزيز؟ فيقول جمع من أهل العلم: هو خامس الخلفاء الراشدين، أو يقتصر النص عليهم كما هو قول عامة أهل العلم أنهم لا يقاس عليهم غيرهم، فليس فعل أحد سنة متبعة يعمل بها إلا ما كان من هؤلاء الخلفاء الراشدين المهديين، وأولاهم بذلك، وأحراهم به أبو بكر وعمر، فقد جاء مما يخصهما:((اقتدوا بالذين من بعدي)) فعملهم سنة، واتباع سنة الأربعة مؤيد بالنص الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام.
لو اختلف .. ، لو لم يوجد في المسألة نص عن النبي عليه الصلاة والسلام، ووجد فيها قول لأبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي مما لم يخالف فيه، هذا لا إشكال فيه، لا إشكال في كونه سنة متبعة بالنص حتى عند من يقول: إن قول الصحابي ليس بحجة، إنما يقصد بذلك غير الخلفاء الراشدين، وإذا خولف الواحد من الخلفاء الراشدين من قبل غيره فإن قوله مقدم على قول غيره، قد ينقل عن الخلفاء الراشدين أو عن بعضهم قول في مسألة، ويكون الجمهور على خلافه، فمثلاً القول بوجوب إخراج النساء لصلاة العيد فيه النص المرفوع قول أم عطية:"أمرنا أن نخرج العواتق والحيض وذوات الخدور إلى صلاة العيد، يشهدن الخير، ودعوة المسلمين، ويعتزل الحيض المصلى" هذا فيه نص مرفوع، والقول بالوجوب تبعاً لهذا النص قال به بعض العلماء، وهو اختيار الخلفاء الراشدين، وعليه عملهم، والجمهور على أن هذا الخروج لصلاة العيد بالنسبة لهؤلاء النسوة على سبيل الاستحباب لا على سبيل الوجوب؛ لأن المرأة لا يجب عليها أن تخرج من بيتها لأجل الصلاة ولا الصلاة المفروضة فضلاً عن الصلوات المختلف فيها كصلاة العيد، فلماذا قال جمهور أهل العلم بأن الأمر للاستحباب وقد قال بالوجوب جمع منهم الخلفاء الأربعة، وعليه يدل الأمر الذي جاء في الخبر؟ فنقول: لعل الثابت عن هؤلاء الخلفاء الأمر بالخروج لصلاة العيد، فيصرف عن الوجوب إلى الاستحباب، كما صرف الأمر الثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام، ولذا لا يمكن أن يخالف الأئمة قول الخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباع سنتهم، ومن وراء ذلك كله أمر النبي عليه الصلاة والسلام، فما دام صرفوا أمر النبي عليه الصلاة والسلام من الوجوب إلى الاستحباب فلأن يصرفوا قول الخلفاء الراشدين لا سيما وأنهم الثابت عنهم هو الأمر بالإخراج، وأنهم يأمرون الناس بالخروج إلى صلاة العيد، يأمرون النساء، ويأمرون أزواجهن أن يخرجوا زوجاتهم وبناتهم، فإذا صرف النص المرفوع فلأن يصرف قول الخلفاء الراشدين يعني من باب أولى؛ لأن النص ثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام أقوى، ولذا لو ورد قول للخلفاء الأربعة كلهم وفي المسألة حديث مرفوع قُدم الحديث المرفوع، فعلى هذا لا يستدرك
على الأئمة في عدم أخذهم بما ينسب إلى الخلفاء الراشدين، ويُظن مخالفة لما هنا، غاية ما هنالك أنهم أولوا قول الخلفاء الراشدين كما أولوا الحديث المرفوع.
هارون سموه الرشيد، والرشيد صيغة مبالغة، أبلغ من الراشد، فأبو بكر خليفة راشد، وعمر خليفة راشد بالنص، وعثمان خليفة راشد، وعلي خليفة راشد، وهارون رشيد أبلغ من راشد، لكن هذا لا يعني أنه سمي بهذه التسمية فتكون شرعية، لا يلزم أن تكون مطابقة للواقع، لا سيما وأن محتواها أبلغ مما وصف به الأئمة الأربعة، الخلفاء الأربعة، ويقاس عليها ما في معناها من صيغ المبالغة.
قال رحمه الله: "حدثنا عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان الدمشقي قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثنا عبد الله بن العلاء -يعني ابن زبر- قال: حدثني يحيى بن أبي المطاع قال: سمعت العرباض بن سارية" فهو يصرح بالسماع، والذي في كتب الرجال في ترجمته أنه لم يلقَ العرباض بن سارية، وعلى هذا فالخبر منقطع، وهل يضعف يحيى بن أبي المطاع بهذا التصريح وهو لم يلقه؟ أو نحكم بأنه لقيه من خلال تصريحه؟ ونحكم على ما في كتب الرجال بأنه لم يلقه بأن تصريحه أولى بالقبول من الحكم بعدم لقيه إياه، فعندنا في كتب الرجال يقول: إنه لم يلقَ العرباض بن سارية، وهو يقول: سمعت العرباض بن سارية فهل المقدم قوله فيحكم بالسماع، ويحكم على قولهم بالوهم، ولعلهم لم يطلعوا على هذه الطريق التي فيها التصريح، وإن كان هذا بعيد؟ أو يقدم قولهم ويكون قوله:"سمعت العرباض" إما تصحيف من بعض الرواة، أو يكون فيه سقط في السند، والذي يقول: سمعت العرباض غير يحيى بن أبي المطاع ممن هو بينه وبينه، وعلى كل حال الحديث مضعف بسبب ذلك، بسبب أن يحيى بن أبي المطاع لم يلقَ العرباض بن سارية، وعلى كل حال الحديث له شواهد تشهد لألفاظه، حديث العرباض مروي من طرق، منها ما سيأتي.
قال: "سمعت العرباض بن سارية يقول: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فوعظنا موعظة بليغة" وعظنا فالرسول عليه الصلاة والسلام يصح أن يقال: واعظ، كما أنه مبشر ومنذر ومبلغ عن الله -جل وعلا-، يصح أن يقال: واعظ، ويصح أن يقال: مذكر، {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ} [(45) سورة ق] وبعض من ينتسب إلى طلب العلم يأنف أن يقال له: واعظ، وجاء الوعظ في القرآن في مواضع، والأنفة من هذا الوصف لأن من الوعاظ من لا ينتسب إلى العلم، بل هم إلى العامة أقرب، فيأنف، يعني لا سيما في الوضع العرفي، من الوعاظ من هو إلى العامية أقرب، فطالب العلم يأنف أن يصنف واعظ، وقد أشرنا على بعض طلاب العلم الذين لديهم خبرة وقدرة على التأثير أن يشرحوا كتب الرقاق، فقال بعضهم: أنا لا أريد أن أصنف واعظ، لا يريد أن يصنف واعظ، وفي الحديث:"وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم" فهو واعظ، وهذه الأنفة وإن كان مردها وسببها خشية التشبه بالوعاظ والقصاص الذين هم إلى العوام أقرب منهم إلى العلماء، لكن لا يضيرك أن يقال: واعظ، فتشبه بالنبي عليه الصلاة والسلام الذي ثبت وصفه بهذا، وإن تشبث به بعض من لا ينتسب إلى العلم، فالوعظ لا سيما بالنصوص {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ} [(45) سورة ق] وبالنصوص النبوية من أولويات الوظائف بالنسبة للعالم وطالب العلم؛ لأنه بهذا الوعظ وبهذا التذكير وباختيار المادة الصحيحة من كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، مع اجتناب ما لم يثبت، ومع اجتناب القصص التي لا أصل لها، وبهذا يسوق الناس إلى العمل بالعلم، فالعالم وطالب العلم الذي يقتصر على متين العلم من الأحكام فقط فإنه قد يغفل عن العمل، ولا يسوقه ويقوده إلى العمل إلا هذه الأحاديث وهذه الآيات والأحاديث الصحيحة في الرقاق التي ترغب الإنسان في الأعمال الصالحة، فإذا ترك أهل العلم هذا المجال قام به من لا تبرأ الذمة بوعظه، قام به من يعظ الناس بالقصص الواهية، وبالأحاديث الضعيفة والموضوعة كما هو شأن القصاص من قديم، وما ذلكم إلا لأن أهل العلم تركوه، والنبي عليه الصلاة والسلام وعظ أصحابه موعظة بليغة.
موعظة بليغة، وهل المراد بالبلاغة هنا ارتكاب المحسنات وضروب أنواع البديع ومراعاة قواعد البيان والمعاني المعروف مجموعها بعلم البلاغة، هل هذا هو المقصود؟ أو أنه بالغ فيها عليه الصلاة والسلام بالزجر والأمر حتى وجلت القلوب وذرفت العيون؟ لأن الكلام إذا وصف بالبلاغة واستعملت فيه قواعد علم البيان والمعاني، واستعملت فيه المحسنات البديعية فقط، إذا قلنا: البلاغة هذه المشتملة على ثلاثة العلوم أو ثلاثة الفنون هل يقتضي ذلك أن تجل منها القلوب، وتذرف منها العيون؟ لا، ما يلزم، قد يتصف ويطبق قواعد الفنون الثلاثة ومع ذلك يكون مسلي يعني نكتة، وتستعمل فيها قواعد الفنون الثلاثة، المراد بالبلاغة هنا المبالغة في انتقاء النصوص المؤثرة التي منها تجل القلوب، وتذرف العيون.
"قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم" وذات هذه مقحمة يستعملونها وإن اقتصروا على يوم، والمقصود في يوم من الأيام، فوعظنا موعظة بليغة، وجلت منها القلوب، خافت، لكن قلوب من؟ نعم قلوب الصحابة، ومن يضاهيهم ويحاكيهم ممن نور الله قلبه {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [(35) سورة الحج] ومن الناس مع قساوة القلوب التي نعيشها وإلى الله المشتكى لا فرق بين أن يوعظ ويذكر بالقرآن أو بصحيح السنة وبين أن يقرأ عليه من جريدة قصاصة من جريدة، أو يسمع خبر من الأخبار من وسيلة لا فرق، والنبي عليه الصلاة والسلام كما في الحديث المختلف فيه يقول عليه الصلاة والسلام:((شيبتني هود وأخواتها)) وأتحدث عن نفسي أنني بدأت بسورة يونس فلم أشعر إلا وأنا بيوسف، فما الأثر الذي تركته هود في نفسي؟ وأجزم أن مثلي موجود يعني في طلاب العلم، فهل هذه هي القراءة التي تترتب عليها آثارها؟ على الإنسان أن يعيد حساباته، يحاسب نفسه.
زرارة بن أوفى سمع الإمام وهو يقول: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [(8) سورة المدثر] قالوا: خر مغشياً عليه فمات، وبعض الناس ينكر مثل هذا القول، وممن ينكره من المتقدمين ابن سيرين، يقول: لا يمكن أن يغمى على الإنسان أو يغشى عليه يصاب بالغشي؛ لأنه يسمع القرآن، والرسول عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام سمعوا وما حصل لهم شيء من هذا، واختبروا من يدعي ذلك فاجعلوه على جدار واقرؤوا القرآن إن سقط فهو صادق، إن سقط من الجدار فهو صادق، وجمع من أهل التحقيق ومنهم شيخ الإسلام يرى أنه لا مانع من وقوع هذا من بعض الناس، لا شك أن القرآن ثقيل، وأثره في القلوب بالغ، لكن القلوب تتفاوت منها
القلب القوي كقلبه عليه الصلاة والسلام، وقلوب صحابته الكرام، هؤلاء يتقبلون هذا الكلام القوي، هذا الكلام الثقيل بقلوب قوية، يتأثرون تأثر بالغ لكنهم يتحملون، من جاء بعدهم استشعروا هذه العظمة وهذا الثقل لكلام الله -جل وعلا-، لكن القلوب بعد الصحابة ضعفت، فصاروا لا يتحملون مثل هذا الكلام الثقيل، وهم يستشعرون عظمة ما يسمعون، فيحصل لهم ما يحصل، ثم طال بالناس الزمان مع ضعف القلوب، ما نقول: قويت القلوب، القلوب ضعيفة، لكن استشعار عظمة القرآن خفت في قلوب المسلمين، استشعار العظمة خفت، فلذا لا يتأثرون، لكن ما الدليل على أن قلوبهم ضعيفة؟ لو حصل للإنسان منهم أدنى مشكلة تغيرت حساباته وكاد أن يجن بسببها، وقد يصاب بالإغماء أو بالغشي كما حصل في بعض الكوارث التجارية أو المصائب التي تحصل لبعض الناس، هل هذا القلب قوي الذي تأثر بأمور دنياه؟ هذا ليس بقلب قوي، لكن كونه لا يتأثر بالقرآن مع عظمته وقوته وثقله لأنه لا يستشعر هذا، لا يستشعر هذه العظمة، فالصحابة يتأثرون، ومن يستشعر عظمة هذا القرآن يتأثرون.
"فوعظنا موعظة بليغة، وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون" والحديث كما قررنا ضعيف للانقطاع، لكن ألفاظه صحيحة، جاءت من طرق صحيحة؛ لئلا يقول قائل مثل ما قال واحد بالأمس: إنك تقرر الحديث أنه ضعيف وتشرحه، والضعيف ما دام ما يحتج به لماذا يشرح؟ نقول: يشرح إذا كان له ما يشهد له، وله أصل يدل على أنه ثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام.
"وذرفت منها العيون" ذرفت الدموع من العيون "فقيل: يا رسول الله وعظتنا موعظة مودع" يعني كأننا لن نراك بعد اليوم، فاعهد إلينا بعهد، وفي بعض الألفاظ:"فأوصنا""فاعهد إلينا بعهد" نأثره بعدك ونعمل به من بعدك؟ "فقال: ((عليكم بتقوى الله)) " وهي وصية الله للأولين والآخرين، وما من نبي إلا ويأمر قومه بتقوى الله -جل وعلا-، وقد أمر الناس قاطبة بها، وحثوا عليها، وجاء قول الله -جل وعلا-:{قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [(6) سورة التحريم].
((عليكم بتقوى الله، والسمع والطاعة)) لمن ولاه الله أمركم، والسمع والطاعة لمن ولاه الله الأمر ((وإن عبداً حبشياً)) يعني: وإن كان عبداً حبشياً، وإن كان هذا الولي عبداً حبشياً.
يقول عبادة بن الصامت: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، على أن نقول أو نقوم بالحق لا نخاف في الله لومة لائم، والسمع والطاعة لا يختلف مع النصيحة، وأداء الواجب، والسعي لتغيير المنكر أو تقليله، لا منافاة بينهما، ويخطئ من يزعم أن إنكار المنكر بالطرق الشرعية التي تترتب عليها آثارها، أو نصيحة من يحصل منه شيء كائناً من كان ولو كان ولي الأمر، يخطئ من يقول: إن هذا يعارض السمع والطاعة، بل هو من تمام السمع والطاعة، فالدين النصيحة.
يقول: ((وإن عبداً حبشياً)) يعني: وإن كان المولى أو الذي تولى عبد حبشي، وهذا يكون في صورتين لأن الأصل أن الأئمة من قريش، كما ثبت بذلك الخبر من طرق كثيرة جداً حتى جمعها الحافظ ابن حجر في جزء أسماه:"لذة العيش في جمع طرق الأئمة من قريش" حديث صحيح بلا شك، مخرج في الصحيح وغيره.
وقوله: ((وإن عبداً حبشياً)) وفي بعض الروايات: ((رأسه كأنه زبيبة)) إذا كان الخليفة عبد حبشي لا يمكن انتخابه في حال الاختيار وهو عبد حبشي، لا بد في حال الاختيار أن يكون من قريش، لكن في حال الإجبار لو استولى على الناس بسيفه، وأرغمهم على الخضوع له لا بد من السمع والطاعة، ولا يجوز نزع يد الطاعة بعد استتباب الأمن له، إلا بالضوابط الشرعية المعروفة ((لا، ما صلوا)) ما دام يصلي تجب طاعته ((ما لم تروا كفراً بواحاً)) فإذا لم يوجد الكفر البواح فلا يجوز الخروج بحال، ولو وجد الظلم، ولو وجدت المعاصي، ولو كثرت المنكرات، المقصود أن مثل هذا ليس بمبرر للخروج، ونزع اليد من الطاعة، أو شهر السيف في وجه الولاة، لا، أبداً، نعم إذا رئي الكفر المباح نعم هذه غاية، وإذا تركوا الصلاة هذه غاية، كما جاءت به النصوص.
العبد الحبشي هذا إذا تولى بقوته، وقهر الناس، واستولى عليهم، واستتب الأمن له لا يجوز الخروج عليه، والأئمة من قريش في حال الاختيار، حال الترشيح لا يرشح عبد حبشي، وإنما يرشح من قريش، أو يكون مولى من قبل ولي الأمر، ولي الأمر قرشي نعم ولى عبداً حبشياً على جهة من الجهات حينئذٍ تجب طاعته؛ لأن طاعته من طاعة ولي الأمر، وطاعة ولي الأمر من طاعة النبي عليه الصلاة والسلام، وطاعة النبي عليه الصلاة والسلام من طاعة الله عز وجل، ((من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني)).
"فقال عليه الصلاة والسلام: ((عليكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبداً حبشياً، وسترون من بعدي اختلافاً كثيراً)) " وحدث مصداقه بعد وفاته بزمن يسير، وجد الاختلاف والفرقة بين المسلمين، وبعد الفتنة التي بدأت بقتل الخليفة الراشد عمر، ثم قتل عثمان، ثم الخلاف بين علي ومعاوية، وما زال الأمر يزيد حتى طمست كثير من معالم الدين.
((وسترون بعدي اختلافاً شديداً)) يعني إلى أن وجد من الخلفاء من يحمل الناس على الابتداع في الدين.
((وسترون بعدي اختلافاً شديداً، فعليكم بسنتي)) إغراء ((فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين)) الذين هداهم الله إلى الصراط المستقيم ((عضوا عليها بالنواجذ)) والنواجذ هي: الأنياب أو الأضراس، وما يعض عليه بالأضراس يصعب نزعه منها، لا سيما إذا كان العاض جاد وصادق في ذلك.
((عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم والأمور المحدثات)) تحذير ((إياكم والأمور المحدثات)) يعني الإحداث في الدين، وابتداع عبادات لم يأذن الله بها، ولم يسبق لها شرعية من الكتاب والسنة، وهذه هي البدع، ((فإن كل بدعة ضلالة)).
هذه البدع وهذه المحدثات حدثت أول ما حدثت في زمن الصحابة، في بدعة الخوارج، ثم بدعة الروافض، ثم النواصب، ثم تنوعت البدع، وافترقت الأمة على ما أخبر عنه النبي عليه الصلاة والسلام من أنها ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، وحصل هذا كله، لكن على المسلم أن يسعى لخلاص نفسه، فلا يعمل شيئاً إلا وله أصل شرعي، ولا يبتدع في الدين ما لم يأذن به الله، ولا يحدث في دين الله ما لم يسبق له شرعية ((فإن كل بدعة ضلالة)) هذا تعميم من النبي عليه الصلاة والسلام، وأن جميع البدع وأن جميع ما يحدث في الدين فإنه ضلالة، وبهذا يرد على من قسم البدع إلى بدع محمودة، وبدع مذمومة، أو بدع واجبة، وبدع مستحبة، وبدع مباحة، وبدع مكروهة، وبدع محرمة، هذا التقسيم مخترع، لم يسبق له دليل من كتاب ولا سنة، كما قرر ذلك الشاطبي في الاعتصام، رد على هذا التقسيم وقوض دعائمه بأسلوب قوي، وحجة ناصعة، الرسول عليه الصلاة والسلام يقول:((كل بدعة ضلالة)) ونقول: بدعة محمودة؟ الرسول عليه الصلاة والسلام يقرر بأن كل بدعة ضلالة ونقول: بدعة واجبة؟! هذه معارضة ومضادة ومحادة لهذا التعميم النبوي، وإن قال به من قال به من أهل العلم، فهم مجتهدون، هذا غاية ما يقال فيهم، ولا يظن بهم، ولا يتهمون، لكن أشكل عليهم بعض النصوص فقرروا ما قرروا.
ممن يرى التقسيم العز بن عبد السلام والنووي وابن حجر وجمع من أهل العلم، يرون هذا التقسيم، أن البدع منها ما يمدح، ومنها ما يذم، ((من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة)) فيقولون: هذا سن سنة، يعني ابتدأها، وسماها النبي عليه الصلاة والسلام، ووصفها بأنها حسنة، إذاً من سن يعني ابتدع واخترع سنة حسنة، وهناك أيضاً سنة سيئة، فدل على أن من البدع وما يسن وما يخترع منه ما هو حسن ومنه ما هو سيء، وأيضاً يتشبثون بقول عمر رضي الله عنه في صلاة التراويح:"نعمت البدعة هذه" فمدحها؛ لأن (نعم) مدح بخلاف (بئس) وسماها بدعة، أما من سن في الإسلام سنة فسبب الورود يدل على أنه ليس بشيء جديد يخترعه من سن، وإنما هو ابتداء في مشروع يغفل عنه الناس أو يتركونه، تموت هذه السنة الثابتة عن النبي عليه الصلاة والسلام بدليل صحيح، فيهجرها الناس فمن يحييها له هذا الأجر، وليس المراد بذلك سنة لا دليل عليها من الكتاب والسنة، بل هذه بدعة وليست بسنة، وسبب الورود أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بالصدقة فجاء أول شخص بمال وفير وتصدق به، فأراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يبين أن هذا الذي سبق يستن الناس بسنته، ويقتدون به في هذا البذل الذي جاء الحث عليه من الشارع، يعني ليس بمبتدع، كونه سبق الناس ليقتدوا به هذا له الأجر، له أجر هذا العمل، وأجر من عمل به إلى يوم القيامة، وقل مثل هذا من بادر في إحياء سنة ماتت مثلاً، من بادر بإحياء سنة سيئة –أقصد- ماتت في مقابل السنة الحسنة، أو ابتكر بدعة وعمل الناس بها، واقتدوا به فيها هذا عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.
طالب:. . . . . . . . .
إذاً كيف يعمل بدون نية تعبد؟ يعني أنت تريد أن مثل هذا الذي تصدق، يعني شخص يريد أن يصلي بعد صلاة المغرب أربع ركعات مثلاً أو ست ركعات بسلام واحد مثلاً هذا لم يسبق له شرعية، فهل تريد أن هذا لا يدخل في حيز البدعة حتى ينوي التعبد؟ هو ما صلاها إلا للتعبد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
مثل إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
مثل؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني كونه يتخذ يوماً لعبادة معينة؟
طالب:. . . . . . . . .
يوم معين لا مزية له على الأيام، يعني يتخذ يوم السبت أو يوم الثلاثاء لختم القرآن من كل أسبوع مثل هذا؟ تعني مثل هذا؟
طالب:. . . . . . . . .
المقصود أن مثل هذا لم يسبق له شرعية، ولا التزم من قبل السلف الصالح، فليس من فعلهم أن يخصصوا يوماً لختم القرآن، لكنه من لازم الفعل، ليس من فعلهم لكنه من لازم الفعل، كيف من لازم الفعل؟ السلف امتثالاً لقول النبي عليه الصلاة والسلام:((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) قسموا القرآن إلى أسباع، فطريقتهم في قراءة القرآن في تقسيمه على سبع امتثالاً لهذا الأمر النبوي أنهم يقرؤون في اليوم الأول ثلاث، وفي الثاني خمس، وفي الثالث سبع، وفي الرابع تسع، وفي الخامس إحدى عشرة، وفي السادس ثلاث عشرة، وفي السابع المفصل، ومن لازم هذا الفعل أن يكون الختم في يوم واحد؛ لأن الأسبوع سبعة أيام، فإذا كان فعله الختم في يوم السبت أو في يوم الثلاثاء من أجل هذا فلا ضير عليه؛ لأنه يقرأ القرآن في سبع والأسبوع سبعة أيام، فليس من فعلهم لكنه من لازم فعلهم، فلا يوصف بالبدعة حينئذٍ، وقل من باب أولى إذا اتخذ يوم الجمعة أو عصر الجمعة لختم القرآن لا يلام على ذلك، ولا يقال: إنه وقت وقتاً للعبادة لم يوقته الشارع، نقول: الشارع أمر بقراءة القرآن في سبع، والأسبوع سبعة أيام من لازم ذلك أن يختم في يوم معين، لكن لو افترضنا أن القرآن يقرأ في غير هذه العدة، ثم إن الإنسان يتعمد أن يكون ختمه في يوم الثلاثاء، الأربعاء، أو الخميس، أو أي يوم من الأيام ما لم يكن الوقت له مزية، كأن يكون وقت إجابة دعوة، ولمن ختم القرآن دعوة مستجابة كما جاء في الخبر، الصحابة كأنس وغيره يجمعون أولادهم وأهليهم يجمعونهم لختم القرآن، ولذا يحرص منذ أزمان متطاولة أن يكون ختم القرآن في رمضان ليلة سبع وعشرين؛ لأنها ترجى فيها ليلة القدر، وأكثر ما يختم الأئمة في ليالي الوتر، وهذا الاختيار له وجه شرعي، فإما أن يكون مما تدل له الأدلة كما هنا، أو يكون من لازم فعل السلف المبني على الدليل، وهذا لا إشكال فيه، لكن لو كان في كل يوم ثلاثاء مثلاً يدخل المسجد ويجلس من بعد صلاة الظهر إلى العصر في هذا اليوم خاصة يعتقد فيه مزية، ويخصه من بين الأيام نقول: ابتدعت.
((فإن كل بدعة ضلالة))
…
استدلالهم بقول عمر رضي الله عنه: "نعمت البدعة" هذا دليل ليس في محله؛ لأن عمر رضي الله عنه لم يقصد البدعة الشرعية؛ لأن هذا العمل سبق له شرعية من فعل النبي عليه الصلاة والسلام، هذا العمل وهو صلاة قيام رمضان جماعة فعله النبي عليه الصلاة والسلام ليلتين أو ثلاث ثم تركه لا نسخاً له ولا رغبة عنه، وإنما خشية أن يفرض، فلما أمن فرضية هذه العبادة أمنت لأنه لو فرضت ما أطاقها الناس ولعجزوا عنها، فلما أمنت بوفاته عليه الصلاة والسلام أعادها عمر، فهو يعمل بشرع سابق، وحينئذٍ لا يسمى بدعة لأنه سبق له شرعية من السنة، فلا يريد البدعة الشرعية قطعاً؛ لأنه لا يتصور من عمر أنه يبتدع في دين الله وقد أمرنا بالعمل بسنته رضي الله عنه وأرضاه-.
شيخ الإسلام يرى أنها بدعة لغوية، تعريف البدعة لغة: ما عمل على غير مثال سابق، وهذه الفعلة أعني جمع الناس على إمام واحد له مثال سبق في عهد النبي عليه الصلاة والسلام فليس ببدعة لغوية، والشاطبي يقول: مجاز، وأيضاً عند من ينفي المجاز لا يقول بهذا، فماذا يقول من ينفي المجاز؟ يقول: عمر -رضي الله تعالى عنه- تصور أن قائلاً سوف يقول له: ابتدعت يا عمر، فقال رضي الله عنه وأرضاه-: نعمت البدعة هذه على سبيل المشاكلة والمجانسة في التعبير، مشاكلة ومجانسة في التعبير، لا إرادة حقيقة البدعة، المشاكلة نوع من أنواع البديع، بخلاف المجاز الذي هو من علم البيان، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا مقرر عند أهل العلم، لكن الكلام إجمالي، لا نريد أن ندخل في تفصيلات، أمامنا نص يقول:((فإن كل بدعة ضلالة)) نعم ((كل بدعة ضلالة)) لكن إذا كان الوقت أو الوصف من لازم عمل السلف الصالح نحكم عليه بأنه بدعة؟ ما نحكم بأنه بدعة، ولو قال أهل العلم مثل هذا، لكن هم يقررون مسائل أصول العلم أو أصول هذه المسألة، ثم تفاصيلها انظر هل له أصل أو لا أصل له؟ فإن كان من عملهم، من عمل السلف أو من لازم عملهم كما قررنا في ختم القرآن في يوم معين، ما دام الرسول عليه الصلاة والسلام يقول:((اقرأ القرآن في سبع)) وأيام الأسبوع سبعة يبي يختلف يوم الختم؟ لن يختلف يوم الختم؛ لأن الأسباع التي حزبت وقسم عليها القرآن تدور مع الأيام، كل يوم في حزبه المعين، فلا يلزم من ذلك أن يكون بدعة لأنه من لازم عملهم.
إذاً قول عمر -رضي الله تعالى عنه-: "نعمت البدعة" إنما هو من باب المشاكلة والمجانسة في التعبير، وأهل البلاغة وأهل البديع يقررون أن المجانسة لا يلزم فيها أن يكون اللفظ مذكوراً، وإنما يقولون: حقيقة -يعني مذكور لفظ مجانس حقيقة- أو تقديراً، فإذا خشي الإنسان أن يقال له: فعلت كذا؟ قال: نعم فعلت، ابتدعت يا عمر؟ نعمت البدعة، ويش المانع؟ يعني على سبيل التنزل، والأمثلة على ذلك كثيرة، وبسطنا هذه المسألة في مناسبات فلا داعي لإعادتها.
قال رحمه الله بعد ذلك: "حدثنا إسماعيل بن بشر بن منصور وإسحاق بن إبراهيم السواق قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح عن ضمرة بن حبيب عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي" عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي هذا قالوا عنه: إنه صدوق، فحديثه حسن "أنه سمع العرباض بن سارية يقول" الحديث بهذا الإسناد حسن "يقول: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة" يعني كما تقدم في الخبر السابق "ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله إن هذه لموعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ قال:((قد تركتكم على البيضاء)) " وهذا تقدم على الملة البيضاء، الطريق والمحجة البيضاء التي ((ليلها كنهارها)) يعني لا يمكن أن يرد معها شبهة لا حل لها إلا عند من خالف أو قصر، فالدين واضح -ولله الحمد-، ولا خفاء فيه ولا غبش ولا لبس، لكن بعض الناس يؤتى من قبل نفسه، إما أن يقصر في تعلم الدين، أو يسلك غير سبيل المؤمنين، ولو كان هذا السلوك جزئياً فإنه يدخل عليه الخلل بقدره.
((تركتكم على البيضاء ليلكها كنهارها)) لا يختلف فيها الأمر، فهي واضحة جلية ((لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً)) وقد حصل كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام ((فعليكم بما عرفتم من سنتي)) أما ما أنكرتموه فتوقفوا فيه، فإن كنتم من أهل العلم والنظر والتأهل للوصول إلى الصحيح من الضعيف بأنفسكم فهذا فرضكم، فابحثوا وتأكدوا، فإن ثبت فاعملوا به، وإن لم يثبت فاجتنبوه، واطرحوه وألقوه ((بما عرفتم من سنتي)) وإن كنتم لستم من أهل النظر في هذا الباب، ولا تأهلتم لذلك، فاسألوا أهل العلم، هذه فريضة العامي ومن في حكمه يسألوا أهل العلم.
((فعليكم بما عرفتم من سنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة)) يعني بالسمع والطاعة ((وإن عبداً حبشياً)) وهذا تقدم ((فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد)).