الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* بيان أهمية هذا الفن.
* ترجمة الناظم.
* شرح البسملة وإعرابها.
* شرح مقدمة الناظم (مقدمة الكتاب).
إن الحمد لله نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
سنشرع في هذه الليلة بإذن الله تعالى ليلة الأحد التاسع من شهر رجب عام ست وعشرين وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية في منظومة الزمزمي رحمه الله تعالى في علوم القرآن المسماة بـ ((منظومة التفسير)) وهي أولى لذكر الشراح لها بهذا العنوان.
((منظومة الزمزمي)) هذه كما ذكرت أنها في علوم القرآن، إذًا يفهم منها أن البحث يكون فيما يخدم القرآن وكما أن للحديث أصولاً وعلومًا تخدم علم الحديث وللفقه أصولاً وعلومًا تخدم الفقه كذلك لتفسير كلام الرب جل وعلا علومًا وأصولاً وقواعد تخدم هذا الفن، فكما أنه لا استنباط للفقيه من النصوص نصوص الوحيين في الأحكام الشرعية الحلال والحرام إلا بعد العلم بأصول الفقه، كذلك لا يمكن للمحدث أن يصحح أو يضعف أو يحكم بصحة حديثه أو ضعفه إلا بعد العلم بعلوم الحديث كما هو معلوم لديكم، كذلك هنا تأتي الأهمية في توقف فهم نصوص الرب جل وعلا أو القرآن الكريم القرآن العزيز على فهم هذه القواعد والأصول التي جعلها العلماء في ما يسمى ((علوم القرآن)) أو ((علوم التفسير)) أو ((أصول التفسير)) أو ((قواعد التفسير)) وكلها كما سيأتي بيانها ألفاظ ومصطلحات مترادفة وإن كان ثم فرق في بعضها دون بعض إلا أنها في جوهرها كلها فيما يخدم القرآن.
ولا شك يتميز هذا العلم وهو ((علوم القرآن)) على قلة وضعف ما يُطرح الآن يتميز بأنه يبحث في كلام الرب جل وعلا من جهتين:
أولاً: كونه كلام الله سبحانه وتعالى. ومعلوم أنه إذا كان كلام الرب أفضل من كل الكلام سواه لأنه كلام الخالق وما عداه فإنه مخلوق، حينئذ
…
إذا كان كلام الرب جل وعلا أفضل من كل كلام سواه فعلومه حينئذ
…
تكون أفضل من كل علم عداه كما نص على ذلك الزركشي في مقدمة
…
((البرهان)).
إذًا تنظر في ((علوم القرآن)) أو ((علم القرآن)) في كونه متعلقًا بكلام الرب جل وعلا، فإذا كان متعلقًا بكلام الرب جل وعلا فهو أفضل كلام وأفصح كلام وأغلب وأعجز كلام حينئذ يكون كل علم منبثق من القرآن يكون شرفه كشرف كلام الرب جل وعلا على سائر الخلق، كذلك فهم القرآن الذي هو الأصل في التنزيل {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} ، {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص: 29] إذًا فالمقصود الأعظم من إنزال القرآن ليس هو التلاوة فحسب - وإن كانت التلاوة متعبدًا بها - إلا أنها ليست مقصودةً بالإصالة، وإنما المقصود بالأصالة هو التدبر والفهم، والتدبر والفهم كما هو معلوم يحصل بماذا؟
يحصل بالعلم بأصول الكلام الذي يُتَدَبَّرُ، فحينئذ يصير توقف تدبر وفهم وإيضاح معنى القرآن الذي عُنْوِنَ له بالتفسير الذي هو الكشف والإيضاح لأنه مأخوذ من الفسر كما سيأتي وهو الكشف والإيضاح يكون متوقفًا على ماذا؟
على فهم هذه العلوم التي عَنْوَنَ لها العلماء بعلوم القرآن، ولذلك ذكر مجاهد في قوله تعالى:{يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً} [البقرة: 269]. قال: الفهم والإصابة في القرآن. {يُؤتِي الْحِكْمَةَ} أي: الفهم والإصابة في القرآن لماذا؟
لأن الأصل من تنزيل القرآن هو الفهم والإصابة؛ لأن ليس كل فهم يكون صوابًا إذًا لا بد من فهم ومن إصابة، الفهم قد يشترك فيه العالم وغيره لماذا؟
لأنه ما يتبادر إلى الذهن لكن إذا أريد به فهم الصحيح وهو إدراك معاني الكلام أو العلم بمعاني الكلام عند سماعه كما هو معنى الفهم في لغة العرب فحينئذ لا بد من تنزيل هذا الفهم على قواعد وأصول وضوابط لأن لا يكون الكتاب وكذلك السنة لا تكون مفتوحة هكذا لكل من أراد أن يفهم فليفهم ما شاء، لا، لا بد من ضابط يرجع إليه العالم سواء كان في فهم النصوص الوحيين في استنباط الأحكام الشرعية الحلال والحرام أو لفهم المعاني العامة معتقد وغيره لأن الكتاب كما هو معلوم مصدر التشريع للأمة الإسلامية لأن السنة والإجماع والقياس مرجعها إلى الكتاب فهو الأصل الأصيل، وكل أصل يُستنبط أو تُؤخذ من الشريعة يكون حينئذ منبثقًا عن الكتاب هو الأصل الأصيل وما عداه كله يكون متفرعًا عليه، فلذلك ذكر أيضًا مقاتل في الآية السابقة {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ} قال: علم القرآن. حينئذ الحكمة فُسِّرَتْ هنا في بعض الأقاويل بأنها الفهم والإصابة في القرآن وبأنها علم القرآن ولذلك قال ابن عيينة رحمه الله سفيان في قوله تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف: 146]. قال: أحرمه نعمة القرآن. لماذا؟
لأن الأصل من التنزيل هو الفهم والإصابة. قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: من أراد العلم فليسور القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين. يعني: علم الأصول أو أصول الدين وأصول الحلال والحرام موجودة في القرآن وإنما تحتاج إلى تسوير بمعنى تفتيش وصح ونظر وتدبر وتأمل.
إذًا علمنا هذا نعلم ما السر في وضع هذه المنظومة في هذه الدورة وفي هذه الإجازة الصيفية لندرك بعض ما يتعلق بأسرار هذا العلم الشريف وهو على التفسير وما ينبني عليه ذلك العلم وهو علوم القرآن، وكان الاختيار واقعًا على منظومة التفسير التي سميت بـ:((منظومة التفسير)). وقيل: بأنها ((منظومة الزمزمي)). نسبة إلى مؤلفها وكان الأشهر أنه ذكر في ترجمته أنه ألف منظومة في التفسير وذكر شارحها بأنها ((منظومة التفسير)).
منظومة التفسير للشيخ الأديب المفسر عبد العزيز الرئيس الزمزمي نسبة إلى زمزم -كما سيأتي - عز الدين بن علي بن عبد العزيز بن عبد السلام بن موسى بن أبي بكر بن أكبر بن علي بن أحمد بن علي بن محمد بن داود البيضاويُّ الشيرازيُّ الأصل ثُمَّ المكيُّ الزمزميُّ الشافعي، ولد عام تسعمائة من الهجرة بمكة، قدم جده الأعلى علي بن محمد إلى مكة في سنة ثلاثين وسبعمائة فساعد الشيخ سالم بن ياقوت المؤذن ليكون مؤذن لعله المسجد الحرام في ذلك الوقت في خدمة بئر زمزم، فلما ظهر له فضله نزل له عنه يعني: تنازل له عن بئر زمزم وخدمتها فاشتغل علي بن محمد الذي هو جد عبد العزيز الزمزمي بخدمة زمزم فقيل له: الزمزمي. إذًا الزمزمي نسبة إلى ماذا؟ إلى بئر زمزم.
ولد عبد العزيز بمكة ونشأ بها وأخذ العلم عن أهلها وبرع في الفنون وله في الأدب اليد الطولى وله تآليف ومنها ذكر في ترجمتها كذا ((منظومة في التفسير)) وهي التي معنا نظم فيها ((النُّقَاية)) لجلال الدين السيوطي، وشرح مقامات الحريري، وكتاب في الفتاوى، وله شعر حسن توفي المترجم له سنة ست وسبعين وتسعمائة بمكة.
وهذه المنظومة قد عُنِيَ بِها خاصة في هذه البلد الحرام قديمًا والآن لا ذكر لها، وإنما يعنون بها العلماء الوافدين، لذلك أكثر الشراح من الأندلسيين ونحوهم فشرح شروحًا عدة ولهم عليها بعض الحواشي منها:
((نهج التيسير شرح منظومة الزمزمي في أصول التفسير)) هذا يكاد يكون أول شرح لها لمحسن بن علي بن عبد الرحمن المساوي الحضرمي توفي سنة أربع وخمسين وثلاثمائة وألف - قريب العهد ألف ثلاثمائة وأربع وخمسين -، وعلى هذا الشرح حاشيتان مطبوعتان حاشية علوي بن عباس بن عبد العزيز المالكي، وحاشية الشيخ محمد ياسين الفاداني المكي. وهذا قريب أيضًا.
الشرح الثاني: ((التيسير شرح منظومة التفسير)) محمد يحيى أمان المدرس بمدرسة الفلاح القديمة.
حينئذ نقول: هذه المنظومة أصلاً لعبد العزيز من؟ الرئيس الزمزمي وكان من أعيان علماء مكة، وشُرح في الشرحين المذكورين ولجلالتها عندهم درست في الصولتية المدرسة وكذلك مدرسة الفلاح القديمة.
قدم لمنظومته بمقدمة وهي التي تسمى عندهم بمقدمة الكتاب، وسبق مرارًا أن المقدمة مقدمتان:
مقدمة كتاب.
ومقدمة علم.
مقدمة العلم هي التي يُعنى بها المبادئ العشر
إن مبادئ كلِّ فَنٍّ عَشْرَة
…
إن مبادئ كلِّ فَنٍّ عَشْرَة
ونسبة وفضله والواقع
…
والاسم والاستمداد حكم الشارع
مسائل والبعض بالواو اكتفى
…
ومن درى الجميع حاز الشرف
هذه سيأتينا بحثها إن شاء الله في الدرس القادم.
واليوم نشرع في النظم وهي ما يسمى: بمقدمة الكتاب.
مقدمة الكتاب شاع عندهم أنه يذكر فيها البسملة والحمدلة والشهادتين وأما بعد وبراعة الاستهلال وتسمية نفسه وتسمية كتابه إلى ما يُذكر من الواجبات والمستحبات التي مر معنا ذكرها كثيرًا.
قال: بسم الله الرحمن الرحيم.
إذًا افتتح المصنف أو الناظم رحمه الله تعالى منظومته ((منظومة التفسير)) بالبسملة، وافتتاح الشعر الذي يكون في العلوم والآداب هذا متفق عليه لا بأس به، وإنما وقع خلاف فيما عدا العلوم والآداب هل يجوز أن يفتتح الشعر بالبسملة أو لا؟ على خلاف ذكرناه فيما سبق، أما هذه التي معنا فبالاتفاق أنه يجوز أن يفتتح الشعر لأنها آية والشعر في الجملة مذموم جاء ذمه في الشرع فهل كل شعر مذموم؟
لا. ليس كل شعر مذموم. وعليه إذا كان الشعر فيه ما فيه فحينئذ البسملة آية من آيات الكتاب، هل يجوز أن يُتقدم بالبسملة بين يدي الدواوين والشعر؟
المسألة فيها خلاف لماذا؟
لأن الشعر كما ذكرت لكم أنه فيه ما فيه من حيث الأنواع، والبسملة جاء في الحديث:«كل أمر ذي بال» . يعني: كل أمر ذي بال وشأن يهتم به شرعًا. فهل يهتم الشرع بالدواوين ونحوها؟
الجواب: في الجملة لا، إلا إذا كان مؤديًا إلى حفظ لغة العرب فحينئذ جاء من قبيل ما لا يتم الواجب به فهو واجب لماذا؟
لأن القرآن والسنة بلسان عربي، والقرآن على جهة الخصوص نزل بلسان عربي مبين حينئذ لا يمكن فهم لسان العرب الذي هو القرآن إلا بفهم لسان العرب الذي نقل عن العرب أنفسهم.
(بسم الله الرحمن الرحيم) نقول: إذًا لا بأس بالابتداء بها في هذه المنظومة بالإجماع لأنها مما اشتمل على العلم والآداب، ابتدأ المصنف نظمه بالبسملة لأمور:
أولاً: اقتداء بالكتاب العزيز. لأنه مفتتح بالبسملة.
ثانيًا: اقتداء بالسنة الفعلية. لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كتب الرسائل افتتحها بـ: بسم الله الرحمن الرحيم إلى هرقل عظيم الروم كما جاء في صحيح البخاري.
الثالث: إن صح الحديث فيقال بالسنة القولية: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بـ بسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر» . «كل أمر ذي بال» . يعني: كل شيء ذي بال يُهتم به شرعًا لا يُبدأ فيه بـ بسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر - يعني كالأبتر -. أي ناقص البركة قالوا: فهو إن تم حسًا إلا أنه ناقص من جهة المعنى لو تم حسًا تم الكتاب كتابته وطباعته ولم تذكر فيه البسملة فحينئذ يقل النفع يعني: وإن تم حسًا إلا إنه ناقص من جهة المعنى. لماذا؟
لأن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بأنه أبتر، والأبتر هو مقطوع الذَّنَب فحينئذ لا بد أن يكون مقطوعًا إما حسًا بأن لم يتمه بالفعل، وإما أن يكون من جهة المعنى فهو إن تمه أو أتمه فحينئذ لا بد أن يصدق عليه الحديث فهو أبتر لا بد أن يكون مقطوع الذَّنب أو كمقطوع الذَّنَب، فحينئذ الغاية المرجوة من كتابة الكتاب وتأليف المؤلف هو نفع الناس فحينئذ إذا نقص النفع حصل ماذا؟
حصل البتر وقل هذا على جهة التنزل مع صحة الحديث.
الأمر الرابع: إجماع المصنفين والمؤلفين. قال ابن حجر رحمه الله تعالى: وقد استقر عمل الأئمة المصنفين على افتتاح كتب العلم بالتسمية وكذا معظم كتب الرسائل. ذكره في مقدمة شرح البخاري وقد استقر عمل الأئمة المصنفين على افتتاح كتب العلم بالتسمية وكذا معظم كتب الرسائل، إذًا هذه سنة عملية من جهة أهل العلم كأربعة أمور شرع الناظم في ابتداء منظومته بالبسملة.
البسملة الأحاديث فيها من جهة المفردات يطول ولكن كلام مختصر لا بد منه في كل موضع يتعلق بما جُعِلَتِ البسملة مبدأً له في ذلك الفن، والبسملة آية ولا ينبغي للطالب أن يتضجر من التفقه والنظر في الآية لأن البسملة كما هو معلوم آية يُفتتح بها كل سورة سوى براءة وجزء آية {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل: 30] حينئذ النظر فيها من جهة الإعراب، النظر فيها من جهة معانيها، النظر فيها من جهة صرفها وبيانها يكون من أي حيثية؟
يكون من باب التفقه في الكتاب، والبعض يتضجر من أي كلام يتعلق بالبسملة كأنها خارجة عن موضوع العلم بالكلية كأنها من فضول العلم، لا، ليس بصحيح بل هي آية فحينئذ يكون النظر فيها كالنظر في غيرها كأنك تقرأ {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] تقول: {الْحَمْدُ للهِ} هذا مبتدأ {للهِ} هذا جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر، كونك تعرف أن هذه جملة اسمية لها مدلول غير كونها جملة فعلية فيختلف المعنى من دلالة الجملة الاسمية ودلالة الجملة الفعلية، ونحن الآن نبحث في مقدمات التفسير والتفسير مبناه على لغة العرب فحينئذ لا ضجر ولا تضجر.
(بسم الله الرحمن الرحيم) كما هو معلوم أن الجار والمجرور لا بد أن يتعلق بمحذوف لأنه حرف جر أصلي، وعلى الصحيح قيل: حرف جر زائد الباء. والأصح أنه حرف جر أصلي فحينئذ لا بد من متعلق يتعلق به الجار والمجرور لا بد للجار من التعلق بالفعل أو معناه نحو مرتقي وأحسن ما يقال: أنه فعل مؤخر مناسب. يعني: خاص مناسب بالمقام، فعل لا اسم، لماذا؟
لأن الأصل في العمل الأفعال، إذًا بسم الله هذا متعلق بمحذوف هذا المحذوف واجب حذفه لأن الجار والمجرور هنا صار متعلقًا بمحذوف وأُجْرِيَ مُجْرَى المثل، يعني لا يجوز النطق به. وما ورد النطق بالمتعلق في الكتاب أو السنة {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] هذا للاهتمام بالقراءة يعني خروجًا عن المقصود، والخروج عن المقصود لأمر ما لا ينافي أصل قاعدة كما هو معلوم في شأن القواعد العامة، كل قاعدة فقهية أو نحوية أو غيرها نقول: الأصل فيها عمومها لكن لا يمنع أو يبطل عمومها أو كونها قاعدة أو أصل أو قضية كلية لا يمنع ذلك من استثناء بعض الأفراد، وهذا مطرد في كل العلوم، حينئذ بسم الله نقول: هذا متعلق بمحذوف لا يجوز ذكره فإن ذكر في نحو قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1]{اقْرَأْ} هذا هو المتعلق الذي نريد أن نقدره هنا وقد نطق به نقول: هذا خروج عن القاعدة لأمر ما لنكمل الفائدة أهم من حذف المتعلق الذي معنا وهو الاهتمام بالقراءة لأن المقصود هناك ليس التبرك بـ: بسم الله، وإنما المقصود أن الأعظم والأعلى أن المقام مقام تنزيه القرآن دين تشريع، فحينئذ نقول المقام هنا في مقام القراءة فهي أهم من المتعلق الذي يحصل أو يجب حذفه في هذا المقام الذي معنا، كذلك «باسمك ربي وضعت جنبي» نقول: التصريح به لا ينفي أن يكون الأصل أنه محذوف وهذا الحذف يكون واجبًا، فعل لأن الأصل في العمل الأفعال فرع في الأسماء، العمل الرفع والنصب والجر والجزم هذا الأصل فيه أن يكون للفعل لا للاسم، حينئذ إذا تردد المعمول الذي معنا بين أن يكون المحذوف فعلاً أو اسمًا فالأولى أن يكون فعلاً، لماذا؟
لأن الأصل في العمل الأفعال إذًا قدرناه فعلاً لا اسمًا لهذه النكتة.
أن يكون مؤخرًا يعني: لا مقدمًا. تقول: بسم الله أقرأُ. مؤخرًا لماذا؟
لفائدة وهي القصر والحصر، والقصر والحصر بمعنى وهو إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما عداه، بسم الله أقرأُ لا باسم غيره. لأن تقديم ما حقه التأخير يفيد ماذا؟
يفيد الاختصاص والقصر والحصر مثل قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5]. فنحن نقرأها في كل ركعة لا تجزأ ركعة إلا بـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]{إِيَّاكَ نَعْبُدُ} أصلها: نعبدك. فعل وفاعل ومفعول به لِمَ قدمت إياك؟
لإفادة الحصر، ما معنى الحصر؟
يعني: لا نعبد إلا إياك. انظر هذا المعنى الزائد عن اللفظ لا نعبد إلا إياك حصر العبادة في الله، ونفي العبادة عن كل ما سوى الله، {وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} أي: لا نستعين إلا إياك. إثبات الاستعانة بالله عز وجل ونفيها مطلقًا عن كل ما سواه، بسم الله أستعين وأتبرك بسم الله لا بسم غيره مطلقًا إذًا المعنى موجود كما هو هناك في {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} وهذا الحصر استفدناه من ماذا؟
من تقديم ما حقه التأخير بسم الله أقرأُ يعني: لا بسم غيره.
أيضًا الفائدة الثانية: أن لا يتقدم على اسم الله غيره، يعني الاهتمام. الاهتمام به لئلا يتقدم على اسم الله غيره، حينئذ لو قيل أقرأ أو أنظم بسم الله أو قال: أنظم باسمه. تقدم الفعل وهو دلالته على الحدث وهو النظم تقدم على اسم الله وهذا مخالف للأصل.
إذًا هاتين الفائدتين أُخِّرَ العامل قدر مؤخرًا ثم يكون خاصًا لماذا؟
قالوا: لأن كل من بسمل فقد أضمر في نفسه ما جعل البسملة مبدأً له، كل من بسمل كل من قال بسم الله في أي قول فعل نوم سفر أكل شرب
…
إلى آخره لا بد أنه قد نوى في نفسه الفعل والحدث الذي جعل البسملة مقدمةً له، لا يمكن أن يقول: بسم الله. ويشرب وينوي في قلبه أنه سينام يمكن؟
إذًا إذا قال: بسم الله. وشرب حينئذ نقول: قدر في نفسه ماذا؟
بسم الله أشرب، لو وضع جنبه وأراد أن ينام قال: بسم الله أنام. حينئذ يقدر في كل موضع بحسب الفعل الذي جعل المتكلم والناطق للبسملة ما جعل البسملة مبدأً له، فالمسافر يقدم بسم الله أسافر، والآكل بسم الله آكل، والشارب بسم الله أشرب وهلم جر، وهنا: بسم الله أَنْظِمُ أو أُأَلِّف، والقارئ يقول: بسم الله أقرأ
…
إلى آخره حينئذ لهذه الفائدة وهي كون متعلق البسملة الجار والمجرور خاصًا ليدل على ما جعل البسملة مبدأً له وهو الناطق والمتكلم بها.
بسم الله الرحمن الرحيم ذكرنا أن بسم الله جار ومجرور متعلق بمحذوف وهو مضاف ولفظ الجلالة مضاف إليه وهو مشتق على الصحيح وأصله: الإله. حذفت الهمزة تخفيفًا ثم أدغمت اللام في اللام ثم فخمت لأجل التعظيم فقيل: الله.
بسم الله أيضًا من النكات والفوائد في هذا الموضوع أن يقال: بسم الله هذا يحتمل الإضافة، مضاف ومضاف إليه. إما الإضافة من الإضافة البيانية، وإما من إضافة الاسم إلى المسمَّى.
الإضافة البيانية: أن يكون المراد اللفظ. بسم هذه نكرة أضيف إلى لفظ الجلالة، إلى اللفظ إن رُوعِيَ ولوحظ اللفظ كانت الإضافة بيانية، فحينئذ يصح الإخبار بالمضاف إليه عن المضاف فيكون التقدير بِسْمٍ هُو اللهُ حينئذ استعان بماذا؟
بلفظ الجلالة بالاسم والاستعانة والتبرك بالاسم استعانة بالمسمى من باب الأولى والأحرى، وهذا متى؟
إذا جعلنا الإضافة بيانية بِسْمٍ هُو اللهُ جعلت المضاف إليه خبر عن المبتدأ الذي هو اسم، وإن جعلت الإضافة من إضافة الاسم إلى المسمى يعني لاحظت المسمى الله لاحظت المسمى حينئذ تكون الإضافة مسماة عندهم عند البيانيين بإضافة الاسم إلى المسمى فيكون التقدير كما هو في قوله تعالى:{وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللهِ} [إبراهيم: 34]. فيكون من باب إضافة النكرة إلى المعرفة فيصير من صيغ العموم بكل اسم هو لله صار المعنى بسم الله أي: بكل اسم هو لله سمى به نفسه أو أنزله في كتابه أو علمه أحدًا من خلقه أو استأثر به في علم الغيب عنده. لأنه صار من صيغ العموم فانظر الفرق بين المعنيين.
إن لوحظ اللفظ لفظ الجلالة صارت الإضافة بيانية فيكون متعلق البسملة أو التبرك أو التيمن أو الاستعانة هو لفظ الجلالة فقط، فيستلزم الاستعانة والتبرك بالاسم لأن الاسم للمسمى كما قال، الاسم للمسمى. لله الأسماء الحسنى إذًا الاسم للمسمى، وعلى الثاني الإضافة إضافة الاسم إلى المسمى تكون الإضافة على حد قوله:{وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34]. حينئذ يصيغ من صيغ العموم.
بسم الله، الله المراد به أو المعنى ما معناه؟
الله ذو الأولهية والعبودية على خلقه أجمعين لأن الإله مشتق هذا هو الصواب أنه مشتق بمعنى أنه يدل على ذات متصفة بصفة ولذلك وقع نزاع هل الله لفظ الجلالة مشتق أو جامد؟
جامد بمعنى أنه لا يدل على معنى تطلق على مسمى علم فقط، مجرد عن المعنى كما تقول: زيد. لا يدل على معنى، تقول: صالح. يسمى الرجل صالح وليس له معنى، هل لفظ الجلالة الله يدل على معنى أو لا؟
نقول: الصواب أنه يدل على معنى، وهو ذات متصفة بالإلهية وهي: العبودية. لأن إله فعال مشتق من أله أصله أله يأله إلهة وألوهة وإلوهية، وهذا مأخوذ من معنى التعبد كما قال رؤبة:
لله در الغانيات الْمُدَّهِ
…
سبحن واسترجعن من تألهي
أي: تعبدي. وهذا هو الحق أنه مشتق قوله: بأنه جامد. لا دليل عليه، وابن القيم رحمه الله قال: من نسب القول بالْجُمود لسيبويه قال: أخطأ عليه. لأنه نسب إلى سيبويه أنه يقول: جامد. والصواب أنه مشتق، وأن معناه العبودية، إله يعني: معبود. فعال بمعنى مفعول.
(بسم الله الرحمن الرحيم). الرحمن الرحيم اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة إلا أن الرحمن أشد مبالغة من الرحيم لأن زيادة البناء تدل على زيادة في المعنى غالبًا، رحيم أربعة أحرف ورحمن خمسة أحرف حينئذ لا بد من زيادة في المعنى لأنه جاء على وزن فعلان، وفعلان كما يقول ابن القيم رحمه الله: يدل على الامتلاء. والرحيم جاء على وزن فعيل حينئذ نقص حرف فلا بد من فرق بينهما، حينئذ نقول: اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة كل منهما يدل على المبالغة يعني كثرة الرحمة إلا أن الرحمن أشد مبالغة وأكثر من الرحيم، لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى، الرحمن يدل على صفة قائمة في الرب جل وعلا ذاتية والرحيم يدل على تعلقها بالمرحوم.
الرحمن من جهة المعنى أيضًا عامٌ لأنه يشمل الرحمة لكل الخلق يعني: يشمل رحمة الكافر والمؤمن بل والبهائم، والرحيم هذا خاص بالمؤمنين.
الرحمن من جهة المعنى نقول: عام. ومن جهة اللفظ خاص أي لا يجوز إطلاقه على غير الرب جل وعلا كاسم الجلالة، الله خاصٌّ ولذلك قيل: هو الاسم الأعظم. الرحمن هذا خاص لا يجوز أن يسمى به غيره أما الرحيم فهو من جهة اللفظ عامة فيجوز تسميته أو إطلاقها على المخلوق لأنه من جهة المعنى يكون خاصًا لأن متعلقه المؤمنون.
والرحيم كما تقول: جاء زيد الرحيم. تصف به لكن لا يقال الرحمن وأما تسمية مسيلمة الكذاب بالرحمن هذا من باب تعنته كما سبق بيانه.
(بسم الله الرحمن الرحيم) أُأَلِّفُ أو أنظم، الباء هذه للاستعانة أو للمصاحبة على وجه الخطاب، أُأَلِّفُ حال كوني مستعينًا بذكره متبركًا به، والتبرك هو: التيمن والفوز بالبركة.
قال رحمه الله تعالى:
تَبارَكَ المُنْزِلُ للفُرقانِ
…
على النَّبِيِّ عَطِرِ الأَرْدانِ
مُحَمَّدٍ عليهِ صَلَّى اللهُ
…
معَ سَلامٍ دائمًا يَغْشَاهُ
وآلِهِ وصَحْبِهِ، وبَعْدُ
…
فَهذِهِ مِثْلُ الجُمَانِ عِقْدُ
ضَمَّنْتُها عِلمًا هُوَ التَّفْسِيْرُ
…
بِدايةً لِمَنْ بِهِ يَحِيْرُ
أَفْرَدْتُها نَظْمًا مِن النُّقَايَةْ
…
مُهَذِّباً نِظَامَها في غَايَةْ
واللهَ أَسْتَهدي وأَسْتَعِيْنُ
…
لأنَّهُ الهادِي ومَنْ يُعِيْنُ
قوله رحمه الله تعالى: (تَبارَكَ المُنْزِلُ للفُرقانِ ** على النَّبِيِّ) هذا يسمى عند البيانيين اقتباس لأنه اقتبس هذا البيت من قوله تعالى في أول سورة الفرقان: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان: 1]. فحينئذ يكون هذا الشطر ونصف الشطر اقتباسًا، والاقتباس عند البيانيين هو أن يضمن الكلام قرآنًا أو حديثًا لا على أنه منه يعني لا يصرح يقول: قال الله تعالى أو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه لو صرح لخرج عن كونه اقتباس، حينئذ نقول: الاقتباس هو أن يضمن نثره أو شعره ما وقع في القرآن أو في السنة لا على أنه منه أي: لا على وجه يُشعر بأنه من القرآن أو من السنة بأن يقال: قال الله تعالى:
…
{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ} [الفرقان: 1]. لو قال: قال الله تعالى. خرج عن كونه مقتبسًا، لو قال: قال صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات» . لخرج عن كونه مقتبسًا، وإنما يذكر القول كأنه من قوله هو ولكنه في الأصل يكون من قول الرب جل وعلا أو من كلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فإن صرح قال الله تعالى أو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فحينئذ لا يكون اقتباسًا.
ثم هو أقسام الاقتباس لأنه إما من القرآن أو الحديث، إما أن يكون في النظم أو في النثر، أربع: قرآن في نظم أو نثر، حديث في نظم أو نثر. قد ينقل بلفظه قد يتكلم الواعظ ولا يقول: قال صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات» . فيقول: إنما الأعمال بالنيات. يقتبس كلامه وكأنه أجاب بما تضمنه الحديث لفظًا ومعنى يقول: إنما الأعمال بالنيات. هذه يسمى اقتباسًا، أو نقل مع تغييرٍ يسير كما فعله الناظم هنا يعني: ينقل اللفظ من القرآن أو من السنة مع تغييرٍ يسير لا يضر أصل المعنى، لا يغير أصل المعنى يعنى يبقى المعنى على أصله، والمراد أصل المعنى يعني ما يُفهم من فحوى الكلام الذي دل عليه الإسناد المسند والمسند إليه لأنه يقال:{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان: 1] هل يأتي مثله (تَبارَكَ المُنْزِلُ للفرقانِ على النَّبِيِّ) أبدًا لا يمكن أليس كذلك؟
تغير المعنى أو لا؟
نقول: فيه تفصيل، إن كان المراد تغير تمام المعنى وبلاغة المعنى لا شك، لأن الثاني الذي هو شطر البيت أنزل من الأول، وإذا كان المراد أنه تغير أصل المعنى ما دل عليه المسند والمسند إليه فالجواب لا.
إذًا مع المحافظة على ما دل عليه الكلام في أصل معناه هذا شرط في الاقتباس ثم قد يبقى على لفظه وقد يُغَيَّرُ مع بقاء المعنى الأصلي، وأما تمام المعنى فهذا لا شك من تغيره لماذا؟
لأن القرآن أفصح وأبلغ وما طرق إليه الناظم أو غيره من الوعَّاظ والكتاب والأدباء حينئذ لا بد وأن يكون أنزل لأنه لا يمكن أن يساوي قول المصنف هنا (تَبارَكَ المُنْزِلُ) قول الله جل وعلا: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ} قال: {عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان: 1] أتى بوصف العبودية هنا قال: (على النَّبِيِّ). ووصف العبودية أبلغ في هذا المقام من وصف النبوة، فلذلك نقول: قد يتغير تمام المعنى ويبقى أصل المعنى على أصله وهو من حيث الحكم الشرعي هذا فيه نزاع هل يجوز الاقتباس أو لا؟
جماهير أهل العلم على الجواز لكن بشرط عدم التغيير الكثير وبشرط استعماله فيما يليق من المعاني.
إذًا نقول: الجماهير على جواز الاقتباس بشرط عدم التغيير الكثير لأنه أخرجه لو غيره تغيرًا لفظيًّا كثير حينئذ أخرجه على أصله فانتفى الاقتباس، لا لأنه لا يجوز شرعًا وإنما ينتفي الاقتباس فصار كلامًا عاديًّا، وبشرط استعماله فيما يليق من المعاني وحجتهم حديث:«الله أكبر خَرِبَتْ خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين» . هذا اقتباس من القرآن أو لا؟
اقتباس من القرآن، وأما الإمام مالك رحمه الله تعالى فمنعه
قلت وأما حكمه في الشرع
…
فمالك مشدد في المنع
قلت وأما حكمه في الشرع - هذا السيوطي في عقود الجمان –
قلت وأما حكمه في الشرع
…
فمالك مشدد في المنع
ولكن الجماهير على الأول ولذلك ذكر بعضهم أن الاقتباس ثلاث أقسام: مقبول، ومباح، ومردود. والقبول والإباحة هنا المراد بها ماذا؟
القبول من حيث الذوق البياني والبلاغي وإلا الإباحة حكم شرعي والرد قد يكون ردًا من جهة عدم الذوق البياني وقد يكون من جهة حكم الشرعي والمراد هنا الحكم الشرعي.
فالأول: وهو المقبول ما كان في الخطب والمواعظ.
والثاني: المباح ما كان في الرسائل والقصص.
والثالث: الذي هو المردود على قسمين:
الأول: ما نسبه الله سبحانه وتعالى إلى نفسه. قال السيوطي رحمه الله تعالى: ونعوذ بالله ممن ينقله إلى نفسه. ما نسبه الله إلى نفسه ونعوذ بالله ممن ينقله إلى نفسه كما حُكِيَ عن أحد بني المروان أنه وقع على مطالعة فيها شكاية عماله فكتب فيها: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية: 25، 26]. هذا لا يجوز، هذا مردود اقتباس باطل لماذا؟
لأن هذا المعنى وهذا اللفظ من اختصاص الرب جل وعلا. يقول لك: لا ينفع أن يقتبس {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} [ق: 30]، لا نقول: هذا اقتباس باطل لأنه مما يختص به الرب جل وعلا.
الثاني: تضمين آية في معنى هَزَل. يهزل ويسخر فيأتي بآية كما يقوله بعض العامة {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 6] نقول: هذا باطل هذا لا يجوز لماذا؟ لكونه ضمن آية في معنى هزل كأنه يقول لك: يعني أنتم لكم إسلام ونحن لنا إسلام خاص يكون هذا التضمين أو الاقتباس هذا باطل.
إذًا قول المصنف هنا رحمه الله:
(تَبارَكَ المُنْزِلُ للفُرقانِ ** على النَّبِيِّ) هذا توفر فيه شرطا الاقتباس وهو عدم التغير الكثير واستعماله فيما يليق من المعاني لماذا؟
لأنه ساق الآية هنا مع التغير اليسير في معنى ممدوح وهو الثناء على الرب جل وعلا لأنه لَمَّا بدأ بالبسملة - لِمَا سقناه من الأدلة أو الآثار - أراد أن يثني على الرب جل وعلا، والمراد به أن يحصل بما يذكره الثناء فيحصل الحمد حينئذ لأن السنة عندهم على تقسيم الحديث السابقة «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بـ: بسم الله». في بعض الروايات: «بالحمد لله» . حينئذ كان من المستحسن أن يجمع بين البسملة والحمد، والمقصود بالحمد هل المقصود به لفظ الحمد عينه أم بما يدل على الحمد وهو الثناء؟
لا شك أنه الثاني، وخصَّه بعضهم بالأول والصواب الثاني، أن المراد به الثناء حينئذ أراد أن يثني على الرب جل وعلا فأتى بهذا الاقتباس إذًا نقول: هو ممدوح وهو محمود ولذلك ذكره هنا (تَبارَكَ المُنْزِلُ للفُرقانِ ** على النَّبِيِّ).
(تَبارَكَ) تفاعل مأخوذ من البركة المستقرة الثابتة الدائمة. قال أبو جعفر الطبري رحمه الله تعالى: وهو كقول القائل تَقَدَّس ربنا. إذًا تبارك بمعنى تقدس وتعالى وتعاظم أي تبارك - هذا كلام الطبري - أي تبارك الذي نزل الفصل بين الحق والباطل فصلاً بعد فصلٍ وسورة بعد سورة، هذا المأخوذ فصلاً بعد فصلٍ وسورة بعد سورة مأخوذ من قوله:{نَزَّلَ} . لأن التنزيل تفعيل من التكثير والتكرار لأن صيغة فَعَّلَ - كما سبق معنى في البناء - أنه يأتي للتكثير حينئذ التكثير يحصل بماذا هنا؟ {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ} [الفرقان: 1] يحصل بماذا؟
يحصل بكونه فصلاً بعد فصلٍ، سورة بعد سورة، آيات بعد آيات، يعني كونه نزل منجمًا وهذا سيأتي.
{تَبَارَكَ} عرفنا المراد بتبارك.
{الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ} نزل فعل من التكرر والتكثير كقوله: {وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ} [النساء: 136] انظر فَرَّق نَزَّل وأنزل ما الفرق بينهما؟
{نَزَّلَ} هذا فيه إشارة إلى كونه نَزَلَ منجمًا مفرقًا و {أَنزَلَ} جملة واحدة، {وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ} لأن الكتب المتقدمة كانت تنزيل جملة واحدة والقرآن نزل منجمًا مفرقًا مفصلاً آيات بعد آيات وأحكامًا بعد أحكام وسور بعد سور، وهذا أشد وأبلغ وأشد اعتناءً بما أُنْزِلَ عليه كما قال جل وعلا في أثناء السورة:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً * وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} [الفرقان: 32، 33]. ولذلك سماه هنا الفرقان سماه فرقانًا لأنه يفرق بين الحق والباطل والهدى والضلال والغيِّ والرشاد والحلال والحرام، {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} أتى بوصف العبودية لأنه صفة مدح وثناء لماذا؟
لأن العبودية الخاصة أخص الأوصاف ولذلك ذكرت في أعلى المواقف جاء في الإسراء {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: 1] وجاء في مقام الدعوة {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} [الجن: 19]{وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ} إذًا بالدعوة يدعوكم، وكذلك جاء في هذا المقام وهو مقام التنزيل والإنزال {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} .
{تَبَارَكَ} عرفنا أن المراد به تعاظم وتعالى، وذكر الطبري رحمه الله قال:{تَبَارَكَ} تفاعل اختلف في معناه فقال الفراء: هو في العربية وتقدس واحد وهو للعظمة. يعني: {تَبَارَكَ} بمعنى تقدس والمراد بهما العظمة. وقال الزَّجَاج: {تَبَارَكَ} تفاعل من البركة. قال: ومعنى البركة الكثرة من كل ذي خير، وقيل:{تَبَارَكَ} تعالى، وقيل تعالى عطاؤه أي: زاد وكثر، وقيل: دام وثبت إنعامه. قال النحاس: وهذا أولاها في اللغة والاشتقاق. يعني: دام وثبت إنعامه، ولذلك ذكر ابن كثير - كما ذكرناه سابقًا - {تَبَارَكَ} أي من البركة، تفاعل من البركة الدائمة المستقرة الثابتة إشارة إلى قول النحاس هناك. قال النحاس: وهذا أولاها في اللغة والاشتقاق لأنه مأخوذ من برك الشيء إذا ثبت. ومنه سميت البركة بركة لماذا؟
لأن الماء يكون كثيرًا مستقرًا بخلاف الماء الجاري وهذا الفرق بينهما الماء الجاري ليس كالبِركة بكسر الباء بِرْكة كلمة صحيحة فعلاً لماذا؟
لاستقرار الماء وكثرته يكون الماء مستقرًا وثابتًا. هنا مأخوذ من بَرَكَ الشيء إذا ثبت ومنه برك الجمل والطير على الماء أي دام وثبت، إذًا نقول: البركة دوام الخير وكثرته. وعليه لا خير أكثر وأدوم من خيره سبحانه وتعالى. ولذلك لهذا السبب لا خير أكثر وأدوم من خيره جل وعلا لا يجوز إطلاقه على غير الباري جل وعلا، لا يقال في حق أحد من الخلق تبارك ولا في حق النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه يدل على المبالغة والكَثرة في ماذا؟
في حصول البركة وما عداه يجوز لكن يقال مبارك أو فيه بركة {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ} [مريم: 31] إذًا أُطْلِقَ لفظ مبارك، وكذلك يطلق على الشيب44.55 بأن فيه بركة أليس كذلك؟ «إن من الشجر شجرة بركتها كبركة المسلم» إذًا أثبت النبي صلى الله عليه وسلم أن للمسلم بركة حينئذ يقال: فيه بركة. ويقال: مبارَك ومبارِك. أما تَبَارَكَ على صيغة تفاعل الدالة على المبالغة وعلى وصول الشيء إلى منتهاه وغايته نقول: هذا لا يجوز في غير الرب جل وعلا. ولذلك قال بعضهم: لا يصح أن يجيء منه مضارعٌ ولا أمر تَبارَكَ هل له أمر؟ ليس له أمر، هل له مضارع؟ ليس له مضارع.
(تَبارَكَ المُنْزِلُ للفُرقانِ). (تَبارَكَ المُنْزِلُ) إذًا عرفنا أن تَبارَكَ مراد به تعاظم وتعالى جل وعلا والتعاظم هنا لكثرة الخير ودوامه وذلك يكون في ذاته وصفاته وأفعاله على أَتَمِّ وجهٍ وأبلغه كما يُشعر بذلك اشتقاقه على صيغة تفاعل المسند إليه جل وعلا.
(تَبارَكَ) هذا فعلٌ ماض، (الْمُنْزِلُ) هذا اسم فاعل من أَنْزَلَ، أَنْزَلَ فعلٌ ماض يُنْزِلُ هذا فعلٌ مضارع صار رباعيًا، حينئذٍ لا يأتي اسم الفاعل على زنة فاعل، لم يأت على زنة الثلاثي، فضارب هذا من ضَرَبَ، قَاتِل هذا مِنْ قَتَلَ، وأما من أَنْزَلَ وأَكْرَمَ وأَخْرَجَ فيقال: مُخْرِج ومُكْرِم ومُنْزِل، فحينئذٍ نقول: الْمُنْزِلُ هذا اسم فاعل لأَنْزَلَ ولو كان على ما اقتضه الآية {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ} الْمُنَزِّلُ صار الْمُنَزِّلُ لأنه من فَعَّلَ يُفَعِّلُ فهو مُفَعِّلُ، خَرَجَ يُخَرِّجُ فهو مُخَرِّجٌ، أليس كذلك على وزن مُفَعِّل، هذا إذا كان من المضارع وأما إذا كان من المخفف يعني العين أَنْزَلَ حينئذٍ يكون على زنة الْمُنْزِل (تَبارَكَ المُنْزِلُ للفُرقانِ) - وسيأتي معنى كيفية إنزال القرآن - (المُنْزِلُ للفُرقانِ) المراد من الفرقان هنا القرآن، فالقرآن والفرقان اسمان من مُسَمّى واحد، من أسماء القرآن الفرقان بدليل هذه الآية التي معنا {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ} أراد به القرآن.
إذًا القرآن والفرقان اسمان بِمُسَمًّى واحد، وسمي القرآن فرقانًا لماذا؟
لأنه يُفْرَقُ به بين الحق والباطل أي: مَيَّزَ بينهما أو يميز بينهما وكذلك بين الحلال والحرام والهدى والضلال والغي والرشاد، إنما يكون الفصل بماذا؟ بالقرآن.
(الْمُنْزِلُ للفُرقانِ) اللام هذه نقول: زائدة للتوكيد لماذا؟
لأن (الْمُنْزِلُ) هذا اسم الفاعل واسم الفاعل يعمل عمل فعله إذا حلي بال مطلقًا
وَإِنْ يكُنْ صِلَةَ أَلْ فَفِي الْمُضِي
…
وَغَيْرِهِ إِعْمَالُهُ قَدِ ارْتُضِى
حينئذٍ أَنْزَلَ وَنَزَّلَ فقل يتعدَّى بنفسه أو لا، ينصب مفعولاً به أو لا؟
ينصب مفعولاً به والأصل (تَبارَكَ الْمُنْزِلُ الفُرقانَ) بالنصب، حينئذٍ نقول: الفرقان الذي هنا في هذا الترتيب مفعولٌ به منصوب وعلامة نصبه فتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرفٍ جر الزائد لماذا؟
لأن اللام هذه زائدة، وزيادتها في هذا الموضع قياسية لأن زيادة حرف الجر واللام على جهة الخصوص قد تكون سماعية وقد تكون قياسية إذا كان العامل اسمًا فرعًا عن الفعل حينئذٍ صارت الزيادة قياسية كما في قوله:{مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} [البقرة: 97]. {مُصَدِّقاً لِّمَا} . صَدَّقَ كذا يتعدى بنفسه لِمَ قال: {مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} . لأن مصدق هذا اسم والأصل في الاسم عدم العمل، فحينئذٍ لَمِّا صار العامل اسمًا ضَعُفَ فإذا ضَعُفَ يحتاج إلى تقوية، فتُسَمَّى هذه اللام وهي زائدة لتقوية العام {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} [البروج: 16] فَعَّالٌ مَا، هذا مفعولٌ به منصوب لِمَ زيدت اللام؟
لكون فعال هذا من أمثلة المبالغة وهو اسمٌ والأصل فيه عدم العمل، فحينئذٍ لما ضَعُفَ العامل بكونه اسمًا عُدِّيَ بلامٍ تقويه عملاً.
وأما إذا تقدم وهو فعلٌ فكذلك تكون اللام قياسية {إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف: 43] تعبرون الرؤيا هذا الأصل، فزيادة اللام لِمَ؟
لَمَّا تقدم المعمول على عامله والأصل تأخيره ضَعُفَ، فإذا ضَعُفَ احتاج إلى تقوية وإلا الأصل إن كنتم الرؤيا تعبرون فحينئذٍ الأصل تعبرون الرؤيا، فلما قُدِّمَ الرؤيا تعبرون ضَعُفَ العامل لأنه عمل أو لأن عمله فيما بعده ليس كعمله فيما قبله، ففرق بين أن يقال:(إن كنتم تعبرون الرؤيا)، (إن كنتم الرؤيا تعبرون) فرقٌ بينهما تعبرون الرؤيا عمل على وضعه وترتيبه اللغوي والعقلي لماذا؟
لأن شأن العامل أن يكون متقدمًا على المعمول لغةً وعقلاً وطبعًا، فإذا قُدِّمَ المعمول حينئذٍ يعمل فيما قبله وهذا خلافٌ الأصل، فلما تقدم معموله عليه - وهو خلاف الأصل - ضَعُفَ العامل على أن يعمل فيه فاحتاج إلى ماذا؟ إلى تقوية.
إذًا {إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا} [يوسف: 43] اللام حرف جر زائد تقوية أو صلة أو تأكيد، والرؤيا مفعولٌ به ولو دخلت عليه اللام، وتعبرون فعل وفاعل.
{لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} [الأعراف: 154] يرهبون ربهم - هذا الأصل -للذين هم ربَّهم يرهبون هذا الأصل لكن لَمَّا ضَعُفَ العامل عن إدراك ما قبله كما هو عمله فيما بعده على الأصل عُدِّيَ بماذا؟ بلام التقوية وهي زائدة لكنها قياسية.
هذان النوعان قياسيان متى؟
إذا كان العامل اسمًا فحينئذٍ لو تأخر المعمول حَسُنَ تقويته بماذا باللام، مثل قوله تعالى:{مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} [البقرة: 97]. ونحن الآن في علوم القرآن {مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} ، {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} [البروج: 16]، {مُصَدِّقاً لِّمَا} تقول: اللام حرف جر زائد صلة تأكيد، وما هذا مفعولٌ به، {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} [البروج: 16] ما، نقول: هذا مفعولٌ به واللام هنا حرف جر زائد صلة توكيد يعني جاء به للتقوية فقط، كذلك إذا كان العامل فعلاً وتقدم معموله عليه كما في قوله تعالى:{إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف: 43]، {لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} [الأعراف: 154] هذا قياس.
وأما السَّماعي فهو إذا كان الفعل هو العامل والمعمول متأخر حينئذٍ يكون زيادةٌ اللام سماعية لا قياسية، يعني تُحْفَظُ ولا يقاس عليها.
ضربت لزيدٍ هذا سماعي لا قياسي، ضربت لزيدٍ ضَرَبْتُ فعل وفاعل واللام حرف جر زائد صلة توكيد تقوية، زيدٍ وهذا مفعولٌ به لكن هل يحسن زيادة اللام في هذا التركيب؟
الجواب: لا.
لماذا؟
لكون العامل فعل لانتفاء النوعين السابقين لكون العامل فعلاً لا اسمًا، وهو الأصل في العمل لكون المعمول متأخرًا، إذا كان العامل على أصله قويٌ فلم يَضْعُفْ لكونه اسمًا، ولم يضعف عن إدراك معموله لكونه متقدمًا، فجاء على الأصل فحينئذٍ زيادة اللام تكون شاذة يُحْفَظُ ولا يقاس عليه، ويعبر عنها بأنها سماعية.
(الْمُنْزِلُ للفُرقانِ) قياسية أو سماعية؟
قياسية لكون المنزل هنا اسم فاعل وهو أدنى من الفعل فحينئذٍ يحتاج إلى تقوية فقوي بهذه اللام. (تَبارَكَ الْمُنْزِلُ) المُنْزِلُ هذا فاعل (للفُرقانِ) أي: للقرآن. فالقرآن والفرقان كما ذكرنا اسمان لِمُسَمًّى واحد، وذكر في الفرقان، الفرقان هذا مصدر فَرَقَ بينهما فَرْقًا وَفُرْقَانًا لأنه من باب نَصَرَ وضَرَبَ، فإذا قيل من باب نصر وضرب فماذا المراد به؟
إذا قيل من باب نصر وضرب هذا يكون في القاموس مصدره ماذا؟
فَعَلَ يَفْعُلُ فيكون فَرَقَ يَفْرُقُ فَرقًا، نَصَرَ يَنْصُرُ نَصْرًا أو فَرَقَ يَفْرِقُ كَضَرَبَ يَضْرِبُ فَرقًا هكذا نعم.
إذا قيل من باب نصر فحينئذٍ يكون على زنته وهو الباب الأول من أبواب الستة (وستةٌ منها للثلاثي المجرد) الباب الأول فَعَلَ يَفْعُلُ ولم يذكر فَعْل، لأنه يرى أنها سماعية موزونه نَصَرَ يَنْصُرُ نَصْرًا وعلامته أن تكون عين ماضيه مفتوحًا في الماضي، وفي المضارع مضمومة هذا الباب الأول هنا قال فَرَقَ بينهما فَرْقًا وَفُرْقَانًا بالضم فصل من باب نَصَرَ وضَرَبَ، إذًا الْمصدر متحد ولو اختلف المضارع لأن نَصَرَ وضرب كلاهما بفتح العين في الماضي فيقال: سَرَقَ ولا إشكال، وإنما النظر يكون باعتبار المضارع لأن فَرَقَ يَفْرُقُ من باب نَصَرَ يَنْصُرُ، وسَرَقَ يَسْرِقُ بكسر العين أي الراء يكون من باب ضَرَبَ يَضْرِبُ والمصدر فيهما فَعْلٌ. قياس مصدر الْمُعَدَّى من ذي ثلاثة كَرَدّ رَدًّا.
فَعْلٌ قِياسُ مَصْدَرٍ الْمُعَدَّى
…
مِنْ ذِي ثَلاثَة كَرَدّ رَدًّا
َفَعَلَ وفَعِلَ متعدي - ذكرناهم الأسبوع الماضي - أنه يأتي مصدره على فَعْلٍ بفتح الْفَاءِ وإسكان العين، إذًا اتحدا فَرَقَ في الماضي واتحدا في المصدر وافترقا في ماذا؟
في المضارع وجاء المصدر فُرْقَانًا على وَزْنِ فُعلان لكنه سماعي.
إذًا فَرَقَ له مصدران مصدرٌ قياسي ومصدرٌ سماعي، فَرْقًا هذا مصدرٌ قياسي، وفُرْقَان هذا مصدرٌ سماعي، فَرَقَ بينهما فَرْقًا وفرقانًا هكذا قال في القاموس بالضم فصل من باب نَصَرَ وضَرَبَ {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 4] قال: يُقضى، {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ} [الإسراء: 106] أي: فصَّلناه وأحكمناه، {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ} [البقرة:50] فَلَقْنَاهُ، {فَالْفَارِقَاتِ فَرْقاً} [المرسلات: 4]، أي: الملائكة تنزل بالفرق بين الحق والباطل، ثم قال: والفرقان بالضم القرآن، وكل ما فُرِّقَ به بين الحق والباطل وكذلك يُطْلَقُ الفرقان على التوراة والْفِرَاق البحري ومنه {آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ} [البقرة: 53] هل هو قرآن؟
لا انفراق البحر، أو أنه التوراة، وقيل الكتاب شيءٌ آخر، وقيل الكتاب هو التوراة والفرقان شيءٌ آخر، والله أعلم.
للفُرقانِ إذًا للقرآن (الْمُنْزِلُ للفُرقانِ) أي: للقرآن. (على النَّبِيِّ) هذا جار مجرور متعلق بقوله الْمُنْزِلُ وهناك قال في الآية {عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان: 1] وهو أبلغ لأنه صفة مدحٍ وثناء وما اختص به النبي صلى الله عليه وسلم من جهة ترتيب الحكم الشرعي من عند الله جل وعلا أولى وأبلغ وأحكم مما رتبه عليه الخلق.
(على النَّبِيِّ) نقول: جار مجرور متعلق بقوله: (الْمُنْزِلُ). والنبي هذا يحتمل أنه مأخوذٌ من النبأ ويحتمل أنه مأخوذ من النبوة، وعليه إذا كان من النبأ فيكون مهموزًا يكون نبيءٌ على وزن فعيل، فقلبت الهمزة ياء تخفيفًا ثم أدغمت الياء في الياء، النبيّ ولذلك الأفصح أن يقرأ بدون همز لكنه قرأ بالهمس نبيء بالهمس وزنه فعيل، نقول كيف نبيٌ وهو مأخوذٌ من النبأ؟
لأن نبيءٌ فعيلٌ بتخفيف الياء ثم همزة وهي لام الكلمة نبيءٌ فعيلٌ فنقول: قُلبت الهمزة ياءً نبيي ثم أدغمت الياء الأولى في الياء الثانية فصير نبيّ، وإذا كان من النبوة أصل نبيهٌ من النبوة حينئذٍ لا بد من أن تكون اللام واوًا فكيف صارت نبي واللام واو؟
نقول: اجتمعت الواو والياء أصله نبيهٌ فعيلٌ اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياءً ثم أدغمت الياء في الياء فصار نبيَّ، وعلى كلٍ من القولين - لأنه يجوز هذا وذاك يجوز أن يكون من النبأ ويجوز أن يكون من النَّبْوَة - وعلى كلٍ إما أن يكون فعيل بمعنى فاعل أو بمعنى مفعول وكلٌ حق وعليه يقاس، إذا كان النبي مأخوذٌ من النبأ وهذا فعيل بمعنى فاعل حينئذٍ يكون المعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم مُخْبِرٌ لأنه اسم فاعل مُخْبِرٌ غيره يعني الخلق بماذا؟ بحكم عز وجل أو بالوحي، وإذا كان بمعنى اسم المفعول فهو مُخْبَرٌ عن الله جل وعلا بواسطة جبريل عليه السلام، إذًا هو مُخْبِر وهو مُخْبَر، اجتمع فيه الوصفان أو لا؟
اجتمع فيه الوصفان هو مُخْبَرٌ عن الله عز وجل بتنزيل الوحي بواسطة جبريل عليه السلام، وهو مُخْبِرٌ غيره بالوحي. إذًا اجتمع فيه الوصفان ونيي من النبوة وهي الرفعة والارتفاع كذلك يكون بمعنى اسم الفاعل ويكون بمعنى اسم مفعول، وعليه يكون بمعنى اسم فاعل هو رافعٌ رتبة من اتبعه وهذا حقٌ أو لا؟
حق يكون كافر ضالٌ مضل ثم يتبع النبي صلى الله عليه وسلم ارتفع أو لا؟
ارتفع بالإيمان. إذًا هو رافع غيره بإتباعه عليه الصلاة والسلام، وهو مرفوع الرتبة لم يكن نبيًا ثم أُوحِيَ إليه فارتفع أو لا؟
ارتفع.
إذًا المعاني كلها حق، إذًا يصح أن يكون مشتقًا من النبأ ويصح أن يكون مشتقًا من النَّبْوَة، وأما في الاصطلاح فالمشهور عند كثير من المتأخرين بأن النبي إنسانٌ ذكر حرٌ أُوحي إليه بشرع أو أوحى الله إليه بشرعٍ سواءٌ أُمِرَ بتبليغه أو لا.
إنسان إذًا غير الإنسان لا يكون نبيًا {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [النحل: 68] هل النحل يكون نبيًا؟
لا، لأنه ليس بإنسان لا بد أن نأخذ بهذا القيد إنسان، إنسانٌ ذكر إذًا لو ثبت {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى} [القصص: 7] ثبت الوحي أو لا؟
ثبت الوحي لكنها ليست نبية، كذلك القول بأن مريم نبية - كما قال ابن حزم
- مرجوح حينئذٍ نقول: إنسانٌ. خرج غير إنسان فلا يكون نبيًا، وذكرٌ خرج الأنثى وهذا قول الجماهير، حرٌ خرج به العبد لأنه أدنى منزلةً من الْحُرِّ فلا يكون نبيًّا، أُوحِيَ إليه بشرع خرج ما لو أوحي إليه بغير شرع كما في قوله:{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} [القصص: 7]. ليس بشرع ولو كان وحيًا بمعنى الوحي المعروف سواءٌ أمر بتبليغه أو لا؟ إذًا هنا أُطلق ماذا؟ الأمر بالتبليغ يعني لم يُعَيَّن لِماذا؟
لأنه لو قُيِّدَ بالأمر بالتبليغ لصار رسولاً على قول كثيرٍ من المتأخرين، ولذلك يجعلون العلاقة بين النبي والرسول العموم والخصوص المطلق، فكل رسولٍ نبي ولا عكس، وهذا هو المشهور وإن كان حقيقة الكلام في مسألة حقيقة النبي وحقيقة الرسول هذه مسألة اجتهادية لم يثبُت في الفرق بينهما نص، ولذلك اختلف عبارات أهل العلم، شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يرى أن النبي من جاء بشريعةٍ مكملة لشريعة من قبله والرسول من جاء بشريعة مستقلة، وبعضهم يرى أن النبي من جاء بشريعة إلى قومٍ موافقين والرسول من جاء بشريعةٍ إلى قومٍ مخالفين وكل من هذه الأقوال الثلاثة يحتاج إلى دليل شرعي وإلا المسألة مسألة اجتهادية لأن كلاً من الرسول والنبي لا شك أنه مرسل، هكذا كل نبي ورسول لا شك أنه مرسل بمعنى أنه مأمور بالتبليغ وبعضهم يزيد على مسألة أو ما اشتهر من المتأخرين ولم يُؤمر بتبليغه أو عُمِّمَ سواء أمر بتبليغه أو لا يقول الفرق بين الرسول والنبي أن الرسول أُمِرَ بالتبليغ بمعنى أنه يُقاتل على دعوته، والنبي أمر بالتبليغ إذا قيل النبي لم يؤمر بالتبليغ بمعنى أنه لا يكلم أحد يوحى إليه ويجلس في بيته يتعبد ما الفائدة من الوحي إليه؟
لا فائدة، حينئذٍ قالوا: النبي هو من لم يُؤمر بالتبليغ بمعنى أنه لم يأمر بالقتال على دعوته وإن كان مأمورًا بالتبليغ بمعنى بيان الحق للناس، لكن كل هذه الأقوال تحتاج في الترجيح إلى دليل واضح بين والأشهر عند المتأخرين هو ما ذكرته أن العلاقة بينهما العموم والخصوص المطلق.
(على النَّبِيِّ عَطِرِ الأَرْدانِ)(عَطِرِ الأَرْدانِ) فاعل هذا اسم فاعل من عَطِرِ كفرح يقال: عَطُرت المرأةُ إذا تطيبت، وعطر أيضًا ككتف، يقال رجلٌ عطر وامرأةٌ عاطرة ومعاطرة ومتعطرة وكلاهما معطير ومعطار إذا استخدم ماذا العطر الذي هو الطيب يتعهدان أنفسهما بالطيب. (عَطِرِ الأَرْدانِ) الأَرْدانِ هذه جمع رُدُن فُعُل بضمٍ فسكون، أصل الكم كما في الصحاح يقال قميص واسع الرُّدِنِ يعني واسع ماذا؟ واسع الكم جمعه أَرْدَان، وأَرْدَان القميص وَرَدَّنَهُ وجعل له رُدْنًا المشهور في شرح هذا البيت عند الشراح أن المراد بـ:(عَطِرِ الأَرْدانِ) أي: طيب الأصول لأن (عَطِرِ) بمعنى الطيب و (الأَرْدانِ) هذا المراد به أصل الْكُمِّ فحينئذٍ حصل فيه مجاز بمرتبتين لأن الرُّدُن - كما ذكرناها - أصل الْكُمِّ والمراد به أصل النسب مجازًا نقل إلى مطلق الأصل ثم إلى أصل النسب (الأَرْدانِ) جمع رُدُن، رُدُن المراد به أصل الكُمِّ، أصل الْكُمِّ الكُمّ هذا الذي يكون طرف الثوب أصل الكُمّ نقل إلى أصل النسب يعني مطلقًا ثم إلى الأصل مطلق الأصل نقل إلى مطلق الأصل ثم من مطلق الأصل إلى أصل النسب حينئذٍ يكون المراد بـ:(على النَّبِيِّ عَطِرِ الأَرْدانِ) أي: طيب الأصول.
(مُحَمَّدٍ) محمدٍ هذا بالجر بدل أو عطف بيان لقوله: (على النَّبِيِّ) ويجوز الرفع على لأنه خبرٌ مبتدئٍ محذوف أي: هو محمد وإن كان الأصل في جهة اللسان ما هو؟
البدل أو عطف ويجوز الفصل والقطع، فيقال: محمدٌ بالضم على أنه خبرٌ مبتدأٍ محذوف أي: هو محمد حينئذٍ يكون جملةً مستأنفة والأول يجعل الكلام واحدًا لأن البدل جزءٌ أو عين المبدل منه، والعطف بيان كذلك يجب أن يكون جملةً واحدة وإذا قطع صار جملتين.
(مُحَمَّدٍ) على أشرف أسمائه صلى الله عليه وسلم اسم مفعول من حُمِّدَ فهو مُحَمَّدٌ
وشق له من اسمه ليجله
…
فذو العرش محمودٌ وهذا محمد
هكذا قال حسان، فهو محمدٌ إذا كان كثير الخصال التي يُحمد عليها من الْمُضَعَّف حُمِّدَ للمبالغة فهو الذي يُحْمَدُ أكثر مما يُحْمَدُ غيره من البشر، محمد فهو الذي يحمد أكثر مما يحمد عليه البشر لماذا؟
لكثرة خصاله الحميدة، وقيل لكونه أكثر الناس حَمْدًا للرب جل وعلا لكونه أكثر الخلق حمدًا لله جل وعلا.
(مُحَمَّدٍ عليهِ صَلَّى اللهُ معَ سَلامٍ). (مُحَمَّدٍ) هذا عطف بيان أو بدل قلنا من النبي ثم قال: (عليهِ صَلَّى اللهُ معَ سَلامٍ) يعني: بعد أن أثنى على الرب جل وعلا وهو الخالق سبحانه لقوله: تبارك تعاظم وتعالى الْمُنْزِل للفرقان على النبي شرع في الثناء على أفضل الخلق وهو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وأفضل الخلق على الإطلاق
…
نبينا فَمِلْ عن الشقاق
يعني أتى بعد الثناء على الله تعالى بما هو أهله عقبه بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إظهارًا لعظمة قدره وأداءً لبعض حقوقه الواجبة إذ هو الواسطة بين الله جل وعلا وبين عباده بمعنى أنه مُبَلِّغٌ للشرع لأنه يصح أن يقال الأنبياء والرسل وسائط بين الرب جل وعلا لا لكون العبادة تُصْرفُ إليهم، لا، وإنما لكونهم مبلغين لأنه لا تعرف العبادة ولا يُعرف الوحي إلا عن طريق الأنبياء والرسل حينئذٍ صاروا وسائط كما أن الصحابة وسائط في معرفة الشرع هم نقول: حملة الشرع وهم وسائط بين النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم. كذلك الأنبياء وسائط بين الخلق وبين الخالق جل وعلا لا لكونهم وسائط تصرف إليهم العبادة فيوصلون إلى الله عز وجل كما يظن أهل الشرك، لا. وإنما المراد أنه وسائط في تبليغ العلم والشرع بمعنى أن الرب جل وعلا اصطفى من الخلق من يُوحي إليهم ثم بواسطتهم يصل العلم الشرعي إلى جميع الناس، وجميعٌ النعم الواصلة إليهم التي من أعظمها الهداية للدين القويم إنما هي به وعلى يديه عليه الصلاة والسلام وامتثلاً لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب: 56].
(عليهِ صَلَّى اللهُ معَ سَلامٍ) إذًا جمع بين الصلاة والتسليم امتثالاً للآية المذكورة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب: 56]. فحينئذٍ يكون الجمع بينهما هو الأكمل في الامتثال واشتهر عند كثير من المتأخرين أنه يكره إفراد الصلاة عن السلام والسلام عن الصلاة بحجة ماذا؟
أن الرب جل وعلا جمع بينهما، فحينئذٍ نقول الجمع بينهما كالجمع بين قوله تعالى:{وَأَقِيمُواْ الصَّلَاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] ولذلك المراد عند الأصوليين أن دلالة الاقتران لا تفيد حكمًا يعني دلالة الاقتران ضعيفة في إفادة الأحكام ولذلك رُدَّ على من قال بوجوب العمرة استدلالاً بقوله تعالى: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [البقرة: 196]. جمع بينهما قال: الحج واجب. إذًا العمرة ماذا؟ واجبة، لأنه قرنها مع الحج نقول: هذه دلالةٌ ضعيفة، ثم الآية ليست في الحج وإنما هي في وجوب الإتمام ووجوب الإتمام ليس كإنشاء العبادة من أصلها حينئذ نقول: الدلالة ضعيفة وعليه الاستدلال بهذه الآية في كراهة إفراد السلام عن الصلاة أو الصلاة عن السلام ضعيفة فنحتاج إلى دليل يأتي بالنهي بخصوصه، وإنما يقال: فيه الخلاف الأولى على ما ذكرناه سابقًا في التفرقة بين كراهة وخلاف الأولى. ولذلك قال ابن الجوزي رحمه الله: وأما الجمع بين الصلاة والسلام فهو الأولى والأكمل والأفضل لقوله تعالى: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب: 56]. - وهذا لا نزاع أنه أفضل وأكمل لا نزاع فيه - ولو اقتصر على أحدهما جاز من غير كراهة فقد دار عليه جمع منهم مسلم رحمه الله في صحيحه خلافًا للشافعية لأن أكثر من شيع القول بالكراهة هم الشافعية، والنووي رحمه الله له نصيب أوفر حتى إن الشافعي رحمه الله تعالى اقتصر على الصلاة دون التسليم في خطبة الرسالة وهو من السلف بل من أئمة السلف اقتصر على الصلاة دون التسليم في خطبة الرسالة ويُنسب إلى مذهب الشافعي الكراهة بإفراد أحدهما عن الآخر، نعم امتثالاً للآية أفضل وأسلم لكن القول بالكراهة لا دليل عليه، ولذلك نقول: جمع هنا بين الصلاة والسلام لا لكونه إذا أفرد أحدهما وقع في الكراهة وإنما لكمال الانتساب.
(مُحَمَّدٍ عليهِ صَلَّى اللهُ ** معَ سَلامٍ) صلى الله عليه جار ومجرور متعلق بقوله: صلى، والصلاة كما هو مشهور عند المتأخرين على ما قاله الأزهري: صلاة من الله الرحمة، ومن الملائكة الاستغفار، ومن الآدميين التضرع والدعاء. وهذا عليه إشكال يرد عليه إشكالات لأن تعين الصلاة بأنها من الله الرحمة هذا ورد التغاير بين الرحمة والصلاة لقوله تعالى:{عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 157]. والقاعدة: أن العطف يقتضي التغاير. حينئذ لما عطفت الرحمة على الصلوات علمنا أن الرحمة مغايرة للصلاة وقد لا تكون المغايرة من كل وجه وإنما قد تكون من بعض الوجوه دون بعض، وكذلك يجوز سؤال الرحمة لكل مسلم بالإجماع اللهم ارحم زيدًا سواء كان حيًّا أو ميتًا جائز أو لا؟
جائز بالإجماع لا خلاف، إذًا مشروعية سؤال الرحمة لكل مسلم جائزة بالإجماع والصلاة جائز أو لا؟
فيها خلاف، والأشهر أنها ممنوعة على جهة الاستقلال يعني: لا يجوز أن تقول: زيد صلى الله عليه وسلم. إذا كان ماذا؟ إذا صار شعارًا وأمرًا مرتبطًا بذكره، أما إذا كان على جهة دون ملازمة هذا الوصف فحينئذ لا إشكال فيه أما على جهة الاستقرار كل ما ذكرت الإمام أحمد تقول: صلى الله عليه وسلم. نقول: هذا خلاف الأصل والأصل أن الصلاة تكون مختصة بالأنبياء والرسول ومن عداهم حينئذ نقول: وقع الخلاف. إذًا الصلاة مختصة والرحمة عامة إذًا الفرق بين الرحمة والصلاة، كذلك تفسير الصلاة بمعنى الدعاء هذا فيه إشكال أيضًا وهو أن الدعاء يكون بخير والشر دعوت لزيد ودعوت عليه بخير وبشر والصلاة لا تكون إلا بخير، إذًا فرق بينهما فكيف تفسر الصلاة بماذا؟ بالدعاء.
كذلك الدُّعاء يتعدَّى باللام ويتعدَّى بعلى يعني من جهة الصناعة الصناعة النحوية اللغوية تقول: دعوت لزيد ودعوت على زيد. والصلاة لا تتعدَّى إلا بعلى وهل الصلاة المعدَّاة بعلى هي عينها الدعاء المعدَّى بعلى؟
الجواب لا.
لماذا؟
لأن دعوتَ عليه هذا بشرّ، وصلَّيتَ عليه هذا بالخير، حينئذ كيف يفسر دعا المعدَّى بعلى تفسر به الصلاة التي لا تتعدَّى إلا بعلى هذا وجه ثانٍ.
وجه ثالث: ذكره ابن القيم رحمه الله تعالى: أن الدعاء يقتضي مَدْعُوًّا ومَدْعُوًّا له دعوت الله لزيد مَدْعُوًّا هو الله وله هو زيد والصلاة لا تقتضي إلا مدعوًا فقط اللهم صلِّ على محمد نقول: هذه لا تقتضي مَدْعُوًّا ومَدْعُوًّا له كما هو الشأن في الدعاء حينئذ لا يمكن تفسير الصلاة بالدعاء كما أنه لا يمكن تفسير الصلاة بالرحمة كما أنه لا يمكن تفسير الصلاة بمعنى الاستغفار لأن الصلاة والاستغفار متباينان هذا أمر مدرك من جهة الشرع، ولذلك عدل كثير من المحققين إلى تفسير الصلاة بما ذكره أبو العالية أو ذكره البخاري في صحيحه معلقًا عن أبي العالية أن الصلاة من الله ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى. وكذلك الصلاة من الملائكة ثناؤهم عليه كذلك بأنه يزيده الرب جل وعلا تشريفًا وتكريمًا ورفعة .. إلى آخره وصلاة الآدميين كذلك سؤال الرب جل وعلا أن يُثْنِيَ عليه وأن يزيده تشريفًا وتكريمًا ورفعة .. إلى آخره حينئذ اجتمع المعاني الثلاث صلاة الرب جل وعلا، وصلاة الملائكة، وصلاة الآدميين في الثناء أو في سؤال الثناء وهذا أولى ما تفسر به الصلاة.
(صَلَّى اللهُ ** معَ سَلامٍ) هنا جمع بين الصلاة والسلام، والسَّلام هذا اسم مصدر لسَلَّم لأن سلَّم المصدر منه التسليم وسلام هنا اسم مصدر، إذًا ثناء من إما أنه مشتق من السلام وهو اسم الرب جل وعلا وإما أنه مأخوذ من السلامة من النقائص والرذائل، وإما أنه من السلامة يعني الأمان ضد الخوف، يعني الأمان على النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة والأمان على أمته.
(دائمًا يَغْشَاهُ) يغشاه دائمًا هذا متعلق بقوله: (يَغْشَاهُ). ومع هذا متعلق بقوله: (صَلَّى) صلى مع سلام وهو ظرف يدل على المصاحبة حينئذ صاحب بين الصلاة أو طلب الصلاة مع سلام.
(دائمًا يَغْشَاهُ) يغشاه الجملة صفة لسلام يغشاه بأن يغشى النبي صلى الله عليه وسلم والجملة في محل جار صفة لسلام، (دائمًا) هذا متعلق به والمراد به الدلالة على ديمومة السلام مع الصلاة وهذا يدل على ماذا؟
يدل على أن السلام آكد من الصلاة ولذلك لما أفرد فليذكر السلام دون الصلاة لماذا؟ لأنه مؤكد في الآية بالتأكيد {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب: 56] تسليمًا هذا مفعول مطلق مؤكد لعامله إذًا أكد السلام ولم يؤكد الصلاة فدل على ماذا؟
على أن السلام آكد من الصلاة لذلك قال: (معَ سَلامٍ دائمًا يَغْشَاهُ). يغشاه الجملة صفة لسلام يعني: يعمه ويفسره دائمًا هذا سؤال للديمومة وعدم الانقطاع.
(وآلِهِ وصَحْبِهِ). وآلِهِ هذا عطف على الضمير - أحسنت عليه على الضمير - صلى الله عليه وآله هذا يدل على ماذا؟
هذا فيه خلاف هل يجوز أو لا؟ هل يجوز العطف على الضمير المجرور أو لا؟
قالوا: يجوز مع إعادة الخافض، عليه وعلى آله يجوز {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} قالوا: وهذا جائز. وأما دون إعادة الخافض قالوا: هذا لا يجوز وما ورد من ذلك يكون شاذ لذلك حكموا على قوله تعالى: (الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامِ). بالخفض قالوا: هذا شاذ هذا باطل لماذا؟
لكونه عطف على الضمير دون إعادة الخافض والأكثر - وهو الصحيح أنه أكثر -في لغة العرب لما قال: (بِهِ وَبالأَرْحَامِ) ما دام أنه جُرّ لفظ الأرحام حينئذ يتعين إعادة الخافض الذي خفض به الضمير (الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامِ) بالخفض قالوا: هذا شاذ لأنه لم يُعَدِّه الخافض الذي عُطف عليه الأرحام وهو الضمير. والصواب أنه يجوز بدليل هذه الآية لأنها قراءة ثابتة صحيحة بل متواترة (وَالأَرْحَامِ) إذًا نقول: يجوز وعليه كلام الناظم هنا ليس فيه خلاف.
(وآلِهِ) عطف على قوله: (عليهِ). على الضمير دون إعادة الخافض وهو لفظ آله نقول: هذا جائز وهذا صحيح وإن كان الأكثر في استعمال لغة العرب في إعادة الخافض.
(وآلِهِ) هذا آل اسم جمع لا واحد له من لفظه وأضيف إلى الضمير والصواب أنه يجوز إضافته إلى الضمير، يعني بعد أن صلى على النبي صلى الله عليه وسلم عطف عليه الآل في طلب الصلاة والثناء عليهم وهذا امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم:«قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى وآل محمد» . إذًا الصلاة على الآل نقول: مأمور بها من جهة الشرع فلا إشكال دليلها ثابت، وآله ما المراد بآل نقول: الأصح أن المراد به في مثل هذا المقام أتباعه على دينه لماذا؟
لأنه في مقام الدعاء فالأولى التعميم ولا شك أن الآل يطلق على الأتباع قال تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46]. {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ} من؟ أقاربه أم أتباعه على دينه؟
أتباعه ولا شك {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ} فدل على أن المراد به الأتباع فحينئذ في مثل هذا المقام يفسر الآل بالأتباع وقيل غير ذلك لكن الأولى هذا.
(وآلِهِ وصَحْبِهِ) وآله قيل: أصل آل أَوَل كَزَمَن حركت الواو بفتح ما قبلها فقلبت ألفًا وهذا رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وقال: مقال إلا آل أصله أهل فقلبت الهاء همزة فقولٌ ضعيف؛ لأن الهمزة تقبل هاء كما أن الهاء تقلب همزة أريق هريق قلبت الهمزة هاء كذلك الهاء تقلب همزة بدليل ماذا؟
قالوا: آل مصغر على أويل وأهيل. يصغر على أويل وأهيل ولذلك الأكثر جواز أن يكون أصل آل أهل أو أول يعني: يجوز فيه الوجهان ولذلك رجحه الأشموني في شرح الألفية على ذلك أنه يحتمل أن يكون آل أصله أول كزمن تحركت الواو وانفتح ما قبلها وقلبت ألفًا فصار آل، ويحتمل أنه منقلب على الهاء أصله أهل بدليل تصغيره على أُهَيْل هو سُمِعَ أُهَيْل فجوز الأكثر الوجهين.
(وصَحْبِهِ) هذا معطوف على آله أو معطوف على الأول لأن العطف بالواو دائمًا يقتضي أن يكون المعطوف على الأول هذا هو الأفصح، (وصَحْبِهِ) إذًا ثلث بطلب الصلاة أو السؤال من الرب جل وعلا أن يصلِّي مع السلام على الصحب ودليله الصحب أنهم حملة الشريعة كما أن الأنبياء وسائط بين الخالق والمخلوق في تبليغ الوحي كذلك الصحابة وسائط بين النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده في تبليغ الشريعة وهذا لا شك ولذلك نقل أهل العلم قاطبة أن من طَعَنَ في الصحابة فقد طعن في ماذا؟ في الشريعة لأن من الذي أوصل إلينا الشريعة إلا الصحابة حينئذ أجمع أهل العلم على أنهم عُدُول وأن الطاعن فيهم مطعون وهم عدول كلهم لا يشتبه، النووي أجمع من يُعتد به كل من يُعتد به فقد أجمعوا على ماذا؟
على أن الصحابة عدول والقرآن مستفيض بالثناء عليهم {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ} [التوبة: 100]
…
إلى آخره والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تسبوا أصحابي» . وجاء {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} [آل عمران: 110]
…
إلى آخره.
(وصَحْبِهِ) اسم جمع لصاحب بمعنى الصحابي، والصحابي هو من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم مؤمنًا به ومات على ذلك ولو تخللت رِدَّة في الأصح كذا قال ابن حجر وشرحه في مواضعه:
حد الصحابي مسلمًا لاقي الرسول
…
وإن بدا رواية عنه وطول
لأنه لا يشترط فيه طول الصحبة كما هو المتبادر في اللغة لأن الصاحب بمعنى الملازم لكن لشرف النبي صلى الله عليه وسلم أُعْطِيَ كل من رأى ولو لحظة واحدة ماذا؟ حكم الصحبة ولذلك سار الصحابة علم على من أدرك النبي صلى الله عليه وسلم.
(وصَحْبِهِ، وبَعْدُ) هذه قائمة مقام أمَّا بعد وهو الأصل فيها وهي السنة أن يقول: أما بعد. هذا محفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم لكن شاع ماذا؟ شاع في الاستعمال الاختصار اختصروا أمَّا يعني حذفت وأنيبت الواو منابها بدليل ماذا؟
بدليل وقوع الفاء جزائية الجواب، ولذلك أصل أما بعد مهما يكن من شيء بعد ما تقدم فحذفت مهما يكن من شيء وأُقِيمت أمَّا مقامها ثم حذفت أمَّا وأقيمت الواو مقامها يعني دلت على ما دلت عليه أمَّا وهو تضمنها معنى الشرح.
(وبَعْدُ ** فَهذِهِ) الفاء وقعت في جواب الشرط أين الشرط؟ أصله مهما حذفت مهما، أقيمت مقامها أمَّا، حذفت أمَّا أقيمت مقامها الواو.
أمَّا كَمَهْمَا يَكْ مِنْ شَيْءٍ وَفَا
…
لِتِلْوِ تِلْوِهَا وُجُوبًا أُلِفَا
إذًا الفاء هذه الواقعة هنا على جهة الوجوب.
(وبَعْدُ) أي: وبعد ما تقدم أو بعد البسملة والتبارك والصلاة والسلام فهذه ولذلك قيل: بعد مبنية على الضم لماذا؟
لأنه حُذف المضاف إليه ونُوِيَ معناه، وبعد هذه لها أربعة أحوال:
تكون معربة في ثلاثة أحوال، وتكون مبنية في حالة واحدة وهي فيما إذا حذف المضاف إليه ونُوِيَ معناه {غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} [الروم: 2، 3] {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ} [الرم: 4] يعني: من قبل الغلب ومن بعده.
(وبَعْدُ) نقول: هذا ظرف مبهم لا يفهم معناه إلا بالإضافة لغيره فلذلك صار من الأسماء الملازمة للإضافة، ويستعمل ظرف زمان كثيرًا وظرف مكان قليل وبعضهم منع الثاني فلزم عنه حينئذ عنده أن يستعمل ماذا؟ ظرف زمان كثير يعني أما بعد وآله وصحبه وبعد، يعني من حيث اعتبار أن النطق أو زمن النطق بما بعدها بعد زمن النطق بما قبلها وهذا لا شك فيه أن المنطوق به النطق بما بعد بَعد لا شك أنه متراخي عما قبل بعد أو باحتمال الرسم في الكتابة فلا شك أن ما بعد بَعد هذا متراخٍ عما قبل بعد فحينئذٍ قد تكون بعد هنا للزمان وقد تكون للمكان والأشهر وهو الأول، (فَهَذِهِ) الفاء واقعة في جواب الشرط هذه المشار إليه هنا المرتب الحاضر في الذهن مطلقًا والمشهور عند المتأخرين أن المشار إليه قد يكون موجودًا وقد يكون معدومًا، إن كان الخطبة بعد إنهاء النظم كاملاً فحينئذٍ المشار إليه يكون موجودًا لأنه يحتمل ماذا؟
يحتمل أنه كتب المقدمة باب حد التفسير إلى آخر النظم ثم جاء فكتب المفدمة فحينئذٍ فهذه المشار إليه يكون ماذا؟ يكون موجودًا، ويحتمل أنه ابتدأ الكتاب هكذا المقدمة أولاً ثم بعد ذلك باب حد التفسير .. إلى آخره (فهذه) أي المنظومة مثلاً أو المسائل موجودة أو معدومة، معدومة فكيف أشار إلى معدوم والأصل في الإشارة الحسية أن تكون لشيء موجود، قالوا: تنزيلاً للحاضر في الذهن منزلة الموجود لما قَوِيَ العزم واشتدت الإرادة وكمل المصنف في ذهنه أشار إليه كأنه موجود نزله منزلة الموجود فعامله معاملة المحسوس هكذا قيل، ولكن الأصح أن المشار إليه مطلقًا معنى أمر عقلي لماذا؟ لأن الألفاظ سواءٌ تقدمت على الديباجة أم تأخرت لا وجود في الخارج لأنه إذا نطق فقال: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، أما بعد.
فهذا أين المشار إليه؟ أين الوجود للألفاظ هذه؟ لا وجود لها ليست قائمة بنفسها حتى يشار إليها، وإنما هي أمور معنوية.
إذًا قوله: (فَهَذِهِ). إشارةً إلى المرتب الحاضرِ في الذهن مطلقًا إذ لا حضور للألفاظ المرتبة ولا لمعالمها في الخارج فتعين أن يكون المراد به هنا مطلقًا المعنى فيكون قد تجوز سواءٌ كانت الدباجة قبل النظم أو بعده مطلقًا يكون المشار إليه أمرٌ معنوي تنزيلاً للمعدوم منزل المحسوس. (فَهَذِهِ) أي المسائل هكذا قال بعض الشراح لكن أن الظاهر المراد به المنظومة (فَهَذِهِ) أي المنظومة لماذا؟ لأنه قد يشار إلى شيءٍ مفهومٍ من السياق والقرائن لأنه معلوم كما سيأتي (أَفْرَدْتُها نَظْمَاً مِن النُّقَايَةْ) إذًا مراده مستحضرًا في نفسه ماذا؟ المنظومة والنظم فحينئذٍ لا بأس أن يضيف إليها أو يرجع إليها ضمير باعتبار ما في ذهنه لماذا؟
لأن الشيء إذا عُرف بالسياق ماذا؟ صح إرجاع الضمير إليه والإشارة إليه {رُدُّوهَا عَلَيَّ} ما هي؟ الشمس هل لها ذكرٌ؟ ليس لها ذكر لماذا؟ نقول: نرجع الضمير إلى الشمس لأن السياق والقصة تدل عليها، إذًا قد يكون الشيء ليس مذكورًا لكنه من جهة المعنى مدركًا فيعامل معاملة الموجود فيشار إليه ويرجع الضمير إليه ولذلك:
(أَفْرَدْتُها نَظْمًا) هذا يحتمل أنه هو المسائل وأما (فَهذِهِ مِثْلُ الجُمَانِ عِقْدُ) نقول: فهذه المشار إليها المنظومة (مِثْلُ الجُمَانِ عِقْدُ)، (فَهَذِهِ) هذا مبتدأ و (مِثْلُ) هذا خبر المبتدأ وهو مضاف (الجُمَانِ) بضم الجيم وجمع جمانة مضاف إليه وهي حبةٌ تعمل من الفضة كالدرة يعني اللؤلؤة.
(عِقْدُ) هذا خبر بعد خبر أو بدل (فَهذِهِ مِثْلُ الجُمَانِ عِقْدُ)، (فَهذِهِ مِثْلُ الجُمَانِ عِقْدُ) هذا خبر بعد خبر أو بدل بدل من ماذا؟ بدل من قوله:(مِثْلُ) أي: كالعقد في حسنها ففيه تشبيه بليغ، والعقد هي القلادة كأنه جمع المسائل التي نظمها أو تضمنتها المنظومة في عِقْد مثل السبحة الآن فحينئذٍ جمع هذه المسائل وشبهها بماذا؟
بالجمان وهو اللؤلؤ والنظم كهذا العقد كالعقد لها.
(ضَمَّنْتُها) أي المنظومة (ضَمَّنْتُها) التضمين هو جعل الشيء في ضمن شيءٍ آخر وهو هنا من باب جَعْل المدلول في ضمن الدال كأن العلم هذا مدلول والنظم دال وهنا ضمن الشيء في شيءٍ آخر كأنه أدخل شيء في شيءٍ آخر والمدخل فيه هو النظم وليس المعنى، والعلم هو الذي يُدرك بالعقل هذا هو الأصل ولذلك نقول: الأصل في العلم هو الإدراك وهو وصول النفس إلى المعنى به بتمامه (ضَمَّنْتُها) جعل الشيء في ضمن شيءٍ آخر.
(عِلمًا) هذا مفعولٌ ثاني أي جعلت تلك المنظومة محتويةً على علمٍ هو التفسير وسيأتي معنى التفسير وهو: التفعيل من فسر يفسر تفسيرًا وهو الكشف والبيان.
(عِلمًا هُوَ التَّفْسِيْرُ) قد يظن الظان ماذا؟ أن الذي سيكون في المنظومة هو علم التفسير أليس كذلك؟ لكن هل المراد هنا علم التفسير أو مقدمة التفسير أو أصول وقواعد التفسير؟ الثالث، فلذلك قال في (بداية) أي لما يبتدئ به في علم التفسير وهو قواعده وأصوله وعلومه، بداية هذا مفعول لأجل أي ابتداء أي أن المضمن هو مبادئ علم التفسير وأصوله لا نفس التفسير كأنه استدرك على ما سبق لأن الناظم إذا قال:(عِلمًا هُوَ التَّفْسِيْرُ) ظن أن المنظومة كعلم التفسير وليس الأمر كذلك بل هي في أصول التفسير. قال:
…
(بِدايةً) أي أن المضمن هو مبادئ علم التفسير (لِمَنْ بِهِ يَحِيْرُ). لمن يحير به، لمن أي للشخص الذي يقع في الحيرة في التفسير إذا لم يعرف أصوله لأن من أقدم على التفسير ولم يعرف قواعده وأصوله وعلومه ماذا سيهتدي أم يحتار؟
الثاني لا شك، لذلك قال:(لِمَنْ بِهِ) يعني بعلم التفسير (يَحِيْرُ) إذا لم يعلم قواعد وأصول وعلوم التفسير (لِمَنْ بِهِ) الضمير يعود على التفسير
…
(يَحِيْرُ) هذه من جملة صلة الموصول وهو من وهنا الناظم قال: (يَحِيْرُ) يقال: قال: (يَحِيْرُ) والأصل حَارَ يُحَار ولذلك قال في اللسان: تحير واستحار وحار لم يهتدي لسبيل. تحير واستحار وحار هذا فعل ماضي إذًا يحار وليس يحير، لم يهتدي لسبيل وحار يحار هكذا قال في اللسان، حار يحار إذًا ليس حار يحير وإذا ما حار يحار حيرة وحيرًا أي تحير في أمره، وحَيَّرْتُهُ ألا فتحير، ورجلٌ حائرٌ بائرٌ إذا لم يتجه لشيء إذًا قول الناظم هنا (يَحِيْرُ) نقول: هذا تصريحٌ بأصلٍ مهجور هذا يسميه الصرفيون بماذا النطق بأصل مهجور، يقال مثال: قول زيد لعمر كذا أصله قال: وقول هذا أصلٌ مهجور يعني لم تنطق به العرب وإنما الفرع قال: تحركت الواو ففتح ما قبلها فكتبت ألفًا حينئذٍ لو قال: تقاول زيدٌ كذا نقول هذا نطق بأصلٍ مهجور ومثل قول أبي حيانة - وقع في السابق معنا -: فإنه أهلٌ لأن يُؤكرم. قلنا: يؤكرم هذا نطق بأصلٍ مهجور وهو ما خالف الاستعمال دون القياس لأنه في الأصل نقول: فإنه أهلٌ لأن يُكرم بحذف الهمزة لكنه صرح بها تبعًا للأصل وهذا أصلٌ مستعمل أو مهجور؟ نقول: مهجور، كذلك (يَحِيْرُ) أصله يحار فحينئذٍ يكون المصنف قد نطق بأصلٍ مهجور ولكن الإشكال يرد في كسر الحاء هنا لعله من أجل .... وهو أن يبقى التفسير وهو التفسير ما قبل الحرف الثالث من الأخير مكسور حينئذ يتعين أن يكون في الشرط الثاني مثله وإلا الأصل يَحْيَرُ يحار يحيرُ، وهو قال:(يَحِيْرُ) حينئذٍ وقع في إشكالين:
الأول: التصريح بأصلٍ مهجور.
والثاني: كسر الحاء والأصل فيها الفتح حَار يُحَار الفتح في الماضي والمضارع.
إذًا نقول: بداية أي: ابتداء في فن التفسير وهو ما تعرف به أصوله (لمن يحِير) يحَار ويجهل بكونه مبتدأً في تعلمه أو جاهلاً لفن أصول التفسير به علم التفسير.
(أَفْرَدْتُها) الضمير يعود إلى ماذا؟
(أَفْرَدْتُها نَظْمًا مِن النُّقَايَةْ) أفردتها هنا لعله يريد المسائل في جميع المواضع الشارح في الأصل جعلها للمسائل لكن هناك لا يضام فهذه المسائل (ضَمَّنْتُها) أي: المسائل نقول: لا ليس بظاهر بل الأولى أن يقال: فهذه أي المنظومة. (وضَمَّنْتُها) أي المنظومة. (أَفْرَدْتُهَا) أي: تلك المسائل التي تضمنها النظم (أَفْرَدْتُهَا) أي: هذه المسائل المسماة بأصول التفسير. (نَظْمًا) أي: حال كوني ناظمًا هذه حال وهو مصدر وجائز أن تقع الحال مصدر.
ومَصْدَرٌ مُنَكَّرٌ حَالاً يَقَعُ
…
بِكَثْرَةٍ كَبَغْتَةً زَيْدٍ طَلَعَ
إذًا (نَظْمًا) هذا مصدر فَعَلَ يَفْعَلُ نَظَمَ يَنْظِم نَظْمًا فَعَلَ يَفْعِلُ وهو من إطلاق المصدر وإرادة اسم الفاعل.
(أَفْرَدْتُها نَظْمًا) أي حالة كوني ناظمًا لها (مِن النُّقَايَةْ) نظمًا النظم كما قال بعضهم: التأليف وضم شيء إلى شيء آخر. هكذا قال في القاموس النظم التأليف وضم شيء إلى شيء آخر نظم اللؤلؤ ينظمه نظمًا ونظام ونظَّمه ألفه وجمعه في سلك فانتظم وتنظم أي ناظمًا لها أرجوزةً من بحر الرَّجَز بالتحريك قد ضرب من الشعر سمي رَجَزًا لتقارب أجزائه وقلة حروفه.
(مِن النُّقَايَةْ) بضم النون كالخلاصة وزنًا ومعنى هكذا قال في الشرح (مِن النُّقَايَةْ) بضم النون كخلاصة وزنًا ومعنى، ثم صار علمًا على كتاب السيوطي رحمه الله ضمنه أربعة عشر علمًا، السيوطي وهو أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن كمال توفي سنة أحد عشر وتسعمائة ضمن هذا الكتاب (النُّقَايَةْ) أربعة عشر فنًا، يعني أربعة عشر أو أربع عشرة مختصرًا من المتون في أصول الدين هذا طريقة الأشعرية والتفسير الذي هو: علوم التفسير، والحديث، وأصول الفقه، والفرائض، والنحو، والتصريف، والخط، والمعاني، والبيان، والبديع، والتشريح، والطب، والتصوف. هذه أربعة عشر علمًا كلٌّ لها مختصر وكلها كانت تُدْرَس قديمًا فهذا النظم أفرده الناظم منها وهو ما يختص بأصول التفسير وعلوم التفسير.
(أَفْرَدْتُها نَظْمًا مِن النُّقَايَةْ) يعني: من الكتاب المسمى بـ (النُّقَايَةْ) للسيوطي جلال الدين رحمه الله تعالى.
(مُهَذِّبًا) حالة كوني مهذبًا هذه حال من بعد (أَفْرَدْتُها) إما إذا جعلنا نظمًا حال ومهذبًا حال إما أن تكون متداخلة وإما أن تكون مترادفة، والقول بالترادف أولى من القول بالتداخل، مهذبًا هذا مأخوذ من التهذيب لأنه اسم فاعل هذب يهذب تهذيبًا فهو مهذبٌ والتهذيب التنقية والتصفية وتخليص الشيء مما يعيبه حال كوني مهذبًا أي: منقحًا مصفيًا مخلصًا نظامها أي ترتيبها في غَايَةْ في بمعنى إلى وغاية يعني في غاية من التهذيب والتخليص، مهذبًا نظامها في ظهير رسالة قصيرة جدًا ولا تحتاج إلى تهذيب بل يكاد يكون جمع كل ما فيها.
(واللهَ أَسْتَهدي وأَسْتَعِيْنُ ** لأنَّهُ الهادِي ومَنْ يُعِيْنُ)
بعد أن بين أنه يريد أن يمضي أراد أن يستعين بالرب جل وعلا وهذا يدل على أن المقدمة سابقة لأن الاستعانة تكون قبل الفعل أو بعده؟
قبل الفعل بلا شك فحينئذ يكون قوله: (واللهَ أَسْتَهدي وأَسْتَعِيْنُ). في ماذا؟ في شيء قد انتهى منه أو في شيء سيقدم عليه؟
الثاني فيدل على ماذا؟
أن قوله: (فَهذِهِ مِثْلُ الجُمَانِ عِقْدُ) إشارة إلى شيء لم يوجد بعد، (واللهَ) لا غيره أستهدي، من أين أخذنا لا غيره؟
تقديم ما حقه التأخير، اللهَ علم منصوب على التعظيم مفعول به لأستهدي ولا يصح أن يكون من باب التنازع كما ذكر الشاعر.
(واللهَ أَسْتَهدي) أي: أطلب الهداية والتوفيق للصواب منه لا من غيره سبحانه وتعالى لأنه محل سؤال الهداية.
(وأَسْتَعِيْنُ) أستعون أستعين أي: أطلب منه الإعانة، إذًا طلب الهداية وهي محل للتوفيق للصواب وطلب الإعانة في الإقدام على الفعل لماذا؟
لأن كل عمل - كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى -: لا بد له من إرادة جازمة وقدرة كاملة. وكل من تخلف في فعل ما فلا بد أن يرجع إلى هذين النوعين إما الإرادة غير الجازمة وإما القدرة غير كاملة وهذا تستخدمه حتى في طلب العلم إذا أردت أن تحفظ فنًا ما علمًا ما متنًا تحضر درسًا ما فلم يتم لك فإما لكون الإرادة غير جازمة وإما لكون القدرة غير كاملة لا بد من أحد هذين الأمرين حينئذ (واللهَ أَسْتَهدي) أي: أطلب منه التوفيق للصواب (وأَسْتَعِيْنُ) أي: أطلب منه الإعانة لماذا؟
لأنه سبحانه الهادي، وهذا اسم من أسماء الرب جل وعلا لأنه اللام للتعليل وأستعينه هنا الضمير محذوف لأننا إذا نصبنا الأول (اللهَ أَسْتَهدي) على أنه مفعول به لأستعين وقلنا: لا يصح على قول الجماهير أن يكون من باب التنازع لأنه من المنصوبات والتنازع يكون في المرفوعات وهنا (واللهَ أَسْتَهدي وأَسْتَعِيْنُ) أين المفعول به؟ محذوف وأستعين الله وأستعينه حذف الضمير للعلم به وحذف ما يعلم جائز (وَحَذْفٌ فَضْلَةٍ أَجِزْ إِنْ لَمْ يُضَرّ) لأنه سبحانه الهادي اسم من أسمائه جل وعلا الدال على الحق لأنه اسم فاعل مشتق من الهدى مع مصدر كالشورى والتقى وهو من أسمائه تعالى أي: الذي بَصَّرَ عباده وعرفهم طرق معرفته حتى أقروا بربوبيته وهذا كل مخلوق إلى ما لا بد له منه في بقائه ودوام وجوده، وهو المالك سبحانه وتعالى لمطلق الهداية بنوعيها هداية دلالة والإرشاد، وهداية التوفيق وانشراح الصدر والقلب بقبول الحق.
والثانية مختصة به جل وعلا والأولى مشتركة بين الرب جل وعلا والخلق ولذلك جاء نفيها وإثباتها يعني الهداية مطلق الهداية في حق النبي صلى الله عليه وسلم {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52] هذا إثبات الهداية {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56] نفيت الهداية هذه المحل واحد؟
الجواب: لا، {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي} أي: دلالة إرشاد وبيان وإيضاح وهذه مشتركة وهي وظيفة الرسول والعلماء والصلحاء وكل من عنده علم لا يشترك في مطلق هذه الهداية هداية الدلالة والإرشاد، وأما {إِنَّكَ لَا تَهْدِي} بمعنى: أنك لا تشرح قلوب العباد لقبول الحق وأما كون العبد ينشرح قلبه وصدره فهذا ليست للخلق لأنه الهادي وحده جل وعلا، عرف الجزأين أين الجزءان؟
الضمير لأنه الهادي عرف بأل وتعريف الجزأين من أسباب القصر والحصر عند البيانية وإن كان فيه نزاع لكن هذا هو الأشهر، تعريف الجزأين المسند والمسند إليه لأنه الهادي وحده جل وعلا (ومَنْ يُعِيْنُ) والذي يعين كأنه علل لك (واللهَ أَسْتَهدي) أي: أطلب الهداية لأنه الهادي هذا الشطر الأول تعليل للجزء الأول وأستعين لماذا؟
لأنه هو الذي يعين (ومَنْ يُعِيْنُ) يعني والذي يعين. يعني والمعين لأن الموصول مع صلته في قوة المشتق عند البيانية كأن يقال: الهادي والمعين، والمعِين غيره جل وعلا. أي المعين لعباده على طاعته هذا فيما يختص بالتعبد أو المعين عباده مطلقًا في التعبد وفي قضاء أمورهم وكلاهما يُفيدان الحصر يعني ومن يعين والذي يعين جل وعلا وهل يصح أن تكون (مَنْ) هنا استفهامية؟ هل يصح؟
من هنا كل موصولي وهذا الذي ذكره بعض الشراح هل يصح أن تكون استفهامية (ومَنْ يُعِيْنُ) غيره (ومَنْ يُعِيْنُ) غيره جل وحده يصح أو لا يصح؟
يصح كأنه قال: ولا أحد يعين غيره جل وعلا. أو: ومن الذي يعين غيره سبحانه وتعالى. ولو قال في الأول: ومن يهدي. ومن الذي يهدي غيره جل وعلا إذًا لا هادي غيره كما أنه لا معين غيره جل وعلا.
هذا ما يتعلق بمقدمة المصنف رحمه الله تعالى ذكرنا ما نحتاج إلى بيانه وبعضهم مختصر فيرجع إلى بعض الشروح السابقة.
نقف على هذا وغدًا إن شاء الله نأخذ مقدمة العلم مبادئ العشرة ونأتي عليها بإذن الله تعالى، وصلَّ الله وسلم على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.