المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌عناصر الدرس * العقد الرابع (ما يرجع إلى الألفاظ وهو "7" - شرح منظومة التفسير - جـ ١١

[أحمد بن عمر الحازمي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌عناصر الدرس * العقد الرابع (ما يرجع إلى الألفاظ وهو "7"

‌عناصر الدرس

* العقد الرابع (ما يرجع إلى الألفاظ وهو "7" أنواع)

* النوع الأول والثاني (الغريب والمعرَّب)

* النوع الثالث (المجاز)

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (العِقْدُ الرَّابعُ).

وهذه كما ذكرنا في السابق كلها تفصيل لقوله: (وقَدْ حَوَتْهَا سِتَّةٌ عُقُودُ). ذكرها جملة ثم فصلها عِقدًا عِقْدًا، ووصلنا إلى العِقد الرابع وقلنا: عِقد بكسر العين هو القلادة.

(ما يرجعُ إلى الألفاظِ، وهو سبعةٌ أنواع). (ما يرجعُ)، (ما) أي أنواعه. (يرجعُ) أي يرجع. والضمير هنا ذكره باعتبار تقدير ما فإنه مذكر، (يرجعُ إلى الألفاظِ) وأل هنا للعهد، والمراد به ألفاظ القرآن لأن البحث هنا في علوم القرآن، حينئذٍ يبحث فيه عن ألفاظه وعن معانيه، فالعِقد الرابع خصصه فيما يرجع إلى الألفاظ، والعِقد الخامس خصصه فيما يرجع إلى المعاني المتعلقة بالأحكام، وليس المراد أن ثَمَّ لفظ يكون منفكًّا كليًّا عن المعنى، لا، وإنما يكون الحكم على النص من حيث هو اللفظ وليس المراد أن المعنى لا اعتبار له، لا، هذا لا وجود له بدليل أنه ذكر المجاز، فالمجاز قد يكون لفظيًّا وقد يكون عقليًّا باعتبار المعنى حينئذٍ يكون قد رعى الجهتين.

(ما يرجعُ إلى الألفاظِ) أي: ألفاظ القرآن وهو ذكر هنا باعتبار ما ولو قال هي أيضًا لا بأس (سبعةٌ أنواع) على جهة الاختصار.

(الأول والثاني) من هذه السبعة (الغَريبُ والْمُعَرَّبُ) جمع بين الغريب والْمُعَرَّب، الغريب هذا فَعِيل والأصل فيه من اغترب بمعنى بَعُدَ إذا اغترب المعنى بَعُدَ، ففيه نوع بُعْدٍ عن غيره من الألفاظ لأن الأصل في اللفظ أن يكون واضح الدلالة لا يحتاج إلى تنقير وبحث عنه في المعاجم والقواميس، لا، بل الأصل فيه أن يكون ظاهر وواضح البيان فحينئذٍ إذا وجد لفظ غير ظاهر فيحتاج إلى تنقير وبحث حينئذٍ نقول: هذا غريب. بمعنى أنه انفرد عن سائر الألفاظ.

والْمُعَرَّب هذا سيأتي بحثه.

إذًا الغريب هنا قال بعضهم: هذا من العلوم المفيدة التي لا غنى للمفسر عنها.

الغريب هذا أفرده بالتصنيف خلائق لا يُحْصَوْن وهذا قاعدة عامة في كل علم أو فن من فنون علوم القرآن لا بد وأن تجد من صنف فيه مصنفات، وهذا غريب لأهميته كما هو الشأن في الناسخ والمنسوخ، والعام والمخصوص إلى آخره لأهميته كثرت فيه المصنفات، لذلك قال السيوطي: أفرده بالتصنيف خلائق لا يُحْصَوْن منهم: أبو عبيدة، وأبو عمر الزاهد، وابن دريد، ومن أشهرها في كتاب الْعُزَيْزِي أو الْعَزِيزِي، فقد أقام بتأليفه خمسة عشر سنة يحرره هو وشيخه أبو بكر بن الأنباري، ومن أحسنها ((المفردات)) للراغب، ولأبي حيان في ذلك أيضًا كتاب مختصر، ولذلك قال في ((الاتقان)) بعدما ذكر المصنفات: وينبغي الاعتناء به. يعني: بالغريب بفن الغريب لماذا؟

ص: 1

لأن الخائض في التفسير لا بد وأن تقف أمامه ألفاظ بعضها يكون غريبًا وقد وقف الصحابة على بعض الألفاظ كما سيأتي حينئذٍ لا بد أنه إذا أراد أن يَهْجِمَ على التفسير فيفسر كلام الله تعالى حينئذٍ لا بد من أدوات المفسر ومنها: العلم بغريب القرآن. كما يقال: غريب الحديث. كذلك غريب القرآن، وينبغي الاعتناء به، ثم قال: وعلى الخائض في ذلك التثبت والرجوع إلى كتب أهل الفن وعدم الخوض فيه بالظن - لا يكفي الظن أظن أن هذه الكلمة المراد بها كذا لا يكفي لا بد من اليقين وخاصة في باب التفسير فإنه قيل بأنه القطع بأن هذا المعنى هو مراد الرب جل وعلا، فحينئذٍ لا يقطع إلا بيقين أو بأدلة تكون معتمد عليها المفسر، وعدم الخوض بالظن فهذه الصحابة وهم العرب الْعَرْبَاء وأصحاب اللغة الفصحى ومن نزل عليهم وبلغتهم توقفوا في ألفاظ لم يعرفوا معناها فلم يقولوا فيها شيئًا - يعني سئل عن لفظ من القرآن فلا يعلم هو لا غيره لا يعلم هو حينئذٍ توقف {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36]، {وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} حينئذٍ هذا عام يشمل الصحابي وغيره فإذا لم يكن ثَمَّ علمٌ حينئذٍ يجب التوقف - توقفوا في ألفاظ يعرف معناها فلم يقولوا فيها شيئًا، رُوِيَ أن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قال في قوله تعالى:{وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} [عبس: 31]. أو سئل عنها

{وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} فقال: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إن أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم. هكذا رُوِيَ واشتهر عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه، وعن عمر رضي الله تعالى عنه أيضًا أنه قرأ على المنبر {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} فقال: هذه الفاكهة قد عرفناها فما الأب؟

هم يعلمون أنه نبات لكن عينه غير معلوم، هذه الفاكهة قد عرفناها فما الأب؟ ثم رجع إلى نفسه فقال: إن هذا لهو التكَلُّفُ أو الْكُلَفُ يا عمر.

وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كنت لا أدري ما {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ} ما المراد بفاطر قال: لا أدري حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها. يعني: أنا ابتدأتها. فعلم حينئذٍ معنى {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ} وقال أيضًا في قوله: {وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا} [مريم: 13] والله لا أدري ما حنان.

إذًا توقف بعض الصحابة في بعض الألفاظ فلم يتكلموا فيها حين السؤال ولكن بعد البحث والتأمل والنظر في كلام العرب عرفوا مدلولها وعرفوا معناها لذلك أحسن ما ذكر في تفسير غريب القرآن ما نُقل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه.

ص: 2

حينئذٍ نقول: ومعرفة هذا الفن ضرورية للمفسرين. قال الزركشي رحمه الله: يحتاج الكاشف عن ذلك إلى معرفة علم اللغة أسماءً وأفعالاً وحروفًا. يحتاج الكاشف عن ذلك يعني: الباحث عن الغريب غريب القرآن إلى معرفة علم اللغة أسماءً وأفعالاً وحروفًا، واتفقوا على أن أولى ما يرجع إليه في ذلك ما ثبت عن الصحابة وخاصة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه وأصحابه الآخذين عنه، فإنه ورد عنهم ما يستوعب تفسير غريب القرآن بالأسانيد الثابتة الصحيحة، وقد استوفى السيوطي رحمه الله في (الإتقان) كل ما ورد عن ابن عباس من الفاتحة أو البقرة إلى سورة الناس القرآن كله بالأسانيد الصحيحة الثابتة عن ابن عباس، كل ما ورد من لفظ غريب في القرآن فهو موجود في ذلك الكتاب عن ابن عباس على جهة الخصوص.

(الأول والثاني: الغَريبُ والْمُعَرَّب) إذًا الغريب هذا علم من علوم القرآن، والمراد به معنى الألفاظ التي يحتاج إلى البحث عنها في اللغة يعني يحتاج المفسر. إلى البحث عنها في اللغة ومرجعه حينئذٍ النقل مرجعه النقل، لكن يرد إشكال إذا قيل: بأن في القرآن غريبًا ومعلوم أن من شرط الفصاحة خلوصه من التنافر الكلمي - يعني الكلمة - من التنافر والغرابة والْخُلْف الذي هو مخالفة القواعد العامة.

فصاحة المفرد أن يخلص من

تنافر غرابة خلف زكن

قال: غرابة. إذًا من شرط الفصاحة ماذا؟ خلوص الكلمة عن الغرابة وإذا وجدت الغرابة في الكلمة انتفت فصاحتها وانتفى ماذا؟ فصاحة الكلام. فإذا علمنا ذلك كيف نُثبت أن في القرآن ما هو غريب ويحتاج إلى التنقير والبحث في كتب اللغة، أليس هذا بإشكال؟

الغرابة التي تنفى في باب الفصاحة - هناك هي: الغرابة الوحشية: - ألا تكون الكلمة وحشية غير مأنوسة الاستعمال أن تكون الكلمة وحشية بمعنى أنها غير ظاهرة المعنى ما يُعرف معناها أصلاً بمعنى أنه لا يعرف معناها الذي وضع له اللفظ في لغة العرب، وقلنا: غير ظاهرة المعنى هذا احترزنا به عن المتشابه ذكرناه بالجوهر عن المتشابه والْمُشْكِل والْمُجْمَل لماذا؟ لأن هذه الثلاثة تدل على معنى وضع له اللفظ في لغة العرب، ولكن الذي لم يفهم أو لم يعرف أو أشكل ما هو دلالة اللفظ على المعنى المراد، أما المعنى الذي وضع له في لغة العرب هذا مفهوم {ثَلَاثَةَ قُرُوَءٍ} [البقرة: 228] المعنى الذي وضع له القرء في لغة العرب الطهر أو الحيض. إذًا معلوم المعنى الموضوع له بلغة العرب أو لا؟ موضوع، لكن ما المراد هنا؟ نقول: هذا مجمل لماذا؟ لكونه غير ظاهر المراد من اللفظ، وأما المعنى الذي وضع له في لغة العرب فهو معلوم، ولذلك مَثَّلوا له بقول عيسى ابن عمر لما سقط عن الحمار:

ما لكم تَكَأْكَأْتُم عليَّ تَكَأْكُأْكُمْ على ذي مرة، افرنقعوا - افرنقعوا هكذا - افرنقعوا عني.

تكأكأتم هذه أين نبحث عنها؟ ما تفهم كذا معناها الأصلي الذي وضع لها في كلم العرب لا يُدْرَى إلا بالرجوع إلى مواضع المفردات.

ص: 3

إذًا فرق بين أن تسمع قرء فتعلم أنه للحيض والطهر ولكن لا تعرف المراد وبين أن تسمع تكأكأتم، ما تعرفها حتى ترجع إلى القاموس ولعلك تجده حينئذٍ نقول: هذه الكلمة وحشية غير مألوفة الاستعمال. هذا قلنا هناك: احترزنا به عن غريب القرآن وغريب الحديث لماذا؟

لكون غريب القرآن ولو كان يحتاج إلى بحث وتنقير إلا إن اللفظ مأنوس الاستعمال، استعماله كثير في لغة العرب لكن لو خَفِيَ على بعض لا يلزم من ذلك أن يكون قد خَفِيَ على الآخرين، لكن هذا اللفظ كـ كأكأتم مثلاً غير موجود غير مستعمل أصلاً غير مألوف الاستعمال فهو من شواذ الكلمات، هذا المعنى الذي هو الغرابة بهذا المعنى تكون الكلمة وحشية بمعنى غير ظاهرت المعنى الموضوع له في لغة العرب وأن لا تكون مأنوسة الاستعمال هذه منفية عن الكلمة الفصيحة سواء كانت في القرآن وفي غيره، ولكن المراد هنا بالغريب الذي هو الغريب بالمعنى الثاني وهو: ما لا مدخل للرأي فيه. وحينئذٍ إذا لم يكن للرأي والعقل والفكر مدخل فيه فلا بد من التنقير والبحث عنه في كتب اللغة.

إذًا فرق بين هذا النوع وبين النوع الأول، النوع الثاني الذي لا مدخل للرأي فيه لا يلزم منه ألا تكون الكلمة غير ظاهرة المعنى المراد ولا يلزم منه أن تكون الكلمة غير مأنوسة الاستعمال، لا، بل هي ظاهرة المعنى وأيضًا مأنوسة الاستعمال في كلام العرب ولكن مع ذلك يحتاج البعض ولا أقول الكل يحتاج البعض إلى التنقير عنها في كتب اللغة. إذًا ثم فرق بين النوعين.

إذًا نقول: ليس المراد بالغريب هنا الوحشي غير مأنوس الاستعمال لِتَنْزِيه القرآن عنه بسبب إسناده بالفصاحة وإنما المراد بالغريب ما لا مدخل للرأي فيه، بل نرجع معناه إلى النقل مثل قسورة {فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ} [المدثر: 51] قد يُشكل على البعض قسورة ما المراد بها؟ حينئذٍ يبحث في كتب اللغة فيجد أن {قَسْوَرَةٍ} هذه معناها الأسد، هل هي وحشية الاستعمال؟ الجواب: لا، هي معلومة في لغة العرب لكن الغرابة حينئذٍ تكون نسبية لا تكون كلية وأغلبية وإنما تكون نسبية، ولذلك بعضهم يقيد غريب القرآن وغريب الحديث نسبي بالنسبة إلى من بعد الصحابة، لكن هذا يُشكل عليه بأن بعض الصحابة قد أشكل عليه بعض غريب القرآن. حينئذٍ يكون العلم موجودًا في زمن الصحابة سواء كان غريب القرآن أو غريب الحديث ولكن بالنسبة إلى من بعدهم هو أكثر وبالنسبة إلى زمن الصحابة تكون الكلمة مأنوسة الاستعمال ولكن من سئل عنها فاحتاج إلى البحث والتنقير هذا في حقه تكون غريبة إذًا ثَمَّ فرق بين النوعين.

قال هنا:

(يُرْجَعُ لِلنَّقْلِ لَدى الغَرِيْبِ). (يُرْجَعُ) مغير الصيغة، ولا بأس أن تقرأه بالبناء للفاعل يَرْجِعُ يعني: الْمفسر الخائض في فن التفسير يَرْجِعُ للنقل أو

(يُرْجَعُ لِلنَّقْلِ) لا بأس سواء جعلته مبنيًا للمعلوم أو مبنيًا للمجهول. (يُرْجَعُ لِلنَّقْلِ لَدى الغَرِيْبِ) يَرْجِعُ الخائض في فن التفسير في تفسير الغريب للنقل يعني: للكتب كتب أهل الفن المصنفة في ذلك الفن (لَدى الغَرِيْبِ) يعني: لدى اللفظ الغريب لدى البحث عن اللفظ الغريب لماذا؟

ص: 4

لأن اللفظ إذا أشكل وهذا أمر بديهي إذا أشكل اللفظ على الناظر على المفسر أو غيره حينئذٍ يلزمه الرجوع إلى مواضع والبحث عن المفردات مفردات اللغة العربية، وهذا ما يسمى بعلم اللغة، وهو علم معاني المفردات، هذا عام سواء كان مُشْكِلاً أو غير مُشْكِلٍ، علم معاني المفردات علم اللغة يسمى،

(يُرْجَعُ لِلنَّقْلِ لَدى الغَرِيْبِ) يعني: يرجع المفسر أو الخائض في فن التفسير إذا أراد تفسير الغريب اللفظ الغريب للنقل يعني: للكتب المصنفة عند أهل ذلك الفن المتخصصين فيه (لَدى الغَرِيْبِ) يعني: لدى اللفظ الغريب لدى البحث عن اللفظ الغريب الموجود في القرآن، والقول بأن القرآن فيه ألفاظ توصف بكونها غريبة لا يخرجها عن كونه فصيحًا، إذ معنى الغرابة هنا أن تكون الكلمة وحشية غير مأنوسة الاستعمال، ومعنى الغرابة هنا أن هذا المعنى لا يُدرك بالرجوع إلى مواطن معرفة معاني تلك الألفاظ، يعني: العقل والرأي لا مجال له في اللغة. لكن هذا أيضًا يقال فيه إنه عام يعني: الوقوف على معاني المفردات الأصل فيه الرجوع إلى مواطن الكلام على تلك المفردات لأنه كما سبق أن الوضع الشخصي هذا نقلي بالإجماع، يعني: ليس للعقل فيه مجال بخلاف الوضع النوعي هذا فيه خلاف، هل هو موضوع أو لا؟ لكن الوضع الشخصي وضع كل لفظ بإزاء معنى هذا الأصل فيه يُجمع لا خلاف بينهم أنه موضوع بالوضع العربي وحينئذٍ إذا كان موضوعًا بالوضع العربي لا يُعرف ولا يُدرك إلا من؟ ممن صنف في بيان معاني تلك المفردات، حينئذٍ إذا أردت معاني مثلاً غرب ترجع إلى القاموس تفتح غَرَبَ تجد أنه استعمل في كذا وكذا هذه المعاني التي تذكر هي التي لك أن تستعمل هذا اللفظ لأي معنى شئت فيذكر لك عشرة معاني إذًا العرب استعملت غَرَبَ، كمثال استعملت هذا اللفظ في عدة معاني أوصلها مثلاً في القاموس أو اللسان إلى عشرة أنت إذا أردت أن تعبر عن أي معنى من هذه المعاني العشرة فلك أن تستعمل هذا لفظ غَرَبَ بمشتقاته يعني: بالمضارع، بالأمر

إلى آخره ولا يجوز أن تستعمل اللفظ لغير هذه العشرة، لماذا؟

لأن هذا اللفظ موضوع بالوضع العربي لأحد هذه المعاني، استعملته العرب إما في كذا وإما في كذا وإما في كذا فإذا أُطلق انصرف إلى أحد المعاني ولذلك قيل في حده جعل اللفظ دليلاً على المعني، بمعنى أنه إذا أطلق اللفظ انصرف إلى معناه، نقول: هذه قاعدة عامة سواء كانت اللفظة غريبة أو لا، لكن يزداد اللفظ الغريب بماذا؟

ببعض الغربة لذلك فيه معنى الغرابة بمعنى أنه انفرد عن سائر الألفاظ لقلة الاستعمال ولو كانت معلومة أو مؤلفة الاستعمال في ذاك الزمن، فلا تعارض بين كونها مؤلفة وبين كونها قليلة الاستعمال، لا تعارض بينها (يُرْجَعُ لِلنَّقْلِ لَدى الغَرِيْبِ) هذا كل ما يتعلق بالغريب ذكره في شطر واحد.

ص: 5

ثم قال: (مَا جَاءَ كِالْمِشْكاةِ). انتقل إلى النوع الثاني وهو الْمُعَرَّب. والْمُعَرَّب هذا اسمه مفعول من التَّعْرِيب، والتَّعْرِيب اصطلاحًا عندهم نقل اللفظ أو نقل لفظٍ من غير العربية إليها مستعملاً في معناه مع نوع تغير. هذا التَّعْرِيب الذي هو المعنى المصدري لأننا عندنا تَعْرِيب وعندنا مُعَرَّب، التَّعْرِيب هو نفس النقل تنقل اللفظ من لغة غير عربية إلى اللغة العربية مع بقاء معناه مع بعض التغيير، والذي نقل هو الْمُعَرَّب، ففرق بين التَّعْرِيب وبين الْمُعَرَّب، والتَّعْرِيب إذا قلنا: الْمُعَرَّب مشتق من ماذا؟ من التَّعْرِيب ولا يُفهم اللفظ الذي هو فرع المشتق إلا بفهم ماذا؟ أصله وهو ما اشتق منه، فلا يفهم الْمُعَرَّب إلا إذا فهم التَّعْرِيب، كما أنه لا يُفهم الْمُعَرَّب إلا إذا فهم الإِعْرِاب، ولا يفهم الْمَبْنِيّ إلا إذا فهم البناء لأنه أصله، كذلك الْمُعَرَّب لا يفهم إلا إذا فهم التعريب الذي هو أصله لأنه مشتق منه من جهة اللفظ.

إذًا التعريب اصطلاحًا: نقل لفظ من غير العربية إليها. إذًا هو في الأصل ليس من غير اللغة العربية وإنما هو دخيل، دخِيل على لغة العرب مستعملاً في معناه الذي استعمل في تلك اللغة يستعمل في نفس المعنى في لغة العرب ما الذي أريد به في لغة فارس معنى كيت يُستعمل يُنقل هذا اللفظ إلى لغة العرب ويستعمل في نفس المعنى الذي استُعمل في لغة فارس لكن مع نوع تغير، قالوا: ليكون هذا التغير دليلاً على أنه معرب وإلا لكانت كلمة فارسية كما هي. حينئذٍ مع نوع من التغيير هذا للدلالة على أن اللفظ معرب ومن هنا عُلِمَ أن العلم غير معربٍ إذ لا يدخله تغيير، الأعلام لا تعرب وإنما تبقى كما هي، ولذلك إبراهيم هذا أعجمي غير معرب ولذلك نقول: ممنوع من الصرف لِلْعُجْمَةِ والْعَلَمِيَّة. عُجْمَة هذا بإجماع النحاة أنه ممنوع من الصرف لِلْعُجْمَةِ والْعَلَمِيَّة.

الْمُعَرَّبُ هو لفظ إذًا مسمى الْمُعَرَّب هو اللفظ، ومسمى التعريب هو النقل، والنقل أمر معنوي والْمُعَرَّب أمر محسوس هذا الأصل لأنه حروف. الْمُعَرَّبُ هو لفظ استعملته العرب في معنًى وضع له في غير لغتهم. زاد ابن السبكي في ((جمع الجوامع)): غير علم. لإخراج ماذا؟ لإخراج العلم.

........................

مَا جَاءَ كِالمِشْكاةِ في التَّعْرِيْبِ

أَوَّاهُ، والسِّجِلُّ، ثُمَّ الكِفْلُ

كذلكَ القِسْطاسُ وهوَ العَدْلُ

وهَذهِ ونَحوَهَا قَدْ أَنْكَرَا

جُمْهُورُهُمْ بالوِفْقِ قالوا: احْذَرا

(قالوا: احْذَرا). قالوا: احذرا. قالوا: حذرا. يجوز الوجهان (وهَذهِ ونَحوَهَا) يجوز النصب ويجوز الرفع.

الْمُعَرَّبُ هو أخر حكمه ولو قدمه لكان أجود. الْمُعَرَّبُ اختلف أهل العلم وأئمة الدين في وجوده في القرآن أم لا؟ هل هو موجود في القرآن أم لا؟ هل نقول في القرآن ما هو معرب أو لا؟

ص: 6

وسبب الخلاف كما هو معلوم النصوص المتوافرة على أن القرآن عربي

{قُرْآناً عَرَبِيّاً} ، {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً} [يوسف: 2] وظاهر اللفظ ماذا؟ ظاهر اللفظ أن القرآن كله عربي حينئذٍ يلزم منه أن لا يوجد فيه لفظ (1) لفظ عربي. ثم يَرِدُ سؤال هل إذا وجد في القرآن وقد حكم عليه بأنه عربي لو وجد فيه ألفاظ يسيرة تُعد يمكن عَدُّهَا هل يخرجه عن كونه عربيًّا أو لا؟

هذا حل نزاع عند أهل العلم، هل إذا وجدت ألفاظ مُعَرَّبَة تُعَدّ يُمْكِنُ عَدَّهَا أوصلها أكثر ما أوصلها السيوطي إلى ستين وقيل: إلى مائة. وهب أنها مائة هذه معدودة، القرآن كم كلمة ستة آلاف ومائتين كلمة كم تعدل المائة أو الستين من ستة آلاف ومائتين كلمة، يسير شيء يسير، هل يخرجه عن كونه عربيًّا أو لا؟ هذا محل نزاع. ولذلك السيوطي جمع هذه الألفاظ كلها في كتابٍ سماه ((المهذب في ما وقع في القرآن من الْمُعَرّب)). وذكرها في

((الإتقان)) كلها وذكر بعض ما نُظِمَ في ذلك.

اختلف الأئمة في وقوع الْمُعَرَّب في القرآن على قولين:

الأول: عدم وقوعه في القرآن. لا يكون في القرآن ما هو لفظ مُعَرَّب، وهذا مذهب الأكثر (وليس في القرآن عند الأكثر) هكذا.

اللفظ إن ما استعملته العربُ

فيما له لعندهم مُعَرَّبُ

وليس في القرآن عند الأكثرِ

كالشافعي وابن جرير الطبري

إذًا أكثر عند أهل العلم على أن الْمُعَرَّب لا يدخل القرآن، لكن ليس هذا على إطلاقه وإنما أرادوا به سوى الأعلام فإبراهيم هذا عجمي ليست بكلمة عربية وإسحاق ويعقوب، نقول: هذه كلمة ليست بعربية مع كونها موجودة في القرآن فأجمعوا على أنها ليست بعربية، وأجمعوا على أنها لم تخرج القرآن عن كونه عربيًا واحفظوا هذا، إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين فمن زعم أن فيه غير العربية فقد أعظم القول {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [الشعراء: 195] فمن زعم أن فيه غير العربية فقد أعظم القول وأعظم الفدية. وقال ابن أوس: لو كان فيه من لغة غير العرب شيء لتوهم متوهم أن العرب إنما عجزت عن الإتيان بمثله لأنه أتى بلغات لا يعرفونها. لقال متوهم بأن العرب عجزوا لماذا؟ لأنه خاطبهم بألفاظ هي من فارس والحبشية والروم .. إلى آخرها ولا يعرفون هذه اللغة، هذا يمكن يقال لو أنزل سورة كاملة فارسية، أو كانت ثلاث أرباع القرآن كله رومي أو بالحبشي يمكن أن يقال هذا، أما كلمة لو قيل ستون كلمة في القرآن والقرآن كم جزء؟ ثلاثون جزء إذًا كم؟ ستون حزبًا يعني: في كل حزب كلمة واحدة. في كل حزب كلمة وكل عشرة صفحات كلمة واحدة مُعَرَّبَة هل يخرجه هذا عن كونها عربية؟ هذا محل نزاع.

(1) لا يوجد فيه لفظ إلا لفظ عربي.

ص: 7

وأجاب ابن جرير عن ما ورد عن ابن عباس لأنهم إذا قالوا: بأنه لا مُعَرَّب في القرآن. ورد أن ابن عباس يقول: هذه كلمة الحبشية، وهذه بلسان فارس، وهذه بلسان الروم. إذًا ابن عباس يرى أن في القرآن مُعَرَّب أن في القرآن ما هو مُعَرَّب وهذا واضح بين، أجاب ابن جرير رحمه الله عما ورد عن ابن عباس من تفسير ألفاظ في القرآن إنها بالحبشية والفارسية ونحو ذلك قال: إنما اتفق فيها توارد اللغات. اتفاق لغة فقط يعني: مشكاة ليست حبشية وإنما اتفقت اللغتان اللغة العربية أول ما وُضِعَت مشكاة فيها ووُضِعَت كذلك في الحبشية فاتفقت في الألفاظ وفي المعنى، إذًا مشكاة هذه ليست مُعَرَّبَة هي عربية أصلاً عربية بالأصالة وكذلك مشكاة هي حبشية بالأصالة ولكن اتفقت اللغتان فتكلمت بها العرب والفرس والحبشية بلفظ واحد. وقال غيره في الإجابة عن ما ورد عن ابن عباس: بل هذه ألفاظ عَلَقَت أو عَلِقَت من لغاتهم باللسان العربي بعد مخالطة الألسن في الأسفار فوقعت في كلامهم ونزل بها القرآن. يعني: هذه الألفاظ لما كانت رحلة تتجه إلى الشام والروم ورحلة إلى الحبشة .. إلى آخره، ما يذهب تاجر ويجلس أيام وشهر وشهرين إلا ويحفظ كلمة ويأتي إلى العرب فتندرج هذه الكلمة فتصير استعمالاً كما هو الشأن الآن. إذا ذهب ذاهب إلى أرض ليس بلغة قومه فحينئذٍ لا بد أن يحفظ منها كلمة أو كلمتين ثم إذا رجع يدندن بها صباح مساء، فقد تستقر هذه اللغة فحينئذٍ هذه الألفاظ مشكاة ونحوها مما سيذكره أو بعضها الناظم هذه جاءت بها الأسفار إلى محل العرب وانتشرت هذه الألفاظ حتى صارت كأنها من لغة العرب، فنزل القرآن على ما هو عليه وكانت هذه الألفاظ من استعمالهم.

وقال بعضهم: بل هذه الألفاظ عربية صرفة ليست بدخيلة ولكن لغة العرب متسعة ولا يبعد أن تخفى عن الأفهام. يعني يقول ابن عباس هو كبير من الأكابر لكن لغة العرب كما قال الشافعي في ((الرسالة)): لا يحيط بها إلا نبيٌّ. حينئذٍ كون ابن عباس يقول: هذه فارسية، هذه رومية. خفيت عليه لأن لسان العرب متسع فحينئذٍ قد يخفى عن ابن عباس بعض هذه الألفاظ فيظنها أنها دخيلة مُعَرَّبة وهي عربية صرفة، ولذلك جاء عن ابن عباس أنه خَفِيَ عليه معنى فاطر وفاتح وحنانًا ما عرف المعنى مع أنه عربي صِرف قُح، ومع ذلك خَفِيَتْ عليه بعض الألفاظ. إذًا لسان العرب متسع. هذا هو القول الأول عدم وقوع الْمُعَرَّب في القرآن.

القول الثاني: وقوع الْمُعَرَّب في القرآن. أنه واقع ودليل الجواب: الوقوع المشاهدة بما سيذكره المصنف في القرآن (كِالمِشْكاةِ)، (أَوَّاهُ)، (السِّجِلُّ)، (الكِفْلُ)، (القِسْطاسُ)

إلى آخره. هذه كلها ألفاظ دخيلة ليست بعربية صرفة وإنما هي باعتبار الأصل أعجمية ولكن تم استعملها العرب وصارت حكمًا عربيًا فنزل القرآن بهذه الألفاظ، وأجابوا عن قوله تعالى:{قُرْآناً عَرَبِيّاً} . يرد عليكم هذه الآية {قُرْآناً عَرَبِيّاً} يدل على أن القرآن كله عربي وحينئذٍ ما الجواب؟

ص: 8

قالوا: قوله: {قُرْآناً عَرَبِيّاً} . أجابوا عنه بأن الكلمات اليسيرة بغير العربية لا تخرجه عن كونه عربيًّا، والقصيدة فارسية لا تخرج عنها بلفظة فيها عربية، ولذلك أجمعوا على أن الأعلام موجودة في القرآن ووجدها لا يخرجه ولن يخرجه عن كونه عربيًّا، حينئذٍ ما الفرق بين أن يُجمع على وجود بعض الأعلام وهي أعجمية ولم تخرجه عن كونه قرآنًا عربيًا كذلك وجود بعض الألفاظ اليسيرة التي تُعَدّ على الأصابع لا تخرجه عن كونه قرآنًا عربيًّا.

إذًا لا فرق بينهما. وعن قوله: {أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} [فصلت: 44]. بأن المعنى من السياق أكلام أعجمي ومخاطب عربي. واستدلوا أيضًا بوجود الأعلام الأعجمية وهو مجمعٌ عليه.

إذًا هذان قولان:

وقوع الْمُعَرَّب في القرآن.

عدم وقوع الْمُعَرَّب في القرآن.

والجمهور على أنه عدم وقوع الْمُعَرَّب في القرآن. قال السيوطي رحمه الله: وأقوى ما رأيته للوقوع وهو اختياري - أنه واقع - ما أخرجه ابن جرير بسند صحيح عن أبي ميسرة التابعي الجليل حيث قال: في القرآن من كل لسان. يعني: من لسان العرب، ومن لسان الحبشة، ومن لسان الروم، ومن لسان الفرس

إلى آخره. يعني: فيه إشارة وليس المراد أن ولذلك أجمعوا على أن المختلف فيه هو ألفاظ كلمات يعني لا سورة بأكملها ولا جملة بأكملها بالإجماع هذا أنه لا يوجد في القرآن تركيب مركب تركيب إسنادي وهو مُعَرَّب أو أنه أعجمي هذا بالإجماع فضلاً عن كونها سورة أو غيرها وإنما الخلاف في ألفاظ. ولذلك نقل هنا عن ميسرة في القرآن من كل لسان وروي مثله عن سعيد بن جرير ووهب بن منبه، فهذا إشارة - السيوطي يقول وهو كلام نفيس -: فهذا إشارة إلى أن حكمة وقوع هذه الألفاظ في القرآن أنه حوى علوم الأولين والآخرين ونبأ كل شيء فلا بد أن تقع فيه الإشارة إلى أنواع اللغات والألسن ليتم إحاطته بكل شيء، فاختير له من كل لغة أعذبها وأخفها وأكثرها استعمالاً للعرب. لذلك جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أُرْسِل إلى الإنس عامة بل للإنس والجن عامة وهذا يشمل العربي وغيره حينئذٍ أُشِير ببعض هذه الألفاظ إلى عموم الرسالة وإن كان الأصل أن كل رسول إنما يُرسل بلسان قومه، ولكن هنا يتعذر أن يُرسل بعدت ألسن فاختير اللسان العربي لأنه أفضل وأميز وأوسع الألسنة ثم أُشير إلى بعض الألسنة الشهيرة في ذلك الزمان ببعض هذه الألفاظ ففيه إشارة إلى ما ذكره السيوطي رحمه الله تعالى.

ص: 9

(مَا جَاءَ كِالمِشْكاةِ في التَّعْرِيْبِ) وهذا واقع في القرآن (مَا جَاءَ) إشارة إلى بعض أمثلة الْمُعَرَّب (مَا جَاءَ) يعني: لفظ جاء في القرآن لفظ جاء يعني: ثبت تعني إذا جاء المجيء أصله حسي في مثل هذه المواضع لكن هنا يأتي بمعنى ثبت، (مَا جَاءَ) في القرآن يعني: ما ثبت في القرآن (كِالمِشْكاةِ) كلفظ المشكاة والكاف هنا تمثيلية (كِالْمِشْكاةِ) هذا في سورة النور {نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} [النور: 35] كمشكاة معناها في لغة الحبشة الكوة كما أخرجه ابن أبي حاتم عن مجاهد، كوة هذه فتحة في الجدار توضع فيها بعض الخزائن موجود إلى عهد قريب. إذًا المشكاة هذه معناها في لغة الحبشة ماذا؟ الكوة تُستعمل عندهم بهذا المعنى وتستعمل عندنا بهذا المعنى في لغة العرب (كِالْمِشْكاةِ) (مَا جَاءَ) يعني: لفظ جاء أو ألفاظ جاء في القرآن

(كِالْمِشْكاةِ) من الألفاظ المستعملة في لغة أخرى كالحبشة (في التَّعْرِيْبِ) أي معدود في اللفظ الْمُعَرَّب على القول به، لكن ليس ثَمَّ خلاف بين أهل العلم في وجود الْمُعَرَّب وعدمه في القرآن، يعني لا ينبني عليه أي خلاف ولذلك صاحب المراقي لما ذكر الخلاف.

وذاك لا يُبنى عليه فرع

حتى أبى رجوع درّ ضرع

وذاك لا يُبنى عليه فرع يعني الخلاف في هذا الْمُعَرَّب أو لا حتى أبى رجوع درً ضرع حتى يرجع اللبن في الضرع فإن رجع اللبن في الضرع فحينئذٍ ينبني الخلاف وإلا فلا خلاف. لكن يبقى هل مدلول قوله: {قُرْآناً عَرَبِيّاً} هل يشمل بعض الألفاظ أو لا؟

نقول: الظاهر أنه لا يمنع ولذلك نقول: لا بأس بالقول بأن القرآن فيه مُعَرَّب.

(أَوَّاهُ) يعني وأواه. أواه هذه في سورة التوبة {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: 114] معناه في لسان الحبشة الموقن في لسان الحبشة، كما روي عن ابن عباس أو معناه الرحيم بلغة الحبشة أيضًا كما روي عن عمرو بن شراحبيل، (أَوَّاهُ) بفتح الهمزة وتشديد الواو.

(والسِّجِلُّ) بكسر السين وشد اللام السِّجلُّ {كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} [الأنبياء: 104] هذه في الأنبياء ومعناه الرجل بلغة الحبشة كما رُوِيَ عن ابن عباس أو الكتاب كما نُقل عن ابن الجني وقيل: فارسي مُعَرَّب. يعني: إما أنه حبشي وإما أنه فارسي.

(ثُمَّ الكِفْلُ) ثم بمعنى الواو (ثُمَّ الكِفْلُ) بكسر الكاف وإسكان الفاء معناه الضِّعف بكسر الضاد بالحبشية روي عن أبي موسى الأشعري وهذا جاء في سورة الحديد {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ} [الحديد: 28] ضعفين وجاء كذلك في النساء {يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا} [النساء: 85] ضِعْف.

(كذلكَ القِسْطاسُ وهوَ العَدْلُ)، (كذلكَ) منه القسطاس كذلك أي مثل ذلك المذكور السابق في كونه مُعَرَّبًا الْقِسْطاس وقد جاء في سورة الإسراء {وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} [الإسراء: 35] فسره بقوله: (وهوَ العَدْلُ). وهو أي: القسطاس العدل بلغة الروم كما رُوِيَ عن مجاهد، وعن سعيد بن جبير أنه بلغة الروم: الْمِيزَان. ولذلك كل من يُنقل عنه هذه الألفاظ تضمه إلى القائلين بوجود الْمُعَرَّب في القرآن سعيد بن جبير، وابن عباس، وأبي موسى الأشعري، ومجاهد

إلى آخره.

ص: 10

(وهَذهِ ونَحوَهَا قَدْ أَنْكَرَا جُمْهُورُهُمْ). (وهَذهِ) هذا شرع في بيان الخلاف في وقوع الْمُعَرَّب في القرآن وقدمناه لأنه هو الأولى يُذكر الْمُعَرَّب تعريفه ثم حكمه ثم بعد ذلك الأمثلة، (وهَذهِ) أي: الكلمات السابقة من قوله:

(كِالْمِشْكاةِ) وإلى قوله (القِسْطاسُ). (ونَحوَهَا)(وهَذهِ ونَحوَهَا) ونحوُها قد أنكر هذه مفعول مقدم لأنكر، أنكر (قَدْ أَنْكَرَا جُمْهُورُهُمْ) هذه الكلمات ونحوها أو تقول: هذه ونحوُها. مبتدأ (قَدْ أَنْكَرَا جُمْهُورُهُمْ) فتقدر ماذا؟ مفعول به أنكرها جمهورهم يجوز الوجهان لكن في مثل يقال: عدم التقدير أولى من؟ من التقدير، فتجعل هذه مفعول مقدم ونحوَها بالنصب على أنه معطوف على محل هذه، وهذه الكلمات المذكورة فيما سبق ونحوَها ممن لم يذكر وهو كثير كما في (الإتقان) أوصلها إلى مائة كـ: إستبرق، وسندس، والسلسبيل. وغيرها (قَدْ أَنْكَرَا) الألف للإطلاق (أَنْكَرَا جُمْهُورُهُمْ) يعني: جمهور العلماء والمعتنين باللغة والقرآن كونه مُعَرَّبًا (أَنْكَرَا جُمْهُورُهُمْ) ألف الإطلاق، انظر ألف جاءت بعد ماذا؟ بعد فتحة لم يُدْغِمَا أَنْكَرَا الألف للإطلاق ولا بأس بقول: إنها للإطلاق، لماذا؟ لأنه لا يمكن القول بأنها نون توكيد لأنها لا تتصل بالماضي إلا شذوذًا، وأيضًا هنا الألف جاءت بعض فتح لأنها لإطلاق الروي بمعنى إشباع الفتح ألفًا (أَنْكَرَا)، (قَدْ أَنْكَرَا) قد للتحقيق هنا (أَنْكَرَا) ونفى جمهورهم جمهور العلماء كونه مُعَرَّبًا، (بالوِفْقِ قالوا: احْذَرا) يعني: كأنه ذكر الإنكار وذكر الجواب عما يقال لأنه إذا قيل قد أنكرتم هذه الكلمات بأنها مُعَرَّبَة كيف قد جاءت في القرآن وهي موجودة في لسان الحبشة مشكاة مشكاة، عندنا مشكاة في القرآن وعند لسان الحبشة مشكاة. قالوا:(بالوِفْقِ). (بالوِفْقِ قالوا) قالوا: بالوفق. يعني أجابوا قالوا في الجواب عنها بالوفق، بالوفْق جار ومجرور متعلق بقوله: قالوا. قالوا في الجواب (بالوِفْقِ) بكسر الواو أي: التوافق. أي: أنها عربية وافقت فيها لغة العرب لغة غيرهم، عربية - هذا جواب ابن جرير الطبري - أنها عربية وافقت فيها لغة العرب لغة غيرهم يعني: وضعت في لغة العرب أصالة ووضعت في لغة الحبشة أو الروم أو فارس أصالةً. ولكن هذا فيه بُعْد. (بالوِفْقِ قالوا: احْذَرا) إذًا هذا من توافق اللغتين (قالوا: احْذَرا) لها قطع الهمز هنا (قالوا: احْذَرا) احذرن هذه الألف بدل عن نون التوكيد الخفيفة (قالوا: احْذَرا) قالوا الذين هم الجمهور ومنهم الشافعي رحمه الله (قالوا: احْذَرا) يعني: احذر أن تقول في القرآن ما ليس بعربي لأن الله تعالى يقول: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً} [يوسف: 2]. احذر أن تقول في القرآن ما ليس بعربي قالوا: حَذَرَا. أنكر جمهورهم حَذَرًا أي: خوفًا وبُعْدًا من أين يقولوا في القرآن ما ليس بعربي.

ص: 11

على كلٍّ نقول: أن الصواب في القرآن ما هو مُعَرَّب، ولا بأس بهذا القول لأنه إذا عدت هذه الكلمات في جهة ما ذكر لا يخرجه عن كونه عربيًّا، والقول بالتوافق اللغتين هذا يحتاج إلى إثبات ولا دليل وإنما هو من باب التخريج للقول الذي قالوه يعني: من باب ماذا؟ من باب رد أو شبهة أو دليل المخالف لأن المخالف يُثبت في القرآن مشكاة وغيرها يقول: هذا من توافق اللغات. باب رد القول فقط وإذا كانت المجادلة والنظر في مثل هذه الأحوال فيُنظر الجواب حينئذٍ هل الجواب الذي نطق به المخالف عليه دليل أو يكون من باب الجدل والنظر فقط، لأن بعض الأجوبة تكون من باب النظر والجدل ومثل هذا توافق اللغات طيب ما الدليل؟

لا دليل - واضح -. فالجواب يختلف ولذلك دائمًا الاستدلالات ما تؤخذ في باب المناظرات باب المناظرات لها شأن حتى للمصنف أو للقائل نفسهِ قد لا تنسب بعض الأقوال التي ينطق بها في المناظرات، قد يناظر فيتنزل أو يذكر قول من باب التنزل، قد يقرأ قارئ أو يسمع مستمع يقول بكذا يقول: لا، هذا ذكره في باب المناظرة فلا يُنْسب إليه. ومثله في باب البحث، قد يبحث مسألة صفحتين أو ثلاثة أو أربعة سواء من المعاصرين أو غيره فيذكر قولاً في ضمن هذه الأقوال من باب التنزل فلا ينسب إليه قولاً وإنما يقال: ذكره بحثًا، ويقال في مثل المناظرة هذا ذكره في باب الجدل والمناظرة، ويقال في باب الأجوبة مثل هذه الأجوبة خاصة التي تبحث عن دليل لا دليل يقال هذا من باب رد حجة المخالفة، لأن الوقوع كما ذكرنا سابقًا الوقوع من أعظم الأدلة، إذا قال قائل: لا، العام لا يخصص في القرآن. مباشرة تتلو عليه آية {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228] خصصت بأن {كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ} [الطلاق: 6] يكفيك هذا مثال واحد على الوقوع، الْمُعَرَّب غير موجود في القرآن مشكاة لغة الحبشة موجود؟! قال: لا، توافق اللغتين. من أين؟ يحتاج إلى دليل.

النوع الثالث: المَجازُ.

النوع الثالث من العِقد الرابع ما يرجع إلى الألفاظ وهو: المجاز. ولم يذكر الحقيقة هنا لماذا؟ كما لم يذكر الفتح هناك في باب الإدغام وهو مقابله هنا لم يذكر الحقيقة لأن الحقيقة هي الأصل ولا خلاف في وقوع الحقائق في القرآن لا خلاف، وإنما أفردوا المجاز لكونه نوعًا من أنواع العلوم لأنه على خلاف الأصل.

النوع الثالث: المَجازُ. أصله مَفْعَل مَجْوَز مَجْوز مَقْعَد إما مصدر ميمي وإما اسم زمان وإما اسم مكان، وبينا في شرح الورقات أنه لا يكون اسم زمان بل يحمل إما أنه مصدر ميمي بمعنى اسم الفاعل جائز أو بمعنى اسم المفعول الْمَجُوزُ بها أو الْمَجُوزَة بها يعني الْمَعْبُورُ أو الْمُنْتَقَل بها الكلمة، وأما اسم الزمان بينا ذلك فيما سبق أنه لا يقال به.

إذًا المجاز أصله مَجْوَز نقلت حركة الواو إلى ما قبلها فقلبت الواو ألفًا باعتباري النظر إلى السابق وباعتبار النظر إلى الحال أو اكتفاء بجزء العلة كما ذكرناه مرارًا فلا عودة وإلا إعادة.

ص: 12

إذًا مصدر ميمي بمعنى الفاعل من جاز المكان إذا تَعَدَّاه، أو من الجواز وهو العبور والانتقال، لأنك أنت نقلت الكلمة من معناها الحقيقي إلى معناها المجازي، إذًا حصل عبور وحصل انتقال. المجاز ضده الحقيقة ويعرف المجاز بمعرفة ضده لأن الكلمة أو الوصف للتركيب إما أن يكون حقيقة وإما أن يكون مجازًا، الحقيقة هي اللفظ المستعمل في ما وضع له أولاً أو ابتداءً، والمجاز أو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له أولاً، فوضعت العرب لفظ الأسد للحيوان المفترس، فإذا أطلق اللفظ حينئذٍ نقول: استعمل فيما وضع له. رأيت أسدًا أي: حيوانًا مفترسًا. نُقل هذا اللفظ وعُبِرَ به عن ذلك المعنى الذي هو الحيوان المفترس إلى معنى الرجل الشجاع لكن لا بد من علاقة وقرينة فحينئذٍ قالوا: رأيت أسدًا يخطب. قالوا: أسد هذا ليس المراد به الحيوان المفترس، الحيوان المفترس لا يعلو الأوادم فيخطب وإنما هو الرجل الشجاع يخطب، هذا الدليل على أنهم استعملوا هذا اللفظ في غير ما وضع له لماذا؟ لأنه إذا أطلق على القرينة حينئذٍ نقول: حمل على أصله ولا يجوز أن يحمل على المعنى المجازي عند البيانيين بخلاف الأصوليين، الأصُوليون لا يشترطون علاقة والبيانيون يشترطون العلاقة، فحينئذٍ نقول: الحقيقة هي اللفظ المستعمل. إذًا قبل الاستعمال لا توصف بحقيقة أو لا مجاز، فيما وضع له أولاً يعني في المعنى الذي وضع له في لغة العرب ابتداءً، خرج به المجاز لأن المجاز يُستعمل اللفظ فيما وضع له لكن ثانيًا لا أولاً، لأن المجاز والحقيقة كلاهما موضوعان بالوضع العربي، اتفقوا على أن الحقائق موضوعة بالوضع العرب واختلفوا في المجاز، والصواب أن المجاز أيضًا موضوع بالوضع العربي لكنه نوعي لا آحاديّ، كالقواعد العامة عند الصرفيين وعند النحاة. إذًا عرفنا هذه الحقيقة، المجاز اللفظ المستعمل في غير - خرجت الحقيقة - اللفظ المستعمل - خرج غير المستعمل - فلا يوصف بكونه حقيقة ولا مجازًا في غير ما وضع له أولاً خرج به الحقيقة فإنها تستعمل فيما وضعت لها أولاً، هذا المختصر ما يقال في المجاز.

المجاز هذا فن شهير عند أرباب اللغة وقد أفرده بالتصنيف عز الدين بن عبد السلام ولخصه السيوطي ومعه زيادات سماه ((مجاز الفرسان في مجاز القرآن))

هل في اللغة مجاز أو لا؟

هل في القرآن مجاز أو لا؟

بحثان لأهل العلم في هذه المسألة، المجاز الجمهور على وقوعه في القرآن، حقائق لا خلاف فيها أنها في القرآن، وأما المجاز فالجمهور على وقوعه في القرآن جمهور أهل العلم على أن المجاز واقع في القرآن، وأنكره البعض منهم الظاهرية وابن القاسم من الشافعية، وابن خويز بن منداد من المالكية وعبر بعضهم في الرد عليه قالوا: شبهتهم - لم نقل: دليلهم، لأن إنكار المجاز هذا قولٌ عسيرٌ لا يمكن إنكاره - قالوا: شبهتهم أن المجاز أخو الكذب، والقرآن منزه عنه. هذا مثل ما يقال أن المجاز يصح نفيه وما يصح نفيه لا يجوز وقوعه في القرآن لأن النفي والكذب أخوان لماذا؟ لأنه إذا قيل رأيت مثلاً - لا نمثل بالقرآن - قيل: رأيت أسدًا يخطب. يصح أن يقول القائل: لا ليس بأسد. ليس بأسد صح أو لا؟

ص: 13

صح. يقول: زيد حمار. بمعنى أنه بليد لما قال: زيد. حينئذٍ علمنا أن حمار هذا ليس في حقيقته إذا استعمل لفظ الحمار بمعنى بليد هذا نقل من معناه الأصلي في الدلالة على البهيمة المعروفة إلى الإشارة إلى بلادة زيد، يصح أن نقول: لا زيد ليس بحمار. إذًا صح نفيه ويصح تكذيبه وما صح نفيه وما صح تكذبه القرآن منزه عنه وهذا أكثر ما اعتمد عليه من أنكر المجاز، من أنكر المجاز أكثر ما اعتمد واتكأ على هذا الدليل وهو: أن المجاز يصح نفيه. بل أقام الشيخ الأمين رحمه الله ثلاثة سنده في دفع المجاز أو رد بالمجاز على هذه أو على هذا الدليل. نقول: لكن هذا من أضعف ما تمسك به المنكرون للمجاز لماذا؟

لانفكاك الجهة لأنه إذا قيل: رأيت أسدًا يخطب. فقال: لا، ليس بأسدٍ. نقول: قوله: رأيت أسدًا يخطب. له مفهومان: مفهوم مجازي، ومفهوم حقيقي أليس كذلك مفهوم مجازي ومفهوم حقيقي لأن أسد هذا له استعمالات استعمال في معناه الأصلي وهو: الحيوان المفترس. واستعمال في معناه الفرعي وهو: الرجل الشجاع. إذًا له مفهومان، إذا تكلم المتكلم رأيت أسدًا يخطب ما الذي أثبته؟

المعنى المجازي، إذًا المثبت هنا هو المعنى المجازي المفهوم المجازي، فإذا قال: ليس زيدًا بأسد. ما هو المنفي؟

المعنى الحقيقي فكيف نقول: يصح نفيه هل صح نفيه؟

أجب إذا قلت: زيد ليس بأسد. هذا المنفي زيد ليس بأسدٍ يعني: ليس بحيوان مفترس. نقول: المنفي هو المفهوم الحقيقي والذي تكلم به المتكلم هو المفهوم المجازي حينئذٍ انفكت الجهة فلا يقال: إن المجاز يصح نفيه وإنما من علامة الكلمة التي يصح اعتبار كونها مجازًا أن يصح نفيها منفردة عن أصل الكلام، فهذا التركيب إذا أردت أن تتأكد من هل هو مجاز أو لا؟

تجعل هذا التقييم وهو: زيد ليس بأسدٍ. تجعله دليلاً على أن اللفظ قد استُعمل في المعنى المجازي وليس على إبطال المجاز وإنما هو دليل على إثبات كون رأيت أسدًا يخطب أن أسدًا هذا مجاز، ولذلك يقال: من علامته صحة نفيه. هم يقولون هذا: من علامته صحة نفيه. فكيف تُجعل العلامة التي هم قرروها تجعل دليلاً في إبطال دعواهم بالمجاز. هذا بعيد. فحينئذٍ نقول: بانفكاك الجهة. صحة النفي هذا مسلط على المفهوم الحقيقي والمتكلم إنما تكلم وأراد المفهوم المجازي فانفك الجهات فحينئذٍ إذا قيل: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] بأنه مجاز لا يقال: لا، لا، ما أمر بسؤال القرية. نقول: لا {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} أي واسأل أهل القرية حينئذٍ نقول: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} هذا مجاز بالحذف كما سيأتي، فحينئذٍ النفي هنا هل المراد بسؤال القرية جدرانها المخصوصة أو لا؟

ليس المراد هذا، فحينئذٍ ينفى لفظ القرية عن كون المراد بالسؤال هنا هو الجدران وينزل على ماذا؟

على الأهل. بقرينة ماذا؟

دعوى أنه مجاز.

ص: 14

إذًا قول بعضهم بأن المجاز أخو الكذب والقرآن منزه عنه نقول: ليس أخو الكذب. وإذا قيل: بأنه يصح نفيه. نقول: نعم هو علامة كونه مجازًا صحة نفيه ولا تُجعل هذه العلامة دليلاً على إبطاله لأنهم أرادوا بصحة النفي أن تُجعل هذه العلامة إثباتًا لكونه استعمل هذا اللفظ في غير المعنى الذي وضع له في اللغة العربية، وأن المتكلم لا يعدل إليه إلا إذا ضاقت به الحقيقة فيستعير وذلك محال على الله تعالى. قالوا: المجاز لا يَعْدِلُ إليه المتكلم إلا إذا ضاقت به الحيل. يعني ما قطع أن يأتي بالكلام على الحقيقة حينئذٍ ينزل إلى الدرجة الثانية ويأتي

بالمجاز، وهذا باطل. هذا فساده يغني عن إفساده هذا واضح أن المجاز قد تكون في بعض المواضع أبلغ من الحقيقية كما قيل، وقد تكون إما لخفتها وإما لكون الحقيقة غير مستعملة أو لكونها بشعة أو لكونها وحشية يعدل عنها إلى المجاز.

إذًا نقول: الجمهور على وقوع المجاز في القرآن، وإذا وجد في القرآن معناه أنه كائن وثابت في اللغة، ومن أثبته في اللغة ونفاه عن القرآن هذا من أبعد الأقوال وينبغي طرح وإطراحه لماذا؟

لأنه إذا وجد في اللغة فحينئذٍ وجد على جهة الاتساع والشيوع وكونه ذاع في لغة العرب وإذا وجد على هذه الجهة وهذه الهيئة حينئذٍ نقول: لزم منه وجوده القرآن. لزم وجوده في القرآن لقوله تعالى: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [الشعراء: 195]. ولسان العرب قد شُحِنَ بالمجازات الكثيرات في النثر وفي الشعر حينئذٍ إذا ثبت في لغة العرب لزم من ذلك أن يَثْبُتَ في القرآن، وأما القول بأنه في اللغة ولا يوجد في القرآن نقول: هذا فيه بُعْد.

إذًا لا خلاف في وقوع الحقائق في القرآن وأما المجاز فالجمهور على وقوعه في القرآن ودليله الوقوع لو قال قائل: ما الدليل على وجود المجاز في لغة العرب؟

نقول: هم استعملوها، استعملوا الأسد في الحيوان المفترس، واستعملوا الأسد في الرجل الشجاع، واستعملوا الحمار في المعهود، واستعملوه في البليد، وقالوا: قامت الحرب على ساق.

إلى آخره كثير جدًا في لسان العرب ما إذا أُسْنِدَ الفعل إلى غير من هو له أو غير ذلك من اللفظ أو المجاز العقلي أو الإسنادي نقول: هذا كله وقوعه دليل على أن المجاز موجود في لغة العرب.

النوع الثالث: المجاز. المجاز قسمان:

مجاز في التركيب ويسمى مجاز الإسناد.

والمجاز العقلي. وعلاقته المناقشة.

هذا ذكرناه ببسط في الجوهر المكنون.

المجاز في المفرد هذا النوع الثاني ويسمى المجاز اللغوي وهذا الذي ذكرنا تعريفه فيما سبق أو اللفظ المستعلم في غير ما وضع له، وأنواعه كثيرة ذكر منها بعضه قال:(مِنْها اختصارُ الحَذْفِ) من أنواع المجاز الذي هو المجاز العقلي أو اللفظي؟

اللفظي لأن الكلام في المجاز اللفظي (مِنْها اختصارُ الحَذْفِ)، (الحَذْفِ) المشهور أنه من المجاز يعني الحذف حذف المضاف أو حذف الخبر كما سيذكره المبتدأ هذا المشهور أنه من المجاز، وأنكر بعضهم كونه من المجاز قالوا: لماذا؟

ص: 15

لأن المجاز هو اللفظ المستعلم في غير ما وُضِعَ له أولاً، والحذف هل استعمل في غير ما وضع له أولاً، قالوا: لا، إذًا لا يمكن أن يكون الحذف مجازًا. قال ابن عطية: حذف المضاف هو عين المجاز ومعظمه، وليس كل حذفٍ مجاز. قال ابن عطية: حذف المضاف هو عين المجاز، يعين أكثر المجاز حذفٌ ومعظمه وليس كل حذفٍ مجازًا، هذا نعم صحيح، المجاز قد يكون حذفًا وليس كل حذفٍ مجازًا، المجاز قد يكون بالحذف ولكن ليس كل حذفٍ مجاز، ولذلك قسم القرافي الحذف باعتبار كونه مجازًا أو لا إلى أربعة أقسام:

القسم الأول: قسمٌ يَتَوَقَّفُ عليه صحة اللفظ ومعناه من حيث الإسناد. يعني: لا يفهم اللفظ من حيث الإسناد إلا بهذا المحذوف لا بد أن نقدر، لا بد أن نجعل في اللفظ ما هو محذوف ومثل له بقوله تعالى:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}

[يوسف: 82]. قرية في أصل وضعها للبنيان والجدران قالوا: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} . كيف يسأل الجدران؟ قال: لا بد من حذف. أي: اسأل أهلها أهل القرية أي اسأل أهل القرية {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} أي واسأل أهل القرية. إذ لا يصح إسناد السؤال إليها، هذا هو النوع الأول وهو ما يَتَوَقَّفُ صحة اللفظ ومعناه عليه على المحذوف.

القسم الثاني: قسمٌ يصح بدونه لكن يَتَوَقَّفُ عليه شرع يصح اللفظ والإسناد بدونه يعني بدون هذا المحذوف لا نقدره، يمكن لا نجعله من المحذوف لكن يَتَوَقَّفُ عليه شرع، ومثل له بقوله تعالى:{فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}

[البقرة: 184]. يمكن {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} من جهة الإسناد يمكن أن يُلزم لو لم يكن شرع يمكن أن يُلزم بالصيام بالقضاء ولو لم يذكر كما قال ابن حزم رحمه الله قال: كل من صام في السفر أو كان مريض فعليه أن يقضي ولو صام في رمضان لماذا لقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} . يعني: فعليه عدة من أيام أُخر لأنه علقه بماذا؟ {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ} . إذا وجد المرض فعدةٌ من أيام أخر ولو صمت هذا الظاهر أليس كذلك؟

لكن الجمهور على ماذا؟

على أن ثم دلالة اقتضاء هنا، فأفطر، هذا لا بد من تقدير محذوفٍ، هذا المحذوف ما الذي يَتَوَقَّفُ عليه هل هو من جهة صحة المعنى أو من جهة الشرع؟

من جهة الشرع هذا هو القسم الثاني، يصح بدونه يعني إسناد بدون المحذوف لكن يَتَوَقَّفُ عليه شرعًا كقوله تعالى:{فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} .

القسم الثالث: يَتَوَقَّفُ عليه عادةً لا شرعًا. عكس الثاني يتوقف عليه عادةً على المحذوف يعني لا شرعًا يتوقف عليه عادةً لا شرعًا نحو {اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ} [الشعراء: 63] هذا دائمًا يدخلوه في فاء الفصيحة

{اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ} ، {اضْرِب} {فَانفَلَقَ} أليس كذلك؟ يعني هل الانفلاق هنا حصل جواب اضرب أو اضرب فضرب فانفلق؟

الثاني، إذًا لا بد من تقدير، إذ لم تقدر حينئذٍ صار {فَانفَلَقَ} جوابًا للأمر الرب جل وعلا {اضْرِب} ، {فَانفَلَقَ} لكن اضرب فضرب فانفلق، واضح هذا توقف عليه عادةً لا شرعًا.

ص: 16

وقسم يدل عليه دليلٌ غير شرعي ولا هو عادة. غير دليل شرعي وليس بعادة شيء آخر خارج عن الدليل الشرعي والعادة نحو قوله تعالى: {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} [طه: 96]. يعني: من أثر حافر فرس الرسول، هذا دل عليه شيء آخر ليس بعادةً ولا بشرعي.

هذه أربعة أقسام أي الأربعة هي مجاز؟ كلها؟

الأول فقط، هي التي تعتبر مجازًا، وما عداها ليست بمجاز الذي يدل عليه يَتَوَقَّفُ عليه صحة اللفظ ومعناه لا يفهم المعنى ولا يحكم على اللفظ أو الترتيب بكونه صحيحًا إلا إذا قدرنا المحذوف هذا وحكمنا بأن في الكلام ما هو حذفٌ {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} أي: اسأل أهلها.

متى نحكم بكون الحذف مجازًا؟

قال في ((الإيضاح)): متى تغير إعراب الكلمة بحذف أو زيادة فهي مجاز، أما إذا لم يحصل تغير في الحذف أو الزيادة فلا يعتبر مجازًا. {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} واسأل أهل القريةِ حذف المضاف فأقيم المضاف إليه مقامه فانتصب إذًا تغير من الكسر إلى فتحة حصل تغير فإذا لم يحصل تغير حينئذٍ لا نحكم بكونه مجازًا.

{أَوْ كَصَيِّبٍ} [البقرة: 19] هذا صفة للموصوف المحذوف، هل تغير الإعراب؟

لم يتغير الإعراب. {فَبِمَا رَحْمَةٍ} [آل عمران: 159] حصلت زيادة هنا هل تغير الإعراب؟ لم يتغير الإعراب. لا نحكم بكونها مجازًا.

إذًا ضابط الحذف الذي يكون مجازًا ما إذا تغير الإعراب بالحذف أو الزيادة، أما إذا لم يتغير حينئذٍ لا نحكم بكونه مجازًا. (مِنْها اختصارُ الحَذْفِ) ولذلك تعلم أنه شرح مثل بقوله تعالى:{فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} . هذا فيه نظر ومنها (تَرْكُ الخَبَرِ) و (مِنْها) أي من أنواع المجاز في المفرد (تَرْكُ الخَبَرِ) يعني: إبقاء الخبر في الكلام وحذف المبتدأ (تَرْكُ الخَبَرِ) في الكلام يعني أبقاه في الكلام وحذف ماذا؟ المبتدأ، (تَرْكُ الخَبَرِ) من أنواع المجاز (تَرْكُ الخَبَرِ) يعني ترك الخبر وإبقاؤه في الكلام وإذا تُركت الخبر حينئذٍ حذف المبتدأ هذا مقصوده يعني تكتفي في الترتيب بحذف المبتدأ وتترك الخبر على ما هو عليه

{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} [يوسف: 19] فصبري صبر جميل {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} صبر هذا خبر لمبتدأ محذوف على قولٍ بأن صبر هنا خبر مبتدأ محذوف فصبري صبر جميل، (والفَرْدُ جَمْعٌ إِنْ يُجَزْ عَنْ آَخَرِ) (والفَرْدُ) يعني: ومنها من أنواع المجاز (الفَرْدُ)، وهو (جَمْعٌ)، (الفَرْدُ) و (جَمْعٌ)(إِنْ يُجَزْ عَنْ آَخَرِ) يعني إِن يُستعمل عن آخر إن يستعمل الفرد عن الجمع والجمع عن الفرد يعني إذا استُعمل المفرد، الفرد هنا فاعل بمعنى اسم المفعول، والجمع كذلك، والفرد يعني إذا استُعمل الفرد مرادًا به الجمع قال:{إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر: 2]. قيل استعمل هنا الإنسان في معنى الجمع

والشأن لا يعترض المثال

إذ قد كفى الفرض والاحتمال

{إِنَّ الْإِنسَانَ} قالوا: هذا أريد به الجمع، بدليل ماذا؟ بدليل الاستثناء.

ص: 17

هذا مجاز استعمل المفرد في معنى الجمع، وجمعٌ في محل المفرد، مفرد في محل الجمع والجمع في محل المفرد {رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون: 99] أي: ارجعني هنا {ارْجِعُونِ} هذا جمع ارجعوني هذا جمع حكم على نفسه بكونه جمعًا والمراد به ارجعني، هذا مجاز، ولذلك لما قيل للإمام أحمد رحمه الله {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ} [ق: 43] بماذا نفسره يرد سؤال هل المعتزلة قبل الإمام أحمد أم بعده؟

قبل الإمام أحمد، فتنة القرآن قبل الإمام أحمد هل يقولون: مثلاً المنكرون المعتزلة هم الذين قالوا بالمجاز وهنا يَرِدُ إشكال إذا أُطلق لفظ المجاز حينئذٍ صار لفظًا بدعيًا فكيف الإمام أحمد يقول في مثل هذا: إنه من مجاز اللغة. هذا محل إشكال هنا لأن شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: ليس المراد هذا المجاز بمعنى الاصطلاحي، وإنما المراد به مما تجيزه اللغة، يعني أسلوب من أساليب العرب لكن يرد إشكال الإمام أحمد في ذاك الزمان هذا اللفظ صار مجملاً وبُني عليه من المسائل العظام، لذلك بعضهم يَسُدُّ باب المجاز سدًا لذريعة التحريف للآيات والصفات {رَبِّ ارْجِعُونِ} لما قيل للإمام أحمد {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ} هذا و {مُنتَقِمُونَ} [السجدة: 22] و {نَعْلَمُ} [آل عمران: 167] قال: هذا من مجاز اللغة. يعني مما أطلق فيه الجمع وأريد به الواحد. وهذا الذي ذكره المصنف هنا، ولذلك أكثر أصحاب الإمام أحمد على حمل هذا اللفظ على أنه المجاز الاصطلاحي المعروف هذا، أكثرهم على هذا وبه قال ابن قدامه والكلوذاني وغيرهم (الفَرْدُ و@ جَمْعٌ إِنْ يُجَزْ عَنْ آَخَرِ) يعني: إن يُستعمل مجازًا عن آخرين (واحدُها مِنَ الْمُثَنَّى) ذكر بعضهم قبل أيام يقول: هل من إمامٍ من أئمة السنة نص على أن المجاز ثابت في القرآن أو لا؟ يعني: إذا قلنا في القرآن مثلاً نقول في القرآن مجاز ولا شك، إذا قيل بهذا هل لا بد أن نقول لا بد وأن يأتي إمام من أئمة السنة حتى يقول بأن في القرآن مجازًا أو لا؟ هل نحتاج أو لا؟

ما رأيكم، نحتاج أو لا فقط؟

نحتاج .. طيب يَرِدُ السؤال هل المجاز حكمٌ شرعي أم حكمٌ لغوي؟

لغوي، إذا قلت لغوي لماذا تحتاج إلى إمام؟ إياك وأن تقل بمسألة ليس فيها إمام هذه في الشرعيات، ثم إذا كان كل مسألة لغوية تحتاج إلى أن ينص عليها إمام شرعي إمام سنة حينئذٍ تُنكر النحو من أوله إلى آخره، ولذلك أقول قوله تعالى:{الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]{الْحَمْدُ} مبتدأ، و {للهِ} جار مجرور متعلق بمحذوف خبر، و {رَبِّ} صفة أو بدل وهو مضاف و {الْعَالَمِينَ} مضاف إليه، هل هذه أوصاف لكلام الرب أو لا، أوصاف أو لا؟

ص: 18

أوصاف هل نحتاج إلى إمام أن ينص بأن الحمد مبتدأ ولله جار مجرور متعلق محذوف أم يجريه على لسان لغة العرب على الأصل، هذه لا نحتاج إلى إمام، ولذلك قيل من أنكر المجاز لَزِمَهُ أن يُنكر خاصة المحذوفات المقدرات في القرآن، كم، وكم، وكم من محذوفات، ولذلك أورد الخضري في أول حاشيته على ابن عقيل إشكال {الْحَمْدُ للهِ} إذا قيل لله متعلق بمحذوف هذا المحذوف هذا لِزامًا أكثر أهل اللغة على يكاد يكون إجماع ما نُقِلَ إلا عن النحاس أو غيره بكون الجار والمجرور هو عين الخبر، لو قيل بأن المحذوف هذا لا بد من تقديره هل هو من كلام الله أو لا؟

لماذا نقول هذا؟ لأنه في مثل هذه التقديرات جرت على سنن للغة العرب، وإذا جرت على سنن لغة العرب فما جاز في لغة العرب جاز في القرآن، أنت احفظ هذا الأصل، والشيخ الأمين رحمه الله في الرسالة يقول:(لا يلزم أن كل ما جرى في لسان العرب أن يكون في القرآن). وهذا يحتاج إلى دليل، النافي هو الذي يحتاج إلى دليل وأما المثبت فهو على الأصل. حينئذٍ إذا قلنا لا بد أن يكون المجاز قد نطق به إمامٌ من أئمة السنة فحينئذٍ كل لفظٍ كل وصفٍ من مبتدأ أو خبر أو حال أو تمييز أو مضاف أو مضاف إليه، نقول: هذا وصفٌ زائدٌ على كلام الرب فأت بدليل أئت بإمام نطق بهذا، ثم المحذوفات والمقدرات هذه من الأفعال والحروف والتضمين والاشتقاق وكون هذا أصل وهذا فعلٌ ماضٍ

إلى آخره نقول آيت بدليل أئت بمن نص على ذلك من أئمة السنة. فمثل المجاز ومثل غيره من هذه القواعد لا نحتاج إلى أن ينص عليه إمام من أئمة السنة، وإذا حملنا كلام الإمام أحمد أنه من مجاز اللغة على أنه مجاز الاصطلاحي وهذا هو الظاهر أنه المجاز الاصطلاحي حينئذٍ لا إشكال نقول: نص الإمام أحمد على ماذا؟ على كون المجاز موجودًا في لغة العرب.

(واحدُها مِنَ الْمُثَنَّى) هو ذكر أولاً ماذا؟ المفرد عن الجمع، والجمع عن المفرد، ثم قال:(واحدُها) أي: واجعل واحد الكلمة المستعملة مجازًا عن الأخرى من المثنى، هذا إذا جعلنا النظم هنا بميم أي واجعل واحد الكلمة المستعملة مجازًا عن الأخرى من المثنى أي: واجعلهما أي: المفرد والجمع مع المثنى يعني في كون كلٍ منهما يقوم مقام الآخر أو يستعمل في معنى الآخر. (واحدُها مِنَ الْمُثَنَّى) أي واجعلهما المفرد والجمع مع المثنى فنفسر منه بمعنى مع المثنى، فإن استعمل كل واحدٍ من الثلاثة في محل الآخر، والأصل أن يقال المفرد والجمع والمثنى كلٌ منها يستعمل مقام الآخر مجازًا، هذا مراده المفرد والجمع وزد عليه المثنى كلٌ منها يستعمل مقام الآخر.

(واحدُها مِنَ الْمُثَنَّى) وفي نسخة واحدها عن المثنى وهذه أحسن وأجود، واحدها عن المثنى يعني أو يُستعمل واحدها من المفرد والجمع عن المثنى وهذا واضح. واحدها أي: يُستعمل واحد المفرد والجمع عن المثنى.

مثال المفرد عن المثنى {وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ} [التوبة: 62] يرضوهما هذا هو الأصل ولكن استُعمل المفرد عن المثنى.

ص: 19

ومثال المثنى عن المفرد قوله تعالى: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} [ق: 24] قيل: ألقِ كما قيل: قفا نبك ألقيا اثنان قيل ألقِ هنا استعمل المثنى عن المفرد، ومثال المثنى عن الجمع فارجع {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك: 4] أي: كرةً بعد كرة، هو باعتبار لا يحصل بماذا؟ بمرتين بل لا بد من جمعٍ.

مثال الجمع عن المثنى قوله تعالى: {فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] إخوة وهي تحجب بماذا؟ بالاثنين.

والمفرد عن الجمع والجمع عن المفرد سبق بيانه فيما سبق.

(والَّذِيْ عَقَلَ عَنْ ضِدٍّ لَهُ) يعني: ومنها من أنواع المجاز استعمال الذي عَقَلَ عن ضدٍ له يعني: الذي عقل، الموصول مع صلته في قوة المشتق، يعني الاستعمال العاقل (عَنْ ضِدٍّ لَهُ) وهو غير العقل {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}

[فصلت: 11] السماء والأرض طائعين هذا بياء ونون وهذا للعقلاء استعمل هنا العاقل في غير العاقل أليس كذلك؟ {رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف: 4] جمع بياء ونون وهذا من صفة العقلاء رأيتهم {رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً} الكواكب الأصل هذا الظاهر {رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} جمعه بواو ونون إذًا استُعمل الذي عقل في من أو فيما لا يعقل لأن الجمع بواو ونون من خواص العقلاء، والمسوغ هنا تَنْزِيلُه مُنَزَّلَتُهُ (أَوْ عَكْسُ ذِيْ) يعني: ومنها (عَكْسُ ذِيْ)(ذِيْ) يرجع إلى أي شيء؟

الظاهر أنه لقوله: (والَّذِيْ عَقَلَ عَنْ ضِدٍّ لَهُ أَوْ عَكْسُ ذِيْ) لأن اسم الإشارة يرجع إلى المتأخر، هذا الأصل كالضمير (أَوْ عَكْسُ ذِيْ) يعني: استعمال لفظ غير العاقل في العاقل كما استُعمل العاقل في غير العاقل استُعمل غير العاقل في العاقل، وهذا أجود. مثاله قوله تعالى:{وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [النحل: 49]. ومعلوم أن الملائكة والثقلين منهم وهنا قال {وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا} وما اسمٌ موصول بمعنى الذي أليس كذلك للعقلاء أو غيرهم؟ لغير العقلاء هذا هو الأصل، وهنا استعمل في ماذا؟ في غير العقلاء، استعمل غير العقلاء في العقلاء لأن العبرة دائمًا فيما إذا جمع العقلاء وغيرهم تغليب ماذا؟ العقلاء، وهنا استعمل في العقلاء ماذا استُعمل غير العاقل، أطلق لفظ {مَا} على الملائكة والثقلين وهم موضوعٌ لغير العاقل لكن لما اقترن به غلب عليه لكثرته. (سَبَبٌ) يعني ومنها (سَبَبٌ) أي استعماله في مسبب، استعمال السبب في المسبب أي إسناد الفعل إلى السبب ويسمى مجازًا عقليًا أو مجازًا إسناديًا {يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ} ، {يُذَبِّحُ} يذبح يعني: فرعون {أَبْنَاءهُمْ} يعني: أبناء بني إسرائيل، هو يذبح بنفسه؟ هو بنفسه يمسك ويذبح؟ لا. لِمَ أُسْنِدَ إليه الذبح؟ لكونه السبب في الأمر لكونه سببًا فيه أُسند إليه {يُذَبِّحُ} أي: فرعون {أَبْنَاءهُمْ} أبناء بني إسرائيل أي: يأمرهم بذبحهم فأسند إليه لأنه سببٌ فيه، (سَبَبٌ التِفَاتٌ) يعني: ومنها التفاتٌ، والالتفات عَدُّه من أنواع المجاز فيه نظر ليس بصواب، بل هو من أنواع الخطاب فإنه حقيقةٌ حيث لم يكن معه تجريد الصواب أن الالتفات هذا من الحقيقة وليس من ماذا؟ من المجاز.

ص: 20

والالتفات عندهم هو الانتقال من واحدٍ من التكلم والخطاب والغيب إلى آخر يعني: يكون السياق للغيبة ثم ينتقل إلى متكلم، أو متكلم إلى الغيبة، أو من الغيبة إلى التكلم، هذه الثلاثة، ثلاثة في اثنين بستة لأن المتكلم لا ينتقل إلى المتكلم ولا الغيب إلى الغيبة ولا .. ماذا؟ ولا الخطاب إلى الخطاب. إذًا ثلاثة في اثنين بستة هذا هو الأصل، أن ينتقل من التكلم إلى الغيبة أو الخطاب، أو من الخطاب إلى التكلم والغيبة، أو من الغيبة إلى التكلم والخطاب. هذه ستة أنواع.

إذًا نقول: الالتفات هو الانتقال من واحدٍ من التكلم والخطاب والغيبة إلى آخر وهذا الآخر محصورٌ في ستة أنواع في ستة أنواع مثال الانتقال من الغيبة إلى الخطاب {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ} [الفاتحة: 3، 5] هذا انتقال من ماذا من غيبة إلى خطاب لأن الاسم الظاهر هذا من الغيبة معدود في الغيبة {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 2، 4] تتكلم عن ماذا؟ عن غائبٍ باعتبار اللفظ ثم قلت: {إِيَّاكَ} هذا انتقال من غيبة إلى خطاب هذا يسمى ماذا يسمى الالتفات. {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ} والأصل إياه نعبد هذا الأصل لو أردنا السياق أن يكون واحدًا الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياه نعبد وإياه نستعين، لكن لما انتقل من الغيبة للخطاب صار التفاتًا، ومن التكلم إلى الخطاب {وَمَا لِي لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي} يتكلم عن نفسه {وَمَا لِي لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ} ترجع؟ قال:{تُرْجَعُونَ} [يس: 22] انتقال من ماذا؟ من التكلم إلى الخطاب {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} الأصل الكلام يتكلم عن نفسه وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه أُرجع هذا أصل الكلام لكن انتقل منه إلى الخطاب قال:

{وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} .

ومثاله من الخطاب إلى الغيب قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم} . والأصل بكم خطاب {حَتَّى إِذَا كُنتُمْ} . كنتم أنتم {فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم} . يعني بآبائهم.

ومن التكلم إلى الغيبة {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} ثم قال: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ} والأصل فصل لي أليس كذلك؟ {فَصَلِّ لِرَبِّكَ} أو فصل لنا لأنه قال: {إِنَّا} واضح هذا؟ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} هذا متكلم {فَصَلِّ لِرَبِّكَ} والأصل أن يقول فصل لنا لكن هذا يُسَمَّى التفات من التكلم إلى الغيب.

ومن الغيبة إلى التكلم {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ} [فاطر: 9] والأصل فساقه الله ثم قال: {فَسُقْنَاهُ} من غيبة إلى تكلم.

إذًا هذه أنواع الالتفات وتذكر في علم البيان مفصلاً.

(التَّكْرِيْرُ) يعني: ومنها التكرير والمراد به التأكيد للفظ أو الجملة {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [التكاثر: 3، 4] قالوا: هذا مجاز. والأصح أنه ليس بمجاز، في عد التكرار من المجاز في خلاف والصحيح أنه حقيقة وليس بمجازٍ.

ص: 21

(زِيادَةٌ) يعني: ومن أنواع المجاز: المجاز بالزيادة ضد الحذف، مثاله قوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]{لَيْسَ كَمِثْلِهِ} نقول: الكاف هذه زائدة لأن المراد نفي المثل، وليس نفي مثل المثل، لأن المراد ماذا؟ نفي المثل ليس مثله شيء هذا أو الأصل وليس المراد نفي مثل المثل، حينئذٍ نحكم وأصح الأقوال في هذه نحكم بكون الكاف زائدة سواء قلنا زائدة بأنها صلة وتوكيد تأدبًا أو لا بأس من ذكر الزيادة في القرآن.

إذًا (زِيادَةٌ) أي ومنها زيادة أي: مجازٌ بالزيادة، فإن قيل حذف المجاز لا يسقط على المجاز بالزيادة كما ذكرناه في الحد السابق لأنه لم يستعمل اللفظ في غير موضوعه فالجواب أنه منه حيث استُعمل نفي مثل المثل في نفي المثل

{لَيْسَ كَمِثْلِهِ} هنا استعمل نفي مثل المثل في نفي المثل، وسؤال القرية فيما سبق في سؤال أهلها فقد تُجُوِّزَ في اللفظ وتُعدَّي به عن معناه إلى معنى آخر. وقال القزويني: إنه مجازٌ من حيث إن الكلمة نقلت من إعرابها الأصلي إلى إعرابها الجديد. ليس مثله كانت منصوبة ثم ماذا لما جاءت الزيادة {لَيْسَ كَمِثْلِهِ} هذا عبور والانتقال انتُقل بالكلمة من كونها خبرًا لليس وهي منصوبة فصارت ماذا مجرورة بالكاف ومثله {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} أصله واسأل أهل القرية، انتقل بالإعراب من الكسر إلى إلى النصب. وقال القزيني: إنه مجاز من حيث إن الكلمة نقلت عن إعرابها الأصل إلى نوعٍ آخر من الإعراب.

(تَقْدِيْمٌ، أَوْ تَأْخِيْرُ) يعني: من أنواع المجاز التقديم والتأخير أو بمعنى الواو (تَقْدِيْمٌ، أَوْ تَأْخِيْرُ) عَدَّه قومٌ من المجاز لماذا؟ لأن تقديم ما رتبته التأخير كالمفعول وتأخير مع رتبه التقديم كالفاعل نقلٌ لكل واحدٍ منهما عن رتبته وحقه.

هذا تكلف يعني لو قلتَ: ضربتُ زيدًا أو ضرب زيدٌ عمرًا كل جاء في موضعه لو قلتَ: ضرب عمرًا زيدٌ صار مجاز، لماذا؟ لأنك نقلت اللفظ من رتبته من الفاعل إلى كونه متأخرًا وهو متقدم، ونقلت رتبة المفعول به من التأخر إلى التقدم، وهذه مشكلة المجاز أنهم توسعوا فيه إلى أبعد الحدود ولو ضبط بأصول بحيث يكون قليلاً ويحاور فيها أن التقسيمات هذه ألا يكون لها وجود أظن يكون له قبول أكثر من الإنكار.

(تَقْدِيْمٌ، أَوْ تَأْخِيْرُ) قال الزركشي: والصحيح أنه ليس منهم. ولذلك نجد منهم من يُنكر والحمد لله. قال الزركشي في ((البرهان)): والصحيح أنه ليس منه، فإن المجاز نقل ما وُضِعَ إلى ما لم يوضع له. وضع لا بد من لفظ وله معنى وأين التقديم والتأخير هنا، ولذلك نقول: الصواب أنه ليس من أنواع المجاز ليس التقديم والتأخير من أنواع المجاز.

مثلوا له بقوله تعالى: {فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا} [هود: 71] بشرناها بإسحاق فضحكت الضحك المعلوم هذا أيهما مقدم؟

البشرى مقدمة لأنها سبب والضحك هذا فرع حينئذٍ حصل تقديم وتأخير قيل: هذا مجاز. {فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا} والأصل فبشرناها بإسحاق فضحكت إذ الضحك مسبب عن التعجب على الْبَشَارة بحصول الولد، وأما إذا كان {فَضَحِكَتْ} بمعنى حاضت فهذا شيء آخر.

ص: 22

إذًا في قوله هنا في أنواع المجاز (مِنْها اختصارُ الحَذْفِ) ليس كل حذف يُعد مجازًا وإنما هو نوع واحد من الأنواع الأربعة التي ذكرها القرافي.

(تَرْكُ الخَبَرِ) هذا الأصح أنه ليس بمجاز.

(والفَرْدُ جَمْعٌ إِنْ يُجَزْ عَنْ آَخَرِ واحدُها مِنَ المُثَنَّى) هذا لا بأس بكونه مجازًا.

(والَّذِيْ عَقَلَ عَنْ ضِدٍّ لَهُ) هذا الأولى أن يقال: بأنه مجاز.

(أَوْ عَكْسُ ذِيْ) وهذا مثله. لأنه كثر وشاع فصار كالحقيقة.

(سَبَبٌ) هذا لا إشكال في أنه مجاز.

(التِفَاتٌ التَّكْرِيْرُ) على الصواب أنه ليس بمجاز.

(زِيادَةٌ) هذا على نزاع كبير والأصح أنها مجاز.

(تَقْدِيْمٌ، أَوْ تَأْخِيْرُ) ليس بمجاز. أكثر ما ذكره ليس من أنواع المجاز.

النوع الرابع من أنواع العِقد الرابع المشترك نأخذه ولا نرجئه .....

نقف على هذا.

وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد.

ص: 23